منتديات المُنى والأرب - نظام الإنكار يلجأ للمراوغة قبل السقوط!

اسم الكاتب : بقلم \\ بكر أبو بكر
http://www.alaahd.com/pics/9234411237835666.jpg

شلال الدم الذي يسيل في سوريا وآلة القمع الجهنمية التي تعمل ليل نهار مازالت تعمل منذ أشهر ثمانية حيث تعامل النظام مع الشعب في البداية من منطق الإنكار لوجوده أو لصراخه ، فظن أن القاعدة البالية القديمة قد تنفع (اضرب الضعيف بقوة فينخلع قلب القوي) فبدأ باصطياد الأطفال وتعذيبهم بوحشية ورمى جثتهم أمام أهاليهم ليبث الرعب... ففشل.

عاد نظام القمع الجهنمي لذات القاعدة البالية القديمة فاعترف بأن مطالب الشعب أو قطاعات منه هي الأكل والمعيشة كما قال الرئيس السوري ومنكرا مطلب الحرية والكرامة والديمقراطية فترة طويلة.
واستمرت لعبة الإنكار المرتبطة بالتخويف والعنف والعسف لتتخذ آليات مختلفة حيث لعبة القمع الوحشي التي ترافقت مع الإنكار الرسمي والاعلامي لحدوث أي قتل أو تعذيب أوقمع ، حيث عبر الرئيس نفسه عن استنكاره ليس لجرائم الجيش والامن والشبيحة وانما للصور الفاضحة لوحشية النظام التي يسربها الناشطون عبر وسائل التواصل الالكتروني الحديثة دون أن يتعهد بمعاقبة واحد من القتلة في ظل سقوط آلاف الشهداء.
نعلم جيدا أن المنطقة تقع تحت دائرة التأثير الإقليمي لهدفين امريكيين لا ثالث لهما لهما النفط و(إسرائيل) ونعلم أن الصراع الإيراني –التركي- الإسرائيلي على استباحة الوطن العربي صراع في الفلك الأمريكي والعرب فيه مفعول بهم، لم يستطيعوا حتى الآن أن يبلوروا نظاما عربيا متكاملا سواء سياسيا أو اقتصاديا أو أمنيا يستطيعون به المجابهة والممانعة والظهور كقوة اقليمية فاعلة، وإلى أن يشاء الله والعرب ويحسوا بقيمتهم وقدرتهم على التوحد أو التضامن أو تشكيل محور عربي مانع ستظل المنطقة نهبا لمصالح الدول الإقليمية ولعبة من ألعاب الدول الغربية.
ومع علمنا أن القوى الكبرى الإقليمية من شأنها أن تستغل أي احتمالات تغيير لتحدد اصطفافات جديدة وتبني من خلالها مساحات لها لا تضيع فيها مصالحها ولا تنتزع منها دوائر تأشيرها ، نقول انه مع علمنا هذا فإن نظام استبداد وجبروت مثل النظام السوري آخر نظم الاستبداد والديكتاتورية العربية كان من المتوجب عليه أن يفهم أن عهد الأنظمة الشمولية الاستبدادية قد ولى في العالم، ومع سقوط زين العابدين بن علي يكون قد ولى أيضا في العالم العربي.
ما لم يفهمه نظام مجزرة حماه وتدمر وحلب عام 1982 ( استمرت مجزرة حماة 28 يوما بقيادة رفعت الأسد دون أي ادانة من العالم، وخلفت حسب تقديرات ما بين 20 الف الى 40 الف قتيل) أن مياه جديدة قد جرت في النهر وقوى جديدة تنشأ وشعب ينهد للحرية انتفض لا ينفع معه التغني بشعارات كاذبة أو فارغة المضمون من مثل (المؤامرة) أو (قوى الممانعة) ولا ينفع معها أيضا آليات التحايل أو الإنكار للآخر أو التهديد والتخويف ناهيك عن السحل والقتل الاجرامي تلك التي كان فيها الدم يسيل والرائي (التلفزيون) السوري الرسمي يبث القصائد الغزلية والأغاني ومسلسلات الحب ولم ينتبه لنفسه بأوامر النظام إلا بعد شهور اضطر معها لفبركة الروايات متصديا للفيض الإعلامي الاتصالي عبر النشطاء من الثوار السوريين الذين فضحوهم.
شهور ثمانية والقتلى يوميا بالعشرات ولا من مدين لمثل هذه الأعمال من رجالات النظام الذين تمسكوا بروايتهم المفندة فضائيا وعلى الأرض، وكل الأرواح التي أزهقت لم تجعل النظام الستاليتي يعترف أنه قتل (أي ستالين هنا) الملايين ليقيم على جماجمهم حلم الشيوعية الواعد.
عندما تفطنت (ماري انطوانيت) لثورة الشعب وقالت ماذا يريدون؟ أجابوها أنهم يطالبون بالخبز، فازدرتهم وقالت لم لا يأكلون الكعك؟! فطالتها المقصلة، كما أطاحت الحرية بكل أنظمة الجبروت والاستبداد في كمبودبا وكوبا وأوغندا وأثيوبيا ورومانيا أوكرانيا وعشرات الدول الأخرى التي كان فيها المصير للمستبدين واحد.
عابوا على الشيخ السوري عبد الرحمن الكواكبي صاحب كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد أن يتكلم في هذا الشأن، وكأنه بكلامه عن الاستبداد ينتقد للدولة العلية المقدسة (السلطنة العثمانية) التي كان لا يجوز نقدها باعتبارها حامية حمى الدين والدنيا؟!
وعابوه أيضا أنه كتبه منذ مائة عام والاحتلال الفرنسي في الشمال الإفريقي جاثم ولكنه لم يرى – كما لا نرى – أن مقاومة الاستبداد منفصلة عن مقاومة الاحتلال سواء ذلك الذي يحتل الأرض أو يحتل العقل أو يحتل الروح دون أن يترك للنفس هواء نقيا يتنفسه بحريةـ فأبدع الكواكبي سفر الحرية (ما لحقه به الكثيرون ومنهم في الثمانينات راشد الغنوشي عندما كتب عن الحريات العامة في الدولة الاسلامية) الذي يطالب بالعدالة الاجتماعية والتعددية السياسية والديمقراطية، ورفض الأجنبي وهي ذات مطالب الربيع العربي وفي سوريا حاليا.
من الطبيعي ألا يرى المستبد من هم دونه إلا أقزاما أو متآمرين أو أشباه رجال أوجراثيم كما قال الرئيس الأسد نفسه، ولكنه حين يشتد عليه الخناق وينقطع نفسه يلجأ للعبة جديدة وهي محاولة التملص أو المراوغة وهذه هي المرحلة التي يمر فيها النظام حاليا بعد قرار الجامعة العربية الجريء بتجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية.
إن العبيد لا يقاتلون لذلك لم يطلق الجيش السوري طلقة واحدة ضد العدد الصهيوني منذ عام 1973 وهو منذ ذلك الوقت يخوض حروبه على ثلاث جبهات فقط هي الفلسطينية واللبنانية والسورية (ضد الشعب السوري) ، وحيث لا ينجح يلجأ دوما لشق الصفوف، فكما شق الأحزاب اللبنانية شق التنظيمات الفلسطينية واتقن هذه اللعبة حتى الآن.
تفاءل الكثيرون خيرا مع صعود الرئيس بشار الأسد لسدة الحكم، ولكنه وإن طالب في بداية عهده بالإصلاح فإن القوى التقليدية المتكلسة في حزب البعث المتحالفة مع الآلة الأمنية القمعية أربكت مخططاته (ان صحّت) وكتفت يديه حتى في هذه الأحداث الدامية فأصبحت رأسه هي المطلوبة اليوم ... إذ لم يدرك مع الربيع العربي ومتغيرات العالم أن لغة نظامه وأساليبه وقواعد اللعب التي يتعامل وفقها قد ولت وانقضت.
في الرمق الأخير محاولة للتمسك بخشبة النجاة، حيث الدعوات لقمة عربية أو زيارات لوفود عربية كان النظام معها وقبلها يكذّب ذاته يوميا بالقتل الفظيع الذي لا يتوقف على مدار الساعة، فهل تنفع النظام تملصاته وتدليساته ومناوراته ومراوغاته كما لم تنفعه لعبة الإنكار والقتل والتخويف وشق الصفوف؟!

إن الغد دوما حليف الشعوب الحرة مهما طال الزمن، وكما كان يردد القائد الخالد ياسر عرفات فإن الشعب دوما أكبر من قيادته.