منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   القسم الإسلامي (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=21)
-   -   تقارب الأديان تدليس وبهتان (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=21304)

السهم المصري 7 - 1 - 2012 02:57 PM

تقارب الأديان تدليس وبهتان
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اقدم لكم موضوعا اعددته وزميلة لي بمنتدى آخر يتكلم عن موضوع قديم حديث وهو تقارب الاديان وما يصفونه بحوار الأديان
اتمنى أن ينول تقديركم ونرى رأيكم فيه :


منقول للإفادة ولتوضيح ما هو التوحيد الإلهي

وتوحيد الأديان كي لا يختلط الأمر علينا

تقارب الأديان ..تدليس وبهتان

تعالت في الآونة الأخيرة أصوات نادت بفتن تعم بها البلوى ظاهرها أهداف براقة مزخرفة باسم السلام والصلح والتعايش بين البشر على اختلافهم وباطنها هجمة ماكرة على الإسلام ، لعبت فيها الشعارات المقنعة والوسائل الملتوية دورا كبيرا للتلبيس على المسلمين.
رأى فيها أعداء التوحيد ساحة تخدم أغراضهم في محو الإسلام من العقول دون أن يضطروا إلى المواجهة المباشرة والهجمة الصريحة التي تفضح نواياهم ، وللأسف فقد سايرهم في ذلك بعض المستغفلين من أبناء الإسلام الذين جرت أرجلهم وعقولهم لتقع في الشراك .

تعددت الشعارات والكذب واحد
وحتى يكون لها وقع في النفوس فقد صبغت بصورة براقة مزخرفة تستتر خلفها النوايا الماكرة، فنراهم ينادون بالتجمع الديني بينهم وبين المسلمين تحت مسميات وإن اختلفت فإن باطنها واحد:
( في الربع الأخير من القرن الرابع عشر هجري ، وحتى عامنا هذا 1416 . وفي ظل " النظام العالمي الجديد " : جهرت اليهود ، والنصارى ، بالدعوة إلى التجمع الديني بينهم ، وبين المسلمين ، وبعبارة أخرى : " التوحيد بين الموسوية ، والعيسوية ، والمحمدية " باسم :
" الدعوة إلى التقريب بين الأديان ". " التقارب بين الأديان " . ثم باسم : " نبذ التعصب الديني ".
ثم باسم : " الإخاء الديني " وله : فتح مركز بمصر بهذا الاسم .
وباسم : " مجمع الأديان " وله فتح مركز بسيناء مصر بهذا الاسم .
وباسم : " الصداقة الإسلامية المسيحية " .
وباسم : " التضامن الإسلامي المسيحي ضد الشيوعية " .
ثم أخرجت للناس تحت عدة شعارات :
* " وحدة الأديان " . " توحيد الأديان " . " توحيد الأديان الثلاثة " . " الإبراهيمية " . " الملة الإبراهيمية " . " الوحدة الإبراهيمية " . " وحدة الدين الإلهي " . " المؤمنون " . " المؤمنون متحدون " . " الناس متحدون " . الديانة العالمية " . " التعايش بين الأديان " . " المِلّيُون " . " العالمية وتوحيد الأديان " .
ثم لحقها شعار آخر ، هو " وحدة الكتب السماوية " . ثم امتد أثر هذا الشعار إلى فكرة طبع : " القرآن الكريم ، والتوراة ، والإنجيل " في غلاف واحد .
ثم دخلت هذه الدعوة في : " الحياة التعبدية العملية " ؛ إذ دعا " البابا " إلى إقامة صلاة مشتركة من ممثلي الأديان الثلاثة : الإسلاميين والكتابيين ، وذلك بقرية : " أسِيس " في : " إيطاليا " . فأقيمت فيها بتاريخ : 27 / 10 / 1986 م .
ثم تكرر هذا الحدث مرات أخرى باسم : " صلاة روح القدس .
ففي : " اليابان " على قمة جبل : " كيتو " أقيمت هذه الصلاة المشتركة ، وكان - واحسرتاه - من الحضور ممثل لبعض المؤسسات الإسلامية المرموقة .
وما يتبع ذلك ، من أساليب بارعة للاستدراج ، ولفت الأنظار إليها والالتفاف حولها ، كالتلويح بالسلام العالمي ، ونشدان الطمأنينة والسعادة للإنسانية ، والإخاء ، والحرية ، والمساواة ، والبر والإحسان . وهذه نظيرة وسائل الترغيب الثلاثة التي تنتحلها الماسونية : " الحرية ، والإخاء ، والمساواة " أو : " السلام ، والرحمة ، والإنسانية " وذلك بالدعوة إلى " الروحية الحديثة " القائمة على تحضير الأرواح ، روح المسلم ، وروح اليهودي ، وروح النصراني ، وروح البوذي ، وغيرهم ، وهي من دعوات الصهيونية العالمية الهدامة ، كما بين خطرها الأستاذ محمد محمد حسين - رحمه الله تعالى - في كتابه : " الروحية الحديثة دعوة هدامة / تحضير الأرواح وصلته بالصهيونية العالمية " .) د. أبوبكر زيد

كل هذا من ألوان التضليل التي لا تنطلي على ذو عقل .
والغرض الأكبر وراء هذا الكذب هو إقصاء الإسلام عن كونه منهجا للحياة ، والطمس على العقيدة وزعزعة منهج الولاء والبراء في نفوس أبنائه ، ليعيش الناس على اختلاف مللهم في البلد الواحد إخوانا متحابين متوافقين وتزول بينهم الخلافات الدينية كما يزعمون .
وهم بذلك يصطبغون بصبغة الحمل الوديع الذي يمد يده للآخرين مناديا بالسلام ونبذ العداوة ، وما هذا في الحقيقة إلا تضليل على الغافلين الذين لا يدرون أين يساقون ، فتلك الأيدي الممدودة بالسلام هي نفسها الملطخة بدماء الأبرياء المسلمين ، وهي نفسها التي تنكر أي حقوق لأحد في العالم سواها ،وهي نفسها التي تعمل في الخفاء ليلبسوا على الناس دينهم!
يقول الدكتور محمد عمارة حول أحد تلك اللقاءات التي حضرها في قبرص : ( ووجدت يومها أن الكنيسة الأمريكية –التي ترعى هذا الحوار وتنفق عليه- قد اتخذت من إحدى القلاع التي بناها الصليبيون إبان حروبهم ضد المسلمين، "قاعدة" ومقراً لإدارة هذا الحوار ؟!
ومؤتمر آخر للحوار حضرته في عمّان –بإطار المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية- مع الكنيسة الكاثوليكية في الثمانينيات وفيه حاولنا –عبثاً- انتزاع كلمة منهم تناصر قضايانا العادلة في القدس وفلسطين، فذهبت جهودنا أدراج الرياح! على حين كانوا يدعوننا إلى "علمنة" العالم الإسلامي لطي صفحة الإسلام كمنهاج للحياة الدنيا، تمهيداً لطي صفحته –بالتنصير- كمنهاج للحياة الآخرة !
ومنذ ذلك التاريخ عزمت على الإعراض عن حضور "مسارح" هذا "الحوار"!)

فالهدف جلي واضح :
(احتواء المد الإسلامي على العالم .حل الرابطة الإيمانية .كف أقلام المسلمين والسنتهم عن تكفير اليهود والنصارى .كف المسلمين عن جهاد الكتابيين ودعوتهم إلى الإسلام وفرض الجزية عليهم إن لم يسلموا ) أهـ د. بكر أبو زيد .
(تهدف ثقافة السلام إلى نزع العدواة من عقل المسلم للكفار من أمة المغضوب عليهم اليهود وأمة الكفر والشرك والضلال والنصارى
إن المراد من هذه الدعوات أن يكفر المسلم لا أن يسلم الكافر ) ولن ترضي اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم " ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء." أهـ د.بنت الرسالة

السهم المصري 7 - 1 - 2012 02:57 PM

كيف تستغل تلك اللقاءات في خدمة التنصير
- إزالة الحواجز النفسية تجاه عباد الصليب
فينظر إليهم بعين التقارب والتسامح والوحدة، ويتعايش معهم على أساس الأخوة والمودة ، ويرضى بكفرهم و يثنى عليهم ، وعندها تقتل الحمية في نفوس المسلمين فلا يقال للكافر كافر ، بل يوالى ويحب ويقلد نمط حياته ويقتبس سلوكه فلا يبغض ولا يعادى ، والأسوأ من ذلك أن يقصى الإسلام عن كونه منهجا للحياة، وأن يفتح باب كبير للتشويش وبث الشبهات وبلبلة العقائد ،فتضمحل الشخصية الإسلامية في نفوس المسلمين شيئا فشيئا ولا يجدون غضاضة ولا حرجا في اتباع سنن ( إخوانهم ) عباد الصليب ومن ثم الانسلال من مظلة دينهم.

- تشويه الإسلام باسم الإسلام
فبصورة عامة يشرك من أبناء المسلمين من يحملون الألقاب العلمية والدرجات العالية وهم رغم ذلك مستغفلون جاهلون بحقيقة تلك الحوارات ، فيتبعهم في ذلك شرائح كبيرة من المسلمين ممن خلفهم يغرر بهم ويسوقهم جهلهم فيقلدونهم، وهكذا يستغلهم أعداء الدين للطعن في صورة الإسلام بيد أبنائه.

- تنحية الاختلافات بين الأديان والتركيز على إيجاد قواسم مشتركة
وهذه القواسم المشتركة تسلط عليها الأضواء ليلتف حولها أصحاب العقائد المختلفة فلا داعي للتمايز والخلاف ، وفوق ذلك يلبس على الناس في دينهم ففي هذه اللقاءات ليس لأحد أن يدعي أن الحق المطلق معه ! وعندها تتوقف العقول والألسنة والأيدي المسلمة عن تكفير من لا خلاف على كفرهم من اليهود النصارى .
حتى وصل بهم الأمر إلى الإعلان عن طبع القرآن الكريم والانجيل والتوراة في غلاف واحد بتاريخ 1416 / 10 / 10 ، وجهروا بدعواتهم إلى (إنشاء مسجد وكنيسة ومعبد) في بناء واحد في خلط صريح بين الحق والباطل ،فجعلوا الدين المحفوظ بمنزلة ما حرفوه وبدلوه .
(وفي تاريخ : 21 / 3 مارس / 1987 م تأسست الجماعة العالمية للمؤمنين بالله ، باسم : " المؤمنون متحدون " .
وفي شهر إبريل ، منه - أيضاً - تأسست جمعية باسم : " الناس متحدون " .
رأس مال جماعة : " المؤمنون متحدون " وهو : " 000 , 800 دولار " ، في حال حلها تعود أموالها إلى : " الصليب الأحمر " ومؤسسات الصدقات الكنسية .
من اعتبارات هذه الجمعية الرموز الآتية :
* " رمز الإحسان " هو : مؤسس الصليب الحمر .
* " رمز التطور " هو : دارون .
* " رمز المساواة " هو : كارل ماركس .
* " رمز السلام العالمي للبشرية و " الإخاء الديني " هو : البابا .
وقد اتخذت هذه الجمعية " راية " عليها الشعارات الآتية : " شعار الأمم المتحدة " و " قوس قزح " ورقم " 7 " - رمز النصر عندهم - وهو أيضاً اسم أول سفينة اكتشفت القارة الأمريكية ، وحملت رسالة النصرانية إلى هذه القارة .) (الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان- د. بكر أبو زيد – بتصرف يسير )

- وكنتيجة طبيعية لجميع ما سبق فلا بد من تغيير المناهج المدرسية وتطويعها لخدمة ثقافة السلام
فتنحى صورة العدو ويستبعد ما قد يثير الحقد أو الكره ، ويحل محل ذلك الدعوة إلى التسامح ونبذ العنف ، وفي خضم هذا كله يجري تشويه خطير للتاريخ لتطوى الكثير من صفحاته بالتناسي .
(في عام 1979 أنشئ ما يسمى بـ"منظمة الإسلام والغرب"، تحت رعاية منظمة الثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة "يونيسكو"، والتي تشكلت من 35 عضوًا.. عشرة منهم مسلمون، وكان من أول أهداف المنظمة الجديدة - كما نص دستورها صراحة- علمنة التعليم، حيث جاء فيه: "إن واضعي الكتب المدرسية لا ينبغي لهم أن يصدروا أحكامًا على القيم، سواء صراحة أو ضمنًا، كما لا يصح أن يقدموا الدين على أنه معيار أو هدف". ونص - أيضاً – على: "المرغوب فيه أن الأديان يجب عرضها ليفهم منها الطالب ما تشترك فيه ديانة ما مع غيرها من الأديان، وليس الأهداف الأساسية لدين بعينه"، وهو ما يسير في إطار عولمة الأديان وجمعها في إطار واحد!.) الاسلام اليوم .

السهم المصري 7 - 1 - 2012 02:58 PM

- إشعار المسلمين أنهم ليسوا وحدهم المستهدفين بتلك الحوارات
وذلك بدعوة غير المسلمين من الطوائف الأخرى لحضور الحوارات واللقاءات ، كما يحصل في المؤتمر العالمي للدين والسلام الذي تأسس في اليابان عام 1970 والذي تعقد دوراته مرة كل خمس أعوام ، فبالإضافة للإسلام والمسيحية واليهودية يشارك أصحاب عقائد أخرى ممثلة في المؤتمر؛ مثل الكونفوشية والبهائية والبوذية والهندوسية واليانية (الهند) والشنتو (اليابان) والسيخية (الهند) والطاوية (الصين) والزرادشتية.
فيضلل المسلمون عن رؤية الشرك المنصوب لهم خصيصا ،بل لعل في تقبل المسلمين تلك الطوائف ما يزيد الطوام والله المستعان .

- الحوار خطوة في جهود التنصير
فلا يعني الحوار بأي حال من الأحوال التخلي عن الجهود المبذولة في عمليات التنصير بل هو خطوة في عملية التنصير ومرحلة من مراحله ، (وترمي إلى تمهيد السبيل : " للتبشير بالتنصير " والتقديم لذلك بكسر الحواجز لدى المسلمين ، وإخماد توقعات المقاومة من المسلمين ؛ لسبق تعبئتهم بالاسترخاء ، والتبلد) د.بكر أبو زيد
يقول الدكتور محمد عمارة : (إن وثائق مؤتمرات التدبير لتنصير المسلمين التي تتسابق في ميادينها كل الكنائس الغربية، تعترف –هذه الوثائق- بأن الحوار الديني –بالنسبة لهم- لا يعني التخلي عن "الجهود القسرية والواعية والمتعمدة والتكتيكية لجذب الناس من مجتمع ديني ما إلى آخر" بل ربما كان الحوار مرحلة من مراحل التنصير! )

- شحذ وسائل الإعلام لدعم تلك اللقاءات
انطلاقا من حقيقة أن للإعلام دور كبير في العصر الحاضر للتأثير في النفوس ، فإن وسائل الإعلام تشحذ بصورة كبيرة للتركيز على تلك اللقاءات والحوارات وإلباسها صورة تكون أدعى للقبول في نفوس الناس، تطبل الأبواق الإعلامية وتحتفي بتلك الفتن ، ولا حرج من أن يظهر العالم المسلم يتبادل الابتسامات والعناق مع القس والراهب ، ودوا لو تدهن فيدهنون !
تلك الصورة الإيجابية التي يحاولون فبركتها وتعميمها على العقول تجعل من يتجرأ على النقد وتفنيد تلك الدعاوى لإحقاق الحق يظهر بصورة المتطرف عدو السلام .


وبعد ذلك كله ....
من يفطن لتلك المؤامرات الخسيسة .
ومن يتصدى لها في عالم اختلطت به المفاهيم ودلس على العقول.
ولهف نفسي أمازال بني قومي يساقون إلى الهلكة بكامل إرادتهم يرون في الطعم مظنة النجاة!
---------------


السهم المصري 7 - 1 - 2012 02:58 PM


حكم الدعوة إلى تقارب الأديان
من فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية

السؤال
إننا في أمريكا نحاول بذل ما نستطيعه للدعوة إلى الله على منهج السلف الصالح ، وفي الآونة الأخيرة طرأ أمر خطير هام ، وهو انتشار لجنة التقارب بين الديانات السماوية الثلاثة : ( الإسلام ، والمسيحية ، واليهودية ) يرسل مبعوث من كل فئة من هذه الأديان ؛ لمحاولة إغلاق الفجوة بين هذه الأديان الثلاثة والتقارب بينها ، ويجتمعون في الكنائس والمعابد اليهودية ، بل ويصلّون صلاة مشتركة ، كما فعلوا حين حصلت مجزرة الخليل في فلسطين ، ويحضر الاجتماع عدد لا يستهان به من أصحاب الأديان الثلاثة .
والسؤال هو : إنه يُمَثِّل المسلمين علماء - أو من هم محسوبون على أهل العلم - ، وقد حدث بيننا مشادة في حكم الاجتماع في مثل هذه الاجتماعات ، حتى إن علماء المسلمين يصافحون ويعانقون القساوسة والرهبان ، وليس هناك مجال للدعوة في مثل هذه الاجتماعات ، بل هي على اسم اللجنة لتقارب الأديان الثلاثة ، فهل يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يجتمع في مثل هذه الاجتماعات ، ويدخل الكنائس والمعابد اليهودية ، بل يسلم ويعانق قسيساً أو راهباً ؟ وللعلم : فقد انتشر هذه الأمر على مستوى أمريكا ، فنرجو أن ترسلوا لنا الحل ؛ لأننا رضينا بك حكماً بيننا لإخماد الفتنة على مستوى أمريكا . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الاجابة
الحمد لله بعد دراسة اللجنة للاستفتاء ، أجابت بما يلي :

أولاً : أصول الإيمان التي أتزل الله بها كتبه على رسله - التوراة والإنجيل والقرآن ، والتي دعت إليها رسله عليهم الصلاة والسلام : إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء والمرسلين - كلها واحدة ، بشَّر سابقهم بلاحقهم ، وصدَّق لا حقهم بسابقهم ، وأيده ونوه بشأنه ، وإن اختلفت الفروع في الجملة حسب مقتضيات الأحوال والأزمان ومصلحة العباد ، حكمة من الله وعدلاً ورحمة منه سبحانه وفضلاً ، قال الله تعالى : { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير } وقال تعالى : { والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفوراً رحيماً } ، وقال تعالى : { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين . فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون . أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه ترجعون . قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون . ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهم في الآخرة من الخاسرين ) وقال تعالى بعد ذكره دعوة خليله إبراهيم إلى التوحيد ، وذكر من معه من المرسلين : { أولئك الذين آتيناهم الكتب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين . أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجراً إن هو إلا ذكرى للعالمين } ، وقال تعالى : { إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين } ، وقال : { ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين } ، وقال : { وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد } ، وقال تعالى : { وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عمّا جاءك من الحق لكلٍ جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً } الآيات .

وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة ، والأنبياء إخوة لعلات ، أمهاتهم شتى ودينهم واحد » رواه البخاري .

ثانياً : حرّف اليهود والنصارى الكلم عن مواضعه ، وبدلوا قولاً غير الذي قيل لهم ، فغيروا بذلك أصول دينهم ، وشرائع ربهم ، من ذلك قول اليهود : { وقالت اليهود عزير ابن الله } وزعمهم أن الله مسه لغوب ، وأصابه تعب من خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، فاستراح يوم السبت ، وزعمهم أنهم صلبوا عيسى عليه السلام وقتلوه ، ومن ذلك أنهم أحلوا الصيد يوم السبت بحيلة ، وقد حرمه الله عليهم ، وأنهم ألغوا حد الزنا ، ومن ذلك قولهم : { إن الله فقير ونحن أغنياء } ، وقولهم : { يد الله مغلولة } ، إلى غير ذلك من التحريف والتبديل القولي والعملي عن علم ؛ اتباعاً للهوى ، ومن ذلك زعم النصارى أن المسيح عيسى عليه السلام ابن الله ، وأنه إله مع الله ، وتصديقهم لليهود في زعمهم أنهم صلبوا عيسى عليه السلام وقتلوه ، وزعم كل من الفريقين أنهم أبناء الله وأحباؤه ، وكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وبما جاء به ، وحقدهم عليه وحسدهم إياه من عند أنفسهم ، وقد أخذ الله عليهم العهد والميثاق أن يؤمنوا به ويصدقوه وينصروه وأقروا على أنفسهم بذلك . إلى غير ذلك من فضائح الفريقين وتناقضهم ، وقد حكى الله الكثير من كذبهم وافترائهم وتحريفهم وتبديلهم ما أنزل إليهم من العقائد والشرائع ، وفضحهم الله ، ورد عليهم في محكم كتابه ، قال الله تعالى : { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون . وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة قل أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون } الآيات ، وقال تعالى : { وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيُّهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } الآيات ، وقال تعالى : { وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين . قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } الآيات ، وقال تعالى : { وإن فريقاً منهم ليلوون ألسنتهم بالكتب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون } الآيات ، وقال تعالى : { فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً . وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً . وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً . بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً } الآيات ، وقال تعالى : { وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلِمَ يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق } الآيات ، وقال تعالى : { وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون . اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم } الآيات ، وقال تعالى : { ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق } إلى غير ذلك مما لا ينقضي منه العجب من افترائهم وتناقضهم ومخازيهم وفضائحهم والقصد ذكر نماذج من أحوالهم ليبنى عليها الجواب فيما يأتي .

السهم المصري 7 - 1 - 2012 02:59 PM

ثالثاً : مما تقدم يتبين أن أصل الديانات التي شرعها الله لعباده واحد لا يحتاج إلى تقريب ، كما يتبين أن اليهود والنصارى قد حرفوا وبدلوا ما أنزل إليهم من ربهم ، حتى صارت دياناتهم زوراً وبهتاناً وكفراً وضلالاً ، ومن أجل ذلك أرسل إليهم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ولغيرهم من الأمم عامة ؛ ليبين ما كانوا يخفون من الحق ويكشف لهم عما كتموه ، ويصحح لهم ما أفسدوا من العقائد والأحكام ويهديهم وغيرهم إلى سواء السبيل ، قال الله تعالى : { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين . يهدي به الله من اتبع رضوانه دار السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراطٍ مستقيم } ، وقال : { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير } ، لكنهم صدّوا عن الحق وأعرضوا عنه بغياً وعدواناً وحسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ، فال الله تعالى : { ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق } وقال : { ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين } الآيات ، وقال : { ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون } الآيات ، وقال : { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة . رسول من الله يتلوا صحفاً مطهرة فيها كتب قيمة } الآيات .

فكيف يرجو عاقل يعرف إصرارهم على الباطل وتماديهم في غيهم عن بينة - وعلم حسداً من عند أنفسهم واتباعاً للهوى - التقارب بينهم وبين المسلمين الصادقين ، قال الله تعالى : { أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون } الآيات ، وقال : { إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيراً ولا تُسأل عن أصحاب الجحيم . ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير } ، وقال سبحانه : { كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين } الآيات .

بل هم إن لم يكونوا أشد من إخوانهم المشركين كفراً وعداوة لله ورسوله والمؤمنين فهم مثلهم ، وقد قال الله تعالى : { فلا تطع المكذبين . ودوا لو تُدهِن فيُدهنِون } الآيات ، وقال له : { قل يا أيها الكافرون . لا أعبد ما تعبدون . ولا أنتم عابدون ما أعبد . ولا أنا عابد ما عبدتم . ولا أنتم عابدون ما أعبد . لكم دينكم ولي دين } .

إن من يُحَدَّث نفسه بالجمع أو التقريب بين الإسلام واليهودية والنصرانية كمن يجهد نفسه في الجمع بين النقيضين بين الحق والباطل ، والكفر والإيمان ، وما مثله إلا كما قيل :
أيها المنكح الثريا سهيلاً***عمرك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت***وسهيل إذا استقل يمان


ثم إن دين اليهود والنصارى قد نسخه الله ببعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وأوجب الله على جميع أهل الأرض اتباعه من يهود ونصارى وغيرهم ، قال تعالى : { الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذين يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون . قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون } ، فإذا بقوا على دينهم وهم منسوخ فهو تمسك بالباطل وبغير دين ؛ فلا يجوز للمسلمين أن يتقاربوا معهم ؛ لأن في التقارب معهم إقرار لهم على الباطل من ناحية ، وتغريراً بالجهال من ناحية أخرى ، والواجب فضح باطلهم كما فضحهم الله في القرآن . والله أعلم .

رابعاً : لو قال قائل : هل تمكن الهدنة بين هؤلاء أو يكون بينهم عقد صلح ؛ حقناً للدماء واتقاءً لويلات الحروب ، وتمكيناً للناس من الضرب في الأرض ، والكد في الحياة لكسب الرزق ، وعمارة الدنيا والدعوة إلى الحق وهداية الخلق ؛ إقامة العدل بين العالمين - لو قيل ذلك لكان قولاً متجهاً وكان السعي في تحقيقه سعياً ناجحاً ، والقصد إليه قصداً نبيلاً ؛ لإمكانه ، وعظيم أثره . لكن يكون ذلك عند عدم إمكان أخذ الجزية ؛ لقول الله عز وجل في سورة التوبة : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } ، مع المحافظة على إحقاق الحق ونصره فلا يكون ذلك على سبيل مداهنة المسلمين للمشركين ، وتنازلهم عن شيء من حكم الله ، أو شيء من كرامتهم وهوانهم على أنفسهم ، بل مع الإبقاء على عزتهم والاعتصام بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ، والبغض لأعداء الله وعدم موالاتهم ؛ عملاً بهدي القرآن ، واقتداءً بالرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ، قال الله تعالى : { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم } الآيات ، وقال تعالى : { فلا تَهِنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم } .

وقد فسّر ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم ذلك عملياً ، وحققه مع قريش عام الحديبية ، ومع اليهود في المدينة قبل الخندق ، وفي غزوة خيبر ، ومع نصارى الروم في غزوة تبوك ؛ فكان لذلك الأثر العظيم والنتائج الباهرة من الأمن وسلامة النفوس ، ونصرة الحق ، والتمكين له في الأرض ، ودخول الناس في دين الله أفواجاً ، واتجاه الجميع للعمل في الحياة لدينهم ودنياهم ، فكان الرخاء والازدهار وقوة السلطان وانتشار الإسلام والسلام ، وفي التاريخ وواقع الحياة أقوى دليل وأصدق شهيد على ذلك لمن أنصف من نفسه أو ألقى سمعه واعتدل مزاجه وتفكيره وبرئ من العصبية والمراء ، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، والله الهادي إلى سواء السبيل ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .



منقول للإفادة ...عن اللجنة الدائمة / الشبكة النسائية العالمية

السهم المصري 7 - 1 - 2012 03:00 PM

الحوار بين الأديان (حقيقته وأنواعه)
عبد الرحيم بن صمايل السلمي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
فإنَّ اختلاف الناس في أديانهم وعقائدهم سنة قدرها وقضاها رب العالمين, لحكمة عظيمة وغاية جليلة وهي الابتلاء والاختبار يقول تعالى : {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [سورة هود: 118-119], والمراد بالاختلاف هنا: الاختلاف في الدين(1) وليس في الألوان والأذواق واللغات ونحوها.

وأعمق خلاف بين الأديان هو الخلاف الواقع بين المسلمين وأهل الكتاب (اليهود والنصارى)على وجه الخصوص, فمنذ أن حاربهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وإلى آخر الزمان عندما ينزل عيسى عليه السلام، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، والخلاف مستمر والصراع محتدم بأساليب متنوعة وطرق متباينة.

وفي هذا الوقت وبالتحـديد منذ منتصف القرن الماضي بعد المجمع الفاتيكاني الثاني (1962 - 1965م) ظهر تطور جديد في أسلوب التنصير والتبشير وهو التنصير تحت عباءة الحوار والتقارب وتفاهم الآخر والاعتراف به والتعاون على القضايا المشـتركة بين الأديان, وهذا التطور الجديد عند النصارى هدفه بالدرجة الأولى تدارك النصرانية التي نُكِّست أعلامها بعد هزائمها المتتالية أمام العلمانيين، لا سيما وأن المجتمع الغربي يحمل تصوراً سلبياً عن الكنيسة في العصور الوسطى وعصر النهضة والعصر الحديث مما جعل العالم الغربي المفتوح - الآن - للأديان يشكل خطراً على الكنيسة في المستقبل, لا سيما مع الازدياد الملحوظ في الدخول في الإسلام بين النصارى.

وقد جاء ت فكرة الحوار بين الأديان عند الكنيسة الكاثوليكية مع تجديدات أخرى في الدين النصراني ومنها: توسيع مفهوم الخلاص ليشمل النوع الإنساني بأكمله، وتبرئة اليهود من دم المسيح، والتعاون بين فرق النصرانية المختلفة (الأرثوذكس - والبروتستانت).

ويعتبر هذا التطور في الديانة النصرانية أبرز التطورات بعد مجمع نيقية الذي عقد في سنة 325م, الذي قرروا فيه عقيدة التثليث، وأعلن ديناً رسمياً للدولة الرومانية بعد اعتناق قسطنطين للنصرانية.

فهذه الفكرة "الحوار بين الأديان" منشؤها الأصلي من الكنيسة الكاثوليكيّة وأكثر جمعيات الحوار ومؤتمراته منها, وهذا في حدِّ ذاته مؤشرٌ للأهداف الخبيثة فيه, ومع كثرة المؤتمرات واللقاءات المعقودة في هذا الشأن إلا أنها لم تفد شيئاً يذكر في مجال التقارب الحقيقي و بناء أعمال مؤسسية لهذا الغرض, فبعد مفاوضات مرثونية طويلة ومملّة لم يتوصل الإسلاميون المشاركون فيها إلى الاعتراف من النصارى بأن محمد صلى الله عليه وسلم نبيناً من الأنبياء، وله رسالة صحيحة كغيره من الأنبياء، وهذا ما أغضب بعض المشاركين بدرجة كبيرة في المؤتمرات الأخيرة إلى درجة التلويح بمقاطعة هذه الحوارات العقيمة.

والحقيقة أنَّ نيل الاعتراف لسنا بحاجة له من أتباع دين مـحـرف تـلاعب به الأحبار والرهبان - باعترافاتهم - ولكن الهزيمة النفسية التي يعاني منها بعض الإسلاميين تنتج نماذج كهذه النماذج التي لا تشعر بعظمة دينها وقوته الحقيقية,ولو اشتغل المشاركون في هذه المؤتمرات بدعوة النصارى إلى دين الإسلام، وإقامة الحجة والحوار البناء الذي يوضح العقائد الصحيحة لأنتجوا فائدة عظيمة، لا سيما ونحن نرى أن الدخول في الإسلام من قبل عموم النصارى كثير جداً، ولكن الاشتغال فيما لا يعني ومنها هذه الحوارات أفقدتنا فرصة ثمينة للدعوة إلى الله تعالى والحوار البناء القائم على منهج النبوة.

بل وصل الحال والمخالفة لمنهج النبوة إلى درجة الاتفاق في بعض هذه المحاورات على ترك الدعوة إلى الدين بين الطرفين، ولا شك أن الخاسر فيها هو الطرف الإسلامي لأن الأعداد المتكاثرة التي تدخل من النصارى في دين الإسلام لا تقارن بالذين ينسلخون من الإسلام إلى النصرانية، مع أن النصارى لم يلتزموا بهذا الشرط، فلا تزال إرساليات التنصير تجوب بلاد المسلمين طولاً وعرضاً، بل تقوم الحكومات اللادينية بدعمهم وزيادة إمكانياتهم، ويكثر وجودهم في النقاط الملتهبة في بلاد المسلمين مثل أفغانستان والعراق, أو الفقيرة مثل الدول الإسلامية الافريقية وغيرها، ولو التزم النصارى بهذا الشرط الجائر لما جاز للمسلمين الالتزام به، وإيقاف الدعوة وهداية الخلق باسم الحوار.

فالفكرة الموجودة الآن التي تعقد المؤتمرات لها لم تكن في الأصل بمبادرة إسلامية ولم ترسم أهدافها وخطتها في بلاد المسلمين بل جاءت بطلب من الفاتيكان بعد الدراسة العميقة لها - عندهم - وتحديد أهدافها وغاياتها، فتقبلها بعض المسلمون وظنوا أنها تحقق بعض المصالح وترد بعض المفاسد، وأعطوا فكرة التقريب هذه مفهوماً فضفاضاً وعائماً وهو (الحوار), وبهذا المفهوم العام يختلط على السامع الغاية من الحوار بين الدعوة وإقامة الحجة إلى التقريب والتعاون المشترك, أو التعايش أو الوحدة أو التوحيد بين الأديان.

ولم يكن لدى العلماء المسلمين سابقاً في التعامل مـع الأديان إلا الدعوة أو الجهاد بحسب الشروط الموضوعية والأحوال المتغيرة في التعامل مع أهل الأديان المخـتلفة التي واجهوها، ولم يكن هناك ثمة رأي يرى الحوار مع الأديان لتحقيق مصالح مشتركة مع الإهمال الكامل للدعوة وإقامة الحجة وبيان الحق وإبطال الشرك، لأن مهمة المفاوضات الدنيوية ليس لها علاقة بوصف الأديان, فهي متعلقة بالحكومات السياسية وليس بالأديان والمذاهب والأفكار, ولهذا فإنَّ من العدل والإنصاف عند الحكم على المفهوم العام الاستفصال والتفريق بين الأنواع المختلفة وإعطاء كل ذي حق حقه ووزن كلَّ نوعٍ على حدة ليتميز عن غيره، وقبل الحكم لابد من معرفة المنهج الشرعي في الحوار بين الأديان وتميزه عن المناهج المنحرفة فيه.

وهذا هو موضوع هذا البحث، وقد قسمته إلى فكرتين رئيسيتين: المبحث الأول: في المنهج الشرعي للحوار بين الأديان. المبحث الثاني: في أنواع الحوار بين الأديان و أحكامها. ثم ختمت البحث بخاتمة بينت فيها أهم نتائج البحث والتوصيات المتعلقة به، وإنني اسأل الله تعالى أن يوفقني في عرضه ومناقشته ويوفقني لإتباع منهج أهل السنة والجماعة والالتزام فيه بكتاب الله والسنة إنه جواد كريم.

المبحث الأول: المنهج الشرعي للحوار بين الأديان
معنى الحوار في اللغة: مراجعة الكلام وتداوله, والمحاورة: المجادلة، والتحاور: التجاوب, وهم يتحاورون أي: يتراجعون الكلام, ومنه قولهم: لم يحر جوابا أي: لم يرد ولم يرجع الجواب فمرجع الحوار للتخاطب والكلام المتبادل بين اثنين فأكثر(2), والمعنى اللغوي العام للحوار هو مراجعة الكلام والحديث بين طرفين فإذا أضيف إلى الأديان أصبح معناه ما يدور من الكلام والحديث والجدال والمناقشة بين اتباع الأديان، وهذا يدل على أن معناه عام متعدد الأشكال والصور والأنواع بحسب نوعية الكلام والمناقشة.

أما مدلوله الاصطلاحي فهو غامض يستعمل بأكثر من صورة ويحتاج إلى بيان أنواعه والفروق بينها، وهذا ما سنبينه في المبحث الثاني بحول الله ومشيئته, وحينئذ فإن عبارة ((الحوار بين الأديان)) تشمل معنى صحيحاً ومعنى باطلاً يحتاج كل منهما إلى بيان وتوضيح, وقبل البدء ببيان المنهج الصحيح في الحوار بيـن الأديـان, أودُّ الإشارة إلى أن "الحوار بين الأديان" - بالمنهج الصحيح - مطلبٌ ملحٌ لتوضيح الصورة الصحيحة لعقائد الإسلام وآدابه وأحكامه, وهو وسيلة من وسائل دعوة أهل الأديان عموماً, وأهل الكتاب بشكل خاص إلى الإسلام، والدعوة إلى الله تعالى موجهةٌ لكل الناس، وإقناعهم بالحق هدف شرعي مطلوب.

وقد قام بالحوار بين الأديان بمعناه الشرعي المطلوب الأنبياء الكرام في حواراتهم الكثيرة مع أقوامهم بطرق مختلفة وأساليب متعددة, والمسلمون هم أقوى الناس حجة وبياناً, لأن دينهم دين رباني موافق لعقل الإنسان ونفسه, يقول تعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبيرُ} [سورة الملك: 14].

ولكن شعار "الحوار بين الأديان" أصبح مثقلاً بكثير من المعاني والأفكار الباطلة التي تنقدح في ذهن كل من يسمع به, ولا يصح أن ننفي المعنى الصحيح في الحوار بسبب استعمال البعض له في الباطل ولكن المنهج القويم هو ردُّ المعنى الباطل وإبراز المعنى الصحيح, خاصة إذا علمنا أنه يتعلق بأمر ضروري في دين الإسلام وهو (الدعوة إلى الله تعالى)، ولأن في ظهور المعنى الصحيح: تبيينٌ للحق وتصحيحٌ لما حصل في هذا الموضوع من الخلط والتخبط بسبب البعد عن مفهومه الشرعي الصحيح، وهذا يقتضي قيام مؤسسات إسلامية للحوار بمنهجية صحيحة وأسلوب حسن, وعقد المؤتمرات لهذا الغرض, وكتابة الدراسات العلمية والعملية المؤصلة له من الكتاب والسنة.

والحقيقة أن المؤسسات الإسلامية القائمة بالحوار -الآن- قائمة على منهج مخالف للمنهج الرباني(3)، ولا يوجد مؤسسة قائمة بالمنهج الصحيح في الحوار(4) تحت هذا المسمى.

ولعل من أبرز الأسباب: أن الدعوة للحوار جاءت من النصارى وليست من المسلمين(5)، ولأنها لا تناقش بيان الحق بالأدلة والبراهين المقبولة, بل أعرضت عن ذلك قصداً وأصبح الحوار عبارة عن تفاوض على القضايا المشتركة الذي يكون في العادة بين الدول في المصالح الدنيوية المشتركة، وهذا ما لا يوجد معناه في طبيعة الأديان التي جانبها الإيماني، ومقصدها الأخروي هو الأصل مع ضرورة التنبيه إلى شمولية الإسلام دون غيره من الأديان لأمور الدنيا والآخرة, وللأمور الإيمانية والعملية وجميع النشاط البشري.

وقبل الدخول في بيان المنهج الشرعي في الحوار بين الأديان أودُّ أن أنبه إلى أنَّ الحوار مع الكفار له مجالان:
1) الحوار في أمور دنيوية بحتة: وهذا ما يسمى بالمفاوضات وهي خاضعة للسياسة الشرعية, ضمن إطار أحكام الإسلام في الصلح والمعاهدة, وما يتعلق بذلك من التعامل الدنيوي الذي ليس له ارتباط بالأديان والعقائد والمفاهيم، وبناء على ذلك فليس هناك مبرر في إضافة هذا النوع إلى الأديان، وقد يطلق على هذا اسم التعايش, وقد يراد بالتعايش التقارب الفكري المباشر والتفاهم الديني بالتنازل عن شيء من أحكام الدين لما يظن فيه أنه من المصلحة كما سيأتي بيانه.

2) الحوار في الأمور الدينية: وهذا ما يؤديه إضافة الحوار إلى الأديان, فيكون الحوار إذن في الأمور الدينية وحول مفاهيم العقائد والقضايا الدينية محل الاختلاف, مثل التوحيد والإيمان والبعث ونحو ذلك, وإذا كان الحوار في أمور دنيوية بحتة, فإنه لن يكون هناك مايبرر إضافة الموضوع إلى محمولة، فالإضافة والإسناد دليل على الاختصاص والتمييز، ويعتبر الخلط بين هذين المجالين هو السبب المباشر في الانحراف الحاصل في موضوع الحوار، وبيان ذلك هو أنّه تم تنزيل مقام المفاوضات السياسية في منزلة الحوار الديني, وأصبحت مؤتمرات الحوار تناقش قضايا دنيوية سياسية مع الإغفال التام والمقصود للقضايا الدينية، ومع ذلك تضاف هذه الحوارات إلى الأديان على اعتبار نوعية الحضور والشخصيات المشاركة وليس على اعتبار القضايا المطروحة للحوار، وحينئذ أصبحت الصورة هي شخصيات دينية (علماء وغيرهم) يناقشون قضايا سياسية ثم تسمى (حوار بين الأديان).

وقام بهذا العمل جهتان:
أحدهما: قامت به جهات معينة بخبث واستغلال للقضايا الدينية, في تحقيق مآرب سياسية ذات خلفية دينية، ويمثل هذه الجهة القوى الاستعمارية الكبرى، والكنيسة الكاثوليكية المتداعية(6).

والثانية: قامت به جهات أخرى بحسن نية تحسب في ذلك مصلحة للأمة, وتحقيق مقاصد شرعية, ويمثل هذه الجهات بعض مؤسسات الحوار، والشخصيات الإسلامية المشاركة في المؤتمرات الحوارية, التي تسعى لتحقيق قضايا مشتركه لنفع الإنسانية, وتظن أنها تحقق مكاسب للأمة الإسلامية.

السهم المصري 7 - 1 - 2012 03:01 PM




1- الأصل الشرعي في الحوار بين الأديان:
والأصل الشرعي في الحوار مع أهل الأديان, الدعوة إلى الله وبيان الحق ورد الباطل بالأدلة الصحيحة، قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33]، وقال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِين } [يوسف: 18]، وقال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 14].

وهذا الأصل الشرعي مأخوذٌ من بيان الله تعالى لدعوة الرسل الكرام لأقوامهم, وقد كان أقوامهم على أديان مختلفة ومتباينة، يقول تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت} [النحل: 36], وكل نبيٍ يبعثه الله لقومٍ يقول لهم: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}, ومن خلال تتبع الآيات والأحاديث المبينة لحوار الأنبياء والرسل مع أقوامهم, نجد أنها دعوة وبيان للحق وكشف للباطل وبيان لضرره في الدنيا والآخرة، ولم نجد شيئاً يدل على محاولة القرب من الأديان أو العمل معهم في القضايا المشتركة والبعد عن نقاط الخلاف, لا سيما العقائد كما هو حال أكثر مؤتمرات الحوار اليوم، بل نجد محاولة من المشركين للتقارب معهم ولكنه ترفض من الأنبياء الكرام كما حدث في عرض كفار قريش التقارب من الإسلام حيث قالوا: "يا محمد هلم فلنعبد ما تعبد, وتعبد ما نعبد فنشترك نحن وأنت في الأمر"، فنزلت سورة الكافرون(7).

فليس في المنهج الرباني تحاور مع الأديان بمعنى التقارب فضلاً عن الوحدة, بل هو دعوة ومجادلة وبيان للحق على نحو ما سيأتي, وسوف أكتفي بتتبّع المنهج الشرعي في حوار أهل الكتاب بشكل خاص, لكثرة محاورة القرآن والسنة لهم، ولكونهم أهل الحوار الآن, ولعدم وجود ما يخالف طريقة القرآن في حواره معهم عن الحوار مع غيرهم، وقد قام المنهج الشرعي في حوار الأديان عموماً, وأهل الكتاب خصوصاً على أربع مراتب متنوعة, ومع ذلك فهي تلتقي في الدعوة العامة للإسلام, وهذه المراتب هي:
أولاً : مرتبة الدعوة.
يقول تعالى :{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شيئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64], هذه الآية الكريمة تعتبر نصاً في موضوع الحوار, ولا يمكن أن يتجاوزها من أراد معرفة حكم الله تعالى في الحوار بين الأديان، وقد بين مدلول الحوار في هذه الآية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في خطابه المرسل إلى هرقل, وهو يتضمن الدعوة إلى الإسلام لا التقريب بين دينهم ودين الإسلام, يقول صلى الله عليه وسلم: (من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى, أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين)، ثم قرأ الآية السابقة(8) .

والآية السابقة هي ما يسمى بلغة العصر "ميثاق الوفاق"، ويتضح في الآية بجلاء تحديد موضوع الحوار، وهو إفراد الله تعالى بالعبادة وترك الشرك, ولهذا فسَّر الصحابة ومن بعدهم (الكلمة السواء) في الآية بـ (لا إله إلا الله).

ولذا فالمنهج الشرعي في حوار الأديان -من جهة الدعوة وبيان الحق- جاء من خلال ثلاث زوايا(9):
1) موضوع الحوار:
ركّز الشارع الحوار مع أهل الأديان عامة, وأهل الكتاب خاصة, من الناحية الموضوعية في القضايا الحساسة التي تعتبر مفاصل مهمة, ومفارق خطيرة بين المسلمين وبينهم, ويمكن اختصارها على النحو التالي: أ) الدعوة إلى التوحيد وإبطال الشرك: يبين ذلك قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شيئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64]، وكذلك كتب الرسول إلى أهل الأمصار تتضمن الدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك وهذا هو هدف بعثة الرسل الكرام.

ب) الدعوة إلى الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم والتزام دينه: يقول تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة:19].
ج) الدعوة إلى ترك الغلو والقول على الله بغير الحق في شأن الألوهية وعيسى عليه السلام وأمه: يقول تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} [النساء:171].
د) الدعوة للإيمان بالقرآن: يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} [النساء: 47]، ويقول تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ} [آل عمران: 98].

2) أسلوب الحوار:
وأسلوب الحوار مع أهل الأديان -وأهل الكتاب خصوصاً- يختلف بحسب اختلاف أصناف الناس, فاختلاف الأساليب مبنية على اختلاف المخاطب بها وقد تنوعت أساليب القرآن على النحو التالي:
أ) الأسلوب المباشر في الدعوة: يقول تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شيئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64].

ب) أسلوب التذكير: يقول تعالى: {يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 47].

ج) أسلوب الترغيب والترهيب: يقول تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ. وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ والإنجيل وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} [المائدة:66]، ويقول تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: 73].

د) أسلوب الإنكار: يقول تعالى : {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ? يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون} [آل عمران: 71].

3) وسائل الحوار التي استخدمها رسول
تعددت الوسائل في الحوار مع أهل الأديان عموماً وأهل الكتاب خصوصاً ومنها:
‌أ- الذهاب إليهم في نواديهم ومحافلهم و أسواقهم وبيوتهم. ‌ب- دعوتهم إلى دار الإسلام. ج- الكتابة إلى زعمائهم وحكامهم. د- استقبال وفودهم. هـ- دعوتهم أثناء الغزو والجهاد. و- مناقشة علمائهم والاطلاع على كتبهم للاحتجاج عليهم. ز- إسماعهم القرآن وتلاوته عليهم.

ثانياً: مرتبة المجادلة.
المناقشة والمجادلة تتضمن أمرين: 1- إقامة البرهان والدليل القاطع على صدق الحق وصحته. 2 - والرد الصحيح على الشبهات المانعة من قبول الحق.

ومع ورود آيات كثيرة في النهي عن الجدل وذمه كقوله تعالى: {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} [غافر: من الآية5]، إلاَّ أن ثمت آيات أخرى تأمر بالجدل كقوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125]. والجمع بينهما هو أن الجدل المذموم هو الجدل بالباطل ولنصرته, والجدل المحمود هو الجدل لنصرة الحق وإقامة الدليل عليه، وقد أمر الله تعالى بمجادلة أهل الكتاب بالأسلوب الحسن في قوله تعالى : {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إَِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت:46]. وهذه الآية تدل على أن أهل الكتاب وأصحاب الأديان نوعان:
أحدهما: من يريد الحق ويسعى إليه: وهذا يُجادل ويُناقش بالتي هي أحسن, وهي: "الأدلة العقلية المقنعة" مثل الاستدلال بالآيات البينات(10).

الثاني: المعاند المحارب المعرض عن الحق: وهذا لا يُجادل بل يُقاتل في سبيل الله(11),ولا شكَّ أن مناقشة أهل الأديان لا تكون بالنصوص الشرعية لأنه لا يؤمن بها من حيث المبدأ, بل تكون بالأدلة العقلية الصحيحة، والقرآن الكريم يتضمن الأدلة العقلية على قضايا العقائد بوضوح تام, فقد جاء بالحق في المسائل والدلائل.

ولعل أبرز الأدلة العقلية التي تقرر إثبات النبوة ما يلي(12): 1- تضمن الوحي لأدلة ثبوته من عدة جهات:
أ‌- من جهة التحدي بالإتيان بمثل القرآن أو سورة من سوره في بيانه وبلاغته. ب‌- ومن جهة ما ورد فيه من الأخبار الغيبية التي لا يمكن أن يعلمها النبي صلى الله عليه وسلم بأي وسيلة بشرية مثل: حفظ القرآن, وظهور الإسلام على جميع الأديان ونحوهما من الغيبيات. ج- ومن جهة مطابقته للكشوف العلمية في جميع المجالات مثل الطب والفلك والطبيعة.

2- دلالة المعجزات على النبوة.
3- دلالة أحوال النبي وصفاته على نبوته صلى الله عليه وسلم، وأبرز مثالٍ له حديث هرقل الطويل وسؤاله عن أحوال النبي صلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته.

وكل قضية عقدية فإنه يمكن الاستدلال العقلي عليها سواء بشكلٍ مباشر, أو غير مباشر،ويكون ذلك بإثبات النبوة عقلاً، وهي بدورها تدل على صدق ما يخبر به النبي من قضايا العقائد والأعمال، وفي قوله تعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُم} [العنكبوت: من الآية 46] فائدتان في موضوع المجادلة لأهل الأديان عموماً وأهل الكتاب خصوصاً :
الأولى: استعمال الأدب الحسن والخلق الرفيع قولاً وفعلاً أثناء المناقشة لأن ذلك أدعى للقبول والتأثير وهذا مأخوذ من قوله: {إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.

والثانية: الإعراض عن مجادلة المعاند الذي لا يريد الوصول إلى الحق أو المقاتل المحارب الذي يتحين الفرصة لإلحاق الأذى بالمسلمين.

ثالثاً : مرتبة المباهلة.
قال تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ونساءنا ونساءكم وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: 61]، قوله: {ثُمَّ نَبْتَهِلْ} أي: "نتداعى باللعن، يقال عليه بَهْلة الله وبُهْلَته أي لعنته"(13)، والابتهال هنا أي: التضرع في الدعاء باللعن(14).

وهذه الرتبة في الحوار مع أهل الأديان إنما تكون لمن يجادل بالباطل, أو اتضح له الحق وقامت عليه الحجة وأعرض عنها, يقول ابن القيم رحمه الله في فقه قصة وفد نجران: "ومنها: أن السنة في مجادلة أهل الباطل إذا قامت عليهم حجة الله, ولم يرجعوا بل أصروا على العناد أن يدعوهم إلى المباهلة, وقد أمر الله سبحانه بذلك رسـوله, ولم يقل: إن ذلك ليـس لأمتك من بعدك"(15).
وهذه درجة متقدمة في حوار أهل الكتاب ولها فائدة عظيمة من جهتين: 1- إظهار التحدي, والثقة التامة بأن الداعي إلى المباهلة على الحق. 2- تخويف المعاند بتعريضه للعنة الله تعالى فربما كان ذلك سبب في رجوعه(16).

رابعاً: مرتبة المفاصلة والبراءة.
المفاصلة والبراءة بين المسلمين والكفار بكل أصنافهم ثابتة قبل الحوار، ولكن المراد بها هنا نوعاً خاصاً هو بمنزلة البيان الختامي للحوار الذي يتولى ويعرض فيه المحاور عن الحق, كما قال تعالى : {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران: من الآية 64)، ويقول تعالى : {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 137]. وبهذا يتبين أنه بعد الدعوة والبيان التام, وكشف الشبهة, وإقامة الحجة فإن المحاور يتحدد موقفه: إما الإسلام, وإما التولي، "وحينئذٍ فلابد من الحجة والإعلان والإشهاد بعد المحاورات والمفاوضات المنتهية بالتولي والإعراض: بأنَّا مسلمون, ومن سوانا ليسوا كذلك"(17). وهذا يدل على أنه لا تترك الأمور بدون توضيح وبيان.

آية الحوار بين الفهم الصحيح والفهم الفاسد :
أصرح آية في الحوار بين الأديان في القرآن هي آية آل عمران المتقدمة, وهي قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شيئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64]، وهذه الآية فهمها بعض المثقفين والكتَّاب على غير وجهها، واعتمدوا في فهمها على مجرَّد الرأي, بعيداً عن الرجوع لأقوال الصحابة والتابعين والمفسرين السابقين.

والفهم الصحيح لها هو(18): أن في هذه الآية دعوة لأهل الكتاب - وهي شاملة لغيرهم أيضاً -إلى التوحيد الخالص, وعبادة الله تعالى وحده، فالكلمة السواء هي (شهادة أن لا اله إلا الله) ويبين ذلك قوله في الآية : {أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شيئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} وهذا يعني أنهم قبل هذه الدعوة ليسوا كذلك وهذا ما يدل عليه حالهم وواقعهم, وقوله (ألاّ تعبدوا إلا الله) تفسير لكلمة السواء فأصل (ألاّ) هو أن لا, وأن هنا تفسيرية حيث تقدمها ما يدل على معنى القول وهي (كلمة) وحينئذ تكون الجملة بعدها مفسرة لمعنى (الكلمة السواء), وقد فهم البعض أنَّ الكلمة السواء هنا بمعنى أن حوارنا معكم لا بد له من قاعدة نقف نحن وإياكم عليها لنجاح الحوار, وهو أمر موجود فينا وفيكم قبل الحوار وهو قدر مشترك فيما بيننا وبينكم !! وهذا الفهم مناقض لمفهوم الآية التي دعت أهل الكتاب للوصول إلى نتيجة ليست موجودة عندهم وهي : {أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شيئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} كما أن اعتبار هذه الآية قدراً مشتركاً يجعل من الحوار معهم أمراً لا فائدة منه لأن التوحيد الخالص موجود فيهم حسب الفهم السابق.

ومن جهة أخرى فالواقع الواضح عند أهل الكتاب هو الوقوع في الشرك من جهة التوحيد, والكفر من جهة إنكار الرسالة, يقول الدكتور سلمان العودة في قواعد الحوار مع أهل الكتاب: "اعتبار القدر المشترك في الديانة السماوية المتمثل في صحة النبوة والوحي ولزوم الاتباع للأنبياء، وتحصيل لوازم هذا القدر المشترك، وهذا هو المذكور في قول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شيئاً}، وهذه قاعدة عقلية فاصلة في مقام جمع المختلف أو رد الاثنين إلى الواحد، فيعتبر المختلف بالمؤتلف، والثنائية بالأحادية، وهذا معتبر أيضاً بكتاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هرقل كما في الصحيحين، ويتبع هذا تصحيح المفاهيم المنحرفة، وردها إلى الصدق الذي جاءت به النبوة الخاتمة"(19).

وهذا القول على أهميته في مجادلة أهل الكتاب والحوار معهم إلا أنه ليس هو معنى آية آل عمران المتقدمة فيما يظهر لي, فهي صريحة في الدعوة والحوار المباشر حول التوحيد وترك الشرك كما تقدم.

وقد أوّل بعض الكتاب (الكلمة السواء) في الآية إلى أنها: "فعل الصالحـات النافـعات للبشريـة, ومواجهة الطغيان, وتحقيق معرفة كل طرف بالآخر, وإزالة الفهم دون المحاولة إلى إلغاء الخصوصيات"(20), وهذا تأويل بعيد عن معنى الآية ودلالتها، فالمتأمل في الآية يدرك أن كلمة السواء مفسرة, وليست مطلقة بحيث يتصور القارئ ما شاء في تحديدها, وهناك فرق كبير بين فهم الآية على أنها دعوة لأهل الكتاب إلى التوحيد ومناقشتهم للوصول إلى غاية عظيمة وهي التوحيد وترك الشرك، وبين فهمها على أنها قدر مشترك ينطلق منه لتصحيح ما عندهم من الباطل, أو أنها في الحث على التعاون المشترك للوصول لما فيه الخير للإنسانية، ومما يؤكد تفسير هذه الآية السلوك العملي للنبي حيث كان حواره لهم بهدف دعوتهم للتوحيد




السهم المصري 7 - 1 - 2012 03:01 PM

قواعد مختصرة في الحوار مع أهل الكتاب:
هناك جملة من القواعد التي ينبغي الاهتمام بها أثناء الحوار مع أهل الكتاب، يمكن أن نشير إلى نبذ يسيرة منها وهي بحاجة ماسة للبحث والمراجعة، خاصة ونحن نعيش في زمن الاحتكاك المباشر مع أهل الكتاب في مجال الصراع الفكري, أو الصراع المسلح المادي، لا سيما في هذا العصر على الخصوص الذي أصبح التواصل فيه بين أقاصي الدنيا وأدناها من أسهل الأمور في كل المجالات, وإذا لم نرسم - نحن دعاة أهل السنة - منهجية صحيحة في الحوار المفروض علينا معهم, فإن غيرنا من أصحاب الفكر المنحرف - الذي يحرف النصوص - سيأخذ قصب السبق في هذا المجال, وسيقّعد للأجيال القادمة قواعد فاسدة في التعامل مع أهل الكتاب في مجال الحوار, أو غيره من المجالات، ومن هذه القواعد التي ينبغي أخذها في الاعتبار:

1- تحديد الهدف من الحوار معهم: وتنقيحه من شوائب الانهزامية, والتخاذل والغموض في محاورة أهل الكتاب، والهدف الرباني في الحوار هو دعوتهم إلى الله تعالى, وتمني هدايتهم للإسلام والحرص على تصوير الإسلام لهم كما أمر الله به, وتوضيح نقائه وصفائه لهم من غير محاولة لتشبيهه بالمناهج الأرضية المنحرفة, فهو أسمى وأعظم وأجل من كل المناهج الأرضية.

2- عدم التصدي للحوار بدون علم بدين الإسلام: أوعدم القدرة على توضيح غاياته بصورة صحيحة، فليس الحوار مطلوب من كل أحد, بل هو مطلوب من أهل القدرة علماً وبياناً، أما غيرهم فليس مطلوب منه الحوار, إلا إذا كان بشكل مبدئي في الحث على فضائل هذا الدين, أو كان المخاطب الكتابي عامي يمكن التأثير عليه دون علم دقيق بمناهج الجدل والمناقشة، فهذا يدخل في الدعوة العامة إلى دين الإسلام الذي هو مطلوب من كل مسلم.

3- الاستفادة مما لدى أهل الكتاب من الإقرار بوجود الله تعالى وصحة وجود النبوة - في الجملة-, واليوم الآخر ونحوها للبناء عليها في بيان الحق لهم أو التدليل على باطلهم، وينبغي مراعاة الفروق الفردية والطائفية في دعوتهم فيوجد فيهم من يقر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ولكنه يقصرها على العرب فمناقشة هذا ودعوته أسهل من المنكر لها بالجملة.

4- إقامة الأدلة العقلية على صحة نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- :فإقراره بنبوته يقتضي بالضرورة إقامة الأدلة العقلية على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم , ويقتضي بالضرورة أن خبره صدق وقد أخبر أنه مرسل للعالمين, والطعن في ذلك إما قدح فيما أقر به وهو إثبات نبوته, أو طعن في خبر النبي وهو غير مستقيم لمن أثبت النبوة.

وهنا أحب التنبيه إلى ضرورة الرجوع إلى المناهج العقلية القرآنية وتبنيها والحديث بها وان كان بدون الإشارة إلى كونها قرآنية لأن الخصم لا يقر بحجيتها، ولا بأس بالأدلة العقلية السالمة من اللوازم المبطلة لشيء من الدين، وقد وقع أهل الكلام في هذا لأنهم تصوروا أن القرآن جاء بالأدلة الخبرية المحضة دون الأدلة العقلية، فراحوا يخترعون أدلة يريدون بها نصر الدين فوقعوا في لوازم تقتضي تحريف بعض العقائد، فكانت النتيجة تقرير قواعد في الاستدلال والنظر مخالفة للمناهج المتفق عليها وتوصلوا إلى أغراضهم بالتأويل الفاسد للنصوص.

5- الدراسة الدقيقة لمنهج الأنبياء في حوار أقوامهم: وبالذات منهج الرسالة الخاتمة للرسالات كلها وأخذ الأصول العلمية في الحوار مع أقوامهم ودعوتهم إلى الله تعالى.

6- دراسة مناهج علماء السنة في مناقشاتهم وحوارهم مع أهل الكتاب: مع ضرورة التنبه إلى المناهج البدعية في حوار بعض أصحاب البدع مع الكتابيين مما سبب في وجود مناهج منحرفة في الفكر الإسلامي ظهرت فيما بعد على شكل فرق ضالة.

7- إثبات تناقض كتبهم وضعف دينهم: من واقع هذه الكتب دون ذكر وسيط مما يجعلهم يعيدون النظر في حقيقة دينهم و إمكان بطلانه.

8- إثبات دين الإسلام بالأدلة الصحيحة والمناهج القرآنية والنبوية المعتبرة بعيداً عن مناهج أهل الأهواء والبدع:ومن ذلك إثبات صحة القرآن والنبوة بالأدلة الحسية التي تضمنتها، مثل: الإخبار بالمغيبات وبموافقة الكشوف العلمية الثابتة دون تعسف وليَ للنص القرآني أو النبوي.

9- إثبات مناقضة ديانتهم المحرفة للعقل والحس: مما جعل التطبيق لها في الواقع مناف للفطرة الإنسانية ولسنن الله في الاجتماع والحياة، وهنا ينبغي التنبه لمزلة وقعت في الفكر الإسلامي وهي تصور إمكان التعارض بين العقل والنقل وحصل بسببها عراك تاريخي ومازال مستمراً إلى اليوم، ولا يمكن التدليل على عدم التعارض بينهما بشكل صحيح موافق لمقتضى النص ولدلالة العقل إلا على منهج أهل السنة، أما من تخبط في مناهج الفرق فسوف يستأسد عليه أهل الأديان على قاعدة بعضهم: (خرافات النصرانية خير من خرافات الإسلام) يقصد التصوف والتشيع وكذلك سيكون الأمر هنا.

1- لابد من مراعاة حسن التعامل والمناقشة: ليكون للدعوة قبول دون مخالفة شرعية، كالقول بإقرارهم على اعتبار دينهم والثناء عليهم بمثل ذلك باسم احترام الآخر، ولا يصح التسفيه له إذا طمع الداعية في هدا يته، فالحق وسط بين تفريط من يردد عدم الإقصائية ويقول باحترام دين الآخر، وكأن الخلاف هو في وجهات النظر لا في أصل الدين, وبين الإفراط الذي يجعل من إمكان هداية المحاور أمر في غاية الصعوبة.

ومن خلال العرض المتقدم لمنهج النبي صلى الله عليه وسلم للحوار مع أصحاب الأديان, يتبين أنَّ الأساس في الحوار هو الدعوة وإقامة الأدلة على صحة دين الإسلام, ووجوب الانقياد له ونبذ الأديان المحرفة، وبيان ما في دينهم المحرف من الباطل بلغة علمية, ومنهجية سليمة, وهذه حقيقة شرعية واضحة لمن استقرأ نصوص الكتاب والسنة, وطالع أخبار الأنبياء وعرف طبيعة رسالتهم.



السهم المصري 7 - 1 - 2012 03:02 PM


المبحث الثاني: أنواع الحوار بين الأديان وأحكامها.
"الحوار بين الأديان" اسم عام يطلق على كل مخاطبة ومحاورة تتم بين طرفين أو أكثر من أهل الأديان والمؤمنين بها، فكلمة "حوار" كلمة عامة تشمل كل ما يقع عليه معنى التجاوب والتراجع والتخاطب, ولا شك أن مطلق الكلام لا يصح الحكم عليه دون معرفة خصائصه المميزة.
والحوار من المصطلحات المجملة التي تحمل معنى حقاً ومعنى باطلاً, فلا يصح الحكم عليه وهو بهذه الحالة من الإجمال والإبهام, بل لابد من الاستفصال عن المعنى المراد بدقة, ثم النظر بعد ذلك في حكمه في ضوء النص الشرعي, ومن خلال التتبع لأحوال الحوارات المتعددة بين الأديان تبيّن أنها على أنواع مختلفة، ولكل نوعٍ خصائصه المحدَّدة له والمميزة له عن غيره، مع أن جميع الأنواع يصح إطلاق اسم "الحوار بين الأديان" عليها, وعليه فلابد من توضيح نوع الحوارات المجملة ,والاستفصال عنها ومعرفة أهدافها وخصائصها قبل الخوض فيها أو الحكم عليها, وبناء على ذلك فسأذكر كل نوعٍ على حدة، وأذكر الخصائص المميزة له باختصار, ثم أُبين الحكم الشرعي على كل نوعٍ على حدة.

أولاً : حوار الدعوة :
والمقصود به في -المفهوم الإسلامي-: الحوار مع أتباع الأديان الأخرى لبيان صحة هذا الدين، وأنه ناسخ لكل الأديان السابقة، وإيضاح صحة نبوة محمد ومحاسن الإسلام العظيمة، وبيان ما هم عليه من الباطل المنحرف, وهذا الحوار مطلوب شرعا, تدل عليه كل الآيات والأحاديث الدالة على فضيلة الدعوة إلى الله وبيان الحق ورد الباطل, وهذا النوع تقدم الكلام فيه في المبحث الأول، وهو موجود تمارسه جمعيات ومراكز, وجهات متعددة وأفراد كثيرون, ولايسمى في الاصطلاح باسم الحوار بين الأديان، فهو داخل في عموم اللفظ العام دون مدلوله الاصطلاحي الخاص وشعاره المعروف.

أما الحوار التبشيري عند النصارى الذي تمارسه الكنيسة الكاثوليكية، ومجلس الكنائس العالمي وغيرها, فهو اتخاذ الحوار وسيلة للتنصير، وذريعة لتشكيك المسلمين في دينهم ونبيهم، وطريقاً مخادعاً لأخذ الشهادة والإقرار و الموافقة بصحة دينهم, وأنه دين معتبر حتى بعد دخول التحريف فيه(21).

ثانياً: حوار التعايش وحكمه : تعريفه: المقصود بحوار التعايش هو: الحوار الذي "يهدف إلى تحسين مستوى العلاقة بين شعوب أو طوائف، وربما تكون أقليات دينيّة، ويُعنى بالقضايا المجتمعيّة كالإنماء، والاقتصاد، والسلام، وأوضاع المهجّرين، واللاجئين ونحو ذلك، ومن أمثلة هذا اللون من الحوار: (الحوار العربي الأوروبي)، و (حوار الشمال والجنوب)"(22), وقد يسمي البعض هذا النوع (التسامح), وهذا التعريف هو معنى التعايش بالمفهوم العام, الذي يؤخذ من دلالة الكلمة دون ارتباطات بالمفاهيم اللاحقة.

وهذا المفهوم العام لا يزيد على حسن المعاملة، والعيش بصورة ملائمة بين كافة المجتمعات مع الاختلاف الديني والفكري والثقافي, والتعايش بهذا المعنى بين اتباع الأديان المختلفة لا يرفضه الإسلام، ويدل عليه معنى البر والإحسان والقسط الوارد في مثل قوله تعالى :{َلا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة8]. ولهذا المفهوم ثلاثة ضوابط:
أولاً: مراعاة الولاء والبراء: فلا تلازم بين الإحسان والعيش الكريم والتسامح في المعاملة وبين الموالاة للكفار, أو ترك البراءة منهم، فالولاء والبراءة أصل شرعي دلت عليه نصوص شرعية كثيرة(23).

ثانياً: إقامة العدل:و الإنصاف مع كل الناس، فالعدل أساس عظيم في نماء المجتمعات واستقرارها.

ثالثاً: التزام الحكمة في المعاملة: وهي وضع الأمر في موضعه ومقامه الصحيح الائق به, الموافق للمنهج الرباني, ولطبيعة النفس الإنسانية.

لكن هذه الكلمة (التعايش والتسامح) أخذت بعداً آخر غير المفهوم العام السابق, وذلك عندما رفعه العالم الغربي كشعار مع العرب والمسلمين بعد حرب 6 أكتوبر (1 رمضان عام 1973م), وما تلاها من المقاطعة العربية في 17أكتوبر, بقرار من وزراء النفط العرب في الكويت, الذي يقضي بفرض الحصار النفطي على أميركا, وتخفيض مستوى الضخ حتى يتحقق الجلاء عن الأراضي العربية, وتؤمن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.

فرفع الغرب هذا الشعار لتهدئة الوضع, ووقف القتال وتخفيف حدة الضغوط العربية إلى حين ترتيب أوراقه, وإعادة تنظيم أهدافه الاستراتيجية وقد تم ذلك وأصبح واضحاً للعيان, أن حوار التعايش والتسامح ما هو إلا شعار لأهداف سياسية بحتة, لا سيما بعد السيطرة الأمريكية على الخليج, ومنافذ البلاد العربية والإسلامية بعد أزمة الخليج الثانية، وأصبح الأمر أشد وضوحاً بعد الاجتياح الإسرائيلي الأخير للضفة الغربية، وعندما طرح خيار الضغط بمنع النفط عن أميركا ولو لوقت محدد, لم توافق عليه الدول العربية النفطية، لا لكونه يلحق الضرر بمصالحها, بل لكونها غيرقادرة عليه لضعف سيادتها أو زوالها عن النفط على أقل تقدير.

وعندما وقعت أحداث 11 سبتمبر وهاجت أمريكا ورفعت شعار (الحرب على الإرهاب), عاد العرب و المسلمين لرفع شعار التعايش والتسامح بنفس المفهوم الغربي السابق الذي رفع إبان حرب 6 أكتوبر وتداعياتها.

لقد أصبحت فكرة (التعايش والتسامح) دعوة فكرية تحمل في طياتها مضامين فكرية وثقافية وحضارية واجتماعية, وقد تبنى هذه الفكرة ونظر لها من الطرف الإسلامي "المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة" (ايسسكو)حيث أصدرت كتابا بعنوان "مفهوم التعايش في الإسلام" تأليف د. عباس الجراري. والتعايش والتسامح بهذا المفهوم عرفه (اليونسكو) في بيان له بأنه "احترام الآخرين وحرياتهم والاعتراف بالاختلافات بين الأفراد والقبول بها, وهو تقدير التنوع الثقافي, وهو الانفتاح على الأفكار والفلسفات الأخرى بدافع الإطلاع وعدم رفض ما هو غير معروف". وسيأتي مزيد توضيح لمفهومه إن شاء الله.

خصائصه: سبق في التعريف أن التعايش له مفهومان متغايران، أحدهما مأخوذ من المفهوم العام للكلمة, والآخر مأخوذ من شعار خاص, رفع في فترة من الفترات لأهداف سياسية ثم تطور إلى أن أصبح فكراً منظماً, تقوم على تصديره بعض المؤسسات الكبرى (اليونسكو - والايسسكو), ثم عاد ليصبح شعاراً سياسياً للتخفيف من هيجان العالم الغربي بسبب أحداث 11 سبتمبر بنفس المضامين الفكرية, وبناءً على هذا فلابد من تمييز خصائص النوع الأول عن النوع الثاني, ثم بيان الحكم في كل واحدة على حدة, فخصائص (حوار التعايش) بالمفهوم الأول المميز له عن غيره هو:
1- أنه حوار لا علاقة له بالدين.
2- أنه يقتصر على الحوار فيما يتعلق بالمعيشة البحتة بين أهل الأديان التي تفرضها طبيعة الحياة البشرية وحاجاتها الفطرية.
3- أنه لا يتضمن محبةً أو ولاءً, أو اعترافاً بصحة دين الآخر أو تزكيةً له أو مدحاً, بل هو قاصر على الأمور الدنيويّة وفي حدود الحاجة.
4- أن لا يتضمن شيئاً من التنازل عن أمر من أمور الدين, بحجة الترغيب لهم في الدخول في الإسلام, أو اعطاء صورة حسنة عن الإسلام, أو بأي تعليل آخر.

حكمه : هذا النوع من الحوار - إذا لم يصاحبه ما يعكِّر على خصائصه السابقة أو يزيد فيها - فهو جائز لا إشكال فيه، وهو خاضع للسياسة الشرعية العملية التي يقدرها أهل الحل والعقد من أهل الخبرة والعلم والدين,وقد تفاوض رسول الله مع اليهود وعاهدهم، وصالح المشركين في الحديبية، وكذلك الصحابة الكرام تفاوضوا مع أهل الأديان المختلفة فيما يخص دنياهم ومعاشهم، ولا يزال هذا الأمر موضع اتفاق, وقد "زخر الفقه الإسلامي المؤسس على الكتاب والسنة بتراث ضخم في مجال العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين"(24).

خصائص التعايش بالمفهوم المعاصر(25): لقد أعطي مصطلح (التعايش) بعداً آخر غير ما مضى من التوصيف, وأخذ مفهوم التعايش بعداً فكرياً جديداً وهو بهذا المعنى يندرج تحت التقارب الذي سيأتي الكلام عليه.

وحوار التعايش يكون في العادة بين الدول التي تمارس الحياة العملية بحكم الاتصال المادي بينها, ولا مجال له بين الأديان إلا من هذه الزاوية, وإنما ذكرناه في موضوع الحوار بين الأديان, لأنه يدخل في العنوان العام بسبب عمومية لفظة (الحوار) ولأن البعض يخلط بينه وبين حوار التقارب, ثم إن حوار التعايش أخذ مدلولاً آخر غير ما سبق ذكره, في الخصائص العامة ليكون بذلك فكراً جديداً له خصائصه الفكرية المختلفة عن ما سبق ذكره.

ويمكن تلخيص تلك الخصائص في النقاط التالية :
1- القول بحرية التدين وإنكار حد الردة في الإسلام, باعتباره معارضاً لحرية اختيار الإنسان للدين الذي يقتنع به، وجعل القاسم المشترك بين كل الأديان البيان العالمي لحقوق الإنسان.
2- منع كل ألوان الاعتداء على الآخر وإنكار الحرب باسم الدين, وتفسير الجهاد في الإسلام بأنه للدفاع عن النفس وإنكار جهاد الطلب.
3- منع الكراهة الدينية و الدعوة للإخاء الإنساني.
4- المطالبة بالحرية الدينية للأقليات غير المسلمة في البلاد الإسلامية, والتعامل معهم على أساس الوحدة الوطنية, وليس على أساس المعتقد الديني، واقتراح الغرب الحل العلماني كأفضل حل لمشكلة الأقليات, وان كان هذا لا يراه كل من يرى الحوار بهذا المفهوم.
5- الإقرار بالأديان السماوية جميعاً وتفسير هيمنة الإسلام عليها بأنه (مراقب) عليها فهو يرصد ما تتعرض له الديانات من انحراف عن الحق.
6- الاجتماع على تقوية الصلة بالله في النفوس، خاصة بعد طغيان المادية وتفشي قيمها المسيطرة على الشباب في العالم.
7- البعد عن العنف والإرهاب والتطرف الديني والتكفير والتدخل في خصوصيات الآخر الدينية, وأن كل هذا مناف للاحترام الديني الذي يجب أن يكون بديلاً عن كل القيم السابقة(26).

حكمه: من خلال الخصائص السابقة يتبين لنا أن التعايش تحول من تعايش مادي عن طريق المفاوضات بين الدول, إلى تقارب ديني وحضاري بين الدول والشعوب.

والخصائص السابقة تتضمن انكار أمور معلومة في دين الإسلام وواضحة فيه، مثل: قضية إنكار الجهاد، والولاء والبراء، وحكم المرتد، والسماح للكافر بنشر كفره في المجتمعات الإسلامية باسم حقوق الأقليات، وكل هذا يعتبر إنكاره كفرٌ مخرج من الملة, لأنه تكذيب للنصوص الشرعية الدالة عليه,أما من تأوَّل بعض النصوص للوصول إلى قوله هذا, فهو بحسب طريقته في التأول, إن كانت شبهة وإشكالاً لها مسوِّغ في اللغة, فهو ينفي عنه التكفير، ويصبح مثل عامة المبتدعة، الذين تأولوا وصاروا إلى مقالات مناقضة لصريح الكتاب والسنة ولم يكفرهم العلماء بذلك, أما إن كان تأولاً بعيداً لا شبهة له في اللغة, أو قول لبعض العلماء, فهذا لا حجة في تأوله وغير معذور فيه, و بالجملة فهذا النوع من الحوار يعود إلى حوار التقارب الآتي ذكره.

ثالثاً: حوار التقارب وحكمه : تعريفه: "التقارب بين الأديان" لا يحمل مدلولاً اصطلاحياً محدداً، فلفظ "التقارب" أو "التقريب" مأخوذٌ من القرب، وهو أمرٌ نسبي يتفاوت في حقيقته وتطبيقاته,فقد يقتصر على حدٍّ أدنى من المجاملات الشكلية، وقد يبالغ فيه إلى درجة الاندماج الكامل والوحدة التامة، وبين هاذين مراتب متعددة, وكلها داخلة في عموم اسم التقارب(27), و هذا المفهوم أوسع نوع من أنواع الحوار بين الأديان، ولعله أشهر مفهوم له والذي تعقد له المؤتمرات المتعددة.

خصائصه: ولعل الخصائص المميزة للتقارب الذي لا يصل إلى درجة الوحدة يمكن أن تجمل فيما يلي(28):
1- اعتقاد "إيمان" الطرف الآخر، وإن لم يبلغ الإيمان التام الذي يعتقده هو، أما القول بكفر الآخر فقد يصرح به البعض، وينفيه الأكثر.
2- الامتناع عن التلفيق بين عناصر الأديان، وتجنب البحث والمناقشة في المسائل العقدية الشائكة.
3- التعرف على الآخر كما يريد أن يُعرف.
4- نسيان الماضي التاريخي والتخلص من آثاره، والاعتذار عن أخطائه.
5- إبراز أوجه الاتفاق، وترك نقاط الاختلاف.
6- التعاون على تحقيق القيم المشتركة وهي تشمل ما يلي(29):
أ‌- التعاون لصد الإلحاد في العقيدة.
ب‌- الوقوف ضد دعاة الإباحية.
ج- التعاون حول قضايا العدل و المستضعفين, والشعوب المضطهدة والأوطان المحتلة، والفقر والمرض... الخ.
7- الاعتراف بالآخر، واحترام عقائده وشعائره، وتبادل الزيارات والمجاملات في المناسبات الدينيّة المختلفة(30)، والمشاركة في عباداتهم أحياناً(31)، ويدخل في ذلك التأكيد على المحبة والمودة, والإخاء والصداقة, والثقة والاحترام المتبادل معهم.
8- البعد عن جعل الحوار دعوة مبطنة سواء للإسلام أو النصرانية(32).

ومن خلال ما سبق يتبين أن التقارب أمرٌ نسبي، فيمكن حصول التقارب إلى درجة الوحدة, ويمكن الاكتفاء بالتفاهم العام القريب من حوار التعايش.

وقد ظهر لي أن دعاة التقريب نوعان: النوع الأول: تجتمع فيه الخصائص السابقة إلاّ عدم تكفير اليهود والنصارى, ويمكن التمثيل لهذا النوع بالشيخ يوسف القرضاوي, ولجنة الحوار في الأزهر. النوع الثاني: تجتمع فيه الخصائص السابقة مع قوله بعدم تكفير اليهود والنصارى, كما هو قول جمال الدين الأفغاني والدكتور محمد عمارة مثلاً.

حكمه: حكم حوار التقارب يختلف بحسب نوع القرب، وقد سبق أن بينتُ أن دعاة التقريب على نوعين، والفارق بينهما هو تكفير اليهود والنصارى، فمن كفّرهم مع القول بالتقريب على نحو ما سبق فقوله بدعة مخالف لمنهج النبي في حواره مع أهل الكتاب، ومن لم يكفّرهم فقوله كفرٌ لأنه تكذيب لأمرٍ قطعي في القرآن والسنة، بغض النظر عن الأشخاص المعينين، لأن لهم شأن آخر فيما يتعلق بوجود الشروط وانتفاء الموانع, وليس هذا مجال بحثنا هنا.

أما المودة والمحبة القلبية، فإن كانت لدينه فهي كفر أكبر بغير خلاف، وأما إن كانت المحبة القلبية لغير دينه بل لأمر دنيوي، ولم يقتض ذلك مظاهرته على المسلمين فهي من الكبائر ولا توصل للكفر الأكبر.

وسأدلل على أن "حوار التقريب" مخالف لأصول الدين, ومناقض لمنهج الرسول -صلى الله عليه وسلم- بشكل عام من خلال الوجوه التالية:
الوجه الأول: أنه موالاة للكفار ومخالفة لعقيدة الولاء والبراء، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} [الممتحنة: 1]. ويقول تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ...} [المجادلة:22]. ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ...} [المائدة: من الآية51]. والمودة والموالاة في "حوار التقريب" هو الشعار البارز الذي يردد في اللقاءات والبيانات المشتركة.

ولعلي أكتفي بالنقل عن أفضل المشاركين في هذه الحوارات والمنظرين لها وهو الشيخ يوسف القرضاوي حيث يقول في بيان أهداف الحوار : "تنقية العلاقات من رواسب الروح العدائية التي خلفتها الصليبية قديماً، والاستعمارية حديثاً، وإشاعة معاني الإخاء والإنسانية والرحمة، وفتح صفحة جديدة لعلاقات أنقى وأصفى"(33).

الوجه الثاني: أنه مخالفة لمنهج النبي -صلى الله عليه وسلم- في حوار الأديان، واتباع لغير سبيل المؤمنين، ومخالف لإجماع المسلمين, قال تعالى : {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء: 115].
ولا شك في أن "حوار التقريب" مناقض لهدي الرسول- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وعلماء الإسلام, فأصحاب التقارب يتركون نقاط الاختلاف، ولاسيما مسائل العقائد, وهذه مناقضة لمنهج الدعوة النبوية، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعا أهل الكتاب وغيرهم من أهل الأديان إلى تحقيق التوحيد ونبذ الشرك وجادلهم على ذلك، ولم يرد تركه لمخاطبتهم في العقائد والإعراض عن ذلك إلى قضايا مشتركة أخرى.

فدعوة التقارب فيها تنكّب لطريق الأنبياء ومعاكسة له، وهذا من دلائل بطلانه.

الوجه الثالث: أنه إعراض وترك لبعض الأحكام الشرعية. يقول تعالى :{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْك ...َ} [المائدة: 49]. وهذه الآية صريحة في ثلاثة أمور أثناء الحوار مع أهل الكتاب وهي:
1- دعوتهم والحكم بينهم بحكم الله، وهذا أعرض عنه دعاة التقريب, بالبعد عن نقاط الاختلاف, وتنزيل الدين الحق منزلة الدين المحرف بحجة اعتبار الآخر واحترامه.
2- البعد عن مجاملتهم والتنزل معهم واتباع أهوائهم، وهذا أعرض عنه دعاة التقريب في مشاركتهم لهم في أعيادهم وإثبات إيمانهم وتزكيتهم.
3- الحذر من فتنتهم عن بعض ما أنزل الله تعالى، وهذا أعرض عنه دعاة التقريب فانزلقوا في مخالفة بعض ما أنزل الله بحجة التقارب والحوار، ومن أمثلة ذلك:
o الإعراض عن الولاء والبراء، والحب في الله والبغض في الله, تحت مسمَّى "المحبة والاحترام المتبادل" و "الأخوة الإنسانية" و "نبذ التعصب".
o إلغاء أحكام أهل الذمة تحت مسمى "العدالة الاجتماعية" و "حقوق الإنسان".
o ابطال حد الردة، وتمكين الكفار من الدعوة إلى دينهم وبناء معابدهم، ونشر كتبهم تحت مسمى "حرية التدين" و "التعددية الدينية" و "التعرف على الآخر".
o الغاء الجهاد في سبيل الله وما يتبعه من أحكام, مثل استرقاق الأسرى والغنائم تحت مسمَّى "السلم العالمي"، وفكرة الجهاد من أصلها لا تناسب الحوار بين الأديان بمعنى التقريب المزعوم, وغير ما تقدم من الأحكام الشرعية أعرضوا عنها بسبب الحوار والتقريب(34).

الوجه الرابع: أنه يتضمن المساواة بين الكافرين والمسلمين، يقول تعالى :{أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} [القلم: 35]. ويقول تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [صّ: 28]. ودعوة التقريب في أساسها تقرر مبدأ المساواة الدينيّة، وهذا رفع لما وضعه الله، وتنزيل لما رفعه الله تعالى, فالتقارب يفترض المساواة بين الأديان وعدم امتلاك الحقيقة المطلقة لأي منها، وهذا شك في الإيمان والإسلام وتوسط بين الأديان وهذا يقتضي ترك الجزم بصحة الحقائق المطلقة في الإسلام ونظرته إلى أهل الأديان الأخرى.

رابعاً: حوار وحدة الأديان وحكمه:
تعريفه:
وحدة الأديان هو "الاعتقاد بصحة جميع المعتقدات الدينيّة، وصواب جميع العبادات، وأنها طرق إلى غاية واحدة"(35), ومن أبرز المنظرين لها في الوقت الحاضر "روجيه جارودي" تحت غطاء "الإبراهيميَّة"(36)، ومفتي سوريا الشيخ أحمد كفتارو(37), وهما يتفقان في الدعوة إلى وحدة الأديان مع اختلافهما في منطلق ذلك، فالأول يدعو للوحدة من منطلق إنساني فهو يسعى لوحدة أديان الإنسانية ولكنه يرى أن المرحلة الأولى تبدأ بوحدة أديان الملل السماوية الثلاث، تحت مسمَّى (الإبراهيمية)، والثاني من منطلق صوفي وعلى فكرة صوفية وهي الوحدة والاتحاد، وهم الذين يرون العالم كله هو الإله وأن أفراده مثل موج البحر متعدد ولكنه من البحر نفسه، وبناءً على ذلك فكل الأديان صحيحة, لأنها صادرة عن الإله تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

والأثر البالغ والكبير لهما هو من جهة مكانتهما وشهرتهما العالمية، فجارودي كان الرجل الثاني في الحزب الاشتراكي الفرنسي بعد الرئيس الفرنسي (جاك شيراك), وأحمد كفتارو هو المفتي العام لدولة سوريا وله علاقات غامضة بكثير من المؤسسات المشبوهة, وقد نشطا بشكل كبير في بناء المؤسسات القائمة على هذه الأفكار الوحدويّة.

خصائصه: وأبرز الخصائص الفكرية لهذا النوع من الحوار ما يلي :
1- ما سبق ذكره من خصائص لحوار التقارب.
2- اعتقاد صحة عقائد الأديان الأخرى وعباداتها، وأنها طرق موصلة إلى الله.
3- اعتبار الخصائص المميزة بين الأديان ظواهر وتقاليد تاريخيّة لشعب معين أو حقبة زمنية معينة, أو اعتبارها أنواعاً مختلفة توصل إلى حقيقة واحدة.
4- العمل على المساواة بين كتاب المسلمين وعباداتهم ومساجدهم, مع ما يقابلها عند أصحاب الأديان الأخرى. ومن ذلك(38):
- الدعوة إلى طباعة المصحف الشريف والتوراة والإنجيل في كتاب واحد بين دفتين.
- بناء مجمع لأماكن العبادة يضم مسجداً وكنيسة وكنيساً.
- تبادل الزيارات بين عمار المساجد ومرتادي المعابد مما يزيل الجفوة ويولد المودة.
- إقامة الصلوات المشتركة في أماكن العبادة لمختلف الأديان, سواء بابتداع صلاة يشترك فيها الجميع, أو بأن يصلي كل واحد صلاة الآخر وغيرها من الشعائر التعبديّة.

حكمه : ومن خلال الخصائص السابقة لهذا النوع من الحوار يتبين أنه كفر خالص وردة عن الدين لأمور كثيرة منها:
أولاً: أنه تكذيب للقرآن والسنة في تكفير اليهودية والنصرانية وغيرها من الأديان، وحصر الحق والنجاة في الآخرة في (الإسلام) فقط. يقول تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85]. ويقول تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران: 19]. ومن أصول العقائد الإيمانيّة الضرورية في دين الإسلام :
"اعتقاد كفر من لم يدخل في هذا الإسلام(39)، من اليهود والنصارى وغيرهم, وتسميته كافرا وأنه عدو لنا، وأنه من أهل النار(40) قال تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 1]. وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة: 73]. ومن نواقض الإيمان القطعية تكفير من لم يكفر الكافر الأصلي, كاليهود والنصارى وأهل الأديان؛ لأن عدم تكفيرهم تكذيب لخبر الله وخبر رسوله في كفرهم، ومعاندة لحكمه فيهم,ولا مجال للحديث التفصيلي عن أوجه كفر أهل الكتاب وغيرهم.

ثانياً: أنه طعن في نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- من حيث شمولها وكفايتها وختمها لسـائر النبوات(41).

ثالثاً: أنه طعن في أصول الإسلام وجذوره الأساسية, مثل شهادة لا إله إلا الله التي تقتضي الكفر بالطاغوت, الذي هو من أبرز شروطها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل) (42), وهذا الحديث يدل على أن قول لا إله إلا الله وحده دون اعتقاد أو عمل-غير عاصم للدم والمال الذي هو علامة على ثبوت الإسلام- ولا معرفة معناها مع لفظها, ولا الإقرار بذلك, بل لابد من الكفر بما يعبد من دون الله وهو الطاغوت، وكذلك طعن في شهادة أن محمداً رسول الله وقد تقدم.

وتأسيساً على ما سبق: "فإن الدعوة إلى (وحدة الأديان) إنْ صدرت من مسلمٍ فهي تعتبر ردة صريحة عن دين الإسلام، لأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد، فترضى بالكفر بالله عز وجل، وتبطل صدق القرآن ونسخه لجميع ما قبله من الشرائع والأديان، وبناءً على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعاً, محرمة قطعاً بجميع أدلة التشريع في الإسلام، من قرآن وسنة وإجماع "(43).

خامساً: حوار توحيد الأديان وحكمه:
تعريفه: توحيد الأديان يقصد به "دمج جملة من الأديان والملل في دين واحد مستمد منها جميعاً، بحيث ينخلع أتباع تلك الأديان منها وينخرطون في الدين الملفق الجديد"(44), والفرق بين هذا النوع والنوع السابق (وحدة الأديان) هو أن:
النوع الأول: عبارة عن دين جديد مخلوط من عناصر الأديان مع الترك والخروج من الدين القديم والدخول في هذا الخليط الجديد.
أما النوع السابق: فلا زال كل واحد على دينه القديم لكن كل دين, فهو صواب يوصل إلى المقصود, مع إبداع إطار عام يبرر توجهات الأديان جميعاً. وأن الخلاف بينهما مثل الاختلاف بين الآراء الاجتهادية الصحيحة في الدين الواحد.

خصائصه: ويميز علماء الأديان بين نوعين من أنواع الاندماج والتوحّد وهما:
(1) الالتقاطية : وهي عملية دمج عناصر من الأديان دون إيجاد نسق منهجي بينها، ويُمثل لهذا النوع بالديانة "المونية" التي اخترعها المتنبي الكوري الشمالي (صن مون)(45).
(2) التلفيقيّة : وهي عملية دمج بين عناصر من الأديان مع محاولة إيجاد نسق منهجي يربط بينها، ويمكن التمثيل بمحاولة الأب الأسباني (إيميليو غاليندور آغيلار) ومجموعته المسماة "كريسلام"(46).

حكمه: والحكم على هذا النوع من الحوار واضح فهو دين آخر غير دين الإسلام، وهو كفر أكيد و ردة لمن اعتقده من المسلمين, وحيثيات ذلك واضحة، حيث أنه مناقض لأصل الدين وأساسه والإقرار لله تعالى بالتوحيد ولرسوله- صلى الله عليه وسلم- بالنبوة ولدين الإسلام بالانقياد و الخضـوع,وكل ما سبق في الكلام على (وحدة الأديان) يمكن ذكره هنا مع وضوح الكفر في هذا النوع أكثر من النوع السابق.

الخاتمة والتوصيات:
الحمد لله تعالى الذي بنعمته وبفضله تتم الصالحات وبعد:
فما تقدم من العرض السابق هو رؤيتي حول هذا الموضوع، وفي ختامه لابد من الإشارة إلى أهم النتائج والتوصيات وهي على النحو التالي:
أولاً: النتائج:
- أن عبارة (الحوار بين الأديان)عامة تتضمن صورا وأشكالا متعددة تختلف في مدلولها من معنى لآخر، ولهذا فإن أحكامها تختلف تبعا لذلك.
- أن (الحوار بين الأديان) بمعنى التداول للحديث والمناقشة والمجادلة يشمل ما دار بين الأنبياء و أهل الأديان من حوارات تدور حول الدعوة والمجادلة والمباهلة والبراءة.
- أن المعنى الاصطلاحي للحوار الآن مخالف لمناهج الأنبياء في حواراتهم لأقوامهم. - إن الحوار بين الأديان الموجودة متنوع, منه حوار الدعوة والتعايش والتقارب والوحدة والتوحيد ولكل واحد خصائصه وأحكامه.
- أن حوار التعايش منه الحق والصواب, وهو الموافق لمعنى البر والإحسان بضوابطه الشرعية, ومنه الباطل الذي يتضمن موالاتهم وانكار بعض الأحكام الشرعية, مثل الجهاد وحد الردة وبغض الكافرين ونحوه.
- أن حوار التقارب يتضمن أمورا مخالفة ومناقضة لمنهج الأنبياء في الدعوة والحوار, مثل اعتقاد إيمان الطرف الآخر و غيرها مما تقدم.
- أن حوار التوحيد والوحدة يتضمن أمور منافية لأصل الدين وهادمة له.

ثانياً: التوصيات:
- كشف أشكال الحوارات الباطلة, وبيان عدم انسجامها مع العقيدة الصحيحة, في دراسات وأبحاث متنوعة، وهنا أشيد بالدراسة القيمة للدكتور أحمد القاضي بعنوان((دعوة التقارب بين الأديان)).
- إيضاح الأبعاد والأهداف السياسية للحوار ،واستعمال الأديان وسائل لتحقيق مآرب سياسية معينة.
- إنشاء مراكز لحوار الأديان والحضارات, تظهر المفهوم الصحيح وتبطل المفاهيم الباطلة في هذا الصدد.
هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.





السهم المصري 7 - 1 - 2012 03:03 PM



ويمكن تلخيص تلك الخصائص في النقاط التالية :
1- القول بحرية التدين وإنكار حد الردة في الإسلام, باعتباره معارضاً لحرية اختيار الإنسان للدين الذي يقتنع به، وجعل القاسم المشترك بين كل الأديان البيان العالمي لحقوق الإنسان.
2- منع كل ألوان الاعتداء على الآخر وإنكار الحرب باسم الدين, وتفسير الجهاد في الإسلام بأنه للدفاع عن النفس وإنكار جهاد الطلب.
3- منع الكراهة الدينية و الدعوة للإخاء الإنساني.
4- المطالبة بالحرية الدينية للأقليات غير المسلمة في البلاد الإسلامية, والتعامل معهم على أساس الوحدة الوطنية, وليس على أساس المعتقد الديني، واقتراح الغرب الحل العلماني كأفضل حل لمشكلة الأقليات, وان كان هذا لا يراه كل من يرى الحوار بهذا المفهوم.
5- الإقرار بالأديان السماوية جميعاً وتفسير هيمنة الإسلام عليها بأنه (مراقب) عليها فهو يرصد ما تتعرض له الديانات من انحراف عن الحق.
6- الاجتماع على تقوية الصلة بالله في النفوس، خاصة بعد طغيان المادية وتفشي قيمها المسيطرة على الشباب في العالم.
7- البعد عن العنف والإرهاب والتطرف الديني والتكفير والتدخل في خصوصيات الآخر الدينية, وأن كل هذا مناف للاحترام الديني الذي يجب أن يكون بديلاً عن كل القيم السابقة(26).


الساعة الآن 03:32 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى