أمهات المؤمنين رضي الله عنهن

انّ الحمد لله نستعينه ونستهديه ونستغفره ونشكره سبحانه وتعالى أن هدانا الى الاسلام، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالن، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، قل أمر ربي بالقسط ، وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد، وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون، فريقا هدى وفريقا حقّ عليهم الضلالة، انهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون.

ونشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له شهادة حق وصدق، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، وصفيّه من خلقه وخليله، أدى الرسالة ونصح الأمة، وكشف الغمّة، وجاهد في سبيل الله حق الجهاد، حتى ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا ضال ولا ينكرها الا جاحد، فصلوات ربي وسلامه عليه القائل في كتابه الكريم تشريفا لمقامه صلى الله عليه وسلم وتعظيم، وامرنا بالصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم: انّ الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليم، اللهم صلي وسلم وبارك على النبي الأمي الصادق الوعد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد،

يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم وتحديدا في سورة الأحزاب 52:

لا يحلّ لك النساء من بعد ولا أن تبدّل بهنّ من أزواج ولو أعجبك حسنهنّ الا ما ملكت يمينك، وكان الله على كلّ شيء رقيبا

هذه الآية الكريمة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكافأة لأزواجه صلى الله عليه وسلم على حسن صنيعهنّ في اختيارهنّ لله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والدار الآخرة، كما جاء في قوله تبارك وتعالى في سورة الأحزاب 28 و 29: يا أيها النبيّ قل لأزواجك ان كنتنّ تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكنّ وأسرحكنّ سراحا جميلا* وان كنتنّ تردن الله ورسوله والدار الآخرة فانّ الله أعدّ للمحسنات منكنّ أجرا عظيما

وقد نزلت هذه الآية الكريمة بعدما سألنه نساءه النبي صلى الله عليه وسلم النفقة، وكانت تحته صلى الله عليه وسلم يومئذ (عائشة، حفصة، أم حبيبة، سودة، و أم سلمة رضي الله تعالى عنهنّ وأرضاهنّ) جاء أمر من الله تبارك وتعالى لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بأن يخيّر نساءه رضي الله عنهنّ بين أن يفارقهنّ فيذهبن الى غيره ولهنّ الحياة الدنيا بزخرفها وزرينته، وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال ولهنّ الآخرة ونعيمه، ولمّا رضي الله عنهنّ وأرضاهنّ اخترن الله ورسوله والدار الآخرة، جمع لهنّ سعادة الدارين الدنيا والآخرة، والله عنده حسن الثواب.

انّ أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهنّ جاءت تسميتهنّ بهذا الاسم من عند ربّ العزة تبارك وتعالى، وهذا ما تجلى بقوله عزوجل: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وأزواجه أمهاتهم. (الأحزاب 6)



أزواجه صلى الله عليه وسلم امهات المؤمنين الطاهرات



تزوّج النبي صلى الله عليه وسلم من عشر نساء وزوجتان من سراريه صلى الله عليه وسلم وهنّ مارية بنت شمعون القبطية، وريحانة بنت زيد النضيرية، ولم يرزق صلى الله عليه وسلم الولد الا من مارية القبطية رضي الله عنها اذ ولدت له ولدا أسماه ابراهيم تأسيا بأبو الأنبياء وخليل الله عليه الصلاة والسلام،وكان الموقس ملك أقباط مصر قد أهدى النبي صلى الله عليه وسلم جاريتان شقيقتان هنّ مارية القبطية وأختها سيرين بنتا شمعون، ومن أراد أن يلم بمعلومات أكثر عنهنّ فليذهب الى قصص الصحابيات الجليلات رضي الله عنهنّ حتى اذا وصل الرقم 21 فليتوقف لبعض الوقت عند قصة سيرين بنت شمعون رضي الله عنها.



أما أزواجه صلى الله عليه وسلم فهنّ على الترتيب كزواجا منه صلى الله عليه وسلم:



1. السيدة: خديجة بنت خويلد.

2. السيدة : سودة بنت زمعة ميمونة بنت الحارث.

3.السيدة: عائشة بنت أبي بكر الصديق.

4. السيدة : حفصة بنت عمر بن الخطاب.

5. السيدة: أم سلمة هند بنت أبي امية.

6. السيدة: أم حبيبة – رملة بنت أبي سفيان بن حرب.

7. السيدة زينب بنت جحش.

8. السيدة : صفية بنت حيي بن أخطب.

9. السيدة : جويرية بنت الحارث.

10. السيدة: ميمونة بنت الحارث العامرية.

ومن سراريه صلى الله عليه وسلم:

1. مارية القبطية.

2. ريحانة بنت زيد النضيرية.

رضي الله تعالى عنهنّ وأرضاهنّ أجمعين، وصلى الله وسلم وبارك على من أدبهنّ وعلمهنّ ورباهنّ.



1. السيدة: خديجة بنت خويلدرضي الله عنها

كانت تسمى في الجاهلية ب الطاهرة وهي المرأة الوحيدة التي وصلها سلام من الله عزوجل

هي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، تجتمع في النسب مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصي بن كلاب، تكنى رضي الله عنها بأم القاسم، وأمها فاطمة بنت زائدة العامرية، وهي أقرب نساءه صلى الله عليه وسلم بالنسب، ولم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم غيرها حتى ماتت، ولم يتزوج من ذرية قصي غيرها الا حبيبة رضي الله عنهنّ أجمعين.

ولدت السيدة خديجة رضي الله عنها قبل عام قبل عام الفيل ب 15عام، وذلك فهي تكبر النبي صلى الله عليه وسلم ب 15 عاما.



خير نساء عصرها رضي الله عنها

كانت تسمى في الجاهلية ب الطاهرةوهي أول من آمن برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، واول من صدّقه وقوّت من معنوياته صلى الله عليه وسلم.

هي امرأة عاقلة كريمة، جليلة، مصونة، ذات شرف وجمال في قريش، وهي رضي الله عنها ممّن كمل من النساء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يثني عليها عليها ويفضلها على سائر أمهات المؤمنين، ويبالغ في تعظيمه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد فضلها على نساء الأرض في عصره، تماما كامرأة فرعون والتي كانت خير نساء الأرض في عصرها.

زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم

بعدما سمعت السدة خديجة بأمانة وصدق النبي صلى الله عليه وسلم من خلال شهادة قومه له بالصادق الأمين عرضت عليه صلى الله عليه وسلم العمل معها وأن يدير لها تجارتها بين الشام ومكة، ولما عرض المر على عمه أبو طالب بارك له ذلك، وباتت ترسل معه غلامها ميسرة كي يراقب كفاءته البيع والشراء وتعامله مع التجار، ولما رأى مديح ميسرة للنبي صلى الله عليه وسلم

بعدما لمست السيدة خديجة رضي الله عنها من النبي صلى الله عليه وسلم الصدق في التعامل والأمانة المطلقة من خلال غلامها ميسرة الذي كانت ترسله معه صلى الله عليه وسلم كي يراقبه في البع والشراء والتعامل، ولما رأى غلامها ميسرة كل أنه يتمتع بصفات حميدة لم يصادفها بغيره ممن عملوا معها ونقل لها صدق أمانته رغبت في الزواج منه صلى الله عليه وسلم، وما أن عرضت الأمر على جاريتها نفيسة رضي الله عنها حتى باركت لها خطوته، ولنترك الحديث للسيدة نفيسة رضي الله عنها تروي لنا كيف جمعت بين قلبيهما:

كانت خديجة بنت خويلد امرأة حازمة جلدة شريف مع ما أراد الله بها من الكرامة والخير، وهي يومئذ أوسط قريش نسب، وأعظمهم شرف، وأكثرهم مال، وكل قومها كان حريصا على نكاحها لو قدر على ذلك طلبوها وبذلوا لها الأموال، فأرسلتني دسيسا (لتأتيها برأيه) الى محمد (صلى الله عليه وسلم) بعد أن رجع في عيرها من الشام، فقلت: يا محمد! ما يمنعك أن تزوّج؟ فقال: ما بيدي ما أتزوّج به، قلت: فان كفيت ذلك ودعيت الى الجمال والمال والشرف والكفاءة ألا تجيب؟ قال: فمن هي؟ قلت: خديجة، قال: وكيف لي بذلك؟ قلت: عليّ، قال: فأنا افعل، فذهبت فأخبرته، فأرسلت اليه أن ائت الساعة كذا وكذ، وأرسلت الى عمها عمرو بن أسد ليزوّجه، فحضر ودخل رسول الله صلى اله عليه وسلم في عمومته فزوّجه أحدهم، فقال عمرو بن أسد: هذا البضع لا يقرع أنفه ( كفء للزواج) ، وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن 25 عاما وخديجة يومئذ بنت 40 سنة.

وكانت رضي الله عنها قد سبق لها الزواج مرتين في الجاهلية من عتيق بن عائذ المخزومي، ثم من أبو هالة فولدت له ولد، وكلا هما ماتا قبل الاسلام.

مناقبها رضي الله عنها:

- هي المرأة الوحيدة التي بلغها سلام من رب العزة تبارك وتعالى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! هذه خديجة قد أتت، معها اناء فيه أدم أو طعام، فاذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني ، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب. (أي بيت من لؤلؤ مجوّف واسع هادىء لا نصب فيه ولا تعب)

ذلك لأنها رضي الله عنها أول من آمنت به حين كذبه الناس، أجابت دعوته صلى الله عليه وسلم للاسلام طوع، وأزالت عنه كل تعب ونصب، وآنسته من كل وحشة، وهوّنت عليه كل عسير، وقالت له: انك لتقري الصيف وتصل الرحم ، أبشر، والله لا يخزيك الله أبدا.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة من كثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم اياه، وتزوجني بعدها بثلاث سنين، وأمره ربه عزوجل أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب.

وعن ابن عباس رضي الله عنهم، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:

أفضل نساء العالمين خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسيّة بنت مزاحم امرأة فرعون.

وعن عمار بن ياسر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

لقد فضلت خديجة على نساء أمتي، كما فضلت مريم على نساء العالمين.

- هي رضي الله عنها أول من آمن برسالته صلى الله عليه وسلم وصدقته، ومضت به صلى الله عليه وسلم الى ابن عمها ورقة بن نوفل والذي أكدّ لها نبوته صلى الله عليه وسلم، وتصرف كهذا منها ان دلّ على شيء فانما يدلّ على رجاحة عقلها ورباطة جأشها وقوة يقينها وصحة عزمها رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

وكان صلى الله عليه وسلم يثني عليها ويفضلها على سائر أمهات المؤمنين ويبالغ في تعظيمها بحيث أثار غيرة عائشة رضي الله عنها والتي كانت تقول: ما غرت من امرأة، ما غرت من خديجة من كثرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم له، وكان النبي صلى الله عليه وسلم اذا ذبح شاة يقول: أرسلوا بها الى أصدقاء خديجة، وقال صلى الله عليه وسلم: اني رزقت حبها.

ومن مناقبها وكرامتها رضي الله تعالى عنها انه صلى الله عليه وسلم لم يتزوج غيرها قط حتى ماتت رضي الله عنه، ورزقه الله تعالى منها بالولد.

أولادها رضي الله تعالى عنها

ولدت خديجة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة ذكور وأربعة اناث: القاسم ، عبد الله الملقب بالطيب والطاهر وقد ماتوا جميعا وهم رضّع رضي الله عنهم وأرضاهم، ومن الاناث رزقت ب رقيّة ، زينب ، أم كلثوم وفاطمة رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، وجيعهنّ توفين قبل انتقاله صلى الله عليه وسلم للرفيق الأعلى، عدا الطاهرة المطهرة البتول السيدة فاطمة رضي الله تعالى عنه، والتي كانت أول أهله لحوقا به، وذلك بعد ستة أشهر من وفاته صلى الله عليه وسلم.

وفاتها رضي الله عنها:

توفيت رضي الله عنها في شهر رمضان عن عمريناهز ال 65 عاما من عمرها المبارك قبل الهجرة بسنوات ثلاث أي قبل صلح الحديبية بعام واحد، وقد ألمت الروح الى بائها آمنة مطمئنة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ليتحقق فيها قول الله تبارك وتعالى: يا أيتها النفس المطمئنة* ارجعي الى ربك راضية مرضية* فادخلي في عبادي* وادخلي جنتي.

2. السيدة سودة بنت زمعة رضي الله عنها

تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ولها من العمر 65 عاما

بعد رحيل السيدة خديجة رضي الله عنها تمضي الليالي وئيدة ثقيلة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في وحدته بعدها رضي الله عنه يخلو الى نفسه كلماأجهده ما يلقى من سوء معاملة قومه له عليه الصلاة والسلام وعنادهم في قبول دعوته صلى الله عليه وسلم لهم الى عبادة الله الها واحدا لا شريك له، ولم تسعف الجرأة أحدا من الصحابة في أن يخرجوه من صمته ووحدته بالزواج بعد خديجة رضي الله عنه سوى خولة بنت حكيم السهمية رضي الله عنها عندما قالت له صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! كأني أراك قد دخلتك خلة (حزن) لفقد خديجة! فقال عليه الصلاة والسلام: أجل! كانت أم العيال وربّ البيت، عندها تملكتها الجرأة وتقترح عليه بأن يتزوج، فقال لها: لكن من بعد خديجة؟ فقال له: ان كنت تريد بكرا عندنا عائشة بنت أبي بكر’ وانت تريد ثيبا عندنا سودة بنت زمعة، فقال عن عائشة: لكنها لا تزال صغيرة، فقالت: تخطبها اليوم ثم تنتظر حتى تنضج، أما سودة بنت زمعة العامرية، فأذن لها صلى الله عليه وسلم في خطبتها.

ولدت رضي الله عنها في مكة قبل عام الفيل ب 13 أعوام، وبذلك فهي تكبر النبي صلى الله عليه وسلم ب 13 عاما.

زواجها رضي الله عنها من النبي صلى الله عليه وسلم

كانت رضي الله عنها سيدة جليلة ، كريمة النسب، نبيلة، وطيبّة الى أبعد الحدود رضي الله تعالى عنها وأرضاه، تزوجت بداية من السكران بن عمرو العامري وهو شقيق سهيل بن عمرو الصحابي الجليل الذي وقع صلح الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل اسلامه، وقد هاجرت سودة مع زوجها السكران رضي الله عنهما الى الحبشة فرارا بدينهم، ولم يلبث أن شعر المهاجرون بضرورة العودة الى مكة، وبينما هي كذلك اذ رأت في المنام انّ قمرا انقضّ عليها من السماء وهي مضطجعة، وما أن أخبرت زوجها بمنامها حتى قال: والله! لئن صدقت رؤيتك لم ألبث الا يسيرا حتى أموت وتتزوّجين بعدي، فلم يلبث طويلا بعد الرؤيا حتى أدركته المنيّة رضي الله عنه بعدما اشتكى وثقل عليه المرض.

وبعدما حصلت خولة على الاذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن تخطب له سودة ، خولة بيت سودة رضي الله عنهنّ وقالت لها: لقد أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطبك عليه، فقالـت: أدخلي على أبي فاذكري له ذلك، فدخلت عليه خولة وهو شيخ كبير وقالت له: انّ محمد بن عبد الله بن عبد المطلب (صلى اله عليه وسلم) قد أرسلني أخطب على سودة، فصاح الشيخ: كفء كريم، وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، وانفردت به عليه الصلاة والسلام لثلاث سنين حتى اذا وجد عائشة رضي الله عنها باتت مؤهلة للزواج وكفؤا له تزوجها عليه الصلاة والسلام.

مناقبها رضي الله عنها

- كانت أول زوجة ارتبط بها النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة خديجة رضي الله عنهنّ، وهي سيدة جليلة، نبيلة، كريمة النسب.

- يقينها رضي الله عنها من النبي صلى الله عليه وسلم انّ حظها منه كان برّا ورحمة أن رفعها النبي صلى الله عليه وسلم الى تلك المكانة بأن جعلها أما للمؤمنين بمجرّد زواجه صلى الله عليه وسلم منها وقد تجاوزت عقدها السادس بعامين، ولقد أحبّها النبي صلى الله عليه على الرغم من أنه يصغرها ب 13 عاما لدماثة عقلها وطيب معشرها ونبلها وكرمها وطيبة سريرتها لأبعد الحدود، وكم كان يسعدها رضي الله عنها وهي تجده يضحك من مشيتها وأن يأنس الى خفة روحها وملاحة عباراته، حتى أنها ذات يوم قالت له ذات مرة رضي الله عنها: صليت خلفك الليلة يا رسول الله! فركعت بي حتى أمسكت بأنفي مخافة أن يقطر الدم، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم من قولها لطيبة سريرتها.

- كانت رضي الله معطاءة كثيرة الصدقة.

موقفا مشرّفا لها تعجز عنه نساء عالم اليوم مجتمعة

تربعت رضي الله عنها على عرش قلبه صلى اله عليه سنوات ثلاث لم يقترن بغيرها قط، حتى اذا باتت السيدة عائشة رضي الله عنها كفؤا للزواج بنى بها وكانت سودة رضي الله عنها نعم المعين لعائشة حين منحتها حجرتها لتتزوّج به، وحرصت جهدها على أن تتحرّى مرضاة العروس الشابة، ثمّ وفدت على البيت زوجات أخريات فيهنّ حفصة بنت عمر، وزينب بنت جحش، وأم سلمة المخزومي ورغم ذلك ما قللت سودة من ايثار عائشة باخلاصها ومودتها ولم تظهر أدنى ضيقابهولاء الزوجات اللائي يستأثرن بعواطف الزوج، ولكن لأنه صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة فقد أشفق على حالها محاولا جهد طاقته أن يفتح لها قلبه الشريف، والذي تجلى بعدله صلى الله عليه وسلم بينها وبين نساءه في المبيت والنفقة، وبدا له أن يسرّحها سراحا جميلا وما أنبأها صلى الله عليه وسلم مترفقا بعزمه على طلاقها حتى همست رضي الله عنها همس المحبّة له صلى الله عليه وسلم وقال: أمسكني! والله ما بي على الأزواج من حرص، ولكن أحبّ ان يبعثني الله يوم القيامة زوجا لك، طلبت منه صلى الله عليه وسلم ذلك وقد عزّ عليها رضي الله عنها أن تحمّله صلى الله عليه وسلم على ما يكره، فلاح لها خاطر أن تهب ليلتها لعائشة، فتأثر النبي صلى الله عليه وسلم من موقفها السمح الكريم وايثارها النبيل، وبهذه التضحية العظيمة تكون رضي الله عنها قد جمعت من الشمائل أكرمهاو ومن الخصال أنبله، الأمر الذي جعلها تنجح في ادخال السعادة والبهجة في قلب النبي صلى الله عليه وسلم وقلب زوجاته رضي الله عنهنّ أجمعين.

مزاحهنّ فيما بينهنّ رضي الله عنهنّ

بموقف سودة النبيل رضي الله عنها مع النبي صلى الله عليه وسلم ونساءه، تتحيّن نساءه صلى الله عليه الفرصة للمزاح معها ومداعبته، من خلال ايهامها بخروج الأعور الدجال، ففزعت لذلك فزعا شديدا وجعلت تنتفض، فذهبت فاختبأت في خيمة لهنّ من سعف فذهبت فاختبأت فيه، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت وعائشة وحفصة من كثرة ضحكهنّ لم تستطعن أن تتكلم، فسألهنّ: ماذا الضحك؟ فأومأتا بأيديهنّ الى الخيمة، وماأن ذهب عليه الصلاة والسلام صوب الخيمة واذ بسودة ترتعد من شدة الخوف، فسألها: يا سودة ما لك؟ فقالت: يا رسول خرج الأعور! فقال عليه الصلاة والسلام: ما خرج وليخرجنّ ... ما خرج وليخرجنّ، فأخرجها عليه الصلاة والسلام ينفض عنها الغبار ونسيج العنكبوت.



3- السيدة عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنه

أول فقهية في الاسلام وأفقه نساء الأمة اطلاقا

هي الصدّيقة المبرأة من فوق سبع سموات ابنة الصديق من أمها أم رومان بنت عامر رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

ولدت رضي الله عنها في مكة بعد البعثة النبوية ببضع سنوات، واسلمت هي وأختها أسماء رضي الله عنهنّ في سنّ مبكرة.

زواجها رضي الله عنها

تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد رؤيا منامية، ورؤا الأنبياء كما نعلم حق، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أريتك في المنام ثلاث ليال، جاءني بك الملك في سرقة (قطعة من حرير) فيقول: هذه امرأتك! فأكشف عن وجهك فاذا هي أنت، فأقول: ان بك هذا من عند الله يمضه.

وكما مرّ آنفا في قصة سودة بنت زمعة رضي الله عنها كيف خولة بنت حكيم عرضت عليه صلى الله عليه وسلم أن يخطب عائشة وهي ابنة ست سنين حتى اذا كبرت ونضجت تزوجها صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، وفي السنة الثانية للهجرة وبعدما بلغت رضي الله عنها سن التاسعة من عمرها باتت مؤهلة للزواج ودخل بها النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوّج عليه الصلاة والسلام بكرا غيره، وكانت رضي الله عنها تفخر بذلك على ضرائرها رضي الله تعالى عنهنّ أجمعين.

الحميراء رضي الله عنه

لقب اعتاد العرب أن يطلقه على المرأة الجميلة البيضاء، وقد أطلقه النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة لما تتمتع به من حسن الخلقة الى جانب أنها صبية لطيفة فرحة، ولأنها رضي الله عنها كانت بهذه المواصفات فلم يرض النبي صلى الله عليه وسلم أن يثقل كاهلها مذ كانت ابنة ست سنين بأعباء الزوجية ومسئولياته، بل تركها حيث هي في بيت أبيها لاهية مع أترابه، ومن خلال صحبته صلى الله عليه وسلم لأبيها رضي الله عنهما لمست وقاره وعظمته وهيبته ما جعلته صلى الله عليه وسلم يرتاح اليها ويأنس الى صحبتها يشاركها لهوها ومرحها في كلّ بساطة والفة، وبعد الهجرة المباركة بعامين كانت قد أتمت التاسعة من عمرها المبارك حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم قد استقر به المقام في دار هجرته في المدينه، وانتقلت العروس العذراء الى بيتها الجديد، وما كان سوى حجرة من الحجرات شيدّت حول المسجد من الطوب وسعف النخيل، في بيت متواضع جدا وضع فيه فراش من أدم حشوه ليف ليس بينه وبين الأرض سوى الحصير، وعلى فتحة الباب ستار من الشعر، في هذا البيت المتواضع بدأت العروس العذراء حياتها مع خير البريّة اطلاقا عليه الصلاة والسلام بحياة زوجية حافلة وقد أخذت مكانها المرموق في حياته صلى الله عليه وسلم لما كان لها من منزلة خاصة في قلبه عليه الصلاة والسلام، وما كان له صلى الله عليه وسلم أن يخفي هذا الحبّ، فقد كانت أحبّ النساء الى قلبه عليه الصلاة والسلام، ومحبته تلك لم تقلّ أبدا عن محبته صلى الله عليه وسلم لأبيها رضي الله عنهما.

غيرتها رضي الله عنها

المرأة هي المرأة في كل زمان ومكان، والمرأة والغيرة صنوان لا يفترقا أبد، ولكن هناك من الغيرة ما قتل، ورغم غيرة عائشة رضي الله عنها على رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أنها كانت غيرة محمودة لم تتجتوز بحال حدودها المشروعة ضمن العدل والدين، ولم يدخل الأمر بين نسائه صلى الله عليه وسلم مرحلة الخصومات فيما بينهنّ، وعلى الرغم من أنها لم تعاصر السيدة خديجة رضي الا أنها كانت شديدة الغيرة منها لكثرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لفضائلها رضي الله عنهنّ أجمعين.

الفقهية الأولى في الاسلام رضي الله عنها

لقد بلغت من العلم ما بلغته أم من أمهات المؤمنين، وقد نهلت العلم الكثير الطيّب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، واننا لنجد ذلك من كثرة الأحاديث المروية عنها رضي الله عنها والتي تجاوزت الألفين ومائتين حديث، ولا يوجد امرأة في نساء المة امرأة أعلم منها بدين الله تبارك وتعالى على الرغم من أنها لم تمكث معه صلى الله عليه وسلم سوى ثمان سنين.

وقال الأزهري رحمه الله: لو جمع علم عائشة رضي الله عنها الى جميع النساء لرجحت كفته، وما أشكل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حديث قط الا وجدوا عندها منه علم، هذا عدا عن أنها كانت تفتي للنساء في أحوالهنّ الخاصة.

وفي الفاروق عمر رضي الله عنها كانت رضي الله عنها المرجع الأول في الفقه والحديث والسنة، وكانت الفقهية الولى في الاسلام رضي الله عنها.

دعاء ليلة القدر

دعاء ليلة القدر توارثه المسلمين عنها منذ أربعة عشرة قرنا ولا يزال، وكانت رضي الله عنها قد سألت النبي صلى الله عليه وسلم: ان أدركتني ليلة القدر فما أقول؟ اجابها عليه الصلاة والسلام: اللهم انك عفوّ كريم تحبّ العفو فاعف عن، دعاء شامل وكاف وواف، اذ ما بعد العفو يكون سوى رضوان الله والجنة؟

وفاته صلى الله عليه وسلم

يكفيها شرفا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دنت المنيّة جمع نساءه جميعا واستأذنهنّ أن يمرض في بيتها رضي الله عنه، فكان يعرق عرقا شديد، فتمسح بيده الشريفة وجهه صلى الله عليه وسلم، وعللت ذلك لمن سألها عن السبب: بأنّ يده صلى الله عليه وسلم أطهر من يدها رضي الله عنه، ثمّ اذا رأته صلى الله عليه وسلم ينظر الى أخيها وهو يستاك أخذت منه السوك وألانته بفمها ثم أعطته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليستاك به، وكان ريقها رضي الله عنها آخر ما دخل جوف النبي صلى الله عليه وسلم.

تقول رضي الله عنها: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري.

وفاتها رضي الله عنها

بعدماأدركت رضي الله عنها الحياة السياسية والاجتماعية والفقهية للمسلمين، وبعدما حفظت لهم المئات المئات من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة، وفي ليلة الثلاثاء وفي ليلة ذكرى غزوة بدر الكبرى لسبع عشرة مضين من رمضان لعام 57 للهجرة تهيأت روحها الطاهرة للرحيل لتعانق روح الزوج الرؤوم صلى الله عليه وسلم عن عمر يناهز ال 66 من عمرها المبارك ، وصلى عليها أبو هريرة رضي الله عنه، وشيعت جنازتها ليلا على أضواء المشاعل، واودع جثمانها الطاهر في البقيع مع أمهات المؤمنين وقد نزل معها الى القبر خمسة من محارمها رضي الله تعالى عنهم أجمعين.



4. السيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما

الصوامة القوأمة وزوجته صلى الله عليه وسلم في الجنة وحارسة القرآن الكريم

هي ابنة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، وأمها زينب بنت مظعون، وخالها الصحابي الجليل عثمان بن مظعون الذي تناولنا قصته في الجزء الثالث من قصص الصحابة رضوان الله تعالى عنهم أجمعين.

ولدت في مكة قبل البعثة النبوية الشريفة بخمس سنوات.

هجرتها رضي الله عنها

بعدما اذن الله تبارك وتعالى للمؤمنين بالهجرة الى المدينة، كانت رضي الله عنها وزوجها خنيس بن حذافة السهمي من أوائل المهاجرين ولحقا بركاب المؤمنين المتوجهين صوب مدينة النبي صلى الله عليه وسلم وعاصمة الاسلام الأولى، وما استقر الحال بهما في هذه البقعة المباركة من الأرض حتى بدأت مرحلة المواجهة بين المؤمنين والمشركين أعداء الله تعالى ورسوله والمؤمنين، وكان زوجها رضي الله عنه من أوائل المدافعين عن هذا الدين العظيم لتكون أولى مواجهاته مع قوى الكفر والطغيان في اولى معارك المسلمين مع أعداء الله في بدر وأبلى فيها بلاء حسن، تبعتها غزوة أحد التي أصيب فيها رضي الله عنه بجروح كثيرة لم يلبث بعدها كثيرا حتى لحق بقوافل الشهداء في السنة الثالثة للهجرة مخلفا وراءه زوجته الطاهرة المطهرة حفصة رضي الله عنهما وقد ذاقت مرارة الترمل وهي لا زالت في ريعان الصبا ولم تبلغ سن ال18 من عمرها بعد، وهنا تكتنف الأب الرؤوم مشاعر الشفقة والحزن على الترمل المبكر لابنته، فما كان منهه الا أن قام يبحث لها عن زوج صالح رغبة منه في اخراجها من محنتها التي ابتلاها الله تعالى به، ولأنّ النفوس كانت صافية وصادقة فقد أيده الله تعالى بنصره.

حملها للقب أم المؤمنين رضي الله عنها

لم يطل المقام بحفصة رضي الله عنها بعد استشهاد زوجها حتى وفقها الله تعالى بخير الناس اطلاقا ليعوضها عن زوجها رضي الله عنهم، وعمر رضي الله عنه شأنه شأن كل أب يبحث عن ستر ابنته، من هذا المنطلق بدأ يعرضها على اخوانه المؤمنين من حوله، ولنترك الحديث لعمر الأب الرؤوم يحدثنا عن ذلك فيقول:

لقيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة، وقلت له: ان شئت زوّجتك حفصة بنت عمر، فقال: سأنظر بأمري، فلبث عثمان ليالي ثمّ اعتذر لي بأنه لا رغبة له في الزواج، فلقيت أبا بكر وقلت له ان شئت زوّجتك حفصة بنت عمر، فسكت أبو بكر ولم يرجع اليّ بجواب، فانطلقت الى النبي صلى الله عليه وسلم وقد اشتد بي الغضب، فهدأ النبي صلى الله عليه وسلم من روعي وسألني عما يغضبني فحدثته عما كان، فتبسّم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يتزوّج حفصة من هو خير من عثمان (يقصد نفسه صلى الله عليه وسلم)، ويتزوّج عثمان من هي خير من حفصة (يقصد النبي صلى الله عليه وسلم ابنته أم كلثوم رضي الله عنها) ، فقمت الى النبي صلى الله عليه وسلم أصافحه وقد زال عني ما كنت أجد من مهانة الرفض وخرجت الى ابنتي مسرعا أزّف اليها الخبر والبشرى.

هكذا شرّفها الله سبحانه وتعالى بأن تكون زوجة خير البريّة اطلاقا نبينا صلى الله عليه وسلم لتحمل لقب أم المؤمنين بزواجها من النبي صلى الله عليه وسلم تقتبس من أنواره وتنهل من علمه بما حباها الله تعالى من ذكاء وفطنة وحبها للعلم.

مراجعتها للنبي صلى الله عليه وسلم

لم يقل شأنها عن شأن مثيلاتها من نساء النبي صلى الله عليه وسلم في رواية الحديث عنه عليه الصلاة والسلام امثال عائشة وأم حبيبة وأم سلمة رضي الله تعالى عنهنّ وأرضاهنّ.

تقول رضي الله عنها أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اني لأرجو ألا يدخل النار انشاء الله أحد شهد بدرا والحديبية، فقلت، أليس الله تعالى يقول: وان منكم الا وارده، كان على ربك حتما مقضيا؟ مريم (71) فأجابني صلى الله عليه وسلم: ثم ننجيّ الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيّا (مريم 72)

وما ان علم عمر رضي الله عنه بمراحعة ابنته للنبي صلى الله عليه وسلم حتى غضب غضبا شديدا ودخل عليها وزجرها قائلا: تعلمين أني أحرك عقوبة الله وغضب رسوله، يا بنيّة! لا يغرنّك هذه التي أعجبتها حسنها وحبّ رسول الله اياه، والله لقد علمت أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبّك ولولا أنا لطلقك.

كم من امثال هذا العملاق نحتاج هذه الأيام وهو يؤثر النبي صلى الله عليه وسلم عن أحبّ الناس اليه ابنته؟ من من آباء اليوم يدافع هذا الدفاع المستميت عن دينه المتثل بشخص النبي صلى الله عليه وسلم ويواجهها بالحقيقة والتي تستقبلها ابنته من أبيها رضي الله عنهما وبصدر رحب؟ لله درّك يا ابن الخطاب وقد أدركت درجة النبوة بخشيتك من الله وتقواك وورعك! لله درّك والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:لو كان نبيّا بعدي لكان عمر...

لله درّك يا عمر! والنبي صلى الله عليه وسلم يسأل جبريل عليه السلام بأن يخبره عن فضائل عمر في السماء فجيبه وحي السماء عليه السلام: لو مكثت ما مكث نوح في قومه ألف سنة الا خمسين لأحدثك بفضيلة واحدة من فضائل عمر ما حدثتك عن فضيلة واحدة من فضائل عمر، وانّ عمر لحسنة من حسنات أبو بكر رضي الله عنهما.

الله أكبر يا أبو بكر... الله أكبر يا عمر... هكذا الرجال تقاس... بقوة الايمان تقاس... بخشيتها من خالقها سبحانه وتعالى وخوفها من الجليل تقاس.. بحبها لنبيّها صلى الله عليه وسلم تقاس.. لا بالمناصب تقاس.. ولا بالرياسة أو بالمال تقاس.. وشهادة من تلك التي نسمعها في صاحبي رسول الله صلىالله عليه وسلم؟ انها شهادة وحي السماء.. امين السماء.. جبريل عليه السلام سيد ملائكة السماء اطلاقا.. ومن السائل؟ انه خير البشرية وخير الورى وصفيّ الله تبارك وتعالى من خلقه وخليله، صلى الله عليه وسلم، ومن هما أصحاب الفضائل السماوية؟ انهما صاحبيه صلى الله عليه وسيدا كهول أهل الجنة... ومع كل هذه الشهادة فيه رضي الله عنه نجده يقول: لو مناد يوم القيامة بأنّ كل عباد الله يدخلون الجنّة الا واحدا لخشيت أن أكون ذلك الواحد... ما هذا يا عمر؟ ماالذي تقوله ووحي السماء يشهد لك ضمنا أنك من أهل الجنة؟ ما هذا وخير البشرية صلى الله عليه وسلم يبشرّك بالجنة؟ اذن وعلى هذا فلنبك على أنفسنا ونقيم عليها مأتما من الآن على ما نسمع منك ما نسمع والذنوب تحوطنا من رؤوسنا حتى أخمص قدمينا.

زوجته صلى الله عليه وسلم في الجنّة

النبي صلى الله عليه وسلم يطلق زوجته السيدة حفصة رضي الله عنه، وما أن علم عمر رضي الله عنهما بالخبر حتى أخذ يحثو التراب على رأسه ويقول: ما يعبأ الله بعمر وابنته؟ولم تكد تتجاوز مقولة عمر الدنيا حتى أرسل الله عزوجل رسوله جبريل عليه السلام الى النبي صلى الله عليه وسلم يأمره بأن يعيد حفصة الى عصمته رحمة بابيها رضي الله عنهم، فالله تبارك وتعالى تكفّل بنصر أولساءه المؤمنين فقال عزوجل: وكان حقا علينا نصر المؤمنين.

وينزل وحي السماء جبريل عليه السلام الى النبي صلى الله عليه وسلم ويقول له: انّ الله تعالى يأمرك أن تراجع حفصة رحمة بعمر، وفي رواية أخرى: انها صوّامة قوّمة وهي زوجتك في الجنة.

اذا اكتفينا بهذا القدر في الحديث عن السيدة الفضلى حفصة بنت عمررضي الله عنهما بأنها صوأمة وقوّامه وزوجة خير البريّة اطلاقا صلى الله عليه وسلم في الجنة، فلو تحدثنا عن فضائلها حتى قيام الساعة فلن تسعفنا أقلامنا بايفاءها حقها كما أوفاها اياه ربّ العزة تبارك وتعالى، فسبحان الذي علمه سبق حكمه عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.

5- أم سلمة رضي الله عنها

تعرضت لابتلاء تعجز رجال العالم قاطبة عن فكيف بنا بنساءه؟

هي رضي الله عنها هند بنت أبي أمية حذيفة بن المغيرة المخزومية القرشية وكنيتها أم سلمة، وأمها عاتكة بنت عامر بن ربيعة، ووالدها أحد سادات قريش المعدودين، ولأنه كان كريما وسخيأ كان يمنع من يرافقه في سفره في أن يتزوّد لراحلته، ويكفيه مؤونة ذلك، لأجل ذلك لقّب بزاد الراكب.

اسلامها رضي الله عنها

هي من الرعيل الأول الذي أسلم مبكرا في مكة، ولم يشفع لها حسبها ونسبها من أن تتعرّض ما تعرّض له المؤمنون من صنوف العذاب وألوان الأذى.

صاحبة الهجرتين رضي الله عنها

عندما أذن الله تعالى للمؤمنين بالهجرة الى الحبشة ، كانت رضي الله عنها أول المهاجرين، وقد هاجرت مع زوجها عبد الله بن عبد الأسد بن هلال المخزومي في سبيل الله فارين بدينهم، وهناك ولدت ابنها سلمة.

وبعدما اذن الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالهجرة الى المدينة، وعندما أرادت أن تهاجر اليها واجهت الكثير من المصاعب والابتلاءات، ولنترك لها الحديث رضي الله عنها تحدثنا عن هذا الحدث بنفسها فتقول:

لما أراد أبو سلمة الخروج الى المدينة رصد بعيرا له وحملني وحمل معي ابني سلمة ثم خرج يقود بعيره، فلما رآه رجال بني المغيرة قاموا اليه فقالوا: أرأيت صاحبتنا هذه؟ علام نتركك تسير بها في البلاد؟ ونزعوا خطام البعير من يده وأخذوني، فغضب عند ذلك بنو عبد الأسد وأهووا الى ولدنا سلمة وقالوا لرهط زوجي: والله لا نترك ابننا عندها اذا نزعتموها من صاحبن، فتجاذبوا ابني سلمة حتى خلعوا يده، وانطلق به رهط أبيه، وحبسني بنو المغيرة عندهم، ومضى زوجي أبو سلمة حتى لحق بالمدينة وفرقوا بيني وبين زوجي وبين ابني، فكنت أخرج كلّ غداة وأجلس بالأبطح، فما أزال أبكي حتى أمسي، سنة أو قريبا منه، حتى مرّ بي رجل من بني عمّي، فرأى ما بي، فرحمني وقال لبني المغيرة: ألا تخرجون هذه المسكينة؟ فرقتم بين زوجها وبين ولده، وما زال بهم حتى قالوا الحقي بزوجك ان شئت، وردّ عليّ بنو عبد الأسد ابني.

زواجها بالنبي صلى الله عليها وسلم

في المدينة عكفت رضي الله عنها على تربية صغارها على حين زوجها أبو سلمة رضي الله عنهما تفرغ للجهاد في سبيل الله، وشهد غزوة بدر الكبرى، أولى المعارك الحسمة بين الوثنية والتوحيد، وكان له شرف الانتماء لل 413 رجلا الذين تمّ على أيديهم النصر على المشركين، وفي غزوة أحد أبى رضي الله عنه بلاء حسنا ومشهودا وخرج من المعركة جريحا بسهم أصابه في عضده رضي اله عنه مكث شهرين كاملين يداويه حتى اذا ظنّ انه قد التأم، خرج ومعه 150 رجلا الى بني أسد فأحاطوا بهم وقاد معركو بطولية ظافرة وعاد مع أصحابه سالمين الى المدينة، ومع عودته رضي الله عنه يكون جرحه القديم والذي أصيب فيه في معركة أحد قد انتكأ من جديد فظلّ به حتى قضى عليه.

وما أن انتهت عدة أم سلمة حتى تقدّم منها أبو بكر خاطب، الا أنها وبرفق اعتذرت له، فتلاه عمر بن الخطاب ولم يكن حظه أوفر من حظ صاحبه رضي الله عنهم، ولما بعث اليها النبي صلى الله عليه وسلم طالبا الزواج منها تمنت لو يتاح لها ذلك الشرف العظيم، لكنها آثرت عيالها على رغبتها وأرسلت اليه صلى الله عليه وسلم تقول: مسنة ذات عيال، فردّ عليها النبي صلى الله عليه وسلم: أما انك مسنّة فأنا أكبر منك، وأما العيال فالى الله ورسوله، وأمام رغبة النبي صلى الله عليه وسلم لم تجد ما تقوله فقبلت به صلى الله عليه وسلم زوج، وتمّ الزواج في شوال من السنة الرابعة للهجرة.

روايتها للحديث رضي الله عنها

صاحبت رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم في كل من غزوة خيبر، فتح مكة، غزوة هوازن وثقيف، وحصار اطائف، ثمّ اذا كانت حجة الوداع سنة عشرة للهجرة كانت قد أخذت حظا وافرا من أنوار النبوّة وعلومها لتغدو ممّن يشار اليهنّ بالبنان فقها وعلم، وروت عنه صلى الله عليه وسلم ما يقارب ال 380 حديثا صحيحا معظمها كانت مرجعا في الأحكام الفقهية، وكان الصحابة يفدون اليها ويستفتونها في العديد من المسائل الفقهية ويحتكمون اليها رضي الله عنها عند الاختلاف.

موقفها من الفتنة الكبرى رضي الله عنها

عندما تظاهرت كل من عائشة وحفصة على النبي صلى الله عليه وسلم لم تشاركهنّ تظاهرهم، وبعد انتقاله صلى الله عليه وسلم للرفيق الأعلى حاولت أن تتجنّب الخوض في الحياة العامة الى كانت الفتنة الكبرى بين علي ومعاوية رضي الله عنهم، ولأنها أخذت من النبي صلى الله عليه وسلم العلم الكثير فقد آزرت علي وجاءته وقدّمت له ابنها عمر قائلة له: يا أمير المؤمنين! لولا أن أعصي الله عزوجل، وأنك لا تقبل مني لخرجت معك، وهذا ابني عمر، والله لهو أعزّ من نفسي يخرج معك فيشهد مشاهدك. ولولا أنها رضي الله عنها ما رأت أنّ علي رضي الله عنه على حق لوقفت من الفتنة في الحياد ولما آزرته أبدا.

وفاتها رضي الله عنها

هي آخر أمهات المؤمنين وفاة رضي الله تعالى عنه، وقد تقدّم بها العمر حتى شهدت مقتل الامام علي وابنه الحسين في مذبحة كربلاء رضي الله عنهم، وفي شهر ذي القعدة من العام 59 للهجرة وافتها المنية عن عمر يناهز ال 84 من عمرها المبارك رضي الله تعالى وأرضاها.



6- السيدة أم حبيبة رضي الله عنها

من كان النجاشي وكيلها بزواجها بسيد الخلق صلىالله عليه وسلم

هي رضي الله عنها رملة بنت ابي سفيان بن حرب من بني أمية، وامها هند بنت عتبة التي أمرت الوحشي بقتل الحمزة رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد ، وبعد مقتله رضي الله عنه أمرت أم سفيان الوحشي باستخراج كبده وأخذت تلوكه في فمه تشفيا لأنه قتل أخويها وابوها في غزوة أحد.



هاجرت الهجرتين، هجرة الحبشة وهجرة المدينة، وفي الحبشة ارتد زوجها عن الاسلام واعتنق النصرانية، وأدمن الخمرة ولم يمهله الأجل كثيرا حتى مات ولنترك أم حبيبة رضي الله عنها تحدثنا عن هذا الحدث بنفسها فتقول: رأيت في المنام كأنّ عبيد الله بن جحش زوجي بأسوأ صورة وأشهه، ففزعت فقلت: تغيّرت والله حاله، فاذا هو يقول لي حين أصبح: يا أم حبيبة، اني نظرت في الدين فلم أرى دينا خيرا من النصرانية، وكنت قد دنت به، ثم دخلت في دين محمد، ثم رجعت الى النصرانية، فقلت: والله ما خير لك، وأخبرته بالرؤيا التي رأيت فلم يجفل بها (لم يبال بها) وأكبّ على الخمر حتى مات.

وماأن انقضت عدتها حتى أرسل النبي صلى الله عليه وسلم كتبا الى النجاشي رضي الله عنه يوكله فيه بأن يزوّجه أم حبيبة، ولنترك السيدة أم حبيبة تحدثنا عن هذا الحدث الذي أثلج صدرها بشرف الزواج من سيد الخلق قاطبة صلى الله عليه وسلم فتقول: ما شعرت وأنا بأرض الجبشة الا برسول النجاشي (جارية يقال لها أبرهة) كانت تقوم على ثيابه ودهنه، فاستأذنت عليّ فأذنت له، فقالت: انّ الملك يقول لك: انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب اليّ أن أزوجكه، فقلت: بشرّك الله بالخير، وقالت يقول لك الملك: وكّلي من يزوّجك، فأرسلت الى خالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنه فوكلته، وأعطيت أبرهة سوارين من فضة، وخدمتين (خلخالان) من فضة كانتا عليّ، وخواتيم من فضة في كل أصابع رجلي، سرورا بما بشّرتني به، فلما أن كان العشيّ ، أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ومن كان هناك من المسلمين أن يحضرو، وخطب النجاشي وقال: الحمد لله الملك القدوس المؤمن المهيمن العزيز الجبار، واشهد أن لا اله الا الله وأنذ محمدا عبده ورسوله، وانّ الذي بشّر به عيسى بن مريم، أما بعد،

فانّ رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب أن أزوّجه أم حبيبة بنت أبي سفيان، فأجبت الى ما دعا اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أصدقها أربعمائة دنانير، ثم سكب الدنانير بين يديّ القوم، فتكلم خالد بن سعيد، فقال: الحمد لله أحمده وأستغفره، واشهد أن لا اله الا الله وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أما بعد،

فقد أجبت الى ما دعا اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوّجته أم حبيبة بنت أبي سفيان، فبارك الله لرسول الله، ودفع النجاشي الدناير الى خالد بن سعيد فقبضه، ثمّ أرادوا أن يقومو، فقال: اجلسوا فانّ سنّة الأنبياء اذا تزوّجوا أن يؤكل طعام على التزويج، فدعا بطعام فأكلوا ثمّ تفرقوا.



7- السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها

الصوامة القوامة نالت شرف تزويج الله تعالى لها من فوق سبع سماوات



هي زينب بنت جحش بن رئاب الأسدية، هي ابنة أميمة عمة النبي صلى الله عليه وسلم، والتي نزل فيها قرآنان يتلى الى يوم القيامة بقوله تبارك وتعالى:

واذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك مالله مبديه وتخشى الناس والله أحقّ أن تخشاه، فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعياءهم اذا قضوا منهنّ وطر، وكان أمر الله مفعولا (الأحزاب 37).

كانت رضي الله عنها شابة حسناء ومن أشراف بني أسد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد زوّجها لمولاه زيد بن الحارثة رضي الله عنهما بعدما أنعم عليه الله تبارك وتعالى بالاسلام، وأنعم عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالعتق من الرق حتى جعله سيدا كبير الشأن جليل القدر، حبيبا الى النبي صلى الله عليه وسلم، حتى بات يفال له الحبّ ويقال لابنه أسامه رضي الله عنه الحبّ بن الحبّ، وقد عبّرت السيدة عائشة رضي الله عنها عن ذلك الحب الأسطوري الذي كان يكنه النبي صلى الله عليه وسلم لزيد بقولها: ما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سريّة الا أمّره عليهم، ولو عاش بعده لاستخلفه.

المرأة الوحيدة التي زوّجها الله تبارك وتعالى

وبعد مضي العام على زواج زيد من زينب رضي الله عنهما بدأ العلاقة بينهما تتصدّع بينهما الأمر الذي جعل من زيد يشكوها للنبي صلى الله عليه وسلم، فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم وكأيّ أب الا أن يدعوه لأن يتريّث قائلا له: أمسك عليك زوجك واتق الله، وعندما لم يعد زيد يتحمّل زوجته فرّق بينهما النبي صلى الله عليه وسلم، ولما انقضت عدتها جاء أمر الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم بالزواج منها ، وبهذا الزواج الميمون حسم وحي السماء جبريل عليه السلام قضية كبرى هي قضية التبني والتي كانت شائعة في المجتمع يومئذ وبزواجه صلى الله عليه وسلم منها انتهت هذه العادة وللأبد.

والجدير بالذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تزوّج من زينب بنت جحش رضي الله عنها بلا مهر ولا عقد ولا وليّ ولا شهود من البشر، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما انقضت عدة زينب رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله صلى الله عليه لزيد بن حارثة: اذهب فاذكرها عليّ، فانطلق حتى أتاها وهي تخمّر عجينه، قال: فلما رأيتها عظمت في صدري، حتى ما أستطيع أن أنظر اليها وأقول: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره، فوليتها ظهري ونكصت على عقبي، وقلت: يا زينب أبشري، ارسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك، قالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤمر ربيّ عزّ وجل، فقامت الى مسجده، ونزل القرآن، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير اذن.

وقال أيضا: انّ زينب بنت جحش رضي الله عنها كانت تفخرعلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فتقول: زوجكنّ أهاليكنّ وزوّجني الله تعالى من فوق سبع سماوات.



القوّامة الصوّامة رضي الله عنها

كانت رضي الله عنها عابدة خاشعة قوّامة صوّمة كثيرة التصدّق لوجه الله تعالى.

قلن عنها ضرائرها رضي الله عنهنّ

فعن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها قالت: كانت زينب لرسول الله صلى الله عليه وسلم معجبة، وكان يستكثر منه، وكانت قوّامة صوّامة صنّاعة وتتصدّق بذلك كله على المساكين، تصنع بيديها وتخرز ثمّ تتصدّق بثمن ذلك.

وقالت عنها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ولم أر قط خيرا في الدين من زينب وأتقى لله وأصدق حديثا وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشدّ ابتذالا لنفسها في العمل الذي يتصدّق به الى الله عزّ وجل.

وتقول رضي الله عنها أيضا: انّ بعض لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن له: أيّنا أسرع بك لحوقا؟ قال: أطولكنّ يد، فكنا اذا اجتمعنا في بين احدانا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم نمدّ أيادينا الى الجدار نتطاول، فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيّت زينب بنت جحش ولم تكن بأطولن، فعرفنا حينئذ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم انما أراد طول اليد بالصدقة.

وفاتهارضي الله عنها

توفيت في خلافة عمر رضي الله عنهما سنة 20 للهجرة، وشيّعها أهل المدينة الى البقيع وازدحموا على نعشعا رضي الله عنها وأرضاها.



8- السيدة صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنه

سيدة يهود بني قريظة وبني النضير



كانت رضي الله عنها سيدة بني قريظة وبني النضير، وكان المسللمون قد قتلوا زوجها وأبوها وأخوها في معركة خيبر وهي لا زالت عروسا.

زواجها رضي الله عنها

ما أن رآها النبي صلى الله عليه وسلم حتى اختارها لنفسه، ثمّ ما لبث عليه الصلاة والسلام أن خرج بها الى سدّ الصهباء ( مكان أسفل خيبر) ، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما دخلت صفيّة بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسطاطه، حضر ناس وحضرت معهم ليكون لي فيها قسم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قوموا عن أمكم، فلما كان العشاء حضرنا فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الينا في رداءه نحو مد ونصف من تمر عجوة، فقال: كلوا من وليمة أمكم.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان بعيني صفية خضرة( أي سواد، والعرب تطلق الخضرة على السواد) فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذه الخضرة بعينيك؟ قالت: اني رأيت فيما يرى النائم كأنّ قمرا وقع في حجري فلطمني، وقال: أتريدن ملك يثرب؟ قالت: وما كان أبغض اليّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قتل أبي وزوجي، فما زال يعتذر اليّ وقال: يا صفيّة انّ أباك ألبّ (جمع) عليّ العرب وفعل وفعل، حتى ذهب ذلك من نفسي.

قدومها الى المدينة رضي الله عنها

وعن عطاء بن يسار رضي الله عنه قال: لما قدمت صفية رضي الله عنها من خيبر أنزلت في بيت لحارثة بن النعمان رضي الله عنه، فسمع نساء الأنصار، فجئن ينظرن جماله، وجاءت عائشة رضي الله عنها متنقبّة، فلما خرجت خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أثرها فقال: كيف رأيت يا عائشة؟ قالت: رأيت يهوديّة! فقال: لا تقولي ذلك، فانها أسلمت وحسن اسلامها.



9- السيدة: جويرية بنت الحارث الخزاعية رضي الله عنها

من يهود بني المصطلق وأعزها الله بالاسلام

هي رضي الله عنها من يهود بني المصطلق وأباها الحارث بن أبي ضرار سيدا من سادات قومه، وما أن انتصر المسلمون على بني المصطلق حتى كانت جويرية رضي الله عنها سبية من سبايا بني المصطلق، ويسوقها قدرها لأن تكون من نصيب ثابت بن قيس بن شمّاس رضي الله عنه.

زواجها رضي الله عنها

ولأنها رضي الله عنها لم تكن راغبة بثابت بن قيس رضي الله عنه زوجا لها فقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم، ولنترك بقية الحديث للسيدة عائشة رضي الله عنها ترويه لنا فتقول رضي الله عنها: لما قسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث رضي الله عنها في السهم لثابت بن قيس بن شمذاس، فكاتبته على نفسه، وكانت امرأة حلوة ملاحة (ذات حسن وبهاء) لا يراها أحد الا أخذت بنفسه، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم لتستعينه في كتابته، فو الله نا هو الا رأيتها على باب حجرتي فكرهته، وعرفت أنه سيرى منها ما رأيت، فدخات عليه فقالت: يا رسول الله! أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيّد قومه، وقد أصابني من البلاء ما يخفى عليك، فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن شمّاس، فكاتبته على نفسي، فجئتك أستعينك على كتابتي، قال: فهل لك في خير من ذلك؟ قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: أقضي عنك كتابتك وأتزوّجك، قالت: نعم يا رسول الله قد فعلت، وخرج الخبر الى الناس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوج جويرية بنت الحارث، فقال الناس/ أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلوا ما بأيديهم،فلقد أعتق بتزويجه اياها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها.



10: ميمونة بنا الحارث العامرية رضي الله عنها

من وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم

يقول الله تعالى في كتابه الكريم: وامرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي ان أراد أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين

هذه الآية الكريمة تبيّن لنا أنّ الله تبارك وتعالى أحلّ لنبيه صلى الله عليه وسلم بأن يتزوج ما طاب له من النساء اللواتي يوهبن أنفسهنّ له صلى الله عليه وسلم دون تحديد مهر أو موافقة وليّ على زواج.

وقيل أن ميمونة رضي اله كانت قد وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم من فوق بعيرها قائلة: البعير وما عليه لله ولرسوله فنزل قوله تعالى وامرأة مؤمنة.

وتعدذدت الروايات حول المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، فمنهم من قال أنها أم شريك ومنهم من قال أنها خولة بنت الحكيم، ولسنا هنا في صدد من تكون تلك المرأة المؤمنة بقدر ما يهمنا أنّ ما أباحه الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم لا ينطبّق على غيره صلى الله عليه وسلم، وما قوله تبارك وتعالى: خاصة لك دون المؤمنين الا ليؤكد أنه لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تهب نفسها لأي رجل دون تحديد مهر أو موافقة وليّ على زواجه، وعلى هذا لا يحلّ لامرأة بأن تتزوّج برجل دون موافقة وليّها أو بدون مهر، وان حصل أمرا كهذا فزواجها باطل بنص الآية الكريمة: خالصة لك من دون المؤمنين.

وفاتها رضي الله عنها

ولم يمكث معها النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا حيث وافتها المنية رضي الله عنها بعد زواجها منه صلى الله عليه وسلم بوقت قصير،فعن ابن شهاب رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العام القابل عام الحديبية معتمرا في ذي القعدة سنة سبه وهو الشهر الذي صدّه فيه المشركون عن المسجد الحرام، حتى اذا بلغ يأجج بعث جعفر بن أبي طالب بين يديه الى ميمونة بنت الحارث بن حزن العامرية فخطبها عليه، فجعلت أمرها الى العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاقام النبي صلى الله عليه وسلم بسرف بعد ذلك بحين، حتى قدمت ميمونة فبنى بها بسرف(مكان قرب مكة)، وقدّر الله تعالى أن يكون موتها رضي الله عنها بعد زواجها منه صلى الله عليه وسلم بوقت قصير.

ما دعوة أنفع يا صاحبي من دعوة الأخ لأخ له بظهر الغيب



ناشدتك الرحمن يا قارئا ودعوة من القلب بالخير للكاتب

بارك الله لك وبكي
اسعفتنا بمعلومات ذات قيمه إسلاميه
مشكوووره

بارك الله بك وأثابك الجنة وجعله في ميزان حسناتك