منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   القسم الإسلامي (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=21)
-   -   الدرس الخامس من فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق للشيخ ابي إسحاق الحويني (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=16167)

hakimnexen 22 - 5 - 2011 12:10 PM

الدرس الخامس من فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق للشيخ ابي إسحاق الحويني
 
قال الإمام البخاري رحمه الله:( بابُ ما جاء في الصحة والفراغ وألا عيش إلا عيش الآخرة )، قال حدثنا المكي بن إبراهيم قال أخبرنا عبد الله بن سعيد هو بن أبي هند عن أبيه عن بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله :( نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس الصحة والفراغ) .
قال البخاري قال عباس العنبري حدثنا صفوان بن عيسي عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه قال سمعت بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم مثله .
وقال أيضًا:حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا غُندر قال حدثنا شعبة عن معاوية بن قُرة عن أنس عن النبي_ صلي الله عليه وسلم_أنه قال: ( اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فأصلح الأنصار والمهاجرة ) .
وقال البخاري أيضًا في أخر حديث في هذا الباب حدثني أحمد بن المقدام قال حدثنا الفضيل بن سليمان قال حدثنا أبو حازم قال حدثنا سهل بن سعد ألساعدي _ رضي الله عنه _قال كنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في الخندق وهو يحفر ونحن ننقل التراب وبصر بنا فقال:( اللهم لا عيشَ إلا عيشُ الآخرة فاغفر للأنصارِ والمهاجرة ) تابعه سهل بن سعد عن النبي_ صلي الله عليه وسلم_ مثله .
وقد ذكرنا في المرة الماضية أن الإمام رحمة الله عليه بوب على هذه الأحاديث الثلاثة بقوله:(باب ما جاء في الصحة والفراغ وألا عيشَ إلا عيشُ الآخرة )وذكرنا أن الترجمةَ لها أصول ثلاثة وأنا أكرر الكلام في كل مرة حتى يستقيم لنا فهم طريقة الإمام البخاري رحمه الله ، لأنه فيما يُستقبل إن شاء الله_ عز وجل_ من الدروس سنخفف من المسألة على اعتبار أنها فهمت النسبة لمن يستمع إلى هذه الدروس .
قلنا: أن الترجمة لها ثلاثة أركان ، الركن الأول وأنا أحاول أن نرى الحديث قال الإمام _رحمه الله _باب ما جاء في( الرقاق)وفي بعض النسخ (باب ما جاء في الصحة والفراغ وألا عيش إلا عيش الآخرة ) وقلنا هذه اسمها الترجمة والترجمة هذه هي معني قائم عند الإمام البخاري ينتظم تحته أحاديث فيها نفس المعنى الذي أورده الإمام البخاري في الترجمة .
فالترجمة لها ثلاثة أركان:
الركن الأول: المُتَرجِم وهو الإمام البخاري .
الركن الثاني: الترجمة وهي العنوان الذي يضعه الإمام البخاري على الأحاديث الركن الثالث: المُتَرجَمُ له النص الذي أورده الإمام البخاري تحت هذه الترجمة .
وعندنا الآن ثلاثة أحاديث :
الحديث الأول: حديث بن عباس رضي الله عنهما وهو ما جاء في الصحة والفراغ .
الحديث الثاني: حديث أنس.
الحديث الثالث: وهو حديث سهل بن سعد ألساعدي والذي فيه المقطع الثاني من الترجمة وأنه (لا عيش إلا عيش الآخرة .)
وذكرنا أيضا أن الترجمة الصحيحة لابد أن تكون مناسبة لما تحتها من النصوص والإمام البخاري بوب هنا تبويبًا صريحًا ،( باب ما جاء في الصحة والفراغ) وأورد حديث بن عباس الخاص بهذه المسألة ،(وألا عيش إلا عيش الآخرة فعندنا حديث أنس بن مالك و عندنا حيث سهل بن سعد ألساعدي _رضي الله عنهما _، وهذا الحديث حديث بن عباس_ رضي الله عنهما_
حديث بن عباس_ رضي الله عنهما_لم يكرره الإمام البخاري في صحيحه وهذا هو الموضع الوحيد لهذا الحديث عند الإمام البخاري رحمة الله عليه .
وذكرنا أيضًا أن الإمام البخاري ربط ما بين (الصحة والفراغ )وما بين( لا عيش إلا عيش الآخرة ،) لأن العيش على الحقيقة هو عيش الآخرة الذي لا يبيد ولا ينتهي وأما الدنيا فلها نهاية .
وقد قال الفضيل بن عياض: ونعم ما قال ، قال [ لو كانت الآخرة خزفًا يبقى وكانت الدنيا ذهبًا يفني لكان على العاقل أن يقدم الخزف الذي لا يفني علي الذهب الذي يفني فكيف والآخرة ذهبُ لا يفني
هذا الحديث حديث الإمام البخاري الذي افتتح به كتاب الرقاق تابع فيه عبدا لله بن المبارك الإمام المبارك وكذلك وكيع بن الجراح وكلاهما افتتح كتاب الزهد له بهذا الحديث .
لماذا افتتح الإمام كتاب الرقاق بهذا الحديث ؟
لأن العمر هو رأس المال ، وأي رجل يتاجر لا بد أن يكون له رأس مال وهذا المال لابد أن يربح وإلا سيضطر المرء أن يأكل من رأس المال ولا يزال يفعل ذلك حتى يُفلِس ، والعاقل هو الذي يثمر رأس ماله على نحو ما سنذكره إن شاء الله تعالى .
لكن قبل أن ندخل في الكلام عن المتن كل الذي مضى هو محاولة للتوفيق ما بين الترجمة وما بين الحديث والنصوص التي جاءت تحتها ، لكن الكلام له ترتيب ، نقرأ الإسناد الأول ثم ننظر في حال رجال الإسناد ، إذا كان فيه أي أشياء حديثيه لطيفة سنحاول أن نذكرها بلا تعمق ، لماذا ؟ لأننا إن شاء الله سنحاول أن نعلم الناس علم الحديث من خلال أسانيد الإمام البخاري .
ولذلك أقول وأنبه لا تستثقلن شيئًا تسمعه لأول مرة ، فأنا زعيم إن شاء الله عز وجل أن أجعل هذا العلم من العلوم المحببة إلى نفسك إن شاء الله تبارك وتعالى وسأحاول كما قلت أن أذكر بعض أصول المصطلح غير مرتبة طبعًا على حسب ورودها في إسناد الإمام البخاري .لكن قبل أن ندخل في الكلام

hakimnexen 22 - 5 - 2011 12:10 PM

ما معني كلمة إسناد ؟
الإسناد له تعاريف وأنا سأختار تعريفًا واحدًا وكما قلت في مرة سابقة وأنبه الآن أنني أحاول أن أحدث ثقافة حديثيه عند العوام ، ولذلك سوف أتساهل أحيانًا في تعريف المادة العلمية فأرجوا ألا يتعقبني فيها أحد علماء الحديث وأقول أنك لا تتكلم بمصطلحات المحدثين ، فأنني سأتساهل قليلاً في محاولة تيسير المادة العلمية على الجماهير ، أما إذا كنت في وسط علماء الحديث فلن أتكلم بطبيعة الحال إلا بمصطلح أهل الحديث محضًا ودقيقًا إن شاء الله .
الإسناد: هو سلسلة الرجال الموصلة إلى المتن .
المتن" أي الكلام نفسه كلام الرسول عليه الصلاة والسلام ، أو الكلام الذي ينتهي به الإسناد سواء كان كلام صحابي أو كان كلام تابعي أو تابع تابعي أو أي إنسان في الدنيا .الكلام اسمه متن وهذا المتن لم يصل إلينا هكذا إنما وصل إلينا عن طريق رجال رجال أدوه ، سلسلة الإسناد هذه أو مجموعة الرجال هذه أسمها الإسناد .
أي أن كل رجل أسند الكلام إلي قائله ، إلى شيخه مثلاً وشيخُهُ أسند الكلام إلى شيخِهِ وشيخُهُ أسند الكلام إلى شيخِهِ وهكذا لا يزال كل واحد يسند الكلام إلى من سمعه منه حتى يصل الإسناد إلي منتهاه إلى أخر واحد قال الكلام سواء كان الحديث مرفوعًا إلى النبي _عليه الصلاة والسلام_ أو إلى الصحابي أو إلى التابعي أو إلى تابع التابعي أو إلى من دون أتباع التابعين .
فتكون كلمة إسناد أن كل واحد يسند الكلام إلى قائله ،.
فلو أنت حدثتني بكلام وأنا ألقيت هذا الكلام على رجل آخر فيقول لي من حدثك ؟ أقول له حدثني فلان ، وأنتم الآن تجلسون أمامي وتسمعون مني ، أخذت الدرس فممكن تذهب إلى مسجد من المساجد أو مجلس من المجالس وتنقل هذا الدرس فتقول حدثني أبو إسحاق أنه قال حدثني فلان قال حدثني فلان ، فأنت بذلك تكون قد أسندت الكلام إلي .
فإذا كان الكلام كلام منكر وأنكر عليك غيرك فتقول العهدة ليست علي إنما العهدة على من حدثني فلان هو الذي أخبرني بهذا الكلام ، فإن كنت تريد أن تحاسب فحاسب الذي أخبرني ، فأنت أسندت الكلام إلي .
فكلمة إسناد معناها أن ترتقي بالإسناد حتى تصل إلى قائله ، وأنا الإسناد اليوم أفقي ولا رأسي ؟ الإسناد رأسي هكذا لأن أنت عندما تقول حدثني فلان ، وأنا أقول الإسناد هذا متصل أم لا ؟ متصل لأن هذا طرفه الأول وهذا طرفه الثاني فيكون الإسناد هكذا متصل له جهتان جهة دنيا الجهة التي إلى أسفل ، وجهة عليا التي هي عند الصحابي ، كلما تقول حدثني فلان وهذه المسافة سأقسمها إلى أربع مسافات مسافة هنا ومسافة هنا ومسافة هنا ، كل مسافة من هذه ستعتبر كأنها حِقبةٌ زمنية ، فعندما أقول حدثني فلان فأكون قد أخذتُ هذه المسافة الزمنية ، قال حدثني فلان أخذت المسافة هذه ، قال حدثني فلان أخذت المسافة هذه ، قال حدثني فلان حتى أصل إلى نهاية السند
فيكون الإسناد رأسي وكلما قلت حدثني فلان تصعد إلى أعلي خمسين سنة والذي فوقك يطلع خمسين سنة ، والذي فوقك يطلع خمسين سنة وهكذا أو مائة سنة أو ثمانين سنة على حسب الفروق التي بين طبقات الرواة .
فأنا أقول الآن هذا إسناد متصل ، وأنا سأوضح على اللوحة :
الإسناد رأسي: البخاري يقول حدثني المكي بن إبراهيم عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن سعيد بن أبي هند عن بن عباس وهذا إسناد رأسي وهو إسناد متصل
والإسناد الثاني عند البخاري: قال عباس بن عبد العظيم العنبري حدثنا صفوان بن عيسى عن عبد الله بن سعيد عن سعيد بن أبي هند قال سمعت بن عباس وهذا يكون إسنادًا رأسيًا .
فأنت عندما تقول حدثني فلان تطلع لفوق طبقة ، حدثني فلان تطلع لفوق طبقة وهكذا حتى تطلع إلى منتهي الإسناد ،.
ونخرج من ذلك أننا نقول أن الإسناد هو أن تسند الكلام إلى قائله .
الإمام البخاري عندما يقول حدثنا المكي بن إبراهيم وهذا شيخ الإمام البخاري_ رحمة الله عليه_ والمكي بن إبراهيم هذا أحد الثقات وثقه الإمام بن معين وثقه أحمد بن حنبل وقال الدار قطني ثقة مأمون والمكي بن إبراهيم هذا من كبار شيوخ البخاري .
وشيوخ البخار على ثلاثة طبقات :
الطبقة الأولى: كبار شيوخ البخاري .
الطبقة الثانية أواسط شيوخ البخاري.
الطبقة الثالثة: صغار شيوخ البخاري الذين ربما يكونوا من أقران البخاري .
الطبقة الأولى الكبار الذي لم يدركهم أحد من الأئمة الستة غير البخاري والأئمة الستة :هم (1- البخاري 2-ومسلم3- وأبو داود 4-والنسائي 5-والترمذي 6-وبن ماجه ) .
(البخاري ومسلم )الصحيحان (والأربعة اسمهم ) السُنن عندما يقول أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما وأهل السُنن أو أصحاب السُنن وهم الأئمة الأربعة الذين سميتهم آنفًا .
الأئمة الخمسة من أول مسلم والأئمة الأربعة لم يدركوا الطبقة الأولى من شيوخ البخاري ، البخاري تفرد بهم.
الطبقة الأولي من شيوخ البخاري: كبار الشييوخ ومنهم المكي بن إبراهيم ومنهم عبيد الله بن موسي ومنهم محمد بن عبد الله الأنصاري ومنهم أبو عاصم النبيل ومنهم أبو معين الفضل بن دُكين وآخرون . .
الطبقة الثانية من شيوخ البخاري : أواسط الشيوخ وهم أكثر شيوخ البخاري وهم أواسط الشيوخ مثل الإمام أحمد بن حنبل ومثل إسحاق بن راهويه ومثل قتيبة بن سعيد ومثل الحُميدي مثل مسدد بن مسرهد وإسحاق بن منصور وإسحاق بن شاهين وعمر بن معين الفلاس وآخرون وأئمة كثيرون وهؤلاء هم الطبقة الوسطى .
الطبقة الثالثة من شيوخ البخاري:وهي صغار الشيوخ أو من أقران البخاري مثل محمد بن عبد الرحيم الملقب بالصاعقة والبخاري لا يقول الصاعقة يقول حدثنا محمد بن عبد الرحيم ، بعض الأئمة الآخرون يقول حدثنا الصاعقة .
ولُقِبَ بالصاعقة قيل1- لأنه كان باقعةً في الحفظ إذا وصل إلى شيخ من الشيوخ يأخذ كل علمه ولا يبقي عنده شيء من العلم ،2- وقيل لأنه كان إذا أراد أن يتوجه إلى شيخ مات هذا الشيخ ، فلذلك قالوا صاعقة أي صعقه وهو من أقران البخاري حدث عنه الإمام البخاري رحمه الله وكذلك محمد بن يحي الذُهِلي هذا من شيوخ البخاري ومن أقرانه أيضًا .
وهذا الحديث الإمام البخاري يرويه عن المكي بن إبراهيم وهو أحد كبار شيوخ البخاري ، والإمام أحمد بن حنبل قلنا أنه شيخ البخاري من الطبقة الوسطى .

hakimnexen 22 - 5 - 2011 12:11 PM

والإمام أحمد: روى هذا الحديث في مسنده قال حدثنا المكي بن إبراهيم.
والإمام الدارمي: عبد الله بن عبد الرحمن أحد شيوخ البخاري أواسط شيوخ البخاري روى هذا الحديث في سننه قال حدثنا المكي بن إبراهيم .
فكأن الإمام البخاري ساوى الإمام أحمد بن حنبل والدارمي وكلاهما من شيوخه في هذا الإسناد ، وكأنهم أصبحوا أقران لأن شيخهم في الإسناد واحد .
وأنا إنما قلت هذا لتعلم أن المكي من كبار شيوخ البخاري إذ أنه شيخ شيخ أحمد شيخ شيخ البخاري الذي هو أحمد بن حنبل .
فكون البخاري يدرك شيخ شيخه فيتساوى مع شيخه أحمد بن حنبل فهذا اسمه علو وهذا يوضح لنا أن الإمام البخاري رحمة الله عليه أدرك هذا الإمام وأنه من كبار شيوخه .
الإسناد الأول: قال حدثنا قال أخبرنا عبد الله بن سعيد يقصد( ابنُ أبي هند) وهذا توضيح من الإمام البخاري عن سعيد بن أبي هند عن بن عباس عن رسول الله _صلي الله عليه وسلم _.
الإسناد الثاني:قال البخاري فيه وقال عباس بن عبد العظيم حدثنا صفوان بن عيسى عن عبد الله بن سعيد عن أبيه سعيد قال سمعت بن عباس .
نلاحظ مايلي:
الإسناد الأول اشتمل علي أربعة رواة : وهذا يسمى إسناد رباعي ذلك لأن الإسناد من البخاري إلى الرسول _عليه الصلاة والسلام_ أربعة رواه .
الإسناد الثاني اشتمل علي خمسة رواة، وهذا يسمي إسناد خماسي ،.
ويوجد عند أهل الحديث مايُسمي بالعلو ، وهذا العلو أقسام أشرف أقسام العلو أن تكون الوسائط بينك وبين النبي قليلة ، لأن كلما علوت إلى أعلي وتقترب من النبي _عليه الصلاة والسلام_بإسناد نظيف هذا أشرف أنواع العلو .
وأوضح ذلك بمثال : المصباح لو أن السقف على بعد عشرين متر ويوجد مصباح في أعلى ، فلو أنني أقف على الأرض هنا الضوء يكون خافت ، فلو أردت أن أستمتع بقوة هذا الضوء ماذا أعمل ؟ أطلع إلى أعلى ، فلو أنني طالع علي السلم على درج كلما طلعت إلى أعلى كلما اقتربت وأنعم بضوء هذا المصباح .
الرسول_ _ كما وصفه ربه تبارك وتعالي هو السراج المنير كلما اقتربت من هذا السراج المنير تبصر وتضيء وتستمع ،.
كما نشبه زمان الرسول عليه الصلاة والسلام مع القرون التي جاءت بعده برأس المثلث ، تصور أن هناك مثلث حاد الزاوية كالهرم والهرم هو عبارة عن نقطة ثم نشد ضلعين ضلع أيمن وضلع أيسر ، هذه النقطة التي هي رأس الهرم لا أبعاد فيها وأن كانت هناك الأبعاد فهي أبعاد ضيقة جدًا لا تكاد تُرى هذه النقطة هي زمان النبي_ صلي الله عليه وسلم_ .
لم يكون هناك خلافات وحتى الخلافات الموجودة كانت تُرد في النهاية إلى النبي فيفصل فيها .
الضلع الأول: وهو نصوص الوحي قرءانًا وسنة ،.
الضلع الثاني هو واقع المسلمين .
وكلما ابتعدت عن رأس الهرم تزيد المسافة بين الضلعين وهذا هو الذي حدث النبي _صلي الله عليه وسلم _قال:( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) كلما تطاول الزمان تجد انفصام واضح بين واقع المسلمين وبين نصوص الوحي كتاباً وسنة . كلما نزلت لأسفل كلما تزداد المسافة بين واقع المسلمين وبين نصوص الوحي كتابا وسنة .
نحتاج أن نضيق هوة الخلاف ونرجع المسلمين مرة أخري إلى الوحيين كتابًا وسنة ، نصعد إلى أعلي ،كلما صعدت إلى أعلي وطالما توجد نقطة سيلتقي عندها الضلعان كلما صعدنا إلى أعلى كلما تضيق المسافة بين الضلعين .
فإذا أردت أن أجعل واقع المسلمين منزلاً على النصوص فلابد أن أصعد إلى أعلي ، ومعني أعلي: القرون الثلاثة الأول ، أصعد إلى القرن الثالث ثم القرن الثاني ثم القرن الأول ، فأنت كلما علوت إلى أعلي كان أشرف لك وكان أقرب .
العلو عند علماء الحديث كان فاكهة :
كان كل علماء الحديث ينفق الواحد منهم كل ما يملك من أجل أن يرحل من بلد إلى بلد لأن الحديث الذي معه خماسي يريد أن يأخذه رباعي ، بدل من أن يكون بينه وبين الرسول عليه الصلاة والسلام خمسة يجعل بينه وبين الرسول صلي الله عليه وسلم أربعة فإذا علم أن في بلد من البلدان نفس الحديث الذي معه ممكن يكون بينه وبين الرسول ثلاثة يبيع كل ما يملك ويذهب إلى هذا البلد ليأخذ الإسناد العالي .
المراد بالعلو :تقليل عدد الوسائط وهم الرواة بينك وبين النبي_ صلي الله عليه وسلم_.
فالبخاري رحمه الله روى حديث بن عباس بإسنادين الإسناد الأول رباعي والإسناد الثاني خماسي .
وإذا كان العلماء يتهافتون على العلو حتى أنه لما مرض يحي بن معين إمام الجرح والتعديل :ودخلوا عليه وسألوه ما تشتهي ؟ قال (بيت خالي وإسناد عالي ،)
الاقتراب من المصباح شرف ، والسراج المنير هو رسول الله كلما تقترب من زمنه يكون فيه بركة ويكون فيه قلة مخالفة ولا يوجد البدع المحدثات التي ملأت ديار المسلمين ، وكلما نزلت ، إلى تحت وتطاول الزمان ونبعد عن الرسول في المسافة الزمنية يحدث نوع من ضعف الالتزام والتمسك بالنصوص الشرعية .
الإمام البخاري في الإسناد الأول رباعي ، قال حدثنا المكي بن إبراهيم أخبرنا عبدالله بن سعيد عن أبيه سعيد بن أبي هند عن بن عباس فهذا إسناد رباعي ، في الإسناد الثاني وقال عباس بن عبد العظيم العنبري حدثنا صفوان بن عيسي عن عبدالله بن سعيد عن أبيه عن بن عباس
س:إذا كان كل العلماء يتهافتون على العلو لماذا نزل البخاري في إسناد الحديث الثاني ؟
لا ينزل المحدث بالإسناد إلا لنكتة وإلا فهو لا يعدل بالعلو شيئا ، وانتبه هل هناك فروق في الإسنادين أم لا ؟ من هو الراوي المشترك في الإسنادين هو عبد الله بن سعيد ، وأنا أشتغل من أول عبدالله بن سعيد ، وانتبه من أول
عبد الله بن سعيد وأنت صاعد حتى نعرف هل هناك فرق بين الإسنادين جعل الإمام البخاري ينزل بالسند الثاني درجة أم لا ؟
في الإسناد الأول: يقول عبد الله بن سعيد عن أبيه عن بن عباس .
في الإسناد الثاني: عبد الله بن سعيد عن أبيه سمعت بن عباس
فما الفرق بين الإسنادين ؟
الفرق بين الإسنادين :هذه اللفظة ( سمعت بن عباس ) هذا هو الفرق الذي جعل الإمام البخاري ينزل درجة لكي يأتي بلفظة السماع هذه ، لأن لفظة السماع هذه لها عمل كثير وعليها كلام كثير جدًا جدًا ما بين الإمام البخاري وأئمة كثيرون وبين تلميذه الإمام مسلم رحمة الله تعالى على الجميع .

hakimnexen 22 - 5 - 2011 12:11 PM

- البخاري قال في الحديث الثاني وقال عباس العنبري ، لماذا لم يقول البخاري حدثنا عباس العنبري ؟ وهذه هي العادة أنه إذا أراد أن ينقل عن شيخه شيئًا أن يستخدم لفظ التحمل مثل حدثنا أو أخبرنا أو غير ذلك .
البخار عندما يقول (قال) فلان ولا يقول حدثنا فلان فإنه لم يسمع الحديث من شيخه أو من الذي روى عنهم سواء كان من شيوخه مثل عباس العنبري وهو أحد شيوخ البخاري روي البخاري عنه ، لكن لماذا لم يقل البخاري حدثنا ؟ لم يسمع هذا الحديث من عباس العنبري ، فمن هو الذي سمع منه البخاري الحديث ؟ سمعه من واحد نحن لا نعرفه ، وهذا اسمه عند العلماء الحديث المعلق.
الإسناد إما أن يكون رأسياً هكذا وهذا الإسناد متصل أم لا ؟ متصل لأنه يلمس هنا وهنا وهذان طرفا الإسناد فهذا متصل .
ما معني الحديث المعلق ؟
الحديث المعلق عند علماء الحديث ، قالوا أن يحذف راوٍ أو أثنين أو ثلاثة أو السند كله بشرط أن يكون الحذف من أول السند .
وأول السند من تحت أم من فوق ؟ أول السند من تحت ، البخاري هنا يقول حدثنا فلان عن فلان عن فلان عن بن عباس مثلاً ووصل إلى آخر السند فكل مسافة تمثل مرحلة زمنية أو تمثل راو من رواة الإسناد .
البخاري يقول حدثنا المكي بن إبراهيم قال أخبرنا عبد الله بن سعيد عن أبيه عن بن عباس فنقسم هذه المسافة إلى أربعة كل ربع يمثل راوٍ من الإسناد فهذا إسناد متصل .
الحديث المعلق :قال أن يحذف راو من أول السند ، فمن أول السند عند البخاري ؟ المكي بن إبراهيم وأنا أمثل للحذف بأنني سأعمل هكذا وأرفع القلم والمسافة التي يملأها الهواء فهذه هي المسافة الخاصة بالمكي بن إبراهيم ووقع المكي من الإسناد ، فصار الإسناد معلق لأننا حذفنا راوي من أول الإسناد وليس من عند الصحابي ، أول الإسناد من عند صاحب الكتاب الذي هو الإمام البخاري ، أخر الإسناد هو الصحابي .
فأنا لما حذفت المكي بن إبراهيم البخاري لن يقول أخبرنا عبد الله بن سعيد لأنه لم يدركه ولو أي إنسان قال أخبرني فلان ولم يدركه العلماء يقولون عليه كذاب ، فلو أن إنسان قال حدثنا الإمام البخاري في الزمان الذي نحيا فيه الآن فهذا يكون كذاب ، لكن لو قال عن الإمام البخاري فلا يقدر أحد أن يكذبه ، لأن كلمة حدثنا أو أخبرنا ضيقة المعنى لا تحتمل إلا معني واحد فقط وهو أنه حدثك من فمه إلى أذنك وهذا معنى حدثنا أو أخبرنا .
تنبيه لمن لم يمارس علم الحديث من الأدباء.
لذلك أنا أنبه على شيء يقع فيها من لم يمارس علم الحديث من الأدباء إذا أحب أن ينقل شيء من تاريخ بن جرير الطبري ، فيقول وها هو بن جرير يحدثنا أنه قد حدث كيت وكيت وكيت ، وهذا عند علماء الحديث خطيئة أين بن جرير ؟ بن جرير بعد الثلاثمائة ، فأنت تقول وها هو شيخنا بن جرير بعض الناس الأدباء أو الذين ينقلون في التاريخ يتطاول ويقول هذه الكلمة وها هو شيخنا بن جرير يحدثنا أو شيخنا بن كثير يحدثنا في كتاب البداية والنهاية مثلاً ، أو يحدثنا في تفسيره ويتجوز في المسألة .
متى يكون الإسناد معلقاً؟
الإمام البخاري عندما يحذف أول الإسناد ، المكي بن إبراهيم حذفناه ونحذف المسافة خاصته هكذا وهذا من أول الإسناد فصار الإسناد معلق ولو حذفنا الذي فوقه فهذا كله اسمه إسناد معلق .
وأنت الآن عندما تقول قال رسول الله صلي الله عليه وسلم كذا وكذا فما اسم هذا الإسناد ؟ اسمه إسناد معلق ، ومعني معلق ؟ أي أنك حذفت الإسناد كله من أوله إلى آخره .
يشترط في الحديث المعلق شيئين :
الحذف يكون من أول السند إذا كان راوي ، أما إذا كان اثنين أو ثلاثة أو أربعة أن يكون الحذف على التوالي كله حذف وراء بعضه ،.
وإذا لم يكن الحذف على التوالي يأخذ اسم آخر ، اسم المنقطع أو المعضل وهذا موضوع آخر لن ندخل فيه .
ما يهمني الآن أن أتكلم عن الحديث المعلق بمناسبة أن هذا أول حديث معلق الإمام البخاري يورده في كتاب الرقاق ،
فعندما يقول البخاري وقال عباس العنبري ولم يقل حدثنا عباس فتعرف إن البخاري لم يسمع هذا الحديث من شيخه ، إذا كان الذي علق عنه هو شيخه فضلا عن أن يكون شيخ شيخه أو أعلى من هذا ولم يدركه الإمام البخاري رحمة الله عليه .
ونحن قد انتهينا اليوم شيء من علم الحديث وكما قلت نريد أن نعلم الناس علم الحديث لأن نحن في هذا الزمان في أمس الحاجة أن نفقه هذا العلم ، اليوم الذين يطعنون علي السنة أو الذين يسبون الصحابة على صفحات الجرائد ، من أين أتوا بالكلام الذين يكتبونه ؟ وهو لا يعرف شيء ، لا يعرف إسناد ولا يعرف شروط قبول الرواية ولا يعرف يكشف عن راوي ، وهل هذا الراوي ممكن أن أخذ منه خبر من الأخبار أم لا ، فليس لديه فكرة إطلاقًا عن هذا العلم ، إنما يدخل بهواه حاقد على الصحابة ، بيكره الصحابة ، عنده إحن في صدره على الصحابة ، يتمني أي مصيبة في أي كتاب حتى يتهم بها الصحابة ويقول هؤلاء الصحابة قالوا كذا وكذا وكذا وأنا لم آتي بشيء من عندي ، إنما أن أتيت به من كتب مثل تاريخ بن جرير الطبري وغير ذلك .
لو عرفوا كيف تنقل الأخبار أو كيف تقبل الأخبار لوقف عند حده ، لكن نحن في زمان كله يتكلم في كله ، كل أهل الفنون يشتكون من المتطفلين عليهم وهذا الكلام ظاهرة عامة ،.
العلوم الشرعية لابد أن يكون لها حمى :ونحن اليوم نقوم بعمل ثقافة حديثيه ، حتى إذا تكلم أي إنسان أنت تقول له من أين لك هذا ؟ كما أننا نسأل إنسان عن الذمة المالية من أين أتيت بالفلوس ؟ فنحن كذلك نقول له من أن لك هذا الخبر؟ ، إن كنت مدعيًا فالدليل وإن كنت مستدلاً فالصحة ، أنت تدعي أي دعوة هات دليل على هذه الدعوة ، أحضرت الدليل يشترط أن يكون صحيحًا لأن الاستنباط ينبغي أن يكون على دليل صحيح .
لذلك أنا أقول ولازلت أحض الأخوة والأخوات الذين يسمعونني أنهم يتصبروا لأن خلف هذا العلم خير كثير جدًا ،.

hakimnexen 22 - 5 - 2011 12:12 PM

وأنا أذكر في بداية تجربتي: لما نزلت إلى بلدي وبدأت أشرح علم الحديث كان كثير من الخطباء الذين يعتلون المساجد المتميزة يكثرون من ذكر الأحاديث الضعيفة والموضوعة والمنكرة ، أي حديث يجده في كتاب يطلع ويقوله ، فلما بدأنا ندرس علم الحديث وعرفه الناس فكلما يطلع واحد على المنبر ويقول حديث ، فأول ما ينزل من على المنبر الناس تقول له صحيح ولا ضعيف ، وطبعًا أول مرة يسمع هذه القصة ، ما صحيح وما ضعيف ؟ هذا حديث موجود في الكتب .
فهل معني أنه موجود في الكتب أنه صحيح ؟ أنت اليوم عندما تقرأ حديث ( المؤمن حلو يحب الحلاوة ) هذا حديث ولكنه مكذوب على النبي صلي الله عليه وسلم أو ( الهريسة تشد الظهر ) وهذا أيضًا موضوع علي النبي ، وليس المقصود بالهريس الهريسة الحلوة التي نعملها الآن إنما المقصود الثريد الذي يوضع عليه اللحم وهو موجود في بلاد الخليج فهذا مكذوب ، ( ربيع أمتي في العنب والبطيخ ) أيضًا مكذوب ، ( المؤمن كيس فطن ) أيضًا مكذوب ، ( إياكم وخضراء الدمن قالوا وما خضراء الدمن يا رسول الله ؟ قال المرأة الحسناء في المنبت السوء ) موضوع أي مكذوب على النبي وكل هذا موجود في الكتب .
فهل كل حديث موجود في كتاب أقدر أن أنسبه إلى النبي عليه الصلاة والسلام ؟ فأول مرة هؤلاء يسمعون صحيح وضعيف فاتهموني وقتها بأنني علمت الشباب قلة الأدب ، لماذا ؟ قالوا يعترضوا علينا بسبب أنهم لم يتعودوا شيء مثل هذا من قبل ذلك .
تعلم علم الحديث هذا هو العلم الذي حمى سنة النبي صلي الله عليه وسلم ولولا هذا العلم لخطبت الزنادقة على المنابر :وكل إنسان كان يمكن أن يقول ما يشتهي .
كما قال عبد الله بن المبارك الإمام المبارك [ لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء ٍ
قال ابن عباس_ رضي الله عنهما_ [ كان الرجل إذا قال: قال رسول الله تشرئب إليه الأعناق ونصغي إليه بآذاننا ، فلما وقعت الفتنة بدأ يحدث الكذب عل النبي _ عليه الصلاة والسلام_ قلنا سموا لنا رجالكم
في القرون الأولي ما كان يوجد من يكذب على النبي صلي الله عليه وسلم أبدًا ، وكان أي واحد يقول قال رسول لله صلي الله عليه وسلم نسمع له ونصدقه ولا نسأله أسمع أم لا ، أو إسناده صحيح أم لا ، و عندما وقعت الفتنة واختلف الناس ودخل منافقون وزنادقة في الصفوف ويبحث عن حديث يسنده ولا يجد يؤلف حديث وينسبه للنبي_ عليه الصلاة والسلام_ بأي إسناد يركبه ، فلما وقع مثل هذا الخبث وظهر الكذب والخطأ قال العلماء لن نقبل أي كلام إلا بإسناد
الأخبار القديمة كلها نحن لا نعلم عنها شيئًا إلا عن طريق المصنفات القديمة والكتب القديمة مثل كتب الأئمة الذين نقلوا لنا كل هذا الكلام بأسانيد فعندما نريد أن نرد على هؤلاء نرد عليهم بهذا العلم ، ما السبب في انتشار هؤلاء يضربون في الدنيا ؟ لعدم وجود علماء حديث ، علماء الحديث أندر من الكبريت الأحمر الذين يقفون على الرصد ويحرسون حدود الإسلام وهم الذين يدافعون عن المصادر الأصلية الآن ، فلا يدافع عن المصادر الأصلية الآن إلا علماء الحديث
فلذلك هذا العلم علم جليل وعلم خطير وكبير وأنا أحاول أن أيسر المادة العلمية بقدر المستطاع ومع كثرة هذا تكرار الكلام الكريم ستتمتعون فما يأتي من الزمان.
_____________________________________
ندخل على الكلام ، والكلام الذي هو المتن أصل الموضوع ، علم الحديث كله وضع لأجل تصحيح هذا المتن وتصحيح هذا الكلام وأنه منسوب إلى النبي نسبة صحيحة .
قال عليه الصلاة والسلام( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) ، مغبون: مأخوذ من الغبن وهو الخسارة ، فأكثر الناس يخسر رأس ماله الحقيقي أغلى سلعة في الدنيا ، أغلي رأس مال في الدنيا هو العمر ، هذا العمر الذي هو أجل المرء من ساعة أن يولد إلى أن يموت ، هذا هو أجله ، يقطع هذا الأجل على مراحل ، هي عبارة عن ثوان ودقائق وساعات وأيام وأسابيع وأشهر وسنوات ، فهذا هو رأس المال .
يقطع المرء كل يوم وهو سائر إلي الله تبارك وتعالي كل يوم يمر عليه تُطوى فيه صفحة عظيمة من كتاب الموت .
أمس كنت أطول عمرًا من اليوم ، والإنسان يتقلب في ثلاثة أيام يوم مضى فلا سبيل إلى تداركه ، والذي فات مات لا يستطيع أن يرجعه ، ويوم يأتي لعله لا يكون يومك يمكن ألا تعيش فلا تُجهِد نفسك بحثًا عنه وإنما يومك الذي تعيش فيه هذا هو رأس المال .
لأن هناك ناس يعيشون في الماضي ، يعيشون في الأحلام ، وناس يعيشون في الأوهام التي سوف تأتي وقد لا يدركه ، إن الرجل ليأكل ويشرب وينكح وهو في عداد الموتى ، نزل الأجل في السماء الدنيا وسينزل على الأرض حتى ينفذ قضاء الله تبارك وتعالى عليه وهو بيأكل أو يشرب ويقول غدًا سنعمل كذا وبعد غد سنعمل كذا وبعد عشر سنين هذا المال سيصير كذا وكذا وكذا وهو ميت وهو لم يبق على عمره أكثر من عشرة دقائق أو خمس دقائق ، وهو يتكلم فيما يأتي من الزمان عشر سنوات ، عشرين سنة ، ثلاثين سنة ، أربعين سنة
مثل الإمام البخاري ما يتكلم عن الأجل والأمل في الأحاديث القادمة وسنبين هذه المسألة .
يومك الذي تعيش فيه هذا هو رأس المال :
الذي مضى انتهى والقادم لا تبحث عنه لأنه قد لا يكون من أيامك ما بقي إلا هذا اليوم ، آخر أجلك من الذي يعرفه ؟ لا يعرفه إلا رب العالمين ،.
العمر له ثلاثة أطراف:
طول وعرض وبعد ما تموت ،.
هل من الممكن أن يكون العرض أطول من الطول ؟
نعم إذا استثمر المرء عمره استثمارًا جيدًا كان عرضه أطول من طوله
مثلاً: أن الإنسان سيموت على رأس ستين سنة ، أي يعيش على الأرض ستين سنة ، لكنه إذا استثمر رأس المال كان عمره عند الله تبارك وتعالى ألوف السنين ، أنظر الطول ستين سنة فقط ، وأنت ممكن العرض الذي تتصرف فيه وهو ملكك يكون أطول من الطول بمراحل كيف ذلك ؟
قال الله تبارك وتعالى:( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) [ القدر:3 ] فلو قدرنا أن إنسانًا يعيش ستين سنة وسيبلغ على رأس خمسة عشر سنة مثلاً ، يبلغ هذا المرء على رأس خمسة عشرة عامًا فيكون عنده خمسة وأربعون سنة وهي فيها خمسة وأربعون رمضان( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) وألف شهر عبارة عن ثلاثة وثمانين سنة وعدة شهور ، نجعلها ثمانين سنة .

hakimnexen 22 - 5 - 2011 12:12 PM

فلو أن هذا الرجل قام العشر الأواخر من رمضان لم ينام أبدًا من أول العشرة الأواخر حتى يظهر هلال العيد ، لم يترك أي عشرة من رمضان إلا وهو قائم ، فكم ليلة قدر أدركها ؟ خمسة وأربعون ليلة قدر ، وخمسة وأربعون ليلة قدر في ثمانين تساوي ثلاثة ألاف وكسر ، هذا يكتب عند الله عز وجل عابد ، ليس ثلاثة ألاف سنة ينام ثلثهم ويلعب الثلثين الآخرين ويلقى الله عز وجل مفلسًا لا ، ثلاثة ألاف عام عند الله عز وجل عابد .
فهذا الرجل استثمر عمره وطول عمره صار ثلاثة ألاف سنة أكثر من ستين سنة ، فلو أخذنا اليوم الأجل طولي نهاية الأجل هنا فيكون لك تصرف في العرض ، ممكن العرض تظل تمشي تمشي حتى يصير أطول من الطول بكثير ، مثلاً حديث جابر في سنن الترمذي.
أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ( من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة ) عندما تقول سبحان الله وبحمده ، سبحان الله وبحمده ، سبحان الله وبحمده ، سبحان الله وبحمده ، سبحان الله وبحمده ، أنا أخذت خمس ثواني فلو قلت ستين ثانية أي دقيقة فيكون عندك ستين ، فلو أخذت في الساعة ستين في ستين بثلاثة ألاف وستمائة ، هذا في ساعة واحدة في اليوم تقول سبحان الله وبحمده ، ويمكن وأنت تمشي أو ذاهب إلى أي مشوار أو مسافر فلا تعطل لسانك .
وأنت تمشي قل سبحان الله وبحمده ، وأنت تعملين في المطبخ شغلي لسانك ، كلما تقول سبحان الله وبحمده نخلة في الجنة ، والنخلة في الجنة هذا موضوع أخر والنبي قال:( ما من شجرة في الجنة إلا وساقها من ذهب ) .
فأنت تزيد عن أخيك الذي دخل الجنة معك بالنخل الذي استحوذت عليه بكثرة تسبيحك وتنزيهك لربك تبارك وتعالى والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:( إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر [ أي الذي ليس له بطن ويعدونه للسباق ] فيه [ في هذا الظل ] مائة عام لا يقطعه ) ، مائة سنة يجير هذا الجواد في ظل شجرة واحدة في الجنة لا يقطعها ،.
قال أبو هريرة: واقرءوا إن شئتم ﴿ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ﴾ [الواقعة: 30]
فعندنا ثلاثة أطراف للحياة :
1-الطرف الذي هو نهاية الأجل لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالي .
2-وعندي تصرفي في الحياة ، استثمار فرص العمر ومواسم العمر .
3- الطرف الثالث بعدما تموت .
هل الإنسان إذا مات يموت بلا فائدة ، كأنه دابة على وجه الأرض مات وانتهت قصته ولا يترك بصمة في الحياة على ظهر الأرض أنه كان موجودًا .
ملايين البشر عاشوا في الدنيا كالأنعام السائمة يأكل ويشرب فقط ، كل حياته أكل وشرب ومتع على اختلاف أنواعها كأنه لن يموت ، هذا يموت كأي دابة تموت .
أما الذين عرفوا نفاثة رأس المال ألا وهو العمر فهؤلاء يتركون بصمة قبل أن يموتوا وأفضل من استثمر العمر هم أهل العلم الذين كانوا يتقربون إلى الله عز وجل بهذا العلم وعلى رأس هذه العلوم ، العلوم الشرعية القرءان الذي أنزله الله تبارك وتعالي ليهدي به الخلق وسنة الرسول صلي الله عليه وسلم التي كانت مبينة لكتاب الله تبارك وتعالى
العلماء صانوا الكتاب والسنة قعدوا القواعد وأصلوا الأصول حتى لا يُخطئ أحدٌ في الفهم عن الله ورسوله ، هؤلاء العلماء نذروا أعمارهم لصيانة الكتاب والسنة ، له نية صالحة في الموضوع وتحقق الإخلاص فيها فهذا الذي يعيش في الدنيا وينظر إلى الآخرة .
أفضل من استثمر العمر أهل العلم الذين ينظرون إلى الآخرة .
لذلك قال الإمام البخاري يقول باب ما جاء في الصحة والفراغ وألا عيش إلا عيش الآخرة ، فمن كان في الدنيا ينظر إلى عيش الآخرة فلن يضيع رأس المال ورأس المال هذا المفترض أي تاجر ناجح عندما يكون عنده رأس مال يكثر رأس المال ، يأتي بالأرباح ويترك الأرباح تتراكم على رأس المال ويحاول أن يجعل نفقاته مضغوطة لأجل أنه كلما كبر رأس المال أتي بربح أكبر .
الرسول عليه الصلاة والسلام سئل أي الناس خير قال ( من طال عمره وحسن عمله ) إذا طال عمره فهذا رأس مال صار رأس المال كبيرًا ، وهو رجل ينظر بعينه إلى الآخرة ولا ينظر تحت قدميه ، هذا هو المفلح حقًا .
لذلك قال الرسول عليه الصلاة والسلام( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس) فدل على أن أقل الناس هو الرابح في هذه التجارة كما قال تعالي:( وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [ سبأ: 13 ] .
نماذج من الذين استثمروا أعمارهم:
الإمام البخاري صاحب الكتاب الذي نشرحه يذكر محمد بن أبي حاتم الوراق أن البخاري رحمه الله كان يقوم في الليلة أكثر من خمسة عشرة مرة وقال ربما قام عشرين مرة يوقد السراج ويكتب شيئًا ثم يطفئ السراج وينام ثم بعد قليل يستيقظ ويوقد السراج ويكتب شيئًا ثم ينام وهذه المسألة تحدث له في الليلة من خمسة عشر إلى عشرين مرة .
ماذا يعمل الإمام البخاري ؟ ينام وهو مشغول بمعني من المعاني وقد يرى فتحًا قد يفتح عليه في معنى مغلق فلو نام وواصل نومه لأصبح ناسيًا لهذا المعني الذي خطر على باله , وكثير من الناس الذين يرون الرؤيا يكون متذكر الرؤية جيدًا وأحيانًا يفتح عينه وهو نائم ومستحضر تمامًا للرؤية ويقول أنا حفظتها وأول ما يستيقظ ينسى الرؤية كاملة ، لا يذكر شيئًا منها .
العلم هذا يحتاج إلى صياد لأن العلم مواهب ، والفهم منحة من رب العالمين وقد يتفاضل الرجلان الكبيران الجليلان في فهم جزئية من الجزئيات والله عز وجل يقول في القرءان( وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ، فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ) [ الأنبياء: 78،79 ] وحتى لا تظن أن المرء إذا فاتته جزئية في الفهم أن ذلك يعود عليه بالنقص ( وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ) .
وحتى لا يتصور أحد أن داوود عليه السلام أقل من ابنه لا ، هذا العلم لا أخر له معهم أصل الفهم ومعهم أصل العلم
ولكن قد يفهم الإنسان جزئية لا يفهمها غيره ولا يكون ذلك قادحًا وهذا حدث أكثر من مرة مع سليمان عليه السلام وداود .
كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله قال اختصمت امرأتان على زمان داود عليه السلام ، اختصمتا في ولد صغير كل واحدة معها ابنها وضعا الولدان في مكان فأتى الذئب فأكل ولد من الاثنين ، فلما رجعت المرأتان اختصمتا على الولد الباقي من التي يمكن أن لا تعرف ابنها ، فيه واحده منهما كاذبة ، لكن هذه تقول هذا ابني والأخرى تقول هذا ابني .
فاختصمتا إلى داود عليه السلام ، وطبعًا الأنبياء ومن بعدهم القضاة يحكمون على نحو ما يرون يرسل ليحضر أدلة وعلى ضوء هذه الأدلة يحكم ، قد تكون الأدلة خاطئة ، أو أن الذي ذهب يبحث عن الأدلة لم يستوفها أو قصر في فمها سواء الذي أتى بالأدلة أو القاضي نفسه قد يكون قصر في فهمها ، أي خلل عمومًا قد يطرأ على الدليل وبالتالي يطرأ على الحكم .
المرأة الكبرى بكت وناحت وقالت ولدي وظهر عليها أنها متفجعة فعلاً على هذا الولد والمرأة الصغرى لم يظهر عليها هذا وهناك بعض الناس تنزل عليه المصيبة التي تدك الجبل فلا تحرك ساكنًا من شدة المصيبة عليه حدث له نوع من الخرس الشعوري لا يستطيع التعبير ، لا يستطيع البكاء ولا يعرف أن يعمل شيئًا يدل على أنه حزين .

hakimnexen 22 - 5 - 2011 12:13 PM

لكن الحزن الذي بداخله لو وزع على أمة لملأها الحزن ، لكنه لا يعرف أن يعبر والأمر كأنه كان كذلك ، المرأة الكبرى بكت وأظهرت بعض العلامات والصغرى ساكتة ، فلما حكم داود عليه السلام للمرأة الكبرى بالولد خرجت المرأتان ، الكبرى تحمل الولد والثانية مسكينة ، فلقيتا سليمان عليه السلام ، فالمرأة الصغرى اشتكت لسليمان قالت إن أباك حكم لهذه المرأة بالولد وهو ابني ، فقال سليمان عليه السلام ائتوني بسكين أقسمه نصفين فلا أعلم من أمه الحقيقية فكل واحدة تأخذ نصفه ، حينئذٍ شهقت المرأة الصغرى وقالت لا أريده أعطه لها فحكم به للصغرى .
هذه حيلة لجأ إليها سليمان ليكشف الحق وهذه مسالة فهوم .
وفي ساعات الواحد يمر عليه الدليل فيه معنى من المعاني خطر على بالك ، إن لم تدون هذه الفائدة في الحال ذهبت عليك ،.
ونحن نعرف الإنسان المفلح من غيره بمثل هذا ، وقد استفدنا هذا في الحقيقة من أئمتنا ، كعبد الله بن المبارك رحمه الله كان يقول:
أيها الطالب علمًا ائت حماد بن زيد __فاستفد حلمًا وعلمًا ثم قيده بقيد .
أي علم تستفيده قيده بقيد أي أكتبه ولا تتركه إلى الذهن فإن الذهن خوان من الممكن أن تتفلت منه المعلومة .
الإمام البخاري يوقد السراج في الليلة أكثر من عشرين مرة ، لماذا ؟ لأنه مشغول في استنباط أحكام خفية من أدلة قد لا يظهر لإنسان بادي الرأي مثلاً أن في الدليل هذا فيه دلالة على المسألة .
مثال ذلك: الإمام البخاري بوب على حديث لميمونة رضي الله عنها بقول (باب المنديل) أي أن الواحد عندما يتوضأ ينشف الوضوء أم لا ؟ المشهور أن أكثر حال النبي صلي الله عليه وسلم وهو المشهور عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان إذا توضأ كان لا ينشف ، إنما كان يفعل هكذا أي ينفض يديه من الماء لأنه من فضائل الوضوء أن ذنوب المرء تخرج مع قطر الماء أو مع أخر قطر الماء .
فأنت إذا توضأت والماء ينزل من أصابعك ومن لحيتك وغير ذلك ، فالماء النازل هذا ينزل وقد أخذت الذنوب التي ارتكبها الوجه مثلاً مثل العينين أو الأذن أو ارتكبتها اليد أو الرجل ، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان من عادته انه إذا توضأ كان ينفض يديه هكذا .
الحديث يقول أن النبي عليه الصلاة والسلام توضأ فدفعت إليه ميمونة رضي الله عنها خرقة أو منديلاً ينشف به ، فرده وجعل ينفض هكذا .
الشاهد من الحديث : استدل بعض أهل العلم أن في هذا الدليل دلالة على جواز أن ينشف المرء بعد الوضوء ,قال لو كان من عادته صلي الله عليه وسلم ألا ينشف أبدًا ما دفعت إليه ميمونة المنديل ، فمعني أنها تعطيه المنديل أي أنها رأته مرة قبل ذلك يتنشف ، فهذا معني قد لا يخطر للمستمع على بال
والأدلة الشرعية هكذا ، الدليل الواحد يمكن أن يخدم عشرة أو خمسة عشر حكمًا شرعيًا ، لكنه يحتاج إلى رجل سيال الذهن نافذ البصيرة ، دارس للأصول صح ، لكي يستطيع أن يأتي بظاهر النص ويستطيع أن يأتي بمفهوم النص .
الإمام البخاري كان في الذروة فهمًا وجلالة وسيلان ذهن :
فكان إذا خطر له ترجمة لحديث من الأحاديث أو فهم لحديث من الأحاديث كان يقوم على الفور ويكتبه ، استثمر الإمام اللحظات وكانت إغماءته كإغفاءة الطائر ، لا يكاد ينام حتى يخطر له ما يسطره فيوقد السراج ويقوم ليكتب هذه الفوائد ، رجل استثمر عمره .
ونحن اليوم نقول الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ، هل بيننا وبينه نسب ؟ هل بيننا وبينه شراكة ، بيننا وبينه تجارة ؟ أبدًا ، ليس بيننا وبينه أي شيء ، نحن الآن نذكر البخاري رحمه الله أكثر من أبائنا وأمهاتنا ونترضى ونترحم عليه وعلى الأئمة أكثر من أبائنا وأمهاتنا ، قبل أن يغادروا الحياة تركوا بصمة أنهم كانوا يعيشون في هذه الحياة .
هذا الرجل بعدما مات العمر الثاني وهو أن يذكر المرء بعد ما يموت ، لماذا ؟ استثمر رأس ماله استثمارًا صحيحًا فاستفاد بكثرة ترحم الناس عليه .
أبو يوسف صاحب أبي حنيفة رحمة الله عليهما:يقول أحد أصحابه واسمه إبراهيم ذهبت إليه أعوده فرأيته مغمىً عليه ، فلما أفاق قال يا إبراهيم ما تقول في مسألة كذا وكذا فقلت له يا أبا يوسف وأنت في هذه الحال ، رجل في النزع في آخر حياته ، أي في مرض الموت ، هل أنت حاضر الذهن أنك تأتي مسألة من مسائل العلم وتناقشني فيها .
انظر إلى الرجل الذي طوال عمره مشغول بالعلم ومشغول بخدمة المسلمين في تنقيح العلوم وإظهار الخفي من معانيها ، فقال يا إبراهيم لعله ينجوا بها ناجٍ .
هذه المسالة التي أتناقش معك فيها تحل إشكال بلد بأكملها أو تحل إشكال أنس كثيرون
ولا يلزم أن يكون في هذا العصر ، ممكن يأتي بعد عشرين سنة ، خمسين سنة ، مائة سنة .
نحن اليوم الأئمة الذين حلوا لنا إشكالات في النصوص من ثلاثمائة ، أو أربعمائة ، أو خمسمائة ، أو ستمائة سنة وأكثر من ذلك نحن الآن نستفيد من استنباطاتهم ،.
الإمام البخاري نستفيد من فهمه ، الإمام الشافعي ، الإمام أحمد بن حنبل ، الإمام مالك ، أبو حنيفة ، أبو يوسف ، محمد بن الحسن ، الشيباني ، إسحاق بن رهويه ، الأوزاعي ، سفيان بن عيينة ، سفيان الثوري ، أبو داود الظاهري ، أي واحد من هؤلاء الأئمة الذين كان لهم مذاهب مثل مذاهب الأئمة الأربعة لكن اندثرت وصارت حبيسة الكتب ، هؤلاء العلماء كانت لهم فهوم حلت لنا الآن المشاكل .
فهو يقول يا إبراهيم لما يقول له إبراهيم أفي هذه الحال ، قال لعله ينجوا بها ناجٍ ، ثم قال يا إبراهيم أيهما أفضل أن ترمي الجمار راكبًا أم ماشيًا ؟ فقال له راكبًا ، قال: أخطأت ، قال: ماشيًا ، قال أخطأت ، قال: فما تقول يا أبا يوسف ، وأبو يوسف هذا يموت في النزع ، قال: فما تقول يا أبا يوسف ؟ قال: إن كان سيدعو مثل إن كان يرمي الجمرات فيمر على الجمرة الصغرى يرميها ويدعوا ، يمر على الجمرة الوسطى يرميها ويدعوا ، ويصل إلى جمرة العقبة فيرميها وينصرف .
فيقول إذا كانت الجمرة مما يدعى بعد الرمي فالأفضل أن يكون ماشيًا وإن كان لا يدعو ولا يقف عندها فالأفضل أن يكون راكبًا وهذا رأي الإمام أبو يوسف ، وربما أخذ هذا الكلام أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يوم عرفه فأغلب فترته كان واقفًا يدعوا ، أي أن الوقوف إذا وقف المرء وهو يدعوا يكون أكثر تبذلاً وأكثر خشوعًا ، فربما يكون هذا هو رأي الإمام وليس القصد أننا نناقش القضية راكب أم ماشي ليس القصد ، لكن هذا كلام أبو يوسف رحمه الله .
قال إبراهيم فخرجت من عنده فما وصلت إلى باب داره حتى سمعت الصرخة عليه ، مات ، أي قبل أن يموت بدقائق ، الإمام يستثمر الأنفاس ويحرر المسألة ويقول لعله أن ينجوا بها ناجٍ .
عندنا إمام آخر ، وأنا أذكر لك أفضل من استثمر عمره ، لأن الجماعة الذين يضيعون أعمارهم فيما لا يفيد بل فيما يضر ، وأنا أتعجب والله مثلاً واحد يقعد أمام فيلم أو مسرحية ساعة أو ساعتين أو ثلاثة يرى المناظر المناكير أو أمام مباراة لكرة القدم خاصة لما تكون في كأس العالم ، مضيعين أعمارهم ويذهبوا إلى الإستاد يضيعون الصلاة .
في يوم الجمعة التي كسبت فيها مصر كأس أفريقيا ، من الصباح الإستاد ليس فيه مكان لإنسان من الصباح الباكر ، هؤلاء ضيعوا الجمعة والنبي صلي الله عليه وسلم يقول:( من ترك ثلاث جمع تهاونًا أسود قلبه ) ، كيف يضيع صلاة العصر مثلاً والنبي صلي الله عليه وسلم يقول:( من ترك صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله ) وتر أي صار وترًا .
واحد رجع إلى البيت وجد البيت محترق أهله كلهم موتى وماله كله فقده ، وهذا لمن يترك مرة صلاة العصر مرة واحدة وتر أهله وماله .
فلما يأتي إنسان يضيع عمره ، تطلع على القهاوي اليوم الخاصة بالنت وغير ذلك ، شباب قاعدين ليس لهم أي عمل إلا أن يدخلوا ليكلموا البنات ويعملوا حوارات وغير ذلك .
تذهب إلى الكورنيش أو إلى أي مكان تجد أمم طالعين يضيعون أعمارهم ، وأنا لا أقول بأنه لا يتفسح ، لا يطلع ، لا ، لكن كل شيء بقدر ، أنا أتكلم عن أناس هذا غالب حياتهم ، زهقان يقول أطلع أشم الهواء وضيع أربع أو خمس ساعات ، أنفق رأس ماله وبدده ولم يستفد .
نحن نقول أفضل من استثمر رأس المال أهل العلم ، لماذا لأنهم كانوا يعيشون في الدنيا وأعينهم تطل على الآخرة .
الإمام بن جرير الطبري رحمة الله عليه أبو جعفر: صاحب التفسير وصاحب التاريخ وصاحب كتاب تهذيب الآثار الذي لم ينسج على منواله .
مرة قال لأصحابه تنشطون لكتابة التفسير قالوا له في كم ورقة يكون ؟ قال في ثلاثين ألفًا ورقة وهذه سيمليها من حفظه ، فقال تلامذته هذا مما تفنى دونه الأعمار ، فقال بن جرير إنا لله ماتت الهمم فأملاه في ثلاثة ألاف ورقة .
ثم قال لهم يومًا تنشطون لكتابة التاريخ من لدن أدم عليه السلام إلى زماننا ؟ فقالوا في كم ورقة يكون ؟ قال في ثلاثين ألفًا ، قالوا هذا مما تفنى دونه الأعمار ، فقال إنا لله ماتت الهمم ، كيف تفنى الأعمار ؟ ما هو الرجل الذي قال لك أنا أمليك في ثلاثين ألف ما فني عمره وهو الذي جمع وهو الذي رتب وهو الذي تعب ، وأنت فقط تكتب ما يمليه عليك ، ومع ذلك قالوا هذا مما تفنى دونه الأعمار ، قال إنا لله ماتت الهمم ، فأملاه في مثل حجم التفسير في ثلاثة ألاف ورقة .
أما كتاب تهذيب الآثار فكتاب بديع المثال وحتى لا أشرد لكن لعلي إن شاء الله إذا أتت مناسبة ونحن نتكلم عن بعض تراجم البخاري ويكون بن جرير أخرج هذا الحديث في تهذيب الآثار سنبين أيضًا فقه الإمام بن جرير لأنه كان له مذهب مثل مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وكان اسمه المذهب الجريري ، والإمام بن جرير الطبري إمام مجتهد مطلق .
وأخيرا ونحن عندنا نماذج للذين استثمروا أعمارهم وكيف استثمروها سنقف معهم وقفة حتى نساعدك على استثمار رأس مالك .

hakimnexen 22 - 5 - 2011 12:13 PM

الإمام حماد بن سلمه: الذي كنت سأذكر خبره قبل خبر الإمام البخاري رحمه الله ، حماد بن سلمه هذا أحد الأئمة الكبار ذكروا في ترجمته أنه لو قيل له القيامة غدًا لا يقدر أن يزيد في عمله شيئًا ، استوفى أقصى ما عنده من جهة الذكر ، من جهة العبادة ، من جهة حفظ العلم ، من جهة تبليغ العلم ، لو قيل له القيامة غدًا لا يقدر أن يزيد في عمله شيئًا .
نذكر أيضًا بعض النماذج من الأئمة الذين استثمروا أعمارهم عالم وهو:
بن عقيل الحنبلي وكان يقول( إنه لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري حتى إذا كلٌ لساني عن مناظرة وبصري عن مطالعة استطرحت فأعمل فكري حال استطراحتي فلا أقوم إلا وقد خطر لى ما أسطره حتى أنني أختار سف الكعك وتحسيه بالماء على الخبز لأجل ما بينهما من التفاوت في المضغ .)
فالمسألة عنده إسكات كلب الجوع وليست مسالة استطعام أو غير ذلك ، لا حتى أنني اختار سف الكعك وتحسيه بالماء على الخبز لأجل ما بينهما من التفاوت في المضغ .
بن الجوزي: تكلم في أكثر من موضع من كتاب له اسمه صيد الخاطر ، وصيد الخاطر هذا من أعمل فكري حال استطراحتي ، يصطاد كل ما يأتيه خاطرة معينة فيها إفادة فيها تجربة كان يكتبها ، فكتب أكثر من خاطرة في هذا المعني فيقول كثير من الناس يأتي ويقول لك أنا مشتاق إليك وحشتني وأريد أن أزورك ، فيضيعون لي وقتي ، فلو أنا قلت لهم لأ ، وأغلقت الباب الناس تغضب ولو أنا فتحت الباب ضيعت عمري ، فماذا أعمل في هذه الورطة ؟
فقال: جهزت أعمال لا تحتاج إلى فكر وأول ما يأتي هؤلاء الناس أبدأ أعمل في هذه الأعمال ، مثل قطع الكاغد ، الورق ، هو يحتاج إلى ورق ذات حجم معين أو يقسم الورقة نصفين فيقول أول ما يأتون هؤلاء الجماعة أعمل في قطع الورق أو بري الأقلام مثلاً أو تحزيم الدفاتر ، أحزم الكتب وأضعها هنا أو أنقل أرفف المكتبة أو أعمل أي حاجة ، فهذه حاجات أنا لازم أعملها بطبيعة الحال وفي نفس الوقت لا تحتاج إلى فكر ، فكان مجهز هذا العمل لهؤلاء الذين يأتونه ويشتكون من لوعة الشوق ، كل هذا حفاظًا على وقته

دقاتُ قلبُ المرءِ قائلةٌ له
إن الحياةَ دقائقٌ وثواني

فهؤلاء استثمروا أعمارهم ، نظر إلى رأس المال ، وعلم أن سعادته وشقاوته في الدنيا مبنية على استثمار حياته وإن الفاجر ليقف على شفير النار يوم القيامة فيقول:( يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي )[ الفجر:24] ، ويعير بطول العمر الذي أنفقه وضيعه ولم يستفد منه قال تعالي:( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾ [فاطر: 37] .
أي ما عذرك أو لم نعمرك وطال عمرك والنبي صلي الله عليه وسلم يقول:[ أعذر الله إلى امرئ بلغه ستين سنة ] ، وأعذر أي قطع عذره ، أنت وصلت ستين سنة ثم أتيت مفلسًا ، لماذا ؟ ماذا كنت تعمل ؟ .
قال بعض العلماء: في تفسير قول الله عز وجل:( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ) ، النذير في هذه الآية ( وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ) قالوا هو الشيب .
رجل دب الشيب إلى لحيته وإلى مفرقه ولا يتنبه وكلما خرجت شعرة بيضاء يصبغها ، فهذا نوع من الغفلة ، الشيب نور المؤمن وإنه يذكر الإنسان أنه ما هي إلا خطوات ، والناس تكره الشيب ولا تحبه ، لماذا ؟ نوع من الغفلة كما قال أنس بن مالك رضي الله عنه والحديث صحيح والمصدر الذي أذكره الآن في مسند أبي يعلى هذا اللفظ (أنه قال لثابت وقتادة وجماعة من أصحابه أو لستم تكرهون الشيب إنكم تصبغونه أو لستم تكرهونه وذلك لأنه يذكر الإنسان بأن شمس حياته أوشكت أن تغيب.
ويحضرني الآن أبيات لعلي بن جبلة من أحسن الأبيات في الشيب .
علي بن جبلة عمل حوار ما بين الشيب وواحد ، جعل الشيب إنسانًا يتكلم والرجل الذي غزاه الشيب غزا لحيته أو غدا رأسه الطرف الثاني في الحوار فيقول:
ألقي عصاهُ وأرخى من عمامتهِ
وقال ضيفٌ فقلت الشيبُ قال أجل.
فقلت له أخطأتَ دار الحي قال
وَلِم قلتُ لك الأربعون التمُ ثم نزل

الشيب ( ألقى عصاهُ وأرخى من عمامتهِ وقال ضيفٌ ) وفتح له الثاني _الرجل الذي نزل به الشيب_ وعندما نظر إليه قال( فقلت الشيبُ قال أجل)فقال له الرجل صاحب البيت(أخطأتَ داراَ الحي )( أي أنك نزلت مكان ليس بمكانك مازلت صغير السن ومازال عمري أربعون عاماً في أول الكهولة اذهب لشخص بلغ من العمر الستين أو سبعين عاماً كي تُبيض له رأسه ولحيته (قال ولِم قلت لكَ الأربعونَ التمُ )أي أنك بلغت الأربعين التمُ ولم ينتظر أن يأذن له ثم نزل قال صاحب الدار(فما شجيتُ لشيءٍ ما شجيتُ له* كأنما اعتم منه مفرقي بجبل)_ المفرق_ الرأس
يقول بمجرد نزوله رغماً عني وقال( لكَ الأربعونَ التمُ ) لم ينتظر حتى آذن له نزل من ركوبته وجلس في البيت ( أي علي رأسه لأنه شيب) يقول (فكأنما اعتمَ منه مفرقي بجبل) أي كأنه لما لبس رأسي كأني حملت جبلاً فوق رأسي لأن الشيب نذير المرء .
لماذا نكره الشيب لأننا نكره الموت كما في حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين لما قال النبي_ _: ( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ) فقالت عائشة يا رسول الله كلنا يكره الموت ، فقال:( لا إن العبد المؤمن إذا كان في إدبار من الدنيا وإقبال على الآخرة رأى ما أعده الله له فأحب لقاء الله فأحب الله لقاءه وإن العبد الفاجر إذا كان في إدبار من الدنيا وإقبال على الآخرة نظر إلى ما أعده الله له فكره لقاء الله فكره الله لقاءه ) .

انتهي الدرس الخامس


الساعة الآن 11:11 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى