منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   سير أعلام النبلاء - محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=4018)

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:19 PM

أبو رافع ( ع )

[ ص: 16 ]

مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

من قبط مصر . يقال : اسمه إبراهيم . وقيل : أسلم .

كان عبدا للعباس فوهبه للنبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أن بشر النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام العباس أعتقه .

روى عدة أحاديث .

روى عنه ولده عبيد الله بن أبي رافع ، وحفيده الفضل بن عبيد الله ، وأبو سعيد المقبري ، وعمرو بن الشريد ، وجماعة كثيرة ، وروى عنه : علي بن الحسين وما كأنه شافهه .

شهد غزوة أحد ، والخندق . وكان ذا علم وفضل .

توفي في خلافة علي . وقيل : توفي بالكوفة سنة أربعين رضي الله عنه .

وقيل : إنه أوصى إلى علي ، فكان علي يزكي أموال بني أبي رافع وهم أيتام .

قال بكير بن الأشج : أخبرت أنه كان قبطيا . [ ص: 17 ]

شعبة ، عن الحكم ، عن ابن أبي رافع ، عن أبيه : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على الصدقة ، فقال لأبي رافع : انطلق معي فنصيب منها . قلت : حتى أستأذن رسول الله ، فاستأذنته ، فقال : يا أبا رافع ، إن مولى القوم من أنفسهم ، وإنا لا تحل لنا الصدقة .

قال سليمان بن يسار : قال أبو رافع : لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنزل الأبطح حين خرج من منى ، ولكني جئت فنزلت ، فجاء فنزل .

صهيب بن سنان ( ع )

[ ص: 17 ]

أبو يحيى النمري . من النمر بن قاسط . ويعرف بالرومي ؛ لأنه أقام في الروم مدة . وهو من أهل الجزيرة ، سبي من قرية نينوى ، من أعمال [ ص: 18 ] الموصل . وقد كان أبوه ، أو عمه ، عاملا لكسرى . ثم إنه جلب إلى مكة ، فاشتراه عبد الله بن جدعان القرشي التيمي . ويقال : بل هرب ، فأتى مكة ، وحالف ابن جدعان .

كان من كبار السابقين البدريين .

حدث عنه بنوه : حبيب ، وزياد وحمزة ؛ وسعيد بن المسيب ، وكعب الحبر ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وآخرون .

روى أحاديث معدودة . خرجوا له في الكتب ؛ وكان فاضلا وافر الحرمة . له عدة أولاد .

ولما طعن عمر استنابه على الصلاة بالمسلمين إلى أن يتفق أهل الشورى على إمام . وكان موصوفا بالكرم ، والسماحة رضي الله عنه .

مات بالمدينة في شوال سنة ثمان وثلاثين وكان ممن اعتزل الفتنة ، وأقبل على شأنه رضي الله عنه .

قال الحافظ ابن عساكر : صهيب بن سنان بن مالك بن عبد عمرو بن عقيل بن عامر ، أبو يحيى - ويقال : أبو غسان - النمري الرومي البدري المهاجري .

روى عنه بنوه ، وابن عمر ، وجابر ، وابن المسيب ، وعبيد بن عمير ، وابن أبي ليلى . وبنوه الثمانية : عثمان ، وصيفي ، وحمزة ، وسعد ، وعباد ، وحبيب ، وصالح ، ومحمد . [ ص: 19 ]

وذكره ابن سعد ، فسرد نسبه إلى أسلم بن أوس مناة بن النمر بن قاسط ، من ربيعة . حليف عبد الله بن جدعان التيمي القرشي .

وأمه : سلمى بنت قعيد . وكان رجلا أحمر ، شديد الحمرة ، ليس بالطويل .

وذكر شباب نسبه إلى النمر - بزيادة آباء ، وحذف آخرين . وكذا فعل أحمد بن البرقي .

`عن حمزة بن صهيب عن أبيه قال : كناني النبي صلى الله عليه وسلم : أبا يحيى .

عن صيفي بن صهيب عن أبيه ، قال : صحبت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه .

وعن أبي عبيدة بن محمد بن عمار ، عن أبيه : قال عمار : لقيت صهيبا على باب دار الأرقم ، وفيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخلنا ، فعرض علينا الإسلام : فأسلمنا . ثم مكثنا يوما على ذلك حتى أمسينا ، فخرجنا ونحن مستخفون .

روى يونس ، عن الحسن : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صهيب سابق الروم . [ ص: 20 ]

وجاء هذا بإسناد جيد من حديث أبي أمامة وجاء من حديث أنس ، وأم هانئ .

قال مجاهد : أول من أظهر الإسلام سبعة : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر ، وبلال ، وخباب ، وصهيب . . . مختصر .

قال أبو عمر بن عبد البر : كان أبو صهيب ، أو عمه : عاملا لكسرى على الأبلة ، وكانت منازلهم بأرض الموصل فأغارت الروم عليهم ، فسبت صهيبا وهو غلام ، فنشأ بالروم . ثم اشترته كلب ، وباعوه بمكة لعبد الله بن جدعان ، فأعتقه .

وأما أهله فيزعمون أنه هرب من الروم ، وقدم مكة .

مصعب بن عبد الله ، عن أبيه ، عن ربيعة بن عثمان ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال : خرجت مع عمر حتى دخل حائطا لصهيب ، فلما رآه صهيب ، قال : يا ناس ، يا أناس ، فقال عمر : ما له يدعو الناس ؟ قلت : بل هو غلام له يدعى يحنس ، فقال له عمر : لولا ثلاث خصال فيك يا [ ص: 21 ] صهيب . . . الحديث .

الواقدي : حدثنا عثمان بن محمد ، عن عبد الحكم بن صهيب ، عن عمر بن الحكم ، قال : كان عمار بن ياسر يعذب حتى لا يدري ما يقول ، وكان صهيب يعذب حتى لا يدري ما يقول ، في قوم من المسلمين ، حتى نزلت : ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا .

قال مجاهد : فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه عمه ، وأما أبو بكر فمنعه قومه . وأخذ الآخرون - سمى منهم صهيبا - فألبسوهم أدراع الحديد ، صهروهم في الشمس ، حتى بلغ الجهد منهم كل مبلغ ؛ فأعطوهم ما سألوا - يعني : التلفظ بالكفر - فجاء كل رجل قومه بأنطاع فيها الماء ، فألقوهم فيها ، إلا بلالا . [ ص: 22 ] الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : ومن الناس من يشري نفسه نزلت في صهيب ، ونفر من أصحابه ، أخذهم أهل مكة يعذبونهم ؛ ليردوهم إلى الشرك .

أحمد في " مسنده " : حدثنا أسباط : حدثنا أشعث ، عن كردوس ، عن ابن مسعود ، قال : مر الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعنده خباب ، وصهيب ، وبلال ، وعمار ، فقالوا : أرضيت بهؤلاء ؟ فنزل فيهم القرآن : وأنذر به الذين يخافون إلى قوله والله أعلم بالظالمين .

عوف الأعرابي ، عن أبي عثمان : أن صهيبا حين أراد الهجرة ، قال له أهل مكة : أتيتنا صعلوكا حقيرا ، فتغير حالك ! قال : أرأيتم إن تركت مالي ، أمخلون أنتم سبيلي ؟ قالوا : نعم ، فخلع لهم ماله ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ربح صهيب ، ربح صهيب ! .

يعقوب بن محمد الزهري : حدثنا حصين بن حذيفة بن صيفي حدثنا [ ص: 23 ] أبي وعمومتي ، عن سعيد بن المسيب ، عن صهيب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أريت دار هجرتكم سبخة بين ظهراني حرة ، فإما أن تكون هجر ، أو يثرب .

قال : وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وقد كنت هممت بالخروج معه ، فصدني فتيان من قريش ، فجعلت ليلتي تلك أقوم لا أقعد ، فقالوا : قد شغله الله عنكم ببطنه - ولم أكن شاكيا - فناموا ، فذهبت ، فلحقني ناس منهم على بريد ، فقلت لهم : أعطيكم أواقي من ذهب وتخلوني ؟ ففعلوا ، فقلت : احفروا تحت أسكفة الباب تجدوها ، وخذوا من فلانة الحلتين ، وخرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء فلما رآني ، قال : يا أبا يحيى ، ربح البيع ، ثلاثا ، فقلت : ما أخبرك إلا جبريل .

حماد بن سلمة : حدثنا علي بن زيد ، عن ابن المسيب ، قال : أقبل صهيب مهاجرا ، واتبعه نفر ، فنزل عن راحلته ، ونثل كنانته ، وقال : لقد علمتم أني من أرماكم ، وايم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم معي ، ثم أضربكم بسيفي ، فإن شئتم دللتكم على مالي ، وخليتم سبيلي ؟ قالوا : نفعل ، فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال : ربح البيع أبا يحيى ! ونزلت : ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله . [ ص: 24 ]

وقال مصعب الزبيري : هرب صهيب من الروم بمال ، فنزل مكة ، فعاقد ابن جدعان . وإنما أخذته الروم من نينوى .

عبد الحكيم بن صهيب ، عن عمر بن الحكم بن ثوبان ، عن صهيب ، قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء ، وقد رمدت في الطريق وجعت ، وبين يديه رطب ، فوقعت فيه ، فقال عمر : يا رسول الله : ألا ترى صهيبا يأكل الرطب وهو أرمد ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لي ذلك . قلت : إنما آكل على شق عيني الصحيحة ، فتبسم .

ذكر عروة ، وموسى بن عقبة وغيرهما : صهيبا فيمن شهد بدرا .

أبو زرعة : حدثنا يوسف بن عدي ، حدثنا يوسف بن محمد بن يزيد بن صيفي ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبي جده ، عن صهيب : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليحب صهيبا حب الوالدة لولدها .

حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن معاوية بن قرة ، عن عائذ بن عمرو : أن [ ص: 25 ] سلمان ، وصهيبا ، وبلالا ، كانوا قعودا ، فمر بهم أبو سفيان ، فقالوا : ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها بعد ، فقال أبو بكر : أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدها ؟ قال : فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا أبا بكر ، لعلك أغضبتهم ، لئن كنت أغضبتهم ، لقد أغضبت ربك ، فرجع إليهم ، فقال : أي إخواننا ، لعلكم غضبتم ؟ قالوا : لا يا أبا بكر ، يغفر الله لك .

عبد الله بن محمد بن عقيل ، `عن حمزة بن صهيب ، عن أبيه ، قال : قال عمر لصهيب : أي رجل أنت لولا خصال ثلاث فيك ! قال : وما هن ؟ قال : اكتنيت وليس لك ولد ، وانتميت إلى العرب وأنت من الروم ! وفيك سرف في الطعام . قال : فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني أبا يحيى ، وأنا من النمر بن قاسط ، سبتني الروم من الموصل بعد إذ أنا غلام قد عرفت نسبي ، وأما قولك في سرف الطعام ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : خيركم من أطعم الطعام .

وروى محمد بن عمرو بن علقمة ، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، عن أبيه : أن عمر قال لصهيب : لولا ثلاث فيك ؟ وبعضهم يرويه بحذف " عن أبيه " وزاد : ولو انفلقت عني روثة لانتسبت إليها .

وحماد بن سلمة ، عن زيد بن أسلم : أن عمر قال لصهيب : لولا ثلاث [ ص: 26 ] خصال . قال : وما هن ؟ فوالله ما تزال تعيب شيئا . قال : اكتناؤك وليس لك ولد ؛ وادعاؤك إلى النمر بن قاسط ، وأنت رجل ألكن ؛ وأنك لا تمسك المال . . . . الحديث . وفيه : واسترضع لي بالأبلة فهذه من ذاك . وأما المال ، فهل تراني أنفق إلا في حق ؟ .

وروى سالم ، عن أبيه : أن عمر قال : إن حدث بي حدث فليصل بالناس صهيب ، ثلاثا ، ثم أجمعوا أمركم في اليوم الثالث .

قال الواقدي : مات صهيب بالمدينة في شوال سنة ثمان وثلاثين عن سبعين سنة . وكذلك قال المدائني وغيره في وفاته .

وقال المدائني : عاش ثلاثا وسبعين سنة .

وقال الفسوي : عاش أربعا وثمانين سنة رضي الله عنه .

له نحو من ثلاثين حديثا . روى له مسلم منها ثلاثة أحاديث .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:22 PM

أبو طلحة الأنصاري ( ع )

[ ص: 27 ]

صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن بني أخواله ، وأحد أعيان البدريين ، وأحد النقباء الاثني عشر ليلة العقبة .

واسمه : زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار ، الخزرجي النجاري .

له أحاديث .

روى عنه ربيبه : أنس بن مالك ، وزيد بن خالد الجهني ، وابن عباس ، وابنه أبو إسحاق عبد الله بن أبي طلحة .

وكان قد سرد الصوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم .

وهو الذي كان لا يرى بابتلاع البرد للصائم بأسا . ويقول : ليس بطعام ولا شراب . [ ص: 28 ]

وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : صوت أبي طلحة في الجيش خير من فئة . ومناقبه كثيرة .

قيل : إنه غزا بحر الروم ، فتوفي في السفينة . والأشهر : أنه مات بالمدينة ، وصلى عليه عثمان في سنة أربع وثلاثين رضي الله عنه .

ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس : كان أبو طلحة ، ومعاذ ، وأبو عبيدة ، يشربون بالشام الطلاء : ما طبخ على الثلث وذهب ثلثاه .

وقلت : هو الدبس .

وذكر عروة ، وموسى بن عقبة ، وابن إسحاق : أن أبا طلحة ممن شهد العقبة وبدرا . [ ص: 29 ]

قال أبو زرعة الدمشقي : إن أبا طلحة عاش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة يسرد الصوم .

وقلت : بل عاش بعده نيفا وعشرين سنة .

قال أحمد بن البرقي : أبو طلحة بدري ، نقيب ، صلى عليه عثمان ، جاء له نحو عشرين حديثا .

حماد بن سلمة ، عن ثابت ، وعلي بن زيد ، عن أنس : أن أبا طلحة قال له بنوه : قد غزوت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر ، فنحن نغزو عنك ، فأبى ، فغزا في البحر ، فمات .

جعفر بن سليمان ، عن ثابت ، عن أنس ، قال : خطب أبو طلحة أم سليم ؟ فقالت : أما إني فيك لراغبة ، وما مثلك يرد ، ولكنك كافر ، فإن تسلم فذلك مهري ، لا أسألك غيره ، فأسلم ، وتزوجها .

قال ثابت : فما سمعنا بمهر كان قط أكرم من مهر أم سليم : الإسلام .

الطيالسي : حدثنا سليمان بن المغيرة ، وحماد ، وجعفر بن سليمان ، عن ثابت ، عن أنس . قال أبو داود : وحدثناه شيخ سمعه من النضر بن [ ص: 30 ]

أنس
: قال مالك - والد أنس - لامرأته : أرى هذا الرجل يحرم الخمر ، فانطلق حتى أتى الشام فهلك هناك ، فجاء أبو طلحة يخطب أم سليم ، فقالت : ما مثلك يرد ، ولكنك امرؤ كافر ، ولا أريد مهرا إلا الإسلام . قال : فمن لي بذلك ؟ قالت : النبي صلى الله عليه وسلم ، فانطلق يريده ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : جاءكم أبو طلحة وغرة الإسلام بين عينيه .

قال : فتزوجها على ذلك . . . الحديث بطوله ، وكيف مات ابنه منها ، وكتمته ، وتصنعت له حتى أصابها ، ثم أخبرته وقالت : إن الله كان أعارك عارية فقبضها ، فاحتسب ابنك .

قال أنس : قال أبو طلحة : لقد سقط السيف مني يوم بدر ، لما غشينا من النعاس .

حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس : أن أبا طلحة صام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة ، لا يفطر إلا يوم فطر أو أضحى .

غريب ، على شرط مسلم . [ ص: 31 ] وبه : أن أبا طلحة قال : لا أتأمرن على اثنين ، ولا أذمهما .

ثابت ، عن أنس : أن أبا طلحة كان يرمي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، وكان رجلا راميا . وكان رسول الله إذا رمى أبو طلحة ، رفع بصره ينظر أين يقع سهمه . وكان يدفع صدر رسول الله بيده ، ويقول : يا رسول الله ، هكذا ، لا يصيبك سهم .

عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس قال : لما كان يوم أحد ، انهزم ناس عن رسول الله ، وأبو طلحة بين يديه مجوبا عليه بحجفة ، وكان راميا شديد النزع ، كسر يومئذ قوسين أو ثلاثة . وكان الرجل يمر معه الجعبة من النبل ، فيقول صلى الله عليه وسلم : انثرها لأبي طلحة . ثم يشرف إلى القوم ، فيقول أبو طلحة : يا نبي الله ، بأبي أنت ، لا تشرف ، لا يصيبك سهم ، نحري دون نحرك ! .

قال : فلقد رأيت عائشة وأم سليم وإنهما لمشمرات أرى خدم سوقهما ، تنقزان ، القرب على متونهما ، وتفرغانها في أفواه القوم ، وترجعان ، فتملآنها ، فلقد وقع السيف من يد أبي طلحة مرتين أو ثلاثا من النعاس
. [ ص: 32 ]

ابن عيينة : حدثنا علي بن زيد ، عن أنس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : صوت أبي طلحة في الجيش خير من فئة وكان إذا بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم ، جثا بين يديه ، وقال : نفسي لنفسك الفداء ، ووجهي لوجهك الوقاء .

حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، قال : قال رسول الله : لصوت أبي طلحة أشد على المشركين من فئة .

الثوري ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر - أو أنس - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لصوت أبي طلحة في الجيش خير من ألف رجل .

حماد بن سلمة ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال يوم حنين : من قتل قتيلا فله سلبه فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا ، وأخذ أسلابهم .

هشام ، عن ابن سيرين ، عن أنس : نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحلق ، فناول الحلاق شقه الأيمن ، فحلقه ، ثم دعا أبا طلحة ، فأعطاه إياه ، ثم [ ص: 33 ] ناوله شقه الأيسر ، وقال : احلق ، وأعطاه أبا طلحة فقسمه بين الناس .

ورواه ابن عون ، عن محمد فأرسله .

قال أنس : كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل ، فقال : يا رسول الله ، إن أحب أموالي إلي بيرحاء ، وإنها صدقة لله ، أرجو برها وذخرها ، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله ، فقال : بخ ! ذلك مال رابح ، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين .

حميد ، عن أنس ، قال : كان أبو طلحة بعد النبي صلى الله عليه وسلم لا يفطر إلا في سفر أو مرض .

قتادة ، وحميد ، عن أنس : كان أبو طلحة يأكل البرد وهو صائم ، ويقول : ليس بطعام ولا بشراب ، وإنما هو بركة . تفرد به فيه علي بن [ ص: 34 ] جدعان ، عن أنس : فأخبرت رسول الله ، فقال : خذ عن عمك .

حماد بن سلمة ، عن ثابت وعلي بن زيد ، عن أنس : أن أبا طلحة قرأ : انفروا خفافا وثقالا فقال : استنفرنا الله ، وأمرنا شيوخنا وشبابنا ، جهزوني ، فقال بنوه : يرحمك الله ! إنك قد غزوت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وعمر ، ونحن نغزو عنك الآن .

قال : فغزا البحر ، فمات ، فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها ، إلا بعد سبعة أيام ، فلم يتغير .

مات سنة أربع وثلاثين وقال خليفة وحده : سنة اثنتين وثلاثين .

قال لنا الحافظ أبو محمد : حلق النبي صلى الله عليه وسلم شق رأسه فوزعه على الناس ، ثم حلق شقه الآخر ، فأعطاه أبا طلحة .

قال : وكان جلدا ، صيتا ، آدم ، مربوعا ، لا يغير شيبه .

صلى عليه عثمان . وقيل : مات سنة إحدى وخمسين .

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم نيفا وعشرين حديثا ، منها في " الصحيحين " حديثان . وتفرد البخاري بحديث ، ومسلم بحديث

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:25 PM

أبو بردة بن نيار ( ع )

[ ص: 35 ]

ابن عمرو بن عبيد بن عمرو بن كلاب بن دهمان البلوي القضاعي الأنصاري من حلفاء الأوس .

واسمه : هانئ . وهو خال البراء بن عازب .

شهد العقبة وبدرا والمشاهد النبوية . وبقي إلى دولة معاوية . وحديثه في الكتب الستة .

حدث عنه : ابن أخته البراء ، وجابر بن عبد الله ، وبشير بن يسار ، وغيرهم . [ ص: 36 ]

وكان أحد الرماة الموصوفين .

وقيل : توفي سنة اثنتين وأربعين .

جبر بن عتيك

[ ص: 36 ]

ابن قيس بن هيشة بن الحارث بن أمية بن معاوية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف الأنصاري ، أبو عبد الله .

بدري كبير وقيل : اسمه جابر .

وله أولاد : عتيك ، وعبد الله ، وأم ثابت .

آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين خباب بن الأرت .

شهد بدرا والمشاهد ، وكانت إليه راية بني معاوية بن مالك يوم الفتح .

قال الواقدي ، وابن سعد ، وخليفة ، وابن زبر وابن منده : توفي سنة إحدى وستين .

قيل : عاش إحدى وتسعين سنة .

وفي " الموطأ " عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك ، عن جده لأمه عتيك بن الحارث ، قال أخبرني جابر بن عتيك : [ ص: 37 ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت ، فوجده قد غلب ، فاسترجع ، وقال : غلبنا عليك .

قلت : الصحيح : أن جابر بن عتيك هو صاحب هذا الخبر ، وصاحب تاريخ الوفاة ، وأن جبرا قديم الوفاة ، وأن جابرا ، من بني غنم بن سلمة - والله أعلم .

وعمهما الحارث بن قيس بن هيشة الأوسي . بدري جليل ، عده الواقدي ، وعبد الله بن محمد بن عمارة . ولم يذكره ابن عقبة ، ولا ابن إسحاق ، ولا أبو معشر . بل قال ابن إسحاق ، وأبو معشر : جبر بن عتيك بن الحارث بن قيس بن هيشة .

الأشعث بن قيس ( ع )

[ ص: 37 ]

ابن معدي كرب بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن كندة . [ ص: 38 ]

واسم كندة : ثور بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان .

ساقه ابن سعد ، قال : وقيل له : كندة ؛ لأنه كند أباه النعمة ، أي : كفره .

وكان اسم الأشعث : معدي كرب . وكان أبدا أشعث الرأس ؛ فغلب عليه .

له صحبة ، ورواية .

حدث عنه : الشعبي ، وقيس بن أبي حازم ، وأبو وائل . وأرسل عنه إبراهيم النخعي .

وأصيبت عينه يوم اليرموك . وكان أكبر أمراء علي يوم صفين .

منصور ، والأعمش ، عن أبي وائل ، قال لنا الأشعث : في نزلت : إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا خاصمت رجلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ألك بينة ؟ قلت : لا . قال : فيحلف ؟ قلت : إذا يحلف ، فقال : من حلف على يمين فاجرة ليقتطع بها مالا ، لقي الله وهو عليه غضبان .

قال ابن الكلبي : وفد الأشعث في سبعين من كندة على النبي صلى الله عليه وسلم .

مجالد ، عن الشعبي ، عن الأشعث ، قال : [ ص: 39 ] قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد كندة ، فقال لي : هل لك من ولد ؟ قلت : صغير ، ولد مخرجي إليك . . . الحديث .

وعن إبراهيم النخعي ، قال : ارتد الأشعث في ناس من كندة ، فحوصر ، وأخذ بالأمان ، فأخذ الأمان لسبعين ، ولم يأخذ لنفسه ، فأتي به الصديق ، فقال : إنا قاتلوك ، لا أمان لك ، فقال : تمن علي وأسلم ؟ قال : ففعل ، وزوجه أخته .

زاد غيره : فقال لأبي بكر : زوجني أختك ، فزوجه فروة بنت أبي قحافة .

رواه أبو عبيد في " الأموال " فلعل أباها فوض النكاح إلى أبي بكر .

ابن أبي خالد ، عن قيس ، قال : لما قدم بالأشعث بن قيس أسيرا على أبي بكر : أطلق وثاقه ، وزوجه أخته ، فاخترط سيفه ، ودخل سوق الإبل ، فجعل لا يرى ناقة ولا جملا إلا عرقبه . وصاح الناس : كفر الأشعث ! ثم طرح سيفه ، وقال : والله ما كفرت ؛ ولكن هذا الرجل زوجني أخته ؛ ولو كنا في بلادنا لكانت لنا وليمة غير هذه . يا أهل المدينة ، انحروا وكلوا ! ويا أهل الإبل ، تعالوا خذوا شرواها ! . [ ص: 40 ]

رواه عبد المؤمن بن علي ، عن عبد السلام بن حرب ، عنه .

إسماعيل ، عن قيس ، قال : شهدت جنازة فيها الأشعث ، وجرير ، فقدم الأشعث جريرا ، وقال : إن هذا لم يرتد ، وإني ارتددت .

قال أبو عبيدة : كان على ميمنة علي يوم صفين الأشعث .

مسلمة بن محارب ، عن حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية . قال : حصل معاوية ، في تسعين ألفا فسبق فنزل الفرات ، وجاء علي ، فمنعهم معاوية الماء ، فبعث علي الأشعث ، في ألفين وعلى الماء لمعاوية أبو الأعور في خمسة آلاف ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، وغلب الأشعث على الماء .

الأعمش ، عن حيان أبي سعيد التيمي قال : حذر الأشعث من الفتن ، فقيل له : خرجت مع علي ! فقال : ومن لك إمام مثل علي !

وعن قيس بن أبي حازم ، قال : دخل الأشعث على علي في شيء ، فتهدده بالموت ، فقال علي : بالموت تهددني ! ما أباليه ، هاتوا لي جامعة [ ص: 41 ] وقيدا ! ثم أومأ إلى أصحابه . قال : فطلبوا إليه فيه ، فتركه .

أبو المغيرة الخولاني : حدثنا صفوان بن عمرو ؛ حدثني أبو الصلت الحضرمي ، قال : حلنا بين أهل العراق وبين الماء ؛ فأتانا فارس ، ثم حسر ؛ فإذا هو الأشعث بن قيس ، فقال : الله الله يا معاوية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ! هبوا أنكم قتلتم أهل العراق ، فمن للبعوث والذراري ؟ أم هبوا أنا قتلناكم ، فمن للبعوث والذراري ؟ إن الله يقول : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما قال معاوية : فما تريد ؟ قال : خلوا بيننا وبين الماء ، فقال لأبي الأعور : خل بين إخواننا وبين الماء .

روى الشيباني عن قيس بن محمد بن الأشعث : أن الأشعث كان عاملا لعثمان على أذربيجان ، فحلف مرة على شيء ؛ فكفر عن يمينه بخمسة عشر ألفا .

إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، قال : كان الأشعث حلف على يمين ، ثم قال : قبحك الله من مال ! أما والله ما حلفت إلا على حق ، ولكنه رد على صاحبه ، وكان ثلاثين ألفا .

شريك : حدثنا أبو إسحاق ، قال : صليت الفجر بمسجد الأشعث ، فلما سلم الإمام إذا بين يدي كيس ونعل ؛ فنظرت : فإذا بين يدي كل رجل كيس ونعل ! فقلت : ما هذا ؟ قالوا : قدم الأشعث الليلة ، فقال : انظروا ! [ ص: 42 ] فكل من صلى الغداة في مسجدنا ، فاجعلوا بين يديه كيسا وحذاء .

رواه أبو إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، إلا أنه قال : حلة ونعلين .

أحمد بن حنبل : حدثنا علي بن ثابت ، حدثنا أبو المهاجر ، عن ميمون بن مهران ، قال : أول من مشت معه الرجال ، وهو راكب : الأشعث بن قيس .

روى نحوه أبو المليح ، عن ميمون .

قال إسماعيل بن أبي خالد ، عن حكيم بن جابر ، قال : لما توفي الأشعث بن قيس ، أتاهم الحسن بن علي ، فأمرهم أن يوضئوه بالكافور وضوءا . وكانت بنته تحت الحسن .

قالوا : توفي سنة أربعين وزاد بعضهم : بعد علي رضي الله عنه بأربعين ليلة . ودفن في داره . وقيل : عاش ثلاثا وستين سنة .

وقال محمد بن سعد : مات بالكوفة ، والحسن بها حين صالح معاوية . وهو الذي صلى عليه .

قلت : وكان ابنه محمد بن الأشعث بعده من كبار الأمراء وأشرافهم ، [ ص: 43 ] وهو والد الأمير عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الذي خرج معه الناس ، وعمل مع الحجاج تلك الحروب المشهورة التي لم يسمع بمثلها . بحيث يقال : إنه عمل معه أحدا وثمانين مصافا معظمها على الحجاج . ثم في الآخر خذل ابن الأشعث وانهزم ، ثم ظفروا به وهلك .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:26 PM

حاطب بن أبي بلتعة

[ ص: 43 ]

عمرو بن عمير بن سلمة ، اللخمي المكي ، حليف بني أسد بن عبد العزى بن قصي .

من مشاهير المهاجرين شهد بدرا والمشاهد .

وكان رسول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ، صاحب مصر .

وكان تاجرا في الطعام ، له عبيد . وكان من الرماة الموصوفين .

ذكره الحاكم في " مستدركه " فقال : كان حسن الجسم ، خفيف اللحية ، أجنى إلى القصر ما هو ، شثن الأصابع . قاله الواقدي .

روى هارون بن يحيى الحاطبي ، قال : حدثني أبو ربيعة ، عن عبد [ ص: 44 ] الحميد بن أبي أنس ، عن صفوان بن سليم ، عن أنس ، سمع حاطبا يقول : إنه اطلع على النبي صلى الله عليه وسلم بأحد ، قال : وفي يد علي الترس ، والنبي صلى الله عليه وسلم يغسل وجهه من الماء ، فقال حاطب : من فعل هذا ؟ قال : عتبة بن أبي وقاص ، هشم وجهي ، ودق رباعيتي بحجر ! فقلت : إني سمعت صائحا على الجبل : قتل محمد ! فأتيت إليك - وكأن قد ذهبت روحي - فأين توجه عتبة ؟ فأشار إلى حيث توجه ، فمضيت حتى ظفرت به ، فضربته بالسيف ، فطرحت رأسه ! فنزلت فأخذت رأسه وسلبه وفرسه ، وجئت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فسلم ذلك إلي ، ودعا لي ، فقال : رضي الله عنك ! مرتين . إسناد مظلم .

الليث ، عن أبي الزبير ، عن جابر : أن عبدا لحاطب شكا حاطبا فقال : يا نبي الله ، ليدخلن النار ! قال : كذبت ، لا يدخلها أبدا وقد شهد بدرا والحديبية . صحيح .

إسحاق بن راشد ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عبد الرحمن بن حاطب : أن أباه كتب إلى كفار قريش كتابا ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا والزبير ، فقال : انطلقا حتى تدركا امرأة معها كتاب فائتياني به ، فلقياها ، وطلبا الكتاب ، وأخبراها أنهما غير منصرفين حتى ينزعا كل ثوب عليها . قالت : ألستما مسلمين ؟ قالا : بلى ، ولكن رسول الله حدثنا أن معك [ ص: 45 ] كتابا ، فحلته من رأسها . قال : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا حتى قرئ عليه الكتاب ، فاعترف ، فقال : ما حملك ؟ قال : كان بمكة قرابتي وولدي ، وكنت غريبا فيكم معشر قريش ، فقال عمر : ائذن لي - يا رسول الله - في قتله . قال : لا ، إنه قد شهد بدرا ، وإنك لا تدري ، لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم ، فإني غافر لكم . إسناده صالح . وأصله في " الصحيحين " .

وقد أتى بعض مواليه إلى عمر بن الخطاب يشكون منه من أجل النفقة عليهم ؛ فلامه في ذلك .

وعبد الرحمن ولده ، ممن ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وله رؤية .

يروي عنه ولده الفقيه يحيى ، وعروة بن الزبير ، وغيرهما . توفي سنة ثمان وستين .

ومات حاطب سنة ثلاثين .



أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:27 PM

أبو ذر ( ع ) [ ص: 46 ]

جندب بن جنادة الغفاري ، وقيل : جندب بن سكن . وقيل : برير بن جنادة . وقيل : برير بن عبد الله .

ونبأني الدمياطي : أنه جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار - أخي ثعلبة - ابني مليل بن ضمرة ، أخي ليث والديل ، أولاد بكر ، أخي مرة ، والد مدلج بن مرة ، ابني عبد مناة بن كنانة .

قلت : أحد السابقين الأولين من نجباء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .

قيل : كان خامس خمسة في الإسلام . ثم إنه رد إلى بلاد قومه ، فأقام بها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك ، فلما أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم ، هاجر إليه أبو ذر رضي الله عنه ، ولازمه ، وجاهد معه .

وكان يفتي في خلافة أبي بكر ، وعمر ، وعثمان .

روى عنه : حذيفة بن أسيد الغفاري ، وابن عباس ، وأنس بن مالك ، وابن عمر ، وجبير بن نفير ، وأبو مسلم الخولاني ، وزيد بن وهب ، وأبو الأسود الدئلي ، وربعي بن حراش ، والمعرور بن سويد ، وزر بن حبيش ، وأبو سالم الجيشاني سفيان بن هانئ ، وعبد الرحمن بن غنم ، [ ص: 47 ] والأحنف بن قيس ، وقيس بن عباد ، وعبد الله بن الصامت ، وأبو عثمان النهدي ، وسويد بن غفلة ، وأبو مراوح ، وأبو إدريس الخولاني ، وسعيد بن المسيب ، وخرشة بن الحر ، وزيد بن ظبيان ، وصعصعة بن معاوية ، وأبو السليل ضريب بن نفير ، وعبد الله بن شقيق ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وعبيد بن عمير ، وغضيف بن الحارث ، وعاصم بن سفيان ، وعبيد بن الخشخاش ، وأبو مسلم الجذمي ، وعطاء بن يسار ، وموسى بن طلحة ، وأبو الشعثاء المحاربي ، ومورق العجلي ، ويزيد بن شريك التيمي ، وأبو الأحوص المدني - شيخ الزهري - وأبو أسماء الرحبي ، وأبو بصرة الغفاري ، وأبو العالية الرياحي ، وابن الحوتكية ، وجسرة بنت دجاجة .

فاتته بدر ، قاله أبو داود .

وقيل : كان آدم ضخما جسيما ، كث اللحية .

وكان رأسا في الزهد ، والصدق ، والعلم والعمل ، قوالا بالحق ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، على حدة فيه .

وقد شهد فتح بيت المقدس مع عمر .

أخبرنا الخضر بن عبد الرحمن الأزدي وأحمد بن هبة الله قالا : أخبرنا زين الأمناء حسن بن محمد : أخبرنا علي بن الحسن الحافظ : حدثنا علي بن إبراهيم الحسيني : أخبرنا محمد بن علي بن سلوان : أخبرنا الفضل بن جعفر التميمي ، أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم الهاشمي : حدثنا أبو مسهر :

[ ص: 48 ] حدثنا سعيد بن عبد العزيز ، عن ربيعة بن يزيد ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي ذر الغفاري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن جبريل ، عن الله - تبارك وتعالى - أنه قال : يا عبادي ، إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما ، فلا تظالموا . يا عبادي ، إنكم الذين تخطئون بالليل والنهار ، وأنا الذي أغفر الذنوب ولا أبالي ، فاستغفروني أغفر لكم . يا عبادي ، كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أطعمكم . يا عبادي ، كلكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم . يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم ، وجنكم ، كانوا على أفجر قلب رجل منكم ، لم ينقص ذلك من ملكي شيئا . يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم ، وجنكم ، كانوا على أتقى قلب رجل منكم ، لم يزد ذلك في ملكي شيئا . يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم ، وجنكم ، كانوا في صعيد واحد ، فسألوني ، فأعطيت كل واحد منهم ما سأل ، لم ينقص ذلك من ملكي شيئا ، إلا كما ينقص البحر أن يغمس المخيط غمسة واحدة . يا عبادي ، إنما هي أعمالكم أحفظها عليكم ، فمن وجد خيرا ، فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك ، فلا يلومن إلا نفسه .

قال سعيد : كان أبو إدريس إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه .

أخرجه مسلم . [ ص: 49 ] نقل الواقدي ، عن خالد بن حيان ، قال : كان أبو ذر ، وأبو الدرداء في مظلتين من شعر بدمشق .

وقال أحمد بن البرقي : أبو ذر اسمه : يزيد بن جنادة .

وقال سعيد بن عبد العزيز : اسمه : برير .

قال أبو قلابة ، عن رجل عامري ، قال : كنت أعزب عن الماء ومعي أهلي ، فتصيبني الجنابة ، فوقع ذلك في نفسي ، فنعت لي أبو ذر ، فحججت ، فدخلت مسجد منى ، فعرفته ، فإذا شيخ معروق آدم عليه حلة قطري . [ ص: 50 ]

وقال حميد بن هلال : حدثني الأحنف بن قيس ، قال : قدمت المدينة ، فدخلت مسجدها ، فبينما أنا أصلي ، إذ دخل رجل طوال ، آدم أبيض الرأس واللحية ، محلوق ، يشبه بعضه بعضا ، فاتبعته فقلت : من هذا ؟ قالوا : أبو ذر .

سليمان بن المغيرة ، وابن عون ، عن حميد بن هلال ، عن عبد الله بن الصامت ، قال : قال أبو ذر : خرجنا من قومنا غفار ، وكانوا يحلون الشهر الحرام ، فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا ، فنزلنا على خال لنا ، فأكرمنا وأحسن ، فحسدنا قومه ، فقالوا : إنك إذا خرجت عن أهلك يخالفك إليهم أنيس ، فجاء خالنا ، فذكر لنا ما قيل له ، فقلت : أما ما مضى من معروفك ، فقد كدرته ، ولا جماع لك فيما بعد ، فقدمنا صرمتنا فاحتملنا عليها ، وجعل خالنا يبكي ، فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة ، فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها ، فأتيا الكاهن فخير أنيسا فأتانا أنيس بصرمتنا ومثلها معها .

قال : وقد صليت يا ابن أخي قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين . قلت : لمن ؟ قال : لله . قلت : أين توجه ؟ قال : حيث وجهني الله ، أصلي عشاء حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء حتى تعلوني الشمس . [ ص: 51 ]

فقال أنيس : إن لي حاجة بمكة ، فاكفني ، فانطلق أنيس حتى أتى مكة ، [ فراث علي ] ثم جاء ، فقلت : ما صنعت ؟ قال : لقيت رجلا بمكة على دينك ، يزعم أنه مرسل . قلت : فما يقول الناس ؟ قال : يقولون : شاعر ، كاهن ، ساحر . قال : وكان أنيس أحد الشعراء ، فقال : لقد سمعت قول الكهنة ، وما هو بقولهم ، ولقد وضعت قوله على أقوال الشعراء فما يلتئم على لسان أحد أنه شعر ، والله إنه لصادق ، وإنهم لكاذبون ! قلت : فاكفني حتى أذهب فأنظر ! .

فأتيت مكة ، فتضعفت رجلا منهم ، فقلت : من هذا الذي تدعونه الصابئ ؟ فأشار إلي ، فقال : الصابئ . قال : فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم ، حتى خررت مغشيا علي ، فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر ، فأتيت زمزم ، فغسلت عني الدماء ، وشربت من مائها .

ولقد لبثت - يا ابن أخي - ثلاثين ، بين ليلة ويوم ما لي طعام إلا ماء زمزم ، فسمنت حتى تكسرت عكني ، وما وجدت على كبدي سخفة جوع .

فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان جاءت امرأتان تطوفان ، [ ص: 52 ] وتدعوان إسافا ونائلة فأتتا علي في طوافهما ، فقلت : أنكحا أحدهما الآخر ، فما تناهتا عن قولهما فأتتا علي ، فقلت : هن مثل الخشبة ، غير أني لا أكني ، فانطلقتا تولولان ، تقولان : لو كان هاهنا أحد من أنفارنا ! فاستقبلهما رسول الله ، وأبو بكر ، وهما هابطتان ، فقال : ما لكما ؟ قالتا : الصابئ بين الكعبة وأستارها . قال : فما قال لكما ؟ قالتا : إنه قال كلمة تملأ الفم .

قال : وجاء رسول الله حتى استلم الحجر ، ثم طاف بالبيت ، هو وصاحبه ، ثم صلى . وكنت أول من حياه بتحية الإسلام . قال : عليك ورحمة الله ، من أين أنت ؟ قلت : من غفار ، فأهوى بيده ، ووضع أصابعه على جبهته .

فقلت في نفسي : كره أني انتميت إلى غفار ، فذهبت آخذ بيده ، فدفعني صاحبه ، وكان أعلم به مني .

قال : ثم رفع رأسه ، فقال : متى كنت هاهنا ؟ قلت : منذ ثلاثين من بين ليلة ويوم . قال : فمن كان يطعمك ؟ قلت : ما كان لي طعام إلا ماء زمزم ، فسمنت ، وما أجد على بطني سخفة جوع . قال : إنها مباركة ، إنها طعام طعم . [ ص: 53 ]

فقال أبو بكر : يا رسول الله ، ائذن لي في طعامه الليلة ، فانطلقنا ، ففتح أبو بكر بابا ، فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف : فكان أول طعام أكلته بها .

وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنه قد وجهت لي أرض ذات نخل ، لا أراها إلا يثرب ، فهل أنت مبلغ عني قومك ، لعل الله أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم ؟ .

قال : فانطلقت ، فلقيت أنيسا ، فقال : ما صنعت ؟ قلت : صنعت أني أسلمت وصدقت . قال : ما بي رغبة عن دينك ، فإني قد أسلمت وصدقت ، فأسلمت أمنا ، فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفار ، فأسلم نصفهم ، وكان يؤمهم إيماء بن رحضة ، وكان سيدهم . وقال نصفهم : إذا قدم رسول الله المدينة أسلمنا ، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فأسلم نصفهم الباقي .

وجاءت أسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، إخواننا ، نسلم على الذي أسلموا عليه ، فأسلموا .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غفار غفر الله لها ، وأسلم ، سالمها الله
. أخرجه مسلم .

قال أبو جمرة : قال لنا ابن عباس : ألا أخبركم بإسلام أبي ذر ؟ قلنا : بلى . قال : قال أبو ذر : بلغني أن رجلا بمكة قد خرج ، يزعم أنه نبي ، فأرسلت أخي ليكلمه ، فقلت : انطلق إلى هذا الرجل ، فكلمه ، فانطلق فلقيه ، ثم رجع ، فقلت : ما عندك ؟ قال : والله ، لقد رأيت رجلا يأمر بالخير ، وينهى عن الشر . قلت : لم تشفني ، فأخذت جرابا وعصا ، ثم [ ص: 54 ] أقبلت إلى مكة ، فجعلت لا أعرفه وأكره أن أسأل عنه ، وأشرب من ماء زمزم ، وأكون في المسجد ، فمر علي بن أبي طالب فقال : هذا رجل غريب ؟ قلت : نعم . قال : انطلق إلى المنزل ، فانطلقت معه ، لا أسأله عن شيء ، ولا يخبرني .

فلما أصبح الغد ، جئت إلى المسجد لا أسأل عنه ، وليس أحد يخبرني عنه بشيء ، فمر بي علي فقال : أما آن للرجل أن يعود ؟ قلت : لا . قال : ما أمرك ، وما أقدمك ؟ قلت : إن كتمت علي أخبرتك ؟ قال : أفعل . قلت : قد بلغنا أنه قد خرج نبي . قال : أما قد رشدت ! هذا وجهي إليه ، فاتبعني وادخل حيث أدخل ، فإني إن رأيت أحدا أخافه عليك ، قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي ، وامض أنت .

فمضى ، ومضيت معه ، فدخلنا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله ، اعرض علي الإسلام ، فعرض علي ، فأسلمت مكاني ، فقال لي : يا أبا ذر ، اكتم هذا الأمر ، وارجع إلى قومك ، فإذا بلغك ظهورنا ، فأقبل ، فقلت : والذي بعثك بالحق ، لأصرخن بها بين أظهرهم .

فجاء إلى المسجد وقريش فيه ، فقال : يا معشر قريش ، إني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، فقالوا : قوموا إلى هذا الصابئ ، فقاموا ، فضربت لأموت ، فأدركني العباس ، فأكب علي ، وقال : ويلكم تقتلون رجلا من غفار ، ومتجركم وممركم على غفار ! فأطلقوا عني ، فلما أصبحت ، رجعت ، فقلت مثلما قلت بالأمس ، فقالوا : قوموا إلى هذا الصابئ ، فصنع بي كذلك ، وأدركني العباس ، فأكب علي
.

فهذا أول إسلام أبي ذر . [ ص: 55 ] أخرجه : البخاري ومسلم من طريق المثنى بن سعيد ، عن أبي جمرة .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:29 PM

ابن سعد : أخبرنا محمد بن عمر : أخبرنا ابن أبي سبرة ، عن يحيى بن شبل ، عن خفاف بن إيماء قال : كان أبو ذر رجلا يصيب ، وكان شجاعا ، ينفرد وحده يقطع الطريق ، ويغير على الصرم في عماية الصبح على ظهر فرسه أو قدميه ، كأنه السبع ، فيطرق الحي ، ويأخذ ما أخذ ، ثم إن الله قذف في قلبه الإسلام ، وسمع مقالة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يومئذ يدعو مختفيا ، فأقبل يسأل عنه .

وعن أبي معشر السندي : كان أبو ذر يتأله في الجاهلية ، ويوحد ، ولا يعبد الأصنام .

النضر بن محمد ، أخبرنا عكرمة بن عمار : أخبرنا أبو زميل ، عن مالك بن مرثد ، عن أبيه ، عن أبي ذر ، قال : كنت رابع الإسلام ، أسلم قبلي ثلاثة ، فأتيت نبي الله ، فقلت : سلام عليك يا نبي الله . وأسلمت ، فرأيت الاستبشار في وجهه ، فقال : من أنت ؟ قلت : جندب ، رجل من غفار .

قال : فرأيتها في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان فيهم من يسرق الحاج
.

[ ص: 56 ] وعن محفوظ بن علقمة ، عن ابن عائذ ، عن جبير بن نفير ، قال : كان أبو ذر وعمرو بن عبسة ، كل منهما يقول : أنا ربع الإسلام .

قال الواقدي : كان حامل راية غفار يوم حنين أبو ذر .

وكان يقول : أبطأت في غزوة تبوك ، من عجف بعيري .

ابن إسحاق : حدثني بريدة بن سفيان ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن ابن مسعود ، قال : لما سار رسول الله إلى تبوك ، جعل لا يزال يتخلف الرجل ، فيقولون : يا رسول الله ، تخلف فلان ، فيقول : دعوه ، إن يكن فيه خير فسيلحقكم ، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه . حتى قيل : يا رسول الله ، تخلف أبو ذر ، وأبطأ به بعيره .

قال : وتلوم بعير أبي ذر ، فلما أبطأ عليه أخذ متاعه ، فجعله على ظهره ، وخرج يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونظر ناظر ، فقال : إن هذا لرجل يمشي على الطريق ، فقال رسول الله : كن أبا ذر ، فلما تأمله القوم ، قالوا : هو والله أبو ذر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده . [ ص: 57 ]

فضرب الدهر من ضربه وسير أبو ذر إلى الربذة ، فلما حضرته الوفاة ، أوصى امرأته وغلامه ، فقال : إذا مت فاغسلاني وكفناني ، وضعاني على الطريق ، فأول ركب يمرون بكم فقولا : هذا أبو ذر .

فلما مات فعلا به ذلك ، فاطلع ركب ، فما علموا به حتى كادت ركائبهم توطأ السرير ، فإذا عبد الله بن مسعود في رهط من أهل الكوفة ، فقال : ما هذا ؟ قيل : جنازة أبي ذر ، فاستهل ابن مسعود يبكي ، وقال : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده .

فنزل فوليه بنفسه ، حتى أجنه
.

شريك ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن كليب بن شهاب : سمعت أبا ذر يقول : ما تؤيسني رقة عظمي ، ولا بياض شعري ، أن ألقى عيسى ابن مريم .

وعن ابن سيرين : سألت ابن أخت لأبي ذر : ما ترك أبو ذر ؟ قال : ترك أتانين ، وحمارا ، وأعنزا ، وركائب .

يحيى بن سعيد الأنصاري : أخبرنا الحارث بن يزيد الحضرمي : أن أبا ذر سأل رسول الله الإمرة ، فقال : إنك ضعيف ، وإنها خزي وندامة ، إلا من أخذها بحقها ، وأدى الذي عليه فيها . [ ص: 58 ]

أبو بكر بن أبي مريم ، عن حبيب بن عبيد ، عن غضيف بن الحارث ، عن أبي الدرداء ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتدئ أبا ذر إذا حضر ، ويتفقده إذا غاب .

فضيل بن مرزوق ، حدثتني جبلة بنت مصفح ، عن حاطب : قال أبو ذر : ما ترك رسول الله شيئا مما صبه جبريل وميكائيل في صدره ، إلا قد صبه في صدري ، ولا تركت شيئا مما صبه في صدري إلا قد صببته في صدر مالك بن ضمرة .

هذا منكر .

عبد الرحمن بن أبي الرجال : أخبرنا عمر مولى غفرة ، عن ابن كعب ، عن أبي ذر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أوصاني بخمس : أرحم المساكين وأجالسهم ، وأنظر إلى من تحتي ولا أنظر إلى من فوقي ، وأن أصل الرحم وإن أدبرت ، وأن أقول الحق وإن كان مرا ، وأن أقول : لا حول ولا قوة إلا بالله . [ ص: 59 ]

الأعمش ، عن عثمان بن عمير ، عن أبي حرب بن أبي الأسود : سمعت عبد الله بن عمرو : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما أقلت الغبراء ، ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر .

حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن بلال بن أبي الدرداء ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : مثله . وجاء نحوه لجابر ، وأبي هريرة .

أبو أمية بن يعلى - وهو واه - عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى ابن مريم ، فلينظر إلى أبي ذر .

سلام بن مسكين : أخبرنا مالك بن دينار : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أيكم يلقاني على الحال الذي أفارقه عليه ؟ فقال أبو ذر : أنا ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما أظلت الخضراء ، ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ؛ من سره أن ينظر إلى زهد عيسى فلينظر إلى أبي ذر . [ ص: 60 ]

حجاج بن محمد ، عن ابن جريج : أخبرني أبو حرب بن أبي الأسود ، عن أبيه . ثم قال ابن جريج ، ورجل عن زاذان ، قالا : سئل علي عن أبي ذر ؛ فقال : وعى علما عجز عنه ، وكان شحيحا على دينه ، حريصا على العلم ، يكثر السؤال ، وعجز عن كشف ما عنده من العلم .

سليمان بن المغيرة ، عن حميد بن هلال : أخبرنا عبد الله بن الصامت ، قال : دخلت مع أبي ذر في رهط من غفار على عثمان من باب لا يدخل عليه منه - قال : وتخوفنا عثمان عليه - فانتهى إليه ، فسلم ، ثم ما بدأه بشيء إلا أن قال : أحسبتني منهم يا أمير المؤمنين ؟ والله ما أنا منهم ولا أدركهم . ثم استأذنه إلى الربذة .

يحيى بن سلمة بن كهيل ، عن أبيه ، عن أبي إدريس ، عن المسيب بن نجبة ، عن علي ، أنه قيل له : حدثنا عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، حدثنا عن أبي ذر . قال : علم العلم ، ثم أوكى ، فربط عليه رباطا شديدا .

أبو إسحاق ، عن هانئ بن هانئ : سمع عليا يقول : أبو ذر وعاء ملئ علما ، أوكى عليه ، فلم يخرج منه شيء حتى قبض .

عن أبي سلمة ، مرسلا : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اللهم اغفر لأبي ذر وتب عليه .

ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم : إنه لم يكن نبي إلا وقد أعطي سبعة رفقاء ووزراء ، وإني أعطيت أربعة عشر فسمى فيهم أبا ذر . [ ص: 61 ]

شريك ، عن أبي ربيعة الإيادي ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت بحب أربعة ، وأخبرني الله - تعالى - أنه يحبهم . قلت : من هم يا رسول الله ؟ قال : علي ، وأبو ذر ، وسلمان ، والمقداد بن الأسود .

قال شهر بن حوشب : حدثتني أسماء : أن أبا ذر كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا فرغ من خدمته ، أوى إلى المسجد ، وكان هو بيته ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فوجده منجدلا في المسجد ، فنكته رسول الله صلى الله عليه وسلم برجله ، حتى استوى جالسا ، فقال : ألا أراك نائما ؟ قال : فأين أنام ، هل لي من بيت غيره ؟ فجلس إليه ، ثم قال : كيف أنت إذا أخرجوك منه ؟ قال : ألحق بالشام ؛ فإن الشام أرض الهجرة ، وأرض المحشر ، وأرض الأنبياء ، فأكون رجلا من أهلها - قال له : كيف أنت إذا أخرجوك من الشام ؟ قال : أرجع إليه ؛ فيكون بيتي ومنزلي . قال : فكيف أنت إذا أخرجوك منه الثانية ؟ قال : آخذ إذا سيفي فأقاتل حتى أموت .

قال : فكشر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : أدلك على خير من ذلك ؟ قال : بلى ، بأبي وأمي يا رسول الله .

قال : تنقاد لهم حيث قادوك ، حتى تلقاني وأنت على ذلك
[ ص: 62 ] أخرجه أحمد في " مسنده " .

وفي المسند : أخبرنا أبو المغيرة : أخبرنا صفوان بن عمرو ، عن أبي اليمان ، وأبي المثنى : أن أبا ذر قال : بايعني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا ، وواثقني سبعا ، وأشهد الله علي سبعا : ألا أخاف في الله لومة لائم .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:30 PM

أبو اليمان ، هو الهوزني الدغولي أخبرنا أبو جعفر الصائغ بمكة : أخبرنا المقري : أخبرنا المسعودي : أخبرنا أبو عمر الشامي ، عن عبيد بن الخشخاش ، عن أبي ذر رضي الله عنه ، قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فجلست إليه ، فقال : أصليت ؟ قلت : لا . قال : قم فصل ، فقمت فصليت ، ثم أتيته ، فقال : يا أبا ذر ، استعذ بالله من شياطين الإنس والجن . قلت : وهل للإنس من شياطين ؟ قال : نعم . ثم قال : يا أبا ذر ، ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ قل : لا حول ولا قوة إلا بالله . قلت : فما الصلاة ؟ قال : خير موضوع ، فمن شاء أكثر ، ومن شاء أقل . قلت : فما الصيام ؟ قال : فرض مجزئ . قلت : فما الصدقة ؟ قال : أضعاف مضاعفة ، وعند الله مزيد . قلت : فأيها أفضل ؟ قال : جهد من مقل ، أو سر إلى فقير . قلت : فأي ما أنزل الله عليك أعظم ؟ قال : الله لا إله إلا هو الحي القيوم قلت : فأي الأنبياء كان أول ؟ قال : آدم . قلت : نبيا كان ؟ قال : نعم ، مكلم . قلت : فكم المرسلون يا رسول الله ؟ قال : ثلاثمائة وخمسة عشر جما غفيرا . [ ص: 63 ]

هشام ، عن ابن سيرين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر : " إذا بلغ البناء سلعا فاخرج منها - ونحا بيده نحو الشام - ولا أرى أمراءك يدعونك . قال : أولا أقاتل من يحول بيني وبين أمرك ؟ قال : لا . قال : فما تأمرني ؟ قال : اسمع وأطع ، ولو لعبد حبشي .

فلما كان ذلك ، خرج إلى الشام ، فكتب معاوية : إنه قد أفسد الشام ، فطلبه عثمان ؛ ثم بعثوا أهله من بعده ، فوجدوا عندهم كيسا أو شيئا ؛ فظنوه دراهم ، فقالوا : ما شاء الله فإذا هي فلوس .

فقال عثمان : كن عندي . قال : لا حاجة لي في دنياكم ؛ ائذن لي حتى أخرج إلى الربذة ، فأذن له ؛ فخرج إليها ، وعليها عبد حبشي لعثمان ، فتأخر وقت الصلاة - لما رأى أبا ذر - فقال أبو ذر : تقدم فصل .

سفيان بن حسين ، عن الحكم ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن أبي ذر ، قال : كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار وعليه برذعة ، أو قطيفة [ ص: 64 ] .

عفان : أخبرنا سلام أبو المنذر ، عن محمد بن واسع ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر ، قال : أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع : أمرني بحب المساكين والدنو منهم ، وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ، وأن لا أسأل أحدا شيئا ، وأن أصل الرحم وإن أدبرت ، وأن أقول الحق وإن كان مرا ، وألا أخاف في الله لومة لائم ، وأن أكثر من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله ؛ فإنهن من كنز تحت العرش .

الأوزاعي : حدثني أبو كثير ، عن أبيه ، قال : أتيت أبا ذر وهو جالس عند الجمرة الوسطى ، وقد اجتمع الناس عليه يستفتونه ، فأتاه رجل ، فوقف عليه ، فقال : ألم ينهك أمير المؤمنين عن الفتيا ؟ فرفع رأسه ، ثم قال : أرقيب أنت علي ، لو وضعتم الصمصامة على هذه - وأشار بيده إلى قفاه - ثم ظننت أني أنفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تجيزوا علي لأنفذتها .

اسم أبي كثير : مرثد .

وعن ثعلبة بن الحكم ، عن علي ، قال : لم يبق أحد لا يبالي في الله لومة لائم ، غير أبي ذر ، ولا نفسي . ثم ضرب بيده على صدره .

الجريري ، عن يزيد بن الشخير ، عن الأحنف ، قال : قدمت [ ص: 65 ] المدينة ، فبينا أنا في حلقة فيها ملأ من قريش ، إذ جاء رجل أخشن الثياب ، أخشن الجسد ، أخشن الوجه ، فقام عليهم فقال : بشر الكنازين برضف يحمى عليه في نار جهنم ، فيوضع على حلمة ثدي أحدهم ، حتى يخرج من نغض كتفه ، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه يتجلجل .

قال : فوضع القوم رءوسهم ، فما رأيت أحدا منهم رجع إليه شيئا .

فأدبر ، فتبعته حتى جلس إلى سارية ، فقلت : ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قلت لهم . قال : إن هؤلاء لا يعقلون شيئا ؛ إن خليلي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم دعاني فقال : يا أبا ذر ، فأجبته ، فقال : ترى أحدا ؟ فنظرت ما علي من الشمس - وأنا أظنه يبعثني في حاجة - فقلت : أراه ، فقال : ما يسرني أن لي مثله ذهبا ، أنفقه كله ، إلا ثلاثة دنانير ثم هؤلاء يجمعون الدنيا ، لا يعقلون شيئا .

فقلت : ما لك ولإخوانك من قريش ، لا تعتريهم ولا تصيب منهم ؟ قال : لا وربك ، ما أسألهم دنيا ، ولا أستفتيهم عن دين حتى ألحق بالله ورسوله
.

الأسود بن شيبان ، عن يزيد بن الشخير ، عن أخيه مطرف ، عن أبي ذر ، فذكر بعضه . [ ص: 66 ]

موسى بن عبيدة : حدثنا عمران بن أبي أنس ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، قال : قدم أبو ذر من الشام ، فدخل المسجد ، وأنا جالس ، فسلم علينا ، وأتى سارية ، فصلى ركعتين ، تجوز فيهما ثم قرأ : ألهاكم التكاثر واجتمع الناس عليه ، فقالوا : حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فقال : سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : في الإبل صدقتها ، وفي البقر صدقتها ، وفي البر صدقته . من جمع دينارا ، أو تبرا ، أو فضة ، لا يعده لغريم ، ولا ينفقه في سبيل الله ، كوي به .

قلت : يا أبا ذر ، انظر ما تخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن هذه الأموال قد فشت . قال : من أنت ، ابن أخي ؟ فانتسبت له .

فقال : قد عرفت نسبك الأكبر ، ما تقرأ : والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله
.

موسى - ضعف - رواه عنه الثقات .

ابن لهيعة : حدثنا أبو قبيل : سمعت مالك بن عبد الله الزيادي يحدث عن أبي ذر ، أنه جاء يستأذن على عثمان ، فأذن له ، وبيده عصا ، فقال عثمان : يا كعب ، إن عبد الرحمن توفي ، وترك مالا ، فما ترى ؟ قال : إن [ ص: 67 ] كان فضل فيه حق الله ، فلا بأس عليه ، فرفع أبو ذر عصاه ، وضرب كعبا وقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما أحب أن لي هذا الجبل ذهبا أنفقه ويتقبل مني ، أذر خلفي منه ستة أواق أنشدك الله يا عثمان : أسمعته قال مرارا ؟ قال : نعم .

قلت : هذا دال على فضل إنفاقه وكراهية جمعه ؛ لا يدل على تحريم
.

حميد بن هلال ، عن عبد الله بن الصامت ، قال : دخلت مع أبي ذر على عثمان ، فلما دخل ، حسر عن رأسه وقال : والله ، ما أنا منهم يا أمير المؤمنين - يريد الخوارج - قال ابن شوذب : سيماهم الحلق - قال له عثمان : صدقت يا أبا ذر ؛ إنما أرسلنا إليك لتجاورنا بالمدينة . قال : لا حاجة لي في ذلك ، ائذن لي إلى الربذة . قال : نعم ، ونأمر لك بنعم من نعم الصدقة ، تغدو عليك وتروح . قال : لا حاجة لي في ذلك ، يكفي أبا ذر صريمته ، فلما خرج قال : دونكم معاشر قريش ، دنياكم فاعذموها ودعونا وربنا .

قال : ودخل عليه وهو يقسم ، وعبد الرحمن بن عوف بين يديه ، وعنده كعب ، فأقبل عثمان على كعب ، فقال : يا أبا إسحاق ، ما تقول فيمن جمع [ ص: 68 ] هذا المال ، فكان يتصدق منه ويصل الرحم ؟ قال كعب : إني لأرجو له ، فغضب ورفع عليه العصا ، وقال : وما تدري يا ابن اليهودية ، ليودن صاحب هذا المال لو كان عقارب في الدنيا تلسع السويداء من قلبه .

السري بن يحيى : حدثنا غزوان أبو حاتم ، قال : بينا أبو ذر عند باب عثمان ليؤذن له ، إذ مر به رجل من قريش ، فقال : يا أبا ذر ، ما يجلسك هاهنا ؟ قال : يأبى هؤلاء أن يأذنوا لنا ، فدخل الرجل فقال : يا أمير المؤمنين ، ما بال أبي ذر على الباب ؟ .

فأذن له ، فجاء حتى جلس ناحية ، وميراث عبد الرحمن يقسم ، فقال عثمان لكعب : أرأيت المال إذا أدي زكاته ، هل يخشى على صاحبه فيه تبعة ؟ قال : لا ، فقام أبو ذر فضربه بعصا بين أذنيه ، ثم قال : يا ابن اليهودية ، تزعم أن ليس عليه حق في ماله ، إذا آتى زكاته ، والله يقول : ويؤثرون على أنفسهم الآية . ويقول : ويطعمون الطعام على حبه .

فجعل يذكر نحو هذا من القرآن ، فقال عثمان للقرشي : إنما نكره أن نأذن لأبي ذر من أجل ما ترى .

وروي عن ابن عباس قال : كان أبو ذر يختلف من الربذة إلى المدينة مخافة الأعرابية فكان يحب الوحدة فدخل على عثمان وعنده كعب . . . الحديث . [ ص: 69 ]

وفيه : فشج كعبا ؛ فاستوهبه عثمان ، فوهبه له ، وقال : يا أبا ذر ، اتق الله واكفف يدك ولسانك .

موسى بن عبيدة : أخبرنا ابن نفيع عن ابن عباس ، قال : استأذن أبو ذر على عثمان ، فتغافلوا عنه ساعة ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، هذا أبو ذر بالباب . قال : ائذن له ، إن شئت أن تؤذينا وتبرح بنا ، فأذنت له ، فجلس على سرير مرمول فرجف به السرير ، وكان عظيما طويلا ، فقال عثمان : أما إنك الزاعم أنك خير من أبي بكر وعمر ؟ ! قال : ما قلت . قال : إني أنزع عليك بالبينة ، قال : والله ما أدري ما بينتك وما تأتي به ؟ ! وقد علمت ما قلت . قال : فكيف إذا قلت ؟ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أحبكم إلي وأقربكم مني الذي يلحق بي على العهد الذي عاهدته عليه وكلكم قد أصاب من الدنيا ، وأنا على ما عاهدته عليه ، وعلى الله تمام النعمة .

وسأله عن أشياء ، فأخبره بالذي يعلمه ، فأمره أن يرتحل إلى الشام فيلحق بمعاوية ، فكان يحدث بالشام ، فاستهوى قلوب الرجال ، فكان معاوية ينكر بعض شأن رعيته ، وكان يقول : لا يبيتن عند أحدكم دينار ولا درهم ، ولا تبر ولا فضة ، إلا شيء ينفقه في سبيل الله ، أو يعده لغريم .

وإن معاوية بعث إليه بألف دينار في جنح الليل فأنفقها . [ ص: 70 ] فلما صلى معاوية الصبح ، دعا رسوله ، فقال : اذهب إلى أبي ذر ، فقل : أنقذ جسدي من عذاب معاوية ، فإني أخطأت . قال : يا بني ، قل له : يقول لك أبو ذر : والله ما أصبح عندنا منه دينار . ولكن أنظرنا ثلاثا حتى نجمع لك دنانيرك .

فلما رأى معاوية أن قوله صدق فعله كتب إلى عثمان : أما بعد ، فإن كان لك بالشام حاجة ، أو بأهله ، فابعث إلى أبي ذر ، فإنه قد وغل صدور الناس .

فكتب إليه عثمان : اقدم علي ، فقدم .

ابن لهيعة ، عن عبيد الله بن المغيرة ، عن يعلى بن شداد : كان أبو ذر يسمع الحديث من رسول الله فيه الشدة ، ثم يخرج إلى قومه ، فيسلم عليهم . ثم إن رسول الله يرخص فيه بعد ، فلم يسمعه أبو ذر ، فتعلق أبو ذر بالأمر الشديد .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:31 PM

عاصم بن كليب ، عن أبي الجويرية ، عن زيد بن خالد الجهني ، قال : كنت عند عثمان ، إذ جاء أبو ذر ، فلما رآه عثمان قال : مرحبا وأهلا بأخي ، فقال أبو ذر : مرحبا وأهلا بأخي ، لقد أغلظت علينا في العزيمة ، والله لو عزمت علي أن أحبو لحبوت ما استطعت . إني خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم نحو حائط بني فلان ، فقال لي : ويحك بعدي ! فبكيت ، فقلت : يا رسول الله ، وإني لباق بعدك ؟ قال : نعم ، فإذا رأيت البناء على سلع ، فالحق بالمغرب ، أرض قضاعة [ ص: 71 ] .

قال عثمان : أحببت أن أجعلك مع أصحابك وخفت عليك جهال الناس
.

وعن أبي ذر : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : اسمع وأطع لمن كان عليك .

جعفر بن برقان ، عن ثابت بن الحجاج ، عن عبد الله بن سيدان السلمي ، قال : تناجى أبو ذر ، وعثمان حتى ارتفعت أصواتهما ، ثم انصرف أبو ذر متبسما ، فقالوا : ما لك ولأمير المؤمنين ؟ قال : سامع مطيع ، ولو أمرني أن آتي صنعاء أو عدن ثم استطعت أن أفعل ، لفعلت وأمره أن يخرج إلى الربذة .

ميمون بن مهران ، عن عبد الله بن سيدان ، عن أبي ذر ، قال : لو أمرني عثمان أن أمشي على رأسي لمشيت .

وقال أبو عمران الجوني ، عن عبد الله بن الصامت ، قال : قال أبو ذر لعثمان : يا أمير المؤمنين ، افتح الباب ، لا تحسبني من قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية .

يزيد ، أخبرنا العوام بن حوشب : حدثني رجل عن شيخين من بني ثعلبة ، قالا : نزلنا الربذة ، فمر بنا شيخ أشعث أبيض الرأس واللحية ، فقالوا : هذا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستأذناه بأن نغسل رأسه ، فأذن لنا ، واستأنس بنا ، فبينما نحن كذلك إذ أتاه نفر من أهل العراق - حسبته [ ص: 72 ] قال : من أهل الكوفة - فقالوا : يا أبا ذر ، فعل بك هذا الرجل وفعل ، فهل أنت ناصب لك راية فنكملك برجال ما شئت ؟ فقال : يا أهل الإسلام ، لا تعرضوا علي ذاكم ولا تذلوا السلطان ، فإنه من أذل السلطان ، فلا توبة له ، والله لو صلبني على أطول خشبة أو حبل ، لسمعت وصبرت ورأيت أن ذلك خير لي .

حميد بن هلال ، عن عبد الله بن الصامت ، قالت أم ذر : والله ما سير عثمان أبا ذر - تعني إلى الربذة - ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا بلغ البناء سلعا ، فاخرج منها .

قال غالب القطان للحسن : يا أبا سعيد ، أكان عثمان أخرج أبا ذر ؟ قال : معاذ الله .

محمد بن عمرو ، عن عراك بن مالك ، قال أبو ذر : إني لأقربكم مجلسا من رسول الله يوم القيامة ، إني سمعته يقول : إن أقربكم مني مجلسا من خرج من الدنيا كهيئته بما تركته عليه وإنه والله ما منكم إلا من تشبث منها بشيء .

قال المعرور بن سويد : نزلنا الربذة ، فإذا برجل عليه برد ، وعلى غلامه مثله ، فقلنا : لو عملتهما حلة لك ، واشتريت لغلامك غيره ، فقال : سأحدثكم : كان بيني وبين صاحب لي كلام ، وكانت أمه أعجمية ، فنلت [ ص: 73 ] منها ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ساببت فلانا ؟ قلت : نعم . قال : ذكرت أمه ؟ قلت : من ساب الرجال ذكر أبوه وأمه ، فقال : إنك امرؤ فيه جاهلية وذكر الحديث . . . إلى أن قال : إخوانكم ، جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه ، وليلبسه من لباسه ، ولا يكلفه ما يغلبه .

قتادة ، عن أبي قلابة ، عن أبي أسماء ، أنه دخل على أبي ذر بالربذة ، وعند امرأة له سوداء مشعثة ، ليس عليها أثر المجاسد والخلوق ، فقال : ألا تنظرون ما تأمرني به ؟ تأمرني أن آتي العراق ، فإذا أتيتها مالوا علي بدنياهم ، وإن خليلي عهد إلي : إن دون جسر جهنم طريقا ذا دحض ومزلة ، وإنا أن نأتي عليه وفي أحمالنا اقتدار أحرى أن ننجو من أن نأتي عليه ونحن مواقير .

أبو هلال ، عن قتادة ، عن سعيد بن أبي الحسن ، أن أبا ذر كان عطاؤه أربعة آلاف ، فكان إذا أخذ عطاءه ، دعا خادمه ، فسأله عما يكفيه للسنة ، فاشتراه ، ثم اشترى فلوسا بما بقي . وقال : إنه ليس من وعاء ذهب ولا فضة يوكى عليه إلا وهو يتلظى على صاحبه . [ ص: 74 ]

قال يحيى بن أبي كثير : كان لأبي ذر ثلاثون فرسا يحمل عليها ، فكان يحمل على خمسة عشر منها يغزو عليها ، ويصلح آلة بقيتها ، فإذا رجعت أخذها ، فأصلح آلتها ، وحمل على الأخرى .

قال ثابت البناني : بنى أبو الدرداء مسكنا ، فمر عليه أبو ذر ، فقال : ما هذا ؟ تعمر دارا أذن الله بخرابها ، لأن تكون رأيتك تتمرغ في عذرة أحب إلي من أن أكون رأيتك فيما رأيتك فيه .

حسين المعلم ، عن ابن بريدة ، قال : لما قدم أبو موسى لقي أبا ذر ، فجعل أبو موسى يكرمه - وكان أبو موسى قصيرا خفيف اللحم . وكان أبو ذر رجلا أسود كث الشعر - فيقول أبو ذر : إليك عني ! ويقول أبو موسى : مرحبا بأخي ، فيقول : لست بأخيك ! إنما كنت أخاك قبل أن تلي .

وعن أم طلق قالت : دخلت على أبي ذر فرأيته شعثا شاحبا ، بيده صوف ، قد جعل عودين ، وهو يغزل بهما ، فلم أر في بيته شيئا ، فناولته شيئا من دقيق وسويق ، فقال لي : أما ثوابك ، فعلى الله .

وقيل : إن أبا ذر خلف بنتا له ، فضمها عثمان إلى عياله .

قال الفلاس ، والهيثم بن عدي ، وغيرهما : مات سنة اثنتين وثلاثين ويقال : مات في ذي الحجة .

ويقال : إن ابن مسعود الذي دفنه ، عاش بعده نحوا من عشرة أيام رضي الله عنهما . [ ص: 75 ]

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر - مع قوة أبي ذر في بدنه وشجاعته - : يا أبا ذر ، إني أراك ضعيفا ، وإني أحب لك ما أحب لنفسي ، لا تأمرن على اثنين ، ولا تولين مال يتيم .

فهذا محمول على ضعف الرأي ؛ فإنه لو ولي مال يتيم ، لأنفقه كله في سبيل الخير ، ولترك اليتيم فقيرا ! فقد ذكرنا أنه كان لا يستجيز ادخار النقدين . والذي يتأمر على الناس ، يريد أن يكون فيه حلم ومداراة ، وأبو ذر رضي الله عنه كانت فيه حدة - كما ذكرناه - فنصحه النبي صلى الله عليه وسلم .

وله مئتا حديث وأحد وثمانون حديثا ، اتفقا منها على اثني عشر حديثا ، وانفرد البخاري بحديثين . ومسلم بتسعة عشر .

ابن سعد : أخبرنا عفان : أخبرنا وهيب : أخبرنا عبد الله بن عثمان بن [ ص: 76 ] خثيم ، عن مجاهد ، عن إبراهيم بن الأشتر ، أن أبا ذر حضره الموت بالربذة ، فبكت امرأته ، فقال : وما يبكيك ؟ قالت : أبكي أنه لا بد من تغييبك . وليس عندي ثوب يسعك كفنا .

قال : لا تبكي ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، وأنا عنده في نفر ، يقول : ليموتن رجل منكم بفلاة تشهده عصابة من المؤمنين فكلهم مات في جماعة وقرية ، فلم يبق غيري ، وقد أصبحت بالفلاة أموت ، فراقبي الطريق ، فإنك سوف ترين ما أقول ، ما كذبت ، ولا كذبت . قالت : وأنى ذلك وقد انقطع الحاج ؟ ! .

قال : راقبي الطريق . فبينا هي كذلك ، إذ هي بالقوم تخب بهم رواحلهم كأنهم الرخم فأقبلوا حتى وقفوا عليها . قالوا : ما لك ؟ قالت : رجل من المسلمين تكفنونه ، وتؤجرون فيه . قالوا : ومن هو ؟ قالت : أبو ذر ، ففدوه بآبائهم وأمهاتهم ، ووضعوا سياطهم في نحورها يبتدرونه .

فقال : أبشروا ، أنتم النفر الذين قال فيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال . سمعته يقول : ما من امرأين من المسلمين هلك بينهما ولدان أو ثلاثة فاحتسبا وصبرا ، فيريان النار أبدا .

ثم قال : وقد أصبحت اليوم حيث ترون ، ولو أن ثوبا من ثيابي يسعني لم أكفن إلا فيه . أنشدكم الله : أن لا يكفنني رجل منكم كان أميرا أو عريفا أو بريدا . [ ص: 77 ]

فكل القوم كان نال من ذلك شيئا إلا فتى من الأنصار قال : أنا صاحبك ، ثوبان في عيبتي من غزل أمي ، وأحد ثوبي هذين اللذين علي .

قال : أنت صاحبي ، فكفني .

ثم قال ابن سعد : حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، حدثنا يحيى بن سليم ، عن ابن خثيم ، عن مجاهد ، عن إبراهيم بن الأشتر ، عن أبيه ، أنه لما حضر أبا ذر الموت ، بكت امرأته - فذكره وزاد - : فكفنه الأنصاري في النفر الذين شهدوه ، منهم : حجر بن الأدبر ، ومالك بن الأشتر .

ابن إسحاق : حدثنا بريدة بن سفيان ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن ابن مسعود ، قال : لما نفى عثمان أبا ذر إلى الربذة ، وأصابه بها قدره ، لم يكن معه إلا امرأته وغلامه ، فأوصاهما : أن اغسلاني وكفناني وضعاني على قارعة الطريق ، فأول ركب يمر بكم قولوا : هذا أبو ذر ، فأعينونا عليه .

فوضعاه ، وأقبل ابن مسعود في رهط من العراق عمارا ، فلم يرعهم إلا به ، قد كادت الإبل أن تطأه ، فقام الغلام ، فقال : هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فاستهل عبد الله يبكي ، ويقول : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : تمشي [ ص: 78 ] وحدك ، وتموت وحدك ، وتبعث وحدك .

ثم نزلوا فواروه ، ثم حدثهم عبد الله حديثه ، وما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره وحده إلى تبوك .

وعن عيسى بن عميلة أخبرني من رأى أبا ذر يحلب غنيمة له ، فيبدأ بجيرانه وأضيافه قبل نفسه .

عاصم الأحول ، عن أبي عثمان النهدي ، قال : رأيت أبا ذر يميد على راحلته ، وهو مستقبل مطلع الشمس ، فظننته نائما ، فدنوت وقلت : أنائم أنت يا أبا ذر ؟ قال : لا ، بل كنت أصلي .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:33 PM

العباس ( ع )

[ ص: 78 ] عم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قيل : إنه أسلم قبل الهجرة ، وكتم إسلامه ، وخرج مع قومه إلى بدر ، فأسر يومئذ ، فادعى أنه مسلم ، فالله أعلم . [ ص: 79 ]

وليس هو في عداد الطلقاء ؛ فإنه كان قد قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل الفتح ؛ ألا تراه أجارأبا سفيان بن حرب ؟‍‍ ! .

وله عدة أحاديث ، منها خمسة وثلاثون في مسند بقي وفي " البخاري ومسلم " حديث ، وفي " البخاري " حديث ، وفي " مسلم " ثلاثة أحاديث .

روى عنه ابناه : عبد الله ، وكثير ؛ والأحنف بن قيس ، وعبد الله بن الحارث بن نوفل ، وجابر بن عبد الله ، وأم كلثوم بنت العباس ، وعبد الله بن عميرة ، وعامر بن سعد ، وإسحاق بن عبد الله بن نوفل ، ومالك بن أوس بن الحدثان ، ونافع بن جبير بن مطعم ، وابنه عبيد الله بن العباس ، وآخرون .

وقدم الشام مع عمر .

فعن أسلم مولى عمر : أن عمر لما دنا من الشام تنحى ومعه غلامه ، فعمد إلى مركب غلامه فركبه ، وعليه فرو مقلوب ، وحول غلامه على رحل نفسه .

وإن العباس لبين يديه على فرس عتيق ، وكان رجلا جميلا ، فجعلت البطارقة يسلمون عليه ، فيشير : لست به ، وإنه ذاك .

قال الكلبي : كان العباس شريفا ، مهيبا ، عاقلا ، جميلا ، أبيض ، بضا ، له ضفيرتان ، معتدل القامة .

ولد قبل عام الفيل بثلاث سنين .

وقلت : بل كان من أطول الرجال ، وأحسنهم صورة ، وأبهاهم ، [ ص: 80 ] وأجهرهم صوتا ، مع الحلم الوافر ، والسؤدد .

روى مغيرة عن أبي رزين ، قال : قيل للعباس : أنت أكبر أو النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : هو أكبر وأنا ولدت قبله .

قال الزبير بن بكار : كان للعباس ثوب لعاري بني هاشم ، وجفنة لجائعهم ، ومنظرة لجاهلهم .

وكان يمنع الجار ، ويبذل المال ، ويعطي في النوائب .

ونديمه في الجاهلية أبو سفيان بن حرب .

ابن سعد : أخبرنا محمد بن عمر : حدثني ابن أبي حبيبة ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كان العباس قد أسلم قبل أن يهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة . [ ص: 81 ]

إسناده واه .

عن عمارة بن عمار بن أبي اليسر السلمي ، عن أبيه ، عن جده ، قال : نظرت إلى العباس يوم بدر ، وهو واقف كأنه صنم ، وعيناه تذرفان .

فقلت : جزاك الله من ذي رحم شرا ! أتقاتل ابن أخيك مع عدوه ؟ .

قال : ما فعل ، أقتل ؟ قلت : الله أعز له وأنصر من ذلك . قال : ما تريد إلي ؟ قلت : الأسر ؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتلك . قال : ليست بأول صلته ، فأسرته ، ثم جئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، أو غيره ، قال : جاء رجل من الأنصار بالعباس ، قد أسره ، فقال : ليس هذا أسرني ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد آزرك الله بملك كريم .

ابن إسحاق ، عمن سمع عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : أسر العباس أبو اليسر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : كيف أسرته ؟ قال : لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ولا بعد ، هيئته كذا . قال : لقد أعانك عليه ملك كريم .

ثم قال للعباس : افد نفسك ، وابن أخيك عقيلا ، ونوفل بن الحارث ، وحليفك عتبة بن جحدم فأبى ، وقال : إني كنت مسلما قبل [ ص: 82 ] ذلك ، وإنما استكرهوني . قال : الله أعلم بشأنك ، إن يك ما تدعي حقا ، فالله يجزيك بذلك ، وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا ، فافد نفسك .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عرف أن العباس أخذ معه عشرين أوقية ذهبا فقلت يا رسول الله ، احسبها لي من فدائي . قال : لا ، ذاك شيء أعطانا الله منك ، قال : فإنه ليس لي مال . قال : فأين المال الذي وضعته بمكة عند أم الفضل ، وليس معكما أحد غيركما ، فقلت : إن أصبت في سفري فللفضل كذا ، لقثم كذا ، ولعبد الله كذا ؟

قال : فوالذي بعثك بالحق ما علم بهذا أحد من الناس غيرها ، وإني لأعلم أنك رسول الله
.

يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق : حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : بعثت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أسراهم ، ففدى كل قوم أسيرهم ، بما تراضوا . وقال العباس : يا رسول الله ، إني كنت مسلما . . .

إلى أن قال : وأنزلت : يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم .

قال : فأعطاني الله مكان العشرين أوقية في الإسلام ، عشرين عبدا [ ص: 83 ] كلهم في يده مال يضرب به ، مع ما أرجو من مغفرة الله تعالى
.

قال ابن إسحاق : وكان أكثر الأسارى فداء يوم بدر العباس ، افتدى نفسه بمائة أوقية من ذهب .

وعن ابن عباس ، قال : أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم والأسارى في الوثاق ، فبات ساهرا أول الليل ، فقيل : يا رسول الله ، مالك لا تنام ؟ قال : سمعت أنين عمي في وثاقه ، فأطلقوه ، فسكت ، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم .

إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد ، قال : أسر العباس رجل ، ووعدوه أن يقتلوه ، فقال رسول الله : إني لم أنم الليلة من أجل العباس ؛ زعمت الأنصار أنهم قاتلوه ، فقال عمر : أآتيهم يا رسول الله ؟ فأتى الأنصار فقال : أرسلوا العباس . قالوا : إن كان لرسول الله رضى فخذه .

سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : قيل : يا رسول الله - بعدما فرغ من بدر - عليك بالعير ليس دونها شيء ، فقال العباس - وهو في وثاقه - : لا يصلح ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم ؟ قال : لأن الله وعدك إحدى الطائفتين ، فقد أعطاك ما وعدك .

هكذا رواه إسرائيل . ورواه عمرو بن ثابت ، عن سماك ، عن عكرمة ، مرسلا . [ ص: 84 ]

إسماعيل بن قيس ، عن أبي حازم ، عن سهل ، قال : لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم من بدر ، استأذنه العباس أن يأذن له أن يرجع إلى مكة ، حتى يهاجر منها ، فقال : اطمئن يا عم ، فإنك خاتم المهاجرين ، كما أنا خاتم النبيين إسناده واه ، رواه أبو يعلى ، والشاشي في " مسنديهما " . ويروى نحوه من مراسيل الزهري .

قال ابن سعد الطبقة الثانية من المهاجرين والأنصار ممن لم يشهد بدرا : فبدأ بالعباس ، قال : وأمه نتيلة بنت جناب بن كليب . وسرد نسبها إلى ربيعة بن نزار بن معد .

وعن ابن عباس : ولد أبي قبل أصحاب الفيل بثلاث سنين .

وبنوه : الفضل - وهو أكبرهم - ، وعبد الله البحر وعبيد الله ، وقثم - ولم يعقب - ، وعبد الرحمن - توفي بالشام ولم يعقب - ومعبد - استشهد بإفريقية - وأم حبيب وأمهم : أم الفضل لبابة الهلالية ، وفيها يقول ابن يزيد الهلالي : [ ص: 85 ]
ما ولدت نجيبة من فحل بجبل نعلمه أو سهل كستة من بطن أم الفضل
أكرم بها من كهلة وكهل


قال الكلبي : ما رأينا ولد أم قط أبعد قبورا من بني العباس .

ومن أولاد العباس : كثير - وكان فقيها - ، وتمام - وكان من أشد قريش - ، وأميمة ؛ وأمهم أم ولد . والحارث بن العباس ، وأمه حجيلة بنت جندب التميمية .

فعدتهم عشرة .

الواقدي : أخبرنا عبد الله بن يزيد الهذلي ، عن أبي البداح بن عاصم ، عن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة ، عن أبيه ، قال : أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقيل : هو في منزل العباس ؛ فدخلنا عليه ، فسلمنا وقلنا : متى نلتقي ؟ فقال العباس : إن معكم من قومكم من هو مخالف لكم ، فأخفوا أمركم حتى ينصدع هذا الحاج ، ونلتقي نحن وأنتم ، فنوضح لكم الأمر ، فتدخلون على أمر بين ، فوعدهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة النفر الآخر بأسفل العقبة ، وأمرهم ألا ينبهوا نائما ، ولا ينتظروا غائبا .

وعن معاذ بن رفاعة ، قال : فخرجوا بعد هدأة يتسللون ، وقد سبقهم إلى ذلك المكان معه عمه العباس وحده .

قال : فأول من تكلم هو ، فقال : يا معشر الخزرج ، قد دعوتم محمدا إلى ما دعوتموه ، وهو من أعز الناس في عشيرته ، يمنعه والله من كان منا على [ ص: 86 ] قوله ومن لم يكن ، وقد أبى محمدا الناس كلهم غيركم ؛ فإن كنتم أهل قوة وجلد وبصر بالحرب ، واستقلال بعداوة العرب قاطبة ، فإنها سترميكم عن قوس واحدة ، فارتؤوا رأيكم ، وائتمروا أمركم ؛ فإن أحسن الحديث أصدقه ، فأسكتوا . وتكلم عبد الله بن عمرو بن حرام ، فقال : نحن أهل الحرب ، ورثناها كابرا عن كابر . نرمي بالنبل حتى تفنى ، ثم نطاعن بالرماح حتى تكسر ، ثم نمشي بالسيوف حتى يموت الأعجل منا .

قال : أنتم أصحاب حرب ، هل فيكم دروع ؟ قالوا : نعم ، شاملة .

وقال البراء بن معرور : قد سمعنا ما قلت ، إنا والله لو كان في أنفسنا غير ما نقول لقلنا ، ولكنا نريد الوفاء ، والصدق ، وبذل المهج دون رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فبايعهم النبي صلى الله عليه وسلم ، والعباس آخذ بيده ، يؤكد له البيعة .

زكريا ، عن الشعبي ، قال : انطلق النبي صلى الله عليه وسلم بالعباس ، وكان العباس ذا رأي ، فقال العباس للسبعين : ليتكلم متكلمكم ولا يطل الخطبة ، فإن عليكم عينا .

فقال أسعد بن زرارة : سل لربك ما شئت ، وسل لنفسك ولأصحابك ، ثم أخبرنا بما لنا على الله وعليكم .

قال : أسألكم لربي أن تعبدوه ، لا تشركوا به شيئا ، وأسألكم لنفسي وأصحابي أن تؤوونا ، وتنصرونا ، وتمنعونا مما تمنعون منه أنفسكم . [ ص: 87 ]

قالوا : فما لنا إذا فعلنا ذلك ؟ قال : الجنة . قال : فلك ذلك
.

ابن إسحاق : حدثني حسين بن عبد الله ، عن عكرمة ، قال : قال أبو رافع : كنت غلاما للعباس ، وكان الإسلام قد دخلنا ، فأسلم العباس ، وكان يهاب قومه ؛ فكان يكتم إسلامه ، فخرج إلى بدر ، وهو كذلك .

إسماعيل بن أبي أويس : حدثنا أبي ، عن ابن عباس بن عبد الله بن معبد بن عباس ، أن جده عباسا قدم هو وأبو هريرة ، فقسم لهما النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر .

قال ابن سعد : فقال لي محمد بن عمر : هذا وهم ، بل كان العباس بمكة ، إذ قدم الحجاج بن علاط ، فأخبر قريشا عن نبي الله بما أحبوا ، وساء العباس ، حتى أتاه الحجاج فأخبره بفتح خيبر ، ففرح . ثم خرج العباس بعد ذلك ، فلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فأطعمه بخيبر مائتي وسق كل سنة ، ثم خرج معه إلى فتح مكة .

يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث ، عن المطلب بن ربيعة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال رجال يؤذونني في العباس ، وإن عم الرجل صنو أبيه ، من آذى العباس فقد آذاني . [ ص: 88 ]

ورواه خالد الطحان عن يزيد ، فأسقط المطلب .

وثبت أن العباس كان يوم حنين ، وقت الهزيمة ، آخذا بلجام بغلة النبي صلى الله عليه وسلم ، وثبت معه حتى نزل النصر .

الأعمش ، عن أبي سبرة النخعي ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن العباس ، قال : كنا نلقى النفر من قريش ، وهم يتحدثون ، فيقطعون حديثهم ، فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : والله لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولقرابتي .

إسناده منقطع .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:34 PM

إسرائيل ، عن عبد الأعلى الثعلبي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أن رجلا من الأنصار وقع في أب للعباس كان في الجاهلية ، فلطمه العباس ، فجاء قومه ، فقالوا : والله لنلطمنه كما لطمه ، فلبسوا السلاح .

فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فصعد المنبر ، فقال : أيها الناس ، أي أهل الأرض أكرم على الله ؟ قالوا : أنت . قال : فإن العباس مني وأنا منه ، لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا .

فجاء القوم فقالوا : نعوذ بالله من غضبك يا رسول الله
. [ ص: 89 ]

رواه أحمد في " مسنده " .

ثور ، عن مكحول ، عن كريب ، عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل على العباس وولده كساء ، ثم قال : اللهم اغفر للعباس وولده مغفرة ظاهرة وباطنة ، لا تغادر ذنبا . اللهم اخلفه في ولده .

إسناده جيد . رواه أبو يعلى في " مسنده " .

إسماعيل بن قيس بن سعد ، عن أبي حازم ، عن سهل ، قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في القيظ ، فقام لبعض حاجته ، فقام العباس يستره بكساء من صوف ، فقال : اللهم استر العباس وولده من النار له طرق ، وإسماعيل ضعف .

سليمان بن المغيرة ، عن حميد بن هلال ، قال : بعث ابن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال ثمانين ألفا من البحرين ، فنثرت على حصير ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ، فوقف ، وجاء الناس ؛ فما كان يومئذ عدد ولا وزن ، ما كان إلا قبضا .

فجاء العباس بخميصة عليه ، فأخذ ، فذهب يقوم ، فلم يستطع ، فرفع رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ارفع علي ، فتبسم رسول الله حتى خرج ضاحكه - أو نابه - فقال : أعد في المال طائفة ، وقم بما تطيق ، ففعل .

قال : فجعل العباس يقول - وهو منطلق - أما إحدى اللتين وعدنا الله ، [ ص: 90 ] فقد أنجزها - يعني قوله : قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم فهذا خير مما أخذ مني . ولا أدري ما يصنع في الآخرة
.

أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة ساعيا ، فمنع ابن جميل ، وخالد ، والعباس ، فقال رسول الله : ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيرا فأغناه الله . وأما خالد ، فإنكم تظلمون خالدا ، إنه قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله ؛ وأما العباس ، فهي علي ومثلها .

ثم قال : أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه
.

الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن علي ، قال : قلت لعمر : أما تذكر إذ شكوت العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه ؟ .

حسين بن عبد الله بن ضميرة ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي ، أن [ ص: 91 ] رسول الله قال : استوصوا بالعباس خيرا ، فإنه عمي وصنو أبي إسناده واه .

محمد بن طلحة التيمي ، عن أبي سهيل بن مالك ، عن سعيد بن المسيب ، عن سعد : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في نقيع الخيل فأقبل العباس ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هذا العباس عم نبيكم ، أجود قريش كفا ، وأوصلها . رواه عدة عنه .

وثبت من حديث أنس : أن عمر استسقى فقال : اللهم إنا كنا إذا قحطنا على عهد نبيك توسلنا به ؛ وإنا نستسقي إليك بعم نبيك العباس . [ ص: 92 ]

الزبير بن بكار : حدثنا ساعدة بن عبيد الله ، عن داود بن عطاء ، عن زيد بن أسلم ، عن ابن عمر ، قال : استسقى عمر عام الرمادة بالعباس ، فقال : اللهم ، هذا عم نبيك نتوجه إليك به ، فاسقنا ، فما برحوا حتى سقاهم الله ، فخطب عمر الناس فقال :

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرى للعباس ما يرى الولد لوالده ، فيعظمه ويفخمه ويبر قسمه ؛ فاقتدوا أيها الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم في عمه العباس ، واتخذوه وسيلة إلى الله فيما نزل بكم .

وقع لنا عاليا في جزء البانياسي . وداود ضعيف .

ابن أبي الزناد ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجل أحدا ما يجل العباس أو يكرم العباس إسناده صالح .

ويروى عن عبد الله بن عمرو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله [ ص: 93 ] اتخذني خليلا ، كما اتخذ إبراهيم خليلا ، فمنزلي ومنزل إبراهيم يوم القيامة في الجنة تجاهين ، والعباس بيننا ، مؤمن بين خليلين

أخرجه ابن ماجه وهو موضوع . وفي إسناده : عبد الوهاب العرضي الكذاب .

ابن أبي فديك : حدثنا محمد بن عبد الرحمن العامري ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للعباس : فيكم النبوة والمملكة

هذا في جزء ابن ديزيل وهو منكر .

ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن الثقة قال : كان العباس إذا مر بعمر أو بعثمان ، وهما راكبان ، نزلا حتى يجاوزهما إجلالا لعم رسول الله .

وروى ثمامة ، عن أنس : قال عمر : اللهم إنا نتوسل إليك بعم نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، فاسقنا . صحيح . . [ ص: 94 ]

وفي ذلك يقول عباس بن عتبة بن أبي لهب :
بعمي سقى الله الحجاز وأهله عشية يستسقي بشيبته عمر
توجه بالعباس في الجدب راغبا إليه فما إن رام حتى أتى المطر
ومنا رسول الله فينا تراثه فهل فوق هذا للمفاخر مفتخر


أبو معشر ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، وعن عمر مولى غفرة ، وعن محمد بن نفيع . قالوا : لما استخلف عمر ، وفتح عليه الفتوح ، جاءه مال ، ففضل المهاجرين والأنصار ، ففرض لمن شهد بدرا خمسة آلاف خمسة آلاف ، ولمن لم يشهدها وله سابقة أربعة آلاف ، أربعة آلاف ، وفرض للعباس اثني عشر ألفا .

سفيان بن حبيب : أخبرنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي صالح ذكوان ، عن صهيب مولى العباس ، قال : رأيت عليا يقبل يد العباس ورجله ، ويقول : يا عم ، ارض عني .

إسناده حسن ، وصهيب لا أعرفه .

عبد الوهاب بن عطاء عن ثور عن مكحول عن سعيد بن المسيب ، أنه [ ص: 95 ] قال : العباس خير هذه الأمة ، وارث النبي صلى الله عليه وسلم وعمه .

سمعه منه يحيى بن أبي طالب . وهو قول منكر .

قال الضحاك بن عثمان الحزامي : كان يكون للعباس الحاجة إلى غلمانه وهم بالغابة ، فيقف على سلع ، وذلك في آخر الليل ، فيناديهم فيسمعهم . والغابة نحو من تسعة أميال .

قلت : كان تام الشكل ، جهوري الصوت جدا ، وهو الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يهتف يوم حنين : يا أصحاب الشجرة .

قال القاضي أبو محمد بن زبر : حدثنا إسماعيل القاضي ، أخبرنا نصر بن علي : أخبرنا الأصمعي ، قال : كان للعباس راع يرعى له على مسيرة ثلاثة أميال ، فإذا أراد منه شيئا صاح به ، فأسمعه حاجته .

ليث : حدثني مجاهد ، عن علي بن عبد الله ، قال : أعتق العباس عند موته سبعين مملوكا .

علي بن زيد ، عن الحسن ، قال : وبقي في بيت المال بقية ، فقال العباس لعمر وللناس : أرأيتم لو كان فيكم عم موسى ، أكنتم تكرمونه [ ص: 96 ] وتعرفون حقه ؟ قالوا : نعم . قال : فأنا عم نبيكم ، أحق أن تكرموني ، فكلم عمر الناس ، فأعطوه .

قلت : لم يزل العباس مشفقا على النبي صلى الله عليه وسلم ، محبا له ، صابرا على الأذى ، ولما يسلم بعد ، بحيث إنه ليلة العقبة عرف ، وقام مع ابن أخيه في الليل ، وتوثق له من السبعين ، ثم خرج إلى بدر مع قومه مكرها ، فأسر ؛ فأبدى لهم أنه كان أسلم ، ثم رجع إلى مكة ، فما أدري لماذا أقام بها .

ثم لا ذكر له يوم أحد ، ولا يوم الخندق ، ولا خرج مع أبي سفيان ، ولا قالت له قريش في ذلك شيئا ، فيما علمت .

ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا قبيل فتح مكة ؛ فلم يتحرر لنا قدومه .

وقد كان عمر أراد أن يأخذ له دارا بالثمن ليدخلها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، فامتنع ، حتى تحاكما إلى أبي بن كعب ، والقصة مشهورة ، ثم بذلها بلا ثمن .

وورد أن عمر عمد إلى ميزاب للعباس على ممر الناس ، فقلعه ، فقال له : أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي وضعه في مكانه ، فأقسم عمر : لتصعدن على ظهري ، ولتضعنه موضعه .

ويروى ، في خبر منكر : أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى الثريا ثم قال : يا [ ص: 97 ] عم ، ليملكن من ذريتك عدد نجومها

وقد عمل الحافظ أبو القاسم بن عساكر ترجمة العباس في بضع وخمسين ورقة .

وقد عاش ثمانيا وثمانين سنة . ومات سنة اثنتين وثلاثين فصلى عليه عثمان . ودفن بالبقيع . وعلى قبره اليوم قبة عظيمة من بناء خلفاء آل العباس .

وقال خليفة ، وغيره : بل مات سنة أربع وثلاثين وقال المدائني : سنة ثلاث وثلاثين .

أخبرنا المقداد بن أبي القاسم : أخبرنا عبد العزيز بن الأخضر : أخبرنا محمد بن عبد الباقي : أخبرنا أبو إسحاق البرمكي ، حضورا : أخبرنا عبد الله بن ماسي : أخبرنا أبو مسلم الكجي : أخبرنا الأنصاري محمد بن عبد الله : أخبرنا أبي ، عن ثمامة ، عن أنس : أن عمر خرج يستسقي ، وخرج العباس معه يستسقي ، ويقول : اللهم إنا كنا إذا قحطنا على عهد نبينا صلى الله عليه وسلم توسلنا إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم ، اللهم إنا نتوسل إليك بعم نبيك .

قال الزبير بن بكار : سئل العباس : أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : هو أكبر مني ، وأنا أسن منه ، مولده بعد عقلي ، أتي إلى أمي ، فقيل لها : ولدت آمنة غلاما ، فخرجت بي حين أصبحت آخذة بيدي ، حتى دخلنا عليها ، فكأني أنظر إليه يمصع برجليه في عرصته ، وجعل النساء يجبذنني [ ص: 98 ] عليه ، ويقلن : قبل أخاك . كذا ذكره بلا إسناد .

أنبأنا طائفة : أخبرنا ابن طبرزد : أخبرنا ابن الحصين : أخبرنا ابن غيلان : أخبرنا أبو بكر الشافعي : حدثنا محمد بن بشر بن مطر : حدثنا شيبان : حدثنا مبارك بن فضالة ، عن الحسن ، عن الأحنف بن قيس : سمعت العباس يقول : الذي أمر بذبحه إبراهيم : هو إسحاق .

وقال الواقدي ، عن ابن أبى سبرة ، عن حسين بن عبد الله ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : أسلم العباس بمكة ، قبل بدر ، وأسلمت أم الفضل معه حينئذ ، وكان مقامه بمكة . إنه كان لا يغبى على رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 99 ] بمكة خبر يكون إلا كتب به إليه . وكان من هناك من المؤمنين يتقوون به ، ويصيرون إليه ، وكان لهم عونا على إسلامهم . ولقد كان يطلب أن يقدم ؛ فكتب إليه رسول الله : إن مقامك مجاهد حسن ، فأقام بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .

إسناده ضعيف . ولو جرى هذا لما طلب من العباس فداء يوم بدر ، والظاهر أن إسلامه كان بعد بدر .

قال إسماعيل بن قيس بن سعد بن زيد بن ثابت ، عن أبي حازم ، عن سهل ، قال : استأذن العباس النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة ، فكتب إليه : يا عم ، أقم مكانك ؛ فإن الله يختم بك الهجرة ، كما ختم بي النبوة .

إسماعيل ، واه .

وروى عبد الأعلى الثعلبي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : العباس مني وأنا منه إسناده ليس بقوي .

وقد اعتنى الحفاظ بجمع فضائل العباس رعاية للخلفاء .

وبكل حال ، لو كان نبينا صلى الله عليه وسلم ممن يورث لما ورثه أحد ، بعد بنته وزوجاته ، إلا العباس .

وقد صار الملك في ذرية العباس ، واستمر ذلك ، وتداوله تسعة وثلاثون [ ص: 100 ] خليفة ، إلى وقتنا هذا ، وذلك ستمائة عام ، أولهم السفاح . وخليفة زماننا المستكفي له الاسم المنبري ، والعقد والحل بيد السلطان الملك الناصر - أيدهما الله .


الساعة الآن 08:29 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى