[أرب جمـال]

تاريخ الشراكسة ** الأديغة**

تعني كلمة (أديغة) : الإنسان الكامل وهو الاسم القومي للشراكسة أقدم الأمم من سكان قفقاسيا الذين ورد ذكرهم في نقوش الفراعنة والآشوريين وماورواه المؤرخ الشهير "هيرودوت"وماكتبه عنهم المؤرخ العربي المسلم الشهير "الطبري" 0 ‏ثم الروايات الكثيرة للمؤرخ العثماني "أوليا جلبي" عن رحلته إلى بلاد القفقاس 0 ‏وأيضا ما كتبه "أحمد وفيق باشا" عنهم وكذلك المؤرخ التركي الشهير "جودت باشا" ‏والكاتب التركي أيضا"أحمد مدحت " الذي اعترف بفضلهم 0 ‏وقدرهم حق قدرهم.
‏ويقول المؤرخ الفرنسي "مور جان" : إن أولئك الأقوام قد وجدوا في تلك البلاد في القرن العشرين قبل الميلاد 0 ‏وإن أول من خلط النحاس والقصدير معأ وكون منهما البرونز هم الصينيون ثم الهنود وبعدها انتشر ود خل أوروبا على يد النازحين إليها عن طريق جنوبي القفقاس منذ أربعة ألاف سنة قبل المسيح 0
‏ويستنتج _ بناء على نظريته تلك _ أن قفقاسيا كانت مأهولة بالسكان قبل هذا التاريخ بعصور عديدة ‏وأن الشراكسة كانوا يستوطنونها مع أقدم سكانها .
‏والشراكسة من العرق الآري 0 ‏برغم ورود نظرية توجعهم لأصل طوراني شأنهم شأن الأوروبيين ومكان الهند وبعض سكان غربي أسيا وهذا ما يوافق عليه العلماء المعاصرون وتبرهن عليه العلإمات الواضحة لدى قبائل "الشابسوغ "و"الحاتقواي" ‏و"النتخواج ".
‏ونجد في بعض الكتب القديمة أن البعض يرجع الشراكسة إلى سلالات العرب الساميين وقبيلة قريش 0 ‏أو أن قسما من أمرائهم من سلالة مصرية قديمة 0
‏وهذا الزعم عار عن الصحة تماما 0 ‏بل هم من نسل السومريين أولاد وأحفاد (يا فث) بن نوح عليه السلام.
‏وهكذا فا لكرج أحفاد "غومر" والشراكسة من الأرومة نفسها .
‏والشراكسة من حيث اسمهم الأديغة قد تكون تلك الكلمة مشتقة من (أنْـتْ )اسم القبيلة العظيمة التي تعد أم القبائل الشركسية 0 ‏وكان يدعى أقار شجعانهم (نارت )تلك الكلمة المشتقة من (نز_ أنت )وتعني : عين القبيلة العظيمة كما ورد في تاريخ الأديغة .
‏ولا يمكن تعيين تاريخ الحثيين أجداد الأديغة في بلاد القفقاس على وجه الدقة تماما وإن كان من المعروف أنهم وقدماء المصريين والاشوريين قد عرفوا من أربعة ألاف سنة قبل ميلاد المسيح 0 ‏وأنهم كانوا يقطنون بلادهم الأصلية قفقاسيا 0 ‏من قبل تكوّن إمبراطوريتهم الكبيرة ‏وكان عصرهم الذهبي في القفقاس في القرن الخامس عشر قبل الميلاد .
‏وهنا لا بد من لمحة بسيطة عن تاريخ الحثيين :

‏وهم أقوام وجدوا منذ القدم في وسط آسيا ثم توسعوا نحو الجهات المجاورة وصولا إلى كيليكيا ودجلة والفرات وعند التدقيق في معالمهموهيئاتهم وأجسامهم نجدها لا تفترق عن شعوب القفقاس الحالية وكذلك العادات والأخلاق .
‏وكانت بلادهم مركزا هاما للتجارة ؟ لوقوعها في منطقة اتصال فلسطين وسورية ودجلة والفرات ومحط رحال القوافل الكثيرة المتنقلة بين بابل وبلاد الفينيقيين وعلى اتصال بأرمينيا وسواحل البحر الأسود وكان ملوكهم يدفعون الخراج لملوك مصر حتى سقوط الأسرة الثامنة عشرة 0 ‏ثم ثاروا على المصريين واحتلوا بلاد الأقوام المنحدرة من سلالة الساميين ثم شكلوا حكومة عظيمة وجيشا قويا ولم يكترثوا بمصر ولا بهجماتها ولم تلبث الحرب أن أعلنت بينهم وبين رمسيس الثاني عام ( 1297 ‏ق . م) على أرض ما يعرف اليوم بسورية الشمالية
‏ووادي نهر العاصي 0 ‏وسالت الدماء أنهارا 0 ‏وهزم الحيثيون وتم الصلح بينهم وبين المصريين وتوطدت أواصر المحبة .
‏ثم تطرق الوهن إلى نفوذهم في آسيا 0 ‏وعانوا من الضعف في القوقاز وبعدها نقل ملك الآشوريين عام (1020 ‏ق . م) مقره إلى (الآثار) مبتعدا عن بابل وامتد نفوذه لغاية بلاد "الخوموق".
‏أما تاريخ الحثيين الشماليين أجداد الشراكسة فلم يعرف إلا ابتداء من القرن الخامس عشر قبل الميلاد وبعد الموقعة التاريخية الأولى في قفقاسيا بين السكان الأهليين والمهاجمين النازحين من آسيا الشمالية في القرن الثامن ق . م
‏لجأ قسم منهم إلى جبال القوقاز 0 ‏والأخر غربا إلى أوروبا ولجأ حثيو الجنوب في ذلك العهد مقهورين إلى جنوبي القفقاس بعد زوال إمبراطوريتهم العظيمة في آسيا الصغرى .
‏وسكن"القبرداي"من أهم القبائل الشركسية الساحل الغربي لبحر أزوف في القرن السادس الميلادي واستولوا في زمن معين على شبه جزيرة القرم وهذا ما تدل عليه أثارهم هناك ومنه نخلص إلى أن جميع الشعوب التي بقيت غربي بحر أزوف وشمال حوض البحر الأسود هي شعوب قفقاسية .
‏وباستعراض تاريخ الأديغة نجد أنه ينقسم إلى أربعة أقسام حسبما يورده (يوسف عزت باشا) وهي :
1 ‏_ دور الفتح والتضخم من (4000 ‏ق . م) حتى القرن التاسع قبل الميلاد .
2 ‏_ دور التقهقر والانحطاط ويبدأ من (900 ‏ق . م) 0 ‏وينتهي في (700 ‏م ).
3 ‏_ دور التيقظ والا‏نتباه ويبدأ من أوائل القرن السابع الميلادي وينتهي في أوائل القرن التاسع عشر .

‏وفي هذا الدور الأخير دخل العرب إلى جنوبي قفقاسيا ونشروا الإسلام 0 ‏ابتداء من عام
( 22 ‏هـ ) ووقعت فيه الحوادث الدامية بين الروس والأتراك وفيه يؤسس العثمانيون في القرن الثالث عشر الميلادي حكومتهم في الأناضول ثم يفتحون القسطنطينية ويدخل الشراكسة تحت النفوذ العثماني ء ثم يوسع القيصر الروسي (بطرس الأكبر)حدوده الجنوبية ويتقدم الروس في منطقة الداغستان ثم يحتلون قفقاسيا .
‏وفي هذا الدور حكم سلاطين الشراكسة وملوكهم مصر ودام حكمهم هناك عدة قرون .
4 ‏_ دور الانقراض والزوال : ويبدأ هذا الدور في أوائل القرن الثامن عشر 0 ‏وينتهي بهزيمة القفقاسيين وتهجيرهم من بلادهم.
·تاريخ ومنشأ الإستين أو القوصحة:
‏وينتشر هؤلاء الأقوام الجبليون المسمون أيضأ بامم (الإيرون) القمم المعروفة بالبروز وقاربك 0 ‏أرفع قمم أوروبا وسلسلة جبال القفقاس ويستوطنون أيضا منحدراتها الشمالية والجنوبية .
‏والأستين هو الامم القومي لهم ويعرفون أيضا بالقوصحة 0 ‏ويقال : إنهم دخلوا قفقاسيا عندما هاجر الأكراد من إيران إلى (وان ) وما حولها في القرن السابع قبل الميلاد وتتقارب لغتهم مع اللغات الفارسية والكردية والأردية .
‏ويقول "مور جان " : إنهم لعبوا دورا هاما في تاريخ القوقاز وأحدثوا انقلابا عظيما في الفنون والصناعات وإنهم كانوا دوما يدعمون الكرج في وجه الغزوات الأجنبية كما صاهروا العائلة المالكة الكرجية .
‏وليس الأستين إلا(اللان )تلك الكلمة التي وردت في كتب التاريخ العربية وهم المشتهرون بفتوحاتهم واشتراكهم في الحروب التي ساعدت وأدت إلى سقوط إمبراطورية بيزنطة . كما يقول "بلين " : إن قسما مهما منهم خرج من قفقاسيا وقصد أوروبا الغربية واستوطنها وينقسم الأستين إلى أربعة أقسام وهم في عاداتهم وأخلاقهم وتعصبهم القومي كباقي الشراكسة .
·تاريخ الشيشان
الشيشان : ويحد بلادهم شمالأ وغربأ نهر (تيرك ) ‏وبلاد القبرطاي وسهوب فاجقالين 0 ‏وجنوبا جبل (أندي) وسلسلة جبال القوقاز 0 ‏ويفصلها شرقا نهر (أق طاش )عن بلاد الداغستان .
‏وهم أقوام يمتون للشراكسة بأواصر القربى ويطلقون على أنفسهم اسم (ناخ جو)وقد يسمون (ناخجلي) التي تعني بلغتهم (الملّة) 0 ‏ويرى جنا توقه يوسف عزت في تاريخه عن القوقاز : أنهم من قوم (طور بيل ) الذين سكنوا سواحل بحر قزوين الشرقية ثم هاجروا إلى شرقي القفقاس بينما يرجح بعض المؤرخين الغربيين ورودهم إلى قفقاسيا عن طريق الجنوب 0 ‏وتقول أساطيرهم : إن أبا جدهم (ناخ تسو)"علي عرب " ‏قد قدم قفقاسيا من بلاد الشام في وقت سحيق في القدم وهذا خطأ على الأرجح .
‏وطرأت عليهم جميع التقلبات التي طرأت على قبائل القفقاس الأخرى فرحلوا وهجروا بلادهم الأصلية التي كانت ضمن بلاد الشراكسة 0 ‏واستوطنوا بلادهم الحالية . ونظرا لعدم اختلاطهم بالشراكسة 0 ‏ومتاخمتهم القبرطاي من جهة واحدة اختلفت لهجتهم وإن كان الكثير منهم يتكلمون لغة الأديغة مع بقاء عاداتهم وطباعهم طباع وعادات الشراكسة وقد وصفوا بأنهم غاية في الجمال والرشاقة ، ويتميزون بسرعة الخاطر والذكاء والمرح وحضور الجواب وشدة المراس وحدة المزاج وقد يكونون خشنين أحيانا وهم أشجع أمم قفقاسيا وأكثرهم عداوة للروس وينقسمون إلى ثلاثة أقسام : الشيشان والأنغوش والكيست .
·تاريخ الداغستان واللزجي والقومق

‏وتتألف بلادهم من جبال وسهول ويتشكل شمالها من مقاطعتي (شامخال ) و(ماتوخة ) بينما يشغل أوسطها قبائل (تاركين ) و(قوموق ) و(تاباسا ران) و(قره قا يتاق ) ويتألف جنوبها من إمارة "قوربين " ومنطقة "قوبين " .
‏وتقع الداغستان في شرقي قفقاسيا وهي تعني أرض الجبال وتمتاز بتحصينها الطبيعي ويعرف أهلها بالغيرة الوطنية والتصدي للغزاة القادمين من أسيا وخاصة دفاعهم واستماتتهم أمام ممر (در بند)الشهير، ذلك الممر الذي سمح لنور الإسلام أن يشع وينتشر في جميع تلك الجهات 0 ‏وهم قوم شديدو التماسك والتآزر ، مما أدى بهم إلى تبؤء مركز عام في سياسة القوقاز .
‏وقال المؤرخون الغربيون : إن أهل داغستان خليط من جملة أجناس وسلالات منها الطوراني ومنها الهندوأوروبي . . ولغتهم متعددة اللهجات وذكر (هيرودوت ) قبيلة"جيلون " كما وجدت أسماء (جيلي) و(ليجي) في مذكرات القائد الروماني "بومبيه " الذي دخل البلاد في القرن الأول قبل الميلاد واحتل جنوب القفقاس ثم جاء مؤرخو اللا تين 0 ‏وعرفوهم باسم (ليجبئي)0 ‏ومنه يتضح منشأ اسمهم القومي "ليزجي" أحفاد قبائل (السلت ) و (السكيت) الذين استولوا على قفقاسيا وأوروبا في القرن التاسع قبل الميلاد أو كما يرى (مورجان ) في المدة المحصورة بين القرنين الأول والخامس الميلادي .
‏وأهم قبائل الداغستان قبيلة الآواروهي القبيلة التي بقيت مستقلة دون أن تخضع وهي تشكل أغلبية السكان واتفق المؤرخون على أن الآواريين والأندي من أرومة واحة وإذا رجعنا إلى رأي (هيرودوت)نرى أن اللزجي أقدم بكثير من قبائل الآواريين والأندي وأنهم من سكان وأهالي قفقاسيا القدامى وأنه كان لهم في القرن الأول قبل الميلاد جيش عظيم مؤلف من مئة ألف مقاتل وحكومة تدير شؤونهم .
وسكان الد اغستان قفقاسيون بطباعهم وعاداتهم وتربطهم روابط عرقية مع بقية السكان ويقول المؤرخون الروس : إن قوم أودين اللذين هم فرع من قبائل (قورين ) إن هم إلا من بقايا الألبانيين القدماء كما يقول "مور جان" : إن بلاد الداغستان لا يزال فيها بقية من قبائل الألبانيين والتاليش والقابسيين المعدودين من أهالي وأقوام قفقاسيا القدماء .
‏والداغستان متمسكون بالإسلام 0 ‏وإيمانهم قوي 0 ‏وهم أتقياء وشجعان قاوموا الغزاة الروس ، وأبلوا بلاء حسنا ولم يكن الشيخ "شامل" المجاهد الد اغستاني مجرد محارب فقط بل كان حاكما مدبر وحكيما مشرعا وقائدا فذا وإماما وأميرا ، نشر ورفع راية الإسلام ودافع عنه أمام الزحف الروسي الوحشي الفظيع 0 ‏ووضع دستورا للبلاد وطبقه واعترف الروس بذلك .
‏_ القوموق : وتقع في الشمال الشرقي لبلاد الداغستان إلى جانب مصب نهر (ترك) ويتكلم أهلها اللغة التركية المحلية وسكانها من الشعوب الداغستانية 0 ‏ويظن أنهم من السلالة الطورانية ولا يعلم بالضبط تاريخ دخولهم إلى قفقاسيا وقد ظهر بالتحقيق أنهم من السلالة الآرية شأنهم شأن الشراكسة وسكان جورجيا .
‏كان القوموق شعبا كبيرا يقطن مناطق في كيليكية وأضنة الشمالية وهم من جملة شعوب القوقاز التي استولت على أسيا الصغرى وما بين النهرين وسورية وما حولها ثم انسحبوا تدريجيا إلى قفقاسيا ، عندما اشتد الضغط على الحثيين وبهذا يتبين أن ورودهم القفقاس منذ زمن بعيد يرجح إلى ما قبل ورود الطورانيين وأن قربهم من ممر(در بند) جعلهم تحت رحمة المغيرين الفاتحين ففقدوا لغتهم الأصلية 0 ‏وتحدثوا بالتركية .
وفي القرن التاسع قبل الميلاد اجتاح بلادهم البلغار والمجر والآفار ثم " جنكيز خان" في القرن السادس وأخيرا "تيمور لنك" في القرن الرابع عشر .

من كتاب ( قفقاسيا بين العثمانيين والروس)

تأليف: د. علي حسون