منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   القسم الإسلامي (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=21)
-   -   آفة الخيانة (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=22127)

B-happy 2 - 2 - 2012 09:43 PM

آفة الخيانة
 
آفة الخيانة

بقلم الشيخ عبد الكريم الحمداوي



يقول الله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون ) الأنفال27
يتساءل كثير من الشباب عن سبب التركيز على الجانبين العقدي والأخلاقي، مع أن الساحة الإسلامية بنظرهم في أشد الحاجة إلى الوعي الحركي والتنظير السياسي. ونحن لا ننكر دعواهم أو نتنكر لها، وإنما نؤثر أن يبنى هذا الوعي على أرض صلبة من الأخلاق السوية صدقا وعدلا ووفاء وإنكارا للذات وإيثارا. لأن الإسلام لابد أن يتسق فيه الاعتقاد والسلوك، والنظر والعمل، ينتقل فيه المرء من قواعد الإيمان إلى سوي المعاملة، حيث النصوص تضبط التصرف، والنظر السديد ليس ترفا عقليا أو تهويمات جدلية، ولا خير في فكر لا يثمر رشدا أو علم لا يخصب النفس، وهو ما يشير إليه قوله عز وجل ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُون كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ(الصف 2-3
إن قضايا تصفية العقيدة وإخلاص الإيمان وتطهيره من شوائب الانحراف، وتنقية العبادات من رديء البدع والعادات، تواكبها قضايا أخرى متعلقة بالسلوك الفردي والجماعي داخل الأمة لابد من بحثها ووضع الحلول الناجعة لها، حتى لا تبقى الدراسات الدينية عقدية كانت أو شرعية أو أخلاقية، ترفا ثقافيا أو وسيلة للكسب المادي وصعود درجات الجاه لدى الحكام وأرباب السلطة. ذلك أن كل فعل يعد انبثاقا عن نية فاعله، وأعمال الجوارح آثار لما يخطر في القلب من مقاصد وما يحرك السلوك من قواعد، والفعل لا يكون فاضلا إلا إذا تطهر صاحبه من شرور النوايا وآفات التسيب، والنفس البشرية إن لم يكن التزامها بالسلوك السوي طوعيا إراديا وبدون إكراه، لا تدع شهوتها الخفية المستورة في طلب ما تحب من متاع الحياة الدنيا وزينتها مالا ولذة وجاها؛ وهي مطالب ظاهرها يظن خيرا ولكن باطنها شر مستطير. ولئن كنا نركز أحيانا على الوجه المضيء للأخلاق السوية ووجوب الالتزام بها، باعتبار أن مفهوم المخالفة يقتضي تحريم ما يضادها، إذ وجوب الحياء والعدل والصدق يقابله تحريم الوقاحة والظلم والكذب، فإننا حاليا نركز على وجه مظلم من السلوك البشري عسى أن ينتبه له الدعاة ويجتنبوه ويطهروا صفهم من أربابه، عملا بقوله تعالى:( وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) الأنعام55، واقتداء بصاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حذيفة رضي الله عنه إذ قال في الحديث المتفق عليه: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني....).
هذا السلوك المظلم، هو آفة " الخيانة " بدناءتها وأرجاسها التي تأباها النفوس الشريفة، وترفضها العقول السوية وتمجها الطباع النظيفة، من أي دين وأي مذهب وأي قوم وأي عرق، لاسيما وقد تنزلت في شجبها مع أربابها الآيات البينات:
-(إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ) النساء107

-(إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ )الأنفال 58

-(إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ) الحج38

والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان يحذر منها بقوله: (لا تخن من خانك) أبوداود/ بيوع ، ويستعيذ بالله منها في دعائه: ( ... وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة...) النسائي/ استعاذة.

لقد كانت " الخيانة " في معناها اللغوي تصرفا غير واضح السمات، إلى أن جاء الإسلام فنقلها إلى معنى أعم وأشمل، يحدد معالم المدسوسين في الصف المسلم، ويبين مخاطرهم وطرق التعامل معهم.

ذلك أن الجذر اللغوي لها هو مادة " خان" بمعنى انتقص، يخون خونا وخيانة وخانة ومخانة. فالخاء والواو والنون أصل واحد معناه التنقص والضعف، يقال: في ظهره خون أي ضعف، والخون أن يؤتمن المرء فلا ينصح، والخيانة التفريط في الأمانة، وخانه إذا لم يف له، وخان السيف إذا نبا عن الضربة، وخانه الدهر إذا تغير حاله إلى الشر، وناقض العهد خائن لأنه كان ينتظر منه الوفاء فغدر، ومنه قوله تعالى:( وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم )الأنفال71.

واختانه فهو خائن وخؤون وخوَّان وخائنة ( الهاء للمبالغة مثل نسابة )، ومنه قوله تعالى:( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ )غافر19، أي ما يسارق المرء من النظر نظر ريبة إلى ما لا يحل له، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين ) أخرجه أبو داود والحاكم في مستدركه. والخيانة والنفاق شيء واحد، لكن الخيانة تقال باعتبار العهد والأمانة، والنفاق باعتبار الدين، وإن كانا يتداخلان في مواطن كثيرة.

فلما نزل القرآن نقل اللفظ " الخيانة " إلى معناها المصطلحي المتضمن للغدر والكذب وتزييف الحق وتزوير الوقائع والتجسس وكشف عورات المسلمين والمجتمع الإسلامي بالقول والعمل والإشارة والعبارة، هذا المعنى الذي يحدد معالم شخصية مريضة حاقدة مضطربة، دنيئة لئيمة، تُطْرَدُ من الصف المسلم إن تعذر تقويمها وإصلاحها.
لقد شمل لفظ " الخيانة " بذلك معاني واضحة تحدد معالم الأشرار، لا تركن إليها النفوس الحرة، ولا ترتضع ألبانها الأفواه النظيفة، معاني تركس الأخلاق الفردية والجماعية في الخلل والفساد، من أقصى المعاملات الذاتية والفردية إلى أقصى نظم الحكم والسياسة والاقتصاد والاجتماع:
-فمن لم يهذب نفسه ولم ينتفع بعقله فقد خان نفسه.
-ومن استسلم لحلاوة المال أوالجاه أو القوة فقد خان نفسه.
-ومن عشي بصره عن عيوبه، ومَِرضَ قلبه بالهوى فقد خان نفسه.
-ومن غرته المطامع وأعمته الأماني فقد خان نفسه.
-ومن غُلَّ عقله بالغضب والشهوة فقد خان نفسه.
-ومن مدحك بما ليس فيك فقد خانك.
-ومن ستر عنك الرشد اتباعا لما تهوى فقد خانك.
-ومن ساترك عيبك فقد خانك.
-ومن كان معك في أمر جامع واستبد برأيه عليك فقد خانك
إن أعمال الخيانة متعددة ومتنوعة، ولكنها باعتبار من وجهت ضده أربعة أصناف حددتها آيتان كريمتان هما:
-( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون )الأنفال27
-(وَلَا تُجَادِلْ عَنْ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا )النساء107.
إن الخيانة بهذا الاعتبار أربعة أصناف: خيانة لله عز وجل، وخيانة لرسوله صلى الله عليه وسلم، وخيانة للأمانة، وخيانة للنفس.
ولئن كانت الخيانة في هذه الأصناف الأربعة خيانة واحدة، لأنها كالأواني المستطرقة، يصب بعضها في بعض، إذ خيانة النفس خيانة لله وللرسول وللأمانة، وكذلك خيانة الله وخيانة الرسول وخيانة الأمانة، فإن ورودها مفصلة في القرآن ومبينة في السنة النبوية يراد به زيادة التوضيح والتحذير والتنبيه والحث على اجتنابها والبعد عن أهلها.
فخيانة المرء لله تعالى تتمثل أول ما تتمثل في الكفر والشرك لأنهما رأس الموبقات، وداخل الصف المسلم يجسدها النفاقان العقدي والعملي بوضوح، وهما إظهار الإيمان والعمل الصالح، وإسرار الشرك والرياء وعدم الوفاء بعهد الله تعالى.
وخيانة المرء للرسول صلى الله عليه وسلم هي عدم الامتثال لأمره ونهيه، وعدم الاقتداء والتأسي بهديه، وإدخال البدعة في سنته.
أما الأمانة وهي كل ما تعبد به، فتدخل فيها عقيدة الإسلام وشرائعه؛ وبما أن الخون معناه التنقص فإن خيانة الأمانة هي الانتقاص من الشريعة أو تحريف العقيدة، ومن فعل ذلك فقد خان الأمانة، وخان الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم.
أما خيانة المرء نفسه فإن معناها العام المطلق يشمل أمرين:
-الخيانة الذاتية بأن يرتكب المرء من المعاصي والأفعال ما يضر به نفسه في الدنيا والآخرة.
خيانة المرء أمته، باعتبار أنها من نفس واحدة كما قرر ذلك القرآن الكريم(يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )النساء1، وأن جماعة المؤمنين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وتكون خيانتهم بانتقاص حقوقهم المادية كأكل أموالهم بالباطل، أو انتهاك أعراضهم أو سفك دمائهم، أو التجسس عليهم وكشف عوراتهم لأعدائهم، أو بانتقاص حقوقهم المعنوية بالامتناع عن الدفاع عنهم أو عن بذل النصيحة لهم أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر، أو بخذلانهم في ساعات الضيق والعسرة، أو عدم دعوة الخلق إلى دين الإسلام ؛ وقد جاء في الأثر : (المؤمنون بعضهم لبعض نَصَحَة وادُّون، وإن بَعُدت منازلهم وأبدانهم، والفَجَرَة بعضهم لبعض غَشَشَة مُتَخاِونون، وإن اقتربت منازلهم وأبدانهم ) (نسب القول للإمام علي رضي الله عنه،كما رفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أبو الشيخ بن حبان في كتاب التوبيخ، وكنز العمال ح 757 ، والترغيب والترهيب 2/575، ولا تصح نسبته للرسول عليه الصلاة والسلام)
وتتضح لنا المعاني وتستنير المعالم من تتبعنا لسياق قوله تعالى (وَلَا تُجَادِلْ عَنْ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ) النساء107، فقد تلاها مباشرة قوله عز وجل (يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ) النساء108، ثم تلاه مباشرة قوله سبحانه (هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا ) النساء109، والجدال لغة شدة المخاصمة، من جدل الحبل إذا فتله، وسميت المخاصمة مجادلة لأن كل واحد من الخصمين يريد أن يميل صاحبه عما هو عليه من رأي ويصرفه عنه.


وبمفهوم هذه الآيات الكريمة يعد خونة أنفسهم منافقين، نفاقا عقديا لأنهم يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله، ونفاقا عمليا لأن تصرفاتهم تناقض تعاليم الإسلام وإن تظاهروا بالإيمان، وهم بذلك محط غضب الله تعالى وبغضه (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ) النساء107، وما أعظمه من ذنب يجلب على صاحبه بغض الله له، ومن أبغضه الله فقد لعن، ومن الإيمان أن تحب من يحبه الله وتبغض من يبغضه الله، ( وهل الدين إلا الحب في الله والبغض في الله) كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم؟ - كنز العمال 7504 -.

ونظرا لخطورة الخيانة بارتكازها على الغدر والمكر الخفي فقد تكفل الله تعالى رحمة منه ولطفا، بدفع شرها عن المؤمنين إن هم التزموا بالتوجيهات القرآنية والنبوية في تعاملهم مع هذه الظاهرة وأربابها، فقال عز وجل: ( وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ) يوسف52، أي أن صاحب الخيانة لابد أن يفتضح ويفشل مكره ويرد كيده في نحره، وقال أيضا:(إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُور)الحج38، وفي هذه الآية إشارة لطيفة بترك المدفوع عن المؤمنين عاما مطلقا، وجعل سياقها يشير إلى الخيانة، وذلك بشارة عظيمة للمؤمنين الذين يتعرضون للخيانة، بأنه عز وجل متكفل بالدفاع عنهم.
إن الخيانة تفوق خطورتها جل الكبائر المرتكبة، لأنها تضمها كلها، ولها تعلق بالنفاق والغش والخداع وترك النصيحة وارتكاب الفواحش والنميمة والكفر والشرك وسفك الدم الحرام...الخ
فالنفاق خيانة كله، وآية المنافق كما وردت في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان ) البخاري ومسلم، فالكذب بذلك خيانة لأنه تزوير وقلب للحقائق، وإخلاف الوعد خيانة، وانتقاص الأمانة خيانة؛
بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم عد الكذب على المؤمنين أكبر خيانة بقوله ( كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك به مصدق وأنت له به كاذب ) البخاري في كتاب الأدب ، وأبو داود في كتاب الأدب.
والغش والمكر والخديعة خيانة لأن فيها انتقاصا لحقوق المسلمين وإضرارا بهم وغدرا لهم، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم:
-(المكر والخديعة والخيانة في النار) أبو داود في مراسيله عن الحسن.
-(من غشنا فليس منا والمكر والخداع في النار ) الطبراني في الكبير والصغير وابن حبان في صحيحه.
-( من غش المسلمين فليس منهم ) الطبراني في الكبير ورواته ثقات.
وترك النصيحة للمؤمن خيانة، لأن في ذلك غمطا لحق المؤمنين فيها وخيانة لهم، قال صلى الله عليه وسلم: ( من أشار على أخيه بأمر يعلم الرشد في غيره فقد خانه ) أبو داود/ كتاب العلم.
والغلول خيانة، لأنه بمثابة سرقة المال العام، وهو من الكبائر بإجماع، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: ( لا تغلوا فإن الغلول نار وعار على أصحابه في الدنيا والآخرة) أحمد والنسائي وصححه ابن حبان، وقال: ( بئس العبد يختل الدنيا بالدين ) الترمذي والحاكم في مستدركه والطبراني في الكبير.
وترك الالتزام بأمر الجماعة خيانة، سواء كان اشتراكها في تجارة أو فلاحة أو صناعة، أو كان في الدعوة والجهاد، لأن في ذلك نقضا للعهد وطعنا في الظهر ومدعاة لتخلي الله تعالى عن الخائن، وهو ما يشير إليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( يقول الله عز وجل: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خان خرجت من بينهما ) أبو داود والدا رقطني والحاكم بإسناد صحيح، أي حجبت مدافعة الله تعالى عن الاثنين معا، واختصت بالصادق المظلوم منهما.
وارتكاب الفواحش خيانة، فالسارق خائن لأنه ينتقص أموال الناس بغير حق، والزاني خائن لأنه ينتهك أعراض الخلق وينتقصها، والقاتل خائن لأنه يسلب المقتول حق الحياة، والجاسوس خائن... والمغتاب خائن... والنمام خائن...الخ
إن الخيانة رأس كل خطيئة وعنوان كل جريمة مهما دقت أو جلت، والأمين لا يخون أبدا، لا يخون مسلما ولا كافرا ولا خائنا، وفي الحديث ( لا تخن من خانك )أبو داود/بيوع، ولذلك قال بعض السلف الصالح: ( لم يخنك الأمين ولكن ائتمنت الخائن)، وقال الإمام علي رضي الله عنه: ( أد الأمانة إلى البر والفاجر فيما جل أو قل ).
لقد حذر سبحانه وتعالى رسوله الكريم من أهل الخيانة تحذيرا صريحا لا لبس فيه فقال: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ) النساء 105، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: ( كل خصلة يطبع عليها أو يطوى عليها المسلم إلا الخيانة والكذب ) ابن أبي شيبة في المصنف وابن أبي الدنيا في الصمت مرفوعا وموقوفا.
ولئن كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد كفاه الله تعالى مكر الخائنين وغدرهم فقال: ( وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) الأنفال71، وأرشده عز وجل إلى خير أسلوب للتعامل مع الخونة بعد أن شبههم بشر
الدواب بقوله في سورة الأنفال: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ(55)الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ(56)فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ(57)وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ )، فإنه صلى الله عليه وسلم تعليما لنا وإرشادا وتحذيرا، كان لا يستعين مطلقا بمن يتوسم فيهم ملامح الخيانة؛ وقد روى أبو داود في سننه- كتاب الخراج والإمارة والفيء – عن أبي موسى قال: انطلقت مع رجلين إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فتشهد أحدهما ثم قال: جئنا لتستعين بنا، وقال الآخر مثل قول صاحبه، فقال صلى الله عليه وسلم: ( إن أخونكم عندنا من طلبه )، فاعتذر أبو موسى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: لم أكن أعلم لما جاءا له، فلم يستعن بهما على شيء حتى مات.
وبما أن الدعوة الإسلامية شهادة على الناس ( لتكونوا شهداء على الناس ) فلا يجوز أن ينضم إليها خائن ولا خائنة، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية ولا ذي غمر على أخيه ) أبو داود/أقضية.
إن علاج الصف المسلم من هذه الآفة هو المناصحة والمودة بين جميع أعضائه، مهما تباعدت ديارهم وأبدانهم، والحذر من أن يتحول أعضاؤه إلى مجموعة من الغششة المتخاونين، يتنافسون على المال والجاه والمنصب، ولا يرعون في مؤمن إلا ولا ذمة.

الامير الشهابي 2 - 2 - 2012 10:10 PM

الأخت الفاضله هابي
أن آفة الخيانه بمفهومها العام والخاص من أسوأ الأمراض
التي تصيب النفس البشريه .
أنه مرض مستشري في مجمتعاتنا العربيه والأسلاميه
فعندما تخون العين صاحبها واللسان صاحبه والقلب صاحبه
ويغلق البعض نافذة الأمانه في نفوسهم وعقولهم . فأي شفاء
وأي رحمة أو مغفرة ستكون لخوان قال الله مافيه من القول
في محكم كتابه .
أن بعض مانراه من سلوكيات وتصرفات ترقى لمستوى
الأنفلات الخلقي كتعبير عن ممارسة الخيانه بكل أوصافها
أن أساءة الأمانه أيا كان شكلها ومضمونها خيانه وجريمه
فمتا نصون حروفنا ونزرع الأمن في نفوس الآخرين بدل الشك والريبة
والطعن بل وممارسة الأفتراء وتدوير الحروف والمواقف
لايسعنا إلا أن ندعو الله أن يهدينا سواء السبيل ويجعلنا
من حافظي العهود والأمانات اللهم آمين
موضوع رائع فيه تذكرة وعبره لمن تذكر وأعتبر
تقبلي مودتي وتقديري على هذا الموضوع المميز أثابك الله ونور دروبك
وجزى الله شيخنا الفاضل إنها تذكرة مرور للحقيقه يقولها لمن أرادها
2/2/2012

منتصر أبوفرحة 3 - 2 - 2012 12:08 AM

كما ركز الشيخ في بداية مقالته على التصفية والتربية الصحيحة
فقد ذكر وجوب تصفية العقيدة مما شابها من شوائب انحرافية
وتربيتها تربية سليمة وصحيحة
وطبعا التربية الصحيحة تكون على منهج قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام
فإن تم ذلك فما بعده أيسر واهون
فبإذن الله لن نرى مظاهر الخيانة أبدا
نفع الله بك اختي
وشكرا على الطرح المميز

سماح 3 - 2 - 2012 12:50 AM

يالله
نسألك عفوك ورضآك ومغفرتك
سلمت أناملك اختي هابي على هاد الطرح القيم
رفع الله بها درجتك
احترامي

ابو فداء 3 - 2 - 2012 01:27 AM

الخيانه مصطلح لغووي لكل خداااع
كثيرون الخائنون
سلمت يمناكي

المفتش كرمبو 3 - 2 - 2012 01:32 AM

يالله
نسألك عفوك ورضآك ومغفرتك
سلمت أناملك اختي هابي على هاد الطرح القيم
رفع الله بها درجتك
احترامي

</b></i>

وردة المسااااء 3 - 2 - 2012 02:38 AM

بارك الله بك وأثابك الجنة وجعله في ميزان حسناتك

شكرا على الإفادة والطرح

ايمن جابر أحمد 3 - 2 - 2012 03:21 PM


بنت فلسطين 3 - 2 - 2012 04:16 PM

http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwa...953133_537.gif

شيرين 7 - 2 - 2012 10:35 PM

http://www.arabna.info/vb/mwaextraedit4/extra/01.gif
جزاكم الله خيرا
موضوع قيم جدا بارك الله بك
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ورزقنا واياكم الفردوس الأعلى


الساعة الآن 11:23 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى