منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   واحة الأدب والشعر العربي (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=199)
-   -   رسالة في ليلة التنفيذ (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=11613)

زمان البوح 12 - 11 - 2010 03:53 PM

رسالة في ليلة التنفيذ
 

هاشم الرفاعي

شاعر مصري اسمه الحقيقي: سيد بن جامع بن هاشم بن مصطفى الرفاعي، ولكنه اشتهر باسم جده هاشم لشهرته ونبوغه، وتيمنا بما عرف عنه من فضل وعلم وعرف بهذا الاسم وانطوى الاسم الحقيقي عنه.



له قصيدة تفيض بالجمال ( رسالة في ليلة التنفيذ ) قال فيها :



أبتاه ماذا قد يخطُّ بناني
والحبلُ والجلادُ ينتظراني

هذا الكتابُ إليكَ مِنْ زَنْزانَةٍ
مَقْرورَةٍ صَخْرِيَّةِ الجُدْرانِ

لَمْ تَبْقَ إلاَّ ليلةٌ أحْيا بِها
وأُحِسُّ أنَّ ظلامَها أكفاني

سَتَمُرُّ يا أبتاهُ لستُ أشكُّ في
هذا وتَحمِلُ بعدَها جُثماني

الليلُ مِنْ حَولي هُدوءٌ قاتِلٌ
والذكرياتُ تَمورُ في وِجْداني

وَيَهُدُّني أَلمي فأنْشُدُ راحَتي
في بِضْعِ آياتٍ مِنَ القُرآنِ

والنَّفْسُ بينَ جوانِحي شفَّافةٌ
دَبَّ الخُشوعُ بها فَهَزَّ كَياني

قَدْ عِشْتُ أُومِنُ بالإلهِ ولم َذُقْ
إلاَّ أخيراً لذَّةَ الإيمانِ

والصَّمتُ يقطعُهُ رَنينُ سَلاسِلٍ
عَبَثَتْ بِهِنَّ أَصابعُ السَّجَّانِ

ما بَيْنَ آوِنةٍ تَمُرُّ وأختها
يرنو إليَّ بمقلتيْ شيطانِ

مِنْ كُوَّةٍ بِالبابِ يَرْقُبُ صَيْدَهُ
وَيَعُودُ في أَمْنٍ إلى الدَّوَرَانِ

أَنا لا أُحِسُّ بِأيِّ حِقْدٍ نَحْوَهُ
ماذا جَنَى فَتَمَسُّه أَضْغاني

هُوَ طيِّبُ الأخلاقِ مثلُكَ يا أبي
لم يَبْدُ في ظَمَأٍ إلى العُدوانِ

لكنَّهُ إِنْ نامَ عَنِّي لَحظةً
ذاقَ العَيالُ مَرارةَ الحِرْمانِ

فلَرُبَّما وهُوَ المُرَوِّعُ سحنةً
لو كانَ مِثْلي شاعراً لَرَثاني

أوْ عادَ - مَنْ يدري - إلى أولادِهِ
يَوماً تَذكَّرَ صُورتي فَبكاني

وَعلى الجِدارِ الصُّلبِ نافذةٌ بها
معنى الحياةِ غليظةُ القُضْبانِ

قَدْ طالَما شارَفْتُها مُتَأَمِّلاً
في الثَّائرينَ على الأسى اليَقْظانِ

فَأَرَى وُجوماً كالضَّبابِ مُصَوِّراً
ما في قُلوبِ النَّاسِ مِنْ غَلَيانِ

نَفْسُ الشُّعورِ لَدى الجميعِ وَإِنْ هُمُو
كَتموا وكانَ المَوْتُ في إِعْلاني

وَيدورُ هَمْسٌ في الجَوانِحِ ما الَّذي
بِالثَّوْرَةِ الحَمْقاءِ قَدْ أَغْراني؟

أَوَ لَمْ يَكُنْ خَيْراً لِنفسي أَنْ أُرَى
مثلَ الجُموعِ أَسيرُ في إِذْعانِ؟

ما ضَرَّني لَوْ قَدْ سَكَتُّ وَكُلَّما
غَلَبَ الأسى بالَغْتُ في الكِتْمانِ؟

هذا دَمِي سَيَسِيلُ يَجْرِي مُطْفِئاً
ما ثارَ في جَنْبَيَّ مِنْ نِيرانِ

وَفؤاديَ المَوَّارُ في نَبَضاتِهِ
سَيَكُفُّ في غَدِهِ عَنِ الْخَفَقانِ

وَالظُّلْمُ باقٍ لَنْ يُحَطِّمَ قَيْدَهُ
مَوْتي وَلَنْ يُودِي بِهِ قُرْباني

وَيَسيرُ رَكْبُ الْبَغْيِ لَيْسَ يَضِيرُهُ
شاةٌ إِذا اْجْتُثَّتْ مِنَ القِطْعانِ

هذا حَديثُ النَّفْسِ حينَ تَشُفُّ
عَنْ بَشَرِيَّتي وَ تَمُورُ بَعْدَ ثَوانِ

وتقُولُ لي إنَّ الحَياةَ لِغايَةٍ
أَسْمَى مِنَ التَّصْفيقِ ِللطُّغْيانِ

أَنْفاسُكَ الحَرَّى وَإِنْ هِيَ أُخمِدَتْ
سَتَظَلُّ تَعْمُرُ أُفْقَهُمْ بِدُخانِ

وقُروحُ جِسْمِكَ وَهُوَ تَحْتَ سِياطِهِمْ
قَسَماتُ صُبْحٍ يَتَّقِيهِ الْجاني

دَمْعُ السَّجينِ هُناكَ في أَغْلالِهِ
وَدَمُ الشَّهيدِ هُنَا سَيَلْتَقِيانِ

حَتَّى إِذا ما أُفْعِمَتْ بِهِما الرُّبا
لم يَبْقَ غَيْرُ تَمَرُّدِ الفَيَضانِ

ومَنِ الْعَواصِفِ مَا يَكُونُ هُبُوبُهَا
بَعْدَ الْهُدوءِ وَرَاحَةِ الرُّبَّانِ

إِنَّ اْحْتِدامَ النَّارِ في جَوْفِ الثَّرَى
أَمْرٌ يُثيرُ حَفِيظَةَ الْبُرْكانِ

وتتابُعُ القَطَراتِ يَنْزِلُ بَعْدَهُ
سَيْلٌ يَليهِ تَدَفُّقُ الطُّوفانِ

فَيَمُوجُ يقتلِعُ الطُّغاةَ مُزَمْجِراً
أقْوى مِنَ الْجَبَرُوتِ وَالسُّلْطانِ

أَنا لَستُ أَدْري هَلْ سَتُذْكَرُ قِصَّتي
أَمْ سَوْفَ يَعْرُوها دُجَى النِّسْيانِ؟

أمْ أنَّني سَأَكونُ في تارِيخِنا
مُتآمِراً أَمْ هَادِمَ الأَوْثانِ؟

كُلُّ الَّذي أَدْرِيهِ أَنَّ تَجَرُّعي
كَأْسَ الْمَذَلَّةِ لَيْسَ في إِمْكاني

لَوْ لَمْ أَكُنْ في ثَوْرَتي مُتَطَلِّباً
غَيْرَ الضِّياءِ لأُمَّتي لَكَفاني

أَهْوَى الْحَياةَ كَريمَةً لا قَيْدَ لا إِرْهابَ
لا اْسْتِخْفافَ بِالإنْسانِ

فَإذا سَقَطْتُ سَقَطْتُ أَحْمِلُ عِزَّتي
يَغْلي دَمُ الأَحْرارِ في شِرياني

أَبَتاهُ إِنْ طَلَعَ الصَّباحُ عَلَى الدُّنى
وَأَضاءَ نُورُ الشَّمْسِ كُلَّ مَكانِ

وَاسْتَقْبَلُ الْعُصْفُورُ بَيْنَ غُصُونِهِ
يَوْماً جَديداً مُشْرِقَ الأَلْوانِ

وَسَمِعْتَ أَنْغامَ التَّفاؤلِ ثَرَّةً
تَجْري عَلَى فَمِ بائِعِ الأَلبانِ

وَأتى يَدُقُّ- كما تَعَوَّدَ- بابَنا
سَيَدُقُّ بابَ السِّجْنِ جَلاَّدانِ

وَأَكُونُ بَعْدَ هُنَيْهَةٍ مُتَأَرْجِحَاً
في الْحَبْلِ مَشْدُوداً إِلى العِيدانِ

لِيَكُنْ عَزاؤكَ أَنَّ هَذا الْحَبْلَ ما
صَنَعَتْهُ في هِذي الرُّبوعِ يَدانِ

نَسَجُوهُ في بَلَدٍ يَشُعُّ حَضَارَةً
وَتُضاءُ مِنْهُ مَشاعِلُ الْعِرفانِ

أَوْ هَكذا زَعَمُوا! وَجِيءَ بِهِ
إلى بَلَدي الْجَريحِ عَلَى يَدِ الأَعْوانِ

أَنا لا أُرِيدُكَ أَنْ تَعيشَ مُحَطَّماً
في زَحْمَةِ الآلامِ وَالأَشْجانِ

إِنَّ ابْنَكَ المَصْفُودَ في أَغْلالِهِ
قَدْ سِيقَ نَحْوَ الْمَوْتِ غَيْرَ مُدانِ

فَاذْكُرْ حِكاياتٍ بِأَيَّامِ الصِّبا
قَدْ قُلْتَها لي عَنْ هَوى الأوْطانِ

وَإذا سَمْعْتَ نَحِيبَ أُمِّيَ في الدُّجى
تَبْكي شَباباً ضاعَ في الرَّيْعانِ

وتُكَتِّمُ الحَسراتِ في أَعْماقِها
أَلَمَاً تُوارِيهِ عَنِ الجِيرانِ

فَاطْلُبْ إِليها الصَّفْحَ عَنِّي إِنَّني
لا أَبْتَغي مِنَها سِوى الغُفْرانِ

مازَالَ في سَمْعي رَنينُ حَديثِها
وَمقالِها في رَحْمَةٍ وَحنانِ

أَبُنَيَّ: إنِّي قد غَدَوْتُ عليلةً
لم يبقَ لي جَلَدٌ عَلى الأَحْزانِ

فَأَذِقْ فُؤادِيَ فَرْحَةً بِالْبَحْثِ عَنْ
بِنْتِ الحَلالِ وَدَعْكَ مِنْ عِصْياني

كانَتْ لها أُمْنِيَةً رَيَّانَةً
يا حُسْنَ آمالٍ لَها وَأَماني

وَالآنَ لا أَدْري بِأَيِّ جَوانِحٍ
سَتَبيتُ بَعْدي أَمْ بِأَيِّ جِنانِ

هذا الذي سَطَرْتُهُ لكَ يا أبي
بَعْضُ الذي يَجْري بِفِكْرٍ عانِ

لكنْ إذا انْتَصَرَ الضِّياءُ وَمُزِّقَتْ
بَيَدِ الْجُموعِ شَريعةُ القُرْصانِ

فَلَسَوْفَ يَذْكُرُني وَيُكْبِرُ هِمَّتي
مَنْ كانَ في بَلَدي حَليفَ هَوانِ

وَإلى لِقاءٍ تَحْتَ ظِلِّ عَدالَةٍ
قُدْسِيَّةِ الأَحْكامِ والمِيزانِ

أرب جمـال 12 - 11 - 2010 05:02 PM

ابدعت غاليتي في نقل هذه القصيدة المؤثرة جدا
تقديري لك على هذا الذوق الرائع وبانتظار المزيد من مثل هذه القصائد الرائعه

زمان البوح 12 - 11 - 2010 06:28 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أرب جمـال (المشاركة 84756)
ابدعت غاليتي في نقل هذه القصيدة المؤثرة جدا
تقديري لك على هذا الذوق الرائع وبانتظار المزيد من مثل هذه القصائد الرائعه

غاليتي ...عالية المقام
سيدة الكرام
هكذا أنت حينما تحضرين وتهديننا المكارم
دمتي بألق

وردة المسااااء 13 - 11 - 2010 10:36 PM

زمان البوح
قرأت هذه الرسالة وغص قلبي الما
سلمت يداك وقلبك على نقلها لنا
عبق الجوري لك

صائد الأفكار 17 - 11 - 2010 03:38 AM

صدقا ابدعتي زمان البوح في انتقائها جميلة جدا واستمتعت بكل بيت ومقطوعة فيها، واعجبني نغمتها ووزنها واستطاع الشاعر ان ينقل الحالة النفسية التي يعيشها في اخر لحظات عمره كما وصف الزنزانة والحارس بطريقة مؤثرة وابتسمت حين وصف السجان بالشيطان وانه لا يحقد عليه وشعر انه يتعاطف معه
كما اعجبني تخفيفه الامرعلى ابيه وعلى نفسه في نهاية القصيدة بالابيات الاخيرة
لكنْ إذا انْتَصَرَ الضِّياءُ وَمُزِّقَتْ
بَيَدِ الْجُموعِ شَريعةُ القُرْصانِ

فَلَسَوْفَ يَذْكُرُني وَيُكْبِرُ هِمَّتي
مَنْ كانَ في بَلَدي حَليفَ هَوانِ

وَإلى لِقاءٍ تَحْتَ ظِلِّ عَدالَةٍ
قُدْسِيَّةِ الأَحْكامِ والمِيزانِ

بوحي لنا يا بوح فصائد في شوق لاصطياد بوحك دائما

يحيى الحميداوي 10 - 12 - 2010 11:42 PM

وكأنني انا الذي سوف يعلق.........
تساقطت الدموع بدون ان اشعر
شكرا على هذا الاختيار

زمان البوح 11 - 12 - 2010 12:26 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وردة المسااااء (المشاركة 85110)
زمان البوح
قرأت هذه الرسالة وغص قلبي الما
سلمت يداك وقلبك على نقلها لنا
عبق الجوري لك

وردة المساء ..اسعدني مرورك بمتصفحي ..أدامك الله بالقرب دوما ..

شيماء يوسف 11 - 12 - 2010 12:35 AM




وأثابك الجنة وجعله في ميزان حسناتك




شكرا على الإفادة والطرح




الساعة الآن 03:41 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى