منتديات المُنى والأرب - نبوخذ نصّر والممالك الدخيلة على أرض فلسطين

نبوخذ نصّر والممالك الدخيلة على أرض فلسطين

بالرغم من ثرواته وجهوده الحثيثة، توفي الملك سليمان عام 928ق.م. تاركاً مملكته بحالة إنهيار وما أن أصبح رحبعام ملكاً بعد أبيه سليمان، حتى طالبه العبرانيون بإلغاء نظام الضرائب لكن رحبعام رفض ذلك أيضاً وحينها، ثاروا وانقسـموا.

يربعام إبن نباط قاد العبرانيين الذين انقسموا شمالاً إلى شاكيم، وهناك قاموا بغزوات دموية ضد الآراميين الكنعانيين قبل أن يحتلوا المدينة ويُنصِّبوا يربعام ملكاً على مملكتهم الجديدة ‘سـامرة’. بينما أصبح رحبعام إبن سليمان ملكاً لما عُرِف حينها بمملكة ‘يهـودا’.

فيما بعد، هاجمت المملكتان العبريتان بعضهما البعض باستمرار، وفي الفترات التي كانتا فيها على وفاق كانتا تتباحثان عن كيفية مهاجمة الدول المجاورة.

عام 870ق.م. وبعد أن تسبب اليهود بخلق الفتن في مصر، قام جيش الفرعون بمهاجمة جيرو سالم ولم يعد إلى بلاده إلا بعد مصادرة خزينة مملكة يـهودا.

ثم وفي عام 864ق.م. أختطف ملك اليهود آحاب، ‘إيزابيل’ إبنة ملك صور الفينيقي ‘إيتو- بعل’، الذي كان أيضاً رئيساً لكهنة الآلهة عشتروت.

إهانة الملك العبري تلك سببت مشاكل في صـور، والإقتتال الذي بدأ بين أفراد العائلة الفينيقية الحاكمة حينئذٍ إستمر حتى حُكم الملك الفينيقي بيجماليون لصور.

عليسة، أو ‘ديدون’، كانت حفيدة الملك الفينيقي إيتو-بعل وأخت بيجماليون. ذاك النزاع المتوارث كان أحد العوامل المسـببة وراء مقتل زوج عليسة على يد أخيها بيجماليون.

مُصِرّةً على الإبتعادعنالإرث المرير،ومع بعض من مساعديهاأبحرتعليسةعام825ق.م. نحو شمال إفريقيا حيث أنشأت قرطاج ‘تونس’، التي أصبحت بعد ذلك مدينة مهمة على شواطئ المتوسط.

في حوالي العام 700ق.م. دمر الملك الآشوري سنحاريب بابل وعندما بدأ العبرانيون التآمر عليه، زحف نحو مملكة سامرة فدمّرها ومذ ذلك الحين لم يعد لتلك المملكة من وجود. أما جيروسالم فلقد تركها سنحاريب على حالها وسمح للعبرانيين بالعيش فيها، طالما أنهم إستمروا بدفع الغرامة التي فرضها عليهم.

لكن المصادرات و الغرامات لم تحسِّن سلوك العبرانيين وسجلاتهم هي التي تشهد عليهم. الطمع، الاعتداءات والسرقة كانت جزء بسيط من أفعالهم.

عام 608ق.م. هدد العبرانيون رئيس حاخاماتهم ‘إرميا’ بسبب آرائه حيال همجية قومه وتعليقاته حول هيكلهم. سجّلَ الحاخام إرميا في الجزء 26 من سفر إرميا التالي: ‘لا تعتمدوا على الكذب بقولكم أن هذا معبد الله، معبد الله، معبد الله … أكهف اللصوص هذا الذي يأويهم أمام أعينكم، تسمونه مكاناً لي؟ إن هذا ما أراه، قال الله’.

خلال فترة حكم الملك يوكاييم حوالي 590ق.م. قام العبرانيون بمهاجمة البلدان المجاورة، ثم تصاعدت إعتداءاتهم حتى وصلت آشوريا.

هذه الأفعال أفقدت الملك نبوخذنصر صبره، فزحف جيشه نحو جيروسالم وحاصر المدينة. الحاخام إرميا الذي شهد أيضاً سقوط جيروسالم بيد البابليين، نقل رؤياه بالقول: المعبد لم يكن صالحاً بما يكفي ليحمي العبرانيين، لأن الله بإمكانه التخلي عن المعبد.

بعد عامين من الحصار، حاول العبرانيون الهروب من جيرو سالم، لكن ملك الآشـوريين كان بإنتظارهم. بعد ذلك، أحرق نبوخذ نصّر المعبد، دمر أسـوار المدينة وعاد إلى بابل آخذاً معه العبرانيين أسرى.

كانت تلك نهاية مملكة يهودا أيضاً ومنذ ذلك الحين، لم يعد هناك أي وجـود لمملكة داوود ولا ورثـة له على أرض الكنعانيين ‘فلسطين’.

قيل بأنه عندما أخذ نبوخذنصر العبرانيين إلى بابل، أرسل بدلاً منهم أقواماً آخرين ليحلوا محلهم. لاشيء يثبت ذلك، ولكن منذئذٍ والعبرانيين مهووسين برغبةٍ لأن يختلقوا جذوراً كما يحلو لهم بغض النظر كم يجرح هذا ويشوه الحقائق.

على كل حال، كان للملك نبوخذنصر خصالاً عديدة غير الصبر. فمن الواضح أن هذا الرجل كان رؤوفاً ومحباً للطبيعة. وكما لو كان يُراد نسيان ذلك، لكن الشكر للباحثين الذين أثبتوا بأن هذا المحارب كان رجلاً مرهف الإحساس أيضاً، وهو من صمم بناء ثاني عجائب الدنيا، إطار مدينة بابل وجنائنها المعلقة فائقة الروعة.

الإمبراطور تيتوس يعاقب اليهود ويدمر المعبد

في العام 67 بعد الميلاد، أُرسِلَ الحاكم الروماني لشمال أفريقيا ‘فيسباسيانوس تيتوس’، لمعاقبة اليهود على إعتداءاتهم التي تجاوزت كل الحدود ووصلت قصر الإمبراطور نيرو، الذي كان سريع الغضب على أي حال.

عُرِفَ عن الإمبراطور نيرو بأنه أُُنشِئَ بشكل جيد على يد الفيلسوف سينكا، لكنه بعد ذلك أصبح حقوداً، فقتل أُمَهُ أجريبا، التي كانت قد قتلت زوجها حتى يصل إبنها إلى العرش، وكذلك قتل نيرو زوجته أوكتافيا، وارتكب عديد الجرائم المروعة الأخرى.

بأي حال، أبحر فيسباسيانوس تيتوس طائعاً لأوامر نيرو إلى شواطئ فلسطين ووصل إلى مدينة يافا، حيث هزم القراصنة اليهود الذين قاموا بعدة إعتداءات محاولين الإستيلاء على المدينة، واستعادت يافا استقرارها عند قدوم تيتوس، الذي أعاد بناء قلعة يافا التي دمرها اليهـود، أصلح طُرُقاتها الرئيسية وأرسل قائده سرياليس لمهاجمة وتدمير شـاكيم. بعد ذلك أمر تيتوس رجاله بنقل حجارة تلك المدينة الجميلة وإعادة بناءها غرباً، ثم قام بتسمية شاكيم ‘فلافيا نيابـولس’، ومع مُضي الوقت، باتت تلك المدينة تُعرف بـ ‘نابلس’.

تلى ذلك غزو فسباسيانوس تـيتوس لأريحا وبلدات أخرى قبل أن يبدأ بالزحف نحو مدينة جيروسالم، لكن وبينما كان في طريقه إلى هناك وصله خبر إنتحار الإمبراطور نيرو، وتم إبلاغه بأن الرومان يطلبون منه أن يكون إمبراطورهم. لذلك، ودون إبطاء عاد تيتوس إلى روما حيث تغلب على منافسه فيتاليوس وأصبح إمبراطور روما الجديد.

سجَّلَ المؤرخ اليهودي يوسيفيوس بأنه، ولعدة سنوات، شهد اليهود علامات تدل على وشوك تدمير المعبد وكان من ضمن ما دونه: ‘ظهور نجمةٌ طويلةٌ بدت مِثل سيفٍ مشتعل. الأبواب الثقيلة، التي كانت تحتاج إلى عشرين رجلاً لفتحها، كانت تفتح وحدها ومع بدء عام 70 بعد الميلاد، بات الناس في جيرو سالم يسمعون أصواتاً تقول: سوف ننتقل خارج هذا المكان.

في تلك السنة ومع إستمرار إهانات اليهود لروما، عاد الإمبراطور فسباسيانوس تيتوس إلى جيرو سالم، مصمماً على معاقبتهم فهاجم المدينة ودمر معبد اليهود تدميراً كاملاً حتى أنه لم يُبقِ حجر من المعبد قائم، ثم عاد إلى روما آخِذاً معه آلاف السجناء اليهود.

عندما وصل إلى روما، وجد الإمبراطور تـيتوس شعبه ينتظره ليهلل وليحتفل بإنتصاره وهناك، بنى قوساً ليخلد ذكرى ذلك الإنتصار، ووضع على القوس شمعدان اليهود ذات السبعة رؤوس، الذي أخذه من معبدهم قبل تدميره ونحوتاً أخرى تمثل الواقعة.

مازال القوس قائماً في روما كأحد المعالم الآثرية، وبالإمكان رؤية القوس والشمعدان والمنحوتات ليومنا هذا، وفيهم تذكير للعالم بذلك الحدث.

المهم أن المعبد قد تم تدميره بالكامل، وأمر الإمبراطور الروماني بعدها بعدم عودة اليهود إلى جيروسالم ثانيةً.

آملين كما كانوا يفعلون دائماً بأن بلادهم لن تشهد الدمار ثانيةً، عمل الفلسطينيون على إعادة بناء مدنهم، ثقافتهم وسواءً كانوا من أتباع المسيح عيسى أم لا، عاش الفلسطينيون جنباً إلى جنب مذ ذلك الحين، وبقوا دائماً شعباً مُسالماً ومضيافاً.

لكن بعد تدمير الهيكل وخروجهم من المدينة بستةٍ وخمسون عاماً، قامت مجموعةٌ من اليهود بقيادة باركوبا بتحدي أوامر الرومان ودخلوا جيروسالم، وبدأوا ببناء معبد بديل للمعبد الذي دمره تيتوس.

كان ذلك في حوالي العام 135 بعد الميلاد وحينها، زحف إمبراطور الرومان هادريانـوس بجيشه إلى جيرو سالم، فدمر أسـاسات معبد اليهـود الجديـد، حتى تأكد بأنه لم يبـق منه حجـر على حجـر أو أي أثرٍ لليهود في مدينة جيرو سالم وبعدها، أصدر أوامره الصـارمة بمنع اليهـود منعاً باتاً من العودة إلى أو الاقتراب من المدينة، ثم أعطى جيرو سالم إسماً جديداً ‘إيلـيا كابيتوليـنا’ حيث أن إيلـيا كان إسم عائـلة هادريانـوس.

تم تنفيذأوامرالإمبراطوروبالفعل،منذئذٍ ولقرونطويلة لم يعد لليهـود في جيروسالمأي وجود.

بعد ثلاثمائة عام من ميلاد المسيح، هاجم البربر الإمبراطورية الرومانية، مما جعل الإمبراطور قسطنطين ينقل عاصمته إلى مدينة الإغريق بيزنطة. ثم وفي عام 324 بعد الميلاد إنتهت الإمبراطورية الرومانية وبدأت الإمبراطورية البيزنطية.

خلالتلكالفترة،غزاالفرسفلسطينوكذلك فعلتزنوبيا ملكة سوريا.ثمعادالحكمللبيزنطيون، وعندما اعتنق الإمبراطور قسطنطين المسيحية، صارت تلك هي الديانة الرسمية للبلاد.

في حوالي العام 622 بعد الميلاد، احتل الإمبراطور الفارسي كورس سوريا، وبجيش يضم 20 ألف يهودي زحف إلى فلسطين. ثُمَ وبعد سرقة خزينة الكنيسة والصليب المقدس، أحرق اليهود كنيسة القيامة فدمروا ذلك الموقع وعديد الكنائس والأديرة الأخرى، وقتلوا خمسين ألفاً من المسيحيين في المدينة المقدسة وآلاف غيرهم في المدن والبلدات المجاورة.

بدون تأخير، في 628 بعد الميلاد، جاء إمبراطور روما في الشرق هيراكيولوس لنجدة جيرو سالم، وبعد معركة قاسية تبع اليهـود حتى بلاد فارس حيث هزمهم، وإحتل تبريز ثُم أعاد إلى جيرو سالم الصليب الأصلي الذي صُلِبَ عليه المسيح ‘عليه السلام’.

منقول /للكاتبة الفلطينية رشيدة المغربي