|
مدرسة الصحابة - العشرة المبشرين بالجنة
مدرسة الصحابة رضي الله عنهم
الجزء الأول: العشرة المبشرين بالجنة والمقطوع لهم بالجنة أ- العشرة المبشرين بالجنة هم على الترتيب : أبو بكر الصدّيق...الفاروق عمر بن الخطاب... ذو النورين عثمان بن عفان...علي بن اب طالب...سعد بن أبي وقاص... عبد الرحمن بن عوف...سعيد بن زيد ...طلحة بن عبيد الله...الزبير بن العوام... وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنهم أجمعين وأرضاهم. 1. أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أولخليفة في الدولة الاسلامية هوعبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر، ويلتقي نسبه مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب، وأمه أم الخير سلمى بنت صخر بن كعب، ويلتقي نسبها مع النبي صلى الله عليه وسلم في تيم بن مرة، ، وهو والد الطاهرتين المطهرتين أم المؤمنين السيدة عائشة ، والسيدة أسماء زوجة الزبير بن العوام أحد المبشرين بالجنة، وأم عبد الله بن الزبير الذي صلبه الحجاج على جدار الكعبة الشريفه بعد قذفها بالمنجنيق، ووالد الصحابي الجليل عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين. تزوج أبو بكر رضي الله أربعة مرات: مرتين في الجاهلية من قتيلة بنت عبد العزى، وام رومان بنت عامر، ومرتين في الاسلام: من أسماء بنتعميس وحبيبة بنت خارجة رضي الله عنهم جميعا وأرضاهم. مولده رضي الله عنه ولد رضي الله عنه لسنتين بعد عام الفيل، وبذلك فهو يصغر النبي صلى الله عليه وسلم بعامين. كان رضي الله عنه اول من آمن برسالة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأول من صدّق رحلة الاسراء والمعراج، ولهذا فقد لقب بالصديق. قال عمار بن ياسر رضي الله عنه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه الا خمسة أعبد (عبيد) وامرأتان وأبو بكر. أما الأعبد فهم: بلال بن رباح وزيد بن حارثة، وعامر بن فهيرة مولى أبو بكر، وأبو فكيهة مولى صفوان بن أمية بن خلف، وعمار بن ياسر رضي الله عنهم جميعا. فضائله رضي الله عنه: - هو أفضل الصحابة اطلاقا، وهو أول من أمر بجمع القرآن الكريم، وأول من آمن من الرجال، وأول من صدق بالرسالة، انه الورع التقي البار ذو الخلق الكريم، والأب الرحيم ، صاحب الفطرة السليمة من أدران الظلام والجاهلية. - وأشرف الفضائل أنّ الله تبارك وتعالى أنزل في فضائله رضي الله عنه آيات من القرآن الكريم هي التي على التوالي: التوبة 40، النور 22، الزمر 33، خواتيم سورة الليل وهم على التوالي: - ثاني اثنين اذ هما في الغار اذ قال لصاحبه لا تحزن انّ الله معنا - ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين - والذي جاء بالصدق وصدّق به أولئك المتقون - وسيجنبها الأتقى * الذي يؤتي ماله يتزكى * وما لأحد عنده من نعمة تجزى* الا ابتغاء وجه ربه الأعلى* ولسوف يرضى وقد أجمع المفسرون أن هذه الآيات الكريمات نزلت في أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ذلك أنّ ما سئل عن النبي صلى الله عليه وسلم بشيء الا وقال: مادام قال فقد صدق، فقد كان صديقا تقيا، جوادا سخيا كريما، بذالا لأمواله في طاعة مولاه، وفي نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان فضله واحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل، ولهذا قال عروة بن مسعود رضي الله عنه وهو سيّد ثقيف يوم صلح الحديبية: أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك، وكان الصديق رضي الله عنه قد أغلظ له في المقالة، فاذا كان هذا حاله مع سادات العرب ورؤساء القبائل، فكيف هو رضي الله عنه بغيرهم من فقراء المسلمين وضعفائهم؟ وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أعتق زوجين في سبيل الله، دعته خزنة الجنة: يا عبد الله هذا خير، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله! ما على من يدعى منها ضرورة، فهل يدعى منها كلها أحد؟قال عليه الصلاة والسلام: نعم! وأرجو أن تكون منهم. لقد كان ابو بكر رضي الله عنه من أحب الرجال الى النبي صلى الله عليه وسلم: انّ أأمن الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة في الاسلام، ومودته لا يبقين في المسجد باب سدّ الا باب أبي بكر. فضائله رضي الله عنه انّ أبا بكر وعمر رضي الله عنهما أفضل الناس قاطبة بعد الأنبياء والمرسلين، وهذا الحكم ليس الا حكم النبي صلى الله عليه وسلم. * فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة الأولين والآخرين الا النبيين والمرسلين. وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم معبد (عبد الله بن مسعود) الذين سأتناول قصصهم مع قصص الصحابة انشاء الله تعالى. * وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سألت جبريل فقلت: أخبرني عن فضائل عمر فقال: لو مكثت معك مالبث نوح في قومه ألف سنة الا خمسين عاما ما نفذت فضائل عمر، وانما عمر حسنة من حسنات أبي بكر. * وفي رواية أخرى عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبرائيل عليه السلام: حدثني بفضائل عمر عندكم في السماء، قال: لو مكثت معك ما مكث نوح في قومه ألف سنة الا خمسين سنة ما حدثتك بفضيلة واحدة من فضائل عمر، وانّ عمر لحسنة من حسنات أبي بكر رضي الله عنهما. * وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لي وزيران من أهل السماء جبرائيل وميكائيل، ووزيران من أهل الأرض أبو بكر وعمر. * وعن عبد العزيز بن المطلب عن أبيه رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انّ الله تعالى أيدني من أهل السماء بجبريل وميكائيل، ومن أهل الأرض بأبي بكر وعمر، وقال: ورآهما مقبلان فقال: هذان السمع والبصر. *وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: ألا أخبركما بمثلكما في الملائكة ومثلكما في الأنبياء؟ مثلك يا أبا بكر في الملائكة كمثل ميكائيل ينزل بالرحمة، ومثلك في الأنبياء مثل ابراهيم، قال: فمن تبعني فانه مني ومن عصاني فانك غفور رحيم، ومثلك يا عمر في الملائكة كمثل جبرائيل ينزل بالشدة والنقمة على أعداء الله، ومثلك في الأنبياء كمثل نوح قال: رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا. * وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:لا يحب أبا بكر وعمر منافق ولا يبغضهما مؤمن. * وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وعن يمينه أبو بكر وعن يساره عمر وقال: هكذا نبعث يوم القيامة. * وعن جعفر بن محمد عن أبيه رضي الله عنهما قال: قال رجل من قريش لعلي كرم الله وجهه: يا امير المؤمنين! نسمعك تقول في الخطبة آنفا:اللهم أصلحنا بما أصلحت الخلفاء الراشدين المهديين، فمن هم؟ فاغرورقت عيناه ثم اهملهما (أي عينيه) فقال: هما حبيباي وعماك أبو بكر وعمر، اماما الهدى وشيخا الاسلام ورجلا قريش والمقتدى بهما بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، من اقتدى بهما عصم، ومن اتبع آثارهما هدي الى صراط مستقيم، ومن تمسك بهما فهو من حزب الله، وحزب الله هم المفلحون. مناقبه رضي الله عنه من أعظم مناقبه هجرته مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة الى المدينة المنورة، ودخوله الغار مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقول الله تبارك وتعالى فيه رضي الله عنه في سورة التوبة 40: الا تنصروه فقد نصره الله اذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين اذ هما في الغار اذ قال لصاحبه لا تحزن انّ الله معنا، فأنزل سكينته عليه وأيدّه بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى ، وكلمة الله هي العليا، والله عزيز حكيم. وقوله صلى الله عليه وسلم فيه رضي الله عنه: أنت صاحبي على الحوض وصاحبي في الغار. قال أبو بكر رضي الله عنه: نظرت الى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله لو أنّ أحدهم نظر الى قدميه أبصرنا تحت قدميه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر ما ظنّك باثنين الله ثالثهما؟ وشهد أبو بكر المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي غزوة تبوك آخر غزواته صلى الله عليه وسلم كان أبو بكر رضي الله عنه يحمل راية النبي صلى الله عليه وسلم، وأمره بأن يحجّ بالمسلمين في السنة التاسعة للهجرة. خلافته رضي الله عنه تولى رضي الله عنه الخلافة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بمبايعة الصحابة رضوان الله تعالى عنهم في ثقيفة بني ساعدة، وقد رجحت كفة أبي بكر لفضله الكبير وسبقه للاسلام، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم الى خلافة أبي بكر من خلال امرأة أتت اليه صلى الله عليه وسلم ولما أمرها أن تعود اليه في وقت آخر فسألته وان لم أجدك؟ - كأنها تقول الموت- أجابها صلى الله عليه وسلم: ان لم تجديني فأتي أبا بكر. وكانت فترة خلافته رضي الله عنه تمثل علامة هامة في تاريخ الاسلام، حيث بعد وفاته صلى الله عليه وسلم هناك طوائف كثيرة من العرب كانت قد ارتدت عن الاسلام ومنعوا آداء الزكاة، فنهض رضي الله عنه لقتالهم وقال: والله لو منعوني عقالا أو عناقا كانوا يؤدونها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها، ثم وقف يخطب في الناس خطبته الشهيرة، وقال: من كان يعبد محمدا فمحمد قد مات ومن كان يعبد الله فالله حيّ لا يموت. ولم تكن هذه الفتنة هي الوحيدة التي تصدّى لها أبو بكر رضي الله عنه بحزم وشجاعة، بل هناك فتنة أخرى شديدة الخطر، وهي ظهور بعض أدعياء النبوّة، فتصدّى لهم أبو بكر رضي الله عنه وقضى على فتنتهم الخبيثة، ولم تشغل كل هذه الفتن أبا بكر رضي الله عنه عن توسيع رقعة الاسلام التي امتدت في عهده لتشمل أماكن كثيرة من بلاد فارس والروم، رغم مدة خلافته القصيرة جدا والتي لم تتجاوز ال 30 شهرا. زوجاته وأبناءه رضي الله عنه: - قتيلة بنت عبد العزّى: زوجته في الجاهلية والاسلام وولدت له عبد الله وأسماء. - أم رومان بنت عامر: زوجته في الجاهلية والاسلام وولدت له عبد الرحمن وعائشة - أسماء بنت عميس: زوجته في الاسلام ووولدت له محمد . - حبيبة بنت خارجة وكانت حاملا بأم كلثوم حين توفي رضي الله تعالى عنهم أجميعين وفاته رضي الله عنه وأرضاه: تعددت الروايات في سبب وفاته رضي الله عنه، فمنهم من قال أنه توفي نتيجة اصابته بمرض السل، ومنهم من قال أنه اغتسل في يوم بارد فأصابته حمّى شديدة أمهلته خمسة عشرة يوما فمات منها، ومنهم من قال أنّ اليهود سمّته في حريرة، وأيّا كان السبب فالأجل قد انتهى ، وتعددت الأسباب والموت واحد. وكان رضي الله عنه قد توفي في السنة الثالة عشرة للهجرة عن عمر يناهز ال 63 من عمره الشريف، لخمس ليال خلون من جمادى الآخرة من سنة ثلاثة عشرة للهجرة، وقد استكمل سن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ال 63 من عمريهما الشريف، وقد غسّلته زوجته أسماء بنت عميس وابنه عبد الرحمن رضي الله عنهم، ودفن الى جوار النبي صلى الله عليه وسلم، وأي جوار عطر هذا يا أبا بكر؟ فرضي الله عنك وارضاك وصلى الله وسلم وبارك على من صاحبك وربّاك. قال عنه عبد الله بن عباس رضي الله عنهم رحم الله أبا بكر، كان للقرآن تاليا، وعن الميل نائيا، وعن الفحشاء ساهيا، وبالمعروف آمرا، وعن المنكر ناهيا، وبدينه عارفا، ومن الله خائفا، وبالليل قائما، وفي النهار صائما، ومن دنياه سالما، وعلى عدل البرية عازما، وفي كل الأحوال شاكرا، ولله في الغدو والرواح ذاكرا، ولنفسه قاهرا، وقد فاق صحابته ورعا، وكفافا، وعفافا، وبرا، وحياطة، فأعقب الله على من تلبه (عيّبه أو سبّه) اللعائن الى يوم القيامة. قال عنه الفاروق عمر رضي الله عنه والله ما سابقت أبو بكر على خير قط الا وقد سبقني اليه. وفي الختام أقول: رحمك الله يا أبا بكر رحمة واسعة، وسعدت بحظ وافر ذلك الرجل الوحيد الذي وصله سلام من الله تبارك وتعالى، ففي احدى المرات التي نزل بها جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أبا بكر رضي الله عنه يجالسه وذلك بعدما تبرّع بكل ماله في سبيل الله تعالى، فقال جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم: أقريء أبا بكر من الله السلام وقل له: يقول لك ربك : أراض عني في فقرك هذا أم ساخط؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم الى أبا بكر رضي الله عنه وقال: يا أبا بكر هذا جبريل يقرئك السلام من الله ويقول لك: أراض عن الله في فقرك هذا أم ساخط؟ فرضي الله عن الصديق وصلى الله وسلم وبارك على من صاحبه ورباه. 2. الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه (جبار الجاهلية وعملاق الاسلام) هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزّى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رواح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب، ويلتقي نسبه مع النبي صلى الله عليه وسلم في كعب بن لؤي، وأمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة ابنة عم ابو جهل عمرو بن هشام. يكنى بأبي حفص ويلقب بالفاروق لأنه فرق بين الحق والباطل. مولده رضي الله عنه: ولد رضي الله عنه في السنة الثالثة عشرة من ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا فهو يصغر النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة عشرة عاما. اسلامه رضي الله عنه: أسلم رضي الله عنه في السنة السادسة من النبوة الشريفة وله من العمر 27 عاما بدعوة جليلة دعا بها النبي صلى الله عليه وسلم ربه فقال: اللهم أعز الاسلام بأحد العمرين عمر بن الخطاب وعمرو بن هشام، وفي رواية: اللهم أعز الاسلام بعمر بن الخطاب ، وشهد رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها من بدر الى تبوك، ونال شرف زواج النبي صلى الله عليه وسلم من أخته أم المؤمنين الصوامة القومة السيدة حفصة رضي الله عنهما، بعد وفاة زوجها خنيس بن حذافة. فضائله رضي الله عنه: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أشد المنافحين عن الاسلام، وكان اسلامه يمثل قوة كبيرة للمسلمين، فقد كانت الشياطين بنوعيها الانسية والجنية تتجنّب الدرب الذي يسير فيه وتخافه وتهابه، لقوله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجّا قط ،الا سلك فجّا غير فجّك. ولقد اكتسب هذه الميزة من شدة ايمانه وصلابته وقوته في دين الله تبارك وتعالى، ولقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: مازلنا أعزّة منذ أسلم عمر، وقال عنه رضي الله عنهما: كان اسلامه عزّا، وهجرته نصرا، وامارته رحمة، والله ما استطعنا أن نصلي حول البيت ظاهرين حتى أسلم عمر. وكان رضي الله عنه يجمع بين العلم والدين بسياسة الناس بالكتاب والسنة، فقد روي عن البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا نائم شربت-يعني اللبن- حتى أنظر الى الري يجري في ظفري - أو في أظفاري- ثم ناولته عمر، قالوا: فما أوّلته يا رسول الله؟ قال: العلم. وقال بن مسعود رضي الله عنه:اذا ذكر الصالحون فحيّهلا بعمر، ان عمر كان أعلمنا بكتاب الله وأفقهنا في دين الله، ولو أنّ علم عمر وضع في كفة ميزان، ووضع علم أحياء الأرض في كفة لرجح علم عمر بعلمهم. وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، أمين سر النبي صلى الله عليه وسلم، كان علم الناس مدسوسا في جحر مع عمر. وقال ابن عمر رضي الله عنهما: تعلم عمر البقرة في اثنتي عشرة سنة، فلما تعلمها نحر جزورا. وكان عمر رضي الله عنه من الملهمين، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أنالنبي صلى الله عليه وسلم قال: لقد كان فيمن قبلكم من بني اسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء، فان يكن من أمتي منهم أحد فعمر. وقال صلى الله عليه وسلم: انّ الله جعل الحق على لسان عمر. موافقة نزول القرآن الكريم لقوله رضي الله عنه: انّ السبب في تخصيص عمر رضي الله عنه بكل ما سبق من مكارم ، هو والله أعلم، ما وقع له في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من الموافقات التي نزل القرآن الكريم مطابقا لها في مشوراته، وما وقع من الهامات بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما حدث له مع سارية، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: وجّه عمر جيشا ورأسّ عليهم رجلا يدعى سارية، فبينما عمر يخطب، جعل ينادي يا سارية الجبل ثلاثا، ثم قدم رسول الجيش فسأله عمر رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين هزمنا، فبينما نحن كذلك اذ سمعنا صوتا ينادي: يا سارية الجبل ثلاثا، فأسندنا ظهورنا الى الجبل، فهزمهم الله، قال: قيل لعمر رضي الله عنه: ان كنت تصيح بذلك، وذلك الجبل الذي كان سارية عنده بنهاوند من أرض العجم. وهذا عدا عن نهر النيل الذي جفّ في عهده رضي الله عنه، وما عاد الى جريانه الا بعد أن كتب ورقة وأرسلها مع رسوله الى عمرو بن العاص رضي الله عنه طلب منه أن يلقيها في النهر فيجري باذن الله تبارك وتعالى وكان ذلك بفضل الله. خلافته رضي الله عنه: استمرت خلافته رضي الله عنه 10 سنوات و6 أشهر و4 أيام، أنجز خلالها انجازات عظيمة لا تستطيع دول العالم قاطبة من انجازها ولو بقرون طويلة. انّ عمر رضي الله عنه كما كلنا يعلم هو ثاني الخلفاء الراشدين، وقد تولى الخلافة من أبو بكر الصديق رضي الله عنهما. أولوياته رضي الله عنه هو رضي الله عنه أول من حمل لقب أمير المؤمنين، وأول من كتب التاريخ الهجري، وأول من اتخذ بيت المال، وأول من سنّ قيام رمضان، وأول من تفقد أحوال الناس بالليل، وأول من اتخذ الديوان، وأول من اتخذ الدرّة، وأول من مصّر الأمصار- وحّد الدول- (الكوفة والجزيرة والبصرة ومصر والموصل والشام) وأول من فتح الفتوح، وهو الذي اتخذ دار الدقيق فجعل فيها الدقيق والسويق والتمر والزبيب وما يحتاج الناس اليه من منقطع، ووضع في الطريق فيما بين مكة والمدينة ما يصلح من يحتاج اليه المنقطع، لأجل ذلك قال قولته المشهورة: لو عثرت بغلة في طريق العراق لسألني الله عنها لم، لم تصلح لها الطريق يا عمر! وهو الذي وضع مكان مقام ابراهيم عليه السلام في موضعه الحالي، بعد أن كان ملتصقا بالبي العتيق، وذلك ليفسح طريقا للطائفين حوله تجنبا للازدحام. عدله رضي االله عنه وفي عدله رضي الله عنه نكتفي بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم: من أراد أن يعرف العدل كيف يكون فليذهب الى عمر الفاروق. وبالرغم من أنه رضي الله عنه قد وصل بتقواه وورعه الى درجة النبوة بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم: لو كان نبيا بعدي لكان عمر، ورغم أنه من العشرة المبشرين بالجنة، ورغم أنه سأل الملكين في القبر من ربكما؟ ومع كل تلك الشمائل والفضائل فقد مكث في الحساب اثنتي عشرة عاما كما ورد في رواية لابنه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت عمر في المنام بعد اثنتي عشرة سنة من وفاته فسألته ما ما فعل بك ربك؟ فقال: للتو انتهيت من الحساب يا بني، ولولا رحمة ربي لهلك أبوك. و عن عثمان بن عفان أنه رأى عمر رضي الله عنهما في المنام بعد وفاته وسأله: ما فعلت بالملكان يا أبا حفص؟ أجابه: عندما أقعداني سألتهما من ربكما؟ اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين. زوجاته وأبناءه رضي الله تعالى عنه: - زينب بنت مظعون وولدت له عبد الله وحفصة وعبد الرحمن الأكبر. - أم حكيم بنت الحارث المخزومية فولدت له فاطمة. - جميلة بنت ثابت فولدت له عاصما جد الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز. - أم كلثوم بنت علي وفاطمة الزهراء فولدت له زيد الأكبر ورقيّة. - وتزوج امرأة من اليمن فولدت له عبد الرحمن الأصغر. - وتزوج عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل. وفاته رضي الله تعالى عنه: توفي في السنة الهجرية 23، قتلا على يد أبو لؤلؤة المجوسي، في صلاة الفجر في العشر الأواخر من شهر ذي الحجة بعد عودته من آداءه لمناسك الحج بأيام، ولذلك فقد أطلق عليه شهيد الفجر، بعد أن حكم المسلمين 13 سنة وستة أشهر و25 يوما، عن عمر يناهز ال 63 عاما من عمره الشريف. لقد كان كثيرا ما يدعو الله تعالى بأن يرزقه الشهادة ويجعل موته في المدينة المنورة، واستجاب الله لدعائه، فمات شهيدا وهو يؤم المسلمين في صلاة الفجر، وفي بلد الرسول صلى الله عليه وسلم، ودفن الى جانب الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وعن الصحابة أجمعين. فرضي الله عن الفاروق وعن الصحابة وصلى الله وسلم وبارك على من رباهم. من أراد أن يقرأ المزيد من سيرة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه العطرة مفصلة تفصيلا كاملا فليترقب سيرة الامامين العادلين العمرين عمر بن الخطاب وحفيده عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما وأرضاهما. 3. عثمان بن عفان ذي النورين رضي الله عنه: من تناول افطاره في الملكوت الأعلى هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي الأموي، ويجتمع نسبه مع الرسول صلى الله عليه وسلم في عبد مناف، وامه أروى بنت كريز، وجدته لأمه هي أم حكيم البيضاء عمة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ابن ابنة عمة النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم يكون ابن خال أمه، وهو أول من هاجر الى الله تعالى بأهله، لقوله صلى الله عليه وسلم: انّ عثمان أول من هاجر بعد لوط عليه السلام. مولده رضي الله تعالى عنه: ولد عثمان بن عفان رضي الله عنه بعد عام الفيل بستة أعوام، وبذلك فهو رضي الله عنه يصغر النبي صلى الله عليه وسلم بستة أعوام. اسلامه رضي الله عنه: أسلم قديما بدعوة من الصديق رضي الله عنهما، وهاجر الهجرتين الأولى الى الحبشة والثانية الى المدينة المنورة مدينة النبي صلى الله عليه وسلم. وهو الذي تلقى تعذيبا شديدا من عمه الحكم عندما علم باسلامه، وأوثقه رباطا كي يرجع عن دينه، ولما لم يجد منه فائدة ترجى تركه وشأنه رضي الله عنه وأرضاه. حياءه رضي الله تعالى عنه: كان زاهدا عابدا تقيا خائفا وجلا، حييا تستحييي منه الملائكة عليهم السلام كحياءهم من الله تعالى ورسله، ولو كانت هذه المنزلة فقط له لكفته رضي الله عنه وأرضاه. قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيتي كاشفا عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال، ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك، ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوّى ثيابه، فدخل، فلما خرج، قلت دخل أبو بكر فلم تهتش ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهتش ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك، فقال صلى الله عليه وسلم: ألا أستحيي من رجل تسحييي منه الملائكة؟ قال عنه صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، انّ الملائكة لتستحييي من عثمان كما تستحيي من الله ورسوله. كان شهما كريما، محبا للخير، ينفق في سبيل الله تعالى بلا حساب، وكان قد جهز جيش العسرة في غزوة تبوك آخر غزواته صلى الله عليه وسلم، واشترى بئر رومة ثم تصدق بها على المسلمين، لقوله صلى الله عليه وسلم: من يحفر بئر رومة فله الجنة، فحفره عثمان رضي الله عنه، وقال صلى الله عليه وسلم: من جهز جيش العسرة فله الجنة، فجهزه أيضا عثمان رضي الله عنه. فضائله رضي الله عنه: الفضيلة العظمية التي حاز بها هي زواجه من ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي بسسبها حمل لقب ذي النورين، فقد تزوج من رقية رضي الله عنها قبل النبوة، وماتت عنده في احدى ليالي غزوة بدر، فتأخرعن بدر لتمريضها وباذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضرب له بسهمه وأجره، وتوفيت رضي الله عنها في نفس اليوم الذي جاء فيه البشير، يبشر بنصر المسلمين بهذه الغزوة المباركة، ثم زوّجه الرسول صلى الله عليه وسلم بأختها أم كلثوم، وتوفيت عنده سنة تسع للهجرة. خلافته رضي الله عنه: بويع بالخلافة بعد دفن عمر رضي الله عنهما بثلاثة أيام، وتعود قصة خلافته الى أنه عندما أشرف عمر رضي الله عنه على الموت قالوا له: أوصي يا أمير المؤمنين، فقال: ما أجد أحقّ بهذا الأمر من الذين توفي عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راض عنهم، وسمى منهم عليا وعثمان والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف. وبعد المشورة اتفق الجميع على عثمان رضي الله عنه، والتي كانت خلافته تعجّ بالاضطرابات والقلاقل، وكان قد ظهر في عهده رجلا يهوديا خبيثا يدعى عبد الله بن سبأ تظاهر لهم بالاسلام، وكان لهذا الخبيث دورا في تأليب الناس عليه رضي الله عنه. زوجاته وأبناءه رضي الله عنه: أما زوجاته فعددهنّ ستة، وأما أبناءه وبناته فعددهم 14 بين ذكر وأنثى. - رقية وأم كلثوم ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وولدت له رقية عبد الله. - فاختة بنت غزوان فولدت له عمرا وخالدا وأبانا وعمر وكريم. - فاطمة بنت الوليد فلولدت له الوليد وسعيدا وأم سعيد. - ام البنين بنت عيينة فولدت له عبد الملك. - رملة بنت شيبه بن ربيعة فولدت له عائشة وأم أبان وأم عمرو. - نائلة بنت الفرافصة فولدت له مريم. قال عنه ابن عباس رضي الله عنهما رحم الله أبا عمرو... كان أكرم الحفدة، واصل البررة، وأصبر الغزاة، هجادا بالأسحار، كثير الدموع من خشية الله، دائم الفكر فيما يعنيه الليل والنهار، ناهضا الى كل مكرمة، ساعيا الى كل منجّية، وفارّا من كل موبقة، وهو صاحب الجيش والبئر التي اشتراها للمسلمين خالصة لوجه الله تعالى، وهو من حمل لقب ذي النورين لزواجه من ابنتي النبي صلى الله عليه وسلم رقية ومن ثم زينب رضي الله عنهن، فأعقب الله من سبّه الندامة الى يوم القيامة. فقولوا رحمكم اللهآمين...آمين...آمين. حصاره رضي الله عنه من لم تبكيه قصة عثمان رضي الله عنه أو يتأثر بها فقد نزع الله الرحمة من قلبه. المنافقون الذين قتلوا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والذين قتلوا علي بن أبي طالب، هم انفسهم الذين حاصروا عثمان بن عفان رضي الله عنه وخيّروه بين الاعتزال والتنازل عن الحكم وبين القتل، الا أنّ عثمان رضي الله عنه ما كان له أن يتنازل عن الحكم لأناس رعاع منافقين وكلمات النبي صلى الله عليه وسلم لا تزال ترن في أذنه رضي الله عنه، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عثمان! انّ الله مقمصّك قميصا فان أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني. لله درك يا عثمان في محنتك! محنة هبطت بها شراسة المتآمرين الى السفح وارتفع بها تسامح الخليفة الى القمة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: اذا مشت أمتي المطيطاء، وخدمها أبناء الملوك أبناء فارس والروم، سلط شرارها على خيارها. مؤامرة يتولاها الناقمون ليس على الاسلام فحسب وانما يعدون العدة للقضاء على الدين والدولة والأمة برمتها، فقد سيطر المد المتآمر من المنافقين الحاسدين على أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه بفتنة مخربة ، وتمرد آبق، يهدفان الى هدم كيان الاسلام ودحر قيمه، واعتصام الدولة بكبريائها وسلطانها، وقد وعى الخليفة عثمان رضي الله عنه هذه الفتنة بعزم مجيد وبعد ثاقب في أجلّ وأروع وأبهى صورة حاملا شعاره لا للفوضى حتى ولو كان فيها قتله. أيمكن لرجل جاوز الثمانين من عمره الشريف أن يستبد به طموح المنصب والمجد والوجاهة على هذا النحو المزلزل الرهيب لولا أنه على الحق؟ لقد رفض رضي الله عنه أن يعتزل ويحقق أهداف المارقين على الاسلام لأنه رجل مسئوليات من طراز فريد، وهذا الخلق الرفيع كان مخبوءا تحت ستار تواضعه وحياءه رضي الله عنه، وما كنا سنراه متألقا كالشمس في وضح النهار الا في أزمة كهذه، وموقف كهذا، وظروف كهذه، ومحنة كهذه، أفيرضخ ويسلّم مصير الاسلام لهادميه؟ أيسلّم كرامة الدولة لعصابة مفتونة؟ وكلمات النبي صلى الله عليه وسلم ترنّ بأنيه ويأمره بألا يفعل ..... لا... وألف لا... وليس عثمان رضي الله عنه بفاعل ذلك. حاصروه أربعين يوما مع ثلة من الشرفاء من المهاجرين والأنصار يزيد عددهم عن السبعمائة رجلا بلا زاد ولا ماء. واستسلم عثمان لأمر الله تبارك وتعالى رجاء موعوده، وشوقا الى رسوله صلى الله عليه وسلم، ليكون من خير ابني آدم القائل فيه الله عزوجل : أني اريد أن تبوء باثمي واثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين. وفاته رضي الله عنه: قتلوه رضي الله عنه وكتاب الله لصيقه وصديقه، ومن أولى بذلك منه وهو الذي حفظه وافتداه؟ وهو الوحيد الذي كان يختم القرآن الكريم كله في ركعة الوتر من كل ليلة؟ فرضي الله عنك وأرضاك. قتلوه نتيجة مؤامرة دنيئة وخبيثة حاكها ضده الخبيث عبد الله بن سبأ لعنه الله تعالى في الدنياا والآخرة، وكان البغاة قد دخلوا عليه وهو يقرأ القرآن الكريم في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة 35 هجرية عن عمر يناهز ال 82 عاما من عمره الشريف. ولندع عبد الله بن سلام رضي الله عنه يروي لنا الحوار الذي جرى بينه وبين عثمان رضي الله عنهما قبل مقتله بساعات قليلة: أتيت عثمان رضي الله عنه لأسلم عليه وهو محاصر في بيته، فدخلت عليه فقال لي: مرحبا بأخي، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة في هذه الخوخة (باب صغير) فقال لي: يا عثمانّ حصروك؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال لي: عطّشوك؟ قلت: نعم يا رسول الله، فأدلى دلوا فيه ماء فشربت حتى رويت، حتى اني لأجد برده بين ثديي وبين كتفي، ثم قال لي: ان شئت نصرت عليهم، وان شئت أفطرت عندنا، فاخترت أن أفطر عنده. ولم يات عليه المساء حتى قيل انّ عثمان رضي الله عنه قد قتل. وقالت امرأته رضي الله عنها بعد مقتله: لقد قتلتموه وانه ليحييي الليلة بالقرآن في ركعة الوتر كل ليلة. ان الله عزوجل تكفل لأولياءه المؤمنين بالدفاع عنهم أحياء وأمواتا،أاليس الله تعالى القائل في كتابه الكريم: انّ الله يدافع عن الذين آمنوا انّ الله لا يحبّ كلّ خوّان كفور؟ أليس الله تبارك وتعالى القائل في الحديث القدسي الجليل: من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب؟ ومن من عباد الله تبارك وتعالى يقوى على معاداته جلت وتعالت قدرته؟ وقد يسأل سائل ويقول: ولم لم يدافع الله تعالى عن عثمان رضي الله عنه عند قتله؟ فنجيب السائل الكريم ونقول له: انّ قتل عثمان رضي الله عنه بحد ذاته أعظم دفاع عنه، فقد رزقه الله الشهادة التي بشرّها بها النبي صلى الله عليه وسلم، وليس هذا فحسب، بل اكرمه الله تبارك وتعالى بكرامة لم تمنح لأحد من قبله أبدا وهي افطاره في الملكوت الأعلى بضيافة الرحمن الرحيم تبارك اسمه وتعالى جده وتجلت صفاته وأسماؤه الحسنى، ومن منا يطول هذا الكرم الالهي الفيّاض، وما يلقاها الا الذين صبروا، وما يلقها الا ذو حظ عظيم. هنيئا لك يا أبا عمرو على هذه الدعوة الالهية وافطارك من على مائدة الرحمن، ومن حولك جنات تجري من تحتها الأنهار، جمعنا الله فيها معك انشاء الله تبارك وتعالى. وهكذا رحل الشهيد عن دنيا الناس، وبلغ داره بعد حياة طويلة مليئة بالبذل والعطاء والتضحية والجهاد، والعدل والسماحة والتواضع. رحل بعد ان سالت دماؤه الطاهرة الزكية وهي تثعب، تلك الدماء التي امتزجت بحب الله تبارك وتعالى وبحب نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم. سالت دماؤه الشريفة التي انصهرت مع كل آية من آيات القرآن الكريم الذي كان يجمعه كاملا كل ليلة في ركعة الوتر. وها نحن بعد هذا الزمان الطويل بعد ما يقارب من ال 14 قرنا هجريا نذكر عثمان ذي النورين رضي الله عنه وندعوا له بالرحمة واللقاء به في مستقر رحمته تعالى، نلتقي بذي النورين زوج الطاهرتين المطهرتين ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجب ألا ننساه أبدا ما دامت أرواحنا في أجسادنا، وهل أمثاله ينسون؟ فرضي الله عن ذي النورين وعن أزواجه، وعن آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام ، وصلى الله وسلم وبارك على من رباهم أجمعين. 4. الامام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه: أخر الخلفاء الرشدين رضي الله عنهم أجمعين هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، اابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم ومن ربّاه، وامه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وهي أول هاشمية ولدت هاشميا، وكانت رضي الله عنها قد أسلمت وهاجرت. كنيته رضي الله عنه كان علي رضي الله عنه يكنى بأبي الحسن، وقد كناه النبي صلى الله عليه وسلم ب أبي تراب، لكثرة ما كان يعفر نفسه وهو صبيا بالتراب رضي الله عنه. اسلامه رضي الله عنه: كان رضي الله عنه أول من اسلم من الصبيان وكان عمره أنذاك عشر سنين. وكان رضي الله عنه قد شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عدا غزوة تبوك، لاستخلاف النبي صلى الله عليه وسلم له على المدينة. فضائله رضي الله عنه: هو نعم الزوج لنعم الزوجة الطاهرة المطهرة البتول، السيدة فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم وخديجة بنت خويلد رضي الله عنه ، وسيدة نساء أهل الجنة قاطبة ووالدة السبطين الشهدين الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرضي الله عنها وأرضاها، ورضي الله عن زوجها وولديها وأرضاهم، ورضي الله عن أمها خديجة الكبرى، وصلى الله وسلم وبارك على من أنجبها ورباها. خلافته رضي الله عنه: بويع بالخلافة في اليوم التالي لمقتل عثمان رضي الله عنهما، وكانت فترة خلافته تموج بالاضطرابات والقلاقل، كفترة خلافة عثمان رضي الله عنهما، حيث وقعت الفتنة بينه وبين معاوية بسبب مطالبة معاوية بالثأر لدم عثمان. وقد خاض الناس بألسنتهم في هذه الفتنة، ونصّبوا أنفسهم حكاما بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونتج عن ذلك عدم سلامة صدور بعض الناس تجاه بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا سيما معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه خال المؤمنين وأحد كتاب الوحي عليه السلام، كما ظهرت فتنة الخوارج بسبب قضية التحكيم، فناصبوه العداء ورموه بالكفر، هو ومن معه من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم. والواجب على كل مسلم أن يكون سليم الصدر تجاه هذه الفتنة الشرسة، وان يمسك عن الخوض فيها، وان يرضى عن جميع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدعو لهم جميعا بالمغفرة والرحمة، عملا بقوله تعالى: والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا انك رؤوف رحيم. وقد ورد في الأثر أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه من أهل الجنة انشاء الله. زوجاته وأبناءه رضي الله عنه: أما زوجاته فهنّ يزدن عن الست، وأبناءه وبناته بلغوا ال 31 بين ذكر وأنثى. - فاطمة بن محمد الزهراء بنت النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها، ولم يتزوج غيرها حتى ماتت، وولدت له الحسن والحسين، وزينب الكبرى وأم كلثوم الكبرى. - أم البنين بنت حزام فولدت له العباس وجعفر وعبد الله وعثمان، وقد قتلوا جميعا مع الحسين بكربلاء، ما عدا العباس رضي الله عنهم أجمعين. - أسماء بنت عميس أرملة أبو بكر الصديق رضي الله عنهم فولدت له يحيي ومحمد الأصغر. - أمامة بنت العاص بنت زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولدت له محمد الأوسط. - أم سعيد بن عروة بن مسعود فولدت له أم الحسن ورملة الكبرى. - محياة ابنة امرؤ القيس فولدت له بنتا ماتت وهي صغيرة. - وكان له من البنات من أمهات شتى لم يسمّ لنا أسماءهن منهنّ: أم هانئ، ميمونة، زينب الكبرى، رملة الصغرى، أم كلثوم الصغرى، فاطمة، أمامة، خديبجة، أم الكرام، أم سلمة، أم جعفر، نفيسة، وجمانة. قال عنه ابن عباس رضي الله عنهما رحم الله ابا الحسن، كان علم الهدى وكهف التقى، وحمل الحجى (العقلل) وطود البهاء، ونور السير في ظلمة الدجى، عالما بما في الصحف الأولى، متعلقا بأسباب الهدى، تاركا للجور والأذى، يتفجر العلم من جوانبه، والحكمة تنطق من نواحيه، يستأنس بالليل وظلمته، كان يعظم اهل الدين والمساكين، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، وكان اذا أرخى الليل سدوله، وغارت النجوم، يميل الى محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم (الملسوع) ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه يقول: يا ربنا يا ربنا، يتضرّع اليه ثم يقول للدنيا: أليّ تغرّرت؟ أم اليّ تشوقت؟ هيهات هيهات، يا دنيا غرّي غيري، فقد بتتك (طلقتك) ثلاثا، فعمرك قصير، ومجلسك حقير، وخطرك يسير، آه...آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق. انه أفضل من حجّ وسعى، وأفضل من آمن واتقى، وأسمح من عدل وسوّى، وأخطب اهل الدنيا قاطبة الا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، انه زوج خير النساء، ووالد سيد الشباب، لم تر عيناي مثله ولن ترى الى يوم القيامة، من لعنه فعليه لعنة الله والعباد الى يوم القيامة. قولوا معي آمين...آمين...آمين. وفاته كرّم الله وجهه: قتل على يد رجل من شيعته ومن القراء وأهل الفقه والعبادة في الاسلام يدعى - عبد الرحمن بن ملجم المرادي- بضربة سيف أصابت جبهته لتخترق دماغه رضي الله عنه، لم تمهله الا يومين اثنين، وغسّله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر، ودفن بدار الامارة في الكوفة ليلا. توفي ليلة الأحد في ليلة وترية من ليالي رمضان متأثرا بجراحه رضي الله عنه وكرّم الله وجهه، عن عمر يناهز ال 63 من عمره الشريف، وقد دفن في البقيع، وبذلك يكون قد حكم المسلمون أربعة سنوات وتسعة أشهر. فرضي الله عن أبا تراب وعن صحابته وصلى الله وسلم على من رباهم. يتبع..... |
5. عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه سيد المسلمين ، رآه النبي صلى الله عليه وسلم يدخل الجنة حبوا هوعبد الرحمن بن عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي، يجتمع في النسب مع النبي صلى الله عليه وسلم في كعب بن لؤي، وأمه الشفاء، ويكنى بأبي أحمد، وهو أحد الثمانية الأول دخولا في الاسلام (أبو بكر، طلحة، سعد، حمزة، الزبير، عثمان، وعلي رضي الله عنهم) ، كان يدعى قبل الاسلام بعبد الكعبة، وبعدما أسلم سماه النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الرحمن، وهاجر الهجرتين الى الحبشة، وهجرة المدينة. مولده رضي الله عنه: ولد بعد عام الفيل بعشر سنين، وبذلك يصغر النبي صلى الله عليه وسلم بعشر سنين. سيّد المسلمين رضي الله عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لأم كلثوم ابنة عقبة بن أبي معيط عدو الله ورسوله، رضي الله تعالى عنها وأرضاها : أقال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكحي سيد المسلمين عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه؟ أجابته رضي الله عنها: نعم! وولدت له أربعة ذكور: ابراهيم.. حميد..محمد..اسماعيل. مناقبه رضي الله عنه: عندما أخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، آخى بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، ويومها قال له سعد رضي الله عنه: اني أكثر أهل المدينة مالا، فانظر شطر مالي فخذه، وتحتي امرأتان فانظر أيهنّ أعجب اليك حتى أطلقها لك وتتزوجها، فأجابه ابن عوف رضي الله عنه: بارك الله لك في مالك وأهلك، دلني على السوق، فذهب واشترى وربح وكثر ماله وبفضله سبحانه وتعالى بات من أغنى الأغنياء لأنه صادق النيّة والسريرة، وتحقق فيه قوله الله تبارك وتعالى: والله يرزق من يشتاء بغير حساب. لقد سخّر جميع ماله في نصرة دين الله تعالى، ووزع قافلة بقوام 700 راحلة قادمة من الشام في سبيل الله تعالى بأحمالها وأقتابها وأحلاسها، على أهل المدينة وما حولها. لقد كان رضي الله عنه التاجر المؤمن، الصابر المحتسب، الأمين المؤتمن، التقي الورع، ان لم تكن تجده في مسجد أو غزوة، تجده يجاهد في تجارته لينفق ما رزقه الله تعالى في سبيل مرضاته. كان محظوظا في تجارته أيما حظ، الى حد أثار عجبه ودهشته وقال: لو رفعت حجرا لوجدت تحته ذهبا وفضة، وكانت التجارة عنده عملا راجيا وواجبا، ولم تكن حرصا على جمع المال أو شغفا في الثراء أو احتكارا. انّ ثروته رضي الله عنه لم تكن كثروة مسلمي اليوم تختص بأعدادعا وأرقامها ورصيدها في البنوك، وانما كانت بما ينفق منها في سبيل الله، وبرصيدها عند الله تبارك وتعالى، ذلك أن جميع أمواله كانت مسخرة لخدمة المسلمين وما تحتاج اليه جزيرة العرب من كساء وطعام، ولأجل ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم له: يا بن عوف انك من الأغنياء، وانك ستدخل الجنة حبوا، فاقرض الله يطلق لك قدميك. باع يوما أرضا بأربعين ألف دينار، وفرقها على أهله من بنو زهرة، وعلى أمهات المؤمنين وفقراء المسلمين، وقدّم يوما لجيوش المسلمين 500 فرسا، ويوما 1500 راحلة، وعند موته أوصى ب 150 ألف دينار في سبيل الله، ووصى أن يكون لكل من بقي حيا ممن شهد بدرا ب 400 دينار، حتى أنّعثمان بن عفان رضي الله عنه رغم ثراءه أخذ نصيبه من الوصية، وقال يومها رضي الله عنه:انّ مال عبد الرحمن بن عوف حلالا صفوا، وانّ الطعمة فيه عافية وبركة. ان توزيعه ومصارفه للمال كان يعتمد ثلاثة مصارف: ثلثه يقرضه لله تعالى، وثلثه يقضي الدين عن المديونين، وثلثه يصل به الأرحام. لقد رأوه ذات يبكي بشدة وحين سألوه ما يبكيك؟ قال رضي الله عنه: لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما شبع هو وأهل بيته من خبز الشعير. انّ طبائع البشر عوّدتنا على أنّ الثراء ينادي السلطة، وأنّ الأثرياء جميعا يحبون أن يكون لهم نفوذ ينمّي ثراؤهم ويضاعفه، ويشبع نهمهم وشهواتهم الصلفة فيستعلوا به علىخلق الله، وتصيبهم الأنانية التي يثيرها الثراء عادة، الا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ومن هم على سريرته من صحابته رغم ثراءهم العريض نجدهم أناس بسطاء متواضعين تحسبهم أفقر منك أو على مستواك، كانوا أناسا عجابا يقهرون البشر في هذا المجال ويخطوهم بسمو فريد. هو من العشرة المبشرين بالجنة، ومن الصحابة الذين توفي عنهم رسول الله صلى اله عليه وسلم وهو عنهم راض، ومن الستة أصحاب الرأي والمشورة الذين اختارهم عمر رضي الله عنه ليكونوا أهل الشورى. زوّجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بتماضر بنت الأصبغ بن عمر الكلبي رضي الله عنه وكان نصرانيا وزعيم قبيلته قبل أن يسلم. وفاته رضي الله عنه: ان عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها خصّت عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بشرف عظيم بأن عرضت عليه وهو على فراش الموت، أن يدفن في حجرتها الى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، ولأنه مسلم قد أحسن الاسلام تأديبه، فقد استحييي أن يرفع نفسه الى ذاك الجوار، ثم أنه على موعد وثيق مع عثمان بن مظعون رضي الله عنهما، اذ تواثقا ذات يوم أيّهما مات قبل الآخر أن يدفن بجوار صاحبه، وبينما كانت روحه الطاهرة تتهيأ لحلتها الجديدة، كانت عيناه تفيضان دمعا طيبا، ولسانه يتمتم قائلا: اني أخاف أن أحبس عن أصحابي لكثرة ما كان لي من مال، الا أنّ سكينة الله سرعان ما تغشته لتكسو على وجهه غلالة رقيقة من الغبطة المشرقة المتهللة المطمئنة، وكأنه أرهف سمعه لقوله تبارك وتعالى: الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منّا ولا أذى، لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. توفي رضي الله عنه في المدينة في السنة ال 32 للهجرة، عن عمر يناهز ال 57 عاما من عمره الشريف، ودفن في البقيع. فرضي الله عن ابن عوف وعن صحابته وصلى الله وسلم وبارك على من رباهم. 6. أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه: أمين هذه الأمة وأمير الأمراء هو عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن حنبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن كنانة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معبد بن عدنان القرشي الفهري المكي، يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في فهر بن مالك، ويكنى أبو عبيدة، وأمه هي أمية بنت غنم بن جابر بن عبد العزى. مناقبه رضي الله عنه: لقد كان من أحب الناس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أبي بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين، وبحق وبجدارة فقد استحوذ رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتبره أمين أمة الاسلام ، قال عليه الصلاة والسلام: لكل أمة أمينا، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح. هاجر الى الحبشة وشهد بدرا وأبلى بلاء حسنا في أحد، وهو من نزع الحلقتين اللتين دخلتا من المغفر في وجنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضربة أصابته، فانقلعت ثنيتاه، فحسن ثغره بذهابها حتى قيل: ما رؤى هتم قط أحسن من هتم أبي عبيدة، وقيل أن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه من نزع الحلقتين، وأيهما كان صاحب ذاك الشرف الكبير، فكلاهما من العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهما. كان أبو عبيدة رضي الله عنه موصوفا بحسن الخلق، وبالحلم الزائد، والتواضع، وكان رضي الله عنه يمشي بوقار وسكينة من غير تجبّر ولا استكبار، وكان كثير الذكر والسجود لله تعالى، وكان اذا أخطا الجاهل معه صفح عنه وعفا عنه. لم يكن رضي الله عنه مسرفا ولا بخيلا بل كان بين هذا وذاك، ولقد تحقق فيه وصف الله تبار وتعالى لعباده الأتقياء في سورة الفرقان بقوله تعالى: وعبادالرحمن الذين يمشون على الأرض هونا واذا خاطبهم الجاهلون قال سلاما ذوده رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولنترك الصديق رضي الله عنه يروي لنا ذلك: لما كان يوم أحد ورمي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلت في وجنتيه حلقتان من المنفر،أقبلت أسعى اليه، وانسان أقبل من قبل المشرق يطير طيرانا، فقلت: اللهم اجعله طاعة، واذا هو أبو عبيدة قد سبقني اليه، وقال: أسألك بالله يا أبا بكر أن تتركني فأنزعها من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتركته، فأخذ بثنية احدى حلقتي المنفر فنزعها، وسقط على الأرض وسقطت ثنيته معه، ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنية أخرى فسقطت، فكان أبو عبيدة في الناس أشرم. من قتل أبيه يوم بدر (رضي الله عنه) وهو رضي الله تعالى عنه من قتل أباه في معركة بدر، وكان أباه يقاتل الى جانب المشركين، وبقدر ماكتن الأب حريصا على قتل ابنه، قدر ما كان الابن رضي الله عنه يتجنّب لقاء أباه، وعندما لم يجد رضي الله عنه بدا من النجاة من أبيه كان قد قتله، وقد حيّاه الله سبحانه وتعالى أحسن تحية عندما نزل فيه قوله تعالى الذي سيتلى الى يوم القيامة: لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون بين من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو اخوانهم أو عشيرتهم، أولئك كتب في قلوبهم الايمان.... الى قوله تعالى رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا انّ حزب الله هم المفلحون. عندما استبدل أمير المؤمنين عمرأبو عبيدة بدل خالد بن الوليد لقيادة الجيش في احدى المعارك، أخفى أبو عبيدة كتاب عمر، وانتظر حتى اذا انتهت المعركة، ليعرض على خالد كتابه من عمر كنوع من آداء الأمانة، وما أن علم خالد بذلك حتى عاتب أبو عبيدة قائلا: يرحمك الله يا أبو عبيدة ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب؟ أجاب أمين هذه الأمة: اني كرهت أن تكسر عليك حربك، وما سلطان الدنيا نحن نريد، ولا للدنيا نحن نعمل، كلنا في الله أخوة يا خالد. فرضي الله عنهم أجمعين. وتسلم أبو عبيدة رضي الله عنه بعد ذلك قيادة الجيوش في بلاد الشام وحين ترامى على سمعه أحاديث أهل الشام عنه وانبهارهم باخلاصه وقوته وعنفوانه، جمعهم وقام فيهم خطيبا وقال: يا أيها الناس اني مسلم من قريش وما من أحمر ولا أسود يفضلني بتقوى الا وددت أني أهابه. وفاته رضي الله تعالى عنه: توفي رضي الله عنه وهو أمير على الشام الأردن بعد اصابته بداء الطاعون، في السنة ال 18 هجرية، عن عمر يناهز ال 58 من عمرة الشريف. فرضي الله عن أمين الأمة وعن صحابته وصلى الله وسلم وبارك على من رباهم. 7. الزبير بن العوام رضي الله عنه حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم هوالزبيربن العوام بن خويلد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، وابن صفية عمة النبي صلى الله عليه وسلم، ويجتمع في النسب مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصي بن كلاب، وكان يكنى بأبي عبد الله. اسلامه رضي الله عنه أسلم رضي الله عنه وهو ابن ثمان سنين، وهاجر وهو ابن 18 سنة. لايجيء ذكر طلحة بن عبيد الله الا ويأتي ذكر الزبير بن العوام معه، ولا يأتي ذكر الزبير بن العوام الا ويأتي ذكر طلحة بن عبيد الله معه، وعندما آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين أصحابه قبل الهجرة كان النبي صلى الله عليه وسلنم قد آخى بينهما، وكان كثيرا ما يقول: طلحة والزبير جاراي في الجنة. كلاهما رضي الله عنهما يجتمعان في النسب مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب، وكانا رضي الله عنهما من أكثر الناس شبها بالآخر في معايير الحياة، وكان التماثل بينهما كبير في النشأة والثراء، والسخاء وقوة الايمان وروح الشجاعة، وكلاهما رضي الله عنهما من الثمانية السابقين للاسلام. اسلامه رضي الله عنه: أسلم الزبير رضي الله عنه كان وهو لا زال صبيا يافعا لم يتجاوز عمره ال 15 عاما، وبهذا يكون ممّن الذين أنعم اللع عزوجل عليهم ورزقهم النور والهدى في سن مبكرة، وعلى الرغم من شرف نسبه الا أنه لاقى العذاب من عمه الذي كان يعذبه في حصير ويدخن عليه النار كي تزهق روحه وأنفاسه وهو تحت وطأة العذاب، ولكن الله تبارك وتعالى يأبى الا ويتم نوره ولو كره الكافرون. مناقبه رضي الله عنه: - كان رضي الله عنه نعم الزوج كان لنعم الزوجة - ذات النطاقين- أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهم. - وهو رضي الله عنه أحد الثلاثة الذين فازوا بشرف شرب دم المصطفى صلى الله عليه وسلم ( سفينة... ومالك بن سنان... والزبير) والقصة كما يلي: ذات يوم دخل الزبير على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم، فلما فرغ طلبه صلى الله عليه وسلم وقال: يا عبد الله اذهب بهذا الدم فاهرقه حيث لا يراك أحد، فلما ابتعد الزبير عن مرآه صلى الله عليه وسلم عمد الى الدم فشربه، فلما رجع، قال له صلى الله عليه وسلم: ما صنعت بالدم؟ اجاب: لقد أخفيته في مكان يخفى على الناس، فقال له صلى الله عليه وسلم: لعلك شربته؟ وما أن أجاب بنعم، حتى قال صلى الله عليه وسلم: ولم شربته؟ قال: لأني أحببت أن يكون دم رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوفي، عندها وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده الشريفة على رأسه وقال: ويل لك من الناس وويل الناس منك، لا تمسك النار الا قسم اليمين، وهذه اشارة منه صلى الله عليه وسلم الى قوله تبارك وتعالى: وما منكم الا واردها. - وكان رضي الله عنه في غاية الوثوق بالله تعالى والاقبال عليه، والرضا بحكمه والاستعانة به، فعن ولده عبد الله رضي الله عنهما قال: لما وقف الزبير يوم الجمل، دعاني فقمت الى جنبه فقال: يا بني! لا يقتل اليوم الا ظالما أو مظلوما، واني أراني الا سأقتل،ثم قال: يا بني بع مالنا واقض ديني، فان فضل منه شيئا بعد قضاء الدين فثلثه لولدك، وان عجزت عن شيء فاستعن عليه بمولاي، فقلت: يا أبت من مولاك؟ فقال رضي الله عنه: الله عزوجل. فو الله ما وقعت بكربة من دينه الا قلت يا مولى الزبير اقض عنه فيقضه. لقد كان حظه من النبي صلى الله عليه وسلم عظيما ووافرا، وكان صلى الله عليه وسلم يتباهى به ويقول: انّ لكل نبي حواري، وأنا حواريّ الزبير بن العوام. انّ الزبير بن العوام رضي الله عنه لم ينل تلك المكانة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا لنسبه ودرجة قرابته منه صلى الله عليه وسلم وانما لأنه الصحابي الوفي ، والقوي الشجاع الأبيّ، والجواد البائع نفسه وماله لله تعالى رب العالمين. - لقد كان يدير تجارة رابحة ناجحة، ورغم أن ثراءه كان عريضا، الا أنه حين مات مات مديونا، حتى وهو يجود بروحه الطاهرة رضي الله عنه. زوجاته وأبناءه رضي الله عنه: كان له رضي الله تعالى 15 بين ولدا وبنتا، وكان رضي الله عنه يختار أسماء لأولاده من الشهداء الذين يسقطون في ساحة الشرف. - أسماء بنت أب بكر الصديق وولدت له عبد الله وعروة والمنذر وعائشة. - أم خالد بنت خالد بن سعيد وولدت له عمرو وخالد وحبيبة وسودة. - أم رباب بنت أنيف وولدت له مصعب وحمزة ورملة. - زينب بنت بشر وولدت له عبيدة وجعفر وحفصة. - أم كلثوم بنت عقبة وولدت له زينب. وفاتهرضي الله تعالى عنه: في موقعة الجمل التي وقعت بين معاوية الذي خرج مطالبا بدم عثمان، وبين علي رضي الله عنهم، وكان الزبير من أنصار معاوية بداية، ولكن بعدما تبيّن له الحق انسحب من القتال ولم يشترك فيه ضد أي طرف منهما. مات اغتيالا وهو قائم يصلي على يد عمرو بن جرموز في شهر رجب سنة 36 هجرية، نتيجة رفضه الاشتراك في موقعة الجمل بين علي ومعاوية رضي الله عنهم، وجاء ابن جرموز الى عليّ متقربا اليه بسيف الزبير رضي الله عنه، فاخذ علي رضي الله عنه السيف منه فبكى وقبله، ثم قال: سيف طالما والله جلا به صاحبه الكرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبشّر ابن جرموز بالنار. فرضي الله عن ابن العوام وعن صحبه وصلى الله وسلم وبارك على من رباهم. 8- طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أول مسلم يوثق بالجبال هو طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب، يجتمع في النسب مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب، ومع أبو بكر الصديق رضي الله عنهما في تيم بن مرة، يكنى بأبي محمد، وأمه الصعبة بنت الحضرمي ، وبذلك يكون الصحابي الجليل العلاء بن الحضرمي الذي اختفى من قبره بعد دفنه شهيدا خاله رضي الله عنهما. اسلامه رضي الله عنه أسلم بعد أبو بكر مباشرة، وكلاهما رضي الله عنهما قد أوذيا في سبيل الله، وكان نوفل بن خويلد بن العدوية قد أوثقهما معا في حبل واحد وعذبهما عذابا شديدا كي يرتدا عن دينهما، وهما أول مسلمين يوثقا بالحبال، ولذلك فقد سميّا بالقرينين. هاجر الى المدينة ولكنه غاب عن وقعة بدر في تجارة له بالشام وتألم لغيبته، وفي رواية أخرى أنه صلى الله عليه وسلم كان أرسله ومعه سعيد بن زيد رضي الله تعالى عنهما في مهمة خارج المدينة، وأيا كانت الروايات فقد ضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره، وفي غزوة أحد شلت يده رضي الله عنه وهو يدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم ويدرأ عنه الخطر، وكان يعرف بطلحة الخير، وطلحة الفيّاض وطلحة الجواد لكثرة انفاقه في سبيل الله تبارك وتعالى. ولبسالته وبطولته في غزوة أحد كان رضي الله عنه صنديدا يدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، دفاع المستميت كيلا يصيب النبي صلى الله عليه وسلم أدنى أذيّة او مكروه، وخير من يشهد على ذلك من البشر: أبو بكر الصديق رضي الله عنه الذي قال: يوم أحد كان كله طلحة. مناقبه رضي الله عنه كان رضي الله عنه لا يهدأ له جفن ولا تغمض له عينين قبل أن يوزّع كل أمواله على ذوي الحاجات، وصدق الله تعالى القائل الطيبات للطيبين، فامرأته سعدى بنت عوف عندما كانت تجده ثائرا، قلقا على مال يبات في بيته كانت تقول له: وزّع مالك يا طلحة حتى تنام قرير العين، أين هنّ نساء اليوم من أمر كهذا؟ نساء اليوم اللاتي ان كان هناك نزعة خير في زوجها وهي تقول له: الأولاد والمستقبل، خبيء قرشك الأبيض ليومك الأسود، والله تعالى يقول: نحن نرزقهم واياكم. موقفه رضي الله عنه من موقعة الجمل ان طلحة كان قد ناصر المعارضة ضد عثمان رضي الله عنهما، لم يكن يدرك أن حياة عثمان ستنتهي بهذه الطريقة البشعة التي حوصر بها، وبعد مقتل عثمان تأثر طلحة رضي الله عنه، تأثرا شديدا واعتبر نفسه شريكا في جريمة مقتله، وطرفا في المؤامرة الدنيئة التي حيكت ضد عثمان رضي الله عنه ، ولو أنه يعلم حجم الفتنة التي أودت بحياة عثمان لقاومها. لقد شكل مقتل عثمان لدية عقدة لازمته بقية عمره، وبعد أن آلت الخلافة الى علي رضي الله عنه، طلب من طلحة والزبير رضي الله عنهم مرافقته الى العمرة، وبعد أن أدوا المناسك اتجه كل من الزبير وطلحة رضي الله عنهما الى البصرة ، ليجدوا جيشا جرارا بقيادة معاوية استعد ليقاتل عليا رضي الله عنهم، ورغم أن علي كرم الله وجهه حاول تجنب الفتنة وقطع دابرها حقنا لدماء المسلمين الا أنه لم يتمكن، وعندما لم يجد بدا ومهربا من مصير كهذا قرّر أن يقطع دابرالفتنة بمقاتلة معاوية كونها الفئة الباغية حتى تفيء الى أمر الله، وعندما لمح علي كرّم الله وجهه هودج عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها يتقدّم جيش معاوية بكى بكاء شديدا، وسرعان ما لمح طلحة والزبير رضي الله عنهما مع جيش معاوية،وبأعلى صوته الجهوري نادى عليهما وقال للزبير رضي الله عنه:أتذكر مقولة النبي صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر ستقتلك الفئة الباغية؟ وعندما رأى الزبير عمار يقاتل في جيش علي كرم الله وجهه أدرك أن جيش معاوية هي الفئة الباغية، عندها فقط انسحب كل من طلحة والزبير من القتال الدائر بينهما رضي الله عنهما، وبعد أن عاد كل منهما الى داره، انقض عمرو بن جرموز على الزبير رضي الله عنه وهو قائم يصلي بين يدي الله تبارك وتعالى، وطلحة رضي الله عنه كان مروان بن الحكم قد رماه بسهم أصابه في ركبته، وبقي ينزف حتى مات، وكان ذلك في السنة ال 35 هجرية، عن عمر يناهز ال 53 من عمره الشريف. فرضي الله عن طلحة وعن صحبه وصلى الله وسلم وبارك على من رباهم. يتبع..... |
9. سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: كان مستجاب الدعوة ومسدّد الرمية هوسعد بن مالك بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة، يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في كلاب بن مرة، وبنو زهرة أخوال النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم عن سعد هذا خالي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يلاعبه ويداعبه ويقول: هذا خالي فليرني امريء خاله. امه هي حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، لم تسلم، وكان يكنى بأبي اسحق. اسلامه رضي الله عنه أسلم رضي الله عنه وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان من السابقين الى الاسلام، حتى قال: رأيتني وأنا ثلث الاسلام. عندما علمت أمه باسلامه كانت ترغمه على ترك دين الاسلام، وحلفت ألا تكلمه أبدا ولا تأكل ولا تشرب حتى يكفر بالاسلام، وامتنعت عن الطعام والشراب حتى ظهر عليها الجهد، فقال لها سعد رضي الله عنه: يا أمه تعلمين والله لو كان لك 100 نفس، فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني، ان شئت فكلي أو لا تأكلي ، فأنزل الله تعالى قرآنا يتلى الى يوم القيامه يحييه رضي الله عنه على مواقفه الشجاعة بقوله جل وعلا: وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا، واتبع سبيل من أناب اليّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعلمون مناقبه رضي الله عنه: كان رضي الله عنه أول من رمى بسهم في سبيل الله، وكان مستجاب الدعوة لدعوة دعاها النبي صلى الله عليه وسلم له: اللهم استجب لسعد اذا دعاك. بطل القادسية ونهاوند وجلولا وأم المدائن رضي الله عنه تلك المعارك الأربعة التي خاضها الأسد في براثنه سعد، كانت في عهد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. موقعة القادسية قادها ضد الفرس بقيادة رستم الذي قتل في المعركة ليفرّ جنود الفرس ويحقق المسلمون انتصارا ساحقا جعل جنود الفرس يتهاوون أمام المسلمون تهاوي الجراد المنتشر. أما موقعة نهاوند فهي الموقعة التي انتصر فيها المسلمون على كسرى واستولوا على ايوانه وتاجه كغنيمة لهم وفيء. أما موقعة جلولا فكان النصر للمسلمين، واستأصل الله فيها الأكاسرة على يديه رضي الله عنه. اما موقعة أم المدائن والتي خاضها المسلمون ضد الفرس، فقد كانت معجزة الهية كمعجزة موسى عليه السلام بفرعون والذي أغرقه الله تعالى في البحر، فسعد الذي يقابل عدوه المرابط على الضفة الأخرى من نهر دجلة بدأ يفكر كيف يخوض البحر بجنوده دون أن يصيبهم أذى أوينسحب جيش المسلمين أو يجبن فتنكسر شوكة المسلمين، ولصفاء السريرة وصدقها مع الله تعالى فقد هداه الله لخطة معركة أذهلت سعد نفسه، وخرج المسلمون من نهر دجلة كما دخلوه دون أن يخسروا جنديا واحدا، وكان سعد قد طلب من جنوده قبل أن يخوضوا البحر أن يقولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل. اقتحم سعد رضي الله عنه بفرسه نهر دجلة، واقتحمه جنوده من بعده دون أن يتخلف عنه جنديا واحدا، ولصفاء النفوس وصدقها مع الله تبارك وتعالى فقد هيأ الله لهم السبل وساروا في النهر وكأنهم يسيرون على وجه الأرض، وبدؤوا يتجاذبون أطراف الحديث وكأنهم ليسوا في غمار الماء، حتى ملئوا ما بين الجانبين، ولم يعد وجه الماء يرى من أفواج الفرسان، حتى بات ولكأنه يخيّل للناظر اليهم أنهم يمشون على سطح الماء، وذلك بسبب الأمن والأمان والطمأنينة التي اعترتهم من رأسهم حتى أخمص قدميهم بعد دعاءهم الصادق: حسبنا الله ونعم الوكيل. موقفه من الفتنة ويمتد العمر بسعد رضي الله عنه حتى يشهد الفتنة التي وقعت بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، ويعتزلها ويأمر أهله باعتزالها، وليس هذا فحسب بل طلب منهم بألا ينقلوا اليه حتى أخبارها، وبعد أن انتهى الأمر لصالح معاوية، واستقرّت مقاليد الحكم اليه، التقاه معاوية رضي الله عنه ، وسأله: ما بالك يا سعد لم تقاتل معنا؟ أجابه رضي الله عنه: لأني مررت بريح مظلمة فقلت: أخ.. أخ، واتخذت من راحلتي حتى انجلت عني، فقال له معاوية رضي الله عنه: ولكن في كتاب الله لا يوجد أخ..أخ وانما قال تعالى: وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فان بغت احداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى أمر الله، فان فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا ان الله يحب المقسطين وكما نرى فلم يخرجهم القتال فيما بينهم عن صفة الايمان، وكما نرى فقد سماهم الله تعالى بالمؤمنين مع الاقتتال، ومن هذه الآية الكريمة استدل البخاري على أن المعصية وان عظمت لا تخرج المؤمن من ايمانه. ثم قال معاوية رضي الله عنهم: ما منعك أن تسبّ أبا تراب (يقصد عليا رضي الله عنه)؟ أجابه: سأذكر لك ثلاثا قالهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وواحدة منها تمنعني من سبّه، ولواحدة منها أحب الي من حمر النعم: - سمعت علي رضي الله عنه يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما خلفه في بعض مغازيه: يا رسول الله أتخلفني مع النساء والصبيان؟ أجابه صلى الله عليه وسلم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبوة بعدي؟ - وسمعته صلى الله عليه وسلم يقول يوم خيبر: لأعطينّ الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، فتطاولنا اليها، فقال صلى الله عليه وسلم: ادعوا لي عليا، فأتى به أرمد فبصق في عينيه ودفع اليه الراية، ولما نزل قوله تعالى:انما يريد ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا رضي الله عنهم فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي. - وقال عليه الصلاة والسلام: من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وقال علي كرم الله وجهه: والله الذي خلق الجنة وبرأ النسمة انه لعهد النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لا يحبني الا مؤمن، ولا يبغضني الا منافق. فقال له معاوية رضي الله عنه: وأنت لم تكن مع الفئة العادلة ولا الباغية، أجابه سعد رضي الله عنه: ما كنت لأقاتل رجلا قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبيّ بعدي لقد كان لسعد سلاحان يتسلح بهما في حياته: رميه لقوسه الذي لا يخطىء الهدف، ودعوته المستجابة، وقد اكتسب هاتان الصفتان المحمودتان من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم حين دعا له: اللهم سدد رميته وأجب دعوته وذات يوم رأى سعد رضي الله عنه رجلا يسب طلحة وعلي والزبير فنهاه فلم ينته، فقال له: اذن أدعو عليك، فأجابه الرجل: تهددني وكأنك نبي، فتوضأ سعد وصلى ركعتين ثم رفع يديه الى السماء وقال: اللهم ان كنت تعلم أن هذا الرجل قد سبّ أقواما سبقت لهم منك الحسنى، وأنّه قد أسخطك فاجعله أية لمن يعتبر. ولم يمض وقتا طويلا على دعوته حتى خرجت ناقة من احدى الدور، ودخلت بين الزحام وكأنها تبحث عن شيء حتى اذا اقتحمت الرجل فأخذته بين قوائمها، وما زالت تتخبطه حتى أهلكته وقضى نحبه. ان سعد رضي الله عنه كان يتمتع بخصلتان محمودتان جليلتان قلما تجتمعان في رجل واحد: تحريه الحلال، والانفاق في سبيل الله بسخاء بلا حدود. وفاته رضي الله عنه توفي رضي الله عنه سنة 55 هجرية عن عمر يناهز ال 82 عاما من عمره الشريف، ودفن في البقيع. فرضي الله عن بطل القادسية وعن صحبه وصلى الله وسلم وبارك على من رباهم. 10. سعيد بن زيد رضي الله عنه كان مستجاب الدعوة ودعوة أبيه في هداه رضي الله عنهما هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي العدوي، يجتمع في النسب مع النبي صلى الله عليه وسلم في كعب بن لؤي، وهو ابن عم الفاروق وصهره من ناحيتين: كل منهما كان متزوجا بأخت الآخر، فسعيد متزوج من فاطمة بنت الخطاب، وعمر متزوج من عاتكة بنت سعيد رضي الله تعالى عنهم أجمعين. كان من السابقين الى الاسلام، وكان سعيد وزوجته سببا في اسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها عدا موقعة أحد حيث كان في مهمة له خارج المدينة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد انتدبه اليها، ورمى له فيها صلى الله عليه وسلم سهمه وأجره. والده (زيد بن عمرو رضي الله عنه) يبعث أمة وحده كان والده زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه فريدا في عصره وزمانه، فقد كان الناس يعبدون الأصنام وهو يعبد الواحد الديان، فخرج من صلبه هذا الابن المبارك سعيد رضي الله عنهما ليكون أحد الذين بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة. كان زيد بن عمرو والد سعيد رضي الله عنهما يحيي الموؤودة، وكان يقول للرجل اذا أراد أن يقتل ابنته: مه! لا تقتلها، انا اكفيك مؤنتها، فيأخذها ويربيها ، ثم بعد ذلك يقول لابيها: الآن ان شئت الآن فخذها وأنا اكفيك مؤنتها. لقد كان والده رضي الله عنهما يتبّع دين خليل الله ابراهيم عليه الصلاة السلام، وكان يقول: أعبد رب ابراهيم، وكان يعيب قومه الذين يعبدون الأصنام ويقتلون الموؤودة ويذبحون ما أهلّ لغير الله، وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل شيخا كبيرا مسندا ظهره الى الكعبة وهو يقول: يا معشر قريش! والذي نفس زيد بن عمرو بيده، ما أصبح منكم أحد على دين ابراهيم غيري، ثم يقول: اللهم لو أني أعلم أيّ الوجوه أحبّ اليك عبدتك به، ولكني لا أعلمه، ثم يسجد على راحته. وقال ابن اسحق رحمه الله: أن سعيد بن زيد وابن عمه عمر بن الخطاب رضي الله عنهما كانا يسألان النبي صلى الله عليه وسلم: أنستغفر لزيد بن عمرو؟ قال: نعم، فانه يبعث أمة وحده. وكان الخطاب قد آذى أخيه زيدا حتى كان يخرجه الى أعلى مكة، فينزل حراء مقابل مكة، ووكل الخطاب شبابا من شباب قريش وسفهائهم’ فقال لهم: لا تتركوه يدخل مكة حتى لا يفسد علينا ديننا، ثم خرج يطلب دين ابراهيم عليه الصلاة والسلام ويسأل الرهبان والأحبار حتى اذا بلغ الموصل أقبل الشام لينتهي الى راهب في البلقاء- عمّان اليوم- كان ينتهي اليه علم النصرانية، فسأله عن الحنيفية دين ابراهيم عليه الصلاة والسلام، فقال له: انك لتطلب دينا ما أنت بواجد من يحملك عليه اليوم، ولكن قد أظلّ زمان نبي يخرج من بلادك التي خرجت منها يبعث بدين ابراهيم الحنيفية، فالحق بها، فانه مبعوث الآن، وهذا زمانه، فخرج سريعا يريد مكة بعدما سمع ما سمع من الراهب، حتى اذا توسط بلاد لحم عدوا عليه فقتلوه ، وفي آخر رمق من حياته رفع بصره الى السماء وقال: اللهم ان كنت حرمتني من هذا الخير فلا تحرم منه ابني سعيدا، فرضي الله عنه وأرضاه باذن الله تعالى. واستجاب الله لدعوته المباركة وكان ابنه سعيد رضي الله عنهما من السابقين الى الدخول في الاسلام، وكان رضي الله عنه قد أسلم قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم. ولقد نال سعيد رضي الله عنه النصيب الأوفر من العذاب في سبيل الله شأنه شأن غيره من الذين اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم. زوجته رضي الله عنه هي فاطمة بنت الخطاب أخت الفاروق عمر بن الخطاب، وقد أسلمت مع زوجها ليكونا سببا في اسلام جبار الجاهلية عمر لينقله الاسلام نقلة توصله الى رضوان الله تبارك وتعالى وتخرجه من الظلمات الى النور برحمته سبحانه وتعالى. فضائله رضي الله عنه كان مستجاب الدعوة، وهو من العشرة بالجنة. وفاته رضي الله عنه وبعد تاريخ حافل بالعطاء والتضحية والجهاد في سبيل الله، رحل سعيد بن زيد رضي الله عنهما عن دنيا الناس الى جنة الرحمن، وتوفي بالعقيق فحمل الى المدينة ودفن فيها، وقد غسله سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما، ونزل في قبره مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهم، وذلك سنة 50 للهجرة عن عمر بضع وسبعون عاما من عمره الشريف والمبارك. فرضي عن سعيد وعن صحبه وصلى الله وسلم وبارك على من رباهم. وليس العشرة المبشرينبالجنة، هم فقط أصحابها، فهناك أيضا: أهل بدر وعددهم 313 وأهل الحديبية وعددهم 1500 وأهل بيعة الرضوان وعددهم 1400هؤلاء جميعا من أهل الجنة انشاء الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لن يدخل النار رجل شهد بدرا والحديبية-- وفي حديث آخر قال النبيصلى الله عليه وسلم لن يدخل النار ممّن بايع تحت الشجرة— والله عزوجل يؤكد لعباده أنّ جميع أهل بيعة الرضوان من أهل الجنة، يقول تبارك وتعالى في سورة الفتح 19: لقد رضي الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا وعن جابر رضي الله عنه قال: أخبرتني أم مبشر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة رضي الله عنها:لا يدخل النار انشاء الله من أصحاب الشجرة أحد بايعوا تحتها، فقالت (أي حفصة رضي الله عنه) : بلى يا رسول الله!فانتهزها، فقالت قوله تعالى: وما منكم الا واردها، فقال: قال عزوجل: ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا. وقد قال الحافظ بن حجر رحمه الله: قال أبو محمد بن حزم: الصحابة كلهم من أهل الجنة قطعا، لقوله تبارك وتعالى: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والحسنى هنا هي الجنة. فثبت ان جميع الصحابة انشاء الله تعالى من أهل الجنة، وهم المخاطبون بقوله تبارك وتعالى، والله وحده أعلم. ب- المقطوع لهم بالجنة اما المقطوع لهم بدخول الجنة انشاء الله تعالى منهم من ذكرهم الله عزوجل في كتابه الكريم، ومنهم من ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم سواء وهم أحياء او بعد مماتهم، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. وهم على التوالي: سيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين وأمهما فاطمة الزهراء وجدتهما خديجة الكبرى...آسية بنت مزاحم امراة فرعون... الرميصاء أم انس بن مالك... سميرة الأسدية... بلال بن رباح... عبد الله بن سلام... حارثة بن النعمان... عكاشة بن محصن... جعفر الطيار بن أبي طالب... زيد بن حارثة... عبد الله بن رواحة... ثابت بن قيس... أبو الدحداح... ورقة بن نوفل..عمير بن الحمام حارثة بن سراقة... حبيب النجار... وآل ياسر، وغيرهم ممن لم تسعفني الذاكرة في ذكرهم ، رضي الله عنهم أجمعين. والآن نتستعرض هؤلاء السعداء رجالاكانوا أم نساء بشيء من التفصيل نبدؤهم بسيدا شباب أهل الجنة. 1- الامام الحسن بن علي رضي الله عنهما هو الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن مناف، وأمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجدتهما خديجة بنت خويلد الكبرى رضي الله تعالى عنهم أجمعين وأرضاهم. ولد أبو محمد الحسن في المدينة سنة ثلاث من الهجرة المباركة، وعقّ عنه جده المصطفى صلى الله عليه وسلم بكبش وعن أخيه الحسين بكبش رضي الله عنهما، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحمله على عاتقه ويمص لسانه، ويقول: اللهم اني أحبه فأحبه وأحب من يحبه. وكان صلى الله عليه وسلم يشمّ الحسن والحسين ويضمّهما اليه ويقول: هما ريحانتاي من الدنيا، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني. مناقبه رضي الله عنه: كان الحسن رضي الله عنه حليما ذات سكينة ووقار وحشمة، جوادا، ممدوحا، يكره الفتن والسيف، ولذا فقد تنبأ له جده صلى الله عليه وسلم نبوءة بقوله: ابني هذا سيدا ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين. وقد صدقت نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث بعدما بايعه المسلمون على خلافة الكوفة بعد مقتل والده رضي الله عنهما، أوعز اليه أهل العراق بقتال معاوية رضي الله عنه، وكادت أن تقع فتنة عظيمة بين الحسن ومعاوية رضي الله عنهما لولا حلم الحسن الذي قضى على دابرها بأن أرسل الى معاوية وكاتبه على الصلح وتسليم الأمر اليه، وكان ذلك في شهر ربيع الأول لسنة 41 هجرية، ثم ارتحل الحسن رضي الله عنه عن الكوفة الى المدينة فأقام بها، وبذلك ماتت الفتنة، وحقنت دماء المسلمين، وصدقت نبوءة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم. عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا حذيفة، جاءني جبريل فبشرني أن الحسين والحسين سيدا شباب أهل الجنة. وعنه رضي الله عنه، انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: هذا ملك لم ينزل قبل هذه الليلة، استأذن ربه أن يسلم عليّ ويبشرني بانّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وأنّ الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم يخطب فأقبل عليه الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران ، يعثران، ويقومان، فنزل صلى الله عليه وسلم فأخذهما فوضعهما بين يديه ثم قال: صدق الله - انما أموالكم وأولادكم فتنة. وعن شداد قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حاملحسنا وحسينا فتقدّم، فوضعه فكبّر في الصلاة، فسجد سجدة أطالها، فرفعترأسي، فاذا الصبي على ظهره، فرجعت في سجودي، فلما قضى صلى الله عليه وسلم صلاته، قالوا: يا رسول الله! انك أطلت السجود، فقال صلى الله عليه وسلم: ان ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته. أبناؤه رضي الله عنه: كان الحسن رضي الله عنه كثير الزواج، وقد تزوج ما يزيد عن 70 امرأة، وأولاده هم محمد، زيد، طلحة، القاسم، ابوبكر، عبدالله، وهؤلاء قتلوا في كربلاء مع عمهم الحسين رضي الله عنه، وعبد الرحمن والحسين ومحمد ويعقوب واسماعيل. وفاته رضي الله عنه: توفي رضي الله عنه بالمدينة مسموما في السنة ال 50 هجرية عن عمر يناهز ال 47 عاما من عمره الشريف، ودفن في البقيع بجانب أمه فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنهم أجمعين. 2- الامام الحسين بن علي رضي الله عنهما هو الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، ،امه فاطمة الزهراء بنت محمد صلى الله عليه وسلم، وقد ولد أبو عبد الله الحسين في المدينة في المنورة شهر شعبان سنة أربع من الهجرة المباركة. عن يعلي بن مرة حدّث أصحابه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حسين مني وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسينا، حسين سبط من الأسباط. وفاته رضي الله عنه: قتل الحسين رضي الله عنه يوم عاشوراء بكربلاء سنة 61 للهجرة، وذلك عندما خرج على يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تنبأ بمقتله رضي الله عنه. - فقد قال علي رضي الله عنه: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعيناه تفيضان، فقال صلى الله عليه وسلم: قام من عندي جبريل، فحدّثني أن الحسين يقتل، وقال: هل لك أن أشمّك من تربته؟ قلت: نعم. فمدّ يده فقبض قبضه من تراب، قال: فأعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا. - وعن أبي أمامة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنساءه: لا تبكوا هذا يعني حسينا، وكان يوم أم سلمة، فنزل جبريل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: لا تدعي احدا يدخل، فجاء حسين فبكى فخليته يدخل، فدخل حتى جلس في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال جبريل: ان أمتك ستقتله، قال صلى الله عليه وسلم: يقتلوه وهم مؤمنون؟ قال: نعم! وأراه تربته. - وعن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهن، أن رسول الله صلى الله عليه وسلمقال: دخل عليّ البيت ملكا لم يدخل عليّ قبلها، فقال لي: انّ ابنك هذا حسينا مقتول، وان شئت أريتك تربة الأرض التي يقتل بها، فأخرج تربة حمراء. وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم بنصف النهار وهو قائم أشعث أغبر وبيده قارورة فيها دم، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ماهذا؟ قال صلى الله عليه وسلم: هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم، فأحصينا ذلك اليوم، فوجدوه قتل في ذلك اليوم. فرضي الله عن السبطين الشهيدين وعن أمهما فاطمة الزهراء وعن جدتهما خديجة الكبرى وعن أباهما أبا تراب وصلى الله وسلم على من رباهم. 3- السيدة: خديجة بنت خويلدرضي الله عنها المرأة الوحيدة التي وصلها سلام من الله عزوجل هي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، تجتمع في النسب مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصي بن كلاب، وتكنى رضي الله عنها بأم القاسم، وأمها فاطمة بنت زائدة العامرية، وهي أقرب نساءه صلى الله عليه وسلم بالنسب، ولم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم غيرها حتى ماتت، ولم يتزوج من ذرية قصي غيرها الا حبيبة رضي الله عنهنّ أجمعين. زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بها رضي الله عنها كان قد سافر بمالها في تجارة الى الشام، وكان لها غلاما اسمه ميسرة كانت ترسله معه صلى الله عليه وسلم كي يراقبه في البيع والشراء والتعامل، ولما رأى ميسرة أمانة النبي صلى الله عليه وسلم وصدقه في التعامل ونقل تلك الصفات الحميدة لها رضي الله عنه رغبت في الزواج منه عليه الصلاة والسلام، فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تكبره ب 15 عاما، وكانت رضي الله عنها متزوجة في الجاهلية من عتيق بن عائذ المخزومي، ثم من أبو هالة فولدت له ولدا، وكلا زوجيها ماتا قبل الاسلام. مناقبها رضي الله عنها: - هي المرأة الوحيدة التي بلغها سلام من رب العالمين تبارك وتعالى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! هذه خديجة قد أتت، معها اناء فيه شراب، فاذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربك عزوجل، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب. ذلك لأنها رضي الله عنها، أجابت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم للاسلام طوعا، وأزالت عنه كل تعب ونصب، وآنسته من كل وحشة، وهوّنت عليه كل عسير، وقالت له: أبشر، والله لا يخزيك الله أبدا. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة من كثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم اياها، وتزوجني بعدها بثلاث سنين، وأمره ربه عزوجل أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب. وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: أفضل نساء العالمين خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسيّة بنت مزاحم امرأة فرعون. وعن عمار بن ياسر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لقد فضلت خديجة على نساء أمتي، كما فضلت مريم على نساء العالمين. - هي رضي الله عنها أول من آمن برسالته صلى الله عليه وسلم وصدقته، ومضت به صلى الله عليه وسلم الى ابن عمها ورقة بن نوفل الذي أكدّ لها نبوته، وتصرف كهذا منها رضي الله عنها، ان دلّ على شيء فانما يدلّ على رجاحة عقلها ورباطة جأشها وقوة يقينها وصحة عزمها رضي الله تعالى عنها. وكان صلى الله عليه وسلم يثني عليها ويفضلها على سائر أمهات المؤمنين ويبالغ في تعظيمها بحيث أثار غيرة عائشة رضي الله عنها والتي كانت تقول: ما غرت من امرأة، ما غرت من خديجة من كثرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم اذا ذبح شاة يقول: أرسلوا بها الى أصدقاء خديجة، وقال صلى الله عليه وسلم: اني رزقت حبها. ومن مناقبها وكرامتها رضي الله تعالى عنها انه صلى الله عليه وسلم لم يتزوج غيرها قط حتى ماتت رضي الله عنها، ورزقه الله تعالى منها بالولد. أولادها رضي الله تعالى عنها: ولدت خديجة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: القاسم وعبد الله الملقب بالطيب والطاهر وقد ماتوا جميعا وهم رضّع رضي الله عنهم وأرضاهم، ورقيّة وزينب وأم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهن وأرضاهن. وفاتها رضي الله عنها: ماتت رضي الله عنها بعد البعثة المحمدية المباركة بعشر سنين، في شهر رمضان عن عمر يناهز ال 65 من عمرها المبارك، ودفنت بالحجون، وأقامت مع النبي صلى الله عليه وسلم 25 عاما من عمريهما الشريف. فرضي الله عن خير معين وسند لمن أرسله رحمة للعالمين، وصلى الله وسلم عليه عدد خلقك ورضا نفسك ومداد كلماتك وزنة عرشك. 4- السيدة: فاطمة بنت رسول اللهصلى الله عليه وسلم الطاهرة المطهرة البتول: سيدة نساء أهل الجنة ولدت رضي الله تعالى عنها قبيل بعثة والدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقليل، وهي أصغر اخواتها رضي الله تعالى عنهن أجمعين وأرضاهن. زواجها رضي الله عنها تزوجها علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه في شهر ذي القعدة من السنة الثانية للهجرة بعد وقعة بدر مباشرة، وولدت له الحسن والحسين، وام كلثوم وزينب، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين. أبناءها رضي الله عنه: الحسن والحسين وزينب الكبرى وام كلثوم وكان عمر الفاروق قد تزوج أم كلثوم، وابن عمها عبد الله بن جعفر تزوج من زينب رضي الله تعالى عنهم. مناقبها رضي الله عنها: - عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هذا ملك لم ينزل من قبل هذه الليلة، استأذن ربه أن يسلم عليّ وبشرّني بأنّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنة. - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: فاطمة سيدة نساء أهل الجنة الا ما كان من مريم بنت عمران. - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأنّ مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى اله عليه وسلم: مرحبا بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه، ثم أسرّ لها حديثا فبكت، فقلت لها: لم تبكين؟ ثم أسرّ لها فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن، فسألتها عما قال صلى الله عليه وسلم، فقالت رضي الله عنها: ما كنت لأفشي سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.، حتى اذا قبض فسألتها، فقالت رضي الله عنها: أسرّ الى أنّ جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وأنه عارضني العام مرتين، ولا أراه الا حضر أجلي، وانك أول أهل بيتي لحاقا بي، فبكيت. فقال: أما ترضين أنك سيدة نساء اهل الجنة- أو نساء المؤمنين- فضحكت لذلك. - لقد كانت رضي الله عنها تشبه والدها المصطفى صلى الله عليه وسلم في سمته وهديه ومشيته، وكان صلى الله عليه وسلم يحبها ويكرمها، وكان يمر على بيتها بعد ان تزوجها علي كرم الله وجهه بستة أشهر ويقول صلى الله عليه وسلم: الصلاة، انما ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهكم تطهيرا. - لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أنّ عليّا همّ بما رآه سائغا من خطبة ابنة أبي جهل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تجتمع بنت نبي الله وبنت عدو الله، وانما فاطمة بضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها. فترك علي كرم الله وجهه الخطبة، فما تزوج عليها ولا تسرّى عليها ما أبقاها الله تعالى زوجة له رضي الله عنهما. وفاتها رضي الله عنها: مات رضي الله تعالى عنها بعد والدها النبي صلى الله عليه وسلم بستة شهور، سنة11 هجرية، عن عمر يناهز ال 24 عاما من عمرها الشريف والمبارك، وهي الوحيدة من بين أخواتها رضي الله عنهن من رزقها الله بالذرية. رضي الله عنك وأرضاك وصلى الله على أبوك خير البرية جمعاء، وخاتم الأنبياء والمرسلين ما هبّت النسائم وما ناحت على الأيك الحمائم. يتبع |
5- امرأة فرعون- أسيّة بنت مزاحم- رضي الله عنها من بنى الله لها قصرا في الجنة هي زوجة وابنة عم فرعون مصر الطاغية الجبار الذي ادعى الربوبية والألوهية لعنة الله عليه. وهي من أنزل الله تعالى بها قرآنا خالدا يتلى الى يوم القيامة: ضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون اذ قالت ربّ ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين هي من فضيلات نساء أهل الجنة، لقول ابن عباس رضي الله عنهما، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسيّة بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران رضي الله عنهن أجمعين. وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسيّة امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد. وفاتها رضي الله عنها: رواية أولى: آمنت أسيّة بموسى عليه السلام حين سمعت بتلقف عصا موسى لما صنعه سحرة فرعون، وكانت تسأل من غلب! فيقال لها: موسى وهارون عليهما السلام، فتقول: آمنت برب موسى وهارون، فأرسل اليها فرعون فقال: انظروا أعظم صخرة تجدونها، فان مضت على قولها فألقوها عليها، وان رجعت عن قولها فهي امرأتي، فلما أتوها رفعت بصرها الى السماء فأبصرت بيتها في الجنة، فمضت على قولها وانتزعت روحها، وألقيت الصخرة على جسد ليس فيه روح. رواية ثانية:قال أبو العالية: اطلع فرعون على ايمان امرأته فخرج على الملأ فقال لهم: ما تعلمون من آسيّة بنت مزاحم؟ فأثنوا عليها، فقال لهم: انها تعبد الها غيري، فقالوا لها: اقتلها، فأوتد لها أوتادا، وشدّ يديها ورجليها، فقالت: رب ابن لي عندك بيتا في الجنة، ووافق ذلك حضور فرعون، فضحكت حين رأت بيتها في الجنة، فقال فرعون: ألا تعجبون من جنونها، انا نعذبها وهي تضحك، فقبض الله روحها. رواية ثالثة: قال أبو هريرة رضي الله عنه: انّ فرعون وتد لامرأته أربعة أوتاد في يديها ورجليها، فكانوا اذا تفرقوا عنها أظلتها الملائكة عليهم السلام فقالت: رب ابن لي عندك بيتا في الجنة، فشكف لها عن بيتها في الجنة. ولعل رواية أبو هريرة رضي الله تعالى عنه هي الأقرب للحقيقية لقوه تبارك وتعالى: وفرعون ذي الأوتاد* الذين طغوا في البلاد* فأكثروا فيها الفساد* فصبّ عليهم سوط عذاب* انّ ربك لبالمرصاد فرضي الله عن أسية وصلى الله وسلم وبارك على من أرسله الله رحمة للعالمين. 6- الرميصاء - أم سليم بنت ملحانرضي الله عنها صاحبة أغلى مهر في الاسلام هي ام سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن عدي بن الخجار الأنصارية الخزرجية، وهي أم أنس بن مالك خادم وراوي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. مهرها رضي الله عنها بعدما توفي عنها مالك بن النضر والد كل من أنس والبراء رضي الله عنهما، تقدّم اليها زيد بن سهيل الأنصاري المكنى بأبو طلحة للزواج منها، ولأنه كان مشركا فقد قالت له: أرأيت حجرا تعبده ولا ينفعك، أو خشبة تأتي بها النجار فينجرها لك، هل يضرك؟ فوقع في قلب أبو طلحة رضي الله عنه الذي قالت فآمن، وعندما آمن قالت له: أتزوجك ولا آخذ منك صداقا. لقد اعتبرت دخول أبو طلحة رضي الله عنه في دين الله هو صداقها (مهرها)، ولذا فقد كان مهرها رضي الله عنها أغلى مهر في الاسلام. سبب تسميتها بالرميصاء لقبت بالرميصاء نتيجة رمص كان في عينيها، وقيل أنّ اسمها رملة وقيل غير ذلك، وأيا كان اسمها، فهي من المبشرات بالجنة رضي الله عنها، فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيتني دخلت الجنة فاذا أنا بالرميصاء امرأة طلحة، وسمعت خشفة فقلت من هذا؟ فقال: هذا بلال. مشاركتها رضي الله عنها في غزوة حنين عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّ أم سليم اتخذت خنجرا يوم حنين، فقال أبو طلحة رضي الله عنه يا رسول الله انّ أم سليم معها خنجر، فقالت رضي الله عنها: يا رسول الله ! ان دنا مني مشركا بقرت به بطنه. مناقبها رضي الله عنها: - فوقع في قلب أبي طلحة الذي قالت، وآمن، عندها قالت: أتزوجك ولا آخذ منك صداقا. - كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا نام أخذت من عرقه وشعره فجمعته في قارورة، ثم جمعته في سكّ وهو نائم، فلما حضر أنس رضي الله عنه الوفاة، أوصى أن يجعل في حنوطه من ذلك السك، وكانت تخلط عرقه صلى الله عليه وسلم بطيبها رضي الله عنها. - كان قد مات ابن لأبي طلحة رضي الله عنه، وكانت رضي الله عنها قد أوصت بألا يخبره أحد بموت ابنه، فلما عاد الى البيت وضعت له العشاء ومكنته من نفسها، وعندما رأت أنه قد شبع وأصاب منها، أخبرته بموت ابنه قائلة له: أرأيت يا أبا طلحة لو أنّ قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم؟ أجاب: لا، فقالت: فاحتسب ابنك عند الله تعالى، فغضب منها أبو طلحة رضي الله عنهما، وقال لها: تركتني حتى تلطخت ثم أخبرتني بابني؟ فانطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بارك الله لكما في ليلتكما، فحملت، ثم ولدت فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه وسمّاه عبد الله. فرضي الله عن الرميصاء وعن الصحابة أجمعين وصلى الله وسلم على من رباهم. 7- سميرة الأسدية- أم زفر-رضي الله عنها هي امرأة حبشية كانت مصابة بالصرع فسألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لها بالشفاء، فقال لها: ان شئت صبرت ولك الجنة، وان شئت دعوت الله لك أن يعافيك. فقالت: أصبر، وادعوا الله ألا أتكشف، فدعا لها صلى الله عليه وسلم. فرضي الله عنها وعن الصحابة أجمعين وصلى الله وسلم على من رباهم. 8- بلال بن رباح رضي الله عنه مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم كان رضي الله عنه من السابقين الى الاسلام ، وبلال رضي الله عنه عبد حبشي واسم أمه حمامة، وهو مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم. أعتقه أبو بكر رضي الله عنهما بعدما عذبه المشركون عذابا شديدا، هم يقولون له: الهك اللات والعزى، وهو يرد عليهم: أحد...أحد. وكان عمر رضي الله عنه يقول: أبو بكر سيدنا اعتق سيدنا. ولما اشترى أبو بكر رضي الله عنه بلالا قال له بلال رضي الله عنه: ان كنت اشتريتني لنفسك فأمسكني، وان كنت اشتريتني لله فدعني وعمل الله، فمنحه أبو بكر رضي الله عنهما الحرية. مناقبه رضي الله عنه: نال شرف أن يكون مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم، ونال شرف نزول القرآن الكريم فيه وبأمثاله الضعفاء بقوله تعالى: ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تعدو عيناك عنهم تريد الحياة الدنيا منزلته عند الله تعالى * فعن جابر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عيه وسلم: دخلت الجنة فاذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفة فقلت من هذا؟ فقال: هذا بلال. * وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال عند صلاة الغداة: يا بلال حدّثني بأرجى عمل عندك في الاسلام منفعة، فاني سمعت الليلة خشفة نعليك بين يدي في الجنة، فقال رضي الله عنه: يا رسول الله! ما عملت عملا في الاسلام أرجى عندي منغعة من أني لا أتطهر طهورا تاما في ساعة من ليل أو نهار الا وصليت بذلك الطهور ما كتب الله لي أن أصلي. وفاته رضي الله عنه توفي رضي الله عنه في الشام في طاعون عمواس سنة 18 للهجرة وهو ابن 63 عاما من عمره الشريف. فرضي الله عن مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم وعن صحبه أجمعين. 9- عبد الله بن سلام رضي الله عنه رجل من ذرية يوسف الصديق عليه الصلاة والسلام هو عبد الله بن سلام بن الحارث من بني قنيقاع، وهم من ذرية يوسف الصديق عليه الصلاة والسلام، وكان من حلفاء الخزرج من الأنصار، ويكنى بأبي الحارث، وكان من أحبار اليهود. اسلامه رضي الله عنه نترك الحديث لعبد الله بن سلام رضي الله عنه يروي لنا كيف أسلم:عندما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة مهاجرا انجفل الناس عليه، وكنت فيمن انجفل، فلما رأيته عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعته يقول: أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام. ثم جاء اليه عبد بن سلام رضي الله عنه وقال: أشهد أنك رسول الله وأنك جئت بحق، وقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم، وأعلمهم وابن أعلمهم، فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت، فانهم ان يعلموا أني قد أسلمت قالوا: فيّ ما ليس فيّ، فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم اليهم فدخلوا عليه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله، فو الله الذي لا اله الا هو ، انكم لتعلمون أني رسول الله حقا، وأني جئتكم بحق فأسلموا قالوا ما نعلمه، قال صلى الله عليه وسلم : فأيّ رجل فيكم عبد الله بن سلام؟ قالوا: ذاك سيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا، قال صلى الله عليه وسلم: أفرأيتم ان أسلم؟ قالوا: حاشا لله! ما كان ليسلم، قال صلى الله عليه وسلم: يا ابن سلام أخرج عليهم، فخرج فقال: يا معشر اليهود، اتقوا الله، فو الله لا اله الا هو، لتعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه جاء بحق، قالوا: كذبت، فاخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. مناقبه رضي الله عنه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال، ما سمعت رسول الله صلى الله عيه وسلم يقول: لحي يمشي انه في الجنة الا لعبد الله بن سلام. وفاتهرضي الله عنه: توفي رضي الله عنه في المدينة في خلافة معاوية رضي الله عنه سنة 43 للهجرة. فرضي الله عن ابن سلام وعن صحبه وصلى وسلم على من رباهم 10- حارثة بن النعمان رضي الله عنه من أبرّ الناس بأمه وقد أكرمه الله برؤية جبريل عليه السلام هو حارثة بن النعمان بن نفيع بن زيد بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار الخزرجي البخاري، ويكنى بأبي عبد الله، وكان دينا وخيّرا وبارا بوالدته، وقد ساقه برّه بأمه الى دخول الجنة وحسن المئاب. مناقبه رضي الله عنه: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة، فقلت: ماهذه؟ قالوا: حارثة بن النعمان، كذاكم البر، كذاكم البر، كذاكم البر، وكان برّا بأمه. وقال حارثة رضي الله عنه: مررت يوما برسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل عليه السلام جالس معه، فسلمت عليه ثم أجزت، فلما انصرفت ورجع النبي صلى الله عليه وسلم، قال لي: هل رأيت الذي كان معي؟ قلت: نعم، قال صلى الله عليه وسلم: فانه جبريل وقد ردّ عليك السلام. فرضي الله عن أبرذ الناس بأمه وعن صحبه وصلى الله وسلم على من رباهم. 10- عكاشة بن محصن رضي الله عنه يدخل الجنة بغير حساب هو عكاشة بن محصن من بني أسد بن خزيمة ومن حفاء بني أمية، وكان رضي الله عنه من السابقين الى الاسلام، ومن أجمل الرجال، شهد أحد وبدرا وقاتل فيهما قتال المستميت، واستشهد رضي الله عنه في قتال حروب الردة مع خالد بن الوليد رضي الله عنهما سنة 12 للهجرة، وقد قتله طلحة الأسدي الذي ارتد عن الاسلام ثم عاد فأسلم وحسن اسلامه. مناقبه رضي الله عنه: - يدخل الجنة رضي الله عنه بغير حساب، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عرضت عليّ الأمم، فجعل النبي والنبيّان يمرون معهم الرهط، والنبي ليس معه أحد حتى رفع لي سواد عظيم، قلت: ماهذا؟ أمتي هذه؟ قيل: بل موسى وقومه، قيل: انظر الى الأفق فاذا سواد يملأ الأفق، ثم قيل لي: انظر هاهنا وهاهنا في - آفاق السماء - فاذا سواد قد ملأ الأفق، قيل: هذه أمتك، ويدخل الجنة من هؤلاء سبعون ألفا بغير حساب. ثم دخل ولم يبيّن لهم فأفاض القوم وقالوا: نحن الذين آمنا بالله واتبعنا رسوله، فنحن هم، وأولادنا الذين ولدوا في الاسلام، فاذا ولدنا في الجاهلية. فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج فقال: هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون، فقال عكاشة رضي الله عنه: أمنهم أنا يا رسول الله؟ قال: نعم! فقام آخر وقال: أمنهم أنا؟ قال: سبقك بها عكاشة. فرضي الله عن عكاشة وعن صحبه وصلى الله وسلم على من رباهم. أمراء غزوة مؤتة رضي الله عنهم لقد رفعوا الى الجنة جعفر بن أبي طالب، زيد بن حارثة، عبد الله بن رواحة رضي الله عنهم في السنة الثامنة للهجرة المباركة بعث النبي صلى الله عليه وسلم بجيش لغزوة مؤتة وجعل على جند الاسلام ثلاثة أمراء، بحيث اذا استشهد أحدهم يتولى امارة الجيش الثاني منهم فالثالث، الا أن ثلاثتهم رضي الله عنهم استشهدوا بهذه الغزوة، ولأنهم صدقواالله ما عاهدوا الله عليه فقد رفعهم الله عزوجل اليه بعد استشهادهم. 11- أول الأمراء: جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ملك يطير بالجنة هو جعفرابن أبي طالب وشقيق علي رضي الله عنهما ويكبره بسنوات عشر. لقدو كان جعفر من السابقين للاسلام وشهد الهجرتين الحبشة والمدينة، وقد كان على رأس الوفد وخطيب القوم أمام النجاشي عندما بدأ يجيب على أسئلة النجاشي فيما يخص بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وحقيقة عيسى بن مريم عليهما السلام. مناقبه رضي الله عنه - كان يشبه الرسول صلى الله عليه وسلم خلقا وخلقا، وقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك: أشبهت خلقي وخلقي. - عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت جعفر ملكا يطير في الجنة مع الملائكة بجناحين. وعنه رضي الله عنه قالو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مرّ بي جعفر الليلة في ملأ من الملائكة وهو مخضّب الجناحين بالدم أبيض الفؤاد. استشهاده رضي الله عنه: كان جعفر من الأمراء الثلاثة الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤته، وقد أبلىفي هذه الغزوة بلاء حسنا، فأوحى الله تعالى الى نبيه صلى الله عليه وسلم بما حدث في الغزوة، فصعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر وأمر أن ينادي الصلاة جامعة، ثم قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ألا اخبركم عن جيشكم، انهم لقوا العدو فأصيب زيد شهيدا فاستغفروا له، ثم أخذ اللواء جعفر فشدّ على الناس حتى قتل، ثم أخذ أبن رواحة، فأثبت قدميه حتى أصيب شهيدا. استشهد جعفر عن عمر يناهز ال 40 عاما من عمره المبارك، وقد وجدوا في جسده بضع وتسعين ضربة ما بين طعنة سيف ورمية قوس، وحزن عليه النبي صلى الله عليه وسلم، تقول أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بني جعفر رضي الله عنه ، فرأيته شمّهم، وذرفت عيناه، فقلت: يا رسول الله أبلغك عن جعفر شيء؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم! قتل اليوم، ثم قال: اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد شغلوا عن أنفسهم. 12- الأمير الثاني: زيد بن حارثةرضي الله عنه مولى النبي وابنه صلى الله عليه وسلم قبل الاسلام (متبناه) هو زيد بن حارثة بن شرحبيل بن كعب بن عبد العزى بن يزيد بن امريء القيس بن عامر بن النعمان، ويكنى بابي أسامة، وهو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ماذا عسانا أن نقول في رجل كزيد تربى في بيت النبوة؟ وماذا عسانا أن نقول عنه وهو الصحابي الجليل الوحيد الذي ذكر اسمه في القرآن الكريم. كان زيد قد أسر بالجاهلية فاشتراه حكيم بن حرام لعمته خديجة رضي الله عنها، فاستوهبه منها النبي صلى الله عليه وسلم، وعندما علم أبوه وعمه مكان وجوده في مكة ذهبا في طلبه، فخيّره النبي صلى الله عليه وسلم بينهما فاختار رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم عن والده، فتبناه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم زوجه من ابنة عمته زينب بنت جحش رضي الله عنها، وصار يدعى زيد بن محمد، وبقي يتمتع زيد بهذه الصفة حتى اذا أبطل الله تعالى عادة التبني وأنزل قوله تعالى: ادعوهم لآباءهم هو أقسط عند الله. فعاد يحمل اسم أبيه. هو من المقطوع لهم بالجنة لقول بريدة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دخلت الجنة فاستقبلتني جارية شابة، فقلت لمن أنت؟ قالت: انا لزيد بن حارثة. ولقوله صلى الله عليه وسلمعن أمراء مؤتة الثلاثة بعد استشهادهم: لقد رفعوا الى الجنة. مناقبه رضي الله عنه - كان من أحب الناس الى النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى حبه فقد أحب صلى الله عليه وسلم ابنه أسامه رضي الله عنهما. - ومن مناقبه ايضا نوله شرف ورود اسمه في القرآن الكريم، فالله عزوجل لم يسم في كتابه اسم صحابيا باسمه الا زيد بن حارثة. ولادة أسامة بن زيد رضي الله عنهما بعدما ولد أسامة بن زيد بدأت الناس تتقوّل في أمر زيد بن حارثة وابنه أسامه رضي الله عنهما، فزيد كان أبيض البشرة شديد بياضها، وأسامة جاء أسودا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسوؤه سماع أقاويل كهذه، حتى اذا رأى مجزّر القائف أقدامهما فقال: انّ هذه الأقدام بعضها من بعض، فسرّ النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك، وأعجبه ما قاله القائف (هو الذي يقفو الأثر، ويلجأ الى القائف للاستدلال على اثبات وتأكيد النسب) وفاته رضي الله عنه استشهد في غزوة مؤتة سنة ثمان للهجرة عن عمر يناهز ال 55 من عمره المبارك. 13- الأمير الثالث: عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يا نفس الا تقتلي تموتي كان واحدا من الاثني عشر نقيبا من الأنصار الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم عند مشارف مكة بيعة العقبة الأولى، وأيضا كان واحدا من ال 73 رجال الأنصار الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية، وهاتين البيعتين هما اللتين مهدّتا لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة المنورة. ان نشاط ابن رواحة بشكله الفعلي والحقيقي ظهر بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة بتربصه لمكايد رأس الكفر والنفاق عبد الله بن أبي بن سلول الذي كان يعد العدة ليتوّج نفسه ملكا على المدينة المنورة، وابن رواحة كان قد لعب دورا كبيرا في ابطال كيد ابن سلول الذي كان يستخدم دهاءه في الكيد للاسلام والنيل منه. كان ابن رواحة من الشعراء المشهود لهم قبل الاسلام، الا أنه بعد الاسلام سخّر جميع امكاناته الشعرية في خدمة الدين الجديد، والنبي صلى الله عليه وسلم بارك له شعره وأحبه أيضا. شعاره رضي الله عنه: لقد كان شعاره قبل خوضه أي معركة يا نفس الا تقتلي تموتي. استشهاده رضي الله عنه: استشهد في غزوة مؤتة، وقد كان أحد امراء الجند الثلاثة الذين أرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم للقاء الروم، وبعد أن التقى الجيشان واحتدم القتال يسقط الأمير الأول زيد بن حارثة شهيدا مجيدا، فيحمل الأمير الثاني جعفر الراية من يمين زيد، وينطلق بها في غبطة وعظمة ليسقط البطل شهيدا على ساحة الشرف، فيحمل ابن رواحة الراية من يمين جعفر وينطلق بها وهو يعصف بالروم عصفا حتى صعد شهيدا الى العلياء هو الآخر، وقد تحققت أمنيته الغالية قبل خوضه المعركة قائلا لأصحابه: انما هي احدى الحسنيين النصر او الشهادة. رفعه الى الجنة مع رفيقيه رضي الله عنهم: بينما كان القتال دائرا فوق أرض البلقاء بالشام ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس مع أصحابه في المدينة، يحدّثهم رضي الله عنم ويحدثونه صلى الله عليه وسلم، وفجأة! يصمت النبي صلى الله عليه وسلم ويسدل جفنيه الشريفتين قليلا ثم يرفعهما لينطلق من غينيه بريقا ساطعا يبلله أسى وحزن، وتطوف نظراته الأسيّة وجوه أصحابه، ويقول: أخذ الراية زيد بن حارثه فقاتل ثم قتل شهيدا، ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى قتل شهيدا، وصمت النبي صلى الله عليه وسلم قليلا ، ثم استأنف كلماته الشريفة قائلا: ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدا، ثم صمت النبي صلى الله عليه وسلم قليلا، وتألقت عيناه الشريفتين بوميض متهلل مطمئن مشتاق، ثم قال عليه الصلاة والسلام: لقد رفعوا الى الجنة. أية رحلة مجيدة كانت رحلة المراء الثلاثة تلك؟ وأي اتفاق سعيد كان اتفاق الأمراء الثلاثة ذاك؟ معا خرجوا للجهاد، ومعا استشهدوا، ومعا رفعوا الى الجنة، فطوبى لمن جنات الفردوس. فرضي الله عن الأمراء الثلاثة وصلى الله وسلم وبارك على من رباهم. 14- ثابت بن قيس رضي الله عنه حامل راية الأنصار في حروب الردة ومعركة اليمامة هو ثابت بن قيس بن شماس بن زهير بن مالك بن امريء القيس بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج، وكان من نجباء الصحابة، جهور الصوت، وخطيب الأنصار، وشهد جميع المشاهد مع رسول الله صلى اله عليه وسلم. وهو من المقطوع لهم بالجنة لقوله تبارك وتعالى: لقد رضي الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ولم لا يكون من أهل الجنة وهو الذي أبلى بلاء، لا يوازيه أحد في معركة اليمامة ضد مسيلمة الكذاب: لقد كان ثابت يحمل راية الأنصار في حروب الردة، وسالم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل راية المهاجرين، تآلفا الاثنان وحفرا لنفسيهما حفرة عميقة في ساحة المعركة ثم نزلا فيها قائمين كل منهما يحمل رايته، وأهالا التراب عليهما حتى غطت وسط كل منهما، فبات نصفهم في التراب ونصفهم الآخر على مستوى أرض المعركة، وصدرهما وذراعيهما وجبهتيهما يستقبلان بهم جيوش الوثنية والردة، وراحا يضربان بسيفهما كل من يقترب منهما من جيش مسيلمة، حتى استشهدا في مكانهما، وما أن مالت شمس كل منهما للغروب كان مشهدهما رضي الله عنهما أعظم صيحة أسهمت في رد المسلمين الى مواقعهم، حيث جعل المسلمين من جيش مسيلمة ترابا تطؤه الأقدام. خشيته رضي الله عنه: كان شديد البكاء من خوفه شدة خشيته من الله تبارك وتعالى كلما نزلت آية عتاب للمؤمنين كان يعتقد أنها نزلت لأجله، فعندما نزل قوله تبارك وتعالى: انّ الله لا يحب كل مختال فخور أغلق باب داره على نفسه وجلس يبكي بشدة خوفا ورهبا، وعندما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حاله، دعاه وسأله عن ذلك، فقال: يا رسول الله اني احب الثوب الجميل والنعل الجميل، وقد خشيت أن أكون بذلك من المختالين، فأجابه صلى الله عليه وسلم وهو يضحك راضيا: انك لست منهم، بل تعيش بخير، وتموت بخير، وتدخل الجنة. وحين نزل قوله تعالى: يا ايها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم بعضا أن تحبط أعمالكم وانتم لا تشعرون فعل نفس الأمر، وحين افتقده النبي صلى الله عليه وسلم أرسل من يدعوه اليه، وحيناستفسر منه صلى الله عليه وسلم عن سبب غيابه قال: اني امرؤ جهير الصوت، وقد كنت أرفع صوتي فوق صوتك، وأخشى أن يكون الله قد أحبط عملي، فأجابه نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم: انك لست منهم، تعيش حميدا، وتقتل شهيدا، ويدخلك الله الجنة. وصيته رضي الله عنه: ليس هناك في الاسلام وصيّة أنجزت بعد الموت الا وصية ثابت بن قيس رضي الله عنه، وذلك حين رأى أحد المسلمين رؤيا في منامه ثابتا فقال له: هناك رجل من المسلمين أخذ درعي بعدما استشهدت، وأرشده على مكان الرجل، وطلب منه أن يخبر عنه خالد بن الوليد رضي الله عنه ويستردها منه، ثم طلب منه ألا يهمل وصيته هذه، وأوصل الرجل الأمانة لخالد رضي الله عنه واسترد له درعه. وفاته رضي الله عنه: استشهد في أشرف موقع من مواقع الجهاد في سبيل الله تعالى، وهو يجاهد جيش الكفر والطغيان، في معركة اليمامة التي التقى فيها جيش المسلمون بقيادة سيف الله المسلول خالد بن الوليد، مع جيش المرتدين بقيادة الطاغية مسيلمة الكذاب لعنة الله عليه الذي قتل في المعركة. فرضي الله عن ثابت وعن صحبه وصلى الله وسلم وبارك على من رباهم. 15- أبو الدحداح رضي الله عنهما من باع حائطه بنخلة في الجنة فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أتى رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله انّ لفلان نخلة وأنا أقيم حائطي بها، فمره يعطيني أقيم بها حائطي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطه اياها بنخلة في الجنة، فأبى، فأتاه أبو الدحداح رضي الله عنه فقال: بعني نخلتك بحائطي ففعل، فأتى أبو الدحداح النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله اني قد ابتعت النخلة بحائطي وقد أعطيتكها فاجعلها له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم من عذق لأبي الدحداح في الجنة، وعاد أبو الدحداح الى امرأته فقال لها: اخرجي من الحائط فقد بعته بنخلة في الجنة، فقالت رضي الله عنها: ربح السعر. فرضي الله عن أبو الدحداح وعن امرأته وصلى الله وسلم وبارك على من رباهم. 16- ورقة بن نوفل رضي الله عنه حامل بشارة الخير هو ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي، ابن عم السيدة خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها، وكان قد خرج الى الشام يبحث عن الدين الحق، فقابل بعض الرهبان ممن بقوا على دين عيسى عليه الصلاة السلام من غير تبديل ولا تحريف، فاعتنق النصرانية، ولعلمه هذا وتفقهه بدين النصرانية فقد لجأت اليه ابنة عمه السيدة خديجة رضي الله عنهما بالنبي صلى الله عليه وسلم اليه تسأله عن الوحي عليه السلام الذي نزل على النبي صلى الله عليه وسلم بغار حراء، فقال لها: هذا الناموس الذي أنزل على موسى، يا ليتني فيها جدعا، ليتني أكون حيا اذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مخرجي هم؟ قال رضي الله عنه: نعم! لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به الا عودي، وان يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا ورقة بن نوفل فاني رأيت له جنة أو جنتان. فرضي الله عن ابن نوفل، وصلى الله وسلم على من أرسله الله رحمة للعالمين. 17- عمير بن الحمام الأنصاري رضي الله عنه بخ... بخ الى جنات عرضها السموات والأرض عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: انطلق رسول الله صلى الله وأصحابه حتى سبقوا المشركين الى بدر، وحين جاء المشركون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقدمنّ أحدكم الى شيء حتى أكون أنا دونه، فدنا المشركون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه قوموا الى جنة عرضها السموات والأرض، فقال عمير بن الحمام الأنصاري رضي الله عنه: يا رسول الله : جنة عرضها السموات والأرض؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم! فقال عمير رضي الله عنه: بخ بخ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما يحملك على قولك بخ بخ؟ قال رضي الله عنه: لا والله يا رسول الله الا رجاء أن أكون من أهلها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: انك من أهلها، فأخرج تمرات من قرنه، فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه انها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه منهن وقاتل المشركين حتى قتل. فرضي الله عن عمير وعن صحبه وصلى الله وسلم وبارك من رباهم. 18- حارثة بن سراقة رضي الله عنه في جنة الفردوس هو حارثة بن سراقة بن الحارث بن عدي الأنصاري بن عدي بن النجار، وأمه الربيّع بنت النضر عمة أنس بن مالك رضي الله عنهما، وأبوه سراقة من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم وكان أبوه قد استشهد في غزوة حنين. عن أنس رضي الله عنه قال: أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام، فجاءت أمه الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني، فان يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وان تكن الأخرى ترى ما أصنع، فقال صلى الله عليه وسلم: ويحك! أو هبلت! أو جنة واحدة؟ انها جنان، وانه في جنة الفردوس. فرضي الله عن ابن سراقة وعن صحبه وصلى الله وسلم وبارك على من رباهم. 19- حبيب النجار رضي الله عنه صاحب يس هذا الرجل كان يعيش في أنطالكية- تركيا – وكان عليها ملكا اسمه أنطقيقس يعبد الأصنام، فبعث الله تعالى اليه ثلاثة رسل وهم" صادق ومصدوق وشلوم يدعونه وقومه الى عبادة الله القهار الها واحدا لا شريك له، الا أنهم كذبوهم ، وهموا بقتلهم، فجاءهم حبيب النجار رضي الله عنه ليحثهم على اتباع الرسل، الذين أتوهم يدعونهم الى عبادة الله تبارك وتعالى، وعندما أخبرهم أنه آمن بالله تبارك وتعالى الها واحدا لا شريك له، أنكرو عليه ذلك، فاتجه الى الرسل الثلاثة يقول لهم: اني آمنت يالذي أرسلكم الها واحدا لا شريك له، فاسمعوا قولي لتشهدوا لي بما أقول لكم عند ربي، اني آمنت بربكم واتبعتكم، فلما قال ذلك وثب عليه القوم وثبة رجل واحد فقتلوه، ولم يكن معه أحد يمنع القوم عنه، فجعلوا يرجمونه بالحجارة وهو يقول: اللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون، فلم يزالوا به حتى قضوا عليه. وما جزاء الصابرين الا الجنة، وقد كافئه الله تعالى بها، وأدخله اياها، وعند ذلك تمنى أن يعلم قومه بما عاين من كرمة الله تبارك وتعالى ودخوله الجنة. وقد تجلى ذلك في قول تبارك وتعالى في سورة يس حيث يقول: وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين* اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدين* ومالي لا أعبد الذي فطرني واليه ترجعون* أأتخذ من دونه آلهة ان يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون* اني اذا لفي ضلال مبين* اني آمنت بربكم فاسمعون* قيل ادخل الجنة، قال يا ليت قومي يعلمون بلما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين. فرضي الله عن حبيب النجار وصلى الله وسلم وبارك على البشير النذير. آل ياسر رضي الله عنهم 20 - عمار بن ياسر 21- سمية بن الخياط 22- عمار بن ياسر صبرا صبرا آل ياسر فانّ موعدكم الجنة من أراد أن يلم بكل المعلومات عن الفتنة التي وقعت بين علي ومعاوية من جهة، وبين الحسن بن علي ومعاوية من جهة أخرى فليطالع سير الصحابة: عمار بن ياسر، أبو ذار الغفاري، أبو الدرداء، الزبير بن العوام، طلحة بن عبيد الله، سعد بن أبي وقاص، وقيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهم أجمعين ليدرك أين تكمن الحقيقة في موقعتي صفين والجمل. من هم آل ياسر؟ لو كان هناك أناس يولدون في الجنة ثم يشيبون في رحابها ويكبرون، ثم يجاء بهم الى الأرض ليكونوا زينة لها ونورا، لكان عمار وأمه سمية وابوه ياسر رضي الله عنهم من هؤلاء، ولكن لم نقول لو؟ ولم نفرض كهذا وهم فعلا من أهل الجنة؟ أليس رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرهم بأنهم من أهلها كلما مرّ عليهم وهم يعذبون في قيظ الصحراء وفحيح حرّها؟ أليس كان عليه الصلاة والسلام يحثهم على الصبر ويقوي من عزيمتهم قائلا لهم: صبرا صبرا آل ياسر فانّ موعدكم الجنة؟ والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حين بشرّهم بالجنة لم يبشرهم بها مواسيا، وانما كان يقرر حقيقة يعرفها، ويؤكد واقعا صائرا لا محالة، ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى * ان الا وحي يوحى. خرج ياسر من بلدته في اليمن يطلب اخا له ويبحث عنه، وساقته قدماه الى مكة، فطاب له المقام فيها، وحالف أبا حذيفة بن المغيرة وزوجه باحدى امائه سمية بنت خياط، وأثمر هذا الزواج المبارك بولادة عمار رضي الله عنهم أجمعين. هم من السابقين الى الاسلام، وقد ذاقوا من العذاب وويلاته وعذاباته مالا تطيقه الجبال بأسرها، كانوا يطرحونهم على الرمال الحارة وتحت لهيب الشمس المحرقة يذيقونهم أشد ألوان وأصناف العذاب. وشأنهم شأن الأبرار الذين هداهم الله تعالى لدين الحق، يتعرضون لشتى ألوان العذاب الذين كان يناله كل من ليس له ظهر، بينما من كان له ظهر وعزة ومنعة وشرف كانوا يكتفون بوعيده وتهديده، بينما العبيد والفقراء والضعاف كانوا يتعرضون لأبشع صنوف التعذيب، وأل ياسر من الفئة الثانية الفقيرة والضعيفة، ووكل أمر تعذيبهم الى بني مخزوم الذين كانوا يخرجونهم جميعا وكل يوم الى رمضاء مكة الملتهبة، ويصبّون عليهم جحيم العذاب ألوانا وفنونا، ولقد كان نصيب سميةالنصيب الأوفى من العذاب، ولقد وقفت هذه المرأة المسلمة المؤمنة المحتسبة موقفا يشرف البشرية قاطبة من أولها الى آخرها شرفا لا ينفذ، وكرامة لا يذوي بهاؤها، وقفت موقفا جعل منها أما عظيمة للمؤمنين على مر العصور والأزمنة. انّ هذه التضحيات الخالدة والنبيلة الهائلة التي سطرتها آل ياسر، هي الخرسانة التي وهبت الدين والعقيدة ثباتا راسخا لا يزول، وخلودا لا يبلى. انها العبير الذي ملأ أفئدة المؤمنين ولاء وغبطة وحبورا. انها المنار الذي قاد الأجيال الوافدة الى حقيقة الدين وصدقه وعظمته. ولقد أضاء القرآن الكريم معنى التضحية بكل معانيها في آيات شتى بقوله تعالى: - أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا أمنا وهم لا يفتنون. - أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين. - وما كان لينذر المؤمنين على ما أنتم عليه ليميز الخبيث من الطيب. بهذه الآيات الكريمات علم القرآن حملته وأبناؤه أن التضحية هي جوهر الايمان، وان مقاومة الظلم والظلمة وأعوانهم من أبهى فضائل الايمان وأروعها، ولقد كانت سمية وياسر وعمار رضي الله عنهم صورة جميلة عن المؤمن الصابر المخلص الذي لا يخشى في الله لومة لائم، الها واحدا لا شريك له، ولأن الله تبارك وتعالى يعلم صدق هذه الثلة المؤمنة وصدق نواياها فقد أوحى الى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبشرهم بالجنة، أليس الله تباترك وتعالى القائل في كتابه الكريم: وما جزاء الاحسان الا الاحسان، والقائل في كتابه الكريم: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون، اذن ان ماتوا فقد ماتوا من الدنيا ليكونوا أحياء في عالم خالد، أبدي وسرمدي لا موت فيه، وهذا هو الحيوان الذي يصبوا اليه هؤلاء الشرفاء المؤمنين الصادقين، الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه كياسر وسمية رضي الله عنهما، ومنهم من ينتظر نحبه كابنهما عمار رضي الله عنه، أليس الله تعالى هو القائل في كتابه الكريم: ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الموال والثمرات، وبشر الصابرين * الذين اذا أصابتهم مصيبة، قالوا انّ لله وانا اليه راجعون* أولئك عليهم صلوات، من ربهم ورحمة، واولئك هم المفلحون. فالله تعالى يبتلي عباده ويختبرهم ويمتحنهم، فتارة بالسراء، وتارة بالضراء من خوف وجوع وفقر وموت وعذاب، ومن يصبر على هذا الابتلاء فله الدرجات العلى من الله تبارك وتعالى، ولهذا فقد نالها هؤلاء الشرفاء الموحدين ، وكلما مرّ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يعذبون تحت أيدي ابو جهل وامية بن خلف لعنة الله عليهما، كان صلى الله عليه وسلم يشد من أزرهم ويطيّب خاطرهم ويبشرهم بجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين: صبرا آل ياسر...صبرا آل ياسر فان موعدكم الجنة، فكان هذا المدد النبوي الكريم يبعث في نفوسهم الأمن والطمأنينة ويخفف عنهم وطأة العذاب وشدته، وكل عذاب في سبيل المولى تبارك وتعالى يهون، ذلك أن الحياة الآخرة لهي الحيوان الأبدي والمنشود. تستشهد سميّة الأم والزوجة الصابرة االمحتسبة المؤمنة بعد أن بقر بطنها عدو الله أبو جهل لعنة الله عليه والملائكة والناس أجمعين الى يوم الدين، على أثرها تخرّ صريعة شهيدة في سبيل الله، لتكون أول شهيدة في الاسلام ، تحمل رضي الله عنها هذا الشرف الرفيع الذي يتوق اليه كل مؤمن ومؤمنة، وسرعان ما يلحق بها زوجها ياسر في موكب الشهداء ليزفان من جديد عروسين آمنين مطمئنين، ومن بحور الجنة يتجرعان شهدها وعسلها في حدائق وبساتين تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا، فرضي الله عنهم ورضوا عنه. 22- عمار بن ياسر رضي الله عنه ويح ابن سميّة تقتله الفئة الباغية " ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية" نبوءة تنبأ بها النبيصلى الله عليه وسلموكانت باذن الله القائل: وما ينطق عن الهوى* ان هو الا وحي يوحى بعد استشهاد والدي عمار رضي الله عنهم انفرد به الظلمة والجلادون ليعذب عذابا شديدا على أثره كان يفقد صوابه فلا يدري ما يقول، كانوا يلقنونه كلمات ليرددها وراءهم، وعندما يفيق من غيبوبته يستعيد ما كانت شفتاه قد تلفظت به، فيطير صوابه وتتجسم الهفوة أمام نفسه حتى رآها خطيئة لا مغفرة منها ولا كفارة، ولكن الرسول الكريم رسول الرحمة يكون قد أوحي اليه بحاله فيمر عليه ليجده رضي الله عنه يبكي فيمسح دموعه بيده قائلا له: أخذك الكفار فغطوك في الماء فقلت كذا وكذا، فيجيبه وهو ينتحب : نعم يا رسول الله، فيقول نبي السلام والرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم: ان عادوا فقل لهم مثل قولك هذا، ثم تلا عليه قول الله تعالى: الا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان، عندها اطمأنت روحه رضي الله عنه لقول الله تعالى، واستعاد سكينة نفسه، ولم يعد يجد للعذاب على جسده ألما، ولم يعد يلقى له بالا، لقد ربح روحه، ربح ايمانه، وضمن له القرآن الكريم هذه الصفقة المباركة، واطمأنت روحه الطاهرة اكثر وأكثر حين كان يضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده الشريفة على رأسه الطاهر قائلا: يا نار كوني بردا وسلاما على عمار كما كنت بردا وسلاما على ابراهيم عليه السلام. اجارته من الشيطان رضي الله عنه: وهذه نعمة لا تضاهيها نعمة أبدا، أن يكون الواحد منا مجارا من الشيطان الذي هو رأس كل خطيئة، وليس معصوما من الشيطان أحد سوى الأنبياء عليهم السلام، وقد حظي بها عمار رضي الله عنه. ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية وبعد الهجرة المباركة اخذ المجتمع الاسلامي هناك في المدينة المنورة يتشكل سريعا، ووسط هذا المجتمع المؤمن أخذ عمارا مكانا عليا بين اصحابه، واحبّه الرسول صلى اله عليه وسلم حبا عظيما، وباهى أصحابه الكرام به وبايمانه وهديه وكان يقول صلى الله عليه وسلم: انّ عمارا مليء ايمانا الى مشاشه ، وقال صلى الله عليه وسلم: من عادى عمارا عاداه الله، ومن ابغض عمارا أبغضه الله، وقال صلى الله عليه وسلم: اهتدوا من بعدي بهدي أبي بكر ، واهتدوا بهدي عمار. لقد كان عمارا طويل القامة، عريض المنكبين، أشهلا، من أطول الناس سكوتا، وأقلهم كلاما، فكيف سارت حياة هذا العملاق الصامت الأشهل العريض الصدر؟ وكيف سارت حياة هذا الحواري المخلص والمؤمن الصادق والفدائي الباهر. لقد شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها، وبعد انتقاله صلى الله عليه وسلم الى الرفيق الأعلى تابع زحفه نحو المجد والسؤدد بخطى ثابة رابط الجأش، لا تفوته غزوة الا وغزاها بكل صبر وجلد. وفي عهد أبو بكر رضي الله عنه وتحديدا في معركة اليمامة ضد جيش مسيلمة الكذاب المرتد، صال صولة الأسد وهو ينقض على فريسته، وعندما رأى تقهقر المسلمين أمام جبروت جيش مسيلمة الكاسح، وقف على رأس صخرة مشرفة على ساحة المعركة وأخذ يخطب في الناس: يا معشر المسلمين أمن الجنة تفرون؟ انا عمار بن ياسر، هلموا اليّ ، فقال ابن عمر رضي الله عنهما: كان رضي الله عنه يحدث الناس فنظرت اليه فاذا أذنه مقطوعة تتأرجح وهو يقاتل أشد القتال. ان من كان في شك في عظمة هذا النبي الصادق والمعلم الكامل من البشر، فليقف امام هذه النماذج التي تخرجت من جامعة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وليصلي على عميدها ومؤسسها ومعلم طلابها العلم الذي انار لهم طريق الحرية الى عالم المجد والخلود والبحث عن الموت قبل النصر، وليسأل نفسه: هل يقدر أحد على انجاب هذا الطراز الرائع والفريد امثال عمار الا رسول كريم ومعلم عظيم؟ رجالا اذا خاضت في سبيل الله قتالا اندفعت اندفاع الباحث عن المنية قبل النصر، واذا كانوا خلفاء وحكاما، ذهب الخليفة أوالحاكم يحلب شياة الأيامى كما فعل الفاروق أمير المؤمنين عمر. واذا كانوا ولاة أمور حملوا طعامهم على ظهورهم مربوطا بحبل كما فعل عمار عندما ولي أميرا على الكوفة في عهد أمير المؤمنين عمر، أو تنازلوا عن رواتبهم وجلسوا يتكسبون من صنع أيديهم بصنع الأوعية والمكايل من الخوص المجدول كما فعل سلمان الفارسي رضي الله عنهم أجمعين. ألا فلنحني جباهنا اجلالا واكبارا لله العلي القدير الكبير المتعال الذي اجتباهم وهداهم لهذا كله، ونحيي عميدهم ومعلمهم نبي الرحمة والسلام تحية اجلال واكبار على هذه التربية الفذة التي لن يحظى مجتمع على مر القرون تربيته، ولن يحظى الى قيام الساعة، وللدين الذي أنجبهم حتى غدوا بهذه الصورة التي نرفع بهم رؤوسنا عاليه، وبكل فخر نقولها صيحة يسمعها العالم كله: رضينا بالله تبارك وتعالى ربا، وبالاسلام دينا، وبمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا. انها خلايا الله تعمل بدأب ونشاط دون كلل أو ملل، هذا هو المسلم الحق الذي يستحق أن يطلق عليه نعت المسلم. ان حذيفة بن اليمان رضي الله عنه الذي كان يرأس جهاز أمن الدولة الاسلامية، كان يقول لمن حوله من الصحابة النجباء الكرام وهو يتهيأ للقاء الله ويعالج سكرات الموت: عليكم بابن سميّة فانه لن يفارق الحق حتى يموت. ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية، نبوءة تنبأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر بها أصحابه وهم منهمكون في بناء مسجده صلى الله عليه وسلم، ويتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمار فيأخذه اليه بحنان عظيم، ويقترب منه ينفض بيده الشريفة الغبار الذي كسا رأس عمار الطاهر، وتأمل وجهه الوديع المؤمن بنظرات يملؤها نور الله تعالى، ثم يقول لأصحابه الكرام" ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية. لقد أصغى عمار لهذه النبوة تماما كما أضعى لها الصحابة الكرام، دون خوف أو وجل، ذلك انه مرشح نفسه للموت في أي لحظة من ليل أو نهار، ومؤمن كعمار لم يخاف من الموت او يهابه، وهو المبشر بالجنة؟ ويرحل الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، ويتبعه الى رضوان الله كل من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ويأتي عهد الخليفة عثمان الذي كثرت فيه الفتن والخلافات والتي بدأت مع اغتيال أمير المؤمنين عمر، ولما وجد المارقون أنهم نجحوا في مقتل عمر وسعوا دائرة الفتن ليقتلوا عثمان أيضا، ومع مقتل عثمان تكون الخلافات والفتن قد بلغت أوجها حين نسي بعض الصحابة تعاليم نبيهم وركنوا الى الدنيا وأصابهم الوهن، فانفتحت أبواب الفتن على مصراعيها ، وقام معاوية بن أبي سفيان يطالب بالثأر لدم عثمان، وينازع الخليفة الجديد علي كرم الله وجهه الذي تولى الخلافة بجدارة وبمبايعة المسلمين له رضي الله عنهم اجمعين، وأمرا كهذا لم يروق لمعاوية ، وتعددت أراء واتجاهات الصحابة في أمر الخلافة ونزاعاتها، فمنهم من نفض يديه من الخلاف ولم يشترك مع أي من الطرفين ، ومنهم من أوى الى بيته ولسان حاله يقول: فخّار يكسّر بعضه، من منطلق شعار ابن عمر رضي الله عنهما: من قال حي على الصلاة أجبته، ومن قال حي على الفلاح أجبته، ومن قال حي على قتل أخيك المسلم وأخذ ماله قلت لا. ومنهم من انحاز الى معاوية ، ومنهم من ناصر عليا خليفة للمسلمين كونه صاحب الحق في البيعة والخلافة. ترى أين يقف اليوم عمار بن ياسر؟ أيناصر معاوية أم عليا؟ ذلك أن وقفته ومناصرته هي التي ستدلنا على الفئة الباغية التي تنبأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أين يقف الرجل الذي أمر صلى الله عليه وسلم أصحابه بأن يهتدوا بهديه؟ أين يقف الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم يوما: من عادى عمارا فقد عاداه الله؟ أين يقف من قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية؟ أينيقف الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا سمع صوته وهو يقترب من منزله يقول: مرحبا بالطيّب المقدام، ائذنوا له؟ من يناصر الذي قال عنه حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما وهو يجود بنفسه: عليكم بابن سمية فانه لن يفارق الحق حتى يموت، انّ هذا الرجل الفذ الذي اشتاقت له الجنة وتزينت لقدومه يقف معالحق، مع الامام علي كرم الله وجهه، ليس لأنّ عليا هو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وليس لأنّ علي لأنه زوج السيدة البتول والطاهرة المطهرة فاطمة الزهراء بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وليس لأنّ عليّ والد السبطين الشهيدين الحسن والحسن سيدا شباب أهل الجنة، وانما لأن علي بن طالب الرجل الذي لم يزيغ عن الحق قيد أنملة، لأنه الرجل الجسور المقدام الذي طلق الدنيا ثلاثا دون رجعة، الرجل الذي يسير على نهج ابن عمه المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي بلغ منزلة من النبي صلى الله عليه وسلم منزلة هارون من موسى عليهما السلام ، لأنه من تابع سيره على هدي ونهج من سبقه من الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين، وما ان رأى الامام علي عمارايناصره حتى أيقن تماما أنه على الحق، وحتى أيقن أنّ فئته ليست هي الفئة الباغية. وجاء يوم صفين الرهيب وخرج الامام علي يواجه العمل الخطير وهو يحمل مسئولية كبيرة، وخرج معه عمار رضي الله عنهما والذي كان قد بلغ من العمر عتيا، 93 عاما هو عمر عمار اليوم، ويخرج للقتال وهو أشد وأروع من ابن الثلاثين عاما شجاعة وقوة، ويقف كالطود الراسخ وهو يعلن وجهة نظره في هذا القتال قائلا: أيها الناس! سيروا بنا نحو هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم يثأرون لعثمان، والله ما أفسدهم الأخذ بالثأر، ولكنهم ذاقوا الدنيا واستمرؤوها، وعلموا أن الحق يحول بينهم وبين ما يتمرغون فيه من شهواتهم ودنياهم، وما كان لهؤلاء سابقة في الاسلام يستحقون بها طاعة المسلمين لهم، ولا الولاية عليهم، ولا عرفت قلوبهم من خشية الله ما يحملهم على ايقاع الحق، وانهم ليخادعون الناس بزعمهم أنهم يثأرون لدم عثمان، وما يريدون الا أن يكونوا جبابرة وملوكا. ثم أخذ الراية بيده، ورفعها فوق الرؤوس عالية خفاقة وصاح في الناس قائلا: والذي نفسي بيده لقد قاتلت بهذه الراية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وها أنا اقاتل بها اليوم، والذي نفسي بيده لوهزمونا حتى يبلغوا سعفات حجر لعلمت أننا على الحق وأنهم على الباطل. لقد كانت كلمات عمار رضي الله عنه كلمات حق أثرّت تأثيرا بليغا في قلوب كثير من الناس واتبعوه بعدما آمنوا بصدق كلماته. لقد كان رضي الله عنه يجول في المعركة ويصول وكله ايمان أنه سيكون واحدا من شهداءها، خاصة ونبوءة النبي صلى الله عليه وسلم تتراءى أمام ناظريه بحروفها الكبيرة: ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية فتزيده شجاعة واستبسالا على طلب الموت في سبيل الله تبارك وتعالى، من اجل ذلك كان صوته يجلجل في أفق المعركة بهذه الترنيمة الفريدة: اليوم ألقى محمدا وصحبه، ثم يندفع كقذيفة عاتية صوب مكان معاوية ومن حوله من مناصريه، ويرسل صياحا عاليا مدمدما: لقد ضربناكم على تنزيله... واليوم نضربكم على تأويله... نزيل الهام عند مقليه ويذهل الخليل عن خليله ...أو يرجع الحق الى سبيله. وهو رضي الله عنه بذلك يعني كيف قاتلوا بالأمس القريب بني أمية وعلى رأسهم أبو سفيان رأس الكفر والشرك عندما كان مل لواء المشركين، ويقود جيوشهم، وعندما هم بالأمس فعلوا ذلك لأن القرآن الكريم أمرهم صراحة بقتالهم كمشركين، واليوم وان يكون معاوية ومنصاريه قد أسلموا، وان يكن القرآن الكريم لا يأمرهم صراحة بقتالهم، الا أنّ اجتهاد عمار في بحثه عن الحق ودأبه للوصول الى الحق وفهمه الصحيح للقرآن الكريم وأحكامه وغاياته وأهدافه ومراميه، كل ذلك يجعله مقتنعا بقتالهم، لا لأنه يحب سفك الدماء ولكن ليعود الحق المغتصب الى أصحابه، ولتنطفىء الى الأبد نار الفتنة والتمرد، وان كان الصحابة قد قاتلوا بني أميه من قبل لكفرهم بالدين وانحرافهم عن القرآن الكريم وباشراكهم بالله تعالى، فاليوم يقاتلونهم لانحرافهم عن الدين وزيغهم عن القرآن الكريم واساءتهم لتأويله وتفسيره، ومحاولتهم تطويع آياته ومراميه وفقا لأهدافهم وأغراضهم وأطماعهم. ها هو عمار رضي الله عنه يخوض آخر معارك حياته بشجاعة فائقة وكأنه جيشا قائما بحد ذاته، ولقد حاول رجال معاوية أن يتجنبوا مقارعة عمار ما استطاعوا كي لا تقتله سيوفهم، فيتبيّن للناس أنهم الفئة الباغية استنادا لنبوءته صلى الله عليه وسلم ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية، ولكن حين أفقدت شجاعته صواب رجال معاوية لم يتوانوا عبى قتله ليسقط البطل على ساحة الشرف والجهاد محققا ترنيمته: اليوم سألقى محمدا وصحبه. وبعد سقوطه في ساحة الوغى شهيدا في سبيل الله يتناهى الى مسامع الناس مقتل عمار رضي الله عنه ليوقن الجميع بأن معاوية ومن معه هي الفئة الباغية، وراح المسلمون يتناقلون فيما بينهم نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم التي سمعوها من فمه الشريف قبل أربعة عقود من الزمن، عندما كانوا يبنون مسجده صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة. ومع مقتله رضي الله عنه، يزداد أصحاب الاامام علي رضي الله عنهم ايمانا مع ايمانهم، ويستبد الشك في قلوب البعض من رجال معاوية، ويتهيا بعضهم للتمرد والانضمام الى جيش علي لولا أن معاوية بدهاءه ومكره استطاع أن يثنيهم عن عزمهم حين أوهمهم بصحة نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم وأن عمارا قتله الفئة الباغية حين أخرجته من داره وجاءت به الى القتال، ووبهذا ستطاع معاوية خداع الناس وأقنعهم بهذا التأويل المتهالك، لتستأنف المعركة سيرها الى ميقاتها المعلوم، على حين الامام علي كرم الله وجهه يحمل الشهيد عمار بن ياسر على صدره ويمشى به الى لحده، ويصلى عليه مع أصحابه ويدفنه بثيابه المضمخة بدمه الزكي الطهور الذي راح يفوح منه ريح كريح المسك، فحرير الدنيا قاطبة وديباجها واستبرقها وسندسها لا يصلح أن يكون كفنا لشهيد جليل وقديس عظيم من طراز عمار، أبوه ياسر وأمه سميّة رضي الله عنهم أجمعين. وأقبل الصحابة على بعضهم يتساءلون فيما بينهم، فيسأل احدهم صاحبه: أتذكر عندما كنا جالسين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفجأة تهلل وجهه الشريف وقال: اشتاقت الجنة لعمار؟ أجابه صاحبه: نعم وذكر يومها آخرين منهم علي وسلمان وبلال رضي الله عنهم. وبينما كان تراب قبره الذي يضم جثمانه الطاهر يسوّى بيد أصحابه الكرام البررة، كانت روحه الطاهرة تعانق مصيرها السعيد، هناك في جنات الخلد مستقرها والتي طالما طال شوقها لعمار، فرضي الله عنك وعن والديك وعن صحابتك الكرام وصلى الله وسلم وبارك على من ربى هذه الشعلة المباركة. تمت بعونه تبارك وتعالى |
مشكوووره على هالمعلومات ولي عوده سلمتي |
معـلومات مرجعيّة إنْ شاء الله ذات مصداقيّة نافعة
باركالله فيك وفيما نقلت لنا أختاه .. ولنا عودة كلّما تطلّبت الحاجة الى ذلك شكرا أختاه |
في ميزان حسناتك
بارك الله بك |
تشكري على الجهد
يمكنني ان اصحح لك ِ بعضاً يسيرا من المعلومات أختي الفاضله معركة الجمل التي قتل فيها الزبير أبن عمة النبي (ص) وكذلك طلحه بن عبيد الله لم تكن بين علي ومعاويه , بل أن معاويه لم يكن فيها وكان الجيش بقيادتهما ومعهما أم المؤمنين عائشه , , وهي الفتنه التي تسمى تأريخيا بـ ( قميص عثمان ) لأنهم خرجوا مطالبين بدم عثمان . إنسحب الزبير رضوان الله عليه من أرض المعركه بعد تذكر قول النبي (ص) له بحق علي ولاقاه أبنه عبيد الله فقال له : جبنت ياوالدي , فرد عليه , لاياولدي لم أجبن , ولكني تذكرت قول النبي لي عندما كنا صغاراً . :(( تقاتله وأنت ظالم له )) فبكى وترك أرض المعركه وأستدركه أحد الجند فقتله , ولما وصل النبأ لعلي قال : (( بشّر قاتل أبن صفية بالقتل )) وصفيه أخت أبي طالب . وقد قتل قاتل الزبير في معركة النهروان أما طلحه فأستمر بالقتال , ولما قتل , وقف على جثته علي فقال (( ماأحببت أن أراك هكذا ياأبا محمد )) وصلى عليه مع باقي القتلى وقبره مع الزبير موجدان في محافظة البصره جنوب العراق . × أما عن علي ( رض ) فقد دفن في النجف جنوب العراق وليس في المدينه كما تم الذكر . أنصح الجميع بقراءة الموضوع ففيه الكثير من المعلومات التأريخه و والكثير من الروايات , فهو مفيد ومهم بالغ شكري وتقديري لعطائك |
|
جزاك الله عنا كل خير
وجعله في مزان حسناتك سلمت لنا تحيات لك |
| الساعة الآن 10:56 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |