زواج الإنترنت .. آمال على ورق هش!

أم يــــافا · 21 - 2 - 2014, 11:39 AM

زواج الإنترنت .. آمال على ورق هش! - أحمد الشايب

زواج الإنترنت

آمال على ورق هش!!

لا شكَّ أن الشبكة العنكبوتية منذ ظهورها في أوائل التسعينيَّات من القرن الماضي، أحدثت تغيرًا جذريًّا في العَلاقات بين المسلمين وغيرهم في أنحاء دول العالم، وأدخلت على المسلمين عاداتٍ وتقاليدَ غربيَّةً ليست من الإسلام في شيء.

ومن أهم الموضوعات التي أثارت ضجَّةً كبيرة في الآونة الأخيرة: تعارُفُ الشبابِ والتواصل عبر الإنترنت، والتي تطوَّرت لطلب الزواج من الإنترنت، والدخول على المواقع الخاصة بالزواج، والتي يحدث فيها تقابل للجنسين.

عَلاقةٌ حرَّمها العلماء الأجلّاء، وزيجة يرفضُها الشرع قبل العادات والتقاليد الإسلامية الشرقية، فما هي خطورتها الدينية والاجتماعية؟ وما هي أسبابها ونتائجها على المجتمع الإسلامي، خاصة مع تطور الإنترنت في العصر الحديث؟

يقول الشيخ محمد العريفي الداعية الإسلامي السعودي:
إن ما يحدث على الإنترنت من الشباب في بعض وسائل الاتصال لهو نوعٌ من أنواع المعرَّة، مؤكدًا أنه لا يجوز الزواجُ ممن عرَفْتَها على الإنترنت، لعدم وجود اكتمال الشروط المحددة لعقد القران؛ مثل عدم وجود الولي للزوجة؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - قال في كتابه العزيز: ﴿ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ﴾ [النساء: 25]، وقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((أيُّما امرأة زوَّجت نفسها بغير إذن وليِّها فنكاحُها باطل)).

وأضاف الداعية الإسلامي السعودي في "ندوة" له:
لا ينبغي التساهلُ مع مثل هذه الزيجة، مؤكدًا أنها باطلة ولا تجوز؛ لأنها تلاعب من الشيطان بين أبناء الجنسين، وإن تبِعها شيء من لقاء فهو فاحشة وزنا، ولا يحوز شرعًا؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - يقول: ﴿ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ﴾ [البقرة: 189].

وأوضح العريفي أن الإنسان إذا كان يريد أن يتزوَّج فليعرف للمرأة قدرَها، ولا يعبث بها عبر الإنترنت ونحو ذلك، إنما يذهب إلى أهلها ويخطبها، حتى يكون لها قدرٌ أن تحرص على نفسها ولا تُمكِّنه من نفسها.

ويُشير الدكتور طه حبشي - أستاذ الفلسفة والعقيدة بجامعة الأزهر - إلى أن ما يحدث على الإنترنت بين الشباب، وخاصة بعد انتشار المواقع الخاصة بالزواج، والشات، والتعارف بين الرجال والنساء، وطلب الزواج منهم على الإنترنت، وإتمام عملية الزواج إلكترونيًّا - لا يجوز شرعًا؛ لعدم استيفاء شروط الزواج المحدَّدة في الإسلام.

وأضاف أستاذ الفلسفة والعقيدة بجامعة الأزهر:
مثل هذه الطريقة في إتمام عقد الزواج لا يُعتَدُّ بها شرعًا، وبالتالي ما يترتَّب عليها يكون باطلاً مثل الحقوق الزوجية لكلا الطرفين، وإن تمَّت المعاشرة بينهم فهي زنا؛ لأن الله -تعالى- وصف الزواج بأنه ميثاقٌ غليظ.

كما حذَّر الدكتور محمد عبدالرسول - الأستاذ بجامعة الأزهر - الشبابَ والفتيات من الوقوع في مثل هذه المعصية، مؤكدًا أن التعارف بين الجنسين على الإنترنت حرام شرعًا.

وأضاف عبدالرسول: لا يوجد ما يُسمَّى بزواج الإنترنت في الشرع، ولا يُعَدُّ زواجًا؛ لأنه لم تُستَوفَ فيه شروط الزواج الصحيح؛ كعدم إذن الأهل عند طلب الزواج، طبقًا لقول الله -تعالى-: ﴿ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ﴾ [النساء: 25]، كما أنه لم يستوفِ بعضَ الشروط الأخرى؛ كعقد القران، والشهود، والصَّداق، وإشهار الزواج.

وشدَّد الأستاذ بجامعة الأزهر على أن الزواج الشرعي لا بد من استيفاء الشروط اللازمة للزواج، وأي شيء غير ذلك يكون حرام شرعًا؛ كمثال زواج الإنترنت؛ لأنه لم يستوفِ فيه الشروط اللازمة لعقد الزواج.

ويقول الدكتور عبدالحليم منصور - أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون، جامعة الأزهر -: إنه توصَّل مع العديد من الأئمة والعلماء المعاصرين إلى عدمِ جواز زواج الإنترنت، خاصة في ظل الانفلات الذي نعيشه، وتهاون كثير من الناس في أمور الزواج، وضياع الحقوق.

ويطالب أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون، جامعة الأزهر، بالحفاظ على مشروعية الزواج الصحيح، والتأكيد عليه في المجتمعات الشرعية والغربية؛ لأن ذلك سدٌّ للذريعة وحفاظ على الميثاق الغليظ، وحفاظٌ على مفهوم تكوين الأسرة في الدين الصحيح، والحفاظ على الزواج وحقوق الزوجين، موجِّهًا حديثه للشباب بألاَّ يلجؤوا لهذه الطريقة المتدنِّية للزواج، كما وجَّه النصيحة للنساء أيضًا بألا يَنْسَقْنَ وراء الشبهات؛ لأن الشباب ومدمني الشات والإنترنت من الممكن أن يستغلُّوا هذا الشيء استغلالاً سيئًا.

ومن جانبها ترى الدكتورة فاطمة كامل محمود - أستاذة علم النفس الاجتماعي - أن زواج الإنترنت لا يجوزُ تفعيلُه في الدول الشرقية، وخاصة في المجتمع المصري، طبقًا أولاً للشرع الذي حرَّم أي عَلاقة غير مشروعة بين الرجال والنساء، وأعدَّ ضوابط للتواصل المجتمعي بين الجنسين، بالتأكيد ليس من بينها التعارف والتزاوج عبر الإنترنت، بالإضافة إلى أن العادات والتقاليد الشرقية تختلف تمامًا عن عادات الغرب من أنه يجوز ممارسة مثل هذه العَلاقات الشائنة لدى الدول الغربية وغير المسلمة.

وأكَّدت الدكتورة فاطمة كامل محمود، أن من مساوئِ الشبكة العنكبوتية أنها تنقُلُ لنا العاداتِ والتقاليدَ الغربية والأفكار غير السويَّة، والغريب أن معظم الشباب في هذه الأوقات أقبلوا على مثل هذه المواقع التي يتم فيها تبادل المعارف للزواج وغيرها.

وأضافت أستاذة علم النفس الاجتماعي: يجبُ تحذير المجتمع عبر وسائل الأعمال من الخطورة الاجتماعية لهذا الزواج، الذي يُبنَى على التقاليد الغربية التي دائمًا تكون متعارضة مع الأعراف المصرية، والتي تتمثل في بعض المراسم التي يقوم بها الزوج؛ حيث يذهب إلى أهل العروس ويتقدَّم لخطبتها أولاً، ثم يقوم بعد ذلك بطلب يدها من والدها، ثم يوافق أهل العروس، وبعد ذلك يقوم أهل العروس بإشهار الزواج في بعض المساجد، طبقًا لما أمرنا به الشرع والتعاليم الإسلامية.

وفي نفس السياق تؤكِّد الدكتورة وفاء فتحي - أستاذة علم النفس بجامعة الأزهر - أن معظم حالاتِ الزواج التي تكون من خلال الإنترنت لا تكتمل، وحتى لو اكتمل فلا يصح، ويكون غير شرعي؛ كما أشار بعض العلماء الأجلاء إلى ذلك.

وطالبت أستاذة علم النفس بجامعة الأزهر المسؤولين عن إدارة الدولة بالتعريضِ لمثل هذه المشكلات المهمَّة، والتنبيه على خطورتها في جميع وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية؛ حتى لا يقع الكثير من الشباب في هذه الحفرة.

وأكَّدت الدكتورة وفاء محمد فتحي - أستاذة علم النفس بجامعة الأزهر - أن خطورة الزواج عبر الإنترنت بعيدًا عن كونِها محرَّمة شرعًا، تتمثَّلُ خطورتها أيضًا في أنها لا تستمر طويلاً، وتؤدي إلى الفشل سريعًا، والمشكلة الحقيقية تكمنُ فيما بعد الفشل؛ حيث يعتري الإنسانَ آثارٌ نفسية كثيرة، تتمثَّل في الغربة والانفصال عن الحياة الطبيعية نتيجة الصدمة مما حدث، وكثرة الجلوس أمام جهاز الكمبيوتر؛ مما يؤدِّي بعد ذلك إلى الإحباط والاكتئاب تصل إلى حد الانتحار.

ويري الدكتور صلاح الفوال - الباحث بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية - أن ما يحدثُ عبر مواقع التواصل الاجتماعي وشبكات الإنترنت ليس بزواجٍ قطُّ، وإنما يُعتَبر عَلاقة جنسية محرَّمة وغير شرعية بين الطرفين؛ لأن مفهوم الزواج له أبعادٌ وخصوصيات أكبر من أن تنحصر في حديث بين اثنين علي شات على الإنترنت.

ويؤكِّد الباحث بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية أن انجذاب الشباب والشابات للإنترنت يكمنُ في اعتقادهم أنه سوف يحل مشكلاتهم الحياتية.

نظرة أخرى إيجابية:
على كل حالٍ، فإن الوسيلة النافعة المضمونة هي تقوى الله -تعالى- والالتجاء إليه وحده - سبحانه - وتفويض الأمر إليه، فإنه الجَوَاد الكريم الذي لا يرُدُّ سائلاً، ولا يُخيِّب آملاً، وبيده خزائن السموات والأرض، فعليك بطاعته وتقواه وحسن التوكل عليه؛ قال -تعالى-: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2 - 3]، ويقول أيضًا: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4].

فعلى مَن يريد الزواج - رجلاً أو امرأة - أن يتَّقيَ الله -تعالى- ويُفوِّضَ أمرَه إليه، ويُلِحَّ على ربه الكريم في الدعاء، ويرضى بما يقدِّره الله له ويقضيه، ويبحث عن الزواج بالطرق المشروعة المعهودة، فيوصي مَن يثق بدينه ووَرَعه وحفظِه للسر بالبحث له في محيطه وفيما حوله؛ فعسى أن يكون لديه خبرٌ عمَّن يصلح لما يريد.

تجارب صادمة:
• تقول هـ. ج: في البداية عرَفْتُ الإنترنت منذ دخولي المرحلة الجامعية، بدأت عَلاقتي مع الإنترنت اعتياديةً تقتصر على التحدث مع أصدقائي البنات في الجامعة، وبعدها بفترة قصيرة تعرَّفت على شاب من خلال موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك"، في بداية الأمر لم أُرِد أن أتحدَّث معه، ولكن مع الوقت وبكلامه المعسول الذي كنت أسمعه منه، لم أستطع المقاومة وتعوَّدت عليه مع مرور الوقت، وأصبحت لا أستطيع أن يمر يوم بدون أن أحدّثه، كان دائمًا يعدني بالزواج في أقرب فرصة تسمح له، ومضت مدة ولم يراسلني فيها ولم يصلني أخبار منه لأكثر من ثلاثة أشهر، وكنت أنتظر الموت يأتيني كل يوم، وفي يوم من الأيام وصلتني رسالة منه يقول لي: "سافرت خارج مصر ولن أعود قبل ثلاث سنوات"، لم أستطع تقبُّل الصدمة، وحوَّلني أهلي إلى المستشفى، وأخبر الطبيب والدي أني مُصابة بصدمة عصبية أفقدتني النظر، وصرتُ لا أرى لأكثر من خمس سنوات، حتى أعاد الله لي النظر مرة أخرى.

• بينما م. س، تروي أنها عزباء حتى عامها السادس والثلاثين، تقول: لمَّا يئسَتْ مني صديقاتي لقلَّة المتقدمين لخطبتي أو رغبة أحدهم في الزواج بي، عرضَت عليَّ صديقتي أن أدخل أبحث عن عروسٍ عن طريق الإنترنت وتقديم نفسي لأي عروس على الإنترنت، وبدأت أتردد على مواقع الزواج، وتعرَّفت على شاب مصري أخبرني أنه مهندس ويعمل بالخليج، وسيعود السنة القادمة، وبدأت أتكلَّم معه لسنوات، حتى عاد من الخليج وتقدم لخطبتي ووافق أهلي، وقام بعقد قراني، وخلا معي الخلوة الشرعية، وبعدها بأقل من أسبوع سافر بدون علمي وأرسل لي ورقة الطلاق الخاصة بي بعد ذلك، ولم أره منذ ذلك الحين.