منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   النقد الأدبي والفني (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=107)
-   -   النقد الأدبي في المغرب (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=12018)

B-happy 26 - 11 - 2010 02:21 PM

النقد الأدبي في المغرب
 
النقد الأدبي في المغرب


الناقد
نجيب العوفي ناقد السرد
للدكتور
عبد العاطي الزياتي
امتلك الناقد المغربي نجيب العوفي حضورا نقديا لافتا للأنظار في الساحة الأدبية المحلية والعربية في شجاعة وصرامة نادرتين (إذ يرتبط اسمه بتاريخ نقدي في غاية الغنى منذ ما يزيد عن أربعة عقود استطاع خلالها هذا الاسم الوازن أن يخلق رصيدا نقديا متناميا ومطردا وثريا لذلك فهو واحد من ألمع نقادنا وأغزرهم عطاء.) (1)
ذلك أن جهاز قراءة نجيب العوفي موصول بممتلكات منهجية ترتكز في المقام الأول على لغة نقدية ذات سمات وصفات استثنائية وتكاد تدل عليه بما لا يدع مجالا للجدال. ومن ثم فهو متمسك بعتاقتها وأصالتها وارتباطها بالسجع والجناس، كي ترسو به على شاطئ النصوص الإبداعية على اختلافها وتعددها.
يرتاد نجيب العوفي براري النصوص الإبداعية منذ بدايات صدورها وهي ما تزال شائكة ملغمة مطمورة بأتربة كاتبها وزهوه اللفظي، دون أن يكون مضطرا لرجمها بالظن والغيب.
ولقد راكمت تجربته النقدية التي اقتبلت الساحة الأدبية منذ أواسط السنوات الستين كاتبا للقصة القصيرة. لتتحول إلى الكتابة النقدية منذ السنوات السبعين حيث صدرت له الأعمال التالية:
1 – درجة الوعي في الكتابة – دراسات نقدية - 1980.
2- جدل القراءة – ملاحظات في الإبداع المغربي المعاصر- دار النشر المغربية الدار البيضاء– 1983.
3 – مقاربة الواقع في الواقع في القصة القصيرة المغربية من التأسيس إلى التجنيس
المركز الثقافي العربي - 1987
4 – ظواهر نصية – عيون المقالات – البيضاء 1992.
5 – مساءلة الحداثة- منشورات وكالة شراع – طنجة 1996
6 – عوالم سردية: متخيل القصة والرواية بين المغرب والمشرق الرباط – 2000.
وغير ذلك من المداخلات في الجرائد والمجلات المغربية والعربية والأجنبية، وهي متون تتعدد مداخلها وتختلف آفاقها ورؤاها، وتثرى خصوبتها من الشعر نحو القصة ومن المسرح إلى الرواية، ثم العوج على أسئلة وهواجسه ومخاطره، فضلا عن الأسئلة الثقافية التي الواقع المغربي بها يمور.


مداخلتنا ستسعى إلى ملاحقة ملامح آلاته النقدية وأسئلتها وألوان نقده للنصوص السردية وطبيعة قراءتها.
بدءا ليست كتبه منصبة بالكامل كما أشرت على النقد السردي، اللهم ماخلا رسالته الجامعية لنيل دكتوراه السلك الثالث.: "مقاربة الواقع في القصة القصيرة المغربية من التأسيس إلى التجنيس." بل له انشغالات وإسهامات في مجالات نقدية مختلفة. ولذلك لابد وأن أكون قارئا مشاء في مجمل كتبه بحثا عن نقد السرد.
ففي كتابه "جدل القراءة " ثمة مقالين:
1 – جدل العين والذاكرة: في مجموعة "اللوز المر" لمحمد الهرادي.
2 – القصة القصيرة على سرير "بروكست" قراءة في كتاب: فن القصة القصيرة بالمغرب: في النشأة والتطور والاتجاهات.لأحمد المديني.
المقالان يختلفان، فالأول قراءة في مجموعة قصصية، رصدت آليات الإبداع والإمتاع المعتمدة على فاعلية العين وفاعلية الذاكرة، إذ من خلال الفاعلتين تلتقط المجموعة مادتها، وتعيد تشكيلها وصهر هذه المادة، وعليهما اعتمد محمد الهرادي لخلخلة منطق الزمان ومنطق الكتابة القصصية ومنطق العقل والشعور. وسعى الأستاذ العوفي لملامسة كل ذلك على الشخوص والوقائع وآلية القص التي توسلت وسائط السرد والوصف والمنولوج والحوار ثم فضاء الأمكنة خصوصا والمكان لدى محمد الهرادي ذو حساسية خاصة.
أما المقال حول رسالة أحمد المديني لنيل دبلوم الدراسات العليا، فيمكن أن يندرج في إطار نقد النقد؛ لأن الناقد نجيب العوفي حاول فهم إطار الرسالة وهيكلتها ومنطلقاتها وغاياتها ممحصا استدلالات أحمد المديني في تأصيله مسار نشأة القصة المغربية وتطوراتها، واتجاهاتها ، بغض النظر عن النتائج التي خلص إليها الباحث أحمد المديني ، والمصطلحات التي استثمرها والرؤية التي انطلق منها هل استجابت لقوانين البحث الأكاديمي وشروطه الصارمة أم غير ذلك ؟
وفي كتابه الثالث: مقاربة الواقع في القصة المغربية من التأسيس إلى التجنيس يتوافر للباحث عن رؤية نجيب العوفي النسقية للسرد القصصي شروط فهم آليات تفكيك النصوص وتقصي أبعادها الفنية والإنصات لهواجسها ولقلقها الإبداعي بموازاة مع سبر البنيات الخبيئة في أعماقها، وروابطها بالدلالة المضمرة في حركة أفعال الشخصيات.
واختار عدة منهجية متنوعة المشارب ومتواشجة الغايات، دون أن يرتهن بمنهج واحد ووحيد. وإن كانت البنيوية التكوينية حجر الزاوية إذ متح العوفي من معين "لوسيان غولدمان، وجورج لوكاتش، وديمين كرانت " كي تكون قراءته لموضوعة الواقع في القصة المغربية مساءلة وتشريحا للمقروء ومقاربة للواقع الحي. ويعرف لذلك:" إذ أن المنهج المهيمن على هذا البحث هو المنهج الواقعي؛ نقول المهيمن : (لأن بحثا في هذه الاستطالة تحدوه أشواق معرفية حرى . ويقارب جنسا أدبيا بالغ الحساسية مثل القصة القصيرة. لا يملك إلا أن يشرع كواه ونوافذه على منهجيات وفاعليات وحساسيات معرفية مختلفة. إن رحلة البحث طويلة وشاقة ولابد لها ككل الرحلات من هذا القبيل من مئونة كافية وعدة احتياطية.
إن تفاعلا منهجيا أمر ضروري في هذا الصدد، ومن تم يشكل المنهج الواقعي ما يمكن أن نسميه " إطار القراءة " لهذا البحث وبوصلته الموجهة الهادية )(2). وإذن فالناقد في كتابه: عقد النية على متابعة رحلة القصة القصيرة منذ بداياتها (سنوات الأربعين) إلى أواخرها (سنوات السبعين) لاستجلاء المسار الذي قطعته هذه القصة ولمعرفة الثوابت والمتغيرات فيه فخلصت إلى أن عمر القصة له مرحلتان:
1- مرحلة التأسيس: والتي لها عقدان من السنوات الأربعين إلى أواخر السنوات. وكان التنقيب عن الهوية شغلها الشاغل فانتقى لها المجاهل القصصية التالية:
- وادي الدماء: عبد المجيد بنجلون
- عبد الرحمان الفاسي: عمي بوشناق
- عبد الكريم غلاب: مات قرير العين
- أفراح ودموع: محمد الخضر الريسوني
- صور من حياتنا الاجتماعية: محمد الخضر الريسوني
- ربيع الحياة: محمد الخضر الريسوني
- أحمد بناني: فاس في سبع قصص
- أحمد عبد السلام: قصص من المغرب
2- مرحلة التجنيس: وتمتد إلى أواخر السنوات الستين. ولعل القصة كانت راسخة الأقدام في ما يتصل بهويتها الأجناسية وقد ضمت النصوص القصصية التالية:
- مبارك ربيع: سيدنا قدر.
- محمد بوعلو: السقف
- عبد الجبار السحيمي: الممكن من المستحيل
- خناثة بنونة: ليسقط الصمت.
- رفيقة الطبيعة: رجل وامرأة
- محمد برادة: سلخ الجلد.
- محمد زفزاف: حوار في ليل متأخر.
- إدريس الخوري: حزن في الرأس وفي القلب.
هاتان المرحلتان مكنتا العوفي من ملامسة نوابض القصة القصيرة وفهم ثوابتها ومتغيراتها. بعد هذا المسار أضحت القصة في اعتقاد العوفي جنسا تخييليا ذا أبعاد إبداعية وثقافية له أهميته ودلالته، وكبسولة إبداعية صغرى ملغومة بالأسئلة الكبرى وتقتضي بالضرورة إنصاتا تأملا تساؤلا في مستوى النشأة والتطور والتأسيس والتجنيس.
وهو ما استلزم منه جهدا مضنيا في متابعة أسئلة الوعي القصصي المغربي وحدوده وشخصياته وأفعاله في علاقاته بالهوية وعوامل الصراع حول الوضع الاجتماعي الوطني في مخاض السنوات الأربعين والخمسين. ثم فضاءات السرد في متون المرحلتين (مرحلة التأسيس ومرحلة التجنيس) واختلالاتها في ما يتصل بالحركة التاريخية وشروط ذاك السياق التاريخي وأسئلته. كما ذهب العوفي إلى أن راهن السنوات الستين وما يليها يمتلك أسئلته وسياقاتها لمختلفة ومآزقها الخاصة. ومن ثم فالقصة القصيرة لابد وأن تمتلك وعيا إشكاليا خاصا يستدعي تجنيسا مغايرا فكان المشرط النموذج العاملي لرومان ياكوبسون هو الأداة التي تمت الاستعانة بممتلكاتها وإمكانياتها المنهجية في التشريح ثم ربط ذلك في الفصل الثاني باللجوء إلى الغوص على جانب آخر من الأعمال القصصية الذي يتصل ببنيات السرد وفضاءاته وصيغ تمظهراتها في المتون وتوزعها ما بين البنيات المثلثلة والمستديرة والخطية في حركة أفعال الشخصيات على الورق على الواقع في مستوييه المكاني والزماني واللذين لاشك أنهما حاضنا مجمل الشخصيات المتقاطبة والمتلاغية والتي لاشك أنها أصوات حقيقية بيننا وقد خضعت لتحولات كبرى في الرؤية والحدث والشخصية والفضاء واللغة.
غير أن أسئلة التجنيس والهوية الأجناسية للقصة القصيرة قد وصلت الباب المسدود أو شارفته مما أجبر أصوات جديدة على اقتحام التجريب وتوليد الأشكال. وتزامن ذلك وهذا مع شيوع مقولة الحداثة في الحقل الثقافي العربي . فحاولت بعض النصوص القصصية المغربية أن ترأب صد وعها الداخلية وتتلافى فقر موضوعاتها ومضامينها ورؤاها بوساطة اجتراح تمارين وقواعد لعب شكلية بحتة نرصد أهم عناصرها وإوالياتها من خلال النقط التالية:
- تقطيع السرد القصصي إلى وحدات سردية مركبة ومعنونة (المونتاج)
- استنساخ الوحدة العضوية للنص بالوحدة الموضوعية
- خلخلة العلائق المنطقية والواقعية بين الأشياء (الفونطاستيك)
- توظيف التراث الشعبي
- توظيف التراث العربي
- مسرحة النص القصصي
- التمويج الغنائي – الشعري للغة القصصية.
وإذن فإن كتاب "مقاربة الواقع في القصة القصيرة المغربية من التأسيس إلى التجنيس" أطروحة طيبة لها طرح علمي أخلصت له وعكست جدية وصرامة صاحبها. حيث كانت نجيب للعوفي فيها قدرة لا تجارى على التقويم وإصدار الأحكام متحملا تبعاتها بشجاعة أدبية صارمة)(3)
في كتابه (ظواهر نصية) يواصل نجيب العوفي إسهاماته الجريئة في قراءة الإبداع المغربي وترسيخ تصوراته النقدية والتحليلية متوزعا بين الظواهر الشعرية والسردية والنقدية.
ففيما يتصل بالجانب السردي يمتعنا نجيب العوفي بغوصه في قرار متون شائكة لزقة ذات خصوصيات تاريخية أسطورية مثل نص (سليل الثقلين) للمغربي التهامي الوزاني ونص (كان وأخواتها) لعبد القادر الشاوي والثالث لمجموعة محمد شكري القصصية (الخيمة). فكانت له وقفات دقيقة مع جوانب من أسئلة القصة والرواية المغربيتين. قارئ هذه النصوص النقدية للسرد سيخرج بالانطباعات التي تكشف جانبا من رؤيته المنهجية:
1 – صياغة نص (سليل الثقلين) للتهامي الوزاني في قالب ميثولوجي أسطوري يفسر الدور الحيوي للمخيلة لدى الوزاني وتدثرها بأردية مجازية.
2 – حين اختار العوفي في قراءته القاعدة القائلة: (النص ولاشيء غير النص) كان لابد وأن يواجه السؤال الذي طرحه قبله كلود ليفي شتراوس: (أين تنتهي الميثولوجيا... أين يبدأ التاريخ؟)
ومن ثم فمسألة تجنيس هذا النص في ضوء نظرية السرد يدفع الكاتب لطرح أسئلة عن صفة كتاب (سليل الثقلين) وهويته وتوجهه ورؤيته الجمالية ومجازيته.
3 – السياق الزمني الذي حبر فيه النص يؤهله كي يكون حضرة دينية وقد فكك العوفي كل رموزه الدينية بما فيها صيغة الشخصيات والفضاء.
4 – أسطرة المعطيات والصيغ الحياتية لنص (سليل الثقلين) يعكس نزوع التهامي الوزاني الدفين إلى تغييب التاريخي واستحضار الميثولوجي وبث الثيولوجي وإخفاء الإيديولوجي.
وفي نص (كان وأخواتها) السردي لعبد القادر الشاوي كان أكبر الرهانات المعول عليها هو تجنيسها. أهي سيرة ذاتية بالنظر إلى معالمها الواقعية أم هي رواية بالنظر للميثاق الروائي الصريح بين الكاتب والقارئ حين وضع مفهوم (رواية) أسفل العنوان، فانتهى إلى ما يلي:
1 – الرواية "كان وأخواتها" شبكة من الفخاخ والأشراك المنصوبة بذكاء بالنظر لعوامل كثيرة منها: الهندسة المعمارية للنص.
2 – نظام نص "كان وأخوتها" هو فوضاه ولذته هي عنفه في إطار بلاغة التقطيع والتركيب فيه، في رمزية لغوية حروفية.
3 – عالم السجون والزنازين والممرات والمخافر والكهوف المظلمة هو الثيمة المهيمنة على النص: فضاء وأزمنة وأمكنة وشخوص ولغات ودلالة. ومع توالد رمزه يتوالد الحكي من الحكي والعذاب من العذاب: الدرب. الزنزانة. الطائرة. العصابة. القيد. المعلم. الحجاج.
هذه معالم مرة. نوافذ عذاب ولا مهرب منها إلا عبر نوافذ إغاثة تنفتح متآزرة عبر الطفولة والحب والكتابة في نافذة واحدة هي نافذة الكتابة التي تقوم بفك قيود الأسر وتخطي أسواره ليخلص في نهاية تحليله إلى أنه يبدو صعبا ومحرجا إعراب "كان وأخواتها" ؛ لتعدد الأوجه الإعرابية من جهة لأنها في العرف التاريخي المكين ليست فعلا ماضيا ناقصا بل فعل صيرورة وكينونة لا تخبو جمرته ولا تنكسف وقدته.
ومع محمد شكري في مجموعته "الخيمة" رصد نجيب العوفي تفاصيل تراجيكومديا مغربية تدور فصولها بين أظهرنا يوميا ونحن عنها ساهون لا مبالون إنه ضحك كالبكاء للعوامل التالية:
- الشخوص ترقص لاهية في نزيف المعاناة واللهو مذبوحة من الألم.
- المكان مجوسي مفعم جنسا وسكرا وعنفا ومثله الزمان سادرا في بلادته، ممددا لاهيا جثة على الطريق.
- عناوين القصص تعكس الجانب الوقح الفضائحي والشطاري الهامشي.
وفي كتابه الأخير "عوالم سردية: متخيل القصة والرواية بين المغرب والمشرق" انصرف وكد الكاتب إلى اكتشاف الأسرار الخبيئة البانية للمتخيل، والذي ثوى خلف سطور متون سردية في جنسي القصة والرواية، وهما الجنسان الأدبيان الماهدان في تشخيص الصيرورة العربية وأبعادها المتقاطبة، ويتألف الكتاب من ست عشرة مقالة نقدية انصبت على المجاميع القصصية التالية:
- الهواء الجديد: لمحمد زنيبر.
- الماء المالح: محمد الدغمومي.
- ذيل القط: محمد الهرادي.
- اشتباكات: الأمين الخمليشي.
- المحارب والأسلحة: بشير القمري.
- ظلال وخلجان: ربيعة ريحان.
- أشياء صغيرة: عبد العالي بركات.
- دوائر مغلقة: خالد أقلعي.
وقد حاول العوفي رصد الهواجس والشواغل الفنية التي ظلت سؤالا خفيا لمجموع هذه المجاميع، ملاحقا آفاقها الخيالية الثرية، وتحولات الكتابة القصصية في مستوياتها الشخصية والزمنية واللغوية والسردية.
كما خص روايات مغربية وعربية أخرى بالنقد والفحص الفنيين العاشقين وهي روايات:
- مغارات: عز الدين التازي.
- ليلة القدر: الطاهر بنجلون.
- خميل المضاجع: الميلودي شغموم.
- قشتمر: نجيب محفوظ.
- صخب البحيرة: لمحمد البساطي.
- تخطيطات أولية: لرياض بيدس.
إن الناقد نجيب العوفي قد جال في سجاف هذه العوالم السردية ملاحقا سمات الاغتناء والتجدد لتحديد نوابض النضج وعلامات التحول وصفات الإثراء للمشهد الثقافي بوجه عام المغربي والعربي. وعليه فقد كان علامة على قراءة مسكونة بالطابع الإبداعي والحيوي والجدلي. في النقد العربي الحديث
الهوامش:
* نص المداخلة التي ساهمنا بها لتكريم الناقد نجيب العوفي في إطار الأيام القصصية الثالثة التي نظمها نادي الهامش القصصي بزاكورة "جنوب المغرب" أيام 19. 20. 21. 22 مارس 2004
1 – عبد الفتاح الحجمري: الناقد الذي يبهجنا، جريدة العلم الثقافي، السبت 4 فبراير 2002، ص 4.
2 – نجيب العوفي: مقاربة الواقع في القصة القصيرة المغربية، المركز الثقافي العربي، ص 13.
3 – عبد الفتاح الحجمري: مرجع سابق ص 4

بعض النصوص القصصية المغربية أن ترأب صد وعها الداخلية وتتلافى فقر موضوعاتها ومضامينها ورؤاها بوساطة اجتراح تمارين وقواعد لعب شكلية بحتة نرصد أهم عناصرها وإوالياتها من خلال النقط التالية:
- تقطيع السرد القصصي إلى وحدات سردية مركبة ومعنونة (المونتاج)
- استنساخ الوحدة العضوية للنص بالوحدة الموضوعية
- خلخلة العلائق المنطقية والواقعية بين الأشياء (الفونطاستيك)
- توظيف التراث الشعبي
- توظيف التراث العربي
- مسرحة النص القصصي
- التمويج الغنائي – الشعري للغة القصصية.
وإذن فإن كتاب "مقاربة الواقع في القصة القصيرة المغربية من التأسيس إلى التجنيس" أطروحة طيبة لها طرح علمي أخلصت له وعكست جدية وصرامة صاحبها. حيث كانت نجيب للعوفي فيها قدرة لا تجارى على التقويم وإصدار الأحكام متحملا تبعاتها بشجاعة أدبية صارمة)

فوقفت مليا أتأمل في فحواها ليستوقفني السؤال : أهذا هو السبب الذي جعل من الرواية المغربية تزخر بذلك الإبداع وتلك المقدرة
كرواية " كان وأخواتها " وغيرها

يتبع

B-happy 26 - 11 - 2010 02:23 PM

النقد الروائي المغربي
قراءة في التراكم النقدي

أحببت أن أتابع الموضوع بهذه الدراسة للدكتور عبد الرحيم العلام والتي يناقش من خلالها كينونية النقد الادبي في المغرب

مستهلا حديثه بالسؤال التالي: هل يمكن الحديث الآن عن نقد أدبي مغربي معاصر؟

هذا السؤال يقودنا مباشرة إلى طرح سؤال قبلي، يمكن صياغته، هو أيضا، على النحو التالي:

هل يمكن الحديث عن أدب مغربي حتى يتم التساؤل عن مدى إمكانية الحديث عن نقد أدبي معاصر؟

في اعتقادي أن السؤال الثاني لا يمكن التشكيك في تحققه وتوفر الإجابة عنه، وعلى عدة مستويات: التراكم - الكتابة - الأجيال - الأجناس الأدبية - الجوائز - الأطروحات - الندوات، وغيرها…)

إذا كان السؤال الثاني محسوما، يبقى التساؤل عن وضعية وراهنية هذا الخطاب البعدي، الذي هو النقد الأدبي المغربي؟

يمكن الإقرار منذ البداية أن سؤال النقد الأدبي المعاصر يبقى سؤالا ضيقا وشائكا، في الآن ذاته. كما أنه يثير من الحساسيات والأسئلة أكثر مما يثير من الأجوبة والخلاصات، انطلاقا أولا من صعوبة القيام، الآن، بوضع حدود زمنية وتاريخية حقيقية بخصوص مجموع التراكم النقدي الذي كتبه نقاد مغاربة متخصصون أو غير متخصصين، وأيضا صعوبة الفصل "الصحيح" بين نوع التراكم الذي يمكن تصنيفه "فعليا" في خانة النقد الأدبي، وذلك الذي ليس كذلك…

إن الوهم السائد والشائع الآن هو ذلك الذي يقول بوجود حركة نقدية أدبية نشيطة في المغرب، بل إن هنالك من يذهب إلى القول أيضا بأن المشهد النقدي الأدبي المعاصر في المغرب هو الذي يتزعم الحركة النقدية الأدبية في العالم العربي، الآن!؟

ينكشف ويتعرى هذا الوهم بموازاة مع القول أيضا بـ" مغالطة" جميلة يقدمها ويصرح بها بعض النقاد المشارقة، خلال بعض المناسبات الجميلة، والقائلة بحدوث تحول جذري من "المركز" إلى "المحيط" فيما يتصل بوضعية النقد الأدبي العربي المعاصر!؟

إلا أنه بقدر ما لا يمكن التسليم بذلك الوهم كليا من زاوية التلقي الإيجابي له، بقدر ما لا يمكن نفي حدوثه أيضا، ومن ثم وجوب ضرورة طرح أسئلة أولية بخصوصه.

من المعلوم أن النقد الأدبي المغربي المعاصر بدأ بدايات متعثرة كانت لها هفواتها، كما كان لها تأثيرها الإيجابي على الفعل الأدبي، وعلى تطور الخطاب النقدي فيما بعد. لقد قيل الكثير عن الهفوات التي طبعت المسار النقدي المغربي المعاصر في مختلف مراحل تشكله الأساسية، منها: (سوء الفهم وضيق مجال التمثل -عدم تبني منهج معين في كليته وفي مرجعياته الفلسفية والابتسمولوجية- سوء استخدام وترجمة بعض المفاهيم الأساسية -ارتباط النقد الأدبي بالجامعة- إثقال النص بالمصطلحات والمفاهيم -ارتباط النقد الأدبي، في مجمله، بمدرسة واحدة (المدرسة الفرنسية)- غياب مراعاة خصوصية النص من ناحية وخصوصية النظرية أو المنهج المستورد والمتبني -هيمنة التقعيد والمعيارية- سلطة التطبيق الفج والاستيلاب المنهجي -ادعاء العلمية العمياء في النقد- غياب الحوار الفعال بين الرواية والنقد -غياب المناخ الملائم والضروري لإنتاج المفاهيم -حضور الانتقائية- غياب القراءة المنتجة والمخصبة…)، وغيرها من الملاحظات الأخرى التي لا تتوخى التقليل من أهمية ما حققه الخطاب النقدي الأدبي عندنا، كما أنها لا تبتغي التأثير على الصيرورة والسيرورة النقدية والأدبية المغربية بالخصوص.

إن مجموع الملاحظات السابقة أيضا، وغيرها، لا تتوخى أساسا المراهنة على إظهار مكامن الضعف أو الخلل التي عانى ويعاني منها الخطاب النقدي الأدبي بالمغرب، في إحدى أهم مراحله الأساسية، دون أن نلزم أنفسنا بذكر الأمثلة، بل إن الأمر لا يعدو أن يكون تأشيرا على أن الخطاب النقدي المغربي كان يخاطب نفسه بنفسه، في غياب نقد النقد مثلا، أو بتعبير آخر إن هذا الخطاب، وإن كان يؤسس لنفسه هويته الجنس-أدبية، كان يعيش أيضا وهم تخلقه داخل وضعية أدبية لازالت تعاني بدورها نوعا من "الهشاشة" والبحث عن الذات، كما أنها لم تؤسس مشهدها الأدبي بالشكل الكافي والمطلوب، بل إنها كانت في أمس الحاجة إلى التخفيف عنها من ثقل النظرية وكثرة المصطلحات والمفاهيم وتقويل النص من خلال كاتبه…

غير أن هذه الوضعية لم تلبث أن عدلت من مسارها العام دون أن تبرح مجموعة من الأسماء المشهد النقدي والأدبي المغربي، إلى جانب ظهور أسماء أخرى استطاعت أن تقفز بالخطاب النقدي نحو توسيع دائرة اشتغاله وتشغيله…

وحتى لا نوسع من مجال حديثنا، تجنبا للتيه، رأينا أن يقتصر حديثنا على النقد الروائي المغربي دون غيره من أنواع النقد الأخرى، وإن كنا نرى أن أسئلة النقد الروائي كانت، إلى وقت قريب جدا، يصعب عزلها كليا عن أسئلة أخرى مشابهة تخص باقي الأجناس الأدبية، نظرا لتشابه وضعية هذه الأجناس داخل مشهد الكتابة والتلقي، ونظرا أيضا لكون مجموعة من نقاد الرواية يمارسون نفس النشاط النقدي بخصوص أجناس أدبية أخرى…

إن المتأمل في نوعية وطبيعة التراكم النقدي الروائي بالمغرب لا بد وأن تتعرى أمامه بعض الجوانب المشكلة لدائرة الوهم الذي يعيشه النقد الروائي عندنا: (وهم التمثل الصحيح للمرجعيات النظرية والنقدية -وهم القرب من أوروبا- وهم المركزية الجديدة -وهم الطلائعية- وهم التراكم - وهم الاعتراف…)، وغيرها من الأوهام التي لم يتم العمل على تفكيكها وقراءة مولداتها في ضوء ما يتأسس داخل أقطار عربية أخرى من خطابات نقدية ومن أوهام أيضا (في مصر خاصة).

سوف ننطلق، إذن، من مسلمة مفادها أن كل ما سطرناه من كتب موازية لهذه القراءة، تمثل نماذج معينة من النقد والتحليل الروائي الممارس بالمغرب؛ بمعنى أن الملاحظات التي تطرحها هذه الكتابات لا تراهن على فعل "الإقصاء" أو "التصنيف" أو "نقد النقد"، الشيء الذي سوف يجنبنا حتما السقوط في القول مجددا بخطاب الأزمة الذي تحدث عنه نقادنا في فترات سابقة، ومن مواقع إيديولوجية خاصة، في حين تبقى نظرتنا نحن إلى مجموع هذه الكتابات نظرة كلية، لا تراعي وضع الحدود بين مرحلة وأخرى، بل هي على العكس من ذلك نظرة تؤمن بالتطورية والدينامية كشرط أساسي لتبلور وعي نقدي ومشروع نظري ونقدي منتجين…

نلاحظ، إذن، من خلال الببليوغرافيا المتوفرة، أن ثمة ما يفوق ستين كتابا متضمنا -جزئيا أو كليا- لأنواع معينة من نقد الرواية بالمغرب. أما الدراسات النقدية والتحليلية، غير المنشورة، أو تلك المبثوثة في الدوريات المغربية والعربية، فعديدة ولا يمكن تغييب دورها المرجعي والوظيفي والتراكمي أيضا، في كل مرة يتم فيها الحديث عن راهن أو مستقبل النقد أو الرواية عندنا…

نلاحظ أيضا أن جل المؤلفين أو المساهمين في تلك الكتب لا زالوا يمارسون النقد الروائي، لكن بدرجات متفاوتة وباستمرارية متقطعة وبرؤيات ولغات متباينة، ومن بينهم أيضا من يكتب النقد لأول مرة، كما أن من بينهم من يكتب الرواية ويمارس النقد الأدبي، وذلك سؤال قديم-جديد، لكنه مؤثر…

إن هذه القراءة في التراكم النقدي الروائي بالمغرب لا تدعي لنفسها الإلمام بالمشهد التراكمي النقدي الروائي بالمغرب، وذلك بالنظر إلى كونها تغيب مجموعة أخرى من الأسماء الناقدة، والتي تبقى لها مكانتها ودورها التأثيري في التراكم النقدي، كما أن غيابها، هنا، يرجع إلى كونها لم تصدر أي كتاب نقدي إلى حد الآن، كما أنها لم تقم بجمع ما سبق، أو لم يسبق نشره من دراسات ومقالات نقدية في كتب خاصة.

أول ملاحظة يمكن القول بها بخصوص ذلك التراكم النقدي هي تلك التي تخص التمييز بين كتابات نقدية وتحليلية اقتصرت فقط على مقاربة النص الروائي -والسير ذاتي- المغربي، وأخرى مزجت بين مقاربة النص الروائي المغربي والعربي، وثالثة قاربت النص الروائي العربي دون المغربي، ورابعة اهتمت بدراسة النص الروائي الأجنبي -وهي نادرة جدا-. إلا أن عدد الكتابات الأولى، حول الرواية المغربية، تفوق باقي الكتابات النقدية الأخرى، وهو ما يؤشر ضمنيا على الحضور اللافت والهام للرواية المغربية داخل الوعي النقدي للنقاد المغاربة، في حين تبقى الرواية المصرية، من جانب آخر، هي التي تحظى بالنصيب الأوفر من الحضور داخل الكتابات النقدية المغربية، وذلك وضع له صلة بتاريخ الرواية العربية عموما وبنوعية التراكم الروائي المصري خصوصا…

ثاني ملاحظة هي تلك التي تخص التمييز بين تراكم نقدي هو وليد الجامعة، وآخر نابع من الفضاء النقدي الخارجي، وإن كانت جل الممارسات النقدية يقف من ورائها نقاد ينتمون إلى الفضاء الجامعي أو تخرجوا منه. كما أن جل الدراسات والأبحاث النقدية حول الرواية لا زالت رهينة رفوف الكليات والمعاهد العليا.

ثالث ملاحظة تخص إيقاع التوازي بين التجربة الإبداعية الروائية المغربية والعربية والتجربة النقدية المغربية، بحيث يمكن، هنا، تسجيل غياب التكافؤ بين التجربتين، خاصة وأن عدد النصوص الروائية المغربية التي استحضرتها تلك الكتابات النقدية والتحليلية تبقى قليلة جدا، بالمقارنة مع ما يكشف عنه التراكم الروائي من نصوص روائية. وهو ما يعني أن بعض النصوص الروائية فقط هي التي فرضت نفسها، دون غيرها، على مستوى المتابعة النقدية والتحليلية، أو على مستوى إعادة القراءة.

رابع ملاحظة لها علاقة بالملاحظة السابقة، وذلك على مستوى اهتمام النقد الروائي المغربي بأسماء روائية مغربية، وحتى عربية، دون غيرها من الأسماء الأخرى التي يطفح بها المشهد الروائي المغربي والعربي، وتلك الأسماء يكاد حضورها في جل الكتابات النقدية، في الوقت الذي شهد فيه المشهد الروائي المغربي ظهور أسماء جديدة تكتب الرواية إلى جانب استمرارية الأسماء الأولى: (غلاب، العروي، زفزاف، شغموم، المديني، التازي، الشاوي، ربيع، خناثة، شكري…)

خامس ملاحظة تهم غياب حدوث أي حوار متكافئ بين الأجيال الناقدة فيما بينها، وبين الأجيال الناقدة الأولى والأجيال الكاتبة الجديدة، وهو حوار وتعايش كان من الممكن، في حالة حدوثهما، أن يساهما معا في خلق حركة نقدية وروائية مهمة، بدل القول فقط بتأزيمها وتوريطها…

سادس ملاحظة تركز على التباين المنهجي الذي يطبع مجموع تلك الكتابات النقدية، بحيث نسجل، هنا، الحضور المكثف لمجموعة من المناهج والمرجعيات النظرية الأوربية التي استفاد منها النقد الروائي المغربي، بدرجات وتمثلات مختلفة ومتباينة: (المنهج الجدلي، المنهج البنيوي التكويني، المنهج الشكلاني، المنهج الموضوعاتي، المنهج السيميائي، المنهج البويطيقي، المنهج السوسيو-نقدي، المنهج التكاملي…)

سابع ملاحظة تخص تعايش أكثر من أربعة أجيال ناقدة داخل المشهد النقدي المغربي، في غياب أي حوار فعال ونقدي فيما بينها مع بعض الاستثناءات الطفيفة والمجهودات الفردية التي يقوم بها بعض المنتمين إلى هذا الجيل أو ذاك. إلا أنها أجيال تمكن جل المنتمين إليها من تطوير خطابهم وأدواتهم النقدية، سواء على مستوى الاستبدال المنهجي أو على مستوى الرؤيات والانفتاح المنهجي والنظري. كما أن التراكم النقدي الذي حققه بعض "نقادنا الجدد" يؤشر على حضور وأهمية نقد الرواية لديهم، الشيء الذي مكنهم من اكتساح المشهد النقدي الروائي الجديد، وإن كان اكتساحا تبقى له هفواته وثغراته هو أيضا…

ثامن ملاحظة يمكن ربطها بالقفزة النوعية التي حققتها بعض النصوص الروائية المغربية، من رواية اعتمادها في مقررات المؤسسات التعليمية، الأمر الذي واكبته حركة نشطة فيما يخص تأليف وإصدار كتابات "نقدية" و"تحليلية" موازية لتلك النصوص.

وتبقى رواية "دفنا الماضي" سابقا وكذا روايات "لعبة النسيان" و "أوراق" و "الريح الشتوية" لاحقا، من بين أهم الروايات التي حظيت بالترحيب النقدي والتحليلي لها.

وفي رأيي أن هذه الكتابات، متى خرجت عن الطابع الديداكتيكي، فإنها تبقى ظاهرة صحية وإيجابية، ليس فقط على مستوى التراكم النقدي، بل أيضا على مستوى انفتاحها على فئات كثيرة من القراء والمهتمين (رجال التعليم وغيرهم).

إلا أن من سلبيات هذه الظاهرة نشير إلى ارتباط بعض المنشغلين بها بالظرفية الزمنية والمناسباتية، دون أن يتعدوها نحو قراءة وتحليل نصوص روائية أخرى لم تعتمدها المؤسسات التعليمية، الأمر الذي يجعل تصورهم ورؤيتهم النقدية يطبعها الانغلاق والهشاشة والمحدودية…

تاسع ملاحظة ترتبط بالمسار العام للنقد الروائي المغربي الذي لم يؤسس لنفسه، على مستوى تحولاته المنهجية والنظرية، ازدهارا لافتا للانتباه والمساءلة. فجميع أنواع النقد التي عرفها المشهد النقدي الروائي المغربي لم تعمر طويلا، حيث كان كل نوع يفسح المجال للنوع الآخر، وإن كان لم يستنفد طاقته المرجعية والنقدية والتطبيقية كاملة. إلا أن جل تلك الأنواع النقدية والمناهجية لم تغادر الساحة النقدية نهائيا، بل إن منها ما يطفو على السطح مرات أخرى في إطار ما يسمى بالتكامل المنهجي أو المعرفي…

عاشر ملاحظة هي تلك التي تخص طبيعة الأسماء المنظرة الغربية التي تهيمن على المرجعية النظرية والنقدية الروائية بالمغرب: (لوكاش، كولدمان، بارت، جينيت، تودوروف، زيما، لوجون، إيكو، إيزر، باختين، كريماس، كرزنسكي…).

ويمكن أيضا تلمس الحضور المهيمن لهذه الأسماء على مستوى الترجمات التي قام بها، أو ساهم فيها، النقاد المغاربة: (كتاب ودراسات ومقالات مترجمة لكل الأسماء السابقة). وهو ما يبرز -إلى حد ما- انفتاح الحركة النقدية الروائية عندنا على نوع من التوسع الجغرافي النقدي والنظري، الأوروبي خاصة. ولكنه يبقى توسعا محصورا، ما دام أن نشاط الحركات النقدية العالمية لها أصداء جديدة في مناطق أخرى من العالم…

بعد كل هذه الملاحظات، وغيرها مما لم يتسع المقام لسردها، يصعب القيام بحصر مختلف الأسئلة التي رصدتها وأنتجتها تلك الكتابات النقدية والتحليلية، وإن كانت في عمومها تتراوح بين سؤال "الواقع" وسؤال "التأريخ" و سؤال "الكتابة" وسؤال "الحداثة والتجريب"…، مع ما يمكن أن يندرج بينها من أسئلة ضمنية موازية، إلا أنها تبقى أسئلة اختزالية ولم ترق إلى مستوى الكشف العميق عن الحمولات الدلالية والشكلية للنصوص الروائية، بالإضافة إلى كونها خطابات نقدية لم تساير، في مجملها، مستوى تحول الكتابة الروائية والعربية، نظرا لكون مجموعة من الأسئلة الأساسية للرواية العربية بقيت معلقة وغير مكشوف عنها بالشكل الكافي. قد يعود السبب إلى استمرارية غياب المناخ الثقافي الملائم، والذي من شأنه أن يؤدي إلى بلورة نقد روائي مغربي باستطاعته أن يكشف عن طبيعة الجدليات القائمة أو الممكنة بين الرواية والمجتمع أو بين الرواية والمتلقي بشكل عام، خارج أية تأثيرات، سابقة أو لاحقة، يمكن افتراضها في هذا السياق، باعتبارها الموجهة لفعلي النقد والتحليل…

وتبقى دعوة محمد برادة، على سبيل المثال، إلى إعادة قراءة بعض النصوص الروائية، المغربية والعربية، في ضوء معطيات وتصورات نظرية ونقدية جديدة دعوة ملحة. كما أن من شأن تلك القراءات الجديدة أن تكشف عن أسئلة حقيقية وعن قضايا أساسية تخص الذات والهوية والكينونة والسارد واللغات والمتخيل…، وغيرها من الأسئلة الأخرى التي تتناسل بحسب تناسل النصوص والقراءات، وهو ما سيضفي على النقد الروائي -لا محالة- المشروعية والإيجابية والخصوصية، كما أن من شأن ذلك أيضا أن يمكننا من "إعادة النظر في علاقتنا بالرواية وغايتنا منها، وطريقة قراءتها على ضوء أسئلتنا وعلى ضوء العلائق التي نطمح إلى إقامتها بين الروائيين والمتلقين"(1). ويكفي أن نستدل بكتابي "دينامية النص الروائي" و "أسئلة الرواية، أسئلة النقد" لكي نستنتج بأن النقد الروائي المغربي في تحول وتطور مستمرين ومنتجين للنص ولرموزه ولعلاماته ولتعقيداته ولمادته التخييلية، كما أنه نقد يتوخى من خلال ذلك كله، استيعاب الدلالات العميقة والمتشابكة والحقيقية للنص، وأيضا إنتاج واستيلاد معرفة حوله، بما هو "أداة معرفة ونقد" على حد تعبير محمد برادة.

ـــــــــــ

1 - محمد برادة، نظرية الرواية، في مجلة: مقدمات، المجلة المغاربية للكتاب، عدد 10، صيف 1997، ص 63.

2 - محمد برادة، أسئلة الرواية، أسئلة النقد، منشورات الرابطة، 1996، ص 35.
** الرواية المغربية أخذت الكثير من الشرق ومن الغرب
ومزجت بين التراث الشعبي والتراث العربي حتى تخرج في أبهى حلة

حيث جاء ظهور الرواية المغربية من الناحية الزمنية متأخرا عن نظيرتها في المشرق العربي، وقبل ذلك عن الرواية الغربية… وهذا يؤكد ان ظهورها محكوم بتاخر مضاعف، فرض عليها التعامل مع الرواية الشرقية والغربية كنماذج ومرجعيات كبرى، وبشكل آخر فإن الرواية المغربية، قلدت الى حد كبير الرواية الشرقية، التي قلدت هي الأخرى الرواية الغربية، رغم ان الرواية المغربية أكدت في العديد من المحاولات رغبة قوية للخروج من أسر التقليد والمحاكاة، والتركيز على المعطيات السوسيوثقافية المغربية كنموذج للكتابة لكن ذلك ظهر باهتا ، وأحيانا كثيرة فشل في تقديم رواية مغربية، بمواصفات محلية، لذلك جاءت أغلب الأعمال الروائية التي ظهرت في فترة ظهور الكتابة الروائية في المغرب، محاكية لنماذج روائية مشرقية معروفة.

وقد تمثلت بشكل أساسي في بعض الأعمال من بينها "بوثقة الحياة" للبكري السباعي، و "إنها الحياة" لمحمد البوعناني، و"غدا لن تتبدل الأرض" لفاطمة الراوي، و "أمطار الرحمة لعبد الرحمان المريني ... وهي أعمال اعتبرها البعض ما قبل الكتابة الروائية، وبالتالي فقد اسقطها النقاد من التصنيف الروائي

لكن هناك استثناءات روائية، لا تتجاوز خمسة عناوين، وهي: رواية "الزاوية" للتهامي الوزاني عام 1642، و "في الطفولة" لعبد المجيد بن جلون عام 1957، و "سبعة أبواب" لعبد الكريم غلاب عام 1965، " دفنا الماضي" لنفس الروائي عام 1966، و"جيل الظما" لمحمد عزيز الحبابي عام 1967.وبالرغم من أنها لا تتوفر على مؤهلات فنية وروائية كبيرة، إلا انه ما يجمع بينها الحفظ الكبير بين الروائي والسير ذاتي، بحيث لا تخلو رواية من الروايات المذكورة من هذا الخلط على المستوى الحكائي، وكذا حضور الاخر أي الغرب كعنصر اساسي وفاعل في عملية الحكي، إضافة الى اعتماد قواعد الكتابة الكلاسيكية، وهي سمات طبعت المرحلة التاسيسية للرواية المغربية

بعد هذه المرحلة ظهر نوع جديد من الكتابة الروائية مطبوع بالواقعية، وقد امتد من أواسط العقد السادس الى منتصف العقد السابع من القرن الماضي، وهي مرحلة عرف فيها المغرب بروز جملة من التناقضات، اذكت الصراع على المستوى السياسي، حيث كان له تأثير بالغ على الحقل الثقافي والفكري، وعلى الأجناس الكتابية، ومنها الرواية التي أظهرت ميلا كبيرا للواقعية، باعتبارها الاتجاه الأكثر قابلية للتعبير، وتمثل ما كانت يعرفه الواقع المغربي من تغييرات. وقد ظهر ذلك في روايات محمد زفزاف، ومبارك ربيع، وعبد الكريم غلاب، ومحمد شكري

وقد تميزت الكتابة الروائية في هذه الفترة بهيمنة السياسي على الفني والإبداعي، وحضور الظواهر الاجتماعية كالفقر والأمية...اضافة الى اعتماد اللغة السهلة والمباشرة، مع الإبقاء على عنصر السيرة الذاتية، والغرب ولو بشكل أقل من روايات المرحلة التاسيسية

وبداية من منتصف السبعينات من القرن الماضي، بدأ ما يمكن تسميته بالرواية التجريبية، وقد تزامنت هذه المرحلة مع حدوث تغييرات سياسية مهمة مما مهد الطريق لتدشين مرحلة الإصلاحات الديموقراطية أما على المستوى الثقافي والفكري فقد ظهرت تصورات أدبية جديدة تدعو إلى تجاوز طرق الكتابة والتعبير السابقين، ومن ضمنها الكتابة الروائية، وهذا ما أدى الى ظهور التجريبية برهاناتها الساعية الى اعتماد تقنيات كتابية جديدة، بهدف إعادة التوازن المفقود للرواية المغربية، وذلك بتجاوز تقنيات الحكي الكلاسيكي، وتنويع وجوه السرد، وتناول مواضيع تنهل من التراث، والظواهر الغرائبية، وتكسير سطوة اللغة القديمة، والمصالحة بين الأجناس التعبيرية والكتابية في السرد الروائي

ورغم ذلك فإن الرواية التجريبية، مازالت محل نقاش واسع، كونها لم تتمكن من مراكمة ما يكفي من النماذج الروائية للدفاع عن نفسها، إضافة الى وجود روائيين مازالوا منتصرين لأشكال الرواية الواقعية.

يتبع

B-happy 26 - 11 - 2010 02:25 PM

هذا البحث للدكتور عبد الواحد المرابط
والذي يناقش من خلاله نشأة النقد الحديث في المغرب من كل جوانبه

بواكير النقد المغربي الحديث

تمثلت بواكير النقد الأدبي الحديث بالمغرب، في مجموعة من الدراسات الماهدة والرائدة، التي اعتمدت رؤية تاريخية جعلتها تُنَسِّب الأدب المدروس إلى زمنه، وتنظر إليه انطلاقا من بيئته ومحيطه الاجتماعي ومرحلته التاريخية. وبتعبير آخر، فإن الدراسات الأدبية المؤسِّسة للنقد المغربي الحديث هي تلك التي اعتمدت المنهج التاريخي في تناولها للأدب، فعملت على تأريخ الأدب المغربي ورسم مراحل تطوره عبر الزمن، سواء باعتماد التحقيب السياسي المبني على تعاقب الأسر الحاكمة في تاريخ المغرب، أو بالارتكاز على التأثيرات والتأثرات الفكرية والفنية، أو بالاستناد إلى البيوغرافيات وترجمات المؤلفين وفق مواقعهم من الزمن.

وقد تجسدت هذه البواكير النقدية في مجموعة من المؤلفات التي نشِرت على شكل كتب مصنفة، كما تجسدت أيضا في العديد من المقالات التي نشرتها الصحف والمجلات طيلة النصف الأول من القرن العشرين([1]). هذا فضلا عن المسامرات والمحاضرات والمطارحات الأدبية التي كانت تشهدها المجالس والأندية الأدبية في تلك الفترة. غير أن إشاراتنا ستقتصر على أبرز الكتب المصنفة التي مثلت تلك البواكير، والتي رسمت- بما فيه الكفاية- أرضيةَ النقد المغربي الحديث و منطلقاته العلمية والمنهجية:



1.2- كتاب “فواصل الجمان…” لمؤلفه محمد غريط

كتب محمد غريط (1298-1362هـ/1881-1945م) كتابه “فواصل الجمان في أنباء وزراء وكتاب الزمان” منذ سنة 1332هـ/ 1912م، لكنه لم ينشره إلا عام: 1346هـ/1925م([2]). ويقع هذا الكتاب في 312 صفحة، حيث يشمل «كلمة الناشر» عبد العزيز بوطالب، و«الإهداء» و« الديباجة» (ص.1-6)، يليها قسمان كبيران: قسم أول بعنوان « في أخبار الوزراء، وما وقع لبعضهم من تعظيم وإزراء»(ص.7-141)؛ وقسم ثان بعنوان: «في أخبار الكتاب وما صدر لجلهم من إعزاز وإعتاب» (ص.142–306). وقد خُتم الكتاب بـ«فهرسة» (ص.307-310) وجدول يستدرك فيه المؤلف الأخطاء المطبعية (ص.311– 312).

خص غريط القسم الأول من هذا الكتاب بالحديث عن أخبار الوزراء المغاربة منذ أواسط القرن الثالث عشر الهجري (النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي) إلى بداية القرن العشرين الميلادي (أواسط القرن الرابع عشر الهجري)، وذلك بأن ذكر لكل منهم اسمه الكامل وعائلته وصفته والوظائف التي شغلها وكتبه وأشعاره وأخباره وسنة وفاته. وكان عند حديثه عن معظم هؤلاء الوزراء يسوق بعض أشعارهم ويربطها بوقائع من حياتهم الشخصية والاجتماعية وبالحياة السياسية العامة.

أما القسم الثاني فقد خصه غريط بذكر أخبار الكُتـَّاب، حيث ذكر لكل منهم اسمه وأسرته وأشعاره وأخباره، حسب علاقته بالسلطان وبالحياة السياسية، مع نماذج من شعره وأدبه. وقد كان في كل ذلك منضبطا لمنهج واحد ومعتمدا على خطة واحدة يكررها عند تناوله لكل كاتب على حدة.

يمكن لقارئ هذا الكتاب أن يلاحظ كيف أن محمد غريط يقرن بوضوح بين الأدب والتاريخ، حيث ينظر إلى التاريخ من خلال الأدباء، كما ينظر إلى الأدباء من خلال التاريخ. فمنذ كلمة «الإهداء» في أول الكتاب، نجده يقول: «… فإنني منذ ألفت كتاب “فواصل الجمان في أنباء وزراء وكتاب الزمان” وأنا أقدم رجلا وأأخر [أؤخر] أخرى، وأتردد بين نشره أو تركه مطويا في قشره، وإن كان نشره أحرى، إلى أن رأيت الأدب والتاريخ آخذين حظهما من الاحتفاء، ظافرين بعد ضعفهما بالسفهاء، مقدورين حق قدرهما، نائلين قرة عينهما وشرح صدرهما… »([3]).

فإذا كانت عبارات غريط هذه تؤكد أن تأليف الكتاب قد سبق نشره بسنوات عديدة، فهي فضلا عن ذلك تؤكد مسألة أخرى أكثر أهمية وأعمق دلالة، وهي اقتران النظر إلى الأدب بالتاريخ وعلاقة ذلك ببداية النقد المغربي الحديث. إن غريط بحيرته التي أشار إليها، والتي جعلته يؤخر نشر كتابه أكثر من عقد من الزمن، قد رسم الحالة التي كان عليها النقد المغربي في بدايات القرن العشرين، حيث كانت تتجاذبه المقاربات البلاغية التقليدية من جهة وإرهاصات النقد الحديث ذي الرؤية التاريخية من جهة أخرى. فلم يخرج غريط من حيرته تلك إلا حين رأى الأدب والتاريخ قد اقترنا فما بينهما وعلا شأنهما وظفرا «بعد ضعفهما بالسفهاء» .

نفهم مما قاله المؤلف هنا أن زمن البلاغة في النقد كان قد بدأ ينحصر ويتراجع لصالح زمن التاريخ. أي أن الفترة التي عاشها غريط وكتب فيها كتابه هي فترة انتقال طويلة وعسيرة من النقد التقليدي ذي الرؤية البلاغية المعيارية إلى النقد الحديث ذي الرؤية التاريخية النسبية. كما نفهم أيضا أن كتاب “فواصل الجمان…” ينحو منحى تأريخا قائما على ارتباط الأدب بالتاريخ، مما يجعله كتابا رائدا في هذا الاتجاه.

وقد دعا المؤلف في “الديباجة” إلى تأكيد هذا المنحى التأريخي، حيث رأى أن « فن التاريخ مما لا يحتاج إلى دليل، على ماله من النفع الجليل…»، وأن « لكل زمن رجال »، «عمرت بهم أندية الأدب وازدهرت بهم وجوه الرتب…» (ص.2–6). فالأدب مرتبط بالرجال، والرجال مرتبطون بالزمان، والزمان هو لحمة التاريخ.

ربط غريط إذن بين الأدب والتاريخ. والتاريخ المقصود عنده هو التاريخ السياسي بالدرجة الأولى، إذ يعتبره أرضية للشعر وللحياة الأدبية عموما؛ وهذا ما يفسر تخصيصه القسم الأول للحديث عن الوزراء أولا، والقسم الثاني بعده للحديث عن الكتاب. فالأحداث السياسية والتاريخية هي الإطار الذي ينبني ضمنه تاريخ الشعر والأدب، حيث لا يجد الشعر أو النثر تفسيره ولا معناه إلا بالنظر إلى شخصية كاتبه وموقعها من الأحداث التاريخية التي عاشتها والوقائع التي باشرتها أو دارت في فلكها.

غير أن المؤلف، سواء في حديثه عن الوزراء أو في ذكره للكتاب يركز على القيمة الأدبية لكل منهم، وذلك على أساس أن معظم الوزراء هم كتاب وشعراء. بل إنه في القسم الأول، المخصص للوزراء، يمعن في الحديث عن جوانبهم الأدبية وإنتاجاتهم الشعرية؛ وفي القسم الثاني اٍلمخصص للكتاب والشعراء، نراه – بالمقابل – يمعن في سرد الأحداث التاريخية.

ولاشك أن هذه الازدواجية – الملحوظة في القسم الأول والثاني من كتاب غريط – ناتجة عن نزعته التأريخية واقتناعه بالارتباط والتلازم بين الأدب والتاريخ، وهو الاقتناع الذي دفعه إلى التركيز على المعطيات الأدبية في مقام الحديث عن الشخصيات السياسية (الوزراء)، والى الإسراف في سرد الأحداث السياسية والمعطيات التاريخية في مقام الحديث عن الكتاب والأدباء والشعراء

وأكثر من ذلك، فقد دفعته نزعتـُه التأريخية إلى وضع عناوين فرعية ومحاور خاصة بالأحداث التاريخية، ومن ذلك ما جاء تحت العنوانين التاليين:

- «بداية بوحمارة ونهايته» (ص.110 وما بعدها)؛

- «تنازل مولاي عبد الحفيظ عن الملك» (ص. 140 وما بعدها).

وفضلا عن ذلك، هناك موضوعات تاريخية أخرى عديدة خاض فيها محمد غريط دون أن يضع لها عناوين مخصوصة، ومن تلك الموضوعات ثورة الجيلالي المعجاز(ص.73)، وثورة أبي عزة الهبري(ص.76)، وثورة مبارك بن الطاهر ابن سليمان الرحماني(ص.84)، وحادثة الدار البيضاء(ص.101)، وواقعة مراكش(ص.102)، ومبايعة القبائل الحوزية للسلطان عبد الحفيظ (ص.103)، ومبايعة أهل فاس للسلطان عبد الحفيظ(ص.103)، وانكسار محلة السلطان عبد العزيز(ص.106)، وثورة الشراردة والبرابر(ص.125)، وثورة عسكر التنظيم(ص.135)، وغير ذلك…

وخلاصة الأمر أن القسم الأول من “فواصل الجمان…” مخصص للتاريخ السياسي، لكنه منظور إليه من زاوية أدبية، بينما القسم الثاني مخصص للتاريخ الأدبي، لكنه منظور إليه من زاوية سياسية؛ وبذلك يتكامل الأدب والسياسة في مشروع محمد غريط الرائد على أرضية التاريخ.

2.2- كتاب” مسامرة أدبية ” لمؤلفه عبد الله بن عباس القباج

هذا الكتاب هو في الأصل عبارة عن مسامرة ألقاها الشاعر الأديب والناقد عبد الله بن عباس القباج (تـ.1334هـ/1915م) بنادي المسامرات في المدرسة العليا بالرباط، تحت عنوان:”الشعر والشعراء” سنة 1922م، فطـُبعت بالمطبعة الرسمية لحكومة الحماية، بنفس المدينة وفي نفس السنة([4]).

وقد قدم لهذه المسامرة في طبعتها المذكورة- التي استوعبت 52 صحفة – بما كان قد كتب عنها السيد علي الطرابلسي في جريدة “السعادة” – وهو رئيس تحريرها آنذاك – بعدد 2473 الصادر في 11 جمادى الثانية عام: 1341هـ/1922م، تحت عنوان “نادي المسامرات”. ومما جاء في كلمة الطرابلسي أنها «مسامرة مفيدة ألقاها صديقنا ومساعدنا الشاعر المطبوع الفقيه الحاج عبد الله القباج، وكان موضوعها (الشعر والشعراء) فقضينا ساعة من ألذ ساعات العمر…»(ص.8).

أما متن المسامرة فقد جاء مسترسلا دون فصول أو أقسام، بدأه المؤلف بالحديث عن العلوم، فقسمها إلا ثلاثة أصناف: علوم نافعة في الدنيا والدين، وهي العلوم الشرعية (الأصلية منها والفرعية)؛ وعلوم نافعة في الدين فقط، وهي تشمل كل ما يتعلق بمعرفة الله؛ ثم علوم نافعة في الدنيا فقط، وهي العلوم الحديثة، ومنها «علوم الأدب الإثنا عشر التي أحدها فن الشعر» موضوع هذا المسامرة(ص.8).

ثم انتقل المؤلف بعد ذلك إلى الحديث عن الشعر وأهميته وحظوته لدى النبي محمدۖ وأصحابه وذريته ولدى الخلفاء الراشدين وبعض القضاة، وصولا إلى الأئمة وعلماء المسلمين (ص.8-9)؛ ثم استغرق بعد ذلك في الحديث عن مفهوم الشاعر ومفهوم الشعر، مبرزا الفرق بين النظم والشعر وأهمية كل منهما (ص.10–12).

انطلاقا مما سبق يتضح أن هذا الكتاب، بما قدمه من تصورات، لا يخرج عن منظومة النقد العربي القديم ذي الرؤية البلاغية التقليدية، وهذا ما جعلنا نشير إليه ضمن المحور المتعلق بالاتجاه البلاغي المتأخر؛ غير أننا نستدعيه هنا أيضا، ضمن بواكير النقد المغربي الحديث، لأنه بعد أن استنفذ الحديث عن مفهوم الشعر والفروق بينه وبين النظم انتقل إلى إجراءات تحقيبية أعطت لعمله طابعا تأريخيا، وجعلته ينخرط – إلى حد ما – في المنظور الزمني النسبي الذي كان آنذاك قد بدأ يفرض نفسه في الدراسات الأدبية المغربية كما رأينا عند محمد غريط.

لقد اعتمد عبد الله القباج فكرة الطبقات، فقسم الشعراء العرب أربعة أقسام: قِسم الجاهليين وقسم المخضرمين وقسم المولدين وقسم المحدثين؛ ثم ذهب إلى أن لكل قسم طبقات مشهورة، وأن التمايز بين الشعراء المحدثين داخل القسم الواحد – وحتى داخل الطبقة الواحدة – لا يمكن أن يكون عن طريق المفاضلة، لأن لكل منهم مزية يمتاز بها لا توجد عند غيره. قال القباج: «والشعراء كما لا يخفى أربعة أقسام: جاهليون ومخضرمون ومولدون ومحدثون، وفي كل قسم طبقات مشهورة، وفي الكتب والمؤلفات مذكورة»، «غير أن التفضيل بين المجيدين منهم على وجه القطع واليقين لا يمكن بحال لأن لكل شاعر من المجيدين مزية يمتاز بها فيه شعره، ربما لا تتفق لغيره من الشعراء» (ص. 12).

لقد حاول القباج هنا أن يبعث تصورات تأريخة كانت قد تبلورت منذ نشأة النقد العربي القديم، وخصوصا منها مفهوم الطبقات عند ابن سلام الجمحي في القرن الثاني الهجري، لكنها بعد ذلك توارت وتراجعت في ظل هيمنة المقاربة اللغوية البلاغية. وبذلك فقد سجل هذا الشاعر والناقد التقليدي حضوره في نشأة النقد التاريخي المغربي، وإن كان ذلك بإحياء مفاهيم تأريخية قديمة حول الأدب.

3.2- كتاب “تاريخ الشعر والشعراء بفاس” لمؤلفه أحمد النميشي

هذا الكتاب في أصله عبارة عن مسامرة ألقاها العلامة، خرِّيج القرويين، الشاعر والناقد والباحث أحمد النميشي (1308هـ-1890م/1387هـ-1967م) بنادي المسامرات في المدرسة الثانوية بفاس، مساء يوم الأربعاء جمادى الأولى عام 1343هـ، الموافق لـ 17 دجنبر 1924. وقد طبع في 114 صفحة، بمطبعة أندري (André) بنفس المدينة وفي نفس السنة ([5]).

لم يضع أحمد النمشي لكتابه عناوين فرعية تقسمه أبوابا أو فصولا، وذلك لأنه – كما أشرنا – كان عبارة عن محاضرة ألقيت شفويا، فتـُركت على حالها عندما طُبعت؛ لكن مع ذلك يمكن للقارئ أن يتبين فيها قسمين كبيرين يتقدمها تقديم وتدبيج وتعقبهما خاتمة وكلمة بمناسبة طبع المسامرة.

في كل من التقديم والديباجة حدد المؤلف موضوع مسامرته/كتابه، وهو- على حد قوله – « تاريخ الشعر والشعراء بفاس منذ أُسِّست إلى يومنا هذا» (ص.7). وفي معرض ذلك أشار إلى أهمية حفظ اللغة وتاريخها وأدبها، وإلى ما بلغته الأمة العربية في هذا الشأن، مومئا إلى تأخر نهضة المغرب الأدبية عن نهضة تلك الأمة ب «مئات السنين» (ص. 8–10).

أما القسم الأول فقد خصَّه النميشي بالحديث عن تاريخ الشعر العربي في المغرب عموما، منذ مجيء الإسلام إلى بدايات القرن العشرين. وقد تتبع في هذا القسم الحياة الشعرية (والأدبية) تتبعا زمنيا، وذلك بحسب تعاقب الدول وتداول الملوك على امتداد تاريخ المغرب، بدءا بالفتح الإسلامي والعبيديين وآل العافية والمرابطين، إلى الموحدين ثم المرينيين والوطاسيين والسعديين فالعلويين.(ص.10–40)

وأما القسم الثاني فقد خصَّه المؤلف بالحديث عن تاريخ الشعر والشعراء بمدينة فاس على وجه التحديد، وذلك منذ تأسيسها إلى بداية القرن العشرين. وقد ترجم النمييشي في هذا القسم لـ 197 شاعر، بدءا بإدريس الثاني، وصولا إلى الشعراء المعاصرين له (أي للمؤلف).

وأما الخاتمة فقدم فيها النميشي الشكر لمن حضروا واستمعوا لمسامرته، كما قدم فيها شكرا خاصا للملك «يوسف» و«لمعاونيه رجال الحماية ولمدير النادي العالم النشيط المسيو مارتي»(ص.112).

نجد في كتاب النميشي هذا أول محاولة واعية لكتابة تاريخ الشعر المغربي عموما، والفاسي خصوصا. فالمؤلف قد حدد هذا الموضوع بوضوح حين قال:«… موضوع مسامرتي اليوم هو تاريخ الشعر والشعراء بفاس…» (ص.7)، ثم كرر ذلك بقوله: «… تقدمت الإشارة إلى أنني جعلت موضوع هذه المسامرة هو تاريخ الشعر والشعراء بهذه العاصمة الفاسية» (ص.8). والأكثر من ذلك أن النميشي كان واعيا بريادته لهذا المجال، لذلك نجده عند نهاية القسم الأول يقول: «قد وضعت اللبنة الأولى في أساس تاريخ الشعر، فعسى أن يأتي من هو أغزر مني مادة وأكثر اطلاعا فيُشيِّد صرحه الشامخ، وما ذلك على من يقدر خدمة وطنه حق قدرها بعزيز» (ص.40).

ورغم أن عنوان الكتاب وما ورد في مقدمته، كل ذلك يركز على تاريخ الشعر والشعراء بمدينة فاس، إلا أن النميشي في الحقيقة يقدم مجهودين في التاريخ، يشكل أولهما إطارا للثاني: المجهود الأول يتعلق بتاريخ الشعر المغربي عامة، حيث يورد الأخبار المتعلقة بالشعراء ونتفا من أشعارهم وفق الوقائع والعصور السياسية المغربية، وينتهي الى القول التالي: «سادتي هذه أطوار الشعر وتقلباته بهذا القطر الذي تقلنا أرضه وتظللنا سماؤه، أتيت بها كفذلكة تاريخية له مستنتجا ذلك من ثنايا كتب التاريخ التي تحفظ للمحسن إحسانه وتسجل على المسيء إساءته…» (ص.40). أما المجهود الثاني فيتعلق بتاريخ الشعر والشعراء بفاس، حيث أورد المؤلف معطيات هذا الموضوع في ضوء التاريخ وفي ارتباط بالمعطيات الشعرية والأدبية العامة التي استحضرها في القسم الأول؛ لذلك بدأ قسمه الثاني بالقول:«وقد آن لي بعد هذا أن أرجع القهقرى وأشرع في تراجم الشعراء الذين نبغوا بهذه العاصمة الفاسية…» (ص40).

وتجدر الإشارة إلى أن النميشي، في القسم الأول المتعلق بتاريخ الشعر المغربي، قد اعتمد العصور السياسية خلفية ً لعصور الشعر والشعراء. فقد بدأ بالإشارة إلى «الفتح الإسلامي» (ص.10)، ثم ساق معطيات عن تاريخ المغرب زمن العبيديين ثم زمن آل أبي العافية وبعدهم دولة زناتة ثم المملكة اللمتونية المرابطية (ص.10-11)؛ فلاحظ أن هذه الدول والممالك المذكورة قد انشغلت بالحروب والوقائع ولم تهتم كثيرا بالأدب (ص.11). وبناء على ذلك ذهب النميشي إلى أن الأدب والشعر في المغرب لم يبدأ إلا بظهور الدولة الموحدية، التي « أنهضت جواد الأدب من كبوته وأقالته من عثرته»، والتي «بظهورها أوائل المائة السادسة يبتدئ تاريخ الأدب والشعر بالمغرب»، على حد قوله.

ولأن المؤلف اعتبر العصر الموحدي بداية الشعر والأدب العربي في المغرب، فقد ركز حديثه أولا عن المهدي بن تومرت باعتباره زعيما سياسيا ومثقفا وشاعرا متشبعا بالثقافة والشعر العربيين (ص.12–13)؛ ثم انتقل بعد ذلك إلى الحديث عن خلفه عبد المومن بن علي وما عُرف به من اهتمام بالشعر والشعراء؛ ثم تحدث عن باقي سلاطين الموحدين، لينتقل بعد ذلك إلى دولة بني مرين، ثم الوطاسيين ثم السعديين فالعلويين. وقد كان النميشي في ذكره لكل ملك من ملوك هذه الدول، يشير إلى الشعراء الذين تحلقوا به فيسوق نتفا من أشعارهم وشيئا من أخبارهم.

إن الأساس المعتمد في هذا القسم الأول من الكتاب إذن هو التحقيب السياسي، الذي اتخذه النميشي أرضية للحديث عن الشعراء ولاستقاء أشعارهم. بل إنه لا يذكر شاعرا ما ولا شعره حتى يكون قد ذكر السياق التاريخي الذي ظهر فيه والملك أو السلطان الذي ارتبط به أواستظل بظله.

أما في القسم الثاني، المتعلق بتاريخ الشعر والشعراء بفاس، فإن النميشي قد اعتمد مقاربة الترجمة الحياتية، حيث ترجم لـ 197 شاعر من مدينة فاس، مبتدئا بمؤسسها إدريس الثاني، ليصل إلى شعراء بداية القرن العشرين، ومنهم الهادي السلاوي وعبد السلام بن عمر العلوي ومحمد فتحي وغيرهم.

وكما أشار المؤلف في مقدمة هذا القسم الثاني، فقد اقتصر عند ترجمته لكل من هؤلاء الشعراء على ذكر «اسم الشاعر وتاريخ وفاته ونتفة يسيرة من شعره»، وبذلك فالأساس المعتمد في هذا القسم هو الترجمة الحياتية، “لكنها مع ذلك قائمة ” على أرضية العصور الأدبية المبسوطة في القسم الأول.

إن أحمد النميشي – بهذا الكتاب/المسامرة- حقيق بأن يعتبر رائدا من رواد للنقد الأدبي المغربي الحديث، لأنه يشكل علامة فارقة بين نقد بلاغي تقليدي متأخر، وبين نقد حديث يعتمد المنهج التاريخي، ويضطلع فضلا عن ذلك بمشروع تاريخ الشعر المغربي، وضمنه تاريخ الشعر الفاسي؛ وهذا ما يجعله محطة أساسية في نشأة النقد المغربي الحديث عموما.

4.2- كتاب “الأدب العربي في المغرب الأقصى” لمؤلفه محمد بن العباس القباج

ألف محمد القباج هذا الكتاب سنة: 1347هـ/1929م، ونشره في نفس السنة بالرباط([6]). وهو يقع في 221 صفحة موزعة على جزأين متتابعين، تتصدرهما مقدمة وتليهما خاتمة، ثم فهرس للمحتويات في الأخير. (ص.215–121)

في المقدمة حدد المؤلف طبيعة كتابه وموضوعه والغاية من تأليفه، مشيرا إلى ما اعتمد فيه من طرق وأدوات منهجية (ص.5–7). وفي الجزء الأول استعرض 16 شاعرا وأديبا، ذكر لكل منهم ترجمته وبعضا من شعره (ص. 9 – 114)؛ وكذلك فعل في الجزء الثاني حيث استعرض 11 شاعرا وأديبا (ص.119–212). أما في الخاتمة، فقد ذكر ما اعترضه من صعوبات في تأليف الجزأين المجموعين في هذا الكتاب، وما يمكن أن يكون عليه الجزء الثالث الذي كان ينوي إصداره في كتاب مستقل (ص.213).

لقد كان هدف محمد القباج في هذا الكتاب هو تقديم صورة صادقة عن الشعر المغربي خلال أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وذلك من خلال استعراض تراجم شعراء هذه الحقبة، ومنتخبات من شعرهم. وقد حرص المؤلف على تدقيق موضوع كتابه والغاية من تأليفه، حيث قال إنه «تأليف يضم بين دفتيه تراجم شعرائنا ومنتخبات من شعرهم ليعطي لكل قارئ صورة صادقة من الشعر المغربي ويفيد كل باحث في الأمة المغربية مبلغ تدرج الأدب فيها وطرق تفكير شعرائها» (ص. 5) . بل إن المؤلف قد أمعن في حصر غايته وتوضيحها، بأن قال مخاطبا القارئ: «… فإذا طالعت أيها القارئ الكريم هذا السفر وعلمت منه أسماء بعض شعرائنا وعرفت مطروقاتهم المختلفة ومتجهاتهم وأدركت مقدرة كل واحد منهم والمرتبة التي يشعلها في عالم الأدب، مع صورة صغيرة عن حياته، فإن ذلك هو غايتي من تأليف هذا الكتاب»(ص. 7).

يتضح إذن أن هذا الكتاب يدخل في باب التأريخ للشعر المغربي الحديث (بالنسبة للمؤلف)، متوسلا في ذلك بتسليط الضوء على حياة الشعراء وباستقاء مقاطع من أشعارهم. فمن أهداف المؤلف المذكورة ما له علاقة بـ «تطور الأدب»، ومنها ماله علاقة بـ « تصنيف الذهنيات»، كما أن منها ما يتعلق بـ «اللوحة الأدبية»؛ وهي كلها محاور ومناحي ذات أصول نجدها في المنهج التاريخي – مثلا- عند النقاد الفرنسيين سانت- بوف وطين ولانسون، كما نجدها لدى الرواد المشارقة).

ويتأكد وجود هذا الوعي التاريخي لدى المؤلف حين نجده – في المقدمة نفسها – يقسم الشعراء المغاربة الذين يشكلون موضوع كتابه الى ثلاث طبقات توازي ثلاثة أجيال: الطبقة الأولى هي طبقة «الأدباء الكبار»، الذين «يمثلون أدب الماضي بطلاوته وجناساته وأمداحه وتغزلاته» (ص.6)؛ والطبقة الثانية هي طبقة «المخضرمين» الذين نالوا من أدب الماضي أوفى نصيب وأكبر حظ وأخذوا من الأدب الحديث بعض معانيه، ومقاصده» (ص.6)، أما الطبقة الثالثة فهي«الطبقة المعاصرة»، التي «تربت وتثقفت في عصر تحلق فيه الطيارات في الأجواء وتخترق فيه السيارات شاسع الأطراف وتعبر آلة البخار والكهرباء أغلب البقاع وتشاهد ما تـُخرجه العقول من الإبداع والاختراع، فجاءت أفكارها مطابقة لروح العصر مناسِبة لرقيه وحضارته نوعا ما» (ص.7).

وقد جعل المؤلف هذا التحقيب المبني على الطبقات والأجيال ينعكس على تصميم كتابه ومنهجه، حيث ارتأى أن يصنفه بشكل تكون فيه الطبقات الثلاث «متناسقة تأخذ بعضها برقاب بعض، وإن لم يكن ذلك واضحا أتم الوضوح بين الطبقتين الأوليين..» (ص.7).

وكان القباج في منهجه التحقيبي هذا مؤمنا أيضا بالعلاقة بين الأدب والأدباء من جهة وبين هؤلاء ومحيطهم وبيئتهم من جهة أخرى، وذلك في سياق الحقبة التاريخية التي تنتمي إليها كل طبقة وكل جيل من الشعراء. ومما قال في هذا الصدد: «وهكذا ينبغي أن يفهم أدبنا ويدرسه من أراد ذلك فيدرس أدب كل طبقة في محيطها ووسطها ويعرف كيف ينتقد انتقادا صحيحا نزيها» (ص. 7).

ورغم أن المؤلف لم يقدم دراسة تستوفي جميع هذه الشروط التي حددها، إلا أنه مع ذلك قد وضع الأساس المنهجي ورسم اتجاه المقاربة ومداها وأهدافها، معتذرا بكثرة أشغاله، إذ قال: «… كنت أود أن أنهض بهذا العبء وأمزج هذا الكتاب بالنقد، لكن لوفور ما عندي من الأشغال وضيق الوقت تأخرت عن ذلك وتراجعت عن كل ما كنت أريد، وحسبي الآن أن أقدم للناطقين بالضاد من أبناء قومي ثمرة مجهودي منذ سنتين مجردا عن كل نقد. وعسى أن أكون قد قمت ببعض ما يجب علي نحو الشعب وأدبه»(ص.7)

وإذا كان محمد القباج قد تخلى عن الجانب النقدي، أي معالجة النصوص وربطها بمحيط كتابها وببيئاتهم، إلا أنه حقق الهدف نفسه في إطار تأريخ الأدب، وهو التأريخ الذي يقوم عنده على أساس المقاربة الترجمية القائمة بدورها على مفهوم «الطبقة»، الذي هو مفهوم نقدي بقدر ما هو تاريخي.

5.2-”النبوغ المغربي في الأدب العربي” لمؤلفه عبد الله ﯕنون

كتب عبد الله ﯕنون (1326- 1409هـ/ 1908- 1989م) هذا الكتاب ونشره سنة 1357هـ/ 1938م، بالمطبعة المهدية في تطوان([7]). وهو يقع- حسب طبعته التي نعتمدها هنا- في ثلاثة أجزاء ضمن كتاب/ مجلد واحد يستوعب 974 صفحة.

وقد قسم المؤلف كتابه إلى مقدمات وثلاثة أجزاء، إذ خصص الجزء الأول لـ«الدراسة» (ص.35- 317)، وخصص الجزء الثاني لـ«المنتخبات النثرية» (ص.631-943)، بينما خصص الجزء الثالث لـ«المختارات الشعرية»(ص.631-1943)، ليختم ذلك كله بلائحة تضم مصادر الكتاب (ص.945- 961) ثم فهرس لمحتوياته (ص.963- 974).

أما المقدمات فقد تشكلت مما يلي:

- مقدمة الطبعة الثانية (ص.5- 13).

- عرض وتحليل بقلم شكيب أرسلان، كتبه سنة1361هـ (ص.17- 24).

- «أول تقريض» بقلم محمد اليمني الناصري، سنة 1357 هـ (ص.27- 28).

- مقدمة الطبعة الأولى بقلم المؤلف (ص.31- 33).

منذ السطور الأولى من مقدمة الطبعة الأولى للكتاب، بادر عبد الله ﯕنون إلى تحديد موضوعه والإطار الذي يشتغل ضمنه والأهداف التي يتوخاها؛ فقد أشار أولا إلى أن كتابه يجمع «بين العلم والأدب والتاريخ والسياسة»، وأنه جمع بين هذه العناصر من أجل «تصوير الحياة الفكرية لوطننا المغرب وتطورها في العصور المختلفة من لدن قدوم الفاتح الأول إلى قريب من وقتنا هذا» (ص.31).

وبهذا التحديد جعل ﯕنون كتابه يتحدث عن السياسة واتجاهاتها حسب الدول المتعاقبة في تاريخ المغرب، كما يتحدث عن الحركة العلمية التي عرفتها كل مرحلة، وفي إطار ذلك يتحدث عن الحركة الأدبية وتراجم الشعراء والأدباء عوما؛ وهذا ما جعل منه موسوعة تاريخية تفيد المؤرخ بقدر ما تفيد الناقد الأدبي ومؤرخ الأدب.

غير أن المؤلف كان أيضا – ومنذ البداية – على وعي بضرورة تحديد الخيط الناظم لكتابه، أي المحور الأساس الذي يستقطب جميع العناصر الأخرى، وهذا المحور هو «الأدب». قال ﯕنون: «والأدب لا نقول إنه الروح المتغلغلة فيه [أي في الكتاب] والحلة التي يبدو فيها للناس، بل نقول إننا ما تعرضنا لغيره من الأبحاث الأخرى إلا لنربط حلقات البحث الموصِل إلى اكتناه حقيقة ماضينا الأدبي وتجليته على منصة العروس ليشاهده من كان يجادل فيه، ومن ثم كان اسم هذا الكتاب (النبوغ المغربي في الأدب العربي)» (ص.31).

يتعلق الأمر إذاً بتأريخ الأدب العربي المغربي في إطار التاريخ السياسي وضمن تطور الحياة العلمية المغربية عبر العصور.

وقد عمل ﯕنون على تطبيق مشروعه التاريخي هذا في الجزء الأول من الكتاب، وذلك بأن بسط الأدب العربي المغربي وفق خمسة عصور سياسية هي:

- «عصر الفتوح»، ويعني بها الفتوحات الإسلامية الأولى وفتح إدريس الأول؛

- «عصر الموحدين»، وضمنه تحدث عن «عصر المرابطين»؛

- «عصر المرينيين»، وضمنه تحدث عن “عصر الوطاسيين”؛

- «عصر السعديين»؛

- «عصر العلويين».

وفي تناوله لكل عصر من هذه العصور، يبدأ بتقديم المعطيات التاريخية المتمثلة في الأحداث والوقائع وقيام الدولة، ليتحدث بعد ذلك عن علاقة تلك الدولة بالثقافة والأدب، ثم يجعل ذلك مدخلا للحديث عن الحركة العلمية والأدبية في ذلك العصر، مُترجـِما لأهم كُتابها وشعرائها. ويمكن أن يتبين هذا التنظيم المنهجي بإلقاء نظرة على محاور عصرين ننقلها هنا للتوضيح:

* عصر المرابطين: (ص.55 وما بعدها)

- سياسة الجامعة الإسلامية؛

- يوسف والمعتضد؛

- الحياة الفكرية في هذا العصر؛

- رعاية المرابطين للأدب وأهله؛

- تراجم بعض الشخصيات من هذا العصر؛

- تسمية بعض الكتب المؤلفة في هذا العصر.

* عصر الموحدين: (ص.97 ما بعدها)

- انقلاب؛

- توحيد المغرب العربي؛

- الدولة والثقافة العربية؛

- الحركة العلمية؛

- الهيئة العلمية وآ ثارها؛

- الحياة الأدبية.

يتضح من خلال هذين النموذجين أن المؤلف يتخذ من الوقائع السياسية والتاريخية أرضية للحديث عن الوقائع الأدبية والشخصيات الأدبية، وهو في ذلك كله يُحَقـِّب الأدب وفق المعيار السياسي دون غيره من المعايير.

بعد أن بسط عبد الله ﯕنون تصوره لتاريخ الأدب بسطا تطبيقيا في الجزء الأول، خصَّص الجزء الثاني لإيراد منتخبات من الأدب المنثور لأدباء سبق ذكرهم في الجزء الأول، ثم خصص الجزء الثالث لإيراد منتخبات شعرية حتى تكتمل الصورة التي رسمها الجزء الأول. وقد مهد للجزأين معا بقوله: «وهنا نحن نقدم للقارئ الأديب تلك الآثار والمنتخبات البديعة، مقسمين لها على قسمين، قسم المنثور (…) وقسم المنظوم(…)، مبوبين كل قسم أبوابا بحسب أغراضه وفنونه، غير معترضين بشرح أو بيان إلا للغريب الغامض الذي لا يسهل فهمه على كل الناس، وذلك رغبة في الإيجاز وعدم التشويش على المطالعين» (ص.326).

وقد بدأ الجزء الثاني بالأدب المنثور لأنه- في رأيه- أصل الكلام، وداخل هذا الجزء بدأ بالخطب «لأنها أول المحفوظ من نثر العرب»، ثم المناظرات «لمزيد شبهها بالخطب في الأسلوب والغرض»، ثم الرسائل «وهي أهم أغراض النثر»، ثم المقامات «وهي قصص قصيرة تُكتـَب بأسلوب أدبي مسجوع، وتشتمل على إفادات وإنشادات»، ثم المحاضرات «وهي من موضوع المقامات لاشتمالها مثلها على القصة والفائدة»، ثم المقالات «وهو باب جديد في الأدب العربي» (ص.326).

فالمؤلف إذاً قد رتب المختارات وفق الأنواع والأجناس، وليس وفق التحقيب التاريخي المعتمد في الجزء الأول، وهذا ما فتح مدخلا آخر للأدب العربي في المغرب، غير المدخل التاريخي، لكن مع ذلك فقد ظل هذا الجزء تابعا للأول الذي هو صلب الدراسة ومنطلقها.

أما في الجزء الثالث، المخصص للمختارات الشعرية، فقد اعتمد المؤلف أبوابا تناسب الأغراض الشعرية المعروفة في الأدب العربي مند القديم: «ونأتي الآن في قسم المنظوم، الذي هو الجزء الثالث من الكتاب، بالآثار والمنتخبات الشعرية كما وعدنا، مقسمة إلى الأبواب المعروفة من الحماسة والغزل والوصف والمدح وغير ذلك(…). وقد ختمنا بباب خصصناه للموشحات والأزجال جمعا للنظائر وعناية بهذا النوع من الأدب المنظوم»(ص.938).

لقد اعتمد عبد الله ﯕنون- كما رأينا- مقاربة تاريخية تحقيبية، كانت هي الأساس في دراسته، ثم أعقبها بمختارات أدبية من النثر ومن الشعر حتى تتضح الصورة الأدبية التي رسم إطارها التاريخي في الجزء الأول، وحتى يُبرز تميز كل من الشعراء والأدباء المذكورين.

وقد اعتبرنا كتاب “النبوغ المغربي” لعبد الله ﯕنون علامة فارقة تنتهي عندها (وبها) مرحلة بواكير النقد المغربي التي شكلت نشأة الدراسة الأدبية الحديثة، وتبدأ منها (وبها) مرحلة التأسيس والنضج؛ وذلك لأن كنون في هذا الكتاب قد استوعب مختلف المجهودات التي بُذِلت قبله في سبيل كتابة تاريخ الأدب العربي في المغرب، فاستفاد منها وأضاف إليها ما أعطى لكتابه اتساعا وشمولا ورؤية واضحة.

وبذلك فقد مهد ﯕنون لدراسات كثيرة ستأتي بعد كتاب “النبوغ المغربي”، لتعمق الرؤية وترسخ المنهج ، سواء في تاريخ الأدبي المغربي قاطبة أو في تأريخ الشعر منه على الخصوص، أو في التركيز على عصر واحد من عصور الأدب المغربي.

وقد سار ﯕنون نفسه على نهجه التأريخي في كتب أخرى نشرها فيما بعد، منها “ذكريات مشاهير رجال المغرب”([8]) و”أمراؤنا الشعراء”([9]) و”أدب الفقهاء”([10]) و”القاضي عاض بين العلم والأدب”([11]) و”أحاديث عن الأدب المغربي الحديث”([12]). كما سار على نفس النهج أيضا في مقالاته العديدة والمتنوعة([13]).

* * * * *



رأينا إذن أن نشأة النقد المغربي الحديث قد تمت في سياق ثقافي تقاطعت فيه الدراسات البلاغية التقليدية مع الدراسات التاريخية المبكرة ذات الطابع الحديث، وذلك ضمن إطار زمني يشمل تقريبا النصف الأول من القرن العشرين. ومن أجل استحضار ذلك السياق ذكرنا أبرز الأعمال النقدية والدراسات الأدبية التي مثلت الاتجاه البلاغي وتلك التي مثلت الاتجاه التاريخي.

وهكذا قدمنا صورة موجزة عن كتاب “منتهى الأرب…” لابن خضراء السلوي، وكتاب “زهر الأفنان…” لأحمد بن خالد الناصري، وكتاب “مفيد البادية…” لابن مامين، وكتاب “تبيين الغموض…” لماء العينين محمد الشنجيطي، وكتاب “نيل النجاح” لعبد الحفيظ العلوي، وكتاب “فتح المعجم…” لبوجندار، وكتاب “مختصر الاستسعاد…” للمكي البطاوري، وكتاب “شافية الدجم…” للمكي البطاوري أيضا؛ وهي كلها كتب أُلـِّفت في النصف الأول من القرن العشرين.

وقد لاحظنا كيف أن هذه المؤلفات تعتمد رؤية بلاغية موروثة عن النقد العربي القديم، خصوصا في صورته المتأخرة التي رسختها عصور الانحطاط العربي، والتي تتسم بالطابع التعليمي والإغراق في الشروح والحواشي، كما تتسم باعتمادها معايير أخلاقية ومقاييس جمالة مطلقة ومتعالية.

ثم بعد ذلك تحدثنا عن بواكير النقد الأدبي الحديث في المغرب، فمثلنا لها بمجموعة من الدراسات الرائدة، التي تخلت عن المنظور البلاغي الإطلاقي، واعتمدت منظورا تاريخيا نسبيا يربط الأدب بالأدباء، والأدباء بأزمانهم و بيئاتهم الاجتماعية والسياسية.

وفي هذا الصدد، قدمنا صورة مختصرة عن كتاب “فواصل الجمان…” لمحمد غريط، و”مسامرة أدبية…” لعبد الله القباج، و “تاريخ الشعر والشعراء…” لأحمد النميشي، و “الأدب العربي في المغرب الأقصى” لمحمد القباج، ثم ” النبوغ المغربي” لعبد الله ﯕنون؛ وهي كلها كتب أ ُلـِّفت في النصف الأول من القرن العشرين.

وقد بدا جليا كيف أن المؤلفات التي جسدت بواكير النقد الأدبي المغربي الحديث اضطلعت كلها بمهام التأريخ، إذ سعت إلى وضع الأدب المغربي في سياقه من الزمن وإبراز تفاعلاته مع محيطه السياسي والاجتماعي. هذا مع اختلاف هذه المؤلفات في تحديد كل منها لموضوع الدراسة وإطاره الزمني: فمنها ما ركز عل تاريخ الأدب المغربي الحديث، ومنها ما انفتح على تاريخ الأدب المغربي قديما وحديثا، كما أن منها ما اهتم بالشعر دون النثر، ومنها ما اهتم بالشعراء والأدباء والمفكرين إجمالا.

وقد جعل هؤلاء النقاد في خدمة المنهج التاريخي مجموعةَ من المقاربات والتقنيات، وفي مقدمتها المقاربة التُّرجمية، حيث يتم تقديم نبذة عن حياة الشاعر أو الأديب وربط تلك الحياة بالحياة العامة. كما قدم بعضهم تقنية الاختيارات والمنتخبات وجعلوها في خدمة المنهج التاريخي.

ومن جهة أخرى، فقد زاوج هؤلاء الرواد بين النقد الأدبي وتاريخ الأدب فلم يفصلوا بينهما ولو إجرائيا . ولا شك أن ذلك يعود إلى طبيعة المنهج التاريخي نفسه، حيث يكون النقد الأدبي في خدمة تاريخ الأدب لدرجة يصعب معها الفصل بينهما.

أما بعد، فقد قامت البواكير النقدية المشار إليها بدور هام في نشأة المنهج التاريخي على تربة الأدب العربي في المغرب وترسيخه، ومن ثم كانت هي الأساس الذي قام عليه النقد المغربي الحديث قبل أن ينفتح على المقاربات الأخرى الاجتماعية والنفسية ثم البنيوية وما بعدها.

الهوامش



[1]- من ذلك ما كانت تنشره جريدة “السعادة” ومجلة ” السلام” ومجلة “الثقافة المغربية” ومجلة “الرسالة المغربية”.

[2]- محمد غريط: فواصل الجمان في أنباء وزراء وكتاب الزمان. المطبعة الجديدة، فاس، 1346هـ/ 1925م، وقد طبع هذا الكتاب – بجزئه الأول فقط – على نفقة عبد العزيز بوطالب، بشارع القادسية بفاس؛ وتوجد نسخة منه في المكتبة الوطنية بالرباط، تحت رقم: ter20947 C

[3]- فواصل الجمان… المرجع السابق، الإهداء، (قبل الصفحة 1).

[4]- عبد الله بن عباس القباج: مسامرة أدبية، المطبعة الرسمية، الرباط، 1922. وتوجد نسخة من هذا الكتاب في المكتبة الوطنية بالرباط، تحت رقم: 14514 C/ 810.9 م. س. ا.

[5]- أحمد النميشي: تاريخ الشعر والشعراء بفاس. مطبعة أندري، فاس، 1924، وتوجد نسخة من هذا الكتاب في خزانة القرويين بفاس، تحت رقم: 3696، وعلى غلافها عبارة: “هدية من صاحبها لخزانة القرويين العامرة”، بتوقيع أحمد النميشي.

[6]- محمد بن العباس القباج: الأدب العربي في المغرب الأقصى. (جزآن في كتاب واحد)، المطبعة الوطنية الرباط، 1929. وقد أعيد طبع هذا الكتاب من قِبل وزارة الدولة المغربية المكلفة بالشؤون الثقافية، بمطبعة فضالة في المحمدية، سنة 1979. كما نشر الكتاب مؤخرا في طبعة أخرى بدار الكتب العلمية بيروت (لبنان) سنة2005. وهذه الطبعة الأخيرة هي التي نعتمدها هنا.

[7]- صدرت طبعة ثانية من هذا الكتاب عن دار الكتاب اللبناني في بيروت سنة 1961، ثم صدرت طبعة ثالثة عن نفس الناشر سنة 1975؛ وهناك الآن طبعة أخرى جديدة نشرتها دار الثقافة بالدار البيضاء (دون تاريخ)، وهي الطبعة التي نعتمدها هنا.

[8]- سلسلة ترجم فيها ﯕنون لشخصيات مغربية من ميادين الأدب والسياسة والعلم؛ صدر منها الجزء الأول عن معهد مولاي الحسن للأبحاث بتطوان سنة 1949، وصدر جزؤها الثاني عن دار الكتاب اللبناني ببيروت سنة 1974.

[9]- صدر عن المطبعة المهدية بتطوان، سنة 1361 هـ/ 1943 م.

[10]- صدر عن دار الثقافة بالدار البيضاء، سنة 1988.

[11]- صدر ضمن سلسلة” المكتبة الصغيرة”، عدد 42 منشورات دار الرفاعي، الرباط، سنة 1403هأ/1983م.

[12]- صدر عن معهد الدراسات العربية بالقاهرة، سنة 1964؛ ثم بعد ذلك نشرته دار الثقافة بالدار البيضاء سنة 1978 وسنة 1984.

[13]- معظم مقالات عبد الله ﯕنون المتعلقة بالأدب والنقد تم نشرها في كتب “واحة الفكر” و “التعاشيب” و “خل وبقل” و”العصف والريحان”. انظر حول عبد الله ﯕنون:

أحمد الشايب: الدراسة الأدبية في المغرب، عبد الله ﯕنون نموذجا. منشورات مدرسة الملك فهد العليا للترجمة (طنجة)، جامعة عبد الملك السعدي، تطوان، 1991.

الغريب 27 - 11 - 2010 11:59 PM

مشكورة على هذا البحث وبارك الله بكي


الساعة الآن 07:17 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى