منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   قصص بأقلام الأعضاء (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=6)
-   -   طفل وزنبقه (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=16170)

المفتش كرمبو 22 - 5 - 2011 03:11 PM

طفل وزنبقه
 
طفل وزنبقه
طفل وزنبقه
توقفت قدماه عن المسير .. انضغط في اللحظة .. تمسمر ..تداخلت كل الأشياء .. تعلبت واستطالت الأحلام .. التفاتاته تتسارع بديناميكيه مذهله .. صدى خطوات متباعدة .. انزلقت ركبتيه لهاوية سحيقة .. نز العرق غزيرا من مختلف أنحاء جسده .. رعب قاتل .. وساوس واخيله ممهورة بعذابات مازالت حتى اللحظه .. ود لو يجرع إبريقا من الماء البارد .. يلتقط أنفاسه بصعوبة بالغه .
"لابد أنهم "
هو ابن العاشرة .. طفل يخبئ حكايته بين إبطيه ويرتحل معها هناك .. طفل قادر على التمازج مع القهر ومعاشرته بكل سهوله .. يلاعب الشطان والرمال والأصداف .. يرسم بإصبعه الناري بداياته ونهاياته .. يحمل صندوقه الصغير وينتقل من زاوية لأخرى .. تتهيج عضلاته الطرية .. يمسح عرقه بابتسامه باهته .. قميصه المهترىء يدفعك بقوة لااراديه لان تفتش عن إحساسك الذي غادرك للتو .. ان تبصق على ذاتك وتعاتبها بلهجة غاضبه .. قطع الحلوى والبالونات الملونة تأخذ حيزا من صندوقه المنسدل بحبل رفيع
"لابد أنهم "
إحساس شعر به واللقيمات الصغيرة تتلاحق مندفعة إلى معدته "عادة اكتسبها قهرا حتى يستطيع اللحاق بالموعد"
قبل رأسها بحنان بالغ .. احتضن الشعيرات البيضاء ..سمع صوتها "الله يسهل عليك ياولدى "
واندلق إلى الشارع المترب ووجهها النوراني بوصلته نحو الحياة وكلماتها زادة وقوته .. يحملهما ساعات طوال حتى لحظه اللقاء
"هو" يقف متمترسا أمام البوابة الزرقاء .. يسبح ببصرة نحو أشجار الكستنا المنتشرة في ساحتها .. مدرسه ابتدائية عشقها ذات يوم وغادرها بكل رجولة
"هو " يقبع منذ عشر سنوات فى سجن نفحه الصحراوي .. نفحه الصمود والتحدي .. حاول المحتل أن يكسر إرادتنا فجعل زنازينه في باطن الأرض
"هو" يرقد بين ذراعيها وقطرات الندى تغبش الرؤية ودموعها الحارة تنسكب فوق وجهه الملائكي وعقارب الساعة تتمدد نحو الرابعة فجرا وباصات الصليب الأحمر تستعد للانطلاق ليلتقي الاحبه والمقهورين والغاضبين واصطكت عجلاتها بالإسفلت الأسود إلى هناك
"هو" بأعمدته الموغلة في الفضاء الفلسطيني اعتباطا ينتزع قطعه من الأرض ليرقد فيها أبناء الأرض في غرف ترفض شمسنا الفلسطيني هان تصلهم هناك وتصر أن تستقبلهم بين أهاليهم ومحبيهم .. غرف تنخر برودتها عظامهم لتزرع زهرات حنون تنتشر في الفيافي والامكنه .. غرف أذن الله أن تحمل حكاياتهم وحلمهم نحو الأمل
سجن نفحه يكتبنا ونكتبه .. نختزله أسطورة ويختزلنا أبطال واهزوجه نصر
"احمد عبد الرحيم "ووشوشات أجهزة اللاسلكي تفزعه وهو مازال يرقد بين ذراعيها ونظراته تدور في محجريهما ورائحة غريبة تتسلل إلى انفه .. انزاح الشال قليلا ولأول مرة
"هو" بشاربه الكث وعيونه الواسعة وجبهته العريضة وابتسامته المعبرة .. صورته اندمجت في خلاياه ومسامات عقله وجعلته كما هو الان
"اسمع ياصابر أريدك رجلا"
عقارب الزمن توقفت عن الدوران ..اغرورقت عينية بالدموع وطارت أحلامه لحقيبة ودفتر وقلم
واقتربت اللحظة بكل عنفوانها وكما هي العادة كل يوم , ماان تقترب الساعة نحو الحادية عشر حتى تنفجر الأرض عن مجموعه من الصبية يحملون حجارتهم المقدسة لينهالوا بها نحو مركزا للاحتلال محاذيا للمدرسة .. تعلو الأصوات
" بيعوا وأنا اشتريه وباطخ اليهودي فيه " " هبوا هبوا ياثوار وعلى الجيش بالحجار " وأيضا تعلو أصوات الطلقات المطاطية والبلاستيكية , ويختفي الصبية كما جاءوا ويركض الجنود خلفهم
"لابد أنهم "
"هو " تجاوز العاشرة بقليل والساعة تغط بنوم عميق وتأبى ان تنهى دورتها .. أحس بعطش شديد وهناك شاهد شعرا يقتل الأبيض الأسود .. وظهر بزاوية حادة يلتصق بحائط زال دهانه واستبدل بقعا سوداء وماكينه تديرها بيد مرتجفة ودموع لازمته حتى نهايته
تلك الليلة أحس بعذاب يقهره ويمزجه بقوة غريبة .. دموعها ذبحت طفولته البريئة وجعلته رجلا كما أراد "هو " هناك .. انتصب شامخا .. ماردا .. عنقاء فلسطينيه .. قرر بكل مايملك من قوة "حتما اكتسبها من سجن نفحه " أن يمسح حزنها .. أن يعيد لشعرها سواده .. أن يشدد من يدها المرتجفة .. نعم سوف يترك الدراسة وينزل إلى الشوارع يبحث عما يقتات به .. ومن اجلها وحدها
بهدوء غريب وحذر شديد يتسلل صابر نحوها .. يطوق رأسها بيديه الصغيرتان .. يلثمه بعطف .. ترتجف من قوة اللحظة وشدتها .. تتلافى عيونهما وتنهمر انهار حب مقدسه .. يرتعش وكلماته تهتز وتتشنج
"امى أريد أن أكون رجلا تنفيذا لرغبه رجلا هناك "
حاول أن يلتفت .. يستدير .. دخان القنابل المسيل للدموع تعبق الأجواء برائحة كريهة .. الجنود يركضون في كل الأنحاء والحجارة تنهال من كل الامكنه والاسلحه الاتوماتيكيه تستعد للانقضاض نحو هدف متحرك والهراوات يطل منها الحقد والكراهية .. تمتم بصوت خافت
"لابد أنهم "
اشترت له صندوقا صغيرا وقطع من الحلوى والبالونات الملونة
"الله يسعد صباحك "
صاحب المطعم الوحيد الذي يبيع ساندويتشات الفلافل والتي تبدو على سيماة الطيبة والكرم , بحب شديد وضعها في صندوقه وانطلق بصوته الرفيع يملا الشوارع الضيقة
"الواجب قبل الحب "
تعلمها من منبع الحنان ومصب الرومانسية والعطف .. أن تحب فهذا شيء جميل , وواجبه نحوها أقدس
وأحصى نقوده القليلة وهو يقف أمام بائع الكباب والرائحة الذكية تتسرب لمعدته فتعتصرها ألما وتنقله إلى مائدة عامرة بأصناف اللحوم وهى تجلس بثوبها الفلاحى المطرز وشعرها الفاحم يتطاير مع الريح .. وانساحت دموعه مقهورة وبائسة وتنهد بعمق
" لو كلن معنا لجنبنا كل هذا الشقاء"
المطاردة مازالت مستمرة ولم يبق سوى مائه متر .. قفز بركه مياه عفنه .. همس "خمسون مترا " واصل المنزل .. لهث من التعب وانساب عرقه غزيرا فبلل قميصه .. هاهو البيت .. ثلاثون مترا .. هاهي ترفع ذراعيها .. ابتسامتها تدفعه للارتماء بين ذراعيها والذوبان فى حنانها .. الأصوات تعلو وتعلو .. وجهها المشرق كهالة مضيئة تتسع لتنير حدود الزمان والمكان .. "سوف اخبرها " .. طلقات سريعة .. رصاص كثيف .. البيت يقترب ويقترب .. تتعثر خطواته وتهتز ..لتتماسك ياصابر من اجلها وحدها .. يجب أن تنتصب على قدميك لتواصلا المشوار معا .. لاتنحنى أيها الرجل الصغير فهو أرادك رجلا وسندا لها .. عليك أن تتشبث بالحياة لينهزم الموت تحت أقدامك .. هي تهرول وشعرها يتطاير مع هبات كانون والرياح المسافرة إلى نفحه الصمود
هو يسقط مرغما .. يتدحرج صندوقه الصغير .. تبتعد بالوناته الملونة .. تختلط حلواه بتراب الشارع المترب .. أحس بآلام مبرحه .. سخونة .. خيط من الدم .. زحف نحوها ببطء شديد .. زنبقه صفراء كان قد وضعها هذا الصباح داخل صندوقه واحتاجها الآن .. امسكها بشغف بالغ .. احتضنها وضمها إلى صدره
وشاهدها هي تعدو نحوه وبكل الخوف , وقبل أن تغيب الأشياء .. اغرق إصبعه بدمه القاني وخط على صفحه الشارع
"احبك يا ......."
وسقط مضرجا بدمه الأحمر القاني
7/6/1991

حنان عرفه 22 - 5 - 2011 03:44 PM

حكاية فلسطينية
أطفال يكبرون قبل الأوان
يحملون هموم الوطن في صدورهم
يحلمون بالعودة لأحضان أمهاتهم
وغدرا يتلقون رصاصات تغتال أحلامهم
أطفال حُرموا اللعب بالعرائس والالعاب
تعلموا كيف يكونوا رجالا ومازالوا في أحشاء أمهاتهم
عزيزي
قصة رائعة جدا
تعكس واقع تعيشه كل اسرة بفلسطين
ونحن لانملك غير أضعف الإيمان
قلوبنا معكم
دام حرفك

روح الياسمين 22 - 5 - 2011 10:32 PM

تلك الليلة أحس بعذاب يقهره ويمزجه بقوة غريبة .. دموعها ذبحت طفولته البريئة وجعلته رجلا كما أراد "هو " هناك .. انتصب شامخا .. ماردا .. عنقاء فلسطينيه .. قرر بكل مايملك من قوة "حتما اكتسبها من سجن نفحه " أن يمسح حزنها .. أن يعيد لشعرها سواده .. أن يشدد من يدها المرتجفة .. نعم سوف يترك الدراسة وينزل إلى الشوارع يبحث عما يقتات به .. ومن اجلها وحدها

اقبل هذه الطفولة التي تتفاعل في حياتها مثل الرجال وتكبر قبل تفتح الزهور
تحياتي لك يا مفتش كرمبو على قلمك الكبير

جمال جرار 22 - 5 - 2011 11:58 PM

اسلوبك السردي من اروع ما قرأت
سلمت الايادي اخي المفتش كرمبو وبانتظار قلمك ان يجود علينا بمثل هذه الجماليات

B-happy 23 - 5 - 2011 12:05 AM

حاول المحتل أن يكسر إرادتنا فجعل زنازينه في باطن الأرض

ولن يكسرها ما بقي طفل فلسطيني على ارض فلسطين
سلمت الايادي على قلمك الاكثر من رائع وعلى حكايتك التي جعلتني اعيش المشهد
تحياتي لك

سما 23 - 5 - 2011 12:27 AM

من اروع ما قرات هنا
بورك بهذا القلم الذي يسطر عن طفل فلسطين ومأساته وبورك الدم الفلسطيني الذي اشبع تراب فلسطين ورواها عزة وكبرياء
سلمت الايادي على القصة مفتش كرمبو

shreeata 23 - 5 - 2011 01:01 AM

لفلسطين باقة من الحب الابدي
لكل طفل فلسطيني
ارق زهرة من بستان الحرية
لك اخي كرمبو
اجمل الكلمات التي
لا تعطيك حقك على روعة القصة
سلمت مبدع

المفتش كرمبو 23 - 5 - 2011 01:54 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حنان شوقي (المشاركة 144200)
حكاية فلسطينية
أطفال يكبرون قبل الأوان
يحملون هموم الوطن في صدورهم
يحلمون بالعودة لأحضان أمهاتهم
وغدرا يتلقون رصاصات تغتال أحلامهم
أطفال حُرموا اللعب بالعرائس والالعاب
تعلموا كيف يكونوا رجالا ومازالوا في أحشاء أمهاتهم
عزيزي
قصة رائعة جدا
تعكس واقع تعيشه كل اسرة بفلسطين
ونحن لانملك غير أضعف الإيمان
قلوبنا معكم
دام حرفك

حنان
نزفت هنا وجعا
عايشته ذات يوم
احلامنا تسافر كطائر الوروار تحملنا اليها هناك
الاسلاك تمتد نحو افق كان لنا
دمت بود

المفتش كرمبو 23 - 5 - 2011 01:57 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة روح الياسمين (المشاركة 144278)
تلك الليلة أحس بعذاب يقهره ويمزجه بقوة غريبة .. دموعها ذبحت طفولته البريئة وجعلته رجلا كما أراد "هو " هناك .. انتصب شامخا .. ماردا .. عنقاء فلسطينيه .. قرر بكل مايملك من قوة "حتما اكتسبها من سجن نفحه " أن يمسح حزنها .. أن يعيد لشعرها سواده .. أن يشدد من يدها المرتجفة .. نعم سوف يترك الدراسة وينزل إلى الشوارع يبحث عما يقتات به .. ومن اجلها وحدها

اقبل هذه الطفولة التي تتفاعل في حياتها مثل الرجال وتكبر قبل تفتح الزهور
تحياتي لك يا مفتش كرمبو على قلمك الكبير

نكبر ونتبرعم على حافه وجع
نغرق بلزوجه الطين
ونبقى
دمت بود

المفتش كرمبو 23 - 5 - 2011 02:03 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جمال جرار (المشاركة 144317)
اسلوبك السردي من اروع ما قرأت
سلمت الايادي اخي المفتش كرمبو وبانتظار قلمك ان يجود علينا بمثل هذه الجماليات

منذ ثلاثه وستون وجع
نسرد حكايتنا
نتمحور معها
نتماهى فى كل المقاطع المقبركه
و
دمت بود


الساعة الآن 11:45 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى