منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   النقد الأدبي والفني (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=107)
-   -   الطفليَّة والتوازي بين الذكورة والأنوثة في قصيدة «بيروت والحب والمطر» (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=28951)

دانا 22 - 12 - 2012 10:55 PM

الطفليَّة والتوازي بين الذكورة والأنوثة في قصيدة «بيروت والحب والمطر»
 
الطفليَّة والتوازي بين الذكورة والأنوثة في قصيدة «بيروت والحب والمطر»

صايل الكفيري

أولاً، قد يبدو أن عنوان هذه الدراسة يشير إلى دائرة اهتمام علم النفس والنقد النفساني الذي طالت غزواته ميادين الأدب ليقتنص منه مواد خصبة ومثيرة لاهتماماته. ولكننا سنحاول أن نُسخِّر مفردات النقد النفساني وأدواته لخدمة ما هو أدبي ولصالح النص (القصيدة) وليس عليه، ومن داخله وليس من خارجه؛ بالاتكاء على مناهج نقدية أخرى كالسيميائية، في محاولة لرؤية بانورامية له، ولكنها مقتضبة تبعاً لخاصية هذه الدراسة، وعلى أية حال فإن النص الأدبي لا يُسلِّم نفسه بشكل نهائي لأي منهج نقدي، وهذا ما تؤكده علوم النحو والدلالة واللسانيات... بتوجّهاتها المتعدّدة.

والطفليَّة آلية دفاع نفسية يتَّخذها الفرد تجاه ما لا طاقة به على مواجهته أو قبوله في مرحلة من عمره يفترض أنه تجاوز فيها طفولته المبكرة، كأن يمصَّ طفل في العاشرة من عمره إصبعه، وهو سلوك يتجاوزه المرء بعد السنتين من عمره أو ما دون. والطفليَّة ارتداد (نكوص) نحو زمن ماضٍ لا يضطر فيه المرء إلى حمل أعباء الحياة ومسؤولياتها. وإذا كانت الطفلية في معجم علم النفس وفي أحد مساربها حالة مرضيّة تستوجب علاجاً مناسباً، فإنها في عالم الإبداع تتخذ مسرباً معاكساً، فبدلاً من أن تكون استجابة نكوصية وارتداداً نحو الماضي، فإنها هنا تتسرَّب حية نابضة حاضرة من الماضي إلى الحاضر وقد حافظت على نفسها كجزء من بنية النفس الكلية وغير المنقوصة لذات لم ينلْ منها فعل الهدم والتشويه الذي تتعرَّض إليه دون هوادة. وهنا تصبح سلوكاً يتسم بالفاعلية الإيجابية ويُحصِّننا ضدَّ نضوج مشوَّه ومثلوم، وضد عالم (الكبار) المتنكّر للبراءة والطفولة، والحقائق البدئية الأصلية فينا، والباقية على الرغم من هذا الركام الهائل من الزيف والنفاق.

والحقيقة الثانية التي تؤكدها البيولوجيا، ويؤكدها علم النفس، هي أن «الطبيعة منحت كل كائن إنساني كمّية معيّنة من هرمونات الجنس الآخر. لهذا كان لا بد لكل فرد من أن يعرف ذلك من الناحية السيكولوجية، وأن يقبله، وأن يحقّقه، بدلاً من أن يكتبه... والأنوثة والذكورة أسلوبان في إدارة الطاقة الحيوية، ولا بد للرجل وللمرأة لكي يحققا ثنائياً عميقاً ودائماً من أن يُنمَّيا الأنوثة والذكورة الموجودتَين لديهما»(1).

وهنا، فإن هذا الفهم للذكورة والأنوثة يبتعد عن الخنوثة المرضيَّة التي تصيب المرء؛ فيفقد جنسه أو جنسَيه معاً؛ بل المقصود هنا توازن حقيقي يصبح فيه المرء كائناً قادراً على أن يعيش عذوبته وقوّته عبر التكامل والتفاعل الجوَّاني ما بين قوَّتَيه ليستمدَّ من ذلك لذّة الوجود، دون أن يتنكَّر لـ/ أو يهمل انتماءه لجنسه ولوظيفته البيولوجية المترتّبة جراء ذلك. وهذا التوازن يشكِّل أيضاً حصنا ًضدَّ واقع يُشوِّه علاقتنا بالأنوثة داخلنا وبالأنثى خارجنا إذا كنا ذكوراً، وبالذكورة داخلنا وبالذكر خارجنا إذا كنا إناثاً.



ثانياً، لم يتوانَ نزار قباني عن إعلان طفولته في أحاديثه وفي شعره؛ ومن خلالها مواجهته للعالم من حوله. يقول:

«سأظلُّ أحترف المحبّة

مثل كل الأنبياء

وأظل أحترف الطفولة والبراءة

والنقاء»(2).



وفي مكان آخر:

«خطيئتي الكبيرة الكبيرة

أني يا بحريَّة العينَين، يا أميرة

أحب كالأطفال

وأكتب الشعر على طريقة الأطفال

خطيئتي... أني أرى العالم يا صديقتي

بمنطق الصغار

ودهشة الصغار»(3).



فالطفل لا يعبأ بأفعال الكبار وقوانينهم التي تنظم علاقاتهم في ما بينهم، وفي ذلك يكمن جواب عن تساؤل ما زال قائماً في أذهاننا وهو كيف استطاع شاعر دمشقيّ عاصر زمناً شهد تحوّلات وطنية مصيرية (الفرنسيون يحتلون دمشق، الحرب العالمية الثانية، الحراك الوطني والسياسي والمدّ القومي العربي، حضور الشعر والشعراء العرب في عمق المرحلة...) أن يصدر ديوانا ًمثل «قالت لي السمراء» يخال المرء أن كاتبه يعيش على جزيرة يعمُّها الأمن والسلام، وتملؤها الأزاهير والحسناوات، وتسودها الطمأنينة وراحة البال؟ ولعلَّ جزيرته تلك ليست ضرباً من الوهم أو الخيال، بل كان يدخلها عبر «بوابة صغيرة من الخشب، تنفتح، ويبدأ الإسراء على الأخضر، والأحمر، والليلكي، وتبدأ سيمفونية الضوء والظل، والرخام... شجرة النارنج تحتضن ثمرها، والدالية حامل، والياسمينة ولدت ألف قمر أبيض وعلّقتهم على قضبان النوافذ... الأدراج الرخامية تصعد، وتصعد... والحمائم تهاجر وترجع... ولا أحد يسألها ماذا تفعل؟»(4).

وظلَّت دمشق في خاطره جنّة تفتح ذراعَيها لكل قادم إليها. وبقي هو أناً دمشقيةً فاضت بالحي والزواريب والياسمين، وفاضوا به؛ فتوالدوا شعراً ورفضاً وطفولة.

وبعدما استقال من عمله الدبلوماسي في أواسط الستينيات، استقرَّ في بيروت ووجد ضالته حيث تابع تواصله مع طفولته الأولى:

«لم أكن أعلم يا سيّدتي...

أن أشيائي الصغيرة...

هي أشيائي الكبيرة...»(5).



أما التوازي بين الذكورة والأنوثة في قصيدة «بيروت والحب والمطر» فلا نُقيمه هنا بمعناه الرياضي (الخطان المتوازيان لا يلتقيان مهما امتدَّا)، بل بمعنى التقابل الذي يضمر تشاكلا ً بقوة حضور ووضوح أحدهما على الرغم من وجود الآخر، فيحصر التوازي فضاءً مشتركاً يتفاعل فيه القطبان معاً، ويشكّل وجود كل منهما قرينة تدلّ على وجود الآخر.



ثالثاً، يشكّل عنوان القصيدة مدخلاً صريحاً إلى النص، ويكاد يكون جزءاً من متْنها دون مخاتلة أو مكر، في نصٍّ يُعطي نفسه هو الآخر دون مواربة أو تعقيد دلالي. ولكن ذلك لا يعطّل قدرة المفردة على أن تُؤوَّلَ، أو تحدَّد بمرجعية لها، ولا يمنعها من لعب دور القرين الدلالي لفضاءات متعدّدة. فبيروت تُحيلنا على التاريخ العابق بالحضارة وعلى طبيعة فاتنة متلوّنة (الفينيقيون، الأبجدية الأولى، غابات الأرز، البحر، حضارات حوض المتوسط، الجبال المكللة بالثلوج صيفاً... إلخ)، وهي تحيلنا كذلك - وخاصة في الفترة التي عاش نزار قباني فيها - على مناخات اجتماعية وسياسية واقتصادية تتمتَّع بهوامش واسعة من الديموقراطية، يشعر فيها المرء بتعزيز كرامته الفردية وانتعاش صبواته وطاقة الحياة لديه؛ إذ تتحرّض دوافعنا الأصيلة وقدرتنا على فعل الحب في تلك المناخات الحيوية العابقة باليسر والجمال والحرّية.

والحب بدوره يحيلنا على فضاءات من العيش الرغد، ولا يكون رغد العيش بالضرورة مقتصراً على الوفرة المادية؛ فيكفي الإنسان ألا يصرف طاقاته الذهنية والنفسية والجسدية خوفاً على تأمين قوته اليومي كي يشعر بالطمأنينة والأمان، بل ينصرف بطاقاته تلك ليمارس أدواراً عُليا كفعل الحب أو فعل المثاقفة أو فعل التفكير بقضايا الوجود الكبرى؛ لينتج بناءات فوقيّة متسامية.

والحب كذلك يُحيلنا على فضاءات اجتماعية صحّية تتيح لتلك الطاقة أن تُعبِّر عن نفسها أثناء علاقاتنا مع الآخرين. فلا يمكن للحب أن يعلن عن نفسه صراحة في أجواء يسودها الاستبداد الاجتماعي الذي يعزّز بدوره استبداداً سياسياً بدعامة أيديولوجيا متأخرة، وثقافة تُصادر حرّيات الأفراد لصالح قيم جماعة مهزومة ومفرغة من مضامينها الحقيقية، وتعيش على هامش الحياة. والمطر - هذا المشهد البصري - والفعل الخصيب الذي يُحيلنا على أمداء واسعة (سماء، غيوم، بحر)، يقترن وجوده بوجود الحضارة والبعث ويجعل المكان مليئاً، يضجُّ بالحركة والحياة. فلا حضارة بغير مطر وينابيع وأودية وخضرة ونماء. ولا حياة بين الرمال والعطش. والمطر بصفته فعلاً حركياً للطبيعة يشكّل باعثاً للاستقرار. بينما تكون الصحراء بطبيعتها الساكنة مبعثاً لحركة دائبة سلبية بحثاً عن الكلأ والماء مما يعيق تشكُّل جماعات بشرية قادرة على إنتاج حضارة مستقرة.

بيروت والحب والمطر ثلاثة قرائن تميل إلى بعضها أولاً وإلى مدلولاتٍ سواها ثانياً.



رابعاً، تمظهُر النزعة الطفلية في النص:

1- الزمن: يحيا النص في الآن؛ الحاضر المستمر، وهو أقوى حضور للزمن في سيرورته (ماضٍ، حاضر، مستقبل) مما يشحن النص بطاقة حركية مستمرّة، وتشير إلى ذلك أفعال الأمر الطاغية والتي تبدأ بها كل الوحدات الشعرية في القصيدة، ولا يستخدم فعل الأمر في زمن مضى ولا في زمن سيأتي عندما يكون صريحاً لا تلحق به مفردات قد تدلّ على زمن حدوثه في المستقبل. والطفل ما بقي طفلا ً فهو يعيش زمنه حاضراً متحرراً من تبعات الماضي والتفكير في المستقبل.

2- أفعال الأمر ودلالاتها: القصيدة تحوي أكثر من خمسة وعشرين فعل أمر، يخاطب من خلالها الشاعر حبيبته، وهذا ما قد يصدر من سيّد إلى عبده، أو من طفل إلى أمّه دون أن يعي هذا الأخير أبعاد سلوكه أو يهدف إلى تحقيق مآرب بعيدة المدى. ولكنه يفعل ذلك لأنه لا يعترف بالممكن والممنوع ولا يتقن فن مخاطبة الآخرين، وهو يتصوّر أن أمّه كلية القدرة، وطلباته مستجابة لديها ثم إنه يتحقق من مكانته عندها ويؤكد علاقته الحميمة بها خلال إصدار أوامره تلك وتوقُّع استجابتها له.

أما من حيث دلالات الأفعال الصادرة فنجد مثلاً: «اشتري لي صحف اليوم... وأقلام رصاص... ونبيذا ً.. ودخان...»، وفي هذا دلالة قوية على ممارسة علاقة طفلية بين الشاعر وحبيبته يعاود من خلالها دوراً محورياً في طفولته، فنحن لا نشتري الأشياء بملء إرادتنا لأحد إلا إذا كان يتمتَّع بأهمية بالنسبة إلينا، وكنا نشعر بمسؤولية تجاهه.

والشاعر يطلب صحف اليوم ليُرضي فضوله المعرفي أو نزوعه نحو المعرفة الذي يكون ملحاحاً في مراحل طفولتنا الأولى. وأقلام الرصاص التي نرسم بها ونكتب و«نخربش» ونعيد صياغة الأشياء وفق أهوائنا. أما النبيذ والدخان فيحيلان على مرحلة النشاط الفمِّي.

ثم: «عانقيني في الميادين»... «ضميني على مرأى من الناس»

وهنا نجد فضاءً لتقابلات تزيد من حدّة التجربة، فالتناقض بين متقابلين دلالياً يصعد الوجدان ضمن حركية درامية تبعث في فضاء النص طاقةً على الحياة والاستمرار.

والعناق والضم فعلا انكفاء وانغلاق ويشيران إلى حيّز محدود وضيّق، أما الميادين والإراءة فيحيلان على الأمداء الواسعة والانتشار الجلي والصريح. وفي هذا يُسبغ الشاعر على الفعل شرعنة واضحة. وهل هناك من علاقة أكثر شرعية من علاقة الطفل بأمّه وعناقها وضمّها إليه؟

3- كيفية الشعور بالأمان: إذا كان الشعور بالأمان لدى الراشد منّا يخضع لشروط معقدة، ويتطلّب منه بالمقابل جهودا ً كذلك، فإن الطفل يكفيه مثلاً أن تحضنه أمّه بذراعَيها أو تمدّ له يدها، أو تصحبه معها ليحسّ بحضورها الذي يُشبع المكان من حوله بالطمأنينة ويبعث فيه الشعور بالأمان.

«واتركي لي يدكِ اليمنى قليلا ً

فذراعاك هما برُّ الأمان»



واليد اليمنى تحيل على القدرة والحماية والمنح، والذراعان قوّة حاضنة يقابلها استرخاء وتسليم من قبله.

وإذ تتعزّز الثقة لديه يترك لها أن تقرّر مصيره كيف وأنى تشاء.

«سيري باتجاه الريح والصدْفة»

«خذيني حيثما شئت»

«قرّري أنت إلى أين...

فإن الحب في بيروت مثل الله في كل مكان»



وهنا يتكامل الشعور بالأمان إذ تتعالق بواعثه بدءاً من الأم أو الحبيبة ثم ببيروت الحاضن الأوسع وصولا ً إلى المطلق الحاضن للوجود.

وعلى صعيد آخر فالقصيدة تنتهي مقطوعاتها الشعرية بوقفات صوتية توحي بالاستقرار وهناء التجربة، فالنون الساكنة بعد حرف المد (الألف): دخان، زمان، حنان، سنديان... إلخ، تُطيل زمن اللفظ وتمدّ الوحدة الصوتية (الزمنية) مما يُبعد الشعور بالقلق والتوتّر ويبعث على التأمّل والسكينة.



خامساً، التوازي بين الذكورة والأنوثة:

في المقطع الشعري الأول نجد إيقاعاً ينجم عن علاقة تفاعلية ضمن فضاءَي التقابل والتشاكل يحيلان على تفاعلية متداخلة بين الذكورة والأنوثة، وذلك من خلال:

1- إن الفعل «انتقي» هو فعل أمر يحمل في طيّاته تقابلاً بين كونه فعل أمر من جهة يحصر المخاطب ويُملي عليه أن يقوم بفعل الانتقاء، ولكنه من جهة ثانية يفتح أمامه إمكانات الاختيار، والأمر والحصر ذكوريان، والتعدّدية والانفتاح أنثويان. والمقهى وإن كان حيّزاً محدوداً فإنه ينفتح على فضاء البحر وامتداده.

2- «أي مقهى داخل كالسيف في البحر»:

المقهى يدخل كالسيف في البحر، تحمله امتدادات لليابسة تدخل المياه الحاضنة لها. والرأس من اليابسة يستدعي حضور خليجَين يحيطان بالرأس، ويحضنانه من كلا جانبَيه. والرأس والخليج متقابلان لكنهما يتشاكلان ضمن علاقة حميمة إيقاعية عبر التداخل والتخارج بعيداً عن الاستقامة والرتابة وقصر المسافة، ومن ثم لإطالة زمن الاحتكاك وزمن التجربة عبر المتعرّجات المتحركة.

3- «إنني مستسلم للبجع البحري في عينَيك

يأتي من نهايات الزمان

عندما تمطر في بيروت...

أحتاج إلى بعض الحنان».



الحاجة هنا ليست سلبية، بل هي دافع أصيل لدينا، والاستسلام هو تسليم لتوفر شرط الثقة والأمان.

والمطر بعث ونشور ونماء وخصب يوقظ فينا الحاجة إلى الحميمية والدفء والسقاية والاحتضان. والاستسلام وإعلان الحاجة يقابلان الإحساس الذكوري في بداية المقطع الذي تجلَّى في إصدار فعل الأمر وتحديد خيارات انتقاء المكان.

4- في المقطع الشعري الثاني:

«كلي من عشب صدري كحصان»


الصدر هو المكان البارز والظاهر وأول ما تقع نواظرنا عليه، وهو الفسيح والرحب والحاضن للقادمين نحوه، والصدر المعشوشب هو المعطاء والجاذب، وهو الطبيعة والأمومة، ولكن الشاعر ترك ما يدلّ على ما يقابل أنوثة الصدر عبر لعبة الانزياح اللغوي بإشارته إلى الشَّعر الذي يكسو صدور الرجال من خلال استخدامه لكلمة «عشب».

والحصان يحيل على الحرّية والانطلاق والذكورة السوية من حيث هو كائن عاشب لا يفترس لحم كائن آخر ولا يعتدي بمخالبه على أحد. وذلك يولد إيقاعاً حيوياً بين الذكورة والأنوثة دون أن يخدش أحدهما الآخر أو يبتلعه سواء في داخلية الفرد نفسه أو في علاقته مع الجنس الآخر.

5- في المقطع الشعري الثامن:

«ليس للحب ببيروت خرائط

لا ولا للعشق في صدري خرائط».



الخارطة مفردة تنتمي بذاتها إلى فضاء التقابل فهي وسيلة حصر وتحديد، ولكنها تختزن طاقة انتشارية نمتلكها عندما لا نعود بحاجة إليها، وهذا ما يقدر عليه الشاعر دون الرجوع إلى ما يمكن أن تمليه عليه نواظمها وإشاراتها ومحدّداتها. ويتجاوز ذلك بالعودة إلى البداءة الأولى وبالإصغاء إلى بوح الصدر، وإلى مدينة تخلَّت عن ثقافة الحصر والتضييق على الصبوات الإنسانية الأصيلة تجاه الحياة.



أخيراً، بقي أن نشير إلى أن القصيدة كادت تخلو من المجاهيل، فكل المفردات أتت معرفةً إما بـ أل التعريف أو بالإضافة (الميادين، منتصف الليل، أحزاني... إلخ). وإن بعض هذه المفردات تبعتها صفة لتزيد من التعريف بها (الورق المكسور، يدك اليمنى) إضافة إلى استخدام المفردات المتداولة في الكلام العادي اليومي (صحف اليوم، دخان، كنزة الصوف، مقهى، بيانو)، وهذا ما درج عليه نزار قباني في شعره؛ مما يؤكد بساطة ووضوح عالمه الشعري، وعدم تعدُّد الدلالات لديه. ويُعمِّق ذلك ابتعاده عن إقامة تراكيب نحوية معقَّدة تقوم على الإضمار أو الحذف، أو التقديم والتأخير، وما إلى ذلك.



الهوامش:

1- المرأة: بحث في سيكولوجيا الأعماق، بيير داكو، ترجمة: وجيه أسعد، مؤسسة الرسالة، 1991، ط 3، ص 291.

2- الأعمال السياسية الكاملة، نزار قباني، منشورات نزار قباني، الطبعة الثانية، بيروت، 1999، ج 3، ص 11.

3- أشعار خارجة على القانون، نزار قباني، منشورات نزار قباني، الطبعة العاشرة، بيروت، 1998، ص 18.

4- قصتي مع الشعر، نزار قباني، منشورات نزار قباني، بيروت، 2000، ص 32.

5- الأعمال السياسية الكاملة، نزار قباني، مصدر سابق، ص 598.



مجلة «نقد» الفصلية، العدد 8، ربيع

بلا عنوان 22 - 12 - 2012 11:23 PM

رد: الطفليَّة والتوازي بين الذكورة والأنوثة في قصيدة «بيروت والحب والمطر»
 
يسلموو على الطرح وعلى النقل المميز

أرب جمـال 25 - 12 - 2012 11:33 PM

رد: الطفليَّة والتوازي بين الذكورة والأنوثة في قصيدة «بيروت والحب والمطر»
 
طرح مفيد
"يعطيكـ" ـآلف عآفية
#cc#
ما يحرمنا من ’’جديدكـ
دمت بخير..
..لكـ ودي..
http://www.3andna.com/photo/ToP/NiCE/3ANDNA_NICE27.gif

shreeata 25 - 12 - 2012 11:42 PM

رد: الطفليَّة والتوازي بين الذكورة والأنوثة في قصيدة «بيروت والحب والمطر»
 
موضوع اكثر من رائع
سلمت الايادي
تحيات لك

ابو فداء 26 - 12 - 2012 12:18 AM

رد: الطفليَّة والتوازي بين الذكورة والأنوثة في قصيدة «بيروت والحب والمطر»
 
طرح راقي وجميل
يسلموووا
مودتي

بصيرة الأعمى 26 - 12 - 2012 03:54 PM

رد: الطفليَّة والتوازي بين الذكورة والأنوثة في قصيدة «بيروت والحب والمطر»
 
مشكورة للطرح عزيزتي
محبتي
بصيرة
#cc#


سفير بلادي 31 - 12 - 2012 01:37 PM

رد: الطفليَّة والتوازي بين الذكورة والأنوثة في قصيدة «بيروت والحب والمطر»
 
#cc#يسلمو على الطرح الرائع
لا عدمنا حضورك
تحياتي لك#cc#





الغراب الأسود 31 - 12 - 2012 10:40 PM

رد: الطفليَّة والتوازي بين الذكورة والأنوثة في قصيدة «بيروت والحب والمطر»
 
مجهود رائع وموضوع قيّم
استمتعت بتواجدي بصفحتك

بانتظار المزيد من هذا العطاء

لك مني ارقّ تحية وأعذبها

دمت بخير


الساعة الآن 10:27 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى