منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   القسم الإسلامي (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=21)
-   -   دروس وعبر من الإسراء والمعراج (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=17068)

أرب جمـال 28 - 6 - 2011 11:59 PM

دروس وعبر من الإسراء والمعراج
 
دروس وعبر من الإسراء والمعراج لفضيلة الشيخ القرضاوي

الإسراء هو الرحلة الأرضية التي هيأها الله لرسوله (صلى الله عليه وسلم) من مكة إلى القدس.. من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.. رحلة أرضية ليلية، والمعراج رحلة من الأرض إلى السماء، من القدس إلى السموات العلا، إلى مستوى لم يصل إليه بشر من قبل، إلى سدرة المنتهى، إلى حيث يعلم الله عز وجل..


هاتان الرحلتان كانتا محطة مهمة في حياته (صلى الله عليه وسلم) وفي مسيرة دعوته في مكة، بعد أن قاسى ما قاسى وعانى ما عانى من قريش. وقد هيأ الله تعالى لرسوله هذه الرحلة، الإسراء والمعراج، ليكون ذلك تسرية وتسلية له عما قاسى، وتعويضاً عما أصابه ليعلمه الله عز وجل أنه إذا كان قد أعرض عنك أهل الأرض فقد أقبل عليك أهل السماء، إذا كان هؤلاء الناس قد صدّوك فإن الله يرحب بك وإن الأنبياء يقتدون بك، ويتخذونك إماماً لهم،
كان هذا تعويضاً وتكريماً للرسول (صلى الله عليه وسلم) منه عز وجل

** ** ** ** ** * **


الصلاة

معروف أن الصلاة فُرِضت في تلك الليلة العظيمة، نحن نعلم في عصرنا أن الدولة حينما تريد أمراً مهماً تبلغه سفيرها، ولا تكتفي بأن ترسل إليه رسالة في الحقيبة الدبلوماسية، إنما تستدعي السفير ليحضر بنفسه، والنبي صلى الله عليه وسلم هو سفير الله إلى خلقه ولله المثل الأعلى، فالله استدعى سفيره إلى خلقه وأُسري به ثم عُرِج به إلى سدرة المنتهى، وهناك فُرِضت عليه هذه الصلوات الخمس.


فكل العبادات فُرِضت في الأرض والصلوات فرضت في السماء، هذا دليل على أهمية هذه العبادة وهذه الفريضة أو هذا الركن من أركان الإسلام، وهو بقية هذه الرحلة البقية العملية الباقية، يعني هو معراج كل إنسان مسلم، المعراج الروحي أو الإيماني ليرقى به إلى الله تبارك وتعالى، كأن الرسول جاء معه بهدية من تلك الرحلة العظيمة، هذه الهدية لكل مسلم هي الصلاة ليعبد بها الله تبارك وتعالى فالصلاة هي معراج لكل مسلم، فإذا كان النبي (صلى الله عليه وسلم) قد عرج به إلى السموات العلا، فلديك يا أخي المسلم معراج روحي تستطيع أن ترقى به ما شاء الله عز وجل، بواسطة الصلاة التي يقول الله تبارك وتعالى فيها في الحديث القدسي: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال عبدي: الحمد لله رب العالمين قال الله تعالى حمدني عبدي، فإذا قال الرحمن الرحيم، قال تعالى أثنى علي عبدي، فإذا قال مالك يوم الدين قال الله تعالى مجّدني عبدي، فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين، قال الله تعالى هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم إلى آخر الفاتحة، قال الله تعالى هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.


اقرأ أيضا:


الإسراء والمعراج.. دروس وعبر

كان المسجد الأقصى قيمة حيّة في وجدان المسلمين الأوائل؛ خاصة في المرحلة المكيّة؛ إذ كان قبلتهم، رغم أن الكعبة الحرام كانت قائمة بين ظهرانيهم.

***
وكانت زيارة المسجد الأقصى هي حلقة الوصل بين عهدين في عمر الدعوة الإسلامية؛ فما قبل الإسراء كانت مرحلة الاستضعاف، وما بعد الإسراء كانت مقدمات فعلية لمرحلة التمكين والدولة والخلافة.
***
وكان المسجد الأقصى هو المحطة التي لابد منها ليعرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الأرض إلى السماء.
فقد أراد الله أن يرفعه مكانًا عليًا، ويريه من آياته، وليفرض على الأمة ركن الصلاة ؛ فلما شاء الله ذلك؛ لم يكن من بقعة تحل لذلك سوى بيت المقدس؛ فكان الإسراء كرحلة أفقية تمهيدية للوصول إلى القاعدة المقدسة؛ ومنها تبدأ الرحلة الرأسية الكبرى إلى السماء؛ إلى سدرة المنتهى إلى ما علم الله!
***
هكذا كان المسجد الأقصى حلقة الوصل بين السماء والأرض.
وكان المكان الذي جمع الله ُ فيه الأنبياء صفوفًا مؤتمين بمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
وإنما جعل الإمام ليُؤتم به، وما صلى بهم إلا بإذن الله، فقد رضي الله أن يكون الإسلام مهيمنًا على الدين كله وعلى الشرائع كلها.
" وَلاَ يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِى بَيْتِهِ"، فهو مسجده كما أن مسجد المدينة مسجده، وهو مسجد الأمة الإسلامية كما أن المسجد الحرام مسجد الأمة الإسلامية.
صلى بهم إمامًا وفيهم إبراهيم جده؛ وما محمدٌ إلا رسولٌ أحيا الحنيفية السمحة من موات، فبات هو الوريث الشرعي لها في عصر العلو الوثني.
صلى بهم إمامًا وفيهم موسى كليم الله، ولن يستنكف موسى بن عمران أن يكون جنديًا من جنود محمد، قال الصادق المصدوق ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "لَوْ أَنَّ مُوسَى -صلى الله عليه وسلم- كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلاَّ أَنْ يَتَّبِعَنِى" [أحمد: 15546، حسنه الألباني في الإرواء:1589].
صلى بهم إمامًا وفيهم عيسى، روح الله، وهل النصرانية الحقة إلا أناجيلَ دفنها عبادُ الصليب؛ فاستخرجها اللهُ تعالى على يد محمدٍ ـ صلى الله عليه وسلم ـ . آيات بينات هنَّ أمُّ الكتاب؛ جمعت ـ بين دفتي المصحف ـ تعاليم الإنجيل، وأحكام التوراة، ومزامير الزابور، ووصايا الصحف الإبراهيمية ...
صلى بهم، ويأبى الله أن يصلي بهم غير ابن عبد الله.
صلى بهم، ويأبى الله أن يكون المسجد الأقصى لغير هذه الأمة، أو يكون تحت سلطان غير هذه الملة.
***
وكانت رحلة الإسراء لهدفٍ سامق عظيم؛ أشار إليه ربنا في أول آية من سورة الإسراء: " لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ".
وقد أكد هذا الهدف في سورة النجم ـ التي أشارت إلى رحلة المعراج ـ، فقال تعالى:
{لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}النجم18
ولِـمَ يريه من الآيات الكبرى، وعجائب الكون، والمواعظ الصارخة ؟
ألم تكفِ آيات القرآن، وما يُتلى في بيوت النبوة من الحكمة والموعظة الحسنة ؟
{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}الإسراء1
كأن الله أراد أن يختزل تعاليم المرحلة المكية في هذه الرحلة.
كأن الله أراد أن يكرم نبيه في نهاية المرحلة المكية، في رحلة لم تذق نفسٌ بشريةٌ معشار ما في هذه الرحلة من لذة، لم ولن تتكرر في تاريخ الكون.
وهي بمثابة الرحلة التربوية التأهيلية لتهيئة نفس الداعية للانتقال إلى مرحلة الدولة والتمكين، فلا دولة إلا بقومة، ولا تمكين بلا تربية..
***
كما أتت هذه الرحلة الروحانية الجسمانية في إطار سلسلة الجرعات التربوية التي جرعها الداعية العظيم؛ إذ بدأ بخلوة التفكر والتحنث في غار حراء، ثم رحلة قيام الليل الطويلة في دار الأرقم ومكابدة العمل التنظيمي السري خلال المرحلة السرية، ثم رحلة الدعوة الجهرية وما فيها من مشقة على النفس، ومكابدة لأجلاف الأعراب، وصعاليك العرب، وبذاءات ذوي السلطان، وإيذاءات أصحاب المصالح الشخصية ... ومرحلة المعسكر التقشفي والسجن والحصار في شِعب أبي طالب فذاق النبيُ الكريمُ مرارةَ العيشِ، وقسوةَ الشظف، وشدة الجَعْف، وطول السغب، وخشونة الضفف، واستمر تحت وطأة مجاعة حقيقية مدة ثلاث سنوات كوامل، خرج منها إلى عام الحزن حيث فقد العم والزوج، ثم انتقل بمفرده في رحلة دعوية إلى الطائف؛ فذاق فيها من الإيذاء والعذاب ما لم يذقه مذ بدأ دعوته إلى الله.
ثم كانت رحلة الإسراء والمعراج؛ المعجزة، العجيبة، التي لم تستغرق ساعة؛ بل التي لم تلبث هنيهة، وكان ما حصّله فيها النبيُ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستغرق قرونًا وقرونًا.. كانت هذه الرحلة الكريمة المترعة بالآيات الكبرى ـ وجبة تربوية مكثفة، اشتملت على العديد والعديد من المشاهد الرهيبة التي تقشعر منها الجلود من هول وقعها؛ كرؤية مصائر الزناة، وخطباء الفتن، ومضيعي الأمانات، ومانعي الزكاة، وآكلي الربا وناهبي أموال اليتامى، ثم تُوجت هذه الرحلة المباركة بالتاج المحلى والقدح المعلى .. بالصلاة التي هي عماد الدين، التي هي أسمى وشيجة بين العبد وربه، ولتظل الصلاة نفحة المعراج الخالد التالدة؛ وليدين كُل مسلمٍ بالفضل والعرفان لهذه الرحلة المباركة، وليقف المسلم حول تعاليم الإسراء وقفة تأمل وتدبر بين الفينة والأخرى.
***
وإليك ـ يا قارئي الحبيب ـ بعض أخبار المعراج كما ورد في بعض صحيح السنة؛ مع بعض التهذيب، مع عنونة أدخلتُها على النصوص، مع تعليق قصير للاستفادة التربوية :
تهيئة قبل الرحلة
قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " بَيْنَمَا أَنَا فِي الْحَطِيمِ، [وَرُبَّمَا قَالَ فِي الْحِجْرِ] مُضْطَجِعًا إِذْ أَتَانِي آتٍ [هو جبريل] فَقَدَّ ... فَشَقَّ مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ، [يعني من ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ]، فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ، مَمْلُوءَةٍ إِيمَانًا، فَغُسِلَ قَلْبِي، ثُمَّ حُشِيَ ثُمَّ أُعِيدَ"[البخاري: 3598].
قلتُ: وهي عملية تهيئة لتحمّل وطأة هذه الرحلة، كما هيأه اللهُ من قبل في صغره بحادث مماثل، هو حادث شق الصدر.
البراق
" ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ الْبَغْلِ، وَفَوْقَ الْحِمَارِ... يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ، فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ" [البخاري:3598].
قلتُ: هكذا خلق الله ـ تعالى ـ لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيوانًا مخصوصاً، بمواصفات مخصوصة، لرحلة مخصوصة، وهو من باب التكريم؛ فكما يحمل المضيف ضيفه على مركب كريم، كان الله ـ وله المثل الأعلى ـ هو أكرم الكرماء إذْ حمل نبيه على هذا المركب النوراني العجيب؛ الذي لم يُخلق مثله من قبل!
السماء الدنيا ولقاء آدم
"فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَاسْتَفْتَحَ فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ ! فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ ! فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا فِيهَا آدَمُ، فَقَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالابْنِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ ! "[البخاري: 3598].
قلتُ: وتبدأ سلسلة سباعية في الترحيب من الملائكة الكرام، وقد كانوا في انتظار مبعثه، وكأنما جبلهم الله على حب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فهو في الأرض أحمد، في السماء محمد؛ عند الملائكة الكرام معروف محبوب.. والتقى النبي الأول بالنبي الخاتم، وهكذا تفتخر البشرية بمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ افتخارًا وتكريمًا جاء على لسان أبي البشر آدم :" مَرْحَبًا بِالابْنِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ" .. فنِعْم الابن هو ! ونعم النبي هو ـ صلوات الله وسلامه عليه أبد الآبدين ودهْر الداهرين ـ!
السماء الثانية ولقاء يحيى وعيسى
"ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ ! فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ ! فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، إِذَا يَحْيَى وَعِيسَى، وَهُمَا ابْنَا الْخَالَةِ، قَالَ: هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى، فسَلِّمْ عَلَيْهِمَا، فَسَلَّمْتُ، فَرَدَّا، ثُمَّ قَالا: مَرْحَبًا بِالأخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ" [البخاري: 3598].
وتواصلتْ مسيرةُ التكريم، كلما دخل على رهط من الملائكة، قالوا: "مَرْحَبًا بِهِ ! فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ !".. سعدتْ به السماء، وضاقت به الأرض، احتفى به أهل السماء، وتبرم له أهل الأرض..
والتقى بيحيى وعيسى ـ عليهما السلام ـ، وكان الترحاب والسلام، ثم تجاوزهما إلى السماء الثالثة.
السماء الثالثة ولقاء يوسف
" ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ! فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ ! فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ؛ إِذَا يُوسُفُ، قَالَ: هَذَا يُوسُفُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بالأخ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ"[البخاري: 3598].
وتواصلتْ الرحلة ... وما زالت فعاليات حفل التكريم مستمرة!
السماء الرابعة ولقاء إدريس
"ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ، قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ ! فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ ! فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِلَى إِدْرِيسَ؛ قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بالأخ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ " [البخاري: 3598].
رتبة فوق رتبة، ونبينا يرقى ويرقى..
السماء الخامسة ولقاء هارون
" ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ :نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ ! فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ ! فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا هَارُونُ، قَالَ: هَذَا هَارُونُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بالأخ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ" [البخاري: 3598].
تاقت إليك السماء، صلى الله عليك.. ولكأنما كانت في انتظارك منذ أن خلقها الله.
السماء السادسة ولقاء موسى
" ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ مَنْ مَعَكَ ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ: نَعَمْ، قال: مَرْحَبًا بِهِ ! فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ ! فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا مُوسَى، قَالَ: هَذَا مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بالأخ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ، بَكَى، قِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ ؟ قَالَ: أَبْكِي لأنَّ غُلامًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي!"[البخاري: 3598].
وبكاء موسى كان من باب التنافس في الخير، كان من باب علو الهمة وقوة العزم، وطموح النفس إلى المحل الأعلى، والمجد الأسمى، والمكان الأرفع, والرتبة الأنجع، ولا أعظم من ميدان الدعوة إلى الله ؛ خير ميدان للتنافس وخير حلبة للتسابق، وكان بكاؤه ـ أيضًا ـ من باب التعجب من فضل الله تعالى على محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ،رغم أن موسى كان كليم الله، وعاش 120 سنة، وكان شيخ أنبياء بني إسرائيل.
السماء السابعة ولقاء إبراهيم
" ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ ! فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ ! فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: هَذَا أَبُوكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلامَ، قَالَ: مَرْحَبًا بالابن الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ "[البخاري: 3598].
وهكذا التقى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بجده، شيخ التوحيد، كاسر الأوثان، مكرم الضيفان، خليل الرحمن.
[والملاحظ أن الأنبياء الذين التقى بهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانوا مصريين كموسى وهارون، أو عاشوا بمصر فترة من الزمن كعيسى ويوسف].
إلى سدرة المنتهى
"ثُمَّ رُفِعَتْ إِلَيَّ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، فَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلالِ هَجَرَ، وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ، قَالَ [جبريل]: هَذِهِ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى "[البخاري: 3598]
وهكذا يتواصل التكريم؛ ويرى النبيُ ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذه الشجرة العجيبة التي لم يرها إنسانٌ قط ولا جان.
شجرة عظيمة أنبتها الله بالكيفية التي شاء، حية قائمة شامخة كما أراد، ولم يتمكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من وصفها لعظم بهائها وجمالها، وهو الذي أُوتي جوامع الكلم، والذي قدر عليه من وصفها أنه أشار إلى أن ثمارها يشبه القلال الضخمة التي كانت تُصنع في البحرين في زمنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وأن ورقها تشبه في رسمتها آذان الفيلة..
وقد قال الله تعالى فيها:
" عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17)" [النجم].
أربعة أنهار
" وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ؛ نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَانِ يَا جِبْرِيلُ، قَالَ: أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ: فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ"[البخاري: 3598].
وأرى أن هذه الأنهار إشارة معنوية كما كان إناء اللبن الذي شربه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إشارة معنوية على هداية الأمة المحمدية.
والإشارة المعنوية التي أراها والتي ترنو إليها رؤية النهرين الباطنين والنهرين الظاهرين هي التمكين للأمة الإسلامية والمكانة العلية لها في الدنيا والآخرة، فرؤية النهرين الظاهرين هو مُلك أمة الإسلام الذي سيتجاوز النيل والفرات، ورؤية النهرين الباطنين هو الملك العظيم لهذه الأمة في الجنة والذي سيتجاوز نهرين كبيرين فيها، والله أعلم.
البيت المعمور
" ثُمَّ رُفِعَ لِي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ"[البخاري: 3598].
وهو بيت عبادة الملائكة في السماء، كما أن الكعبة بيت عبادة البشر في الأرض، ولذلك ورد في الصحيح أنه بيتٌ "يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا فِيهِ آخِرُ مَا عَلَيْهِمْ " [مسلم: 429], لاشك.. يتعدبون فيه لله تعالى لا يفترون.
إناء من لبن
" ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ؛ فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ: هِيَ الْفِطْرَةُ الَّتِي أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ"[البخاري: 3598].
هي الفطرة التي امتن الله بها على هذه الأمة؛ أنْ أنزل لهم شريعةً صافية صفاء اللبن لا غبش فيها ولا تحريف، وفيه بشارة من الله تعالى أن هذا المنهج العظيم لن ينحرف عن الفطرة ما دامت السماوات والأرض، قال تعالى :
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}الحجر9
فرض الصلاة
"ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَا أُمِرْتَ، قلت: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي ـ وَاللَّهِ ـ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ "[البخاري: 3598].
وكان فرض الصلاة هو ذروة التكريم، فرضت بعد سدرة المنتهى، وبعد البيت المعمور، وبعد حفلات الاستقبال الملائكية ..
ليعود رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من رحلة المعراج بنفحة من المعراج؛ نفحة يعرج فيها المؤمنون إلى الله ربهم في اليوم خمس مرات.
وكانت النصيحة من موسى بالذات لمكانته وقرب عهده؛ فشريعته هي الشريعة التي سبقت الإسلام مباشرة، وهو النبي الذي عالج أقسى النفوس، وأرذل المخلوقات، وأسوأ الشخصيات، وأوسخ الطبائع، وأغدر الناس، وأجبن الناس ـ اليهود.
فإذا هو ـ عليه السلام ـ ينبري في إيجابية؛ لينصح أخاه خاتم الأنبياء؛ وكان في كل مرة يقول له: " إِنِّي ـ وَاللَّهِ ـ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ ".
التخفيف
" فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ، فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ، فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ، فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ؛ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ! قَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنِّي أَرْضَى، وَأُسَلِّمُ ... فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَى مُنَادٍ: أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي"[البخاري: 3598].
وكلٌ من تقدير الله، فالرحلة رحلة رحمة لمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولأمته.
وهذا ليعرف المسلم فضل الصلاة، وأهمية الصلاة؛ إذ فرضت في السماء وسواها في الأرض، وفرضت في المرحلة المكية وسواها في المدنية..
هي الركن الذي إذا أضاعه المسلم ضاع معراجه، وحبله، وغذاء روحه، وشفاء نفسه.
هي الركن الذي يفرق بين المسلم وغيره، والدين وغيره، والبيت وغيره، والمجتمع وغيره، والبلد وغيره.
فلا يكون المسلم مسلمًا دون صلاة، ولا يكون الدين قائمًا دون صلاة، ولا يكون البيت مسلمًا دون صلاة، وكذا المجتمع والحكومة والدولة.
وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أئمة الجور، عندما قال الصحابة :
" أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ؟".
قَالَ ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " لا، مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلاةَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلاتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ، وَلا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ" [مسلم: 3447].
نفحات أخرى
"وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئًا، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً" [مسلم: 234].
قال ابن مسعود: " فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ثَلَاثًا: أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئًا الْمُقْحِمَاتُ" [مسلم: 252].
أي: مَنْ لَقِيَ الله لا يُشرك به شيئاً غَفر له المُقْحِماتِ، أي الذنوبَ العِظامِ التي تُقْحِمُ أَصحابها في النار.
العودة
وعاد رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من هذه الرحلة الكريمة؛ نشيط النفس، شاكرًا متحمسًا، يخبر قومه بما شاهده؛ فكذبوه، وطالبوه أن يصف لهم المسجد الأقصى، فأظهره الله لنبيه كما البث المباشر! قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
" لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الْحِجْرِ فَجَلا اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ؛ فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ" [البخاري: 3597].
وزاده الله من فضله أنْ أظهر له علائم أخرى على صدقه؛ مثل إخباره ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن حال عير قادمة من الروحاء، وأخرى قادمة من الأبواء، فأقام عليهم الحجة البيضاء.
ومع ذلك جحدوا، وكفروا كفرة صلعاء، وتنكروا لهذه الآيات؛ التي لو جاء بها نبيٌ لكفى بها أدلة على صدق نبوته. ومع ذلك كذّبوا وقالوا: سحر مستمر، كما كان حالهم في معحزة كبيرة أخرى حصلت في المرحلة المكية جديرة بالدراسة؛ هي معجزة انشقاق القمر له ـ صلى الله عليه وسلم ـ حينما طلبوا منه ذلك، ونزلت سورة القمر لذلك. وهو أمرٌ يبين لك أن الجاحدين لن يقبلوا الدين مهما سُقت لهم من أدلة. كما قال الفراعنة لموسى ـ عليه السلام ـ: {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ}الأعراف132.
توصيات عملية
1 ـ اعلم دومًا أن مع العسر يسرا، ولو كان العسر في قعر بئر لنزل إليه اليسر حتى يخرجه، وأن الميسرة بعد الأمر المخوف، وعند اشتداد الشدة تكون الفرجة، وعند تصاعد الأزمة يكون الرخاء, وأن مفتاح باب الفرجِ الصبرُ، والدَّهرُ لا يبقى على حاله، وتلك الأيام يداولها الله بين الناس.
2 ـ طالع قصص الأنبياء، واستذكر جيدًا قصة إبراهيم، وموسى، ويوسف، وعيسى.
3 ـ اقرأ تفسير سورتي الإسراء والنجم، ودوِّن دروسهما في كراسة.
4 ـ التأكيد على إسلامية المسجد الأقصى، والحديث مع الناس عن إمامة الأمة الإسلامية لجميع الأمم، وسرد أحداث الإسراء والمعراج، ومعركتنا مع اليهود حول هذا المسجد، والنهاية الحتمية لهذه المعركة.

حنان عرفه 29 - 6 - 2011 12:08 AM

موضوع رائع أرب وكل عام وانت بخير
ليلة الاسراء والمعراج لها قيمتها الدينية الكبيرة وعندنا في مصر نحتفل بها
والكثير يصوم هذه الليلة طاعة وتقربا لله سبحانه وتعالى
ولقد قرأت هذا الرد عن قيام وصيام هذه الليلة
الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج
ما حكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج , وهي ليلة السابع والعشرين من رجب ؟.




الحمد لله
" لا ريب أن الإسراء والمعراج من آيات الله العظيمة الدالة على صدق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى عظم منزلته عند الله عز وجل ، كما أنها من الدلائل على قدرة الله الباهرة ، وعلى علوه سبحانه وتعالى على جميع خلقه ، قال الله سبحانه وتعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الإسراء/1 .
وتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عرج به إلى السماوات ، وفتحت له أبوابها حتى جاوز السماء السابعة ، فكلمه ربه سبحانه بما أراد ، وفرض عليه الصلوات الخمس ، وكان الله سبحانه فرضها أولا خمسين صلاة ، فلم يزل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يراجعه ويسأله التخفيف ، حتى جعلها خمسا ، فهي خمس في الفرض ، وخمسون في الأجر , لأن الحسنة بعشر أمثالها ، فلله الحمد والشكر على جميع نعمه .
وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج ، لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها لا في رجب ولا غيره ، وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث ، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها ، ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات ، ولم يجز لهم أن يحتفلوا بها , لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يحتفلوا بها ، ولم يخصوها بشيء , ولو كان الاحتفال بها أمرا مشروعا لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة ، إما بالقول وإما بالفعل , ولو وقع شيء من ذلك لعرف واشتهر ، ولنقله الصحابة رضي الله عنهم إلينا ، فقد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم كل شيء تحتاجه الأمة ، ولم يفرطوا في شيء من الدين ، بل هم السابقون إلى كل خير ، فلو كان الاحتفال بهذه الليلة مشروعا لكانوا أسبق الناس إليه ، والنبي صلى الله عليه وسلم هو أنصح الناس للناس ، وقد بلغ الرسالة غاية البلاغ ، وأدى الأمانة فلو كان تعظيم هذه الليلة والاحتفال بها من دين الله لم يغفله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكتمه ، فلما لم يقع شيء من ذلك ، عُلِمَ أن الاحتفال بها ، وتعظيمها ليسا من الإسلام في شيء وقد أكمل الله لهذه الأمة دينها ، وأتم عليها النعمة ، وأنكر على من شرع في الدين ما لم يأذن به الله , قال سبحانه وتعالى في كتابه المبين من سورة المائدة : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ) وقال عز وجل في سورة الشورى : ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) .
وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة: التحذير من البدع ، والتصريح بأنها ضلالة ، تنبيها للأمة على عظم خطرها ، وتنفيرا لهم من اقترافها .
ومن ذلك : ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) وفي رواية لمسلم : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يوم الجمعة : ( أما بعد , فإن خير الحديث كتاب الله , وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم , وشر الأمور محدثاتها , وكل بدعة ضلالة ) زاد النسائي بسند جيد : ( وكل ضلالة في النار ) وفي السنن عن العرباض بن سارية رضي الله عنه أنه قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون , فقلنا : يا رسول الله كأنها موعظة مودع , فأوصنا , فقال : ( أوصيكم بتقوى الله , والسمع والطاعة , وإن تأمر عليكم عبد , فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا , فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي , تمسكوا بها , وعضوا عليها بالنواجذ , وإياكم ومحدثات الأمور , فإن كل محدثة بدعة , وكل بدعة ضلالة ) والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، وقد ثبت عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعن السلف الصالح بعدهم ، التحذير من البدع والترهيب منها ، وما ذاك إلا لأنها زيادة في الدين ، وشرع لم يأذن به الله ، وتشبه بأعداء الله من اليهود والنصارى في زيادتهم في دينهم ، وابتداعهم فيه ما لم يأذن به الله ، ولأن لازمها التنقص للدين الإسلامي ، واتهامه بعدم الكمال ، ومعلوم ما في هذا من الفساد العظيم ، والمنكر الشنيع ، والمصادمة لقول الله عز وجل : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) والمخالفة الصريحة لأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام المحذرة من البدع والمنفرة منها .
وأرجو أن يكون فيما ذكرناه من الأدلة كفاية ومقنع لطالب الحق في إنكار هذه البدعة : أعني بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج ، والتحذير منها ، وأنها ليست من دين الإسلام في شيء .
ولما أوجب الله من النصح للمسلمين ، وبيان ما شرع الله لهم من الدين ، وتحريم كتمان العلم ، رأيت تنبيه إخواني المسلمين على هذه البدعة ، التي قد فشت في كثير من الأمصار ، حتى ظنها بعض الناس من الدين ، والله المسؤول أن يصلح أحوال المسلمين جميعا ، ويمنحهم الفقه في الدين ، ويوفقنا وإياهم للتمسك بالحق والثبات عليه ، وترك ما خالفه ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه " .




فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله .

جمال جرار 29 - 6 - 2011 12:22 AM

اعلم دومًا أن مع العسر يسرا، ولو كان العسر في قعر بئر لنزل إليه اليسر حتى يخرجه، وأن الميسرة بعد الأمر المخوف، وعند اشتداد الشدة تكون الفرجة، وعند تصاعد الأزمة يكون الرخاء, وأن مفتاح باب الفرجِ الصبرُ، والدَّهرُ لا يبقى على حاله، وتلك الأيام يداولها الله بين الناس.
مشكورة ارب وبارك الله بك على الموضوع
مشكورة اختي حنان على ما اضفتيه علما ان وزارة الأوقاف عندنا تحتفل بهذه المناسبة وقد احتفلت مساء هذا اليوم بمناسبة الاسراء والمعراج!

بنت الأردن 29 - 6 - 2011 12:43 AM

جزاكم الله الخير وكل عام والامة الاسلامية بخير

اشراقة شمس 29 - 6 - 2011 02:21 AM

جزاكم الله كل الخير
مشكورين على الموضوع

الغراب الأسود 29 - 6 - 2011 02:56 AM

يعطيكم العافية وبارك الله بكم

shreeata 29 - 6 - 2011 03:38 AM

جزاك الله عنا كل خير
وجعله في ميزان حسناتك
رائعة
تحيات لك

زوج السيدة المدير 29 - 6 - 2011 03:23 PM

جزاكم الله الخير وبارك الله بكم

ايمن جابر أحمد 6 - 7 - 2011 11:40 AM

سلمت أناملك وحفظك الله من كل سوء على الطرح الأكثر من رائع أختي أرب
القصة بأحداثها والغايات التي تتضمنها
أذكر نفسي وأخواني
بالصلاة ثم الصلاة
بارك الله فيك



الساعة الآن 01:56 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى