منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   واحة الأدب والشعر العربي (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=199)
-   -   «عربة قديمة بستائر» لـ غسان زقطان (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=19145)

المفتش كرمبو 17 - 10 - 2011 02:12 PM

«عربة قديمة بستائر» لـ غسان زقطان
 



http://alhourriah.org/user_files/new...o/00270610.gif

ثلاثون سنة لم تكن كافية للنسيان. الأرض والذكريات المدفونة في ترابها والمعاناة لا تنفك تنغل فيه مذ كان ولداً حليق الرأس، لامع العينين، خاضعاً لنظام مدرسي صارم، إلى لحظة وقوفه الصامت في مقبرة دير«السان جورج» كأيقونة أرثوذكسية مدللة. يريد البحث عن أثر غابر، عن صورة رتيبة لمياه تتساقط في العتمة، لكن المشهد صامت، فتسيطر العزلة على حوادث الرواية كحال اللاجئين قهراً إلى خارج فلسطين.تداخل متقن بين القسوة والاندهاش يجتمع بلا عفوية في «عربة قديمة بستائر» (الأهلية للنشر والتوزيع) للشاعر والكاتب الفلسطيني غسان زقطان.
كل شيء مقصود: اختيار الأمكنة، شخوص الرواية غير المترابطين، الغموض، العبثية، وأيضاً المتاهات. البطل ليس واضح المعالم، يلاحقه القارئ مقنعاً بضمير الغائب (هو) صفحات عدة، حتى يقتفي أثره وإنما بشيء من الصعوبة. هو زكريا، و«زكريا» اسم قريته المحتلة منذ العام 1948. لا يحمل الاسم فقط، وإنما تداعياته وارتكازاته. «هناك» حيث تتضارب الذكريات أبعد من صفحات الرواية.كل ما في المشهد له دوره في السياق، حتى تلك الصورة الباهتة المعذبة التي كانت مرمية في أدراج البيت. تثقل المعاني كاهلها وترديها منهكة وباهتة ومغلقة على صبرها العجيب. فكيف هي إذاً حال البشر في كل بقعة من بقاع فلسطين (أو ما بقي منها بعد الاحتلال؟)، لعلها ليست أفضل حالاً من تلك الصورة المنكوبة.ست ساعات هي مدة تصريح المرور من غزة إلى رام الله، الذي حصل عليه من إسرائيل في خريف العام 1994 ليجد أن كل شيء كان مختلفاً.
كان تصريح الزيارة الذي حصل عليه لأمه أشبه بمعجزة استغرق اكتمالها شهوراً طويلة من الركض والملاحقة، وكمية هائلة من الوثائق والأوراق والإثباتات والصور والكفالات، والاستعانة بأصدقاء متنفذين والإفادة من نصائح المجربين وأصحاب الخبرة. وكان هاجس أن تموت أمه قبل أن تتمكن من رؤية قريتها أو بقايا قريتها، يدفعه نحو خوف قدري عميق لم يخل من الإحساس بالذنب، فيضطر مرغماً إلى الخضوع لـ«أشباح»التصاريح التي تتكاثر وتتفرع بحيث تشكل شبكة تغطي الحياة في ما يشبه «نظاماً»غامضاً ومتداخلاً عبر سلسلة لانهائية من التعليمات والشروط والإشارات العشوائية التي تراكمت في المكان، وبقيت حية وقادرة على تخطيط حركة الناس ورغباتهم.
تواطؤ صامت، في مشهد متلعثم، هي حالك يا فلسطين. طوابير بشرية لا تعرف النهايات، وجوه عسكرية جامدة يفترشها النمش، واجهات زجاجية تزيد من عزلة المكان، علاقة مشروخة ومشوهة مع جنود«غرباء»، منتشرين في كل مكان، عيونهم شاخصة، موجهة، حواسهم يقظة، أذهانهم قلقة، يعيشون الخوف من أنفسهم ومن الآخر، ويعيشون أيضاً رهبة المكان والخوف من الخسارة والهزيمة.
نقرأ: «كان يحب أن يفكر «بهم» على الجسر كما «هم» مجموعة من المراهقين الديوك ومراهقات كئيبات ونافدات الصبر يمثلون إمبراطورية شرسة ومحتلة، كل ذلك كان متكئاً على أنهم سيرحلون يوماً، ولن يعود حينها ممكناً أن يراهم وهم يتقافزون مثل الجنادب في ممرات «المعبر» وفضاءاته، لذلك، أيضاً ولأنه فكر دائماً على مثل هذا النحو، كان يمكن احتمالهم".حكايات داخل الرواية، يرويها الكاتب على ألسنة شخوص يتألمون يجمعهم عذاب لا يرحم، وموت لا يستثني أحداً. يقول على لسان هند، المرأة التي تضحك من شدة المعاناة وتدخن كثيراً من مرارة الألم، وهي تروي حكاية موت أمها: «الوحشة التي أحاطت بها غلبتني، ليس موتها، ولكن انعزالها هناك، وانزواء جسدها واستسلامه المخيف لنحوله». تتماهى هذه العناصر مع السياق العام لفلسطين بعد النكبة، ما يمنح المشهد بعداً مأسوياً مضاعفاً، يلعب الموت فيه أدوار البطولة، فيُدفن الشهداء في القلوب بدلاً من المقابر الجماعية الفوضوية. كانت حياته تأخذ منحى وحيداً، أشبه بسلسلة من الـ«عودات» غير المكتملة التي انبنت على «عودة» وحيدة لم تنجز بعد، العودة التي تبعث بعدم اكتمالها نحو كل الأشياء مثل قدر لا نجاة منه، أو ثغرة تواصل السير خلفه.
من تلك النقطة التي وقف فيها بعد ثلاثة عقود، يتيقن أن كل الأشياء لن تتم من دونها. ليس ثمة «عودة» مركونة في مكان ما في تلك السيرة (سيرة اليهود)، وعلى رغم أنها انبنت على فكرة الشتات دون المرور على الجزء الختامي من الميثولوجيا التي ترسم «أرض الميعاد»، فقد سمح نعيم قطان (كاتب يهودي عراقي) في كتابه «وداعاً بابل» لـ«الرب» بأن يختار له «شتاته»، لكنه قام بعمل الرب عندما استكمل منفاه الجديد وحوّله «أرض ميعاد» خاصة به.
تسيطر فكرة الكراهية بأبعادها التفكيكية على الرواية. تشمل كل شيء، ويتم استبدالها بكل شيء أيضاً. تبدو لحظة وقوفه في «وادي القلط» (يبدأ من قرية عناتا المحاذية للقدس، وينتهي في سهل أريحا) تكثيفاً سوريالياً مخيفاً.
كل شيء يتراءى له كعربة قديمة تسير ببطء داخل رأسه كي يتمكن من استرجاع المشهد كاملاً. مثل رسام عبثي، تتداخل في ذهنه الصور واللوحات بكل تكويناتها المذهلة والمتناقضة، لتتحول مذكرات ناقصة وساذجة، حية للتأمل وتفادي الراهن، ربما قبل أن يتحول المكان برمته كمينا مؤلما من الخوف .

shreeata 17 - 10 - 2011 03:05 PM

موضوع اكثر من رائع
سلمت لنا
كرمبو
تحيات لك

أرب جمـال 21 - 10 - 2011 02:06 AM

اشكرك اخي انس على هذه القصة عن اليهود واطماعهم في الارض المدعوة بالنسبة لهم ارض الميعاد
تقديري لك

بنت بلادي 23 - 10 - 2011 01:18 AM

بارك الله فيك
لك مني كل الشكر والتقدير


الساعة الآن 03:28 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى