منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   الإحاطة في أخبار غرناطة - لسان الدين ابن الخطيب (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=1959)

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:24 AM

ابن سعيد علي بن موسى بن عبد الملك بن سعيد بن خلف بن سعيد بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن الحسن بن عثمان بن عبد الله بن سعد بن عمار بن ياسر بن كنانة بن قيس بن الحصين بن لوذم ابن ثعلب بن عوف بن حارثة بن عامر الأكبر بن نام بن عبس واسمه زيد بن مالك بن أدد بن زيد العنسي المذحجي من أهل قلعة يحصب غرناطي قلعي سكن تونس يكنى أبا الحسن ويعرف بابن سعيد‏.‏
أوليته قد تقرر من كرم أوليته وذكر بيته ما ينظر في محله‏.‏
حاله هذا الرجل وسطي عقد بيته وعلم أهله ودرة قومه المصنف الأديب الرحال الطرفة الإخباري العجيب الشأن في التجول في الأوطان ومداخلة الأعيان والتمتع بالخزاين العلمية وتقييد الفوايد المشرقية والمغربية‏.‏
مشيخته أخذ عن أعلام إشبيلية كأبي علي الشلوبين وابي الحسن الدباج وأبي الحسن بن عصفور وغيرهم‏.‏
تواليفه وتواليفه كثيرة منها المرقصات والمطربات عزيز الوجود والمقتطف أغرب وأعجب والطالع السعيد في تاريخ بيته وبلده‏.‏
والموضوعان الغريبان المتعددا الأسفار وهما المغرب في حلى المغرب والمشرق في حلى المشرق وغير ذلك مما لم يتصل إلينا فلقد حدثني الوزير أبو بكر بن الحكيم أنه تخلف كتابًا يسمى المرزمة يشتمل على وقر بعير لا يعلم ما فيه من الفوايد الأدبية والإخبارية إلا الله شعره قال تعاطى نظم الشعر في حد زمن الشبيبة يعجب فيه من مثله فيذكر أنه خرج مع والده وقد مر في صحبته إلى إشبيلية وفي صحبته سهل بن مالك فجعل سهل يباحثه عن نظمه إلى أن أنشده في صفة النهر والنسيم يردده والغصون تميل عليه‏:‏ كأنما النهر صفحة كتبت أسطرها والنسيم ينشيها فطرب أبو الحسن وأثنى عليه ثم شدا وناب عن أبيه في أعمال الجزيرة ومازج الأدباء ودون كثيرًا من نظمه وحفظ له في المدح‏:‏ يا أيها الملك الذي هباته وهباته شدت عرى الإسلام لما أسال نداه سل حسامه فأراك برقًا في متون غمام لله شيعتك التي ترك العدا أقداحهم بمواطىء الأقدام طاروا بأجنحة السيوف إليهم مثل الحمام جلبن كل حمام فهم سهام والجياد قسيهم وعداهم هدف وسعدك رام وقال ومما نظمته بالحضرة في فرس كان لهم لوباني أغر أكحل بحلية‏:‏ وأجرد تبرى أثرت به الثرى والفجر في خصر الظلام وشاح عجبت له وهو الأصيل بعرفه ظلام وبين الناظرين صباح رحلته المشرقية وفيها الكثير من نظمه قال في الطالع لما قدم الديار المصرية واشتهر كان مما نظمه سلمًا لمعرفة الأدباء والظرفاء قوله وقد رأى بساحلها وجوهًا لا يعرفها وألسنًا غير ما عهد‏:‏ أصبحت أعترض الوجوه ولا أرى من بينها وجهًا لمن أدريه عودي على بدئي ضلالًا بينهم حتى كأني من بقايا التيه ودخل القاهرة فصنع له أدباؤها صنيعًا في ظاهرها وانتهت بهم الفرجة إلى روض نرجس وكان فيهم أبو الحسن الجزار فجعل يدوس النرجس برجله فقال أبو الحسن‏:‏ يا واطىء النرجس بالأرجل ما تستحي أن تطأ الأعين بالأرجل فتهافتوا بهذا البيت وراموا إجازته‏.‏
فقال ابن أبي الأصبغ‏:‏ فقال دعني لم أزل محرجًا على لحاظ الرشاد الأكحل وكان أمثل ما حضرهم ثم أبوا أن يجيزه غيره فقال‏:‏ قابل جفونًا بجفون ولا تبتذل الأرفع بالأسفل ثم استدعاه سيف الدين بن سابق صاحب الأشغال السلطانية إلى مجلس بضفة النيل مبسوط بالورد وقد قامت حوله شمامات نرجس فقال في ذلك‏:‏ من فضل النرجس فهو الذي يرضى بحكم الورد إذ يرأس أما ترى الورد غدًا قاعدًا وقام في خدمته النرجس ووافق ذلك مماليك الترك وقوفًا في الخدمة على عادة المشارقة فطرب الحاضرون من حسود ومنصف‏.‏
ولقي بمصر محيي الدين بن ندا واقد التركي الإمام زهير الحجاري بهاء الدين وبالقاهرة جمال الدين ابن مطروح وجمال الدين بن يغمور وتعرف بكمال الدين بن العديم رسول سلطان حلب فاستصحبه يتحف به الملك الناصر صاحب حلب فلقي بحمص وبيت المقدس وحماه أعلا ما جلة وله معهم أخبار يطول ذكرها ودخل على السلطان بحلب وأنشده قصيدة أولها‏:‏ جدلي بما ألقى الخيال من الكرى لابد للطيف الملم من الكرا فقال كمال الدين هذا رجل عارف مذ روى لمقصده من أول كلمة‏.‏
‏.‏
ثم قال بعد أبيات‏:‏ الناصر الملك الذي عزماته أبدًا تكون مع العساكر عسكرا ما كان أنبا الفتح يلزم لامه والجمع من أعدائه متكسرا فعظم استظراف السلطان لهذه المقاصد وأثنى عليه‏.‏
ثم وصل فقال‏:‏ الدين أصلحه وعم صلاحه الدنيا وأصبح ناصرًا ومظفرا فكأن كنيته غدت موضوعه من ربه والوصف منه مقررا وكأنما الأسماء قد عرضت على علياه قبل وجوده متخيرا فقال السلطان كيف ترون واستعاده‏.‏
فقال عون الدين العجمي عميد المجلس وكاتب الإنشاء من آل أيوب الذين هم هم ورثوا الندى والبأس أكبر أكبرا أهل الرياسة والسياسة والعلا بسيوفهم حلوا الذرى منحوا الذرا سم العداة على هيافيهم لا تعجبوا فكذاك آساد الشرى كادوا يقيلون العداة من الردى لو لم يمدوا كالحجاب العثيرا جعلوا خواتم سمرهم من قلب كل معاند عد المثقف خنصرا وببيضهم قد توجوا أعداءهم حتى لقد حلوا لكيما تشكرا لو لم يخافوا تيسار نحوهم وهبوا الكواكب والصباح المسفرا وهي طويلة‏.‏
ثم استجلسه السلطان وسأله عن بلاده ومقصده بالرحلة فأخبره أنه جمع كتابًا في الحلى البلادية والحلى العبادية المختصة بالمشرق وأخبره أنه سماه المشرق في حلى المشرق‏.‏
وجمع مثله فسماه المغرب في حلى المغرب‏.‏
فقال نعينك بما عندنا من الخزاين ونوصلك إلى ما لا عندنا‏.‏
مثل خزاين الموصل وبغداد وتضيف لنا المغرب‏.‏
فخدم على عادتهم وقال أمر مولاي بذلك إنعام وتأنيس ثم قال له السلطان مداعبًا إن شعراءنا ملقبون بأسماء الطيور‏.‏
وقد اخترت لك لقبًا يليق بحسن صوتك وإيرادك للشعر فإن كنت ترضى به وإلا لم يعلمه عندنا وهو البلبل فقال قد رضي المملوك بذلك يا خوند‏.‏
فتبسم السلطان وقال اختر واحدة من ثلاث أما الضيافة التي ذكرتها أول شعرك وأما جائزة القصيدة وإما حق الإسم‏.‏
فقال يا خوند المملوك ممن لا يختنق بعشر لقم فكيف بثلاث‏.‏
فطرب السلطان وقال هذا مغربي ظريف ثم أتبعه من الدنانير والخلع الملوكية والتواقيع بالأرزاق ما لا يوصف‏.‏
ولقي بحضرته عون الدين العجمي وهو بحر لا تنزفه الدلاء والشهاب التلعفري الشهير الذكر والتاج بن شقير وابن نجيم الموصلي والشرف بن سليمان الإربلي‏.‏
وطائفة من بني الصاحب‏.‏
ثم تحول إلى دمشق ودخل الموصل وبغداد ودخل مجلس السلطان المعظم ابن الملك الصالح بدمشق وحضر بمجلس خلوته‏.‏
وكان ارتحاله إلى بغداد في عقب سنة ثمان وأربعين وستمائة في رحلته الأولى إليها‏.‏
ثم رحل إلى البصرة ودخل أرجان وحج‏.‏
ثم عاد إلى المغرب‏.‏
وقد صنف في رحلته الأولى إليها مجموعًا سماه بالنفحة المسكية في الرحلة المكية‏.‏
وكان نزوله بساحل مدينة إقلنية من إفريقية في إحدى جمادين من عام اثنين وخمسين وستمائة واتصل بخدمة الأمير أبي عبد الله المستنصر فنال الدرجة الرفيعة من حظوته وقال عند اتصاله به لحين قدومه‏:‏ وما زلت أضرب في الخافقين أروم البلاد وأرعى الدول إلى أن رجعت إلى تونس محل الإمام وأقصى الأمل فقلت البلاد لهذي قرىً وقلت الأنام لهذا خول وحدثني شيخنا الوزير أبو بكر بن الحكيم أن المستنصر جفاه في آخر عمره وقد أسن لجراء خدمة مالية أسندها إليه وقد كان بلاءً منه قبل جفوة أعقبها انتشال وعناية‏.‏
فكتب إليه‏:‏ يا غزالًا في الحشا منزله وبعيني دائمًا منهله لا ترعبني بالجفا ثانية ما بقي في الجسم ما يحمله فرق له وعاد إلى حسن النظر فيه إلى أن توفي تحت بر وعناية‏.‏
رحمه الله مولده ولد بغرناطة ليلة الفطر في سنة عشر وستماية‏.‏
وفاته توفي بتونس حرسها الله في أحواز عام خمسة وثمانين وستماية‏.‏
علي بن عبد الرحمن بن موسى بن جودي القيسي الأديب الكاتب يكنى أبا الحسن من أهل المعرفة بالعلوم القديمة وأصله من عمل سرقسطة‏.‏
وكان صديقًا للوزير أبي الحسن بن هاني‏.‏
مشيخته قرأ على الحكيم أبي بكر بن الصايغ المعروف بابن باجة‏.‏
وكان خليع الرسن فيما ذكر عنه‏.‏
شعره من شعره‏:‏ خليلي من نعمان بالله عرجا على الأيك من وادي العقيق فسلما وقولا له ما حال لبني لعله إذا سمع النجوى بلبنى تكلما فعهدي به والظل ينفض دوحه وقد خضلت عيدانه فتنعما تباكره لبنى لإتيان موعد عزيز عليها أن يخان ويصرما نبث حديثها فنبكي بعبرة فترسلها ماءً ونرسلها دما ومن شعره قوله‏:‏ أدر كأس المدام فقد تغنى بفرع الأيك أورقها الصدوح وسال النهر يشكو من حصاه جراحات كما أن الجريم وقال‏:‏ سقى الله دهرًا ضم شمل مودة وجمع إخوان الصفاء بلا وعد بميناء تعلوها الرياح بليلةً وتنظر منها الشمس بالأعين الرمد وفاته‏:‏ توفي بغرناطة في حدود الثلاثين وخمسماية‏.‏
ومن الطاريين عمر بن خلاف بن سليمان بن سلمة من أهل شابش يكنى أبا علي‏.‏
حاله كان فقيهًا أديبًا مكثرًا شهير المكان بجهته مولعًا بمكاتبة الأدباء وتقييد ما يصدر عنهم مؤرخًا من أهل النباهة والعناية‏.‏
ألف كتابًا سماه نخبة الأعلاق ونزهة الأحداق في الأدباء وحلى من ذكر فما قصر من السداد‏.‏
وله نظم ونثر وخطب وبيعات ومراجعات تضمنها الكثير من كتبه‏.‏
شعره ما قاله يخاطب بعض إخوانه‏:‏ خذها إليك أبا إسحق تذكرة من ذاكر لك في قرب وفي شحط ولا يزال بحفظ العهد معتنيًا ولا يعامل في البحران بالشطط فأنت عندي أولى من أذمة ربحي ومن صفوتي في أرفع النمط قد طال شوقي للإعلام منك بما لديك إذ فيه لي تأنيس مغتبط وقد تيت بنكري في التغافل عن معهود ما كنت توليه لذي الشحط وقد عفا رسم عرفان الإخاء بما أوليت من كثرة الإهمال والغلط جبر أخي وهيه وارجع لصالح ما عودت في الكتب من مستحسن الخطط وجد ببسط انبساط أنت تبذله فإن أقبح شيء قبض منبسط خذ سلامًا كعرف المسك نفحته من ذي ولاءٍ بذاك المجد مغتبط وفي مفاتحة بعض الأدباء‏:‏ أبا جعفر وافتك في صفحة الطرس عقيلة ود لم تشنها يد اللمس لها حلل الإخلاص زيًا وحليها عطر ثنا عرف روض الربى ينبس وموجبها ما قد فشى من محامد حباك بها الرحمن ذو العرش والكرسي وغر علوم حزتها ومعارف غلوت بها فحيي علي البدر والشمس فإن رزقت منك القبول تشرفت وفازت بتحصيل المسرة والأنس إقتضبتها أعلى الله قدرك كما أسنى في سماء المعارف والأدب التالد والطارف بدرك عن إقتضبتها أعلى الله قدرك كما أسنى في سماء المعارف والأدب التالد والطارف بدرك عن ود ملك زمامي وفضل في سبيل المنافسة في خطبة ودادك غاية اهتمامي وقد تقرر لدي من محاسنك وإحسانك بالسماع ما أوجب علي مخاطبتك عند تعذر المشافهة بألسنة اليراع فانقدت بزمام ذلك الواجب وقصدت أداءه على أصح المذاهب راجيًا من تجاوزك وإغضايك ما يليق بباهر علايك وفي جوابك هو الشفاء ولدى خطابك يلقى الاعتناء والاحتفاء والله يطلع منك السار ويصل لك المبار‏.‏
وقال يخاطب السلطان‏:‏ إلى الحضرة العليا يستبق العبد وفي القرب سنها والدنو هو القصد إلى حضرة الولي الإمارية التي تبلح فيها العدل وابتسم السعد وفيها وجود للدين والدنا وقد خصها بالرحمة الصمد الفرد وفاته كان حيًا في سنة خمس وستماية علي بن أحمد بن محمد بن يوسف بن عمر الغساني عبدٌ له أسولة وليستحي أن يسلك أفواههم تسله ولم تحسن عملك فإن أنت خنته أمانة قد حملك ولم تكن تشكر ما من فضله قد خولك وكلما أهملته من حقه ما أهملك إنا كما قالوا سوى أنك أعلى من ملك تلك التي تؤنسني وترتجي بفضلك بشراي إن نال الرضا بها توسلك علي بن محمد علي بن هيضم الرعيني من أهل إشبيلية يكنى أبا الحسن‏.‏
حاله الكاتب البليغ المحدث الراوية‏.‏
قال الأستاذ كان من أهل العلم والمشاركة وغلبت عليه الكتابة السلطانية‏.‏
واعتمدها صناعة‏.‏
وكتب لجلة من ملوك الأندلس والعدوة‏.‏
وكان انفصاله من الأندلس قبل سنة أربعين وستماية‏.‏
قلت وكتب للسلطان المتوكل على الله أبي عبد الله بن هود ثم للسلطان المتوكل الغالب بالله أبي عبد الله بن نصر‏.‏
وسكن بغرناطة مدة مديدة‏.‏
ثم رحل إلى مراكش‏.‏
فكتب عن أمير سبتة وعن ملوك الموحدين بمراكش‏.‏
ونمت حاله ونبهت رتبته واستقل بالإنشاء بعد شيخة أبي زيد الفازازي وكان محدثًا عارفًا بارواية متعدد المشيخة‏.‏
فاضلًا دينًا‏.‏
مشاركًا في كثير من المعارف‏.‏
حسن الخط‏.‏
جيد الكتابة‏.‏
متوسط الشعر‏.‏
قلت هذا الرجل له مشيخة في أصل ابن الخطيب طويلة اختصرتها‏.‏
شعره ونثره من ذلك ما جمعفيه بين النظم والنثر‏:‏ وافى الكتاب وقد تقلد جيده ما أنت تحسن نظمه وتجيده من كل معنى ضمن لفظه في حلى خط يزيل طلى الطروس فريده أبا المطرف دعوة من خالص لعلاك غابت وده وشهيده فانثر أنت بديعه وعماده وانظم أنت حبيبه ووليده إيه أيها السيد الذي جلت سيادته وحلت صميم الفؤاد سعادته ودامت بها ينفع الناس عادته‏.‏
ألقى إلى كتاب كريم خطته تلك اليمنى التي اليمن فيها تخطه‏.‏
ونسقت جواهر بيانه التي راق بها سمطه فلا تسلوا عن ابتهاجي بأعاجيبه وانتهاجي لأساليبه وشدة كلفي بالتماح وسيمه وجدة شغفي باسترواح نسيمه‏.‏
فإنه قدم وأنس النفس راحل واستعاده وروض الفكر ماحل فجاده لا جرم أنه بما حوى من حدق النوى وروى من طرق الهوى وبكى الربيع المحيل وشكى من صابح الرحيل هيج لواعج الأشواق وأثارها وحرك للنفس حوارها فحنت واستوهبت العين مدارها فما ضنت‏.‏
فجاشت لوعة أسكنت وتلاشت سلوة عنت وكف دمع كف وثقل عذلٌ خف واشتد الحنين وامتد الأنين وعلا النحيب وعرا الوجيب والتقى الصب والحين وهدى المحب قدر ما جناه البين وطالما أعمل في احتمال المشاق عزيمه وشد لاجتياب الآفاق حيازيمه‏.‏
وادع مثوى المقام معتزما لا يرى الغرام ملتزما وأزمع الباين عن أحبته أشعل البين في الحشى ضرما وهل جرى ذاك في تصوره فربما أحدث الهوى لمما وعاذلٌ قال لي يعنتني لا تبد فيما فعلته ندما ما حيلة في يدي فأعملها عدلٌ من الله كل ما حكما أما أن القلب لو فهم حقيقة البين قبل وقوعه وعلم قدر ما يشب من الروع في روعه لبالغ في اجتنابه واعتقد المعفى عنه من قبيل المعتنى به‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:25 AM

ولحا الله الأطماع فإنها تستدرج المرء وتغره وتغريه بما يسره‏.‏
ما زالت تقتل في الغارب والذروة وتخيل بالترغيب والثروة حتى أنأت عن الأحباب والحبايب ورمت بالغريب أقصى المغارب‏.‏
فيا لوحشة ألوت بإيناسة وبالغربة أحلت في غير وطنه وناسه ويا عجبًا للأيام وإساءتها وقرب مسرتها من مساتها كأنها لم تتحف بوصال ولم تسعف باتصال ولم تمتع بشباب ولم تفتح لقضاء أوطار النفس كل باب‏.‏
عجبًا للزمان عق وعاقا وعدمنا مسرة ووفاقا أين أيامه وأين ليال كلآل تلألؤًا واتساقا كم نعمنا بظلها فكأنا مرقها للصبا علينا رماقا كم بغرناطة وحمص وصلنا باصطباح من السرور اغتباقا وفي ربى نجد تلك أو نهر هدى والأماني تجري إلينا استباقا في رياض راقت وراق ولكن حين ند الحيا لها فأراقا وثنا للغصون منها قدودًا تتلاقى تصافحًا واعتناقا كلما هب من صباه عليل وتداوى بها العليل أفاقا حكم السعد للأحبة فيه بكؤوس الوصال أن تنساقا ثم كرت للدهر عادة سوء شق فيها خطب النوى حين شاقا شتت الشمل بعد طول اجتماع وسقى الفراق كأسًا دهاقا وأعاد الأوطان قفرًا ولكن قد أعاد القطان فيها الرفاقا ليت شعري والعيش تطوي بالفيافي أشامًا تبوؤا أم عراقا يا حداة القلوب رفقًا بصبٍّ بلغت نفسه السياق اشتياقا فآه من شجوة وآه لبين ألزم النفس لوعة واحتراقا هذه يا سيدي استراحة من فؤاد وقدته الفرقة والقطيعة واستباحته لحمى الوقار بما لم تحظره الشريعة فقديمًا تشوكيت الأحزان وتبوكيت الأوطان وحن المشتاق وكن له من الوجد ما لا يطاق فاستوقف الركب يشكو البلابل واستوكف السحب لسقيا المنازل وفدى الربع وإن زاده كربًا ومن له إن يلم لائمًا له تربا‏.‏
حسبه دموع تفيض مجاريها ونجوم يسامرها ويسايرها‏.‏
واستعبدته صبابة وكذا الهوى في حكم أحراره عبدانه كم رام كتمان المحبة جهده ودموعه يبدو بها كتمانه وإذا المحب طوى حديث غرامه كبى الضلوع وشت به أجفانه وهي طويلة‏.‏
وفاته بمراكش سحر ليلة الأربعاء الرابعة والعشرين من رمضان سنة ستة وستين وستماية‏.‏
ودفن عقب ظهره بجبانة الشيوخ مقاربًا باب السادة أحد أبواب قصر مراكش‏.‏
وكان الحفل في جنازته عظيمًا‏.‏
لم يتخلف كبير أحد‏.‏
علي بن محمد بن علي بن البنا من أهل وادي آش يكنى أبا الحسن‏.‏
حاله من الإكليل الزاهر قال فيه فاضل يروقك وقاره وصقرٌ بعد مطاره‏.‏
قدم من بلده وادي آش يروم اللحاق بكتاب الإنشاء وتوسل بنظم أنيق وأدب في نسب الإجادة عريق تعرف براعته عن لسان ذليق وطبع طليق وذكاء بالأثرة خليق وبينا هو يلحم في ذلك الغرض ويسدي ويعيد ويبدي وقد كادت وسايله أن تنجح وليلة رجايه أن تصبح اغتاله الحمام وخانته الأيام والبقاء لله والدوام‏.‏
شعره من شعره يخاطبني لما تقلدت الكتابة العليا‏:‏ هو العلا جرى باليمن طايره فكان منك على الآمال ناصره ولو جرى بك ممتدًا إلى أمل لأعجز الشمس ما أمت عساكره لقد حباه منيع العز خالقه بفاضل منك لا تحصى مآثره فليزه فخرًا فما خلقٌ يعارضه ولا علًا مدى الدنيا يفاخره لله أوصافك الحسنى لقد عجزت من كل ذي لسن عنها خواطره هيهات ليس عجيبًا عجز ذيل سن عن وصف بحر رمى بالدر زاخره هل أنت إلا الخطيب ابن الخطيب ومن زانت حلى الدين والدنيا مفاخره فإن يقصر عن الأوصاف ذو أدب فما بدا منك في التقصير عاذره مهلًا عليك فما العلياء قافية ولا العلا بسجعٍ أنت ناثره ولا المكارم طرسًا أنت راقمه ولا المناقب طبًا أنت ماهره ماذا على سابق يسري على سنن إن كان من نفعه خل يسايره سر حيث شيت من العليا سيدًا فما أمامك سابقٌ تحاذره أنت الإمام لأهل الفخر إن فخروا أنت الجواد الذي عزت مفاخره ما بعد ما حزته من عزة وعلًا شأو يطارد فيه المجد كابره نادت بك الدولة الشعرى محتدها نداء مستجد أزرًا يوازره حلية لما برد البر مرتديًا وصج يمنك فجر السعد ساجره فالملك يرفل في أبراده مرحًا قد عمت الأرض إشراقًا بشايره فأضاء بها نعمة ما أن يقوم فيها من اللسان ببعض الحق شاكره وليهننا أنه ألقت مقالدها إلى سرى زكت منه عناصره فإنه بدر تم في مطالعها قد طبق الأرض بالأنوار نايره ذل الزمان له طورًا فبلغه من بعض آماله بعض الذي طلبا والآن أركبه من كل نابية صعب الأعنة لا يألو به نصبا فحملته دواعي حبكم وكفى بذاك شافع صدقٍ يبلغ الأربا فهل سرى نسمة من جاهكم فيها خليفة الله فينا يمطر الذهبا وأهدى إلي قباقب خشب برسمي ومعها من جنسها صغار للأولاد من مدينة وادي آش من خشب الجوز وكتب لي معها‏:‏ هاكها ضمرًا مطايا حسانًا نشأت في الرياض قضبًا لدانا وثوت بين روضة وغدير مرضعات من النمير ليانا ثم لما أراد إكرامها الله وسنى لها المنى والأمانا قصدت بابك العلى ابتدارًا ورجت في قبولك الإحسانا قد قبلنا جيادك الدهم لما لما أن بلونا منها العتاق الحسانا أقبلت خلف كل حجر ببيع خلعت وصفها عليه عيانا فقبلنا برعيها وفسحنا في ديار العلى لها ميدانا مثلما تجنب الجيوش المذاكى عدة للقاء مهما كانا لم ترق مقلتي ولا رق قلبي كحلاها براعة وبيانا من يكن مهديًا فمثلك يهدى لم أجد للثنا عليك لسانا وفاته توفي في الرابع لشعبان من عام خمسين وسبعماية معتبطًا في الطاعون لم يبلغ الثلاثين‏.‏
الوارد علي بن محمد بن علي العبدري سكن غرناطة يكنى أبا الحسن ويعرف بالوارد ويشهر أبوه باليربوني‏.‏
حاله بقية مسني أدباء الأندلس في فن الهزل والمعرب والهزل متولى شهرته وله القدح المعلى فيه والطريقة المثلى ظريف المأخذ نبيل الأغراض حافظ للعيون مال بآخرة إلى النسك وصحبة الصالحين‏.‏
ولم يزل بحاله الموصوفة إلى أن استولت عليه الكبرة وظرفه يتألق خلال النسك‏.‏
وجرى ذكره في الإكليل الزاهر بما نصه‏:‏ أديب نار ذكايه كأنه يتوقد وأريبٌ لا يعترض كلامه ولا ينقد‏.‏
أما الهزل فطريقته المثلى التي ركض في ميدانها وجلى وطلع في أفقها وتجلى فاصبح علم أعلامها وعابر أحلامها‏.‏
إن أخذ بها في وصف الكاس وذكر الورد والآس وألم بالربيع وفصله والحبيب ووصله والروض وطيبه والغمام وتقطيبه‏.‏
شق الجيوب طربًا وعل النفوس إربًا وضربًا‏.‏
وأن اشفق لاعتلال العشية في فرش الربيع الموشية ثم تعداها إلى وصف الصبوح وأجهز على الرق المجروح وأشار إلى نغمات الورق يرفلن في الحلل الزرق وقد اشتعلت الليل نار البرق وطلعت بنور الصباح في شرفات الشرق سلب الحليم وقاره وذكر الخليع كأسه وعقاره بلسان يتزاحم على مورده الخيال ويتدفق من حافاته الأدب السيال وبيان يقيم أود المعاني ويشيده صانع اللفظ محكمة المباني ويكسو حلل الإحسان جسوم المثالث والمثاني إلى نادرة لمثلها يشار ومحاضرة يجنى بها الشهد ويسار‏.‏
وقد أثبت من شعره المعرب‏.‏
وإن كان لا يتعاطاه إلا قليلًا ولا يجاوره إلا تعليلًا أبياتًا لا تخلو من مسحة جمال على صفحاتها وهبة طيبٍ ينم في نفحاتها‏.‏
فمن ذلك قوله‏:‏ يذكرني حسن الكواعب روضة لها خطر قيد النواظر مونق خدود من الورد النضير وأعين من النرجس السامي إليها تحدق ومن شعره قوله‏:‏ أسافرة النقاب سحرت لما أمطت الخز عن بدر التمام وتيمت الفؤاد بفنج طرفٍ كحيل ما يفيق من المنام لعمر أبيك ما بالنوم بعدٌ عن الجفن المكحل بالظلام ومن معانيه المخترعة وأغراضه المبتدعة‏.‏
وكلها كذلك‏:‏ مالي إذا غبتم تهمى لفرقتكم عيني بمنهمر كالغيث هتان أشبهت نيلوفرًا والشمس بهجتكم إن غبتم غبت في أمواه أجفان السقم يشهد لي والدمع برح بي متى استوى عندكم سرٌّ وإعلان وقال من المستحسن الذي رمى فاصاب واستمطر طبعه فصاب‏:‏ يقولون لاح الشيب فاله عن الصبا وعن قهوة تصبو لها وتنيب فقلت دعوني نصطحبها سلافة على صبح شيبي فالصبح عجيب وقال كذلك‏:‏ لا تعجبن من اليليد مخولًا ومن اللبيب يعد في الفقراء

ومن قصائده الغربية‏:‏
ومعذرٌ لحظ المشيب بعارضي ** فتصرمت دوني حبال وصاله
هلا ثنتهه نسبة لمحبه ** إن العذار لشيبة لجماله
وقال أيضًا‏:‏
تحر الصدق إن حدثت يومًا ** وإن حدثت لا تنقل حديثًا
وكن للسر صوانًا كتومًا ** وريما كان سرك أو حديثًا
قال مما يكتب في غمد سيف‏:‏
لئن راق مني منظر بان ** حسنه لقد سامني بالمهند باطن
كان أديمي رقعة من حديقة ** تلقفها صلٌّ لدى الروض كامن
وقال مما يكتب على قوس‏:‏
إن كان من وتر الألحان منبعثًا ** سرور قوم مدى الآصال والبكر
فإن حزن العدا ما نال منبعثًا ** مني وحينهم في النقر في وتر
وقال في غير هذا الغرض‏:‏
الخير كل الخير في ستة ** لم تلف إلا في كرام الرجال
ومما نختتم به محاسنه قوله‏:‏
ألا إن باب الله ليس بمغلق ** ولا دونه من مانع لموفق
ولكن بلينا في سلوك طريقه ** بكلبٍ من الشيطان ليس بمطرق
فمن يرم بالدنيا إليه كلقمة ** فذاك الذي من شره ليس يتق
فخل عن الدنيا ودع عنك حبها ** يدعك إلى أوج السعادة ترتق
وقوله‏:‏
أيقنت أن جميع الخلق ليس له ** شيء من الأمر في شيء فيصنعه
فلا أخاف ولا أرجو مدى عمري ** إلا الذي في يديه الخلق أجمعه
مولده بمدينة مالقة في اليوم الثالث والعشرين لذي حجة من عام أحد وثمانين وستماية‏.‏
وفاته في أحواز أحد وستين وسبعماية يكنى أبا الحسن سرقسطي الأصل غرناطي الاستيطان والاستعمال‏.‏
حاله كان وزيرًا جليلًا معظم القدر‏.‏
مبجلًا أثيرًا ذا معارف جمة أحد كتاب الزمن وأهل البلاغة والفصاحة والكرم‏.‏
وزر للأمير أبي الطاهر تميم بن يوسف بن تاشفين صاحب غرناطة فحمدت وزارته وكتب للأمير علي بن يوسف‏.‏
وروى عن شيوخ غرناطة‏.‏
أخباره في الجود والجلالة قال أبو القاسم شكى إليه بعض إخوانه من حادث طرقه وأن النفاق أخرجه من بلده وحال بينه وبين بلده فأنزله أكرم منزل وخرج إلى المسجد الجامع وأشهد على نفسه أنه وهبه الربع من أملاكه وكتب بذلك عقدًا ودفعه إليه وقال يا أخي إن ذلك سيصلح من حالك وحالي لا يتسع لأكثر من هذا فاعذر أخاك‏.‏
وكان الذي وهبه يساوي فوق الألف دنير مرابطية فرحم الله الوزير أبا الحسن‏:‏ فلقد كان نادرة الزمن‏.‏
شعره من ذلك قوله‏:‏ في كل يوم منزل لأحبة كالظل يلبس للقيل ويخلع ومن ذلك قوله‏:‏ تسموا بالمعارف والمعالي فليس المجد بالرحم البوال وإن فاتا فبالبيض المواضي وبالسمر المثقفة العوال وإذا المرء تنهضه هذي فليس بنا هض أخرى الليال ومن أسمته أسباب سواها فرفعتها تؤل إلى سفال ومن المحدثين والفقهاء والطلبة النجباء علي بن إبراهيم بن علي بن إبراهيم الجذامي القاضي المتفنن الحافظ من أهل غرناطة يكنى أبا الحسن‏.‏
حاله من الصلة كان عدلًا فاضلًا جليلًا ضابطًا لما رواة فقيهًا حافظًا حسن التقييد‏.‏
مشيخته روى عن أبي محمد عبد الحق بن بونه والقاضي ابي عبد الله بن زرقون وأبي القاسم بن حبيش وأبي خالد بن رفاعة وأبي محمد بن عبيد الله وأبي زيد السهيلي وابي عبد الله بن الفخار وأبي الوليد بن رشد‏.‏
مولده ضحوة يوم الأضحى من عام خمسة وخمسين وخمسماية‏.‏
وفاته وتوفي قريب الظهر من يوم الأربعاء التاسع عشر لذي حجة من عام اثنين وثلاثين وستماية‏.‏
من روى عنه‏.‏
روى عنه القاضي أبو علي بن أبي الأحوص‏.‏
ابن النفزي علي بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن الضحاك الفزاري من أهل غرناطة يكنى ابا الحسن ويعرف بابن النفزي‏.‏
حاله مشيخته أخذ عن أبي الحسن شريح وعن الإمام أبي الحسن علي بن أحمد بن الباذش وعن أبي القاسم بن ورد وعن القاضي أبي الفضل عياض بن موسى وعن الإمام أبي عبد الله المازري وعن أبي الطاهر السلفي وعن أبي مروان بن مسرة وأبي محمد بن سماك القاضي وعلي بن عبد الرحمن ابن سمحون القاضي والقاضي أبي محمد بن عطية والمشاور أبي القاسم عبد الرحيم بن محمد والقاضي أبي القاسم بن أبي جمرة وجماعة يطول ذكرهم‏.‏
تواليفه وله تواليف في أنواع من العلم منها كتاب نزهة الأصفياء وسلوة الأولياء في فضل الصلاة على خاتم الرسل وصفوة الأنبياء غثنا عشر جزءًا وكتاب زواهر الأنوار وبواهر ذوي البصاير والاستبصار في شمايل النبي المختار سفران كبيران وكتاب منهج السداد في شرح الإرشاد ثلاثون جزءًا وكتاب مدارك الحقائق في أصول الفقه خمسة عشر جزءًا وكتاب تحقيق القصد السني في معرفة الصمد العلي سفر وكتاب نتايج الأفكار في إيضاح ما يتعلق بمسئلة الأقوال من الغوامض والأسرار سفر وكتاب تنبيه المتعلمين على المقدمات والفصول وشرح المهمات منها والأصول سفر وكتاب السباعيات وكتاب تبيين مسالك العلماء في مدارج الأسماء وكتاب رسائل الأبرار‏.‏
وذخائر أهل الحظوة والإيثار في انتخاب الأدعية المستخرجة من الأخبار والآثار سفران اثنان وكتاب الإعلام في استيعاب الرواية عن الأيمة الأعلام سفران‏.‏
وفاته توفي في الكاينة بغرناطة سنة سبع وخمسين وخمسماية‏.‏
خرج منها يريد وادي آش فلم يصل إليها وفقد فلم يوقع له على خبر‏.‏
ابن زكريا علي بن عبد الله بن يحيى بن زكريا الأنصاري يكنى أبا القاسم ويعرف بابن زكريا‏.‏
أوليته‏:‏ قد مر في ذكر أبيه وعمه‏.‏
حاله هذا الرجل فاضل سكون من أهل السذاجة والسلامة والعفاف والصيانة معم مخول في الخير‏.‏
طاهر النشأة‏.‏
جانح للعدالة‏.‏
قعد للعلاج وبرز في صناعة الطب على فتًا من سنه مشيخته قرأ العربية والفقه وغيرهما من المبادىء على مشيخة وقته والطب على الوزير أبي يزيد خالد بن خالد من أهل غرناطة وقعد معه‏.‏
شعره ينتحل من الشعر ما عينه في الشرود أو غير ذلك فراره كقوله‏:‏ صعدت نار فؤادي أدمعي فلذا ما جف قلبي فانفطر لو أباح الله لي وصلك الأنبل صدع القلب مني وانخبر أصل داني منك لحظٌ فاتر وأشد اللحظ ما ما فتر كيف أرجو منه برًا وغدت قهوة الحسن تسقيه درر فانظر قوله الأنبل من شعره‏:‏ ولي همة من دونها كل همة أموت بها عطشان أو يخلص الشرب يعز على الكريم ورود ماء يكدره شوب ويطرقه نهب وإني وأن أضحى لودك موضع من القلب أضحى دون موضعه الخلب غفر الله له على قشب وتجاوز عنه فلقد دفع منه ففضحها‏.‏
وهو بحاله الموصوفة ومن الطارئين والغرباء علي بن أحمد الخشني علي بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن أحمد الخشني من أهل مالقة من قرية يعشيش من عمل ملتماس من شرقيها يكنى أبا الحسن‏.‏
ودخل غرناطة ومدح أمراءها وتردد إليها‏.‏
حاله من عايد الصلة‏:‏ من صدور أهل الدين والفضل والخير والصلاح والنزاهة والاقتصاد والانقباض تحرف بصناعة التوثيق بمالقة جاريًا على شاكلة مثله من الاقتصاد والتبلغ باليسير ومصابرة الحاجة مكبًا على المطعالة والنظر مجانبًا للناس بعيدًا عن الريب مؤثرًا للزهد في الدنيا‏.‏
ولي الخطابة بالمسجد الأعظم من قصبة مالقة في عام وفاته‏.‏
مشيخته قرأ على الأستاذ الصالح الخطيب أبي جعفر بن الزيات والأستاذ المقري رحلة الوقت أبي عبد الله بن الكماد‏.‏
وشعره آخذٌ بطرف من الإجادة في بعض المقاصد فمن ذلك قوله‏:‏ أرى لك في الهوى نظرًا مريبًا كأن عليك عاذلًا أو رقيبًا ولست بخائف في الحب شيئًا على نفسي مخافتي المشيبا يريني كل ما تهواه نفسي قبيحًا ماليًا عيني عنيبا أنا منه ابن قيس لا يراح فذق مر التأسف مستطيبا إذا ما كنت تبكي فقد حبٍّ فما مثل الشباب به حبيبا وقال في مذهب المدح من المطولات‏:‏ الآن تطلب ودها ووصالها من بعد ما شغلت بهجرك بالها وقد استحالت فيك سيما الصبا حالًا يروع مثلها أمثالها وأتيتها متلبسًا بروايع نكرٍ بفودك أصبحت عذالها بيضٌ تخيل للنفوس نصولها سمرًا تخول للنحور نصالها مثل الأفاعي الرقط تنفث في الحشا وأرى بفودك جثمًا أطالها نار تضرم في الفؤاد حريقها لكن تنير بمفرقيك ذبالها جزعت لهذا الشيب نفسي وهي ما زالت تهون كل صعب نالها صادمت من كرب الدنا أشتاتها ما خفت غربتها ولا إقلالها صادمت من كرب الدنا أشتاتها ما خفت غربتها ولا إقلالها ولئن تقلص عسرتي فيىء الغنا عني فلي نفسٌ تمد ظلالها ما مزقت ديباجتي غير امرىءٍ عرضت عليه النفس قط سؤالها ألقى الليالي غير هبٍّ صرفها والأسد غير مجنب أغيالها أمشي الهوينا والعداة تمر بي مرًا يطير عن الجياد نسالها علمت لي الخلق الجميل محققًا وتسيء في على عملي أقوالها تبغي انثناءً وهل سمعت بنسمة مرت على نجدٍ تهز جبالها ولربما عرضت لعيني نظرة يرضى الحكيم غرامها وخبالها من غادةٍ سرق الصباح بهاءها والبدر في ليل التمام كمالها تهوى المجرة أن تكون نجومها من حليها وهلالها خلخالها عرضت كما مرت بعينك مطفل ترعى بناظرك الكحيل غرامها ما نهنهت نفسي وإن ضمنت لها عبراتها يوم الوداع وصالها ومنها في المدح‏:‏ ألبست دين الله حلة أمن أضفت على اسرايه ذلذالها أنتم بني نصر نصرتم ملة الإسلام حين شكت لكم عذالها كنتم لها أهلًا ورحبتم بها في الغربتين ومنتم إنزالها نزلت على سعد ليسعد جدها وأوت إلى نصر لينصر أليها أحرزتم يوم السقيفة عودها دون الأنام وقودها وسكالها لكن حبوتم من أجرتم منة بخلافة الله التي يعنى لها إذ تؤثرون سواكم قالت بذا آي الكتاب فمن يرد مقالها حتى إذا عثرت ولم ينهض بها إلا كم بادرتم إنشالها أويتم خير البرية كلها ومغيثها ونجاتها وثمالها من ألبس الشرف الرفيع وضيعها وكسا معصفرة الحجا جهالها من أم في السبع العلى أملاكها جبريلها في الغرب أو ميكالها من لا يقاس بالرياح إذا سرت نشرًا تقل من السحاب ثقالها معنى وجود الكون علة كونه نفس الحياة منفسًا أهوالها دامت صلاة الله ديمة عارض يهمى عليه ندى الدنا هطالها لما تحققت النبوة أنها قد زلزلت منها الورى زلزالها وتقاعست عن منعها أعمامها أمت أيمة نصرها أحوالها فوثبتم مثل الليوث لنصرها والحرب تجنب خلفها أشبالها وأدرتم منها زبونًا أصبحت ترمي رؤوس الملحدين ثقالها بدرٌ وما بدرٌ وردم قلبها بجنادل الطاغوت تملأ جالها ولكم بأوطاس وقد حمي الوطيس على العدا يوم أطاح بحالها فنزعتم أزواجها وسبيتم أولادها وسلبتم أموالها وذهبتم بالمصطفى لدياركم وحيًا سواكم ساقها وجمالها فزتم به فوز المعلى منحة أحرزتم دون الأنام منالها تحمي الهدى تهمي الندى تولي الجدا وتقي الردى وترى العدا أوجالها قعدت شريعته بيمنك ليس من كدر يشين على العباد زلالها يا سيد السادات يا ملك الملوك وشمسها وصباحها وهلالها يا بدرها يا بحرها أو غيثها أو ليثها أو حسنها وجمالها خذها كما دارت بكأس سلافها حوراء تمزج باللما جريالها تثني على السحر المبين وشاحها وتدير من خمر الفتور جلالها لمياء تبرز للعيون كشاطر والعقل يوجب حكمه إجلالها وقفت وذو إحسانها من هاشم من سبط خير العالمين حيالها يرجو رضاك وطالما أرضيتم آل النبي وكنتم أرسالها كم من يد بيضا لدينا منكم شكرنا له وأولياه فعالها آويتم واسيتم واليتم أحللتمونا داركم وجلالها وهجرتم لوصالنا أعداءنا ووصلتم لصلاتنا أوصالها بالموضع الذي هي به وفضله على سواه وتكلم على حروف اسمها من جهة تناسب أعداد الحروف مما الناظر فيه مخير في نسبه إلى العرفان أو الهذيان‏.‏
وفاته توفي بمالقة في أخريات صفر من عام خمسين وسبعماية‏.‏
علي بن أحمد الغساني علي بن أحمد بن محمد بن يوسف بن مروان بن عمر الغساني من أهل وادي آش وروى وتردد إلى غرناطة يكنى أبا الحسن‏.‏
حاله كان فقيهًا حافظًا يقظًا حسن النظر أديبًا شاعرًا مجيدًا كاتبًا بليغًا فاضلًا‏.‏
مشيخته روى عن أبي إسحق بن عبد الرحيم القيسي وابي الحسن طاهر ابن يوسف وأبي العباس الخروبي‏.‏
وأبي القاسم بن حبيش وأبي محمد عبد المنعم بن الفرس الغرناطي ومحمد بن علي بن مسرة‏.‏
وروى عنه أبو بكر بن عبد النور وأبو جعفر بن الدلال وأبو عبد الله بن أحمد المذحجي وأبو سعيد الطراز وابن يوسف وابن طارق وأبو علي الحسن بن سمعان وأبو القاسم بن الطيلسان‏.‏
تواليفه صنف في شرح الموطأ مصفنًا سماه نهج المسالك للتفقه في مذهب مالك في عشرة مجلدات‏.‏
وشرح صحيح مسلم وسماه اقتباس السراج في شرح مسلم بن الحجاج‏.‏
وشرح تفريع ابن الجلاب وسماه الترصيع في شرح مسائل التفريع‏.‏
وصنف في الآداب منظوماته ورسايله وهي شهيرة شاهدة بتبريزه وتقدمه‏.‏
وله نظم شمايل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة بديعة تشتمل على نظم ونثر بعث بها إلى القبر الشريف‏.‏
وله كتاب الوسيلة إلى إصابة المعنى في أسماء الله الحسنى‏.‏
شعره من شعره في الوسيلة وقد ضمن كل قطعة أو قصيدة إسمًا من أسماء الله تعالى فمنها قوله في اسم الله سبحانه‏:‏
هو الله فادع الله بالله تقترب ** لأقرب قربى من وريدك أو أدنى
ويمله مضطرًا وقف عند بابه ** وقوف عزيز لا يصد ولا يثنى
بباب إله أوسع الخلق رحمة ** فلله ما أولى أبر وما أحنى
وقدم من الإخلاص ثم وسيلة ** تنل رتبة العليا والمقصد الأسنى
أمولاي هل للخلق غيرك مفضل ** يصرح عن ذكراه في اللفظ أو يكنى
ببابك مضطر شكا منك فقره ** لأكرم من أغنى فقيرًا ومن أقنى
وللفضل والمعروف منك عوايد ** لها الحمد ما أدنى قطوفًا وما أهنى
فمنها لك الإنعام دأبًا خوالدًا ** تفانى بها الأيام طرًا ولا يفنى
وفاته توفي شهيدًا في ربيع الآخر سنة تسع وستماية‏.‏
ابن عز الناس علي بن صالح بن أبي الليث الأسعد بن الفرج بن يوسف طرطوشي سكن دانية يكنى أبا الحسن ويعرف بابن عز الناس‏.‏
كان عالمًا بالفقه حافظًا لمسايله متقدمًا في علم الأصول ثاقب الذهن ذكي الفؤاد بارع الاستنباط مسدد النظر متوقد الخاطر فصيح العبارة ذا خط مروض‏.‏
من روى عنه‏:‏ روى عنه أبو بكر أسامة بن سليمن وسليمن بن محمد ابن خلف ويحيى بن عمر بن الفصيح‏.‏
دخوله غرناطة قالوا واستخلصه الأمير أبو زكريا يحيى بن غانية أيام إمارته ببلنسية لمشهور معرفته ونباهته ثم سار معه إلى قرطبة ولازمه إلى أن توفي أبو زكريا بن غانية بغرناطة سنة ثلاث وأربعين‏.‏
فانتقل إلى شرق الأندلس واستقر بدانية‏.‏
تواليفه وله مصنفات منها كتاب العزلة ومنها شرح معاني التحية‏.‏
ولد بطرطوشة سنة ثمان وخمسماية وتوفي بدانية‏.‏
قتل مظلومًا بإذن ابن سعد الأمير في رمضان سنة ست وستين وخمسماية‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:26 AM

علي بن أبي جلا المكناسي حاله كان شيخًا ذكيًا طيب النفس مليح الحديث حافظًا للمسايل الفقهية عارفًا لها قايمًا على كتاب المدونة تفقه بالشيخ أبي يوسف الجزولي وعليه اجتهد في مسايل الكتاب‏.‏
وكان مضطلعًا بمشكلاته‏.‏
حسن المذاكرة مليح المجلس أنيسه كثير الحكايات إلا أنه كان يحكي غرايب شاهدها تملحًا وأنسًا فينمقها عليه الطلبة وربما تعدوا ذلك إلى الافتعال على وجه المزاح والمداعبة حتى لجمعوا من ذلك كثيرًا في جزءٍ سموه بالسلك المحلا في أخبار ابن أبي جلا‏.‏
فمن ذلك ما زعموا أنه حدث بأنه كانت له هرة فدخل البيت يومًا فوجدها قد بلت أحد كفيها وجعلته في الدقيق حتى علق به ونصبته بإزاء كوة فأر في الجدار ورفعت اليد الأخرى لصيده فناداها باسمها فردت رأسها وجعلت أصبعها في فمها على هيئة المشير بالصمت‏.‏
وأشباه ذلك كثير‏.‏
وفاته في حدود ستة وأربعين وسبعماية‏.‏
علي بن سمحون الهلالي يكنى أبا الحسن‏.‏
حاله كان شيخًا جليلًا فقيهًا عارفًا نبيلًا نبيهًا ذا مروءة كاملة وخلق حسن من بيت حسب وعلم ودين‏.‏
قال أبو القاسم الملاحي حدثني صاحبنا الفقيه الخطيب أبو جعفر بن حسان قال كنت أجاوره في بعض أملاكي وكان له ملك يلاصقني أتمنى أن أكتسبه فينتظم لي به ما هو مفترق فوافقته ذات يوم في القرية فسألته المعاوضة به وخيرته في مواضع في أرضي فضحك مني وقال لي أنظر في ذلك إن شاء الله‏.‏
ثم إنه وجه لي بعد ذلك بأيام يسيرة بعقد يتضمن البيع وقبض الثمن مني فخجلت منه وراودته في أخذ الثمن فأبى وقال لي هذا قليل في حقك وكان قد لقي شيوخًا أخذ عنهم وكانت له كتب كثيرة‏.‏
وفاته توفي بالمنكب صبح اليوم السادس من رمضان عام ستة وتسعين وخمسماية‏.‏
ولست أحقق أهو القريب أو سلفه وعلى كلا التقديرين فالفضل حاصل‏.‏
الصغير يكنى أبا الحسن ويعرف بالصغير بضم الصاد وفتح الغين والياء المشددة حاله من المؤتمن‏.‏
كان هذا الرجل قيمًا على التهذيب للبرادعي حفظًا وتفقهًا يشارك في شيءٍ من أصول الفقه يطرز بذلك مجالسه مغربًا به بين أقرانه من المدرسين في ذلك الوقت لخلوهم من تلك الطريقة بالجملة‏.‏
حضرت مجلس إقرايه وكان ربعةً آدم اللون خفيف العارضين يلبس أحسن زي صنعة وأحسن ما فيه ليس بحسن‏.‏
وكان يدرس بجامع الأصدع من داخل مدينة فاس ويحضر عليه نحو مائة نفس ويقعد على كرسي عال ليسمع البعيد والقريب على انخفاض كان في صوته حسن الإقراء وقورًا فيه سكونًا مثبتًا صابرًا على هجوم طلبة البربر وسوء طريقتهم في المناظرة والبحث وكان أحد الأقطاب الذين تدور عليهم الفتوى أيام حياته ترد عليه السؤالات من جميع بلاد المغرب فيحسن التوقيع على ذلك‏.‏
على طريقة من الاختصار وترك فضول القول‏.‏
ولي القضاء بفاس‏.‏
قدمه أبو الربيع سلطان المغرب وأقام أوده وعضده فانطلقت يده على أهل الجاه وأقام الحق على الكبير والصغير وجرى من العدل على صراط مستقيم‏.‏
ونقم عليه اتخاذ شمام يستنشق على الناس الخمر ويحق أن ينتقد ذلك‏.‏
أخذ عن الفقيه راشد بن أبي راشد الوليدي وانتفع به وعليه كان اعتماده‏.‏
وأخذ عن صهره أبي الحسن بن سليم وأبي عمران الجورماني وعن غيرهم‏.‏
وقيدت عنه بفاس على التهذيب وعلى رسالة أبي زيد قيدها عنه تلاميذه وأبرزوها تأليفًا كأبي سالم بن أبي يحيى‏.‏
وفاته وفاته يوم الثلاثاء السادس لرمضان عام تسعة عشر وسبعماية ودخل غرناطة لما وصل رسولًا على عهد مستقضية رحمهما الله‏.‏
علي بن محمد بن علي بن محمد بن يحيى بن عبد الله بن يحيى بن عبد الله بن يحيى الغافقي سبتي ساري الأصل انتقل منها أبوه سنة اثنتين وستين وخمس ماية يكنى أبا الحسن ويشهر أهل بيته في سارة بني يحيى‏.‏
حاله من التكملة‏.‏
كان محدثًا راوية مكثرًا عدلًا ثقة ناقدًا ذاكرًا للتواريخ وأيام الناس وأحوالهم وطبقاتهم قديمًا وحديثًا شديد العناية بالعلم والرغبة فيه جاعلًا الخوض فيه مفيدًا ومستفيدًا وظيفة عمره جماعة للكتب منافسًا فيها مغاليًا في أثمانها وربما أعمل الرحلة في التماسها حتى اقتنى منها بالإبتياع والإنتساخ كل علق نفيس‏.‏
ثم انتقى منها جملة وافرة فحبسها في مدرسته التي أحدثها بقرب باب القصير أحد أبواب بحر سبتة وعين لها من خيار أملاكه وجيد رباعه وقفًا صالحًا‏.‏
سالكًا في ذلك طريقة أهل المشرق وقعد بها بعد إكمالها لتروية الحديث وإسماعه في رجب خمس وثلاثين وستماية وكثر الأخذ بها عنه واستمر على ذلك مدة‏.‏
وكاىن سري الهمة نزيه النفس كريم الطبع سمحًا مؤثرًا معانًا على ما يصدر عنه من المآثر الجليلية ونبل الأغراض السنية بالجدة المتمكنة واليسار الواسع‏.‏
وكان سنيًا منافرًا لأهل البدع محبًا في العلم وطلابه سمحًا لهم بأعلاق كتبه قوي الرجاء في ذلك‏.‏
ومما يؤثر عنه من النزاهة أنه لم يباشر قط دنيرًا ولا درهمًا إنما كان يباشر ذلك وكلاؤه اللايذون به‏.‏
مشيخته روى عن أبوي الحسن أبيه والتجيبي وأبي الحسن بن عطية بن غازي وأبي عبد الله محمد بن عيسى وابن عبد الكريم وابن علي الكتاني وابي إسحق الشقوري وابوي بكر بن الفصيح ويحيى بن محمد بن خلف البوريني وأبي الحسن بن خروف النحوي وابن عبيدس وابن جابر وابن جبير وابن زرقون وابن الصايغ وأبي بكر بن أبي ركب وأبي سليمان بن حوط الله وأبي العباس القوراني وأبي القاسم عبد الرحيم ابن الملجوم وأبي محمد الحجري وأكثر عنه وابن حوط الله وابن محمد بن عيسى التادلي وعبد العزيز بن زيدان ويشكر بن موسى ابن الغزلقي هؤلاء وأخذ عنهم بين سماع وقراءة وأكثرهم أجازه أو كتب إليه مجيزًا‏.‏
ولم يلقه أبو جعفر بن مضاء وأبو الحسن بن القطان ونجبه وأبو عبد الله بن حماد وابن عبد الحق التلمساني وابن الفخار وأبو القاسم السهيلي وابن حبيش وأبو محمد عبد المنعم ابن الفرس‏.‏
واستجاز بآخرة مكثرًا من الاستفادة أبا العباس بن الرومية فأجاز له من إشبيلية‏.‏
من روى عنه‏:‏ روى أبو بكر أحمد بن حميد القرطبي وأبو عبد الله الطنجالي وابن عياش وأبو العباس بن علي الماردي وأبو القاسم عبد الكريم بن عمران وأبو محمد عبد الحق بن حكيم‏.‏
وحدث بالإجازة عنه أبو عبد الله بن إبراهيم البكري العباسي‏.‏
محنته ودخوله غرناطة غربه أمير سبتة اليانشتي الملقب بالواثق بالله‏.‏
غاصًا به لجلالته وأهليته وكونه قد عرضت عليه فأباها فدخل الأندلس في شعبان عام أحد وأربعين وستماية فنزل ألمرية وأقام بها إلى المحرم من سنة ثمان وأربعين وأخذ عنه بها عالم كثير‏.‏
ثم انتقل إلى مالقة في صفر من هذه السنة قال الأستاذ أبو جعفر الزبير وقرأت إذ ذاك عليه وكان يروم من مالقة الرجوع إلى بلده ويحوم عليه فلم يقض له ذلك وأقام بها يؤخذ عنه العلم إلى أن أتته منيته‏.‏
مولده بسبتة يوم الخميس لخمس خلون من رمضان إحدى وسبعين وخمسماية‏.‏
وفاته توفي بمالقة ضحوة يوم الخميس لليلة بقيت من رمضان تسع وأربعين وستماية‏.‏
نفعه الله بشهادة الموت غريقًا‏.‏
ابن قطرال علي بن عبد الله بن محمد بن يوسف بن أحمد الأنصاري فاسي المولد أصله منها قديمًا ومن مراكش حديثًا يكنى أبا الحسن ويعرف بابن قطرال‏.‏
حاله كان ريان من الأدب كاتبًا بليغًا دمث الأخلاق لين الجانب فقيهًا حافظًا عاقدًا للشروط مقدمًا في النظر فيها كتب طويلًا عن قاضي الجماعة بمراكش أبي جعفر بن مضاء ثم عن أبي مشيخته روى عن أبوي بكر بن الجد وابن أبي زمنين وأبي جعفر بن يحيى ولازمه كثيرًا‏.‏
وأبي الحجاج بن الشيخ وأبوي الحسن بن كوثر ونجبه وأبي الحسن يحيى بن الصائغ وأبي خالد بن رفاعة وأبي عبد الله بن حفص وابن حميد وابن زرقون وابن سمادة الشاطبي وابن عروس وابن الفخار وأبي العباس وابن مضاء ويحيى المجريطي وأبي القاسم بن بقي وابن رشد الوراق وابن سمحون وابن غالب وابن جمهور وابن حوط الله وعبد الحق بن بونة وعبد الصمد‏.‏
وروى عنه إبناه أبو عبد الله وأبو محمد وأبو عبد الله بن الأبار وأبو محمد بن برطلة وأبو محمد بن هارون الطائي وأبو يعقوب بن عقاب‏.‏
قال ابن عبد الملك وحدثنا عنه من شيوخنا أبو الحجاج بن حكم وأبو الحسن الرعيني وأبو الطيب صالح بن شريف وأبو القاسم العزفي‏.‏


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:27 AM

محنته وامتحن بالأسر وهو قاض بأبدة حين تغلب العدو الرومي عليها أثر وقيعة العقاب وذهب لأجل ذلك أصول سماعه وافتك بمشاركة الوزير أبي سعيد بن جامع ويسر الله عليه فثاب دخوله غرناطة قال دخل غرناطة وأقام بها وقرأ على أبي محمد عبد المنعم بن الفرس وأبي بكر بن أبي زمنين وأبي عبد الله بن عروس‏.‏
ولد بفاس سنة ثنتين وستين وخمسماية‏.‏
وتوفي عفا الله عنه يوم الإثنين لإحدى عشرة خلت من جمادى الأولى عام أحد وخمسين وستماية بمراكش‏.‏
إنتهى اختصار السفر العاشر بحمد الله تعالى يتلوه ومن السفر الحادي عشر ترجمة الطاريين في ترجمة العمال والأثرا‏.‏
والحمد لله رب العالمين ومن السفر الحادي عشر من ترجمة الطاريين في ترجمة العمال والأثرا عمر بن علي بن غفرون الكلبي من أهل منتفريد‏.‏
حاله كان شيخًا مخوشن الظاهر بدويه سريع الجواب جلدًا على العمل صليبًا وقاحًا‏.‏
له ببلده نباهة وخصل من طلب وخطٍّ وحساب‏.‏
أم ببلده وانتقل إلى الحضرة عند انتزاء ثغره وداخل السلطان في سبيل استرجاعه فنشأت له غمامة رزق ببابه وأقلته هضبة حظوة ناطت به ديوان الجيش مدة أيام السلطان وولي بعده خططًا نبيهة‏.‏
ثم التأثت حاله وأسن ومات تحت خمول‏.‏
وجرى ذكره في الإكليل بما نصه‏:‏ شيخ خدم قام له الدهر فيها على قدم وصاحب تعريض ودهاء عريض وفايزٌ من الدولة بأيادٍ بيض خدم الدولة النصرية ببلده عند انتزاء أهله وكان ممن استتزلهم من حزنه إلى سهله وحكم الأمر الغالبي في يافعه وكهله فاكتسب حظوة أرضته ووسيلة أرهفته وأمضته حتى عظم ماله واتسقت آماله‏.‏
ثم دالت الدول ونكرت أيامه الأول وتقلب من يجانسه وشقي بكل من كان ينافسه فجف عوده والتأثت سعوده وهلك والخمول يطلبه والدهر يقوته من صبابة حرث كان يستغله‏.‏
شعره وله شعر لم يثقفه النظر ولا وضحت منه الغرر‏.‏
كتب للسلطان أميرالمسلمين منفق سوق خدمته ومتغمده بنعمته يطلب منه تجديد بعض عنايته‏:‏ يا ملكًا ساد ملوك الورى في الحال أو في الأعصر الخالية العبد لا يطلب شيئًا سوى تجديد خط يدك العالية ومن شعره يخبر عن وداده ويعلن في جناب الملوك الغالبيين بحسن اعتقاده‏:‏ حب الملوك من آل نصر ديني ألقى به ربي بحسن يقيني حتى أبى الحشر لم أخدم سوى أبوابهم بوسيلة تكفين أرجو نفاد العمر في أيامهم من تحت ستر رعاية ترضين إن كان دهري في نافدى بعدهم فالله عز وجل لا يبقين وسلم في أيام خموله وانغلق على المتغلب على الدولة أبي عبد الله بن المحروق‏.‏
وقد احتقره ببابه وأعرض عن جوابه‏.‏
فكتب إليه ولم يرهب ما لديه‏:‏ يا من سول وغدا في كل يوم مرارا أردد على سلامي ولا تدعه احتقارا وفاته قال شيخنا الكاتب أبو بكر بن شبرين رحمه الله وفي ذي حجة من عام اربعة وأربعين وسبعمائة توفي الفقيه أبو علي بن غفرون من أهل منتفريد من حصون براجلة غرناطة‏.‏
قدم قديمًا بالباب السلطانية في تنفيذ واجب العسكر الأندلسي وإشراف الحضرة وحفازتها‏.‏
وكان ميمون النقيبة وجهًا في الناس فاضلًا رحمه الله‏.‏
من أهل مالقة بربري النسب فزاريه‏.‏
يكنى أبا الحسن ويعرف بابن البربري‏.‏
حاله كان من أماثل طريقته عدلًا وعفافًا وفضلًا لين العريكة دمث الأخلاق حسن الخط جيد الشعر تغلب عليه السلامة والغفلة تصرف في إشراف مالقة وسواها عمره محمود الطريقة حسن السيرة‏.‏
ومدح الملوك والكبراء‏.‏
شعره مما خاطبني به قوله‏:‏ لبابك أم الآملون ويمموا وفي ساحتي رحماك حطوا وخيم ومن راحتي كفيك جدًا تهمي فتروي عطاش من نداك وتنعم وأنت لما راموه كعبة حجهم إذا شاهدوا مرآك لبوا وأحرم يطوفون سبعًا حول بابك عندما يلوح لهم ذاك المقام المعظم فيمناك يمن الرعايا ومنةٌ ويسراك يسرًا للعفاة ومغنم ولقياك بشر للنفوس وجنة تزق بها ورق المنا وترنم ومن وجهه كالبدر يشرق نوره من جوده كالغيث بل هو أكرم ومن ذكره كالمسك فض ختامه وكالشمس نورًا بشره المتوسم لقد حزت خصل السبق غير معاند فأنت على أهل السباق مقدم حويت من العلياء كل كريمة بها الروض يندى والربى تتبسم وباهيت أقلام المقام براعة فلا قلمٌ ألا يراعك يخدم وإذا فاخر الأمجاد يومًا فإنما لمجدك في حال الفخار يسلم وإن سكتوا كنت البليغ لديهم يعبر عن سر العلى ويترجم ومنها‏:‏ فيا صاحبي نجواي عوجًا برامة على ربعه حيث الندى والتكرم وقولًا له ببابك يرتجي قضاء لبانات لديك تتمم وليس له إلا علاك وسيلة ولا شيىء أسمى من علاك وأعظم فجد بالذي يرجوه لمنك فما له كعقدٍ ثمين من ثنايك ينظم بقيت ونجم السعد عندك طالع يضيء له بدرٌ وتشرق أنجم وقال مراجعًا القاضي أبا عبد الله بن غالب رحمه الله‏:‏ فلما أتتني رقعة بلبلية شغلت بها عن منزلٍ وحبيب وقبلتها ألفًا وقلت لها أنعمي صباحًا وممسى بالقبول وطيب فيا حسن خطٍّ جاء من عند بارع ويا سحر لفظٍ من كلام أديب وإن قريضًا لم يحكه ابن غالب لخلو من الآداب غير عجيب وفاته بمالقة في الطاعون عام خمسين وسبعمائة‏.‏
الزهاد والصلحاء والصوفية والفقراء الزهاد والصلحاء والصوفية والفقراء عتيق بن مقدم اللخمي عتيق بن معاذ بن عتيق بن معاذ بن سعيد بن مقدم بن سعيد بن يوسف بن مقدم اللخمي من أهل غرناطة يكنى أبا بكر الشيخ الصوفي حاله هذا الرجل فذ الطريقة في الخصوصية والتخلي وإيثار الانقطاع والعزلة طرفة في الوقار والحشمة‏.‏
نشأ بغرناطة وطلب بها وكتب بألمرية عن بعض ولاة قصبتها وعني بمطالعة أقوال الصوفية فآثر طريقهم وعول عليه وتجرد وترك التسبب والتزم منزله بحيث لا يريمه إلا لصلاة الجمعة في أقرب محالها وإليه نظيف البزة حسن السمت مليح الترتيب والظرف طيب المجالسة طلعة متعة إخباري يصل ماضي الزمان بمستقبله جليس مصلى ومجيل سبحة كثير الزوار ممن يلتمس الخير وينقر عن أهله محظوظ المجلس خفي بالوارد ذاكر مأثرة من مآثر بلده‏.‏
مشيخته ناله امتحان من بعض القضاة ببلده حملًا عليه وإنكارًا لما امتاز به من مثلى الطريقة أداه إلى سجنه ومنع الناس عن لقايه‏.‏
وهو الآن بحاله الموصوفة قد ناهز السبعين تمر الناس تلتمس بركته وتغشى لطلب الدعاء خلوته‏.‏
القرشي علي بن علي بن عتيق بن أحمد بن محمد بن عبد العزيز الهاشمي من أهل غرناطة ويعرف بالقرشي‏.‏
حاله كان رحمه الله على طريقة مثلى حياءً ووقارًا وصمتًا وانقباضًا وتخلقًا وفضلًا عاكفًا على الخير كثير الملازمة لكسر البيت مكبًا على المطالعة مؤثرًا للخلوة كلفًا بطريق الصوفية‏.‏
كتب الشروط لأول أمره فكان صدرًا في الإثبات وعلمًا في العدول إلى لين الجانب ودماثة الخلق وطهارة الثوب وحسن اللقاء ورجوح المذهب وسلامة الصدر‏.‏
قيد الكثير ولقي في تشريقه أعلامًا أخذ عنهم‏.‏
وتقدم خطيبًا وإمامًا بالمسجد الأعظم في غرناطة عام أحد عشر وسبعماية واستمرت حاله إلى حين وفاته على سنن أولياء الله الصالحين‏.‏
قرأ على الأستاذ أبي جعفر بن الزبير ولازمه وتأدب به وتلا عليه بالقراءات السبع وسمع كثيرًا من الحديث وعلى الخطيب الولي أبي الحسن بن فضيلة والشيخ الخطيب أبي عبد الله بن صالح الكناني‏.‏
سمع عليه الكثير‏.‏
قال أنشدني الخطيب أبو محمد بن برطلة‏:‏ أسلمني للبلاء وحيدًا من هو في ملكه وحيد قضا علي الفناء حتمًا فلم يكن عنه لي محيد وكيف يبقى غريق نزى فذاته أولًا صعيد يعيد أحواله إليه من نعته المبدي المعيد وأخذ عن الشيخ الراوية المحدث أبي محمد بن هرون الطايي والشيخ الراوية المعمر أبي محمد الخلاسي والشيخ الشريف تاج الدين أبي الحسن العرامي والشيخ المحدث الإمام شرف الدين أبي محمد عبد المؤمن الدمياطي والشيخ رضي الدين الطبري والمحدث الحافظ فخر الدين التودري الميكالي‏.‏
قال وأنشدني من لفظه بالحرم الشريف لشيخه الإمام أبي الحسن الخزرجي‏:‏ عن أهيل المنحنى لا أصبر فاعذلوني فيهم أو فاعذروا هم أحباب وإن هم عذبوا ومناي وصلوا أم هجروا والشيخ المحدث المفتي بالحرم الشريف رضي الدين محمد بن أبي بكر بن خليل‏.‏
قال وأنشدني أفي كل وادٍ شاعر ومطيب وفي كل ناد منبر وخطيب نعم كثر الأقوام قلة ناقد لهم فتساوى مخطئ ومصيب والشيخ المحدث الإمام أنس الدين بن الإمام قطب الدين القسطلاني والأديب الواعظ نفيس الدين بن إبراهيم اللمطي‏.‏
قال وأنشدني إجازة عن الشيخ الإمام شرف الدين أبي الفضل السلمي المرسي من قصيدة‏:‏ إذا جيت ألقي عند بابك حاجبًا محياه من فرط الجهامة حالك ومن عجيب مغناك جنة قاصد وحاجبها من دون رضوان مالك والشيخ الإمام تقي الدين بن دقيق العيد وأبي العباس بن الظاهري ومحيي الدين بن عبد المنعم ومحمد بن غالب بن سعيد الجياني والخطيب الجليل أبي عبد الله بن رشيد من أهل المغرب‏.‏
وكتب له الشريف أبو علي الحسن بن أبي الشرف والعدل أبو فارس الهواري وأبو القاسم بن الطيب وأبو بكر بن عبيدة وأبو إسحق الغافقي وأبو عبد الله الدراج وأبو الحكم مالك بن المرحل وأبو إسحق التلمساني وغيرهم‏.‏
تواليفه صنف في التصوف كتابًا سماه مطالع أنوار التحقيق والهداية وكتابًا في غرض الشفا العياضي‏.‏
ومن شعره ثبت بظهر الكتاب المسمى بالموارد المستعذبة من تأليف شيخنا أبي بكر بن الحكيم ما نصه‏:‏ كتابك ذا من هوته المفاخر سنا وسنًا راق منه زواهر لقد جاء كالعقد المنظم ناثرًا فرايد قسٍّ عنك في ذا قاصر بلاغته في القوم تشهد عندما تشكك فيه أنه عنك صادر فلله من روض أنيق غصونه بما تتمنا فزاه وزاهر فما شيته تجده فيه فإنه لناظره بحر بها هو زاخر فنهنيكم يابن الألى شاع مجدهم قيادكم مجد بذاتك آخر أتيت بما فيه انبت حياة من حوته على مر الدهور المقابر وأبديت فيه سحر لفظك رائقًا تلذ به الأجفان وهي سواهر ومتعت طرفي فيه لازلت باقيًا ونحا بك ربي يوم تبلى السراير وخصك مني بالسلام مرددًا عليك مدى الدنيا وما طار طاير في حدود سنة سبع وستين وستمايه‏:‏ وفاته في صفر في عام أربعة وأربعين وسبعماية‏.‏
وكانت جنازته بالغة أقصى مبالغ الاحتفال وتزاحم الناس على قبره بما بعد العهد به‏.‏
وممن رثاه شيخنا أبو الحسن بن الجياب فقال‏:‏ قضى الأمر يا نفس اصبري صبر تسليم لحكم القدر وعزاءً يا فؤادي إنه حكم ملك قاهر مقتدر حكمة أحكمت تدبيرها نحن منها في سبيل السفر أجل مقدر ليس بمستقدم ولا مستأخر أحسن الله عزاء كل ذي خشية لربه في عمر في إمامنا التقي الخاشع الطاهر الذات الزكي السبر قرشي سليمن مستقي من صميم الشرف المطهر يشهد الليل أنه دايم الذكر طويل السهر نايمًا وراكعًا وساجدًا لطلوع فجره المنفجر جمع الرحمن شملنا غدًا بحبيب الله خير البشر وتلقته وفود رحمة الله تأتي بالرضا والبشر ابن المحروق علي بن أحمد بن محمد بن عثمن الأشعري من أهل غرناطة يكنى أبا الحسن‏.‏
ويعرف بابن المحروق أوليته قد مر ذلك عند ذكر عمه وجده‏.‏
حاله هذا الرجل شيخ الفقراء السفارة والمتسببة بالرباط المنسوب إلى جده وهو مقيم الرسم حاجٌّ رحال عارف بالبلاد طواف على كثير من مشاهي ما عرف الإصطلاح‏.‏
وزار ترب الصالحين‏.‏
وصحب السفارة حسن الشكل أصيل البيت حافظ للترتيب غيور على الطريقة محظوظ العقد مجانبٌ للإغمار منافر لأهل البدع مكبوحٌ عن غلو الصافنة أنوف مترفع كلف بالتجلة يرى لنفسه الحق ولا يفارق لحظ خطيب متعاط لمواقف الإطالة وسرد الكثير من كلام الخطباء عن غير اختيار يطبق المفصل ويكافي الغرض المقصود على شرود عن قانون الإعراب حسن الحديث طبقة للرسم الدنيوي من هذا الفن كثرة وحسن بزة ونفاذ أمره ونباهة بيته وتعاطيًا لنتايج الحلوة‏.‏
محنته قبض عليه المتغلب على الدولة وأزعجه بعد الشقاف في المطبق إلى مرسي ألمرية إتهامًا بممالأة السلطان فامتعض له من أهل مدينة وادي آش وتبعهم المشيخة على المجاهرة فاستنقذوه وكاشفوا المتغلب إذ كانوا على أرقاع الخلاف عليه وعاجل الأمر تصير الملك لصاحبه فعاد الشيخ إلى حاله فهي معدودة عنه من أثر التصريف‏.‏
مشيخته ومن خطه نقلت‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:28 AM

قال ولدت في اليوم الحادي والعشرين لرجب عام تسعة وسبعماية ولبست الخرقة من يد الشيخ الفقيه الخطيب البليغ الولي الشهير أبي علي عمر بن محمد بن علي الهاشمي القرشي في أوايل ذي قعدة من عام خمسة وثلاثين وسبعماية‏.‏
وحدثني بها رحمه الله عن الشيخ الزاهد أبي محمد الخلاسي عن شرف الأيمة أبي عبد الله بن مسدي عن الشيخ الكبير أبي العباس بن العريف عن أبي بكر عبد الباقي بن برال عن أبي عمرو الطلمنكي عن أبي عمرو بن عون الله وأبي علي الحسن بن محمود الجرجاني عن أبي سعيد بن الأعرابي عن أبي محمد سالم محمد بن عبد الله الخراساني عن الفضل بن عياض عن هشام بن حسان ويونس بن عبيد عن أبي الحسن بن الحسن البصري عن الحسن البصري عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه‏.‏
ثم رحلت إلى المغرب طالبًا في لقاء أهل الطريقة راغبًا فلقيت به من أعلام الرجال جملة يطول ذكرهم ولا يجهل قدرهم‏.‏
ولما توجهت إلى المشرق لقيت به أعلامًا وأشياخًا كرامًا لم طرق سنية وأحوال سنية أودعت ذكرهم هذا طلبًا للاختصار وخوفًا من سآمة الإكثار وكان اعتمادي فيمن لقيت منهم في أيام تجريدي واجتهادي بعد إيابي من قضاء أربي من حج بيت الله الحرام وزيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام على من بهديه أستنير واعتمد عليه فيمن لقيت وصحبت وإليه أشير سيدي الشيخ الكبير الجليل الشهير وحيد عصره وفريد دهره جمال الدين أبو الحجاج الكوراني جنسًا والتميمي قبيلة والكلوري مولدًا والسهروردي خرقةً وطريقة ونسبة وهو الذي لقنني وسلكت على يده وقطعت مفاوز العزلة عنده مع جملة ولده‏.‏
وحدثني رضي الله عنه أنه لقنه الشيخ الفقيه العارف أبو علي الشمشري هو والشيخ الإمام نجم الدين الإصبهاني والشيخ نجم الدين والشيخ بدر الدين الطوسي لقنا الفقيه محسنًا المذكور والشيخ بدر الدين لقنه الشيخ نور الدين عبد الصمد النصيري والشيخ عبد الصمد لقنه الشيخ نجيب الدين بن مرغوش الشيرازي والشيخ نجيب الدين لقنه الشيخ شهاب الدين السهروردي والشيخ شهاب الدين لقنه عمه ضياء الدين أبو الحسن السهروردي والشيخ ضياء الدين فرج الزنجاني‏.‏
والشيخ فرج الزنجاني لقنه أبو العباس النهاوندي والشيخ أبو العباس لقنه أبو عبد الله بن خفيف الشيرازي والشيخ أبو عبد الله لقنه أبو محمد رديم والشيخ أبو محمد لقنه أبو القاسم الجنيد والشيخ أبو القاسم لقنه سري السقطي والشيخ سري لقنه معروف الكرخي والشيخ معروف لقنه داود الطائي والشيخ دواد لقنه حبيب العجمي والشيخ حبيب لقنه الإمام الحسن البصري والشيخ الحسن لقنه الإمام علي بن أبي طالب‏.‏
ولبست الخرقة من يد الشيخ أبي الحجاج المذكور بسند التلقين المذكور إلى أبي القاسم الجنيد رضي الله عنه إلى جعفر الحذا إلى أبي عمر الإصطخري إلى شفيق البلخلي إلى إبراهيم ابن أدهم‏.‏
إلى موسى بن زيد الراعي إلى أبي يس القرني إلى أميري المؤمنين عمر وعلي رضي الله عنهما ومنها إلى سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم وذلك في أوايل عام ثلاثة وأربعين وسبعماية‏.‏
وقد الفت كتابًا جمعت فيه بعض ما صدر من أورادي أيام تجريدي واجتهادي محتويًا على نظم ونثر مفرغًا عن كلام الغير إلا مقطوعة واحدة لبعض المتصوفة فإني سقتها على جهة لكونها غاية في الاحتفال وهي‏:‏ قل لمن طاف بكاسات الرضا وسقى العشاق مما قد نهل وسميت الكتاب بنكت الناجي وإشارات الراجي‏.‏
ولعل ذلك يكون اسمًا وافق مسماه ولفظًا طابق معناه وإلى ما ذكرت من النكت أشرت بما نظمت فقلت‏:‏ في كل واحدة منهن أسرار لا تنقضي ولها في اللفظ أسرار إن رمت حصر معانيها بما سمعت أذناك ليس لها بالسمع إخصار فاصحب خبيرًا بما يرضى الحجاب ستارها وكذلك الحر ستار ولعله يكون إن شاء الله كما ذكرته وأعرف بما أنشدته‏.‏
ولي جملة قصائد وأزجال منظومة على البديهة والارتجال نطق بها لسان المقال معربًا عما وجدته في الحال قصدت بها الدخول مع ذلك الفريق وأودتها غوامض أسرار التحقيق‏.‏
فمن بعض نكت الكتاب ما يعجب منه ذوو الألباب نكتة سر الفقير يشير إليه بجميع الكائنات فلا حديث معجم ولا موجود مبهم فهو إذا يتكلم دون حده وبلسان وجده والفقيه يتكلم فوق قدره وبلسان غيره وهذا ما حضرتي في الوقت مع مزاحمة الشواغل فتصفحوا واصفحوا وتلمحوا واسمحوا‏.‏
ولكم الفضل في قبول هذه العجالة واليسير من هذه المقالة‏.‏
انتهى‏.‏
ومن الطاريين علي بن عبد الله النميري الششتري عروس الفقراء وأمير المتجردين وبركة الأندلس لابس العباءة الخرقة أبو الحسن‏.‏
من أهل ششتر قرية من عمل وادي آش معروفة‏.‏
وزقاق الششتري معروف بها‏.‏
وكان مجودًا للقرآن قايمًا عليه عارفًا بمعانيه من أهل العلم والعمل‏.‏
حاله قال شيخنا أبو عثمن بن ليون في صدور تهذيبه لرسالته العلمية الإمام الصوفي المتجرد‏.‏
جال البلاد والآفاق‏.‏
ولقي المشايخ وسكن الربط وحج حجات وآثر التجرد والعبادة‏.‏
وذكره القاضي أبو العباس الغبريني قاضي بجاية في كتابه المسمى عنوان الدراية فيمن عرف في المائة السابعة بمدينة بجاية وقال الفقيه الصوفي الصالح العابد أبو الحسن الششتري من الطلبة المحصلين والفقراء المنقطعين له علم وعمل بالحكمة ومعرفة بطريق الصوفية وله تقدم في النظم والنثر على طريقة التحقيق‏.‏
وأشعاره في ذلك وتواشيحه ومقفياته وأزجاله غاية في الانطباع‏.‏
وكان كثيرًا ما يجود عليه القرآن‏.‏
ونظمه في التحقيق كثير‏.‏
مشيخته أخذ عن القاضي محيي الدين أبي القاسم محمد بن إبراهيم بن الحسين ابن سراقة الأنصاري الشاطبي وعن غيره من أصحاب السهروردي صاحب العوارف والمعارف‏.‏
واجتمع بالنجم بن إسرايل الدمشقي الفقير سنة خمس وستماية‏.‏
قال ألفيته على قدم التجرد وله أشعار وأذواق في طريق القوم وكان من الأمراء وأولاد الأمراء فصار من الفقراء وأولاد الفقراء وخدم أبا محمد بن سبعين وتلمذ له‏.‏
وكان الشيخ أبو محمد دونه في السن لكن استمر باتباعه وعول على ما لديه حتى صار يعبر عن نفسه في منظوماته وغيرها بعبد الحق بن سبعين وبه استدل أصحاب أبي محمد على فضله‏.‏
ويقال إنه لما لقيه يريد المشايخ إن كنت تريد الجنة فصر إلى الشيخ أبي مدين وإن كنت تريد رب الجنة فهلم‏.‏
ولما مات الشيخ أبو محمد انفرد بعده بالرياسة والإمامة على الفقراء والمتجردين والسفارة وكان يتبعه في أسفاره ما ينيف على أربع ماية فقير فيقسمهم الترتيب في وظايف خدمته‏.‏
قالوا نادى يومًا وهو مع أصحابه في برية يا أحمد فقال أحدهم ومن هذا فقال تسرون به غدًا‏.‏
فلما وردوا من الغد قابس وجدوا أحمد قد جاء من الأسر فقال صافحوا أخاكم المنادى بالأمس‏.‏
قالوا ودخل عليه ببجاية أبو الحسن بن علال من أمنايها وهو يذكر في العلم فأعجبته طريقته فنوى أن يؤثر الفقراء من ماله بعشرين دنيرًا‏.‏
ثم ساق شطرها وحبس الباقي ليزودهم به فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ومعه أبو بكر وعمر فقال ادع لي يا رسول الله فقال لأبي بكر أعطه فأعطاه نصف رغيف كان بيده فقال له الشيخ في الغد لو أتيت بالكل لأخذت الرغيف كله‏.‏
تواليفه له كتاب العروة الوثقى في بيان السنن وإحصاء العلوم‏.‏
وما يجب على المسلم أن يعمله ويعتقده إلى وفاته‏.‏
وله المقاليد الوجودية في أسرار إشارات الصوفية‏.‏
وله الرسالة القدسية في توحيد العامة والخاصة‏.‏
والمراتب الإيمانية والإسلامية والإحسانية‏.‏
والرسالة العلمية وغير ذلك‏.‏
دخوله غرناطة شعره من ذلك قوله‏:‏
لقد تهت عجبًا بالتجرد والفقر ** فلم أندرج تحت الزمان ولا الدهر
وجاءت لقلبي نفحةٌ قدسية ** فغبت بها عن عالم الخلق والأمر
طويت بساط الطون والطي نشره ** وما القصد إلا الترك للطي والنشر
وغمضت عين القلب عن غير مطلق ** فألفيتني ذاك الملقب بالغير
وصلت لمن لم تنفصل عنه لحظة ** ونزهت من أعني من الوصل والهجر
وما الوصف إلا دونه غير أنني ** أريد به التشبيه عن بعض ما أدر
وذلك مثل الصوت أيقظ نايمًا ** فأبصر أمراجل عن ضابط الحصر
نقلت له الأسماء تبغي بيانه ** فكانت له الألفاظ سترًا على ستر
ومن شعره أيضًا قوله‏:‏ في الغرض المذكور‏:‏
من لامني لو أنه قد أبصرا ** ما ذقته أضحى به متحيرا
وغدا يقول لصحبه إن أنتم ** أنكرتم ما بي أتيتم منكرا
ومن شعره القصيدة الشهيرة ولها حكاية‏:‏ أرى طالبًا منا الزيادة لا الحسنى بفكر رمى سهمًا فعدى به عدنا وطالبنا مطلوبنا من وجودنا يغيب به لدى الصعق إن عنا تركنا حظوظًا من حضيض لحواطتنا إلى المقصد الأقصى إلى المقصد الأسنا ولم نلف كون الكون إلا توهمًا وليس بشيءٍ ثابت هكذا ألفينا فرفض السوا فرض علينا لأننا أناس بمحو الشرك والشرك قد دنا ولكن كيف السبيل لرفضه ورافضه المرفوض نحن وما كنا فيا قابلًا بالوصل والوقفة التي حجبت بها اسمع وارعوي مثل ما أبنا تبدت لك الأوهام لما تداخلت عليك ونور العقل أورثك الشجنا وسمت بأنوار فهمنا أصولها ومنبعها من أين كان فما سمنا وقد تحجب الأنوار للعقل مثل ما تبعد من إظلام نفس حوت ظعنا وأتى دجال في القضية يدعي وأكمل من في الناس لمن صدع الأمنا ولا تلتفت في السير وكل ما سوى الله غيرٌ فاتخذ ذكره حصنا ومهما ترى كل المراتب تجتلي عليك فحل عنها فعن مثلها حلنا وقل ليس لي في غير ذلك مطلب فلا صورة تجلى ولا طرفة تجنا وسر نحو أعلام اليمين فإنها سبيلٌ بها يمنٌ فلا تترك اليمنا أمامك هول فاستمع لوصيتي عقال من العقل الذي منه قد تبنا أيام الورى بالمشكلات وقبلهم بأوهامه قد أهلك الخر والبنا محجتنا قطع الحجا وهو حجنا وحجتنا شلوه ها بها همنا ثبتنا عند الصعود لأنه يود لأنا للصعيد قد أخلدنا تلوح لنا الأطواق منه ثلاثة كرآ هربن ورؤية ما قلنا ويظهر باسمه للسر والنفس مدبرًا وعقلًا وخيرًا مقبلًا عندما يدنا ولوح إذا لاحت سطور كتابنا له فيه وهو النون فالقلم الأدنا وعرش وكرسي وبرج وكوكب وحشىً لجسم الكل في وصفه حزنا وفتق للأملاك جوهره الذي يشكله سر الحروف فحرفنا يفرق مجموع القضية ظاهرًا ويجمع فرقًا من تداخله فزنا وعدد شيئًا لم يكن غير واحد بألفاظ أسمايها شتت المعنا ويعرج والمعراج منه ذواته لتطويره العلوي بالوسم أسرينا فليفل سفليًا ويوهم أنه لسفليه المجهول بالذات أسبطنا يقدر خصلًا بعد وصل لذاته وفرض مسافات يجد لها الذهنا يحل لها طور المغبة شكله وإن لمعت فيه فيلحقه المفنا ويلحقه بالشرط من مثنوية يلوح بها وهو الملوح والمبنا فنحن كدود القز يحصرنا الذي صنعنا بدفع الحصر سجنًا لنا منا فكم واقفٍ أردى وكم ساير هذا وكم حكمة أبدى وكم مملق أغنا وتيم أرباب الهرامس كلهم وحسبك من سقراط أسكنه الدنا وجرد أمثال العوالم كلها وأبدى لأفلاطون في المثل الحسنا وذوق للحلاج طعم اتحاده فقال لنا من لا يحبط به معنا فقال له ارجع عن مقالك قال لا شربت مدامًا كل من ذاقها غنا وانطق للشبلي بالوحدة التي أشار بها لما محا عنده الكونا أقام لذات الصغرى لنا حولها يخاطب بالتوحيد إذ رده خدنا وكان خطا بابين ذاتين من يكن فقيرًا يرى البحر فيه قد عمنا فاصمت للحسنى تجريد خلقه مع الأمر إذا صحت فصاحته لكنا تثنى قضيب البان من سكر خمره وكان كمثل العمر لكنه ثنا وقد شذ بالشوذى عن ثوبه فلم يمل نحو أحوازٍ ولا سكن الدنا وأصبح فيه السهر وردي حايرًا يصيخ لما يلقى الوجود له أذنا بعمر بن الفارض الناظم الذي تجرد للأسفار إذ سهل الحزنا ولابن قسي خلع نعلي وجوبٍ وليس أخًا طلب من المجد قد تبنا أقام على ساق المسرة نحله لمن زمن الأسرار فاستمطر المزنا كسا لشعيب توب جمعٍ لذاته فجر على حساده الذيل والودنا وعنه طوق الطابي بسبط كنانه بدسكرة الخلاع إذا ذب الوهنا تسمى برفع الروح صبرًا ولم يبل ما يهز ندًا في المقام ولا قرنا وباح به نجل الحر إلى عندما رأى كتمه ضعفًا وتلويحه غينا وللأموي النظم والنثر في الذي ذكرنا وإعرابٌ كما عنه أعربنا وأظهر منه الغافقي لما خفا وكشف عن أطواره الغيم والدجنا وبين أسرار العبودية التي عن إعرابها لم ترفع اللبس واللحنا كشفنا غطاءً من تداخل سرها فأصبح ظهرًا ما رأيتم له بطنا هوانا الدين الحق من قد تولهت لقربه ألبابنا وله هدنا فمن كان يبغي السير للجانب الذي تقدس لازبًا خذه عنا وهذه القصيدة غريبة المنزع وإن لم تخل عن شذوذ من جهة اللسان وضعفٍ في الصناعة أشار فيها إلى مراتب الأعلام من أهل هذه الطريقة‏.‏
وكأنها مبنية على كلام شيخه الذي خاطبه به عند لقايه حسبما قدمنا إذ الحسنى الجنة والزيادة مقام النظر فقوله أرى طالبًا منا نثره وكلامه حسن ومقاصده غريبة رضي الله عنه ونفع به‏.‏

كتب إليه الشيخ الصوفي أبو علي بن تادررت لما سافر ولم يودعه وكان قد قال له أغيب عنكم أيامًا قلائل وأعود إن شاء الله فأبطأ عنه‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم الله وحده فقط ليس إلا وصلواته على ملإه المقرب الأعلى وعلى سيدهم الخاتم محمد وآله الهداة وسلامه الحق يخص العليم بسره في عالم الفرق ورحمته وبركاته من أخيه حقيقة في العوالم الأول لا في عالم العلم الحق من حيث هو موضوعه بحسب الإضاية بمنزله من مدينة بنى مدار عمرها الله وأرشدهم وليس إلا أنى نعتبكم عرفًا وعادةً لسفركم دون موادعة بخلاف سيرتكم الأولى من المشرق الأقصى إلى المغرب الأقصى وأما بكون حقيقة الأمر الموحد فلا عتب بل نقرأ على الماهية سورة الإخلاص التي توحيدها المحض أحاط وأحصى‏.‏
ثم وعدتم أنكم ولابد لا تطول إقامتكم ببجاية كلأها الله إلا ليال قليلة العدد تأخذون فيها كتبكم وتنفصلون قافلين في أسرع أمد‏.‏
ثم ظهر غير ذلك من الإقامة إلى هذه المهلة التي نبا كما عندنا الزمان‏.‏
وقد ورد من أناس بالتواتر أنكم ولابد تصومون هنالك رمضان المعظم على الأمان فقلنا لحظ البشرية الحيوانية‏.‏
وعلمنا أن الأمر ليس سرًا لأجل القضايا الحكمية الطلبية والمقادير العلمية السرية‏.‏
ولا تتحرك ذرة إلا بإذنه ولا يسل عما يفعل وهم يسئلون في دهره وزمنه يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب‏.‏
ولكنا أيضًا نقرأ والله لا يخلف الميعاد‏.‏
وقد يكون غير الوفاء بالعهد في الخلف لمصالح فيها وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون‏.‏
يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا والله يفعل ما يشاء‏.‏
ولا تكن معترضًا‏.‏
فلا تلوم إلا بحسب فرقنا الأول‏.‏
وأما من حيث الكمالات الثواني والأول فلا لوم ولا عتب لرفع المثنوية وإحالة الكثرة والإضافة حتى ليس إلا الوحدة العلمية المعنوية العلية‏.‏
وبالجملة الله معكم‏.‏
ولن يتركم أعمالكم فإن ما يرفع العمد والعماد‏.‏
قال الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون وهو معكم أينما كنتم والله عليم بما تصنعون‏.‏
والرغبة إلى ذاتكم الكاملة الوجودية ذات الكمالات العلمية القدسية أن تعجلوا لي إذ وأنتم مقيمون هنالك‏.‏
وأين يجد في عليين غرفة وإن شغلتم عن نسخها والحق لا يشغله شأن عن شأن فوجهوا إلي بها بعض الفقراء والإخوان وأنا أقسم عليك في ذلك يا أخي وسيدي فقط الذي يشغله أبدًا سرمدًا الله فقط وأن تعجل لي بذلك وتحيي مواتي وتجمع أشتاتي مع كلام تعتنوا لي به من كلامكم تخصوني به في كراس مبارك علمني الله العليم الحكيم منكم سر علمه العظيم وحكمته المحيطة وكفانا سر هذه العوالم الأرضية المركبة الحطيطة ونقلنا من البسيطة لغة إلى العوالم الريسة النفيسة البسيطة ويرقينا به عنها إلى أن نتصل الحظ المنفصل للتدبير بنقطته الأولى وإن كان في الحقيقة ما انفصل ويدخلها حضرة علمنا المحيط الوجودي الذي ليس وراءها محيط إليه يرقي ويتصل‏.‏
والسلام الحق محض مظهره ومجلاه ومرآته ورحمة الله وبركاته‏.‏
فراجعه الشيخ أبو الحسن الششتري المترجم به رضي الله عنه بما نصه‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على النبي محمد المرسل بالحق لإدحاض الشك وإيضاح الغلط الموصل إلى أقرب السبيل للحضرة الآلهية ومن شطط المختص بجوامع الكلم المبكت لكل من موه وسفسط المبعوث بكلمة الإخلاص التي حاصلها اللها فقط ورضي الله عن مظهر الوراثة المحمدية في كل زمان المترجم عن كنز الوجود الذي طلسمه الإنسان وسلام الله ورحمته على المستمع بأذن أنيته لذلك الترجمان المتجوهر بمقام الإسلام والإيمان والإحسان القاري على أخباره المنبعثة في أرض فرقة كل من عليها فان بالمعنى الفقير الباطن للسيار الظاهر المشير الحايم على سلب الإسمين الداير على دايرة قاب قوسين‏.‏
المشهور في العالم الأول بأبي علي الحسين من خبر ماسية الوارث الطالب لذاته بها للوصل له‏.‏
وهو به عنه باحث المنظور في ذات كمالاته المنعوث بالوافي لا بالناكث المعتصم بحبل التحقيق القايل بالحق عبده على الششري ابن إفادتكم عبد الحق بن سبعين أما قبل من حيث الأصل ومع من حيث الوصل وبعد من حيث الفصل فإني أقسم بالبدر إذا أدبر والصبح إذا أسفر أن النصاب واقع من حيث الصور لا من حبة حقيقة المظهر‏.‏
فأين هنا أنت أو أنا أو قبل أو بعد أو هند أو دعد أو خلف أو وعد ولابد من المراح في ميدان الخطاب وبيان المتشابه عليكم المودع عليكم في هذا التاب‏.‏
فأول عايق عنكم مرض أحد الأصحاب ولا انفكاك عند وجود هذه القضية عند كل طايفة سنية فما ظنك بالسبعينية هذا مع وجود وعد مبين وزمان معين‏.‏
ونحن لم نعين للموضوع وقتًا ولو عينا لكبر عند الله مقتًا‏.‏
وإنما قلنا أيام قلايل ويدخل في ذلك الجمعة والشهر والعام القابل‏.‏
بل برزخ العالم وإنايه عند النحرير العاقل‏.‏
ثم لو عينا يومًا أو يومين أو جمعتين ولم يكن فقلب المؤمن بين إصبعين‏.‏
أما علمت أن الوعد المزعوم المراد منه الذي تتضمنه صعقه العمود بالبعد أو بالتواني أو بالحواس أو بالمعاني‏.‏ والمسكر هو الجريال لا الأواني‏.‏
وأما قضية الوداع فقد ارتفع بين الفقراء فيها النزاع ووقع من الصوفية في ذلك الإجماع أن الاجتماع من غير ميعاد والافتراق عن غير مشورة وقول أنه من حيث المذهب لازم بالضرورة فإن المودع لا يخلق أن يكون من ترية الفرس والسبع أو في مقام الفردانية والجمع أو في البرزخ الذي بين المقامين المعبر عنه عند الصوفية بالفناء‏.‏
فإن كان في الوترية فلا أنت ولا أنا ولا مودع وقلة العتب لهذا أليق وأطبع‏.‏
وإن كان في برزخ الفنا فمن المودع هنا وإن كان في الفرق هنا‏.‏
وإن كان في الفرق فترك المودع أقرب إلى الحق لألم التفرقة الموجود المحسوس المعترض عند ذلك للنفوس‏.‏
واعلم أن الانفصال كان بالطريق عند من يرى بالانفصال والاتصال ولا نقلة عند ذوي الاتصال‏.‏
وأما نكرة عرفة فهي عند الشيخ أبي عبد الله التوزري لا عندي ولو كانت ما ضننت بها بحمد الله لا بحمدي‏.‏
والسلام على موضوعك ومحمولك وسلوكك ووصولك وجمعك وفرقك وعبوديتك وحقك بل على جملته الصالحة ورحمة الله وبركاته‏.‏
وفاته قالوا إنه لما وصل بالشام إلى ساحل دمياط وهو مريض مرضه الذي توفي منه نزل قرية هناك على ساحل البحر الرومي يصاد فيها السمك وقال ما اسم هذه القرية فقيل الطينة فقال حنت الطينة إلى الطينة ووصى أن يدفن بمقبرة دمياط إذ الطينة بالمفازة بالساحل ودمياط أقرب المدن إليها فحمله الفقراء على أعناقهم فتوفي بها يوم الثلاثاء سابع عشر صفر عام ثمانية وستماية ودفن بمقبرة دمياط‏.‏
وفي ساير الأسماء من حرف العين الأعيان والوزراء والأماثل والكبراء عامر بن محمد بن علي الهنتاتي رييس متبوإ قبيلةٍ من جبل درن ومزوار المصامدة والمطلقة يده على جباية الوطن المراكشي يكنى أبا ثابت‏.‏
حاله هذا الرجل حسن الشكل حصيف العقل ثابت الجأش معروف الأمانة والصدق عفيف الفرج مؤثر للجد ماضي الحذر بأهل الحكم نزيه اليد مشهور بالرجاحة عين من عيون الحدود الغربية وبقيةٌ من بقايا الجلة العلمية مسدد اللسان للإبانة عن الأغراض مختصر البزة والحلية متوسط الجود مؤثر للخصوصية بعيد النظر سديد الرأي‏.‏
قدمت عليه بمحله من الجيل زايرًا متوفى السلطان أبي الحسن مستجيرًا حماهم فبلوت من بره وبر الرييس الندي عبد العزيز أخيه ما تقصر عنه همم الملوك وتقف دونه آمال الأشراف تلقيًا واحتفالًا وفرشًا وآنية وطعامًا وصلة وانتخابًا واحتشامًا وألطافًا حسبما يتضمن وأنشدتهم عند رحيلي وقد رأيت إلى ما يبقي الذكر ويخلد الآثار شيم السادة وديدن الروساء‏:‏ يا حسنها من أربع وديار أضحت لباغي الأمن دار قرار وجبال عز لا تذل أنوفها إلا لعز الواحد القهار ومقر توحيد وأس خلافة آثارها تنبي عن الأخبار ما كنت أحسب أن أنهار الندى تجري بها في جملة الأنهار ما كنت أحسب أن أنوار الحجا تلتاح في قنن وفي أحجار مجت جوانبها البرود وإن تكن شبت بها الأعداء جذوة نار مجت جوانبها البرود وإن تكن شبت بها الأعداء جذوة نار هدت بناها في سبيل وفائها فكأنها صرعى بغير عقار لما توعدها على المجد العدا رضيت بعيث النار لا بالعار عمرت بحلة عامر وأعزها عبد العزيز بمرهف بتار فرسا رهان أحرزا قصب الندى والبأس في طلق وفي مضمار ورثا عن الندب الكريم أبيهما محض الوفاء ورفعة المقدار وكذا الفروع تطول وهي شبيهة بالأصل في ورق وفي أثمار لله أي قبيلة تركت لها النظراء دعوى الفخر يوم فخار لله أي قبيلة تركت لها النظراء دعوى الفخر يوم فخار نصرت أمير المسلمين وملكه قد أسلمته عزايم الأنصار وآوت عليًا عندما ذهب الردى والروع بالأسماع والأبصار وتخاذل الجيش اللهام وأصبح الأبطال بين تقاعدٍ وفرار كفرت صنائعه فيمم دارها مستظهرًا منها بعز جوار وأقام بين ظهورها لا يتقي وقع الردى وقد ارتمى بشرار فكأنها الأنصار لما آنست فيما تقدم غربة المختار لما غدا لحظًا وهم أجفانه نابت شفارهم عن الأشفار حتى دعاه الله بين بيوتهم فأجاب ممتثلًا لأمر البار لو كان يمنع من قضاء الله ما خلصت إليه نوافذ الأقدار قد كان يأمل أن يكافىء بعض ما أولوه لولا قاطع الأعمار ما كان يقنعه لو امتد المدا إلا القيام بحقها من دار ويسوغ الأمل القصي كرامها من غير ما ثنيا ولا استعصار ما كان يرضي الشمس أو بدر الدجا عن درهم فيه ولا دينار أو أن يتوج أو يقلد هامها ونحورها بأهلةٍ ودراري حق على المولى ابنه إيثار ما بذلوه من نصرٍ ومن إيثار فلمثلها ذخر الجزاء ومثله من لا يضيع صنائع الأحرار وهو الذي يقضي الديون وبره يرضيه في علن وفي إسرار حتى تحج محلة رفعوا بها علم الوفاء لأعين النظار فيصير منها البيت بيتًا ثانيًا للطائفين إليه أي بدار تغني قلوب القوم عن هدى به ودموعهم تكفي لرمي جمار حييت من دارٍ تكفل سعيها المحمود بالزلفى وعقبى الدار وضفت عليك من الإله عناية باكر ليل فيك إثر نهار دخوله غرناطة السلطان أبو الحسن لما رحل عن إفريقية حفظ حرمه وأسبابه في مراكب كان استقرارها بسواحل الأندلس وحضر مجلس السلطان فراق الحاضرين مدقاه وضم لسانه لأطراف الحديث وحسن تبويبه للأغراض‏.‏
ولهذا الرجل في وطن المغرب ذكر بعيد وقد أمسك الأمر مرات على من استقر لديه من ولد السلطان ورتب له الألقاب والتشريخ يغازله بذلك الوطن‏.‏
وتنوعت الحال بهذا الرجل من بعد وفاة السلطان أبي سالم ملك المغرب وانحاز إليه ولده فقام بدعوته ورتب له الألقاب بوطن مراكش ونظر لنفسه أثناء ذلك فحصن الجبل واتخذ به القلعة وأكثر الطعمة والعدة فلما حاقت بأميره الدبرة لجأ إلى ما أعده وهو الآن يزجي الوقت مهادنةً تشف عن انتزاء والله يهيىء له الخلاص من الورطة ويتيح له إلى حزب السلامة الفيئة‏.‏
ومن الطاريين في القضاة والغرباء عاشر بن محمد بن عاشر بن خلف بن رجا بن حكم الأنصاري بياسي الأصل حاله كان رحمه الله عيها حافظًا للمسايل مفتيًا بالرأي معروفًا بالفهم والإتقان بصيرًا بالفتوى شوور ببلده وببلنسية واستقضاه أبو محمد ابن سمحون على باغة أيام قضاية بغرناطة‏.‏
إذ كان يكتب عنه ويلازمه ثم استقضي بمرسية أعادها الله‏.‏
وكان حافظ وقته لم يعاصره مثله‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:30 AM

مشيخته روى عن أبيه وتلا بالسبع على ابن ذروة المرادي ولقي أبا القاسم ابن النحاس وأخذ الحديث عن أبي بحر الأسدي وأبي بكر بن العربي وأبي جعفر بن جحدر وأبي الحسن بن واجب وغيرهم‏.‏
مولده وفاته توفي بشاطبة تسع وستين وخمسماية‏.‏
تواليفه شرح المدونة مسئلة مسئلة بكتاب كبير سماه الجامع البسيط وبغية الطالب النشيط حشد فيه أقوال الفقهاء ورجح بعضها واحتج له‏.‏
قالوا‏:‏ وتوفي قبل إكماله‏.‏
عياض بن محمد اليحصبي عياض بن محمد بن محمد بن عياض بن موسى اليحصبي من أهل سبتة حفيد القاضي العالم أبي الفضل يكنى أبا الفضل‏.‏
حاله من الصلة‏:‏ كان من جلة الطلبة وذوي المشاركة في فنون من العلوم العقلية وغيرها فصيحًا شاعرًا لسنًا مفوهًا مقدامًا موصوفًا بجزالة وحدة امتحن بسببها‏.‏
وكان مع ذلك كثير التواضع فاضل الأخلاق سريًا مشاركًا معظمًا عند الملوك مشارًا إليه جليل القدر‏.‏
حضر الأندلس أيام قضاء أبيه بغرناطة وغير ذلك الوقت وجال فيها وأخذ بقرطبة وإشبيلية مشيخته روى عن أبيه أبي عبد الله وعن أبي محمد بن عبد الله وأبي بكر ابن الحداد القاضي بسبتة وأبي القاسم بن بشكوال وابن حبيش وابن حميد وأبي بكر بن بيبش الشلطيشي وغيرهم‏.‏
من روى عنه‏:‏ قال الأستاذ روى عنه جماعة ممن أخذت عنهم منهم ابنه أبو عبد الله قاضي الجماعة وأبو العباس بن فرتون أخذ عنه كثيرًا بمدينة فاس‏.‏
مولده قال صاحب الذيل‏.‏
سألته عن مولده‏:‏ فقال ولدت في اليوم التاسع عشر من محرم عام واحد وستين وخمسماية بمدينة سبتة‏.‏
وفاته توفي في العشر الوسط من جمادى الآخرة عام ثلاثين وستماية بمالقة‏.‏
وروضته بها في جنة كانت له بربضها الشرقي‏.‏
رحمه الله‏.‏
عياض بن موسى اليحصبي عياض بن موسى بن عياض بن عمرون بن موسى بن عياض ابن محمد بن عبد الله بن موسى القاضي الإمام المجتهد يكنى أبا الفضل سبتي الدار والميلاد أندلسي الأصل بسطيه‏.‏
أوليته من كتاب ولده في مآثره وهو كناش نبيه قال استقر أجدادنا في القدم بالأندلس بجهة بسطة ثم انتقلوا إلى مدينة فاس‏.‏
وكان لهم استقرار في القيروان لا أدري قبل حلولهم بالأندلس أو بعد ذلك‏.‏
وكان عمرون رجلًا خيارًا من أهل القرآن وحج إحدى عشرة حجة وغزا مع ابن أبي عامر غزوات كثيرة‏.‏
وانتقل إلى سبتة بعد سكنى فاس‏.‏
وكان موسرًا فاشترى بها من جملة ما اشتراه الأرض المعروفة بالمنارة فبنى في بعضها مسجدًا وفي بعضها ديارًا حبسها عليه وهو الآن منسوب إليه وولد له ابنه عياض ثم ولد لعياض ابنه موسى ثم ولد لموسى القاضي أبو الفضل المترجم به‏.‏
حاله قال ولده في تأليفه النبيل‏:‏ نشأ على عفة وصيانة مرضي الخلال محمود الأقوال والأفعال موصوفًا بالنبل والفهم والحذق طالبًا للعلم حريصًا عليه إلى أن برع في زمانه وساد جملة أقرانه فكان من حفاظ كتاب الله مع القراءة الحسنة والنغمة العذبة والصوت الجهير‏.‏
والحظ الوافر من تفسيره وجميع علومه‏.‏
وكان من أيمة الحديث في وقته أصوليًا متكلمًا فقيهًا حافظًا للمسايل عاقدًا للشروط بصيرًا بالأحكام نحويًا ريان من الأدب شاعرًا مجيدًا كاتبًا غالبًا بليغًا خطيبًا حافظًا للغة والأخبار والتواريخ حسن المجلس نبيل النادرة حلو الدعابة صبورًا حليمًا جميل العشرة جوادًا سمحًا كثير الصدقة دروبًا على العمل صلبًا في الحق‏.‏
رحلته وولايته ومنشأ أمره‏.‏
رحل إلى الأندلس سنة سبع وخمسماية فأخذ بقرطبة ومرسية وغيرهما ثم عاد إلى سبتة فأجلسه أهلها للمناظرة عليه في المدونة وهو ابن ثلاثين سنة أو ينيف عليها‏.‏
ثم جلس للشورى‏.‏
ثم ولي القضاء فسار في ذلك حسن السيرة مشكور الطريقة‏.‏
وبنى الزيادة الغربية في الجامع الأعظم‏.‏
وبنى بجبل الميناء الرابية الشهيرة وعظم صيته‏.‏
ثم نقل إلى غرناطة في أول صفر سنة إحدى وثلاثين وخمسماية فتلقد خطة القضاء بها‏.‏
ثم ولي قضاء سبتة ثانية‏.‏
ولما ظهر أمر الموحدين بادر بالمسابقة إلى الدخول في طاعتهم ورحل إلى لقاء أميرهم بمدينة سلا فأجزل صلته وأوجب بره إلى أن اضطربت أمور الموحدين عام ثلاثة وأربعين وخمسماية وحدث على من كان بقصبتها منهم ما هو معلوم من التغلب عليهم واستئصالهم ثم من رجوع أمورهم مشيخته ورتبهم ولده حسبما نقل من فرهسته على الحروف‏.‏
فمنهم أحمد بن محمد بن بقي وأحمد بن سعيد بن مستقر وأحمد بن محمد بن مكحول وأحمد بن محمد السلفي الشيخ أبو الطاهر وأحمد بن محمد بن غلبون ابن الحصار وأحمد بن محمد بن عبد العزيز المرحي إلى غيرهم من جملة سبعة عشر رجلًا والحسن بن محمد الصدفي بن سكرة والحسين بن محمد الغساني والحسين بن عبد الأعلى السفاقسي والحسن ابن علي بن طريف وخلف بن إبراهيم بن النحاس وخلف بن خلف الأنصاري ابن الأنقر وخلف بن يوسف بن فرتون ومحمد بن عيسى التجيبي القاضي ومحمد بن علي بن حمدين القاضي ومحمد بن أحمد التجيبي القرطبي القاضي ابن الحاج‏.‏
ومحمد بن أحمد بن رشد ومحمد بن سليمن النفزي ابن أخت غانم‏.‏
وأجازه محمد بن الوليد الطرطوشي ومحمد بن علي بن عمر المازري ومحمد بن عبد الله المعافري القاضي ابن العربي ومحمد بن عبد الرحمن بن شبرين القاضي ومحمد ابن علي الأزدي الخطيب الطليطلي ومحمد بن علي الشاطبي ابن الصقيل إلى غيرهم من جملة أحد وثلاثين شيخًا‏.‏
وعبد الله بن محمد الخشني وعبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي وعبد الله بن محمد بن أيوب الفهري وعبد الرحمن بن محمد السبتي ابن العجوز وعبد الرحمن ابن محمد بن بقي وعلي بن أحمد الأنصاري ابن الباذش وعلي بن عبد الرحمن التجيبي ابن الأخضر من جملة من سبعة وعشرين‏.‏
وغالب ابن عطيه المحاربي وسراج بن عبد الملك بن سراج أبو الحسن وسفيان ابن العاصي الأسدي من جملة خمسة من الأشياخ في هذا الحرف‏.‏
وشريح بن محمد الرعيني الإشبيلي وهشام بن أحمد القرطبي أبو الوليد ابن العواد وهشام بن أحمد الهلالي الغرناطي ويونس بن محمد بن مغيث ابن الصفار ويوسف بن موسى الكلبي سمع منه أرجوزته ويوسف ابن عبد العزيز بن عتريس الطليطلي‏.‏
شعره قال مما كتبته من خطه‏:‏ أعوذ بربي من شر ما يخاف من الإنس والجنة وأسئله رحمة تقتضي عوارف توصل بالجنة فما للخلان من ناره سوى فضل رحماه من جنة ومن شعره قال أنشدنيه غير واحد من أصحابنا فوارحمة الله عليه‏:‏ بمطلك لي مواعد أقتضيها من التوريد واللمس اقتضاه فقضى وعد مطلك وانجزيه خيار الناس أحسنهم قضاة قال ومما كتبته من خطه‏:‏ يا من تحمل عني غير مكترث لكنه للضنى والسقم أوصاب تركتني مستهام القلب ذا خوف أخا جوىً وتباريح وأوصاب أراقب النجم في جنح الدجا ولهًا كأني راصدٌ للنجم أوصاب وما وجدت لذي النوم بعدكم إلا جنى حنظل في الظعم أوصاب ومن ذلك قوله رحمه الله‏:‏ الله يعلم أني منذ لم أركم كطاير خانه ريش الجناحين فلو قدرت ركبت المريخ نحوكم فإن بعدكم عني جنا حين قال وكتب من خطه‏:‏ يا راحلين وبالفؤاد تحملوا أترى لكم قبل الممات قفول أما الفؤاد فعندكم أنباؤه ولواعج تنتابه وغليل فترى لكم علمٌ بمنتزح الكرى عن جفن صبٍّ ليله موصول ما ضركم وأضنكم بتحية يحيى بها عند الوداع قتيل ما ضركم وأضنكم بتحية يحيى بها عند الوداع قتيل إن الخليل بلحظه أو لفظه أو عطفه أو وقفه لبخيل ومما نسبه إليه الفتح وغيره ومن العجب إغفال ولده إياه قوله يصف الزرع والشقائق فيه‏:‏ أنظر إلى الزرع وخاماته تحكي وقد ماست أمام الرياح كتيبةٌ خضراء مهزومة شقائق النعمان فيها جراح نثره وهو كثير‏.‏
فمن خطبه وكان لا يخطب إلا بإنشايه‏:‏ الحمد لله الذي سبق كل شيءٍ قدمًا ووسع كل شيءٍ رحمة وعلمًا ونعمًا وهدى أولياءه طريقًا نهجًا أممًا وأنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا قيمًا لينذر بأسًا شديدًا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرًا حسنًا ماكثين فيه أبدًا‏.‏
أحمده على مواهبه وهو أحق من حمد وأسأله أن يجعلنا أجمع ممن حظي برضاه وسعد وأستعينه على طاعته فهو أعز من أستعين وأستنجد وأستهديه توفيقًا فإن من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة فاتحةً لأقفال وانتظروا قوله يوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدًا ذلك يوم تذهل فيه الألباب وترجف القلوب رجفًا وتبدل الأرض وتنسف الجبال نسفًا ولا يقبل الله فيه من الظالمين عدلًا ولا صرفًا‏.‏
ونحشر المجرمين يومئذ زرفًا وعرضوا على ربك صفًا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعدًا اللهم انفعنا بالكتاب والحكمة وارحمنا بالهداية والعصمة وأوزعنا شكر ما أوليت من النعمة‏.‏
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيىء لنا من أمرنا رشدًا‏.‏
تواليفه مما أكمله وقرىء عليه كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى ستة أجزاء وكتاب إكمال المعلم في شرح مسلم تسعة وعشرون جزءًا‏.‏
وكتاب المستنبطة على الكتب المدونة والمختلطة عشرة أجزاء‏.‏
وكتاب ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك خمسة أسفار ولم يسمعه‏.‏
وكتاب الإعلام بحدود قواعد الإسلام‏.‏
وكتاب الإلماع في ضبط الرواية وتقييد السماع سفر‏.‏
وكتاب الرايد لما تضمنه حديث أم زرع من الفوايد‏.‏
وكتاب خطبه سفر‏.‏
وكتاب المعجم في شيوح أبي سكرة‏.‏
وكتاب الغنية في شيوخه جزء‏.‏
ومما تركه في المبيضة كتاب مشارق أنوار تبدت بسبتة ومن عجب كون المشارق بالغرب وكتاب نظم البرهان على صحة جزم الأذان جزء‏.‏
وكتاب مسئلة الأهل المشترط بينهم التزاور جزء‏.‏
ومما لم يكمله المقاصد الحسان فيما يلزم الإنسان‏.‏
وكتاب الفنون الستة في أخبار سبتة‏.‏
وكتاب عنية الكاتب وبغية الطالب في الصدور والترسيل‏.‏
وكتاب الأجوبة المحيرة على الأسئلة المتخيرة وجدت منها يسيرًا فضممته إلى ما وجدته في بطايقه وعند أصحابه‏.‏
يقول هذا ولده من معان شاذة في أنواع شتى سئل عنها رحمة الله عليه‏.‏
فأجاب جمعت ذلك في جزء‏.‏
وكتاب أجوبة القرطبيين وجدتها بطابق فجمعتها مع أجوبة غيرهم‏.‏
وأجوبته مما نزل في أيام قضايه من نوازل الأحكام في سفر وكتاب سر السراة في أدب القضاة‏.‏
نبذ من أخباره وأولًا في ثناء الأعلام عليه‏.‏
قال ولده أخبرني ابن عمي الزاهد أن القاضي أبا عبد الله بن حمدين كان يقول له وقت رحلته إليه وحتى يا أبا الفضل إن كنت تركت بالمغرب مثلك‏.‏
وقال وأخبرني أن أبا الحسين بن سراج قال له وقد أراد الرحلة إلى بعض الأشياخ فهو أحوج إليك منك إليه وقال إن الفقيه أبا محمد بن أبي جعفر قال له ما وصل إلينا من المغرب مثل عياض‏.‏
وأمثال ذلك كثير ومن دعابته قال بعض أصحابنا صنعت أبياتًا تغزلت فيها والتف إلى أبيك رضي الله عنه ثم اجتمع بي فاستنشدني إياها فوجمت فعزم علي فأنشدت‏:‏ أيا مكثرًا صدىً ولم آت جفوة وما أنا عن فعل الجفاء براض سأشكو الذي توليه من سوء عشرة إلى حكم الدنيا وأعدل قاض ولا حكم بينك أرتضي قضاياه في الدنيا سوى ابن عياض قال فلما فرغت حسن وقال متى عرفتني قوادًا يا فلان على طريق المداعبة‏.‏
وأخباره حسنة وفضايله جمة‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:31 AM

مولده بسبتة حسبما نقل من خطه في النصف من شعبان عام ستة وسبعين وأربعماية‏.‏
وفاته توفي بمراكش ليلة الجمعة نصف الليلة التاسعة من جمادى الآخرة من عام أربعة وأربعين وخمسماية‏.‏
ودفن في باب إيلان من داخل السور‏.‏
عقيل بن عطية القضاعي عقيل بن عطية بن أبي أحمد جعفر بن محمد بن عطية القضاعي من أهل طرطوشة يكنى أبا المجد حاله كان فقيهًا متطرفًا في فنون من العلم متقنًا لما يتناوله من ذلك حسن التهدي من بيت طلب‏.‏
وقد تقدم ذكر جده الأستاذ‏.‏
ولي عقيل قضاء غرناطة وسلجلماسة‏.‏
مشيخته روي عن أبي القاسم بن بشكوال‏.‏
قرأ عليه وسمع وتناول من يده وأجاز له‏.‏
وقفت على ذلك بخطه‏.‏
شعره أنشد له في الذيل قوله مما نظمه لجماعة من السادة‏:‏ ملوك دون بابكم وقوف سطت بهم الحوادث والصروف أذلهم الزمان وكان قدمًا لهم راع وحولهم يطوف غدوا عبرًا لمعتبر فسحقًا لدنيا أمرها أمر سخيف أسود يقدمون أسود حرب وخلفهم العساكر والصفوف أتى بهم الزمان إليك قصدًا حيارى فيه يعجزهم رغيف فعطفًا أيها المولى عليهم وقاك السوء باريك اللطيف فرحمة سيد قد ذل فرضٌ يقول به النبي الهادي الشريف وما يرى الكرام سوى كريم وأنت الماجد الندى العطوف تواليفه قال الأستاذ وقفت على تأليف سماه فصل المقال في الموازنة بين الأعمال تكلم فيه مع أبي عبد الله الحميدي وشيخه أبي محمد بن حزم فأجاد فيه وأحسن وأتى بكل بديع‏.‏
وشرح المقامات الحريرية‏.‏
وفاته في صفر سنة ثمان وستماية‏.‏
ومن الكتاب والشعراء عاصم بن زيد العبادي عاصم بن زيد بن يحيى بن حنظلة بن علقمة بن عدي ابن محمد التميمي ثم العبادي الجاهلي يكنى أبا المخشبي من أهل إلبيرة‏.‏
حاله كان شاعرًا مجيدًا شهير المكان بعيد الصيت على عهده‏.‏
قال أبو القاسم كان من أعلام الجند ومقدميهم‏.‏
وقال الرازي دخل والده زيد بن يحيى من المشرق إلى الأندلس واختط بكورة جند دمشق وشهر ابنه عاصم هذا بالشعر إذ كان غزير القول حسن المعاني كثير النادر سبط اللفظ فاغتدى شاعر الأندلس ومادح بني أمية المخلف فيهم قوافي الشعر المديح الشاردة وقد كان في لسانه بذاءة زايدة يتسرع به إلى من لم يوافقه من الناس فيقذع هجوهم ويقذف نساءهم ويهتك حرمهم وكان أفاكًا نهابًا لا يعدم متظلمًا منه وداعيًا عليه وذاكرًا له بالسوء وهو مستهوىءٌ بذلك جارٍ على غلوائه‏.‏
محنته قال وكان مع ذلك منقطعًا إلى سليمن بن الأمير عبد الرحمن بن معاوية كثير المدح له‏.‏
على أنه ما أخلى الأمير هشامًا من مدحه وهو مع ذلك لا يسل سخيمته وحقده عليه لانحطاطه في شعب سليمن أخيه وبينهما من التنافس والمشاحة ما لا شيء فوقه‏.‏
وروي أن الذي هاج غضب هشام عليه أن قال له الساعي عليه قد عرض بك بقوله في مديح أخيك سليمن في شعر له فيه منه‏:‏ وليس مثل من بان سيل عرفًا يقلب مقلة فيها أعونه وكان هشام أحول فاغتاظ لذلك‏.‏
وركب فيه من المثلة وركبه وحقد عليه إلى أن استدعاه إلى مدينة ماردة وهشام يومئذ واليها في حياة الأمير أبيه فخرج إليه أبو المخشبي من قرطبة طامعًا في نايله غير مرتاب بباطنه فلما دخل عليه قال له يا أبا المخشبي إن المرأة الصالحة التي هجوت ابنها فقذفتها فأفحشت سبها قد أخلصت دعاها لله في أن ينتقم لها منك فاستجاب لها وسلطني وتأذن بالاقتصاص لها على يدي منك ثم أمر به فقطع لسانه وسولت عيناه وعولج من جراحه فاستقل منها وعاش زمنًا ممثلًا به‏.‏
فأما لسانه فانجبر بعيد وقت إلا قليلًا واقتدر على الكلام إلا تلعثمًا كان يعترضه واستمر العمى فعظم عليه مصابه فكثرت في شكواه أشعاره قال ويذكر أن قصة أبي المخشبي في نبات لسانه لما بلغت مالك بن أنس أشار إليها في فتواه في التأني بدية اللسان طمعًا في نبتها وقال يتأنى بالحكم عامًا فإن نبت أو شيء منه عمل في ديته بحسب ذلك فقد بلغني أن رجلًا بالأندلس نبت لسانه أو أكثره بعد ما قطع فأمكنه الكلام‏.‏
شعره قالوا وبلغ الأمير عبد الرحمن بن معاوية صنيع ابنه هشام بمادحهم أبي المخشبي فساءه وكتب إليه يعنفه وأوصل أبا المخشبي إليه عند استيلايه بعد حين فاعتذر إليه ورق له وأنشده بعض ما أحدثه بعد فكان لا يبين الإنشاد فينشد له صبي كان قد علمه ودربه فأنشده قصيدته التي وصف فيها عماه وأولها‏:‏ خضعت أم بناتي للعدا إذ قضى الله بأمر فمضا ورأت أعمى ضريرًا إنما مشيه في الأرض لمسٌ بالعصا فبكت وجدًا وقالت قولةً وهي حدا حلقت مني المدا ففؤادي فرحٌ من قولها ما من الأدواء أس العما وإذا نال العمى ذا بصرٍ كان حيًا مثل ميت قد نعا عانى بالقرب وهنا طرب بين لج في الحما ‏.‏
كيف يعتاد الصبا من لا يرا أبصرت مستبدلًا من طرفه فأنذا يسعى به حيث سعا بالعصا إن لم يقده فإنه وسؤال الناس يمشي إن مشا وإذا ركب دنوا كأن لهم هو حملًا في المهمة الخراف الصوا لم يزل في كل مخشبي الردى يصطلي الحرب ويجتاب الدجا امتطيناها سمانًا بدنًا فتركناها نضاءً بالفنا وذريتي قد تجاورت بها مهمها فقرًا إلى أهل الندا قاصدًا خير منافٍ كلها ومناف خيرٌ من فوق الثرا وهي طويلة ومن شعره في الوقيعة بأبي الأسود الفهري وكانت عظيمة من أعظم فتوحات الأمير عبد الرحمن‏:‏ ماذا تسايل عن مواقع معشر أودى بهم طلب الذي لم يقدر رشد الخليفة إذا غووا فرماهم بالموبذي بالحزم والمتأزر أما سليمن السماح فإنه جلى الدجا وأقام سيل الأصعر وهو الذي ورث الندى أهل الندى ومحا دجنة يوم وادي الأحمر بعد القتلى بالمخايض أصبحت جيفًا تلوح عظامها لم تقبر فالليل فيها للذباب عرايسٌ ونهارها وقفٌ لنهس الأنسر أفناهم سيفٌ مبيرٌ صارم في قسطلونة وبل بوادي الأحمر هات عنك ما هربت مخافةً منه فقع يا ابن اللقيطة أو طر وفاته قال ابن حيان قرأت بخط عبادة الشاعر قال عمر أبو المخشبي بعد محنته الشنعاء حتى لحق دولة الأمير عبد الرحمن فوالى بين مديح أربعة أمراء ما بينه وبين جده عبد الرحمن بن معاوية الأمير الداخل‏.‏
وتوفي بعد ذلك قريبًا من تاريخ الثمانين والماية‏.‏
وبعد عليه لحاق دولة الأمير عبد الرحمن لهذا التاريخ‏.‏
ومن الأصليين من ترجمة المحدثين والفقهاء والطلبة النجباء ابن أبي زمنين المري عيسى بن محمد بن أبي عبد الله بن أبي زمنين المري يكنى أبا الأصبغ من أهل البيرة‏.‏
حاله نبيه القدر‏.‏
وروى عن شيوخ بلده‏.‏
وفاته توفي بعد الأربعمائة‏.‏
قلت قد اعتذرت وتقدم الاعتذار في إثبات من أثبته من هذا البيت في هذا الاختصار من هذا النمط‏.‏
فلينظر هنالك إن شاء الله‏.‏
عيسى بن سعادة الأموي عيسى بن محمد بن عيسى بن عمر بن سعادة الأموي لوشى الأصل غرناطي الاستيطان والقراءة يكنى أبا موسى الشيخ الطبيب بالدار حاله من عايد الصلة بقية أهل العلم ونسيح وحده في لين الجانب وخفض الجناح وحسن الخلق‏.‏
وبذل التواضع ممتع من معارف قديمة بين طلب وتعليم على حال تدين والتزام سنة أقرأ الطب وخدم به الدار السلطانية وولي القضاء بلوشة بلده‏.‏
مشيخته قرأ على الأستاذ أبي عبد الله الرقوطي المرسي ولازمه وأخذ عن أبي الحجاج بن خلصون وأدرك أمةً من صدور العلماء‏.‏
تواليفه له تأليف كبير متعدد الأسفار سماه كتاب القفل والمفتاح في علاج الجسوم والأرواح تضمن كثيرًا من العلم الطبي وما يتعلق به رأيت أجزاءً من مسودته بيد ولده‏.‏
وفاته توفي بغرناطة ليلة السبت الخامس عشر لجمادى الآخرة عام ثمانية وعشرين وسبعماية‏.‏
حرف الغين من الأعيان ابن الأشقر غالب بن أبي بكر الحضرمي من أهل غرناطة يكنى أبا تمام ويعرف بابن الأشقر‏.‏
حاله كان قايدًا جزلًا مهيبًا مليح التجند معروف الدربة والثقافة مشهور الفروسية ظريف الشكل رايق الركبة حسن الشيبة صليب العود مرهوب السطوة ولي قيادة العسكر زمانًا طويلًا فوقع الإجماع على أهليته لذلك تمييزًا للطبقات وانتهاضًا بالخدمة وإنفاذًا للعزمة ومعرفة بالعوايد واقتدارًا على السهر في تفقد المسالح واختبار المراصد واختيار الحرس وتنظيم المصاف وإمساك السيقة ممن يرجع إلى حصيف رأيه ويركن إلى يمن حنكته ويعترف بحقه‏.‏
لقي الجند منه ضغطًا لاضطلاعه باستخدامهم وجعل العقاب من وراء تقصيرهم‏.‏
فقد كان بعض نقبائه يحمل معه مقصًا لإيقاع المثلة بذقون مضيعي المسلحة أو متهيبي الملحمة‏.‏
ولما أوقع بالسلطان أمير المسلمين أبي الوليد قرابته بباب داره بما هو مشهور نمي عنه أنه اخترط سيفه‏.‏
وكان ممن أثخن الوزير يومئذ جراحة لا يعلم أحيرةً وغلطًا أم تواطأ وقصدًا فقد كان من مرج الناس يومئذ وإعمال بعضهم السلاح في بعض ما هو معلوم فعزل عن الخطة وسئم خطة الخمول ففقد مكانه من العنا واضطر إليه‏.‏
وفاته توفي بغرناطة عشية يوم الخميس الثاني والعشرين لشوال عام سبعة وعشرين وسبعماية ودفن قرب باب إلبيرة‏.‏
ومن المقربين غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن عبد الرؤوف بن تمام بن عبد الله بن تمام بن عطية بن خالد بن خفاف بن أسلم بن مكتوم المحاربي أبو بكر حاله كان من أهل العلم والعمل مقريًا فاضلًا راوية حج وروى وكف بصره في آخر عمره‏.‏
قرأ القرآن بالسبع على أبي الحسن بن عبد الله الحضرمي ودرس الفقه وناظر فيه على سعيد بن خلف بن جعفر الكناني‏.‏
وروى عن أبي علي الغساني وعن أبيه عبد الرحمن بن غالب وأبي عمر بن عبد البر الإمام الحافظ‏.‏
من روى عنه‏:‏ حدث عنه ذو الوزارتين أبو عبد الله بن أبي الخصال وأبو عبد الله بن عبد الرحيم القاضي وعبد الله بن طلحة بن أحمد ابن عطية‏.‏
شعره قال يحذر من أبناء الزمن‏:‏ كن بذي صايد مستأنسًا وإذا أبصرت إنسانًا ففر إنما الإنسي بحرٌ ماله ساحل فاحذره إياك الغرر واجعل الناس كشخص واحد ثم كن من ذاك الشخص حذر وله رحمه الله‏:‏ كيف السلو ولي حبيب هاجر قاسى الفؤاد يسومني تعذيبا لما ذرى أن الخيال مواصلي جعل السهاد على الجفون رقيبا ولد سنة إحدى وأربعين وأربعمائة‏.‏
وفاته توفي ليلة الجمعة لستٍّ بقين من جمادى الآخرة سنة ثماني عشر وخمسماية‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:33 AM

غالب بن حسن بن غالب بن حسن بن أحمد بن يحيى ابن سيدبونه الخزاعي يكنى أبا تمام‏.‏
أوليته وحاله أصل سلفه من بونه من بلد إفريقية واستوطن جده بالأندلس قرية زنيتة من وادي لستة شرقي الأندلس من عمل قسنطانية وملك فيها أموالًا عريضة‏.‏
ولما ظهر سبطه ولي الله أبو أحمد شيخ المريدين بذلك الصقع وظهرت عليه البركات وشهدت بولايته الكرامات غمرتهم بركته ونوهت بهم شهرته إلى أن استولى العدو على تلك الجهات بعد وفاة الشيخ رضي الله عنه فهاجرت ذريته إلى غرناطة بعد استيطانهم مدينة ألش وبنوا بالربض المعروف بربض البيازين واقتطعوا وامتطوا واتخذوا دار إقامة وانتشرت به نحلتهم الإرادية وانضم إليهم من تبعهم من جالية أهل الشرق وتقدم هذا الشيخ بعد شيخًا ويعسوبًا وقاضيًا وخطيبًا به بعد خاله رحمه الله فقام بالأعباء سالكًا سنن الصالحين من أهل الجلد والجدة والقوة والرجولة من الإيثار والمثابرة على الرباط والحفوف إلى الجهاد وكان مليح الشيبة كثير التخلق جم التواضع مألفًا للغرباء مبذول البشر حسن المشاركة رافضًا للتصنع مختصر المطعم والملبس بقية من بقايا الجلة معتمدًا في مجالس الملوك بالتجلة‏.‏
مشيخته يحمل عن والده أبي علي وعن خاله وعن الخطيب أبي الحسن ابن فضيلة وغيرهم‏.‏
تواليفه له تأليف في تحريم سماع اليراعة المسماة بالشبابة وعلى ذلك درج جمهورهم‏.‏
مولده في ذي القعدة من عام ثلاثة وخمسين وستماية‏.‏ وفاته توفي في عاشر شوال من عام ثلاثة وثلاثين وسبعماية‏.‏ وكان الحفل في جنازته يشذ عن الوصف‏.‏
ودفن بمقبرتهم‏.‏ غالب بن علي بن محمد اللخمي الشقوري من أهل غرناطة يكنى أبا تمام‏.‏
حاله كان من أهل الفضل والدماثة حسن الخلق وسيم الخلق مليح الانطباع مستطرف الأغراض من بيت كسب وخيرية‏.‏ رحل في شبيبته إلى المشرق فحج وقرأ الطب بالمارستان من القاهرة المعزية وحذق العلاج على طريقة المشارقة وأطرف بكثير من أخبارهم وانتصب للمداواة ببجاية بعد مناظرة لها حكاية‏.‏
وقدم على بلده فنبه به قدره واستدعى إلى باب السلطان فخدم به ثم تحول إلى العدوة فاتصل بخدمة ملكها السلطان أمير المسلمين أبي سعيد مسوغًا ما شاء من قبول ولطف محله عنده لانطباعه ولين عريكته وتأنيه لما يوافق غرضه من سبيل الفكاهة وولي الحسبة بمدينة فاس وأثرى وحسنت حاله‏.‏
وكان مثالًا لأهل بلده موصوفًا وله تواليف طيبة كان لا يفتر عن الاشتغال بها بحسب ما فتح له من الإدراك فمنها نبيل ووبيل‏.‏
ولما انتقل الأمر إلى أمير المسلمين أبي الحسن وصل حبل رعيه طاويًا بساط الهزل في شأنه واتصلت خدمته إياه إلى حين وفاته‏.‏
وفاته توفي في أوايل عام أحد وأربعين وسبعماية بسبتة عند حركة أميره المذكور إلى الجواز للأندلس برسم الجهاد الذي محصه الله فيه بالهزيمة الكبرى‏.‏
مولده حرف الفاء‏:‏ الأعياء والكبراء فرج بن إسمعيل بن يوسف بن نصر الرئيس الجليل أبو سعيد وكان حقه أن يفرد له باب في الأمراء لكنه الأبواب المتعددة الأسماء نؤثر فيها الجمع والاختصار كما شرطنا‏.‏ أوليته معروفة‏.‏
وكان والده رحمه الله صنو أمير المسلمين الغالب بالله أبي عبد الله وآثره بمدينة مالقة وما يرجع إليها عند تصير الملك إليه أو بعده‏.‏ وكان دونه في السن فاستمرت أيامه بها إلى أن توفي رحمه الله‏:‏ وتصير أمره إلى الرييس أبي محمد بن إشقيلولة وتخللت ذلك الفتن حسبما وقع الإلماع به وتصير أمرها إلى ملوك المغرب‏.‏
ثم لما انجلت الحال عن عودتها إلى الملك النصري ولى عليها الرييس أبا سعيد ومكنه من ميراث سلفه بها وهو كما استجمع شبابه وعقد له على ابنته الحرة لباب الملك فقام بأمرها خير قيام وثبت لزلزال الفتنة حسبما هو مذكور في موضعه‏.‏
حاله كان هذا الرييس نسيج وحده في الحزم والجزالة وفخامة الأحوال مما يرجع إلى الفتية‏.‏
ناغى السلطان ابن عمه في اقتناء العقار وتخليد الآثار فيما يرجع إلى الفلاحة والاعتمار والازدياد والاستكثار وأربى عليه بإنشاء المراكب الكبار فعظمت غلاته وضاقت المسارح عن سائمته وغصت الأهراء بحبوبه وسالم الخرج دخل ماله فبذ الملوك جدةً ويسارًا تقتحم العين منه ظاهرًا ساذجًا غفلًا من الزينة والتصنع في طيه ظرف وذكاء وحنكة وحلاوة جهوريًا مرسل عنان النادرة باذلًا النصفة مهيب السطا خصيب المايدة شهير الجلالة بعيد الصيت‏.‏
ولي مالقة عام سبعة وسبعين وستماية فعانى بها الشدة والليان‏.‏
حتى رسخت بها قدمه وطالت لأهلها صحبته وعظم بها قراره وعساكره وأينعت غرسانه ونمت متاجره ونبنكت النعيم حاشيته وأضيفت إليه الجزيرة الخضراء فاتسعت العمالة وانفسحت الخطة إلى أن كان من تغلبه على مدينة سبتة واستيلايه عليها مما وقع الإلماع به في موضعه من هذا الكتاب في شهر شوال عام خمسة وسبعماية فساس رعيتها وتملك جبالها وشن الغارة على ما وراءها وتملك القصر المضاف لها ولم يزل نظره عليها إلى أواخر ذي قعدة من عام ثمانية وسبعمائة فصرف عنها وجهل قدره وأوغر صدره وأوعز للولاة بالتضييق على حاشيته فدعا بمالقة إلى نفسه في شهر شعبان من عام أحد عشر وسبعماية وقدم لطلب الملك ولده إسماعيل وسماه السلطان‏.‏
ورتب له الألقاب ودون الدواوين فنزع إليه الجند وانضافت إلى عمالته الحصون‏.‏
ثم وقعت المهادنة وأعقبتها المفاتنة وكان من أمره ما وقع التنبيه على عيون منه في ذكر ولده‏.‏
نكبته ولما استأصلت القطيعة محتجنه الراكد في مغابن الخزاين من لدن عام سبعة وسبعين وستماية واستنفدت عتاده المطاولة نظر لنفسه فوجه كاتبه الوزير أبا عبد الله بن عيسى وعاقده على الخروج له عن مالقة متعوضًا عنها بمدينة سلا من عمل ملك المغرب وتم ذلك في شهر رمضان من عام ثلاثة عشر وسبعماية وذاع خبره وضاقت بأولياء انتزايه السبل إذ تحققوا بإخفاق المسعى وسقوط العشي بهم على سرحان من سلطانهم الراغبين عنه فداخلوا ولده المقدم الأمر أبا الوليد واتفق أمرهم على خلعه ومعاجلة الأمر قبل تمامه في‏.‏
من شهر رمضان ركب الرييس رحمه الله في نفر من مماليكه المروقة إلى بعض بساتينه فلما قضى وطره وهم بالخروج عنه اعترضه القوم عند بابه فالتفوا به وأشعروه غرضهم فيهن وجاءوا به إلى بعض القصور بظاهر البلد فجعلوه به تحت رقبة وقد بادر ولده القصبة فاستولى عليها من غير ممانعة لعدم استرابة ثقاته به إلا ما كان من خاين يتولى القيام ببعض أبوابها هم بسده فطاح لحينه وتم لولده الاستبداد بالأمر واستولى على النصب والذخيرة وباقي المال ونقل الرييس إلى معقل قرطبة فلما خلص الأمر لولده انتقل إلى معقل شلوبانية فلم يزل به لا يبرح عن باب قصره مرفها عليه إلى أن قضى نحبه‏.‏
وفاته في الرابع عشر لشهر ربيع الأول من عام عشرين وسبعماية توفي رحمه الله بشلوبانية وجيء بجنازته محمولًا على رؤوس صدور الدولة ووجوه رجالها متناغين في لباس شعار الحزن بما لم يتقدم به عهد ودفن بمقبرة السبيكة وولده أمير المسلمين واقف بإزاء لحده مظهر الاكتراث لفقده وعلى قبره الآن مكتوب نقشًا في الرخام البديع ما نصه‏:‏ هذا قبر علم الأعلام وعماد دين الإسلام جواد الأجواد أسد الآساد حامي الثغور وممهد البلاد المجاهد في ذات الله حق الجهاد شمس الملك وبدره وعين الزمان وصدره الكريم الأخلاق الطاهر الذات والأعراق الذي سار ذكره في الآفاق وخلد من فضايله ما تتحلى به ظهور المنابر وبطون الأوراق كبير الإمامة النصرية وعظيم الدولة الغالبية فرع الملك وأصله ومن وسع الأنام عدله وفضله مخلد الفخر الباقي على الأعصار والعمل الصالح الذي ينال به الحسنى وعقبى الدار بسلالته الطاهرة الكريمة المآثر والآثار الإمام الرضي ناصر دين المختار المنتخب من آل نصر ونعم النسب الكريم في الأنصار‏.‏
الهمام الأكبر الأشهر المقدم المرحوم الأطهر أبو سعيد ابن الإمام الأعلى ناصر دين الإيمان وقاهر عبدة الصلبان صنو الإمام الغالب بالله ومجهز الجيوش في سبيل الله سهام العدا وغمام الندى وضرغام الحروب ذي البأس المرهوب والجود المسكوب بطل الأبطال ومناخ الآمال المجاهد الظاهر المقدس المرحوم أبي الوليد بن نصر قدس الله مضجعه ورقاه إلى الرفيق الأعلى ورفعه‏.‏
كان رضى الله عنه وحيد عصره وفريد دهره علت في سماء المعالي رتبه وكرم من أمير المسلمين صهره ونسبه فلا يزاحم مكانه ولا يداني منصبه‏.‏
نفذت أحكامه في الشرق والغرب ومضت أوامره في العجم والعرب إلى أن استأثر الله به فكانت وفاته ليلة الخميس الرابع عشر لشهر ربيع الأول من عام عشرين وسبعماية وكان مولده يوم الجمعة الثامن لشهر رمضان المعظم من عام ست وأربعين وستماية فسبحان الله الملك الحق الباقي بعد فناء الخلق‏.‏
سلام على قبر المكارم والمجد مقام الرضى والفوز والبشر والسعد مثابة إحسان ومعهد رحمةٍ ومستودع العليا والسر والعد لك الفضل إذ حملت أرضى أمانة تودي بإكرام إلى جنة الخلد ففيك من الأنصار من آل نصرهم همام كريم الذات والأب والجد قسم أمير المسلمين ابن عمه ونخبة بيت الملك واسطة العقد وحامي ذمار الدين ناصره أبو سعيد عماد الملك في الحل والعقد لبيك أمير العدوتين بواجب من الحق أبناء الوغى وبنو الرفد وتبكي بلاد كان مالك أمرها أفاض بها النعماء سابغة الورد أقام بها العدل والفضل سنة بإنصاف مستعد وإسعاف مستجد وتبكي أسى ملء العيون لفقده وبالحق لو فاضت نفوس من الوجد فيا أيها المولى الذي لمصابه بدا الحزن حتى في المطهمة الجرد لك الله ما أعلى مكارمك التي تسير بها الركبان في الغور والنجد وحسبك أن أورثت خير خليفة وأبديت منه للورى علم الرشد إمام هدىً أعماله لله رحمة تنال بها الزلفى من الصمد الفرد بن يوسف بن نصر الأمير أبو سعيد ولد أمير المسلمين ثاني الملوك النصريين ابن الغالب بالله‏.‏
حاله كان أميرًا جليلًا جميلًا بلغ الغاية في حسن الصورة وفضل الفروسية على صغر سنه وكان زناتي الشكل والركض والآلة عروس الميدان وحلس الخيل يؤثر من شجاعته وثبات موقفه على الغرارة وعدم الحنكة أنه أنشب في اتباع خنزير ضخم الكراديس عظيم الناب عريض الغبطة طرح نفسه عليه في ضحضاح لفضل شجاعته فكبا به الطرف واستقبله ذلك الخنزير الفحل صامدًا فاستقل زعموا من السقطة وقد اخترط سيفًا عضبًا كان يتقلده وسبقه بضربة تحت عينيه أبانت فكيه وأطارت محل سلاحه وخالطه مع ذلك أعزل فلم يغن وتلاحق به فرسانه وقد يئسوا من خلاصه فرأوا ما بهتوا له وبشر بذلك أبوه فملأ عينه قرة وكان يولع منه بفرع ملك وصقر بيت وسيف دولة‏.‏ أسف بذلك ولي العهد كبيره فاعتبط لأيام من تصير الأمر إليه‏.‏
وفاته مولده عام ستة وثمانين وستماية‏.‏

فرج بن محمد بن يوسف بن محمد بن نصر الأمير أبو سعيد ولي عهد السلطان الغالب بالله حاله كان هذا الأمير فاضلًا ذكيًا من أهل الأدب والنبل قام الأدب في مدته على ساق ولاه أبوه الغالب بالله عنده وأمله لمكانه لو أن الليالي أمهلته شعره وأدبه مما ينسب إليه بالأندلس وهو عندي ما يبعد قوله‏:‏ أيا ربة الحسن التي سلبت منك على أي حال كنت لابد لي منك فإما بذل وهو أليق بالهوى وإما بغر وهو أليق بالملك وكان ذو الوزارتين أبو عبد الله بن الحكيم رحمه الله يقول أخبرني كاتب هذا الأمير وهو الوزير أبو عبد الله بن القصيرة الإشبيلي بتونس قال نظم الأمير بيتًا وطلبني بإجازته وأن يكون المنظوم مشوب النسيب بالفخر‏.‏
والبيت‏:‏ أرقت لبرق بالسبيكة لا الخيف وإن كان فيه ما أحاذر من حتف فقلت مجيزًا تجور على قلبي لواحظ غادة بأنفذ من عزمي وأقطع من سيف ولي هزة نحو الوصال أو اللقا كهزة آبايى الكرام إلى الضيف أفيض وفيضٌ في الجفون وبالحشا فأشكو بحالي في الشتاء وفي الصيف لعمري لقد وفى العلا حق مفخري لو أني في الدنيا مرادي استوف قال واستحسن ذلك ووقع عليه كاتبه يعني بذلك نفسه وفاته عصر يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وخمسين وستماية ابن خمس وعشرين سنة‏.‏
ومن الكتاب والشعراء ابن خاقان الفتح بن علي بن أحمد بن عبيد الله الكاتب المشهور من قرية تعرف بصخرة الواد من قرى قلعة يحصب يكنى أبا نصر‏.‏ ويعرف بابن خاقان‏.‏
حاله كان آية من آيات البلاغة لا يشق غباره ولا يدرك شأوه عذب الألفاظ ناصعها أصيل المعاني وثيقها لعوبًا بأطراف الكلام معجزًا في باب الحلي والصفات إلا أنه كان مجازفًا مقدورًا عليه لا يمل من المعاقرة والقصف حتى هان قدره وابتذلت نفسه وساء ذكره ولم يدع بلدًا من بلاد الأندلس إلا دخله مسترفدًا أميره وواغلًا على عليته‏.‏
قال الأستاذ في الصلة وكان معاصرًا للكاتب أبي عبد الله بن أبي الخصال إلا أن بطالته أخلدت به عن مرتبته‏.‏ وقال ابن عبد الملك دخل يومًا إلى مجلس قضاء أبي الفضل عياض مخمرًا فتنسم بعض حاضري المجلس رائحة الخمر فأعلم القاضي بذلك فاستثبت وحده حدًا تامًا وبعث إليه بعد أن أقام عليه الحد بثمانية دنانير وعمامة‏.‏
فقال الفتح حينئذ لبعض أصحابه عزمت على إسقاط اسم القاضي أبي الفضل من كتابي الموسوم بقلايد العقبان قال فقلت لا تفعل وهي نصيحة فقال وكيف ذلك فقلت له قصتك معه من الجايز أن تنسى وأنت تريد أن تتركها مؤرخة إذ كل من ينظر في كتابك يجدك قد ذكرت فيه من هو مثله ودونه في العلم والصيت فيسل عن ذلك فيقال له اتفق معك كيت وكيت فيتوارث العلم عن الأكابر الأصاغر‏.‏
قال فتبين له ذلك وعلم صحته وأقر اسمه وحدثني بعض الشيوخ أن سبب حقده على ابن باجة أبي بكر آخر فلاسفة الإسلام بجزيرة الأندلس ما كان من إزرايه به وتكذيبه إياه في مجلس إقراية إذ جعل يكثر ذكر ما وصله به أمراء الأندلس ويذكر الفخر بذلك ووصف حليًا وكانت تبدو من أنفه فضلة خضراء اللون‏.‏
زعموا فقال له فمن تاك الجواهر إذًا الزمردة التي على شاربك فثلبه في كتابه مما هو معروف في الكتاب‏.‏ وعلى ذلك فأبو نصر نسيج وحده غفر الله له‏.‏
مشيخته روى عن أبوي بكر بن سليمن بن القصيرة وابن عيسى بن اللبانة وأبي جعفر بن سعدون الكاتب وأبي الحسن بن سراح وأبي خالد بن مستقور وأبي الطيب بن زرقون وأبي عبد الله بن خلصة الكاتب وأبي عبد الرحمن بن طاهر وأبي عامر بن سرور وأبي محمد بن عبدون وأبي الوليد بن حجاج وابن دريد الكاتب‏.‏ تواليفه ومصنفاته شهيرة منها قلايد العقبان ومطمح الأنفس‏.‏ والمطمح أيضًا‏.‏ وترسيله مدون وشعره وسط وكتابته فايقة‏.‏
شعره من شعره قوله وثبت في قلايده يخاطب أبا يحيى بن الحجاج‏:‏ أكعبة علياء وهضبة سؤدد وروضة مجد بالمفاخر تمطر هنيئًا لمن زار نورك أفقه وفي صفحتيه من مضايك أسطر وإني لخفاق الجناحين كلما سرى لك ذكر أو نسيم معطر وقد كان واشٍ هاجنا لتهاجر فبت وأحشائي جوى تتفطر فهل لك في ود زوى لك ظاهرًا وباطنه يندى صفاءً ويقطر ولست بعلق بيع بخسًا وإنني لأرفع أعلاق الزمان وأخطر ثنيت أبا نصر عناني وربما ثنت عزمة السهم المصمم أسطر نثره ونثره شهير وثبت له من غير المتعارف من السلطانيات ظهيرًا كتبه عن بعض الأمراء لصاحب الشرطة ولا خفاء بإدلاله وبراعته‏:‏ كتاب تأكيد اعتناء وتقليد ذي منة وغناء أمر بإنفاذه فلاه أيده الله لفلان بن فلان صانه الله ليتقدم لولاية المدينة بفلانة وجهاتها ويصرخ ما تكاثف من العدوان في جنباتها تنويهًا أحظاه بعلائه وكساه رايق ملائه لما علمه من سنايه وتوسمه من غنايه ورجاه من حسن منابه وتحققه من طهارة ساحته وجنابه وتيقن أيده الله أنه مستحق لما ولاه مستقلٌ بما تولاه لا يعتريه الكسل ولا يثنيه عن إمضاء الصوارم والأسل ولم يكل الأمر منه إلى وكل ولا ناطه مناط عجز ولا فشل وأمره أن يراقب الله تعالى في أوامره ونواهيه وليعلم أنه زاجره عن الجور وناهيه وسايله عما حكم به وقضاه وأنفذه وأمضاه يوم لا تملك نفسٌ لنفس شيئًا والأمر يومئذ لله‏.‏ فليتقدم لذلك بحزم لا يحمد توقده وعزم لا ينفد تفقده ونفس مع الخير ذاهبة وعلى سنن البر والتقوى راكبة ويقدم للاحتراس من عرف اجتهاده وعلم أرقه في البحث وسهاده‏.‏
وحمدت أعماله وأمن تفريطه وإهماله ويضم إليهم من يحذو حذوهم ويقفو شأوهم ممن لا يستراب بمناحيه ولا يصاب خلل في ناحية من نواحيه وأن يذكي العيون على الجناة وينفي عنها لذيذ السنات ويفحص عن مكامنهم حتى يغص بالروع نفس آمنهم فلا يستقر بهم موضع ولا يقر منهم مخب ولا موضع فإذا ظفر منهم بمن ظفر بحث عن باطنه وبث السؤال في مواضع تصرفه ومواطنه فإن لاحت شبهة أبداها الكشف والاستبراء وتعداها للبغي والافتراء نكله بالعقوبة أشد نكال وأوضح له منها ما كان ذا إشكال بعد أن يبلغ أناه ويقف على طرف مداه وحد له ألا يكشف بشرة إلا في حد يتعين وإن جاءه فاسق أن يتبين وأن لا يطمع في صاحب مال موفور وأن لا يسمع من مكشوف في مستور وأن يسلك السنن المحمو وينزه عقوبته من الإفراط وعفوه من تعطيل الحدود‏.‏
وإذا انتهت إليه قصة مشكلة أخرها إلى غده فهو على العقاب أقدر منه على رده فقد يتبين في وقت ما لا يتبين في وقت والمعاجلة بالعقوبة من المقت وأن يتغمد هفوات ذوي الهيآت وأن يستشعر الإشفاق ويخلع التكبر فإنه من ملابس أهل النفاق وليحسن لعباد الله اعتقاده ولا يرفض زمام العدل ولا مقاده وأن يعاقب المجرم قدر زلته ولا يعتز عند ذلته وليعلم أن الشيطان أغواه وزين له مثواه فيشفق من عثاره وسوء آثاره وليشكر الله على ما وهبه من العافية وأكسبه من ملابسها الضافية ويذكره جل وتعالى في جميع أحواله ويفكر في الحشر وأهواله ويتذكر وعدًا ينجز فيه ووعيدًا يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرًا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدًا بعيدًا‏.‏ والأمير أيده الله وليٌّ له ما عدل وأقسط وبريء منه إن جار وقسط‏.‏
فمن قرأه فليقف عند حده ورسمه وليعرف له حق قطع الشر وحسمه ومن وافقه من شريف أو مشروف وخالفه في شيء منكر أو أمرٍ بمعروف فقد تعرض من العقاب لما يذيقه وبال خبله ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله‏.‏ وكتب في كذا‏.‏ وفاته بمراكش ليلة الأحد لثمان بقين من محرم من عام تسع وعشرين وخمسماية ألفي قتيلًا ببيت من بيوت فندق لبيب أحد فنادقها وقد ذبح وعبث به وما شعر به إلا بعد ثلاث ليال من مقتله‏.‏
ومن المقريين والعلماء فرج بن قاسم بن أحمد بن لب التغلبي من أهل غرناطة يكنى أبا سعيد‏.‏
حاله هذا الرجل من أهل الخير والطهارة والزكا والديانة وحسن الخلق‏.‏
رأس بنفسه وحلي بفضل ذاته وبرز بمزية إدراكه وحفظه فأصبح حامل لواء التحصيل عليه بدار الشورى وإليه مرجع الفتوى ببلده لغزارة حفظه وقيامه على الفقه واضطلاعه بالمسائل إلى المعرفة بالعربية واللغة والمران في التوثيق والقيام على القراءات والتبريز في التفسير والمشاركة في الأصلين والفرايض والأدب‏.‏ جيد الحظ ينظم وينثر‏.‏ قعد ببلده للتدريس على وفور المسجد‏.‏
ثم استقل بعد وولي الخطابة بالمسجد الأعظم وأقرأ بالمدرسة النصرية في ثامن وعشرين من رجب عام أربعة وخمسين وسبعماية معظمًا عند الخاصة والعامة مقرونًا اسمه بالتسويد‏.‏
وهو الآن بالحالة مشيخته قرأ على الخطيب للقرى شيخنا أبي الحسن القيجاطي والخطيب الصالح الفاضل أبي إسحق بن أبي العاصي والقاضي العدل المحدث العالم أبي عبد الله بن بكر ولازم الشيخ الفقيه أبا عبد الله البياني وأخذ العربية عن شيخ العصر أبي عبد الله بن الفخار وروى عن الشيخ الرحال الراوية أبي عبد الله محمد بن جابر بن محمد القيسي الوادي آشي وغيرهم‏.‏
شعره من شعره في غرض النسيب قوله‏:‏ خذوا للهوى من قلبي اليوم ما أبقا فما زال قلبي للهوى كله رقا دعوا القلب يصلي في لظى الوجد ناره فنار الهوى الكبرى وقلبي هو الأشقا سلوا اليوم أهل الوجد ما ذابه لقوا فكل الذي يلقون بعض الذي ألقا فإن كان عبدٌ يسل العتق مالكًا فلا ابتغى من مالكي في الهوى عتقا بدعوى الهوى يدعو أناس وكلهم إذا سئلوا طرق الهوى جهلوا الطرقا فطرق الهوى شتى ولكن أهله يجوزون في يوم الرهان بها سبقا بسيما الهوى تسمو معارف أهله فحيث ترى سيما الهوى فاعرف الصدقا فمن زفرة تزجي سحايب زفرة إذا زفرة ترقى فلا عبرة ترقا إذا سكتوا عن وجدهم أغرت بهم بواطن أحوال وما عرفت نطقا ومن منظومه في وداع شهر رمضان المعظم قوله‏:‏ أأزمعت يا شهر الصيام رحيلا وقاربت يا بدر التمام أفولا أجدك قد جدت بك الآن رحلة رويدك أمسك للوداع قليلا نزلت فأزمعت الرحيل كلما نويت رحيلًا إذ نويت نزولا وما ذاك إلا أن أهلك قد مضوا نافنوا فأبصرت الديار طلولا وقفت بها من بعدهم فعل نادى لربع خلا يبكي عليه خليلا لقد كنت في الأوقات ناشئة التعني أشد به وطسًا وأقوم قيلا ولما انجلى وجه الهدى فيك مسفرًا سدلت على وجه الضلال سدولا متى ارتاد مرتادٌ مقيلًا لعثرة أتاك فألفى للعثار مقيلا وناديت فينا صحبة الخير أقبلوا بإقبالكم حزتم لدي قبولا لقد كنت لما واصلوك ببرهم حفيًا بهم برًا لهم ووصولا فكم أطلقوا فيها أعنة جدهم وكم أرسلوا فيها الدموع همولا دموعًا أثارت سحها ريح زفرة فسالت وخدت في الخدود مسيلا لديك أيا شهر الهدى قصروا المدى فكم لك في شأو الفضايل طولا دلايل تشريف لديك كثيرة كفى بكتاب الله فيك دليلا ومن الصوفية والصلحاء ومن الصوفية والصلحاء فضل بن محمد بن علي بن فضيلة المعافري يكنى أبا الحسن من أهل الشرق الأندلسي أبو الحسن الولي الصالح الصوفي‏.‏
حاله كان وليًا فاضلًا زاهدًا على سنن الفضلاء وأخلاق الأولياء غزير العلم كثير العمل دايم الاعتبار مشهور الكرامة مستجاب الدعوة صوفيًا محققًا انتهت إليه الرياسة في ذلك على عهده‏.‏
يدل على ذلك كلامه على أغراض القوم وكشفه عن رموزهم وإشاراتهم أديبًا بليغًا كاتبًا مرسلًا لا يشق غباره في ذلك‏.‏
قايمًا على تجويد كتاب الله عالي الرواية أسن وتناهى وازدلف إلى التسعين ممتعًا بجوارحه وولي الخطابة والإمامة بالمسجد الأعظم أقرأ به مدة كبيرة‏.‏
قال ابن الزبير في صلته‏:‏ كان جليلًا في ذاته وخلقه ودينه معدوم النظير في ذلك مشاركًا في فنون من العلم أديبًا بارعًا كاتبًا بليغًا فصيح القلم متقدمًا في ذلك متصوفًا سنيًا ورعًا وكراماته شهيرة فمنها أن رجلًا استفتاه فأفتاه بجواب لم يحصل له به الإقناع فرأى في عالم النوم وإثر سؤاله إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له الحق ما قال لك فلان في المسألة‏.‏
قال الحاكي فبكر إليه الرجل من الغد فلما أقبل عليه بموضع إقرايه قال له ألم ترد أن تستفتي يا أبا فلان إلا من رأس العين فبهت الرجل‏.‏ وأحواله شهيرة‏.‏ مولده ولد عام سبعة وستماية‏.‏
وفاته في الثامن عشر من محرم عام تسعة وتسعين وستماية‏.‏
ودفن بمقبرة ربض البيازين مع قومه من صلحاء الشرق وكانت جنازته مشهودة‏.‏
ومن العمال الأثرا فلوج العلج مولى يحيى بن غانية‏.‏
حاله كان فلوج شهمًا شجاعًا مهيبًا حازمًا نال من مولاه حظوة واستعان به على أموره المهمة‏.‏
وجرى على يده إغرام أهل قرطبة وانطلقت على أموالهم يده وأثرى وجمع مالًا دبرا من الصامت والذخيرة عظيمًا‏.‏
نكبته وكان يحيى بن غانيه قد ولاه حصن بني بشير فثقفه وحصنه ونقل إليه أمواله ومتاعه وذخيرته‏.‏ ولما توفي مولاه لحق به وملك أمره واستعان بجماعة من النصارى ثم بدا له لضعف رأيه وسوء تدبيره أن ألقى بيده إلى ابن أخي مولاه إسحق بن محمد بن غاليه فأناب ولحق به معتذرًا عن توقفه فقبض عليه وصفده وعرض عليه العذاب وأسكنه في تابوت باطنه مسامير لا يمكنه معها التصرف وأجاعه بمرأى من الطعام بمطبخه إلى أن مات جوعًا وألمًا‏.‏
وهو مع ذلك لا يطعمه في شيءٍ من المال‏.‏
وتخلف بالحصن رجلًا من جهة سرقسطة يعرف بابن مالك ويكنى أبا مروان‏.‏
فلما ذاع خبر القبض عليه بادر الموحدون الذين بلوشة فتغلبوا عليه واستولوا على ما كان به من مال وذخيرة ووجدوا فيه من أنواع الثياب والحلي والذخيرة كل خطير عظيم وشدوا على ابن مالك في طلب المال فلم يحدو عنده شيئًا‏.‏ إلى أن فدى نفسه منهم بمال كبير‏.‏
فمضى فلوج على هذا السبيل‏.‏
ومن المقربين والعلماء قاسم بن عبد الله بن محمد الشاط الأنصاري نزيل سبتة وأصله من بلنسية يكنى أبا القاسم‏.‏ قال والشاط إسم لجدي وكان طوالًا فجرى عليه الاسم‏.‏
حاله نسيج وحده في إدراك النظر ونفوذ الفكر وجودة القريحة وتسديد الفهم إلى حسن الشمايل وعلو الهمة وفضل الخلق والعكوف على العلم والاقتصار على الآداب السنية والتحلي بالوقار والسكينة‏.‏
اقرأ عمره بمدرسة سبتة الأصول والفرايض متقدمًا موصوفًا بالأمانة‏.‏
وكان موفور الحظ من الفقه حسن المشاركة في العربية كاتبًا مرسلًا ريان من الأدب ذا مماسة في الفنون ونظر في العقليات ضرورة لم يتزوج ممن يتحلى بطهارة وعفاف‏.‏
وقال في المؤتمن كان مع معارفه عالي الهمة نزيه النفس ذا وقار وتؤدة في مشيه ومجلسه يشاب وقاره بفكاهة نظيفة لا تنهض إلى التأثير في وقاره ظريف الملبس يخضب رأسه بالحنا على كبره‏.‏ مشيخته قرأ بسبتة على الأستاذ الكبير أبي الحسن بن أبي الربيع وبه تأدب وعلى أبي بكر بن مشليون وعلى الحافظ أبي يعقوب المحاسبي وعلى الطبيب أبي عبد الله محمد بن علي بن أبي خالد العبدري الأبدي وعلى أبي الحسن البصري وعلى خاليه أبي عبد الله محمد وأبي الحسن إبني الطرطاني وأجازه أبو القاسم بن البرا وأبو محمد بن أبي الدنيا وأبو العباس بن علي الغماز وأبو جعفر الطباع وأبو بكر بن فارس وأبو محمد الأنباري وغيرهم‏.‏
وأخذ عنه الجملة من أهل الأندلس من شيوخنا كالحكيم الأستاذ أبي زكريا بن هذيل وشيخنا أبي الحسن بن الجياب وشيخنا أبي البركات والقاضي أبي بكر بن شبرين وقاضي الجماعة أبي القاسم الحسني الشريف والوزير أبي بكر بن ذي الوزارتين أبي عبد الله بن الحكيم والقاضي أبي القاسم بن سلمون وغيرهم‏.‏
شعره فضل الجمال على الكمال بخده والحق لا يخفى على من وسطه عجبًا له برهانه بشروطه معه فما مطلوبه بالسفسطه علم التباين في النفوس وإنها منها مفرطة وغير مفرطة فيه رأت وجه الدليل وفرقه أصغت إلى الشبهات فهي مورطة فأراد جمعها معًا في حكمة هذي بمنتجة وذي بمغلطة ومن شعره قوله‏:‏ وإني سلكت من انقباضي مسلكًا وجريت من صمتي على منهاج وتركت أقوال البرية جانبًا كي لا أميز مادحًا من هاج دخوله غرناطة ورد على غرناطة عند تصير سبتة إلى الإيالة النصرية مع الوافد من أهلها ببيعة بلدهم فأخذ عنه بها الجملة ثم انصرف إلى بلده‏.‏
قال شيخنا أبو البركات وأنشدنا لنفسه‏:‏ قلت يومًا لمن اتخذت هواه ملةٌ قد تبعتها وشريعة لم تأب الوصال وهو مباح وتسوم المحب سوء القطيعة وأنشدنا‏:‏ وغزال أنس سل من ألحاظه سيفًا أراق دم الفؤاد بسله وبخده من ذلك أعدل شاهد يقضي بأن الفتك به من فعله مالي أطالبه فيدحض حجتي ودمي يطل وشاهدي من أهله وأنشدنا الفقيه أبو القاسم الزقاق قال أنشدنا الأستاذ أبو القاسم الشاط وقد خرجنا معه مشيعين إياه في انصرافه عن غرناطة آيبًا إلى بلده‏:‏ يا أهل غرناطة إني أودعكم ودمع عيني من جراكم جار تركت قلبي غريبًا في دياركم عساه يلقى لديكم حرمة الجار تواليفه منها أنوار البروق في تعقب مسايل القواعد والفروق‏.‏
وغنية الرابض في علم الفرايض‏.‏ وتحرير الجواب في توفير الثواب‏.‏
وفهرسة حافلة‏.‏ وكان مجلسه مألفًا للصدور من الطلبة والنبلاء من العامة حدثني شيخنا القاضي الشريف أبو القاسم قال كان يجلس عند رجل خياط من أهل سبتة يعرف بالأجعد من العامة فأخذ يومًا يتكلم عن مسألة فقال متمثلًا كما تقول الأجعد الخياط فعل كذا ثم التفت معتذرًا يتبسم وقال أتمثل بك فقال الأجعد بديهة إذًا يا سيدي أعتق عليكم إشارة إلى قول الفقهاء العبد يعتق على سيده إذا مثل به فاستظرف قوله‏.‏ مولده في ذي قعدة من عام ثلاثة وأربعين وستماية بمدينة سبتة‏.‏ وفاته توفي بها في آخر عام ثلاثة وعشرين وسبعماية وقد استكمل الثمانين‏.‏
ابن جابر قاسم بن عبد الكريم بن جابر الأنصاري من أه غرناطة يكنى أبا محمد ويعرف بابن جابر‏.‏
حاله كان رحمه الله من جلة أهل العلم والفضل حسن الأخلاق مليح الحديث عذب الفكاهة لطيف الحاشية على دين والتزام سنة‏.‏ رحل إلى المشرق فلقي العلماء وأخذ عنهم وكلف بعلم الجدل فقرأه كثيرًا وبهر فيه‏.‏ وورد على غرناطة من رحلته فأقرأ بها الأصول وغيرها من مشيخته قرأ بغرناطة على الخطيب ولي الله أبي الحسن بن فضيلة والأستاذ خاتمة المقريين أبي جعفر بن الزبير وولي القضاء بسطة ثم كلف بالإقراه وعكف عليه فلم ينتقل عنه‏.‏
من أخذ عنه‏:‏ أخذ عنه كراسة الفخر المسماة بالآيات البينات وكان قايمًا عليها جملةٌ من شيوخنا كالأستاذ التعاليمي أبي زكريا بن هذيل والأستاذ المقري أبي عبد الله بن البياني‏.‏
شعره وله شعر أنشدنا الشيخ أبو القاسم بن سلمون قال أنشدنا في شيخنا ابن جميل قوله‏:‏ إن أطلع الشرق شمسٌ دنيا قد أطلع الغرب شمس دين وبين شمس وبين شمس ما بين دنيا وبين دين مولده ولد بغرناطة عام تسعة وستين وستماية‏.‏
وفاته توفي بها في جمادى الآخرة أو رجب من عام أربعة عشر وسبعماية‏.‏
قاسم بن يحيى بن محمد الزروالي يكنى أبا القاسم ويعرف بابن درهم ما لقي أصله من جبال تاغسي ودخل غرناطة وقرأ بها‏.‏
حاله من تذييل صاحبنا القاضي أبي الحسن قال فيه‏:‏ كان رحمه الله واحد زمانه ينبوع الحكمة يتفجر من لسانه وعنوان الولاية على طيلسانه‏.‏
ومن عايد الصلة‏:‏ كان رحمه الله علمًا من أعلام الزهد والورع والديانة والتقلل من الدنيا والعكوف على تجويد كتاب الله وإقرايه منقطع القرين فيه كثير المناقشة والتحقيق يرى أن ليس في الأرض من يحكم ذلك حق إحكامه ما لم يأخذه‏.‏
مشيخته قرأ على جملة من حملة كتاب الله بالمشرق والمغرب والأندلس وعني بذلك‏.‏
ثم لم يعتمد منهم إلا على الأستاذ أبي إسحق الغافقي بسبتة والخطيب أبي جعفر بن الزيات ببلش من الأندلس واستمرت حاله على سبيلها من الزهد والانقباض والتنطع والإغراق في الصلاح والشذوذ في بعضٌ من نوادره مع اخشيشانه‏:‏ حدثني القاضي أبو الحسن بن الحسن أن بعض الطلبة المتنسكين قال له أتيتك أقرأ عليك فأستخير الله ثم أتاه فقال قد استخرت وهم بالقراءة فقال له الشيخ‏.‏ إمسك حتى أستخير أنا الله في قرائتك علي فقال الطالب وهذا عمل بر فقال له الحجة عليك‏.‏ فانفصل عنه‏.‏
ثم عاد إليه يسل منه القراءة فقال يا بني ظهر لي أن لا تقرأ علي فانصرف‏.‏
من أخباره في الكرامة قال لي المذكور وقد أزمعت السفر إلى ظاهر طريف مع جمع المسلمين أنك إن سافرت يا ولدي تقاسي مشقة عظمى إن سبق القدر بحياتك والله يرشدك وقد كنت شرعت في ذلك مع رفقائي‏.‏
وفي سحر ليلة اليوم الذي انهزم فيه المسلمون رأيته في النوم يقول لي منكرًا علي قلت لك لا تسافر يكررها فاستيقظت وأوقع الله بقلبي الرجوع إلى الجزيرة لآراب أقضيها فما بلغ زوال الشمس من اليوم إلا ومقدمة الفل على أطواق البلد في أسوإ حال‏.‏
وفاته توفي ببلدة مالقة خامس صفر من عام خمسين وسبعماية في وقيعة الطاعون توفي وآخر كلامه رزقنا الله عملًا صالحًا يقربنا إليه زلفى وجعلنا ممن يمر على عقبتي الدنيا والآخرة مرور أهل التقوى‏.‏
من الكتاب والشعراء قرشي بن حارث بن أسد بن بشر بن هندي بن المهلب بن القاسم ابن معاوية بن عبد الرحمن الهمداني حاله هو أعرق الناس في الشعر لأن جده المهلب كان شاعرًا وولده هندي كذلك وأسد وحارث وقرشي فهم شعراء سنة على نسق ويدل شعرهم على شرف نفوسهم وبعد هممهم‏.‏
شعره قال أبو القاسم الغافقي من شعره قوله في هاشم بن كعب التميمي من أنجد الفرسان قتل في يوم خمسة من أنجاد المولدين‏:‏ هجرت القوافي والظبا الأوانسا ودعت لذاتي نعم واللواعسا ورعت فؤادي بالمشيب عن الصبا وأصبحت عن عهد الغواية يائسا فما حملت أنثى كمثلك سيدًا ولا حملت خيلٌ كمثلك فارسا الورسيدي قاسم بن محمد بن الجد العمري يكنى أبا القاسم ويعرف بالورسيدي من أهل ألمرية وتكرر وروده على غرناطة‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:34 AM

حاله قال شيخنا أبو البركات كان حسن الأخلاق سليم الصدر بعيدًا عن إذاية الناس بيده أو لسانه بالجملة له خط لابأس به ومعرفة بالعدد وسلك الطريقة الزمامية وله حظ من قرض الشعر‏.‏
وجرى ذكره في الإكليل بما نصه‏:‏ من أيمة أهل الزمام خليق برعي الذمام ذو حظ كما تفتح زهر الكمام وأخلاق أعذب من ماء الغمام‏.‏
كان ببلده محاسبًا في لجة الأعمال راسبًا صحيح العمل يلبس الطروس من براعته أسنى الحلل‏.‏
شعره قال يمدح المقام السلطاني‏:‏ أرى أوجه الأيام قد أشرقت بشرا فقل لي رعاك الله ما هذه البشرا ونقبت الشمس المنيرة وجهها قصورًا عن الوجه الذي أخجل البدرا وما زالت بأغصان الرجال أريحية كما عطفت أعطافها تنثني شكرا فما ذاك إلا أن بدا وجه يوسف فأربت على الآيات آياته الكبرا خليفة رب العالمين الذي به تمهدت الأرجاء وامتلأت بشرا وجرت على أعلى المجرة ساحبًا ذيول العلى فاستكمل النهى والأمرا وقام بأمر الله يقضي ويقتضي الفتوح التي تبقي له في العلى ذكرا وأربى على كل الملوك وفاتهم بسيرته الحسنى التي قد علت قدرا وهي طويلة ومن شعره أيضًا قوله‏:‏ من أين أقبلت يا نسيم جادت بساحاتك الغيوم ولا عدمناه سنك سرى حل به عندنا النعيم بلغ سلامى أهيل ودى بلغك الله ما تروم قل لهم صبكم مشوقٌ أنحله وجده القديم لطالما يسهر الليالي وطي أضلاعه جحيم هبوا رضاكم لذي غرام ما زال قدمًا بكم يهيم لو ثر ساعد السعد أن أراكم لما اشتكى قلبي السقيم يا حادي العيس نحو أرض بنيقة قدرها عظيم إذا أتيت اللوى وسلفا وبان للناظر الحطيم ولاح بالأبرقين بدرٌ بسيره تهتدي النجوم فقل غريبٌ ثوى بقرب في بحر أوزاره يعوم قد أثقلت ظهره الخطايا وشجبت ذكره الرسوم إن أعمل الحزم لارتحال أقعده ذنبه العظيم لهفي هذا الشباب ولى والقلب في غيه مقيم يا رب عفوًا لذي اجترام لا تهتك الستر يا حليم مالي شفيع سوى رجايي وحسن ظني أيا كريم فلا تكلني إلى ذنوبي وارحمني يا ألله يا رحيم وفاته من المحدثين والفقهاء والطلبة النجباء قاسم بن أحمد بن محمد بن عمران الحضرمي من أهل سبتة‏:‏ حاله من خط صاحبنا القاضي أبي الحسن بن الحسن‏.‏ قال كان شيخًا يتقد ذكاءً‏.‏
رحل عن سبتة إلى الحجاز فقضى الفريضة وتطور في البلاد المشرقية نحوًا من أربعة عشر عامًا وأخذ بها عن جلة من العلماء‏.‏
وورد على غرناطة في حدود عام ثمانية عشر وسبعماية فأخذ عن بعض أشياخها وعاد إلى بلده وكان على خزانة الكتب به وكان يقرىء القرآن به قال وأنشدني لما لقيته بيتًا واحدًا يحتوي على حروف المعجم وهو‏:‏ قد ضم نصر وشكا بثه مذ سخطت عض على الإبط مشيخته أخذ بالمشرق عن جماعة منهم شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي طالب الدمشقي الحجار والشيخ المحدث أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد الشيرازي ابن جميل قرأ عليه كتاب ابن الحاجب وحدثه به عن مؤلفه وقرأ على الشيخين المقريين الجليلين أبي عبد الله محمد بن عبد الخالق المعروف بابن الضايع وأبي عبد الله بن يعقوب الجراش المقدسي جملة من الكتب الحديثية وغيرها وسمع عليهما كتاب الشاطبية وحدثاه بها معًا عن المقري أبي الحسن علي كمال الدين بن شجاع العباسي الضرير عن صهره مؤلفها‏.‏
تواليفه قال‏:‏ له في القراءات تقييد حسن سماه الشافي في اختصار التيسير الكافي وفاته توفي أيام الطاعون العام ببلده‏.‏ ابن خضر قاسم بن خضر بن محمد العامري يكنى أبا القاسم ويعرف بابن خضر هكذا دون تعريف‏.‏ يعرف سلفه ببني عمرون من أهل حاله من خط شيخنا أبي البركات كان هذا الشيخ من وجوه ألمرية وممن تصرف سلفه في خطة القضاء بها‏.‏
وهو أقدم خطيب أدركته بسني بجامعها الأعظم‏.‏
وكان شيخًا عفيفًا من رجال الجد ضيق العطن سريع الغضب غيورًا على تلك الخطة لا يحلى بعينه أحد‏.‏ لما مات رفيقه في الصلا والخطبة الشيخ الشهير عند العامة ثالث اثنين الخراسي والنطية أبو عبد الله بن الضايع فكل من عرض عليه أن يكون معه أباه فقال أهل البلد فما العمل فقال يكتب إلى أبي القاسم ابن الحاج إلى سبتة ليأتي إلى أرض سلفه ويكون رفيقي في الصلاة والخطبة يعني عمي فكتب إليه بذلك فكانت المسألة عند الآخر أهون من أن يجيب على الكتاب ولو بالإباية فبقي الأمر إلى أن قدم معه الشيخ الصالح الخطيب المصقع أبو الحسن بن فرحون البلفيقي فلم يجد فيه قادحًا إلا كونه ليس من أهل البلد فبقي مرافقًا له إلى حين وفاته غريبة‏:‏ قال الشيخ أخبرتني جدتي عائشة بنت يحيى بن خليل قالت كان الرجل الصالح أبو جعفر بن مكنون خال قاسم بن خضر هذا فرآه يلعب مع الصبيان في أزقة ألمرية فقال له من يكون خطيب ألمرية يلعب فبقيت في حفظه إلى أن ولي الخطابة‏.‏
توفي في صفر من عام ثلاثة وسبعماية وكانت جنازته مشهودة حرف السين سوار بن حمدون بن عبده بن زهير بن ديسم بن قديدة بن هنيدة وكان علمًا من أعلام العرب وصاحب لواء قيس بالأندلس ونزل جده بقرية قربسانة من إقليم البلاط من قرى غرناطة وبها أنسل ولده ولم يزالوا أعلامًا إلى أن ظهر سوار هذا منهم في الفتنة‏.‏
حاله وبعض آثاره وحروبه قال أبو القاسم كان سوار هذا بعيد الصيت رفيع الذكر شجاعًا محبًا في الظهور حامي العرب وناصرهم‏.‏ وكان له أربعة من الإخوة مثله في الشجاعة حضروا معه في الحروب في الفتنة وهو الذي بنى المدينة الحمراء بالليل والشمع تزهر لعرب الفحص وبنى مدينة وادي آش لبني سامي وبنى مدينة منتيشة لبني عطاف وبنى مدينة بسطة لبني قحطبة وبني مسيرة وبني كورة جيان للعرب‏.‏
ولولا أن الله من على العرب بسوار ونصره لما أبقى العجم والمولدون منهم مبدأ أمره وحروبه وشعره قال أحمد بن عيسى بعد اختصار في صدر هذه السنة يعني سنة خمس وسبعين ومائتين ثار سوار بن حمدون بناحية البراجلة من كورة إلبيرة وانضوت إليه العرب قام على تفئة مهلك يحيى بن صقالة أميرهم قتيل المسالمة والمولدين فطلب بثأره وكثرت أتباعه واعترت العرب له وقصد بجمعه إلى ست شافر وبه من عدوه المذكورين نحو من ستة آلاف رجل نازلهم حتى قهرهم‏.‏ وطاف على حصونهم فافتتحها وقتل وغنم وتنادوا لقتاله في جموع عظيمة عليها جعد بن عبد الغافر عامل الأمير عبد الله وبرز إليهم فيمن برز وناشبهم الحرب فانهزموا فقتل منهم خلق حرزوا بسبعة آلاف وأسر جعد ومن عليه وأطلقه وكانت وقيعته الأولى هذه تعرف بوقيعة جعد‏.‏ وغلظ واستند إلى حصن غرناطة بالعرب من مدينة إلبيرة‏.‏
وكانت العرب يتألبون على المولدين إلى أن عزل الأمير جعدًا عن الكورة إرضاءً لسوار فأظهر عند ذلك الطاعة وغزا الحصون الراجعة إلى ابن حفصون فأوقع بهم فهاجمهم واجتمعت عليه كلمتهم فقصدوه وحصروه بغرناطة في نحو عشرين ألفًا وبرز إليهم في عدده القليل من عبيده ورجال بيوتات العرب من أهل إلبيرة ورجعوا من جبل الفخار على تعبئة يريدون الباب الشرقي من غرناطة وكادهم لما التحمت الحرب وشب ضرامها بما دبره من انسلاله في لخمة من فرسانه حتى استدبرهم فحمل بشعاره فانذعروا وانفضوا فتوهم حماتهم أن مددًا جاءهم من ورائهم فولوا منهزمين وأعمل سوار وأصحابه السيوف فيهم إلى باب إلبيرة فيقال إن قتلاهم في هذه الوقيعة الثانية كانوا إثني عشر ألفًا وهي الوقيعة المعروفة بوقعة المدينة ولاذ المولدون بعد هذا بعمر بن حفصون واستدعوه فوافاهم في جيش عظيم ودخل إلبيرة وناهض سوارًا‏.‏
وعنده رجالات عرب الكور الثلاث إلبيرة وجيان وريه واشتد القتال وجال جيش ابن حفصون جولة جرح فيها جراحات صعبة وكاد سوار يأتي عليه لولا رجال صدقوه الكر واستنقذوه وتمت عليه الهزيمة فانقلب على عقبه ونالت الحضرة معرته فأغرم أهلها الذين استجلبوه ما تشعث من عسكره واستعمل عليهم قائده حفص بن المرة وانصرف‏.‏
ونجح سوار بما تهيأ له على أعدائه فاعتلت همته وأجلته العرب وعلا في الناس ذكره وقال الأشعار الجزلة فيما تهيأ له على المولدين وأكثر الافتخار بنفسه فشهر من قوله في ذلك‏:‏ صرم الغواني يا هنيد مودتي إذ شاب مفرق لمتي وقذالي وصددن عني يا هنيد وطالما علقت حبال وصالها بحبالي وهي طويلة أكثر فيها الفخر وألم بالمعنى‏.‏
ولما انصرف عمر بن حفصون وترك قائده بإلبيرة جهز معه طائفة من خيله وأقره لمغاورة سوار ودرك النيل لديه وأعمل حفص جهده وطلب غرته فأمكنه الله منه وأنه دنا إليه يومًا وقد أكمن أكثر خيله وظهر له مستغيرًا بجانب من حصنه فخرج سوار مبادرًا من غرناطة لأول الصيحة في نفر قليل لم يحترس من الحيلة التي يحذرها أهل الحزم فأصحر لعدوه وخرجت الكماين من حوله فقتل وجيء بجثته إلى إلبيرة فذكر أن الثكالى من نسايهم قطعن لحمه مرقًا وأكلنه حنقًا لما نالهن من الثكل‏.‏
وكان قتل سوار في سنة سبع وسبعين ومايتين وقتلت العرب بقتل سوار وكل حدها بما نزل بها‏.‏
سليمن بن الحكم بن سليمن بن عبد الرحمن الناصر لدين الله الخليفة بقرطبة المكنى بأبي أيوب الملقب من الألقاب الملوكية بالمستعين بالله‏.‏
أوليته‏:‏ معروفة‏.‏
حاله كان أديبًا شاعرًا مجموع خلال فاضلة أصيل الرأي راجح العقل ثبتًا‏.‏
ولي الخلافة غلابًا وقعصًا ومنازعة وأوقع بأهل قرطبة وقائع أبادتهم‏.‏
وخلع ثم عادت دولته وجرت له وعليه الهزايم على قصر أمد خلافته لقيام البربر بدعوته وتدويخ البلاد باسمه في أخبار فيها عبرة دخل في بعض حركاتها وهولاتها المبيرة إلى أن طحنته رحى الفتنة وشيكًا عن دنيا غير هنية وصبابة ليست بسنية شعره من شعره يعارض المقطوعة الشهيرة المنسوبة للرشيد‏.‏
عجبًا يهاب الليث حد سناني وأهاب لحظ فواتر الأجفان فأقارع الأهوال لا متهيبًا منها سوى الإعراض والهجران وتملكت نفسي ثلاث كالدمى زهر الوجوه نواعم الأبدان ككواكب الظلماء لحن لناظري من فوق أغصان على كثبان هذي الهلال وتلك أخت المشتري حسنًا وهذي أخت غصن البان حاكمت فيهن السلو إلى الهوى فقضى بسلطان على سلطان فأبحن من قلبي الحمى وتركنني في عز ملكي كالأسير العان مقتله قتله علي بن حمود المتقدم الذكر متولي الأمر بعده صبرًا بديه بدم هشام المؤيد وقال لما زحف إليه لا يقتل الزلطان إلا الزلطان يعني السلطان إذ كان بربري اللسان وذلك في أخريات المحرم من سنة سبع وأربع ماية‏.‏
سليمان بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان يكنى أبا أيوب‏.‏
حاله كان شهمًا جريئًا أنوفًا شجاعًا دينًا فاضلًا‏.‏
ولما توفي أبوه بقصر قرطبة وهشام وأبو أيوب هذا غائبان وكل ابنه عبد الله المعروف بالبلنسي وقال من سبق إليك من أخويك فارم إليه بالخاتم فإن سبق إليك هشام فله فضل دينه وعفافه واجتماع الكلمة عليه‏.‏
فإن سبق إليك سليمن فله فضل دينه ونجدته وحب الشاميين له‏.‏
فقدم هشام من ماردة وتولى الخلافة قبل سليمن‏.‏
واتصل ذلك بسليمن فأخذ لنفسه البيعة بطليطلة وما اتصل بها ودعا إلى نفسه ‏.‏
وواضع أخاه الحرب غير ما مرة تجري عليه في كلها الهزايم إلى أن تبرم بنفسه وأجاز البحر عن عهد إلى ستين ألفًا بذلت له واستقر بأهله وولده ببلاد البربر‏.‏
ولما صار الأمر للحكم بن هشام عاد إلى الأندلس سنة اثنتين وثمانين ومائة وكان اللقاء في شوال منها فانهزم سليمان ثم عاد للقاء فانهزم‏.‏
وفي سنة أربع وثمانين حشد واحتل بجيان ثم بإلبيرة والتقى بها معه الحكم ودام القتال أيامًا حتى هم الحكم بالهزيمة ثم انهزم سليمن وقتل في المعركة بشرٌ كثير وأفلت سليمن إلى جهة ماردة‏.‏
وبالتقاء الحكم وعمه سليمن بإلبيرة وأحوزاها إستحقا الذكر هنا على الشرط المعروف‏.‏
وفاته وبعث الحكم أصبغ بن عبد الله في طلب سليمن فأسره وأتاه به فأمر بقتله وبعث برأسه إلى قرطبة‏.‏
قتل في سنة خمس وثمانين بعدها‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:36 AM

سعيد بن سليمان بن جودي السعدي حاله كان سعيد بن سليمن صديق سوار فغصبت العرب الإمارة به بعده وعلقت به فقام بأمرها وضم نشرها وكان شجاعًا بطلًا فارسًا مجربًا قد تصرف مع فروسيته في فنون من العلم وتحقق بضروب من الآداب فاغتدى أديبًا نحريرًا وشاعرًا محسنًا واتصل قيامه بأمر العرب إلى أن قتل‏.‏
شعره ومن شعره في وقيعة سوار بالمولدين قوله من قصيدة طويلة‏:‏ قد طلبنا بثأرنا فقتلنا منكم كل مارق وعنيد قد قتلناكم بيحيى وما أن كان حكم الله بالمردود هجتم يا بني العبيد ليوثًا لم يكونوا لجارهم بقعود فاصطلوا حرها وحد سيوف تلظى عليكم بالوقود حاكمٌ ماجدٌ يقود إليكم فئةً سادةً كمثل الأسود مهذبٌ من نزار وعميدٌ ما مثله من عميد يطلب الثأر بابن قوم كرام أخذوا بالعهود قبل المهود قد قتلنا منكم ألوفًا فما يعدل قتل الكريم قتل العبيد مثلوه لما أضاف إليهم لم يكن قتله برأي سديد قتلته عبيد سوءٍ لئامٌ وفعال العبيد غير حميد لم يصيبوا الرشاد فيما أتوه لا ولا كان جدهم لسعود قد غدرتم به بني اللؤم من بعد يمينٍ قد أكدت وعهود فلئن كان قتله غدرةً ما كان بالنكس لا ولا الرعديد كان ليثًا يحمي الحروب وحصنًا وملاذًا وعصمة المقصود كان فيه التقى مع الحلم والبأس وجودٌ ما مثله جود عالٍ مجد الأمجاد بعدك قديمًا وفت كل مجيد فجزاك الإله جنة عدن حيث يجزي الثواب كل شهيد مقتله قال الملاحي كان من الأعلام وعد في الشعراء والفرسان والخطباء والبلغاء خطب بين يدي الخليفة المنذر وهو حدث أول ما أفضت الخلافة إليه وعليه قباء خز وقد تنكب قوسًا عربية والكنانة بين يديه‏.‏
خطب خطبة بليغة وصلها بشعر حسن ولم يزال اللوا يتردد عليه في العز والمقام ويخطب في أعلى المنبر في المسجد الجامع بإلبيرة‏.‏
وسجل له الخليفة عبد الله على الكورة إلى أن هم بالقيام على بني أمية عندما اشتدت شكيمته وظهر على عمر بن حفصون إلى أن قتل بسبب امرأ تمت عليه الحيلة لأجلها بدار يهودية إذ كان منحطًا في هوى نفسه فطاح في ذي قعدة سنة أربع وثمانين ومايتين وصار أمر العرب بعده إلى محمد بن أضحى حسبما يتقرر في مكانه‏.‏
ومن ترجمة الأعيان والوزراء والأماثل والكبراء سهل بن محمد بن سهل بن مالك بن أحمد بن إبراهيم بن مالك الأزدي صدر هذا البيت وياقوتة هذا العقد يكنى أبا الحسن‏.‏
قال أبو جعفر بن مسعدة كان رأس الفقهاء وخطيب الخطباء البلغاء وخاتمة رجال الأندلس‏.‏
تفنن في ضروب من العلم وبالجملة فحاله ووصفه في أقطار الدنيا لا يجمله أحد فحدث عن البحر ولا حرج ضن الزمان أن يسمح برجل حاز الكمال مثله حاله قال ابن عبد الملك كان من أعيان مصره وأفضل أهل عصره تفننًا في العلوم وبراعة في المنثور والمنظوم محدثًا ضابطًا عدلًا ثقة ثبتًا حافظًا للقرآن العظيم مجودًا له متقنًا في العربية وافر النصيب من الفقه وأصوله كاتبًا مجيدًا للنظم في معرب الكلام وهزله ظريف الدعابة مليح التندير‏.‏
له في ذلك أخبار مستظرفة متناقلة ذا جدة ويسار متين الدين تام الفضل واسع المعروف عميم الإحسان تصدق عند القرب من وفاته بجملة كبيرة من ماله ورباعه وله وفادةٌ على مراكش‏.‏
مشيخته روى ببلده عن خاله أبي عبد الله بن عروس وخال أمه أبي بكر يحيى بن محمد بن عروس وأبي جعفر بن حكم وأبي الحسن بن كوثر وأبي خالد بن رفاعة وأبي محمد عبد المنعم بن الفرس‏.‏ وبمالقة عن أبي زيد السهيلي وأبي عبد الله بن الفخار‏.‏
وبمرسية عن أبي عبد الله ابن حميد وأبي القاسم بن حبيش‏.‏
وبإشبيلية عن أبي بكر بن الجد وأبي عبد الله بن زرقون وأبوي عبد الله بن العباس بن مضاء والجراوي الشاعر وأبي الوليد بن رشد‏.‏ قرأ عليهم وسمع وأجازوا له‏.‏
وأجاز له من أهل الأندلس أبو محمد عبد الله نزيل سبتة وعبد الحق بن الخراط نزيل بجاية‏.‏
ومن أهل المشرق جماعة منهم إسمعيل بن علي بن إبراهيم الجراوي وبركات بن إبراهيم الخشوعي أبو الطاهر وعبد الرحمن ابن سلامة بن علي القضاعي وغيرهم ممن يطول ذكرهم‏.‏
من روى عنه‏:‏ روى عنه أبو جعفر بن خلف والطوسي وابن سعيد القزاز وأبو الحسن العنسي وأبو عبد الله بن أبي بكر البري وابن الجنان وأبو محمد عبد الرحمن بن طلحية وأبو محمد بن هرون وأبو القاسم ابن نبيل وأبو يعقوب بن إبراهيم بن عقاب وأبو جعفر الطباع وأبو الحجاج بن حكم وأبو الحسن الرعيني وأبو علي بن الناظر وغيرهم‏.‏
ثناء الأعلام عليه‏:‏ والمجال في هذا فسيح‏.‏
ويكفي منه قول أبي زيد الفزاري‏:‏ عجبًا للناس تاهوا بثنيات المسالك وصفوا بالفضل قومًا وهم ليسوا هنالك كثر النقل ولكن صح عن سهل بن مالك شعره وشعره كثير مما ينخرط في سلك الجيد فمن ذلك قوله‏:‏ نهارك في بحر السفاهة يسبح وليلك عن نوم الرفاهة يصبح وفي لفظك الدعوى وليس إزاءها من العمل الزاكي دليل مصحح إذا لم توافق قولةً منك فعلةً ففي كل جزءٍ من حديثك تفصح تنح عن الغايات لست من أهلها طريق الهوينا في سلوكك أوضح إلى كم أماشيها على الرغم غاية يصيب المزكي عندها والمجرح وعليها ألا تنو ولا تنى فتحسن في عين الشيبان وتقبح عسى وطرٌ مونقٌ فالتمس الرضا واقرع أبواب الرشاد فتفتح فقد ساء ظني بالذي نا أهله وفضلك يا مولاي يعفو ويصفح وقال في تشييع بعض الفقهاء من غرض الأمداح‏:‏ يلقاك من كل من يلقاك ترحيب ومن خليفتها عزٌّ وتقريب وتصطفيك إلى أحوازها رتب لها على مفرق الجوزاء ترتيب تأتي إليك بلا سعي بلا سبب كأن تركك للأسباب تسبيب من كل مشغوفةٍ بالحسن دام لها إلى غنائك تصعيد وتصويب يلقاك بالبشر والإقبال خاطبها وحظها منك إعراض وتقطيب ما زلت ترغب عنها وهي راغبة كأن زهدك فيها عنك ترغيب فانهض إليها فلو تستطيع كان لها إلى لقايك إرجاءٌ وتقريب إذا أهم بني الدنيا نعيمهم فهمها البيض والجرد السلاهيب فوق الكواكب مضروبٌ سرادقها على أفق الأفلاك تطنيب كرعت في ظلها الصافي بسلسلها كأنها لك في المشروب شريب في قبية من بني الآمال قد قرعت سهمٌ إلى طلب العليا طبابيب إذا حضرنا طعامًا فهي مأدبة وإن سمعنا كلامًا فهو تأديب ومن يلذ بأبي إسحاق كان له أعلاق مالٍ وأغلاق وتهذيب يا ملد السر من قلبي ويا ملكًا إن ناب خطب فمن جدواه تأنيب هب القرار لآمالٍ مسافرة وقد أضر بها بعدٌ وتغريب ففي يمينك وهابًا ومنتظمًا بسطٌ وقبضٌ وترغيبٌ وترهيب وما يصر كتابًا راق منظره إن ناله من تراب الأرض تتريب لك السيادة لا يلقى لسؤددها مثلٌ وإن طال تنقيرٌ وتنقيب عزمٌ كحد سنان الرمح يصحبه عدل كما اعتدلت فيه الأنابيب سر حيث شيت موفى من مكارمها يهابك الدهر والشبان والشيب في غرة تخنق الأيام جدتها لها على أفق الأملاك تطنيب ومن نمط النسيب والأوصاف قوله وهو بسبتة بعد وصوله من مراكش وهو مما طار من شعره‏:‏ لما حططت بسبتة قتب النوى والقلب يرجو أن تحول حاله والجو مصقول الأديم كأنما يبدي الخفي من الأمور صقاله عانيت من بلد الجزيرة مسكنًا والبحر يمنع أن يصاد غزاله كالشكل في المرآة تبصره وقد قربت مسافته وعز مناله ومن شعره قوله رحمه الله‏:‏ تبسم واستأثرت منه بقبلة فشمت أقاحًا وارتشفت عقارا ومر فأيدى الريح ترسل شعره كما ستر الليل البهيم نهارا فيا لك ليلًا بالكثيب قطعته كما رعت بالزجر الغراب فطارا تغص بنا زهر الكواكب غيرةً فتقدح في فحم الظلام شرارا وقلت أخاف الشمس تفضح سرنا فقالت معاذ الله تفضحني أخت ومن الحكم وأبيات الأمثال قوله رحمة الله عليه‏:‏ منغص العيش لا يأوي إلى دعة من كان ذا بلد أو كان ذا ولد والساكن النفس من لم ترض همته سكنى مكانٍ ولم تسكن إلى أحد ومن شعره‏:‏ ولا مثل يوم قد نعمنا بحسنه مذهب أثناء المروج صقيل إلى أن بدت شمس النهار تروعنا بسير صحيح واصفرار عليل ولما توارت شمسه بحجابها وأذن باقي نورها برحيل وغابت فكان الأفق عند مغيبها كقلبي مسودٌّ لفقد خليل أتانا بها صفرًا يسطع نورها فمزق سربال الدجا بفتيل فردت علينا شمسنا وأصيلنا بمشبه شمسٍ في شبيه أصيل ومن نثره قوله يخاطب بني أبي الوليد بن رشد تعزيةً في أبيهم واستفتحه بهذه الأبيات‏:‏ ألا ليت شعري هل لطالب غاية وصولٌ وأحداث الزمان تعوقه وما كان ظني قبل فقد أبيكم بأن مصابًا مثل هذا أطيقه ولم أدر من أشقى الثلاثة بعده أبناؤه أم دهره أم صديقه ومن شاهد الأحوال بعد مماته تيقن أن الموت نحن نذوقه رجوعًا إلى الصبر الجميل فحقه علينا قضيى أن لا توفي حقوقه أعزيكم في البعد عنه فإنني أهنيه قربًا من جوارٍ يروقه فما كان فينا منه إلا مكانه وفي العالم العلوي كان رفيقه إيه عن المدامع هلا تلا انحدار الدمعة انحدار الدمعة انحدارها والمطامع هل ثبت على قطب مدارها والفجائع أغير دارٍ بني رشد دارها فإنه حديث أتعاطاه مسكرًا وأستريح الله مفكرًا وابثه باعثًا على الأشجان مذكرًا ولا أقول كفا وقد ذهب الواخذ الذي كنت تتلافى ولا أستشعر صبرًا وقد حل نور العلم قبرًا بل أغرق الأجفان بمالها وأستدعي الأحزان بالشهير من أسمائها واستوهب الأشجان غمرة غماتها‏.‏
ثم أتهالك تهالك المجنون وأستجير من الحياة بريب المنون وأنافر السلوة منافرة وسواس الظنون ولا عتب فإذا خامر الواله جزعه فإلى نصرة المدامع مفزعه وإذا ضعف احتماله فإلى غمرة الإغماء مآله ومن قال إن الصبر أولى وليته من ذلك ما تولى‏.‏
أما أنا فأستعيذ من هذا المقام وأستعفيه وأنزه نفس الوفا عن الحلول فيه فإنه متى بقي للصبر مكان ففي محل الحزن لقبول ما يقاومه إمكان وقد خان الإخاء وجهل الوفاء من رام قلبه السلو وألفت عينه الإغفاء‏.‏
هو الخطب الذي يقي الهجود وألزم أعين الثقلين وبه أعظم الدهر المصاب وفيه أخطأ سهم المنية حين أصاب‏.‏
فحقنا أن نتجاوز الجيوب إلى القلوب ونتغلب إذا غالبنا الحزن بصفة المغلوب وإذا كان الدهر السالب فلا غضاضة على المسلوب أستغفر الله قفا نتذكر من مفقودنا رضي الله عنه حكمه ونشاهد بعين البصيرة سيمه فأجدهما يكفان من واكف الدمع ديمه ويقولون عندي آسة المصاب ومزاحمة الأوصاب أمران وقع فقد ضر فوق ما نفع فإنه لا ألم الحزن شفاه ولا حق المصيبة وفاه ولا الذاهب الفايت استرجعه وتلافاه فربما جنحت إلى الصبر لا رغبة فيه بل إيثارًا لمقصده وتشيعًا لتصافيه فأستروح رايحة السلو وأنحط قاب قوسين أو أدنى عن سدرة ذلك العلو وأقف بمقام الدهش بين معنى الحزن المستحكم ولفظ القرا المتلو‏.‏
فأبكي بكا النساء وأصبر صبر الرؤساء وأحرز رزايا الفضلاء بفضل رزايا الأخساء موازنة بين هذا الوجود ونحل تتعاقب على نحل الجود‏.‏
فالدهر يسترجع ما وهب كان الصفراء أو الذهب‏.‏
وإذا تحقق عدم ثباته وعدم استرجاعه لجميع هباته كان المتعرض لكثيره محلًا لتأثيره‏.‏
فلا غرو أن دهمكم الرزء مورد الفلك الدابر منه الجزأ فطالما بتم ترضعكم الحكمة أخلاقها وتهبكم الخلافة آلافها وتؤملكم الأيام خلافها‏.‏
وإذا صحيت العقول وضن بما لديه المعقول وصارت الأذهان إلى حيث لا تتصور الألسنة بحيث لا تقول وردتم معينًا ووجدتم معينًا وافتضضتموها كمثل اللؤلؤ المكنون صورًا عينًا‏.‏
أظننتم أن عين الله تنام أم رمتم أن يكو صرحًا إلى إله موسى ذلك السنام لشد ما شيدتم البناء وألزمتم اتباع الأب الأبناء حتى غرق الأول في الآخر وصار السلف على ضخامته أقل المفاخر‏.‏
ومن علت في علاها قدم ترقيه ولم يصب بكماله عينًا يحفظ من عين العلن ويقيه فكثيرًا ما يأتيه محذوره من جهة توقيه‏.‏
هذا أبوكم رضي الله عنه حين استكمل فعرف الضار والشافي وتعذرت صفات كماله على الحرف النافي فيا لله لفظة أواليها وأتبعها زفرة تليها لقد بحثت الأيام عن حتفها بظلفها وسعت على قدمها إلى رغم أنفها فمن لبث الوصل ولرعى الوسايل وإلى من يلجأ في مشكلات المسايل ومن المجيب إذا لم يكن المسئول بأعلم من السائل‏.‏
اللهم صبرنا على فقد الأنس بالعلم وأدلنا من خفوف الوله بوقار الحلم وأخلفه في بنيه وعامة أهليه بشبيه ما أوليته في جوارك المقدس وتوليه‏.‏
وإليكم أيها الإخوة الأولياء والعلية الذين عليهم قصرت العلياء‏.‏
أعتذر من اتخاذ الشيء من الكلام بنقصه الأشياء‏.‏
فقد خان في هذا الزمان حتى اللسان وفقد منه حتى الحسان وليس لتأبين محمد صلى الله عليه وسلم إلا حسان فالعذر منفسح المجال‏.‏
وإلى التقصير في حق رزئكم الكبير نصير في الروية والارتجال‏.‏
ولذلك عدلت إلى الإيجاز واعتقدت في إرسال القول في هذا الموضع ضربًا من المجاز‏.‏
ومبلغ النفس عذرها مع العجز كالصابر للإعجاز‏.‏
وأما حسن العزاء على تعاقب هذه الأرزاء فأمر لا أهبه بل أستجديه ولا أذكركم به ونفس صبركم متوغلة فيه فسواكم يلهم للإرشاد‏.‏
ويذكر بطرق الرشاد جعل الله منكم لآبايكم خلفًا وأبقى منكم لأبنائكم سلفًا ولا لد لكم الوجود بعده تلفًا‏.‏ والسلام‏.‏
محنته امتحن رحمه الله بالتغريب عن وطنه لبغي بعض حسدته عليه فأسكن بمرسية مدة طويلة إلى أن هلك بألمرية الأمير أبو عبد الله محمد ابن يوسف بن هود آخر جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين وستماية‏.‏
فسرح أبو الحسن بن سهل إلى بلده في رمضان من هذه السنة‏.‏

ومن شعره في ذلك الحال مما يدل على بعد شأوه ورفعة همته قوله‏:‏
الدمع همى عن جوانب همتي ** وتأبى هموم العارفين عن الدفع
وألتمس العتبى وحيدًا وغايتي ** وصرف الليالي والحوادث في جمع
لفي منصب تعلو السماء سماته ** فيثبت نورًا في كواكبها السبع
علا صرف دهري إذ علا ** فإذا به ترابٌ لنعلي أو غبار على سبع
تدرعت بالصبر الجميل وأجلبت ** صروف الليالي كي تمزق لي درع
فما مللت قلبي ولا قبضت يدي ** ولا لحمت أصلي ولا حضرت فرع
فإن عرضت لي لا يفوه بها فمي ** وإن زحفت لي لا يضيق بها ذرع
وفي هذه الأبيات تأنيث السبعة الكواكب وحكمها التذكير وذلك إما لتأويل بعد أو غفلة فلينظره‏.‏
قال أبو الحسن الرعيني ودخلت عليه بمرسية وبين يديه شمامة زهر فأنشدني لنفسه‏:‏
وحامل طيبٍ لم يطيب بطيبه ** ولكنه عند الحقيقة طيب
تألف من أغصان زهره ** فمن صفتيه زاهرٌ ورطيب
تعانقت الأغصان فيه كما التقى ** حبيبٌ على طول النوى وحبيب
وإن الذي أدناه دون فراقه ** إلى كبيرٍ في الوجود عجيب
مناسبةٌ للبين كان انتسابها ** وكل غريب للغريب نسيب
فبالأمس في إسحاره وبداره ** وباليوم في دار الغريب غريب
صنف في العربية كتابًا مفيدًا رتب الكلام فيه على أبواب كتاب سيبويه‏.‏
وله تعاليق جليلة على كتاب المستصفى في أصول الفقه وديوان شعر كبير‏.‏
وكلامه الهزلي ظريف شهير‏.‏
مولده عام تسعة وخمسين وخمسماية‏.‏
وفاته توفي بغرناطة منتصف ذي قعدة سنة تسع وثلاثين وستماية‏.‏
وزعم ابن الأبار أن وفاته كانت سنة أربعين وستماية وليس بصحيح‏.‏
ودفن بمقبرة شقستر‏.‏
قال ابن عبد الملك وكان كريم النفس فاضل الطبع نزيه الهمة حصيف الرأي شريف الطباع وجيهًا مبرورًا معظمًا عند الخاصة والعامة‏.‏
من رثاه ممن كتب إلى بنيه يعزيهم في مصابهم بفقده ويحضهم على الصبر من بعده تلميذه الكاتب الرييس أبو عبد الله بن الجنان‏:‏
دعوني وستكاب الدموع السوابك ** فدعوني جميل الصبر دعوة آفك
وأقفر في نجدٍ من المجد ربعه ** وعمر قبرٌ مفرد بالدكاك
وغب طودٌ في صعيد بملحد ** وغيض فجرٌ في يدي متلاحك
ووارى شمس المعارف غيهبٌ ** من الخطب يردى بالشموس الدوالك
ألا أيها الناعي لك الثكل ** لا تفه بهلك الدواهي الدواهك
لعلك في نعي العلا متكذب ** فكم ماحلٌ من قبل فيه وماحك
يكذبهم يا ليت أنك مثلهم ** تواتر أخبارٍ وصدق مالك
فيا حسن ذاك القول إذ بان كذبه ** ويا قبحه والصدق بادي المسالك
لمقدارٍ جفوا فيه وقلبي راجفٌ ** مخافة تصديق الظنون الأوافك
كأن كمال الفضل كان يسومهم ** فأبدوا على نغص هو متمالك
كأنهم يستبطون أيومةً ** كما استبطأ فاتك
كأنهم مستمطرون لعارض ** كعارض عاد للتجلد عارك
بلى إنهم قد أرهصوا لرزية ** تضعضع ركن الصابرالمتمالك
على علم الإسلام قامت نوادب ** بهتن مباك أو بهتم مضاحك
فمن سنة سنت على الرأس تربها ** ومكرمة ناحت لأكرم هالك
ومن آية تبكي بنور صبحها ** إذا قام في جنح من الليل حالك
ومن حكمة تبكي لفقد مفجر ** لينبوعها السلسال في الأرض سالك
فيا أسفي من للهوى ورسومه ** ومن لمنيخٍ عند تلك المبارك
ومن للواء الشرع يرفع خفضه ** ويمنع من تمزيقه كف هاتك
ومن لكتاب الله يدرس وحيه ** ويقبس منه النور غير متارك
ومن لحديث المصطفى وماجد ** يبين بها في فهمه ومتارك
ومن ذا يزيل اللبس في متشابه ** ومن ذا يزيح الشك عن متشابك
ومن لليراع المصفر طابت بكفه ** فصارت طوال الشمس مثل النيازك
ومن للرقاع البيض طابت بطيبه ** فجابت إلى الأملاك سبل المسالك
ومن لمقام الحفل يصدع بالتي ** تغص لقس من جناح المدارك
ومن لشعار الزهد أخفى بالفنا ** ففي طيه فضل الفضيل ومالك
ومن لشعاب المجد أو لشعوبه ** إذا اختلطت ساداته بالصعالك
ألا ليس من فاكفف عويلك أو فرد ** فما بعد سهلٍ في العلى من مشارك
أصبنا فيالله فيه وإنما أصبنا ** لعمري في الذرى والجوارك
فناد بأفلاك المحامد اقصري ** فلا دوران بل قطب المدارك
وصح يالبناء اليوم أقويت منزلًا ** بوطء المنايا لا بوطء السنابك
على هذه حام الحمام محلقًا ** ثمانين حولًا كالعدو المضاحك
فسالمه في معرك الموت خادعًا ** وحاربه إذ جاز ضنك المعارك
طواك الردى مهما يساكن فإنه ** محرك جيش ناهب العيش ناهك
نبا سبا قدمًا وهي السكاسك ** ولم يأل عن خونٍ لحايزٍ ومالك
وأفنى من أبناء البرايا جموعها ** وألقى البرايا بالرغم فوق البرامك
سواءٌ لديه أن يصول بقلبك ** من للناس ناس للتقى أو بناسك
فيا آل سهل أو بنيه مخصصًا ** ندا عموم في غموم موالك
أعندكم أني لما قد عراكم ** أمانع صبري لن يلين عزايك
فكيف أعزي والتعزي محرم ** علي ولكن عادة الرمالك
فإن فرحٌ يبدو فذلك تكره ** لتجريع صابٍ من مصاب مواعك
وإن كان صبرًا إنها لحلومكم ** توابة في مر الرياح السواهك
ورثتم سنا ذاك المقدس فارتقوا ** بأعلى سنام من ذرى العزنامك
فلم يمض من أبقى من المجد إرثه ** ولم يلق ملكًا تارك مثل مالك
أتدرون لم جدت ركاب أبيكم ** كما جد سير بالقلاص الرواتك
تذكر في أفق السماء قديمه ** فحن إلى غيضٍ هنالك شابك
وكل سما في حضرة القدس حظه ** فلم يلب عنه بالحظوظ الركايك
فيا عجبا منا نبكي مهنا ** تبوأ دارًا في جوار الملايك
يلاقيه في تلك المعاني رفيقه ** بوجه منير بالتباشير ضاحك
كذلك وعد الله في ذي مناسب ** من البر صحت بالتغني ومناسك
فيا رحمة الرحمن وافى جنابه ** ويا روحه سلم عليه وبارك
ويا لوعتي سيري إليه برقعتي ** وقصي شجونًا من حديثي هنالك
حديث الأشجان شجون ** ووجوه القراطيس به كوجوه الأيام جون
فأعرني سمعك أبثك بثي واكتئابي ** وأعرني نظرة في كتابي
لتعلم ما بي فعندي ضرب الأسى ** جناية وعلى وردي أطال باغي الأسى
حمايه وعبرتي أبكت من القطر سجامه ** وزفرتي أذكت من الجمر ضرامه
ومني تعلمت ذات الهديل كيف تنوح ** وعني أخذت ذات الحسن كيف تغدو والهة وتروح
فما مذعورة راعها القناص ** وعلق بواحدها حبل الجهالة فأغوره الخلاص
فهي تتلفت إليه والمخافة خلفها وأمامها ** وتتلهف عليه فتكاد تواقع فيه حمامها
بأخفق ضلوعًا وأشفق روعًا وأضيق محالًا ** وأوسع وجالًا وأشغل بالًا وأشعل بلبالًا
بل ما طلاها وقد رآها ترمي طلاها ** فوقف حتى كاد يشركها في الحين
ويحصل من الشرك تحت جناحين **‏.‏
ثم أفلت وهو يشك في الإفلات ويشكو وحدته في الفلوات بأرهب نفسًا وأجنب أنسًا وألهب حشًا وأغلب توحشًا وأضيع بالمومات وأضرع لغير الأمآت منى وقد وافى النبأ العظيم ونثر الهدى بكف الردى شمله النظيم وأصبح يعقوب الأحزان وهو كظيم‏.‏



الساعة الآن 05:49 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى