منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   مواضيع ثقافية عامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=67)
-   -   الثقافة الخلاقة والثورة (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=17275)

ايه مروان 11 - 7 - 2011 12:47 AM

الثقافة الخلاقة والثورة
 
الثقافة الخلاقة والثورة ـــ د.عفيف بهنسي
عندما نتحدث عن ثقافة معاصرة فإن هذا يعني الحديث عن ثقافة ثورية، ذلك أن العصر الذي نعيش يقوم على تغيير متفجر في المفاهيم والظروف والتطلعات، بينما قامت العصور الخالية على مفاهيم التطور الطبيعي، والثقافة إذا كانت وسيلة الإنسان إلى فهم الحياة، فإن هذه الوسيلة لا بد أن تصبح منسجمة مع الهدف قادرة على مجاراته وفك رموزه وفتح الآفاق نحو منظوراته المختلفة. ومن المؤسف أن واقع الثقافة في البلاد العربية ما زال متخلفاً عن تطور الحياة، على الرغم من أن الأرض العربية لم تصل بعد إلى مستوى الحياة في القرن العشرين إلا أنها وهي تتجاوز كثيراً من العقبات لكي تعوض التخلف الذي لحقها، فإن الثقافة الثورية هي المناخ الصحيح السليم الذي يمكن أن يتعايش مع التقدم السريع الذي تمارسه الأمة العربية في كثير من المجالات.‏
ولكن الثقافة إذا كانت وسيلة، فهي تختلط بالهدف أيضاً عندما تكون خلاقة تضيف إلى الحياة كسباً جديداً، وتغني الإنسانية بمعين إضافي طارف. فالحياة ليست مستقلة عن الإنسان، وفهم الإنسان للحياة يعني فهمه لذاته، والخلق الثقافي يعني زيادة في حجم الوجود الإنساني وزيادة في حجم الحياة.‏
والحق أن الثقافة ليست مجرد عملة نتداول بوساطتها الخدمات الحياتية، بل هي المعارف ذاتها التي نمارس بوساطتها الوجود الواعي والحضاري، وبين هذه المعارف ووجودنا علاقة سببية متبادلة، فلا يكاد يكبر الأول حتى ينعكس حجمه على الآخر.‏
ولكن ثمة خلل واضح في تناسب الثقافة العربية مع الوجود الحضاري العالمي، فلقد امتدت آثار التقدم العلمي والتقني والفكري المذهل خلال هذا القرن إلى جميع أنحاء العالم وعاش الناس جميعاً على اختلاف ظروفهم في عصر المتناهيات، المتناهي في الصغر، والمتناهي في الكبر والمتناهي في المدى.‏
ولكن الثقافات استمرت تتنامى ضمن إطارها القومي، ولم يكن لها أن تتداخل مع غيرها من الثقافات، لأنها بذلك تفقد خصائصها وتعيش تابعاً لغيرها. ولأنه لا يوجد ما يسمى بالثقافة العالمية، بل مجموعات من الثقافات القومية تحدد مستوى العصر، فإن ازدهار ثقافة ما يعني إغناء لهذا العصر، ومع أن من المصلحين الثقافيين من رأى خطأ أن إصلاح الخلل بين الثقافة والوجود الحضاري هو في انتماء الثقافة القومية إلى الثقافة المتقدمة، فإن هذه الدعوة تتعارض جوهرياً مع طبيعة الثقافة التي يجب أن تبقى قومية تأخذ جذورها من الأصول الفكرية والفنية للأمة وتنمو في مناخ الحياة الاجتماعية والسياسية وفي مناخ الطموحات الشعبية.‏
والسبيل الوحيد لجعل الثقافة القومية بمستوى العصر المتفجر هو جعلها ثورية. وما الثقافة وهي حصيلة فعالية الإنسان في نطاق العقل والطبيعة. فالثقافة هي حرفة وعلم ومكتسبات مطلقة ونسبية إلى جانب كونها تفاعل مستمر مع الطبيعة. وليس الإنسان المثقف مجرد حيز لاستيعاب المعارف بل هو مفاعل لتحويل هذه المعارف إلى وسائل توسع مفهوم الإنسان عن الحياة.‏
أما الثورة فهي نزوع مستقبلي طموح يكثف الجهد الإنساني لبناء حضارة الإنسان وإلى تكريس هذه الحضارة وجعلها حية باستمرار. ولكن الثقافة والثورة تعرضنا إلى ظروف صعبة حرفت حقيقتها، ومن أخطر هذه الظروف هو (القمع).‏
فالثقافة من حيث هي فعالية في نطاق العقل والطبيعة لم تتمتع بممارسة إنسانية كاملة، فالعقل كان في حالة استلاب في ظروف النظام الفلسفي الميتافيزيقي وفي حالة قمع في ظروف النظام اللاهوتي، وفي عصرنا الحالي يخضع العقل لظروف الإنتاج الآلي الصناعي.‏
أما الطبيعة فلقد كانت أمام أحد اتهامين، إما أنها مضادة للعقل كما اتهم الرومانسيون والمثاليون، وإما أنها متطرفة في الارتواء، كما تم بالنسبة لبعض المثقفين الذين عبروا عن ممارسة متطرفة للحرب والحب واللذة والتمرد.‏
وتعرضت الثورة أيضاً لحركة قمعية رجعية في حقيقتها ولكنها تعلن دائماً عن غيرتها على التراث وعن دعوتها المستمرة إلى تأصيل الثقافة. ولكن لا بد من تحليل يغني الثورة والثقافة كما يبدو لنا، فالثورة في حد ذاتها نزوع مستقبلي طموح يكثف الجهد الإنساني ويقرب المسافة إلى حضارة الإنسان. أي أن الثورة ليست تفسيراً لحركة انفعالية تجابه حدثاً أو واقعاً سيئاً، بل هي أسلوب في الحياة يرتبط أكثر فأكثر بمعنى الإنسان المتحرك الفاعل، كما يرتبط بصورة أقوى بمفهوم الزمان المتغير باستمرار. والإنسان من حيث هو النموذج الزمني المشخص مطالب بتكثيف وجوده وبمعنى آخر هو مطالب بالتحرك المستمر باتجاه مستقبل أكثر بعداً واتساعاً من الحاضر أو من الماضي، وهذا التحرك الفعال المسؤول هو شكل الثورة ومضمونها، ملتحمين متداخلين.‏
وهكذا فإن الثورة ليست شعاراً نظرياً منفصلاً عن الإنسان وإرادته وطموحه، بل هي الوجود الجديد للإنسان في مجتمع يتجدد باستمرار.‏
والحق أن الفارق بين الماضي والتراث يكاد يكون ضعيفاً جداً، ولقد سبب هذا الاختلاط بينهما غياب الأصالة عن الثقافة.‏
وثمة دعوة تجلت في بداية القرن الماضي في أوروبا تدعو لإحياء الماضي الرصين الرائع، الكامن في الثقافة الكلاسيكية الإغريقية الرومانية وجعله نبراساً للثقافة الحاضرة، وقال هيغل في هذا المجال: "لا يمكن لأي هوميروس أو سوفوكلس، أو لأي دانتي أو أريستد أو شكسبير أن يظهر مجدداً في عصرنا هذا، فما غنوه بهذه العظمة، غنوه حتى النهاية، وما قالوه بهذه الحرية قالوه حتى النهاية".‏
لقد فهمت الثورة على أنها تحطيم للقيم وعلى أنها نقمة ضد الأصالة، ولعلها مورست على هذا الشكل أحياناً، فكان رد الفعل شديداً وغاشماً في استنكاره لمفهوم الثورة إطلاقاً. ولكن الرؤية السليمة لمفهوم العصر الحديث توضح لنا مفهوم الثورة. فلم يكن هذا العصر هداماً متشائماً ولم يكن منقطع الجذور. بل هو عصر تتسارع فيه المستحدثات والاختراعات بصورة شاقولية ويقف الإنسان المنتسب لهذا العصر وراء هذا التسارع كما يقف في قمته، أما الإنسان المثقف الذي يقف على أعتاب هذا العصر فإنه ما زال يفتقر إلى الهوية الثورية التي تساعده على دخول هذا العصر.‏
والثقافة الثورية موقف يتجاوز فيه الإنسان الظروف الرجعية والسكونية كما يتجاوز فيه جميع وسائل الكبت والقمع، لكي يساهم في الكشف عن أسرار الوجود ويجد معنى الحياة.‏
ونفهم من هذا أن الثقافة الثورة إذا كانت تحدياً للقيم الثابتة وللمؤسسات القمعية، فإن هدفها من وراء ذلك ليس مجرد التحدي والتهديم بل الخلق والتجديد. وهذا الخلق والتجديد هو جوهر الثقافة.‏
وإذا نظرنا إلى هذه المعاني من زاوية جديدة، فإنا نرى الثقافة والثورة متلازمين، كل واحد شرط للآخر وصفة لازمة، فالثورة هي موقف ثقافي بناء، والثقافة هي ممارسة ثورية بناءة.‏
إن جعل عالم الثقافة عالم بلا إرغامات كما يقول ماركوز والذي يرى أن حرية الارتواء ضرورية لخلق حضارة جديدة تقوم على الحب وعلى ممارسة نوع من التصعيد الذاتي البعيد عن ضغوط القمع. هذا العالم المتحرر من الإرغامات التي خلقت منذ القديم حالات العوز ونقصان النضج، يقتضي فرض إرغامات جديدة لحماية نظام قائم على الحرية، فهل يعني هذا أن الثقافة لا يمكن أن تبقى حرة إذا كانت مرغمة على ممارسة نوع من الحرية. بل يبقى المثقف في حالة انسلاب وتعليق.‏
وجوابنا أن الإرغام على الحرية لا يمكن أن يكون خارجياً وإلا فإن الحرية تفقد معناها، بل إننا إذا أردنا استعمال كلمة غير الإرغام، أو الإرغام الذاتي، فإن الالتزام الطوعي لممارسة الحرية يمكن أن يضمن استمرار الصفة الثورة في النشاط الثقافي.‏
ويبقى الوعي هو المنظم للحرية، والإنسان الواعي هو القادر على تحديد اتجاه حريته متنقلاً من موقف إلى آخر بمنطق ثوري ينزع عن الحرية الصفة الإرغامية محتفظاً فيه بصفاته التي تربط الحرية بالحياة والإنسان والواقع.‏
على أنه لا بد إلى جانب الوعي من ممارسة التخيل المبدع الذي يعطي الثقافة روحاً فنية وأدبية لأن العقل في الثقافة يمارس في حد ذاته سلطة قمعية كانت محل اعتراض دائماً، أما التخيل فهو إذ يحمل من الحقيقية مالا يتناسب مع العقل، فإنه يبقى أداة معرفة، لأنه يتضمن حرية الرفض لتحقيق التكامل بين الإنسان والطبيعة.‏
والتخيل هو سبيل الخلق في الثقافة بينما الوعي هو سبيل استيعاب المعرفة، ولا بد للثقافة من أن تقوم على الوعي والتخيل، على العقل والطبيعة. وهذا ما جعلنا نطلق على الثقافة صفة الخلق لتميزها عن الثقافة السكونية، الثقافة المنفعلة.‏
إن الهدف الأساسي للثقافة هو خلق وجود حضاري إنساني، وهي بهذا المعنى تبقى مرتبطة بمجموعة إنسانية معينة، ترتبط بتراثهم وواقعهم وآمالهم، ليس ارتباط تبعية بل ارتباط مسؤولية يحملها مهمة القيام بدور بناء في مجال المحيط الذي يعيش ومن خلال المشاكل والتطلعات التي يمارسها، فالثقافة الخلاقة أو الثقافة الثورية تعني التحرك الفعال المستمر في مجال المسؤولية الواعية، فهي أسلوب متجدد في الحياة وليست وسيلة، وهي مرتبطة عضوياً بآلية التطور والبقاء والارتقاء، وتتجه الثقافة الثورية إلى بناء الإنسان المعاصر، أي الإنسان المنتمي إلى العصر، وإلى تحريره من جميع الأفكار القبلية والإيديولوجيات الثابتة، ومن جميع المؤسسات القمعية التي تجمد فاعليته وتكبت مقدرته على التحرك والخلق، وتسعى إلى خلق مجتمع سيد قادر على المبادهة والمشاركة في البناء والعمل، متحرر من روح الخنوع ومن استمرار العبودية والاستغلال ومن الكسل والاتكالية والجهل.‏
والثقافة الثورية تتجه إلى الضمائر لتنمي لديها قيما جديدة كما يقول غيفارا، ولتربي فيها الحوافز الإنسانية والقومية لزيادة الإنتاج الحضاري ورفع مستواه.‏
ولعل أهم ما تسعى إليه الثقافة الثورية هو إمداد الثقافات العالمية بمنجزات فكرية وفنية وأدبية جديدة تغني الحضارة الإنسانية وتزيد من مكتسبات العصر، بينما تسعى الثقافة السكونية إلى الاستيراد والنقل، وتمثل الثقافات الوافدة، مما يشوه الثقافة القومية.‏
ولقد قامت الثورة الثقافية في الصين لتقضي على فكرة استيراد الثقافات الأجنبية مما يسمى بسياسة (المائة زهرة). ولكننا هنا في جزء من البلاد العربية، ما زلنا ندعو إلى النقل والاستيراد والترجمة دون الاهتمام الجدي والعلمي بتشجيع البحث والإنتاج الثقافي الخلاق.‏
وثمة ما يعني الثقافة الثورية في بناء الإنسان هو تمييز الناس بحسب عملهم وإنتاجهم وإبداعهم، الذين يعملون والذين لا يعملون. إن مهمة الثقافة الثورية أن تنهي عهد الكسالى العقيمين والطحالب، المستغلين للثقافة، وأن تمسح آثارهم في تخلف المجتمع، وأن تدعم دور المبدعين والمستقبلين.‏
وإذا كانت الثقافة الثورية ثقافة من أجل الناس، من أجل حريتهم وكرامتهم ومستقبلهم فإنها تتجه أيضاً لنقض أخلاق الخنوع والذل وللفضاء على سلوك العنف والجريمة، لتبني أخلاق الحب والتضحية وأخلاق الثقة والطموح، ولتقوي علاقات الناس فيما بينهم وتدعم بناء الأسرة وتنظم الحياة الاجتماعية على أساس العدالة والحرية والفرح.‏


أرب جمـال 18 - 7 - 2011 04:15 PM

فالثقافة هي حرفة وعلم ومكتسبات مطلقة ونسبية إلى جانب كونها تفاعل مستمر مع الطبيعة. وليس الإنسان المثقف مجرد حيز لاستيعاب المعارف بل هو مفاعل لتحويل هذه المعارف إلى وسائل توسع مفهوم الإنسان عن الحياة.‏
أما الثورة فهي نزوع مستقبلي طموح يكثف الجهد الإنساني لبناء حضارة الإنسان وإلى تكريس هذه الحضارة وجعلها حية باستمرار. ولكن الثقافة والثورة تعرضنا إلى ظروف صعبة حرفت حقيقتها، ومن أخطر هذه الظروف هو (القمع).‏

شكرا على الطرح وعلى وجهة نظر الكاتب التي نحترمها

الامير الشهابي 20 - 7 - 2011 01:05 AM

الثقافه الخلاقه والقمع الخلاق الذي نلمسه يوميا وكأنهما يسيران في سباق
فكلما علا الصوت بأدب الحوار كبرت الهروات واساليب القمع للاسف
بارك الله فيك أخت غزل هذا الموضوع الذي عبر فيه الكاتب عن رؤية
خاصه والواقع فاضح ..
المرجع التصفح في شريط المواضيع
19/7

shreeata 20 - 7 - 2011 01:39 AM

موضوع رائع وجميل
سلمت
تحيات لك

B-happy 14 - 8 - 2011 11:31 PM

شكرا لك على موضوعك الرائع

طرح موفق

تقديري واحترامي

بانتظار مواضيعك الهادفة

ابو فداء 3 - 12 - 2011 12:26 PM

وجهه نظر الكاتب تنسجم مع ما يدور في الخفاء و
أشارك أخي الأمير الشهابي على رده القوي وبصلب الموضوع
ثوره خلاقه
ربيع عربي
شرق اوسط جديد
مصطلحات لا نسمعها الا بما يخص الوطن العربي
وبلاد الغرب بها العدل والمساواه وأستقرار الحكم
جميل ما نقلتي أختي
مشكووره

بنت بلادي 31 - 12 - 2011 02:39 AM

طرحك في منتهي الروعه والفائده

في انتظار جديدك


ودمت بكل خير





الساعة الآن 03:27 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى