بسم الله الرحمن الرحيم


(( غريب يحتضر ))....... أبو عائشة الاندلسي



دََخَلتْ عَليْهِ بِخِفَّةِ الوَرْقاَءِ....... فشَكَا إليْهَا ضَجْعَةَ الضُّعَفَاءِ

إنْسَانَةٌ كَمْ مَرَّةٍ أهْدَى لَهَا..... شِعْرًا يَلِيقُ بِعِفَّةِ العَذْرَاءِ

سَألَتْهُ: مَاذا تَشتَكِي؟، فَأجَابَهَا: ...... ضرْبَ السُّيُوفِ مُـمَزِّقًا أحْشَائِي

لا بَأسَ قَالَتْ، ثُمَّ جَاءَتْ نَحْوَهُ...... تَتَلَمَّسُ الحُمَّى مِنَ الأعْضَاءِ

مَسَحَتْ عليْهِ، فإذ بِهَا مَشدُوهَةٌ..... مِمّا أَحَسَّتْ مِنْ عَظِيمِ بَلاءِ

وَرَأتْ مَسِيرَ المَوْتِ فِي نَبَضَاتِهِ....... يَسْرِي؛ لِيَسْكُنَ مَوْطِنَ الحَوْبَاءِ

لَكِنّهَا بَسَمَتْ لَهُ وَتَجَلَّدَتْ....... قَالَتْ: بِخَيْرٍ أنْتَ رَغْم الدَّاءِ

فَأحَسَّ فِي نَبَرَاتِهَا، نَظَرَاتهَا....... صَوْتَ الوَدَاعِ وَلوْعَةَ المُتنَائِي

وَبَكَى،،، وَفِي عَيْنَيْهِ شِعْرٌ بَائِسٌ...... تَعْلُو بِهِ الشَّكْوَى مَعَ البُرَحَاءِ

وَأجَابَ وَالأنفَاسُ مِنْهُ هَزِيلَةٌ...... وَالصَّوْتُ مَهْدُودٌ مِنَ الإعْيَاءِ:

إنِّي أمُوتُ وَليْسَ يَحْضُرُ مِيتَتِي...... إِلاَّكِ يَابْنَةَ شِقْوَتِي وَعَنَائِي

إنّي أمُوتُ وَلسْتُ أتْرُكُ لابْنَتِي...... سَنَدًا، بِهَذِي الغَابَةِ الغَوْغَاءِ

إنّي أمُوتُ وَلسْتُ أرْهَبُ ضَجْعَتِي...... أبَدًا، وَلا أخشَى البِعَادَ النَّائِي

لكِنَّهُ ألَمُ الفِرَاقِ وَلهْفََةٌ...... لِحَنَانِ تِلكَ المَرْأَةِ الحَسْنَاءِ

كَمْ عَانَقَتْنِي وَالهُمُومُ عَظِيمَةٌ...... فَأزَاحَتِ الآلامَ عَنْ أَجْزَائِي

كَمْ وَدَّعَتْنِي وَالدُّمُوعُ سَخِيّةٌ...... وَلِسَانُهَا يُثْنِي بِخَيْرِ دُعَاءِ

كَمْ أرْسَلتْ طَيْفًا لهَا لِيَزُورَنِي...... وَأنَا أعَانِي غُرْبَةَ الشُّعَرَاءِ

كَمْ سَابَقَتْ لِلبَابِ تَرْقُبُ عَوْدَتِي...... فَإِذَا بِهِ غَيْرِي يَدُكُّ خِبَائِي

كَمْ رِحْلَةٍ أعْدَدْتُهَا، فَتَشَبَّثَتْ...... بِيَدِي، تُحَاوِلُ جَهْدَهَا إبْقَائِي

كَمْ خَبَّأَتْ رَحْلِي لِتمْنَعَ غُرْبَتِي...... لَكِنْ صَمَمْتُ الأذْنَ عَنْ إِصْغَائي

وَاليَوْمَ ألْقَى مَا جَنَيْتُ مُوَسَّدًا...... لأَنَالُ عَنْ ذَاكَ العُقُوقِ جَزَائِي

فَأمُوتُ وَحْدِي _وَالهُمُومُ تَنُوشُنِي...... مِنْ كُلِّ صَوْبٍ_ مِيتَةَ البُؤَسَاءِ

وَحْدِي أمُوتُ، وَكَمْ حَلُمْتُ بِضَمَّةٍ...... أَشْتَمُّ فِيهَا رَوْنَقَ الغَيْدَاءِ

هَذَا جَزَائِي إذْ رَحَلْتُ مُكَابِرًا...... عَنْ خُلَّتِي عَنْ بَلْدَتِي الفَيْحَاءِ

فالْيَوْمَ أرْحَلُ يَاأُخَيَّةُ مُرْغَمًا...... فَمَنِ الذِي سَيَصُوغُ بَعْدُ رِثَائِي

مَنْ ذَا سَيَرْثِينِي، ويَذْكُرُ سِيرتِي...... إلاّّ دُمُوعُ الأمِّ وَالخَنْسَاءِ

إنِّي أفَارِقُ هَذِهِ الدُّنيَا وَلِي...... ذِكْرَايَ مِنْ ضَحِكي بِهَا وَبُكَائِي

وَإذَا بِهِ مُسْتَوْدِعٌ، وَلِسَانُهُ....... يَشْدُو بِذِكْرِ اللهِ وَالآلاَءِ

فَتَهَادَتِ الوَرْقَاءُ تُغْمِضُ طرْفَهُ...... وَتُثِيبُهُ بِالدَّمْعَةِ الحَمْرَاءِ

وَمَضَتْ لِيَعْلُوَ بِالبُكَاءِ نَشِيجُهَا:..... لله دَرُّ نِهَايَةِ الغُرَبَاءِ

للهِ دَرُّهُمُ، وَحَاجَتُهُمْ إِلَى..... مَنْ يُنْصِفُ المَوْتَى مِنَ الأحْيَاءِ

مَا أنْصَفَ المَوْتَى سِوَى مَطْمُورَةٍ....... جَادَتْ لهُمْ بِكَرَامَةِ الشهَدَاءِ