![]() |
مـن مأثـور الحــكم
قال بعض البلغاء: إذا أسدل الوالي على نفسه سـِتر الحجاب، وَهـَى عمود تدبيره. واسترخت عليه حمائل الحزم. وازدلفت إليه وفود الذم. وتولـّى عنه رشد الراجي. ونال أموره خلل الانتشار، وآفة الإهمال. وتسرع إليه العائبون بلواذع ألسنتهم. ودبيب قوارضهم. |
من نوادر أبي العيناء
من مشاهير العميان الإخباري أبو العيناء. كان من أحفظ الناس، وأفصحهم لساناً، وأسرعهم جواباً، وأحضرهم نادرة. مرّ يوماً على دار عدوٍّ له، فسأل أهله: ما خبرُ أبي محمد؟ فقالوا: على ما تحبّ. قال: فما لي لا أسمع الصراخ عليه؟! من كتاب "نكت العميان" للصفدي. |
من نوادر بشار بن برد (1)
وُلد بشار بن بُرد أعمى. وكان ضخماً طويلاً عظيم الوجه فظيع المنظر. وكان إذا أراد أن يُنْشِد شعراً صفق بيديه وتنحنح، وبَصَقَ عن يمينه وشماله ثم ينشد، فيأتي بالعجب وكان يُشَبِّه الأشياء بعضَها ببعض في شعره فيأتي بما لا يقدِرُ البُصَرَاءُ أن يأتوا بمثله. فقيل له يوما وقد أنشد قوله: كأن مُثارَ النَّقيع فوق رءوسنا وأسيافَنا، ليلٌ تَهَاوَى كواكبُه "ما قال أحدٌ أحسن من هذا التشبيه، فمن أين لك هذا ولم تر الدنيا قط ولا شيئاً فيها؟" فقال: إن عدم النظر يُقَوِّي ذكاءَ القلب، ويقطع عنه الشغلَ بما يُنْظَرُ إليه من الأشياء، فيتوفّر حِسُّه، وتذكو قريحتُه. من كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الإصبهاني. |
من نوادر بشار بن برد (2)
كان بشار بن برد يُنْسَبُ إلى المجون والزندقة والميل إلى الإلحاد، وكان يقول: "لا أعرف إلا ما عاينتُه أو عاينتُ مثلَه". وكان بعض أصحابه يقومون إذا حضرت الصلاة ويقعد بشار، فيجعلون حوله ترابا لينظروا هل يصلي، فيعودون والتراب بحاله. قال له صديقه سعد بن القَعْقَاع وهو ينادمه: ويحك يا بشار! قد نَسَبَنَا الناسُ إلى الزندقة، فهل لك أن تَحُجَّ بنا حِجَّةً تنفي ذلك عنا؟ قال: نِعْمَ ما رأيت! فاشتريا بعيرا ورَكبا. فلما مرَّا بالكوفة، قال له سعد: ويحك يا بشار! ثلاثمائة فرسخ نقطعها إلى مكة؟!! مِلْ بنا إلى الكوفة نتنعّم فيها، فإذا عاد الحُجَّاج قابلناهم بالقادسية، وحلقنا رءوسنا، فلم يشُكّ الناسُ أننا جئنا من الحج. فقال بشار: نِعْمَ ما رأيت! فمالا إلى الكوفة، فمازالا يشربان الخمر ويفسُقان. فلما نزل الحُجَّاج بالقادسية راجعين، جزّا رءوسهما وأقبلا، وتلقّاهما الناسُ يهنئونهما بالحج! من كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الإصبهاني. |
من نوادر بشار بن برد (3)
مرَّ بشار بواعظ بالبصرة فسمعه يقول في قصصه: من صام رجباً وشعبان ورمضان بنى الله له قصراً في الجنة صَحْنُه ألف فرسخ في مثلها، وعُلْوُه ألف فرسخ، وكلّ باب من أبواب حجراته عشرةُ فراسخ في مثلها. فالتفت بشارٌ إلى قائده وقال: بِئْسَتْ والله الدار هذه في كانون الثاني! من كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الإصبهاني. |
من نوادر بشار بن برد (4)
كان بشار جالساً في دار المهدي والناس ينتظرون الإذن للدخول عليه، فقال أحد موالي المهدي لمن حضر: ما تفسيركم لقول الله عزَّ وجلَّ (وأوحى ربُّك إلى النحل أن اتّخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر)؟ قال بشار: النحل التي يعرفها الناس. قال: هيهات! النحل بنو هاشم. وقوله تعالى: (يَخْرُجُ من بطونها شرابٌ مختلفٌ ألوانُه فيه شفاء للناس) يعني العِلْم. فقال له بشار: جعل الله طعامك وشرابك وشفاءك فيما يخرج من بطون بني هاشم! من كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الإصبهاني. |
من نوادر بشار بن برد (5)
كانت النساء يأتين فيدخلن إلى بشار في مجلسه ليسمعن شعره. فعشِق امرأةً منهن، وقال لغلامه: عَرِّفها محبتي لها، واتبعها إذا انصرفتْ إلى منزلها. ففعل الغلام، وأخبرها بما أمره فلم تُجِبْه إلى ما أحبّ. فتبعها إلى منزلها وظل يتردّد إليه حتى شكته إلى زوجها، فقال لها زوجها: أجيبيه وعِديه إلى أن يجيئك إلى هاهنا. ففعلتْ. وجاء بشار فدخل وزوجُها جالسٌ وهو لا يعلم. فجعل يحدّثها ساعة، وقال لها: ما اسمُك بأبي أنتِ؟ قالت: أُمامة. فقال: أُمامةُ قد وُصِفْتِ لنا بِحُسْنٍ وإنّا لا نراك فَأَلْمِسِينا. فأخذت يده فوضعتها على لحية زوجها. ففزع بشار ووثب قائماً فقبض زوجها عليه وقال: والله لأفضحنّك! فقال بشار: كفاني ما فعلتَ بي، ولستُ والله عائدا إليها أبدا! من كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الإصبهاني. |
من نوادر بشار بن برد (6)
هجا بشار المهدي فجيء به إليه، وأَمر بضربه بالسوط فضُرِب بين يديه. فكان بشار إذا أوجعه السوط يقول: حَسِّ! وهي كلمة تقولها العرب للشيء إذا أوجع. فقال بعضهم للخليفة: انظر إلى زندقته يا أمير المؤمنين، يقول: حَسِّ ولا يقول: باسم الله. فالتفت إليه بشار وقال: ويلك! أطعامٌ هو فأُسَمِّيَ اللهَ عليه؟! فلما ضُرِب سبعين سوطا بان الموتُ فيه، فأُلقي في سفينة حتى مات، فجاء بعضُ أهله فحملوه إلى البصرة فدُفن بها. من كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الإصبهاني. |
من يـكون معـي؟
قال عبد الملك بن مروان لابن رأس جالوت: ما عندكم من الفراسة في الصبيان؟ قال: نراقبهم، فإن سمعنا منهم من يقول أثناء لعبهم: من يكون معي؟ رأيناه ذا همّة، وإن سمعناه يقول: مع من أكون؟ عرفناه مفتقرا إلى الهمة. من كتاب "أخبار الأذكياء" لابن الجوزي. |
منـام الزاهـد
في سنة 535 (1140م) وصل إلى بغداد رجل أظهر الزهد والنسك، فقصده الناس من كل جانب. واتفق أن بعض أهل السَّواد دفن ولداً له قريباً من قبر السبتي، فمضى ذلك المتزهد فنَبَشَه ودفنه في موضع آخر، ثم قال للناس في بعض الأيام: اعلموا أنني قد رأيت عمر بن الخطاب في المنام ومعه عليّ بن أبي طالب، فسلّمت عليهما وسلّما عليّ وقالا لي إن في هذا الموضع صبيّ من أولاد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب. وخَطَّا لي المكان. وأشار إلى ذلك الموضع، فحفروه فرأوا الصبيّ. فَمَنْ وَصَلَ إلى قطعة من أكفانه فكأنه قد مَلَكَ المُلْك! وخرج أرباب الدولة وأهل بغداد، وانقلب البلد، وطُرح في الموضع ماء الورد والبخور، وأُخِذ الترابُ للتبرّك، وازدحم الناس على القبر حتى لم يصل أحد من كثرة الزحام. وجعل الناس يقبِّلون يد الزاهد وهو يُظهر التمنّع والبكاء والخشوع، والناس تارة يزدحمون عليه، وتارة على الميت. وبقي هذا أياماً، والميت مكشوف يبصره الناس. ثم ظهرت رائحته وجاء جماعة من أذكياء بغداد ففحصوا كفنه فوجدوه خاماً، ووجدوا تحته حصيراً جديداً، فقالوا: هذا لا يمكن أن يكون على هذه الصفة منذ أربعمائة سنة! فما زالوا ينقِّبون عن ذلك حتى جاء السوادي فأبصره، وقال: هذا والله ولدي، وكنتُ دفنتُه عند قبر السبتي! فمضى معه قوم إلى المكان، فرأوا القبر قد نُبش وليس فيه ميت. فلما سمع الزاهد ذلك هرب. فطلبوه وأخذوه وقرّروه فأقرّ بأنه فعل ذلك حيلة، فأُخِذ وأُرْكِبَ حماراً وشُهِّر. من كتاب "المنتظم" لابن الجوزي. |
الساعة الآن 12:27 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |