منتديات المُنى والأرب - الخروف صديقي ..

مرحباً يا رفاق ..

هذه أول مشاركاتي معكم في المنتدى ، لكنني أشعر بقليل من الخوف بصراحة ، لأن أول المشاركات في المنتدى يكتب فيها الواحد بكل ثقة وحذلقة : هذه أول مشاركاتي .. معنى هذا أنه قد يأتي اليوم الذي يكتب فيها المرء آخر مشاركاته .. ربما لانشغاله أو أو موته مثلاً .. فمتى يأتي هذا اليوم ؟؟ عرفت الآن لم أشعر بشيء من التوجس ؟؟

الحقيقة أن هذه خاطرة قصصية ، لكنها قصة خطرت لي في الواقع .. كتبتها في اليوم الرابع من العيد ..
وأود أن أهديها للأعضاء الذين كانوا أول من رحب بي في قسم الترحيب بالأعضاء الجدد ( منى ) و ( وروود ) و( دهر ) .. تخيل معركة عنيفة عجنوك فيها ككرة صلصال طرية لأنك لم تتقن دروس التايكوندو التي تتعملها في النادي .. وقعت على الأرض .. الدماء تسيل وأنت تكح كثيراً وتبصق كثيراً .. تمسك بطنك لأنك تتألم بشدة .. يأتي من يمسكك ويمسح التراب عن رأسك وقدمك ويوقفك ويربت على ظهرك .. كان نفس الشعور تماماً عندما لم يرد أحد على مشاركتك ..

يمكنك أن تعتبرني جديداً جداً معكم .. وتوا قصصت أنبوبة المشيمة وقلبوني في وضع معكوس وجاءت ممرضة بدينة تهز الأرض في كل خطوة وتزعق كثيراً لزملاتها لأنها خبرة في هذا المجال في الحقيقة ، وسكعتني على ظهري فبدأت أعوي كسيارة إسعاف .. لكن عوائي هاهنا سيأخذ شكلاً قصصياً .. أحياناً تغير مني بعض دور التوزيع والطباعة ، لأنني إذا صرخت لأي سبب تتدفق من فمي مئات الكتيبات من القصص .. لا تصدقني ؟؟

ما علينا .. لك أن تصدق ، أو تدخل مباشرة إلى القصة ..

ولكنها حزينة بعض الشيء حتى لا تتهمني بالنكد من البداية وأنني لم أحذرك ؟؟ .. كن على حذر فهي تتكلم عن خروف العيد !! :sFun_yawnbig[1]:

* * *

كنت منذ يومين ذاهباً لشراء بعض البضائع من أجل أول أيام العيد .. وكثيراً ما كنت أمر على ( زريبة ) لتربية الخرفان عسكرت لدينا في أحد الشوارع الجانبية الإسفلتية على سبيل الزريبة .. وحقاً ياللعجب !! إن المصريين طراز فريد من البشر .. إنهم الحذاق في استغلال كل شيء مهما صغر نفعه .. وحتى يكون ذلك قريباُ للذهن ضع عشرة أفراد معاً في غرفة مغلقة ، وضع لهم بقايا من كل الأشياء . بقايا كراسي ، بقايا معالق ، بقايا خضراوات ، بقايا لحوم ، بقيا أخشاب .. واتركهم لمدة عشرة أيام ، ثم ألق نظرة عليهم .. لو كانو خليجيين فتأكد أنك تحتاج عشرة أكفان قبل أن تفتح الغرفة .. لوكانوا أوروبيين فتأكد أنك تحتاج عشرة أسرة للأطفال الصغار .. لو كانو أفارقه فتأكد أنك تحتاج عشرة من المشايخ ( باتعي السر ) يتصدون لكل سحر الـ ( الداوا ) الذي سيفاجئونك به .. لو كانو مصريين فتأكد أنك لن تحتاج شيئًا ، لأنك ستفاجأ بأنهم رتبوا كل شيء ، وأعادوا تصنيعه حتى يكفيهم لمدة عامين كاملين دون أن يحتاجو لشيء آخر البتة !!

هكذا مررت بجوار القطيع الصغير الذي يكاد يسد الشارع ..

وهنا التقت عيناي بعينيه !!

كان ينظر لي بحب .. برجاء .. باستعطاف .. بأمل .. توقفت قليلاً وهرشت رأسي .. ( أنا ) ؟؟

فكشط الهواء بفكيه فوقاً وتحتاً أن ( نعم ) ..

قلت في نفسي : يا للمسكين !!

واقتربت منه وأخذت أداعبه وأربت على رأسه وأمسح على ظهره .. كانت في عينيه تلك النظرة الخاوية .. تلك النظرة الزجاجية التي تراها في عيون فاقدي الأمل .. و على بعد مترين كانت المنضدة الخشبية مغروساً فيها شاطور ( تصحيح ساطور ) محترم في الحقيقة يوحي بهيمنة لا شك فيها ..

كان يرتجف حقاً ولا أدري ما السبب لكنه دفن رأسه في بطني وأخذ يرتجف .. شعرت لحظتها أن سائلاً ما يسيل في أنفي وأن هناك رطوبة بدأت تظهر في مآقي .. كان قلبي يخفق بعنف .. ( وشعرت أنني سأبكي بقوة .. فضممته لصدري ، ثم همست له في أذنه ( بعد أن مازحت الجزار ، وأشعرته أنني شار حتى يكف عن ملاحقتي بعينيه ) : أنا بجوارك .. لاتخف .. كل شيء سيسير على ما يرام ..

ثم إنني مسحت على صوفه الناعم وقلت له : حسناً تعرف قصة الشمعة الخضراء ؟؟
نظر لي في غباء .. لم أدر حقاً هل فهمني أم لا .. ثم هز أذنيه .. ودمعت عيناه ..
ثم إنني حكيت له القصة .. كانت كلمسة حنان .. كنبضة رحمة .. كهمسة حب .. لكنني لم أكن متأكداً أنه فهم شيئاً من القصة .. فقط تأكدت من أنه هدأ قليلاً .. ( ولما أكثر الجزار نحنحته ) قمت وودعته .. ووعدته أن أزوره غداً ..

***

مررت جوار ذلك الشارع .. في اليوم التالي صباح العيد السعيد .. كان ينظر لي تلك النظرة الزجاجية التي تعرفها جيداً .. كان ينظر لي فقط .. هذا ما استطاعه من الانفعالات البيولوجية .. لأنه لم يكن يملك سوى عينيه ، ورأساً مسلوخة وجسداً يبعد عنه ثلاثة أمتار على المنضدة .. كان يقول لي بلسان روحه : لقد ذبحني ، لكنني لم أشعر لأنني تذكرت قصة الشمعة الخضراء .. شكراً لك ..

غضضت بصري ولملمت نفسي وعدت أقطع الشارع إلى نهايته ..