منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   القرآن الكريم والأحاديث وسيرة الأنبياء والصحابة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=95)
-   -   التوبة والاستغفار (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=8743)

ميارى 29 - 7 - 2010 03:22 AM

التوبة والاستغفار 100
تقديم علاء بسيوني
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. موعد ولقاء جديد نخطو فيه سوياً خطوات على طريق الهداية. أسئلة كثيرة يطرحها مجرد التأمل التدبر في آية واحدة من آيات المولى تبارك وتعالى في سورة العنكبوت (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)) وسألنا أسئلة كثيرة عن مسألة الفتنة والفرق بينها وبين البلاء والامتحان والاختبار. سألنا أسئلة كثيرة عن مسألة تصور الإنسان أن يقول كلاماً بلسانه لكن عمله لا يصادق على هذا الكلام وسألنا عن الناس الذين قالوا آمنا فُتنوا فماذا عن الناس الذين كفروا ولم يؤمنوا هل لن يكون عندهم امتحان أم أن امتحانهم وفتنتهم ستكون بشكل مختلف؟ أسئلة كثيرة جداً نحتاج أن نعيش معها في هذا اللقاء. أرحب بضيفي وضيفكم فضيلة الدكتور محمد هداية.
د. هداية: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. طبعاً الأسئلة في اللغة في البداية: الفتنة موضوع الابتلاء، الابتلاء هو الامتحان والاختبار وبعض الناس يقولون أن الفتنة هي الامتحان والاختبار لكن الفتنة هي العملية نفسها ليست الامتحان عنوان والفتن هي العملية نفسها أن تأتي بالنار وتُدخل فيها سبيكة الذهب حتى نُخرج الذهب والباقي كله ينصهر. وفي الحلقة السابقة ذكرنا أن المثال مضروب منه وله يعني الذي سيسقط في الامتحان عقابه النار وأساس الفتنة أن تُدخل الذهب النار فهذا تشبيه تمثيلي جميل جداً. ما أريد أن نقف عنده اليوم الدعوة الإسلامية ليس من سبيل الصدفة الترتيب الذي حصل أنها تبدأ في مكة وتنتهي في المدينة. الرسول عليه الصلاة والسلام مر بأناس كفروا ومرّ بأناس نافقوا، لم يكن في مكة منافقين وإنما كان فيها كفار، هذا في الغالب الأعمّ. السؤال الذي نريد أن نقف عنده نتأمل الآيات وأنت سألت سؤالاً طيباً (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)) هذا للذين قالوا فما بال الذين لم يقولوا؟ والذين لم يؤمنوا؟ أيهما أخطر على الإسلام إدعاؤه أو رفضه؟ إدعاؤه. هذه هي قضية الآيات والذي يؤكد معنى ولازم معنى الآيات أن كفار قريش كانوا محترمين لأنهم لو فهموا أن المسألة مسألة كلام لقالوا لا إله إلا الله إنما تصور هذا الكافر المحترم محترم لأنه فهم أنها ليست كلاماً وإلا لقالها مثل اليهود في المدينة. أنت تعرض قضية تطالب الناس أن تؤمن بها، القاعة فيها مائة شخص خمسين آمنوا بالقضية وثلاثين ادّعوا وعشرين رفضوا، أنت ستحترم أولاً الخمسين الذين آمنوا ثم ستحترم العشرين الذين رفضوا لأنهم كانوا واضحين لأن وضوحهم سيبين نقطة الخمسين أن المسألة ليست كلاماً وإلا لكانوا قالوها هؤلاء العشرين. إعلان الكفر في عصر الدعوة الأول يجب أن يخدمني اليوم لأن المسألة لو كانت كلاماً لقالوها بلسانهم وانتهى الأمر، عرفوا أن فيها التزام وكلمة التزام حتى مع الفتنة.
المقدم: التطبيق على واقعنا هناك بعض الآنسات أو السيدات عموماً في مسألة الالتزام بالزي الشرعي أو الخمار يعرفون أنه فرض لكن نحن نفهم أن الحجاب التزام له التزامات معينة ليس فقط مسألة إلتزام بزي لكن سألتزم في منهجي وفي طريقة شغلي ونوعيته وأنا لست مستعدة لذلك فأنا أخشى أن ألتزم بالحجاب وأكون دعاية سيئة للمحجبات لأن مسلكي لم يلتزم بعد ولم يطبق إلتزام الحجاب لهذا سأوخر ارتداء الحجاب.
د. هداية: لو كان منطق يقابل منطق عاقل لقال القرآن وليضربن بخمرهن ساعة يقدرن، ساعة يستطعن يعني لكان أعطاهم مساحة لكن القرآن قال (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ (31) النور). المشكلة والذي يحزنني على هؤلاء الناس أنهم لا يفهمون مناط ما يقولون.
المقدم: ويقولون أنهم سألوا علماء تقول أنا شغلي لا يسمح بارتداء الحجاب وصاحب العمل يمنعه فأكون مضطرة وفي مجال الإعلام هناك الكثير من المحطات التي تمنع المذيعة المحجبة وهناك جهات تريد مذيعات محجبات وهناك جهات تسمح بالإثنين لكن نحن نعمل في جهة ترفض ارتداء الحجاب ولو ارتديته لن أخرج على الشاشة.
د. هداية: مع أن هذا عذر غير مقبول فما بالك بالتي ليس عندها عذر؟! نحن نرفض هذا العذر الذي ذكرته لكن ما بالك بالتي ليس عندها أي عذر فماذا سيكون موقفها؟! والخطير أن كل هذا من تلبيس إبليس
المقدم: عملت مقارنة زمنية سريعة جداً في عصر نزول الوحي وأيامنا وسألت نفسي أيها أولى؟ السيدات اللواتي تجادلن اليوم في مسألة الحجاب وتتحججن بالظروف والمجتمع وغيره والنساء اللواتي كُن في عصر نزول الوحي وسألت نفسي هل هن كن أحسن منا أنهم كانوا يعيشون في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وهو موجود أو أنهم أحسن منا لأن الله تبارك وتعالى ارتضى لهم أن يخلقهم في ذلك العصر حتى يكونوا قدوة لنا لما تصل إلينا أخبارهم فنقلدهم؟. ساعة نزلت آيات الحجاب كل النساء قطعن قطعاً من قماش لديهن وغطّين رؤوسهن وسمعوا كلام ربنا من غير كلام ولا سفسطة ولا حجج وإنما سمعن كلام المولى سبحانه وتعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) الأحزاب) طالما وقعت العهد مع الله تعالى يعني سترضى بالشروط والعهد هو مع الله تعالى فكيف يمكنني أنا أن أشطب شيئاً من العقد مع الله؟! لماذا النساء في عصر الرسول صلى الله عليه قُلن سمعنا وأطعنا ونحن في عصرنا نقول سمعنا وجادلنا؟
د. هداية: نفس الكلام الذي ذكرته في مسألة الحروف المقطعة قلنا أنه لم يسأل عنها أحد ساعة نزولها ونحن نسأل. هذه هي القضية، القضية على مراد الله في الزمن فإذا أراد المولى تعالى أن يأتي فلان في هذا العصر أو ذاك فلا يمكن لأحد أن يغير هذا الأمر وليس من حق أحد أن يتمنى أن يكون في العصر الأول هذا الكلام كله مفرّغ عن مضمونه. أنا أتكلم في نقطة أن المسألة مسألة الإيمان الحق انتبه الكفار الأوائل إلى أنها التزام وليست مجرد كلام. تخيل اليهود في المدينة عملوها بدليل أول سورة تكلمت عن المنافقين في القرآن سورة البقرة التي هي 87 في ترتيب النزول والتي هي أول سورة نزلت في المدينة المنورة وسبحان الله شاءت إرادة الله أن يعرض لك في هذه السورة المؤمن والكافر والمنافق ويترك المنافق للآخر لم يعرض النفاق بين الإيمان والكفر وإنما عرض التقوى ثم الكفر ثم النفاق وأفرد له 13 آية في حين أن الفئة الأولى ذكرت في 3 آيات والكفار ذكرهم في آيتين والنفاق في 13 آية ولم يأت به الله كمحلة وسط بين الكفر والإيمان كأن الكفر يقابل الإيمان أما النفاق فهو بلوى وفي الدرك الأسفل من النار جزاؤهم (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ (145) النساء).
المقدم: في آية سورة الأحزاب (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36))
د. هداية: انتبه لقوله تعالى (إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ)
المقدم: هذه للذين يقولون أن السُنة لا داعي لتطبيقها.
د. هداية: (إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) هنا ما كان لهم أن يكون لهم الخيرة يعني ليس من حقهم أن يقولوا أنا أرى أو أصل المسألة.
المقدم: الخيرة من أمرهم في الطاعة أعمل أو لا أعمل لكن في مسألة الإلتزام في الزي الرشعي تحيرت بين من يقول أنه النقاب ومن يقول هو الحجاب
د. هداية: أنا معك في هذا الكلام وأقول دعنا في الحجاب. الأصل النقاب لكن نحن في عصر وزمن صار الأصل فيه الحجاب وتنازلنا عن النقاب وأُشهد الله على ما نقول وهو أعلم بمقصدي. إجماع علماء الأمة على الحجاب وأنا مع علماء الأمة وسأعطل فهمي للنص حتى أنقذ الأمة. هذا موضوع في منتهى الخطورة ويدخلون لمناقشته بحجّة شيطانية إبليسية واضحة أنه ليس من أركان الإسلام! هل شرب الخمر من أركان الإسلام؟! ما هذا المنطق؟! والذي يروّج لهذا الكلام ويصفق له إثمه كإثم الذي يتكلم لأن الآية تقول (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) العنكبوت) الإستفهام الأول (أ) هذا استفهام لإنكار المسألة، الهمزة للإستفهام وحسب يعني توهم كأنه يقول أنهم توهموا الوهم عملوه حقيقة وعلم؟ توهمهم هذا ليس على مراد القائل سبحانه وتعالى وإنما على هواهم هم. ثم يقول (يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)) لا، بل يفتنون جاءت في معرض الردع.
المقدم: هل يمكن أن نقول أن في اختيار اللفظ رسالة لمن يتدبر أن ينتبه أن امتحان الدنيا صعب أشبه بالنار؟ نعطي مثالاً تطبيقياً: الشاب الذي عنده صحة ما شاء الله وعنده كبت ويرى النساء الجميلات بدون حجاب وأجساد عارية وهو في فترة شباب وفتوة وشبق جنسي شنيع وهو يجاهد نفسه حتى لا يقع في الزنا والخطيئة
د. هداية: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (69) العنكبوت)
المقدم: هل تكون مكابحة النفس مثل النار كأني أضع يدي في النار؟ يدي في النار وشهوتي فيها وأنا أقول لا، طاعة الله، غضب الله!. نقول أمثلة ثانية لنربط المفاهيم والفتن الكثيرة التي نتعرض لها كمسلمين مؤمنين قلنا آمنا مع الواقع الذي نعيشه للأسف الآن أصبح صعباً على أناس كثيرين.
المقدم: مسألة الفتنة دخول الذهب النار فهل كل الذي يتعرض له الإنسان في الدنيا من امتحانات صعبة كأنه فعلاً هناك نار تأكله كنار الغريزة الجنسية ونار المال الحرام والدنيا غالية ويقول أولادي والوضع المالي والشركة لا تعطيني حقي وغيره وهذا كله من تلبيس إبليس، يقول لك سميها عمولة سميها ما شئت
د. هداية: الابتلاء موضوعه الفتنة والفتنة عملية تدخل السبيكة النار لتفرز المواد، الجنة أو النار نتيجة للإبتلاء لذلك قال تعالى (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (3) العنكبوت) لما فتن الذي قبلهم فما الجديد عندهم؟ المسألة من عهد آدم إلى يوم القيامة هذا قضاء الله أن تُعرض عليك الرسالة في كل الديانات فإما أن تقبل وإما أن ترفض، الذي رفض لم يدخل في توصيف الآية، أما الذي أعلن يكون عندنا مؤمن ومنافق.
المقدم: أين الذي لم يؤمن ولم يُعلن؟
د. هداية: الذين يعملون السيئات ذكرت الكل لكن جاء التركيز فيها على المنافق لأن هذه هي الخطورة، الكافر أعلن كفره ولم يخدعني. يقولون أنا لا أخاف على الدين من أعدائه ولكن أخاف على الدين من أدعائه، لأن هذا يقول أنا مسلم. النفاق هو إظهار شيء وإبطان شيء آخر هذا في حد ذاته خداع أولاً لي أنا كمجتمع لذلك لا يمكن أن أتقي شره لكن الكافر أراحني لأنه أعلن كفره صراحة فأتّقي شره إنما المشكلة في المنافق. توصيف سورة البقرة للكافر (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6)) بدأ بتوصيف الذي عملوه، هؤلاءأعلنوا لكن لما تكلم على المنافق لم يقل إن الذين نافقوا وإنما قال (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8)) الآية فيها التفات، أنت ذكرت الخداع سابقاً وقال تعالى (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)) هو خدعني لكن عندما تقول خدعني تكون قد بالغت والصحيح أن تقول خادعك، تهيأ له أنه خدعك، أنا لما آمنت التصقت وصرت في معية الله فقال (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)) الخدع الحقيقي لهم هم لأن ربنا سيدافع عني وينجيني.
المقدم: وربنا عارف ومطلع على السرائر
د. هداية: هذه هي (فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) العنكبوت) هنا سمّى النفاق كذباً. الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يأخذ الآية ويفهمها جيداً لأنه رسول والله تعالى أعطاه هداية الدلالة والمعونة فيقول صلى الله عليه وسلم "آية المنافق ثلاث إذا حدّث كذب" الرسول وصّف من القرآن "وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان" وقال شيئاً آخر "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً" زاد عليها "وإذا خاصم فجر" وإذا تمعنت في هذه الصفات الأربعة تجدهم جميعاً يندرجون تحت الكذب.لأن الكذب مخالفة الواقع ومخالفة الحقيقة. توضيفات سورة البقرة توصيفات رائعة يقول تعالى (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا (14) البقرة) قالوا قول فقط (وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14)) هذا خداع أما الخدع (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15))
المقدم: أنت اخترت الظلمة فتسبقى فيها
د. هداية: لماذا لن يرجع؟ لأنه دفع كل الهدى حتى يشتري الضلالة تخيل غباءه؟! قال (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)) كأنه اشترى بكل الهدى الذي عنده ضلالة فلم يبق لديه هدى واصبح يمشي على ضلالة. القضية أن المسألة تتعدى بكثير مجرد القول ويصل هذا التعدي إلى الصدق والجهاد قل ما تقول في الدرجات وفي القول قل ما تشاء الدركات ثم جاء قوله تعالى الذي قصمهم (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ (145) النساء) يعني في أحطّ دركة وأشد عذاب ولو انتبهنا للآية (كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) السجدة) لماذا لم يقل أعيدوا إليها؟
المقدم: لأنهم لم يخرجوا منها فعلاً؟
د. هداية: لا، هم يمكن أن يكونوا خرجوا. أعيدوا تبين أنهم خرجوا لكن لو قال أعيدوا إليها قد توحي أنهم أعيدوا إلى أطرافها بعيداً لكن أعيدوا فيها تبين أنهم أعيدوا في وسطها حتى تتحقق الكلمة يعني في شدة النار. صدق القرآن (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13)) ولم يذكر شيئاً عن النعيم وقال (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) الانفطار) هذه تؤيد فكرتك أنهم لم يخرجوا ونحن سبق وذكرنا أن الخروج خروج حُكمي وقتي حتى يتحقق قوله تعالى (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ (56) النساء).
المقدم: معنى اللغة يمكن أن ينطبق هنا مسألة إعادة العذاب (أُعِيدُوا فِيهَا) ممكن أن تعني أن الجلد يتغير فنعيد كرة العذاب
د. هداية: نحن قلنا هذا ليس خروجاً من النار هذه مسألة تبديل جلد ليشعروا أكثر (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ) يعني استوت
المقدم: واستوى مراكز الإحساس بالألم في الجلد فلم يعودوا يشعروا بالعذاب
د. هداية: لذلك قال تعالى (بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ) هذه اللام (ليذوقوا) للتعليل حتى يشعروا ثانية بالألم. هذه الآيات تجعلنا نقول نحن لا نريد النار لا نقول أدخل النار قليلاً ثم أخرج! هذا كلام ناس أغبياء متخلفة عقلياً، الذي يفكر في هذا الكلام بعد أن سمع الآية هذا متخلف.
المقدم: إذن الناس الذين يقولون هناك آراء فقهية وهناك آيات وأحاديث تؤيد هذا الرأية؟
د. هداية: لا، لا يوجد آيات والذي عنده آيات تؤكد هذا المعنى فليرسلها لنا القرآن منطقه لا يتغير ولا يتعارض الآيات كلها تصب في اتجاه واحد والقرآن واضح وضوح الشمس في كبد السماء لا يحتاج إلى تبيين. القرآن قسم الجنس البشري إلى اثنين (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) (إن الأبرا لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم) (فأما من أوتي كتابه بيمينه - وأما من أوتي كتابه بشماله) ليس هناك ثالث بل على العكس هناك آية (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) الحشر) لا يستوي، لو أخرجته من النار ولو للحظة تكون سويت بينه وبين أصحاب الجنة.
المقدم: لو أن الله تعالى أكرمني بدخول الجنة مكرماً معززاً بدون عذاب بينما الآخر دخل الجنة بعد أن عُذّب بحسب كلامهم
د. هداية: (لا يستوي) يعني لن تأتي لحظة يكونوا مستوين على قدم المساواة، لو كان الكلام كما تقول لكان لا يضير بضعة أيام في النار! لكن العذاب ليس هكذا وتوعّد الله تبارك وتعالى للمنافقين والكافرين ليس هكذا، الآية (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)) يعني أصحاب النار هم الخاسرون، لا يستوون.
المقدم: هل الأحاديث التي تروى في هذه المسألة هل تحقق من صحتها أو أن هناك أحاديث مشكوك فيها؟ مثل حديث "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" هل هذا الحديث صحيح؟
د. هداية: الحديث إذا عارض آية لا بد من الوقوف عنده وشرحه ونتحقق من سنده ورجاله، هذا الحديث يعارض آية!
المقدم: هل ممكن أن نكون قد فهمنا الحديث خطأ؟
د. هداية: هناك العديد من الأحاديث فهمناها خطأ
المقدم: حديث "شفاعني لأهل الكبائر من أمتي" عملوا كبائر وانتهى الميزان وسيئاتهم أكثر والمفترض أنهم سيذهبوا إلى النار قبل أن ينفذ الحكم يقف الرسول صلى الله عليه وسلم فيشتفّع فعفو عنهم ربنا كما قال تعالى أنه يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء، هل يمكن أن يكون هذا هو التصور؟ يتشفع الرسول صلى الله عليهم لهؤلاء عند ربه الذي رحمته سبقت غضبه فيغفر الله لهم فيدخلوا الجنة بدون أن يدخلوا في النار أولاً، هل هذا تفسير منطقي؟
د. هداية: لا غير منطقي. المنطقي ما قاله القرآن في هذه النقطة، أنت تتكلم في شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر. القرآن سأل الرسول سؤالاً أريدك أن تجيب عليه وهذه من الأسئلة التي تركها القرآن حتى تجيب أنت قال (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) الفرقان) ماذا تتوقع أن يكون رد الرسول؟ سيقول لا طبعاً لأن هذا الإستفهام إنكاري.
المقدم: هو سيقول أمتي أمتي فيقال له إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.
د. هداية: هذا الحديث الصحيح لأنه يقابل نص القرآن أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول "أصيحابي وفي رواية ثانية أمتي فيُحجز عنهم صلى الله عليه وسلم وربنا يقول له إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فهل يقول صلى الله عليه وسلم لربه لا، سآخذهم؟! غير ممكن. القرآن غالب يقول له (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا) وكيلا بمعنى شفيعاً، ماذا ستكون الإجابة من الرسول؟
المقدم: لا، طبعاً.
د. هداية: إذا كنتم تريدون أن تكون الإجابة نعم وتريدون أن تخالفوا منطق القرآن فهو موضوع آخر. لكن القرآن ليس فيه آية تكلمت بهذا المنطق وهذا هو دسّ الإسرائيليين لمثل هذه المفاهيم حتى يزداد تلبيس إبليس على الناس ويقتنعوا أنهم مهما عملوا من معاصي لمجرد أنه قال (لا إله إلا الله) يدخل الجنة، هذه الآية دلت على أن القول ليس له أيّ اعتبار (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)) إذن لما نفتنهم يجب أن يكون هناك نتيجة للفتنة إما ناجح وإما راسب فهل تريدني أنا أُدخل الراسب الجنة؟ هذا تهريج! إذن لماذا الامتحان؟ عندما يكون هناك تلميذ فاشل معك في الفصل وتجده قد انتقل معك إلى الفصل الثاني ماذا ستقول؟ هذا الكلام لا ينفع في المنطق القرآني ولا المنطق الإلهي.
المقدم: قد يتوقف الناس عند قوله تعالى (فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) العنكبوت) كيف يعلم؟ ألم يكن ربنا يعلم؟ أليس هو العليم الخبير؟ (فَلَيَعْلَمَنَّ) هل مناط تطبيقها يخص المولى سبحانه وتعالى أم البشر أنفسهم؟
المقدم: العليم الخبير يستحيل عليه الجهالة حاشاه سبحانه وتعالى، الآية تقول (فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) العنكبوت) هو سبحانه سيعلم من الصادق ومن الكاذب؟ هل هذا العلم يتنافى مع العليم؟ أو هذا العلم تطبيقه لأجل البشر؟
د. هداية: أولاً الآية اختبار عقائدي للناس. إياك أن يتسرب إليك أن الله تبارك وتعالى ينتظر سبحانه وتعالى وحاشاه حتى يعرف من نتيجة الإمتحان، لا، كل شيء أزلي عنده بدليل كيف صنّف في القرآن المؤمنون والكفار والمنافقون؟ بعلمه الأزلي. هو وصف ماذا سيعملوا؟ هذا عمله. فرّق بين عِلم الله تبارك وتعالى الذي هو نتيجة القضاء وبين أنه أجبرني أو لم يجبرني، أنا إلى الآن إذا أردت أن أتنصّر أتنصر وإذا أردت أن أتهوّد أتهوّد.
المقدم: أجمل تفسير قلناه لكلمة (كتب) أنها بمعنى سجّل وليس بمعنى ألزم.
د. هداية: طبعاً لا ينفع أن تكون بمعنى ألزم لأنه سبحانه هو الذي قال (لا إكراه في الدين) منطق القرآن هكذا. هو بعلمه المسبق سبحانه قسم الناس إلى ثلاثة أصناف مؤمن، كافر ومنافق من أين علِم وهي أول سورة نزلت في المدينة؟ لم يكن هناك منافقون بعد، بدليل أنه قال (يخادعون) بصيغة المضارع يعني لم تحصل بعد. الفكرة أنك أنت تمتحن ثانية من النص عندما تسمع كلمة (فَلَيَعْلَمَنَّ) أنت ماذا فهمت منها؟ أن الله تعالى حاشاه ينتظر ليعلم أم أن هذا علم كشف لنا نحن؟ علم إظهار. أنت بخبرتك كمدرس تقول هذا الطالب ناجح وهذا راسب وهذا بين بين لو فعلت هذا سيقول لك الطالب أنت ظلمتني أنا أحسن من الذي قلت عليه متفوق فأنت تعمل له ورقة امتحان.
المقدم: ولهذا في الثانوية العامة عندما يطالب الأهل بمراجعة الدرجة يأتون له بورقة إجابة ابنه.
د. هداية: هذه الورقة علم كشف، فالنتيجة ظهرت وانتهت.
المقدم: لكن هناك ملحوظة، في منطق البشر قد يُخطئ مصحح أو مراجع في النتيجة ويظلم ابنك في درجة أو درجتين لكن هذا يستحيل في حق الله تعالى.
د. هداية: هذه ميزة الورقة، هذا عدل الله سبحانه وتعالى. في سورة الإسراء قال تعالى (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)) أنت حاسب نفسك! أهل اليمين قال (هاؤم اقرأوا كتابيه) والآخر قال (يا ليتني لم أوت كتابيه). إذن (فَلَيَعْلَمَنَّ) علم إظهار لكم وكشف الحقيقة التي خدعوكم بها (يخادعونكم) الذي خُدِع ما زال الله تبارك وتعالى معه يدافع عنه ويُظهره فقال تعالى (فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ). في الأول قال (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)) لأننا فتنا فتكرار المسألة في كل عصر وفي كل ديانة على منطق واحد وعلى مذهب واحد وعلى مقاييس واحدة ليس هناك اختلاف في المقاييس ولن يُظلم أحد (لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ (17) غافر) كان هناك ظلم لكن بين الناس بعضهم بعضاً لكن عند الله تبارك وتعالى لا ظلم اليوم.
المقدم: أنا متأكد أنه ليس هناك ظلم ولكن هناك من سيسأل نحن حسب ما نرى هناك من تأتيه امتحانات سهلة وهناك من تأتيه امتحانات صعبة فيقولون لو جاءنا امتحان سهل لكنا نجحنا فيه، مثلاً فلان طيب لا افتقر ولا خسر عمله وهناك غيره
د. هداية: كلٌ ميسر لما خُلِق له
المقدم: الذي خُلق وهو لا يُبصر هذا امتحانه صعب
د. هداية: امتحانه صعب لكن نتيجته مضمونة " من فقد حبيبتيه وصبر لا جزاء له عندي إلا الجنة" هذا كأنه امتحان مسرّب، سهل جداً هذا الابتلاء وقلناها كثيراً للذين أصيبوا بمسألة النظر. دعنا نتكلم بمنطق البشر: هل ينفع أن أضع أنا اختباري؟
المقدم: هذا امتحان صعب!
د. هداية: كلمة ابتلاء تعني أنه امتحان صعب نحن لا ننكر. كلمة الفتنة التي ذُكرت كلمة فتن يعني نار تصل درجة حرارتها لصهر المعادن يعني امتحان ليس سهلاً.
المقدم: يروي لي أحدهم قصة رجل كان يبصر ثم أراد ربنا أن يفقد البصر وهو رجل صابر ومحتسب ويعيش حياته مع أولاده ويأتوا إليه فيلاعبهم ثم يذهبوا فيقول هذا الرجل أنه مشتاق جداً لأولاده فالرجل الآخر الذي كان يجلس معه قال له أولادك كانوا معك منذ قليل فأجابه اشتقت أن أمتع نظري برؤيتهم ورؤية ملامحهم.
د. هداية: ولو كان ابنه مدمناً هل كان سيحب أن يمتع نظره به؟!
المقدم: قضاء أخفّ من قضاء
د. هداية: لا ينفع أن أضع امتحاني! كان المفروض فيه أن يرد على الرجل: هناك أب آخر لا يريد أن يرى وجه ابنه! هذا ابنه وهذا ابنه، والله ابتلاء الأب بابنه المدمن أصعب فأنت لم تر هذا المدمن وهو يشتم أباه ويسرق ماله وهنام أب قتل إبنه لأنه أذى أخته، الابتلاءات ليس لها حصر وكلها على مراد الله وهذا امتحان آخر لنا أن نسلّم لما أراده الله تبارك وتعالى. لو ينفع في المنطق البشري أن أدخل على وزير التعليم وأخبره أني سأضع امتحاني أنا بنفسي هذه السنة لا ينفع هذا في المنطق البشري فما بالك بالمنطق الألهي. أنت لم تفاجأ بهذا الكلام في القرآن فأنت تقرأه وأنزله الله تعالى لك. يمكن أن نقول هذا الكلام لو أن الله تبارك وتعالى تركنا من غير مناهج (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الرحمن) بعد أن وضع المنهج علّمه لنا، وضع المنهج قبل الخلق ثم علمنا إياه بعد الخلق إذن ليس هناك مفاجأة. ويكون كلام الرجل الذي ذكرته صح لو أننا تُركنا من غير مناهج ثم نأتي يوم القيامة فيحاسب الذي أخطأ بدخول النار ويحاسب الذي عمل صالحاً بدخول الجنة! هل ذكر لنا شروط من قبل أو تفاصيل؟! لكن اليوم القرآن بملء فيه يقول (إقرأ كتابك) لأن كتابك كُتب على هواك أنت. أيهما أسبق؟ بالمنطق القرآني المنهج أو الهوى؟ المنهج بدليل (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الرحمن) علم القرآن قبل خلق الإنسان إذن المنهج أسبق. لكن أنت عملت الهوى بعد أن قرأت المنهج، أنت عملت الهوى الذي قيل لك لا تفعله ونُبّهت إليه سابقاً.
المقدم: وليس هناك فتنة أو ابتلاء خارج المنهج كما يحصل للطلاب أحياناً عندما تأتيهم أسئلة في الاختبارات من خارج المنهج.
د. هداية: هذه المسائل وضعها القرآن في نصابها. الايات التي معنا في سورة العنكبوت بداية السورة ألفت النظر إلى نقطة أولاً لترى عظمة المناهج سورة العنكبوت في ترتيب النزول 85 وسورة البقرة في ترتيب النزول 87، البقر في تصور كثير من المفسرين أنها أول ما تكلمت في المنافقين، لكن سورة العنكبوت وهي مكية مهدت لمسألة النفاق ولما سيحصل عندما سيهاجر الرسول والمسلمون إلى المدينة، إذن المنهج سابق. (أَحَسِبَ النَّاسُ) حتى لا يهاجر أحدكم ويقع في مطبّ ويقال أنا غيّرت بلدي وأنا مهاجر أو غريب، قال (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4)) ما معنى يسبقونا؟ لما اثنان يجريان وأحدهما يسبق هل يمكن للآخر أن يعاقبه؟ لا يمكن لأنه أفلت منه وسبقه. إذا يسبقونا بلازم معناها يفلتوا، إذا كانوا يعتقدون أنهم سيفلتوا من قضاء الله وعقوبته المقدرة ساء ما يحكمون، يعني ساء ما يتوقعون أو يظنون لكن في الحقيقة ليست كذلك. الكافر أنت كبيرك ككافر أن تكفر لكنك لا يمكنك أن تفلت من العقاب. أنت تمردت أمام الناس والذي تركك أنه قضى بذلك وعندما تركك كان لك فرصة أن ترجع فالرحمة التي استهزأت بها سيكون العذاب بقدرها بدليل أن الذي يرجع (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا (70) الفرقان) لو قال فأولئك يغفر الله لهم لكن رضى من الله لكنه قال (فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) ضمن للذي تاب التوبة النصوح مستقبله، تخيل! والمستقبل لا يكون إلا بيد الله تبارك وتعالى. أنا أقول لك أنت تبت توبة نصوح ولن أخطئ ثانية، سأكون كاذباً لكن أسبق (لن أخطئ) بقول إن شاء الله بإذن الله لأني لا أستطيع أن أثطلقها لأنها بيد المولى عز وجل. المفسرون الذي فسروا هذه الآية في الفرقان أنه يبدل سيئاتهم حسنات في المستقبل أصابوا في أنه لا يعلم المستقبل إلا الله والذي يتكلم رب العالمين لو تابوا توبة نصوح لن يخطئوا نفس الخطأ ثانية، بقي عليك أن تصدق في التوبة وتصدق في القول وتصدق في الفعل هذه عظمة الأداء القرآني (وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) الفرقان) متابا أي المكان الآمن بصدق. من الذي أمّنه؟ هذا فضل جديد ونعمة جديد. لو كنت صادقاً في توبتك لن ترجع وإنما ستكون في أمان والمولى تعالى هو الذي يضمن هذا لك (فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) العملية نجحت مائة ي المائة لأنه عملها بصدق أصابت مراده هو عندما كان صادقاً في التوبة، لكن الذي يتوب ويرجع نقول له كلمة توبة هنا إدعاء أنت طبقتها لكنها ناقصة شرط لم تعمل العملية المهمة في التوبة وهو الندم، أنت استكبرت العقاب واستكبرت الفعل فندمت؟ فيقول لك لا لم أنتبه لهذا قل له لهذا رجعت. يجب أن تقول لنفسك كيف فعلت هذا؟ استخفيت من الناس ولم تستخف من الله؟
المقدم: هل الندم له طريقة؟ لما يعمل الإنسان شيئاً ويتركه مثل الزنا ثم خفت من العقاب لكنه وهو يمسك نفسه من الزنا يقول كانت أيام!
د. هداية: الندم أن يندم أن يتذكر
المقدم: الندم الحقيقي هو أنه أول ما يتذكر يستقبح ما فعله ويستحقر نفسه على الذي فعله.
د. هداية: وعليه أو يقِف تفكيره فيها وإلا من هذه اللذة المصطنعة قد يدخل الشيطان مدخلاً آخر أو النفس العاصية. ولهذا آيات العنكبوت حاكمة فارقة في أن القرآن يتكلم بمنطق مبدع بالذات عندما تعرف أن السورة ترتيبها 85 وما زال الرسول في مكة والعملية ليس في مكة، وهو لا يشرح لك الأمور عندما تحصل فقط وإنما يمهد لك لما سيحصل.
المقدم: إياك أن تكون من الذين يقولون فقط بلسانهم. جزاكم الله كل خير دكتور. هذه النقلة والإلتفاتة ستعيدنا إلى ختام وتتويج الحلقات في التوبة والاستغفار بعودة مرة أخرى إلى آيات سورة الفرقان حتى نتكلم على التطبيق وملخص لوصفة عباد الرحمن للنجاة من هذه الفتن حتى نلقى الله بقلب سليم وبوجه مستبشر نضر يتمتع بالجنة وإلى نور الرحمن سبحانه وتعالى. المسيرة متواصلة ويا رب يوفقنا وينور الطريق تابعونا دائماً في طريق الهداية. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 10/3/2009م

ميارى 29 - 7 - 2010 03:26 AM

التوبة والاستغفار 101
تقديم علاء بسيوني
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. موعد ولقاء جديد نخطو فيه سوياً خطوات على طريق الهداية. اليوم حلقة نعود فيها إلى استخلاص الدروس العبر حول قضية التوبة والاستغفار مع رحلة طويلة جداً بدأت مع أوصاف عباد الرحمن في سورة الفرقان وعملية التوبة بكل المقاييس والمعايير التي تحكم مدى انضباط عملية التوبة. لأن هناك من الناس من يقول أنا تبت ثم يعود ويسأل أنا تبت ثم وقعت ثانية؟ هذا لم يتب لأنه لم يكن يعلم ماذا تعني التوبة؟ اليوم نحن نلخص هذه العملية ومدخلنا هو كتاب الله. والغريب في الموضوع أننا سنجد في سورة الفرقان التي نتحرك من خلال في وصف عباد الرحمن آية تتكلم عن دور هذا الكتاب وعن دور الآيات الموجودة داخل هذا الكتاب وتعاطي المسلم معها، أنت ماذا تفعل مع آيات الله؟ سؤال مهم جداً هو مدخل حلقتنا اليوم أسال الله أن يعننا عليه. أرحب بحضراتكم وأرحب بضيفي الكريم الدكتور محمد هداية.
(وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)) آيات الله المفترض من المعنى الإصطلاحي أنها آيات القرآن الكريم وقد يدخل في المعنى أيضاً آيات الله الكونية وآيات الإنسان وآيات الله في الابتلاءات والأحداث التي تمر على البشرية لكن نقف عند مسألة التفكير لأن مسألة التذكير تحتاج إلى أكثر من سؤال: من الذي يذكّر؟ وكيف يُذكر؟ ويذكر من؟ وهذه الآيات بما أن المطلوب التذكير بها إذن هل هذا الإنسان الذي أذكره هل هو يعرفها أو أنه عرفها ونسيها؟ أو كان يعرفها ولم يطبقها؟ أم أن هذا كان موجوداً في الفطرة والإنسان غيّر بفطرته استعداده لتقبل هذا المنهج من الآيات؟ أسئلة كثيرة جداً ونحن نتكلم عن كلمة أو كلمتين من آيات القرآن الكريم.
د. هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. هذا دأب القرآن، يعني عظمة القرآن في الأداء أن كلمة واحدة يمكن أن يُبنى عليها موضوعات وليس موضوعاً واحداً. وسواء كانت الآيات كونية أو قرآنية أو المعجزات كل هذا وارد. أساس الآية أنه يصف فئة أو جماعة أو طبقة عالية جداً. عندما نسمع (وعباد الرحمن) القرآن لما أراد أن يصف صنفاً من صنوف الخلق هذه الصفة كانت الملائكة. إذن كلمة (وعباد الرحمن)
المقدم: تعلي مرتبة البشر إلى ما يقارب مرتبة الملائكية.
د. هداية: أنه سيأخذ صفة من الملائكة وأخصّ وصف لهم أنهم لا يعرفون أن يعصوا المعصية ليست واردة في حقهم. عندما نوقع الكلام في (عباد الرحمن) ثم تبدأ الصفات ترتقي بهذا الصنف إلى مصاف الملائكة تجد مثلاً (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ) (إذا) مع ذُكروا التي وقفت أنت عليها، هم إذا لم يذكروا هم أيضاً متذكرين وماشيين لأنهم هم عباد الرحمن وإذا ذُكروا يزدادوا بدليل (لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) وسبق وشرحنا معنى هذه الاية. لكن في سؤالك أريد أن اقف وقفة ونحاول أن نكون من الشجاعة بمكان أن نجيب عنها. اليوم لماذا نقرأ القرآن؟ وما هو دور الكتاب مع الأمة اليوم؟ يجب أن يكون عندنا شجاعة وكل واحد منا لا يهرب من الإجابة عن هذا السؤال سنضع يدنا على أهم نقطة في العبودية والمنهج. أنت اليوم تريد أن تكون عبداً طائعاً فهل سيكون هذا من دماغك أنت أو من منهج إلهي؟ من منهج إلهي. القرآن اليوم يُقرأ لماذا؟ لا أقول متى وأين وكيف؟
المقدم: أنا أجيبك على هذه الأسئلة: يُقرأ في الأغلب الأعم لما تحصل حالة وفاة. كيف يُقرأ؟ لننتهي منه بسرعة حتى يكون لنا بكل حرف حسنة لكن من غير تدبر ولا تفكر في المنهج. أين يُقرأ القرآن؟ في ختام الإرسال التلفزيوني لما يموت أحد مهم تقف البرامج ويضعون القرآن الكريم وعلى المقابر يأتون بمقرئ وفي المآتم أو نعمل مقرأة وكل واحد يقرأ جزء. يُقرأ لماذا؟ لأن هناك من يقرأه وهو معتقد أنه كتاب أموات وليس كتاب أحياء أو حتى نأخذ حسنات فقط أو حتى نعالج به وهو بركة.
د. هداية: قف هنا. هل القرآن نزل لهذا الأمر؟ هل أنزل الله تبارك وتعالى المنهج، أولاً عندما قال تعالى (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2)) لو كنت أريد التدبر أقف عند اختيار لفظ الرحمن هنا ثم علم القرآن ثم خلق الإنسام ثم علمه البيان؟ ونحن خلال مائة حلقة ونحن نتحدث في عباد الرحمن. عباد الرحمن مع الرحمن هذا ليس صدفة، ونحن نتدبر نقف ونسال لماذا لم يقل الجبار علم القرآن مثلاً؟ أو العليم؟ الأمور التي ذكرتها أنت أننا نقرأ القرآن في المآتم وفي آخر الإرسال وفي المقابر كل هذا ألا يعتبر هجر للقرآن؟
المقدم: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) الفرقان) هذه الآية موجودة في سورة الفرقان أيضاً.
د. هداية: السورة الفرقان وأولها يقول (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)) لم يقل نزله على عبده للعلاج ولا للشفاء وإنما (لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) وليس من قبيل الصدفة أن السورة إسمها الفرقان. عندنا سورة الملك صُدرت بتبارك وعند بعض العلماء اسمها تبارك لكنها لم تُسمى تبارك مع أن أولها تبارك. أصبحت كلمة الفرقان أهم من الفعل الذي قلنا عنه أنه مبني لما لم يعلم فاعله. فعل (تبارك) فعل ليس منه أمر ليس منه مضارع، هذا فعل له وقع ومع هذا سميت السورة الفرقان. والفرقان هو للتفريق بين الحق والباطل لكن بطريقة لا يحصل بعدها انتصار للباطل أبداً ولا ظهور للباطل. لو حصل تفريق يعقبه ظهور للباطل نسميه تفريق لكن لو تفريق بين الحق والباطل إلى ما لا نهاية يظهر الحق إلى ما لا نهاية يسمى فرقان، فالقرآن اسمه فرقان والتوراة اسمها فرقان.
المقدم: فرق النور من الظلام والحق من الباطل. سؤال: الدلالة اللغوية تشير إلى ما ذكرته ومع ذلك المسلمون في كل عصر يختلفون على قضايا كثيرة ويروها أنها ساحات رمادية، هناك قضايا واضحة جداً مثل الزنا، لكن مثال مثل الرشوة لو قلت لأحدهم رشوة يقول لك حرام لكن عندما نتكلم عن الإكرامية والشاي والحلاوة فهي مسميات توصف بها العملية لكن هي هي الرشوة بنفس الهدف ولكن المسمى تغير جعلتها رمادية، البعض يقول مهما كان اسمها فهي حرام وهناك من يقول يا أخي نحن تعبنا وبذلنا مجهود ونحن نأخذ مرتبات قليلة. الفرقان موجود ولكنهم لا يفرقون بين الأبيض والأسود وإنما يرون اللون الرمادي فقط.
د. هداية: سأوضح لك هذه المسألة. التوراة حُرفت مع أنها وصفت أنها فرقان. المسألة ليست في التوصيف أو التوقيع وإنما المشكلة في التلقي.
المقدم: المشكلة لم تكن أبداً في النظرية وإنما في المطبقين.
د. هداية: اختلافنا في قضية معينة هل يعني أن ليس لهذه القضية حق أو باطل؟ بالعكسن لها. لكن هنا ما هي النوايا وراء الاختلاف؟ هل الذين اختلفوا مختلفين لأسباب شخصية أو اسباب فيها هوى أو أسباب سياسية؟ سيأتي يوم اسمه يوم الدين وحتى الذين يقول الاختلاف لأسباب فقهية سيُكشف يوم القيامة ويُعرف إن كانت نيته خالصة لوجه الله أم لا؟
المقدم: ويبقى كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم: إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات
د. هداية: وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. فالفرقان هو الفرقان بدليل الاختلافات نجد أن مسألة أن الرسول صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله ليس مبعوثاً لقوم فلما يقول (قومي) أليس غريبة بعض الشيء؟ لما يقولها موسى أو عيسى أو نوح أو صالح تمشي لكن الذي قيل في حقه (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء) كل البشرية وقال (قومي) مرة واحدة في آية (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) الفرقان) وكم مرة قال (يا رب)؟ قالها مرتين فقط في القرآن كله. لم يقل يا رب اشرح لي صدري وإنما قال (رب اشرح لي صدري) يجب أن تكون رب لأنه (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) ق)
المقدم: حتى أداة النداء حُذفت حتى لا يكون هناك واسطة
د. هداية: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ (186) البقرة) في هذه الاية (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) قال الرسول ولم يقل النبي، (يا رب) قالها في القرآن كله مرتين في هذه الآية (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ) وفي آية أخرى (وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ لَّا يُؤْمِنُونَ (88) الزخرف). (يا رب) معناها مثل الذي يستغيث وهو في وقعة لا يعرف كيف يتصرف بها فالـ (يا) هنا للاستغاثة. أنا شخصياً لما أقرأها أسمعها (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ) (يا) خارجة في أذني من الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الذي سيحصل من وراء هذا مصائب الأمة لكني مختلف تماماً مع الذي فسّر الآية على أن الرسول صلى الله عليه وسلم يشتكي الكفار. أولاً الرسول صلى الله عليه وسلم أوعى من أن يقول على الكافر قومي، هذا أولاً. وأوعي بكثير من أن يقول أن الكافر هاجر القرآن لأن الكافر وظيفته أن يهجر القرآن ولذلك فهي ليست منطقية لا لله ولا للرسول صلى الله عليه وسلم أن يشتكي أن عدوه ترك منهجه! تخيل أني اقول لك أن أعداءنا لا يمشون على منهجنا! هل نحن نريد أن يتبع عدونا منهجنا؟ إذا لماذا هو عدوي؟
المقدم: فعلاً في التفسيرات التي عندي مثل تفسير الشوكاني أن المعنى إن قومي اتخذوا هذا القرآن الذي جئت به إليهم وأمرتني بإبلاغه وأرسلتني به مهجوراً متروكاً لم يؤمنوا به ولا قبلوه بوجه من الوجوه. وقيل هو من هجر إذا هُدي والمعنى أنهم اتخذوه هجراً وقيل معنى مهجوراً فيه وأنه سحر وشعر وأساطير الأولين.
د. هداية: مع احترامي للإمام الشوكاني هذا الكلام لا يدخل في ذمتي (بتعريفة)! لا أقول قرش. أنا أريد أن أقول الرسول صلى الله عليه وسلم وعقليته لم يصل بشر إلى أبعادها.
المقدم: عندنا وقفة وقبل أن تجيب حضرتك تكون الإجابة شاملة، هذا والتساؤل الذي قد يخطر على بال بعض الناس أنه جائز أن هذا الكلام قيل في الفترة الأولى (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) الشعراء) فالقوم المحيطين بقريش ومكة باعتبار هذه بداية الانطلاق بالدعوة وكأنه نوع من التدريب على مخاطبة البشر ثم الانطلاق إلى العالمية فهو يشكو أن القوم الذين أمرتني يتبليغهم وهم قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً ولم يعجبهم ولم يقبلوا الهداية فقد يكون أنها مرحلياً الهداية إلى القوم؟
المقدم: أسئلة كثيرة جداً في استخدام الرسول صلى الله عليه وسلم لكلمة (قومي) هل يقصد قومه من قريش ومكة أو يقصد الناس كلهم، البشرية والإنسانية المؤمن والكافر والمصدق والملحد أم ماذا؟
د. هداية: عندما نأخذ الكلمة (قومي) وحدها لتفسر القضية ستتعب إنما يجب أن نأخذ بقية كلمات الاية: أولاً اتخذ، هل جاءت من فعل ترك أو أخذ؟ إتخذ
المقدم: كان يمكن أن تكون الصياغة اللغوية "إن قومي تركوا هذا القرآن"
د. هداية: كان سيكون التفسير صحيحاً في هذه الحالة لكن اتخذوا القرآن مهجوراً هي التي تحتاج تفسير، كيف آخذه وأهجره؟
المقدم: أقبله بداهة وبداية ثم أغفل عن تدبره
د. هداية: أغفل عن تدبره، آكل به عِيش، أُخرجه عن إطار وظيفته، أو الهدف من نزوله أو السبب الحقيقي من وجوده، كأني أخذته ولم آخذه تماماً مثل إرجع فصلِّ فإنك لم تصلي والرجل كان قد صلّى، فالتعبير في الجملة هنا: صليت وما صليت.
المقدم: يعني الذي فعل هذا يكون يقلّد الأقوام السابقة في تعاملهم مع بعض الرسل والقرآن يوصف (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) الجمعة)
د. هداية: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا) هل حُمِّلوا؟ نعم حُملوا لكنهم لم يتلقوا التلقي الصحي، هي معهم لكنهم لم يستفيدوا منها.
المقدم: المثل في القرآن ضرب في حمار يحمل كتباً فوق راسه وهو حمار لا يعرف أن يستخدمها
د. هداية: هذا التوصيف بالنسبة للحمار لا تُزعل لأنه حمار وهو غير مطلوب منه شيء لكن الإنسان مطلوب منه وهذه عظمة المثال. إياك أن تكون مثل الحمار!
المقدم: كأن المولى تعالى يقول أنا خلقتك بشر وابن آدم فإياك أن تنزل إلى مرتبة الحمار.
د. هداية: لم نر يوماً أن حماراً رفض حمل أي شيء، لأن وظيفه الحمل لكن حمله هو غير حملي أنا. القرآن بالقطع ومنطقياً له هدف وله وظيفة. لما تخرج فئة تستغل هذا الكتاب للضحك على السُذّج وكما تعلم اللعب بالدين يجد للأسف رواجاً عند الناس. اليوم اي إنسان في مشكلة يتعلق بقشة كما يقولون فتجد واحداً يقول له ساعالجك بالقرآن. لو نزل القرآن للعلاج لذكره ربنا تعالى لنا. ربنا لم يخفي علينا شيئاً. وللأسف لا يرد هؤلاء الناس لا أدري إن كانوا يردون عن جهالة أو عن علم فيقولون ألم يقل تعالى (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء (82) الإسراء)؟ ويسكت. أين بقية الآية؟ والناس السّذج الذين يسمعون يقولون الاية تقول أنه شفاء. ثم يلعبون بالآيات فيقولون لهؤلاء (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) الشعراء) وهناك (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء)
المقدم: وفي سورة يونس قوله تعالى (وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ (57) يونس)
د. هداية: هل في الصدور التي في الاية تعني الرئتين؟!
المقدم: هل القرآن لجهاز التنفسي فقط؟!
د. هداية: إذن هذا كلام مجازي بياني والشفاء هنا شفاء عقيدة.
المقدم: ولهذا لما ربنا قال أنه إذا أراد أن يهيد أحداً يشرح صدره للإسلام. إذن الصدر للتلقي.
د. هداية: المولى تعالى سأل الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)). ما الذي في الصدور؟ القلب والرئتين. الرئتين ليستا وعاء تلقي لكن القرآن تكلم عن القلب في كل القرآن القلب والفؤاد على أنهما أوعية تلقي (نزل به الروح الأمين على قلبك). إذن الشفاء لما في الصدور أنك لما تتلقاه إذا كان في صدرك أموراً تفسد العقيدة فالقرآن يشفيها يعني يعالجها والمعالجة قد تأخذ وقتاً وبعد المعالجة يتم الشفاء. آية الشفاء التي يستغلها الناس اليوم لو أكملوها (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا (82) الإسراء) لم يقل ولا يزيد المرضى إلا مرضاً! أكملوا الاية. (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) والقرآن لم يغير كلامه ففي مطلع الكتاب - وأنا أكررها كثيراً ولن أملّ من تكرارها - (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)) هنا يقول نفس الكلام القرآن شفاء ورحمة للمؤمن وليس لكل الناس. لو ذهبنا لسورة البقرة (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ (185) البقرة) هناك قال (للمتقين والمؤمنين) لما كان قرآناً ينزل كان معروضاً للناس كلهم قال (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ) لو قال هدى للمتقين هنا لضيّق المعنى وإنما قال هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان. بعدها لما قال (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) لو عدنا قبلها آيات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) (183) البقرة) يعني الصيام فرضه الله تعالى علينا ليعمل عملية التقوى.
المقدم: ولما تكونوا من المتقين تأخذوا هداية الكتاب.
د. هداية: القرآن صاغ صياغة مبدعة ساعة النزول فقال (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ (106) الإسراء) فالذي عاصر الإسلام ساعة النزول غير الذي دخل الإسلام اليوم. اليوم دخل على الكتاب بعد أن اكتمل لكن الذي عاش فترة الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينتظر القرآن كلما نزل بطريقة معينة وحادثة حادثة وعند وقائع معينة لماذا؟ (كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32) الفرقان) هذا الذي في الصدور.
المقدم: يعجبني قوله تعالى (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ) يعني واحدة واحدة.
د. هداية: إذن يعني القرآن له طريقة في القرآءة. قال تعالى في البداية (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) المزمل) لكن لما يطلب منه قال (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) المزمل) إذن هناك فرق بين كونه ثقيلاً ببلاغته وإعجازه وعظمته أنه ينهي كل القضايا ويشفي ما في الصدور ويحل مسائل العقيدة ويجعل المنهج صحيحاً ويبعد عنك التعب، تحل مشاكلك به.
المقدم: لكن ليس هناك سور وآيات لعلاج الكلى ولا سور وآيات لعلاج المرارة
د. هداية: لا يجوز لي أن أُخرج كتاباً أقول فيه آيات الكلى وآيات المرارة! هل يعقل أن نقول هذا على آيات الكتاب؟! نحن بهذا كأننا نلغي دور المول عز وجل إن صح التعبير وأنا آسف على هذا اللفظ ونأخذ نحن هذا الدور. كأنهم يقولون للناس إنسوا كلام الله ورسوله ونحن نعمل لكم طريقة للشفاء! إقرأ القرآن على الماء واشربها، والآيات تكتب بالزعفران ثم تُشرب، وتستحم بها؟
د. هداية: ألم ينتبه الذي فكر بهذه الفكرة أن الماء الذي قرأ عليه القرآن وشربه سينزل في بوله؟!
المقدم: والبعض من باب الحرص يقولون لك هذه الماء المقروء عليها لا تستحم بها في الحمام لأن هذه مياه طاهرة وإنما اخرج خارج الحمام وأحضر إناء كبير واستحم في الإناء ثم تخلص من هذا الماء في حديقة أو اسقي به الزرع.
د. هداية: أنا سأسأل سؤالاً: الرجل الذي يحب أن يسخّر الجن ماذا يفعل بالقرآن؟ يدخل به الحمام ويقف عليه برجليه ويجعله يلمس مناطق العورة، وأنت لما تقرأ القرآن على ماء وتدخل الحمام لتغتسل بها أسألهم هل الآيات تخللت في الماء؟ يقولون لك طبعاً، لكن أنت تلمس بها مواطن العورة! وهل الرسول صلى الله عليه وصف هذه الوصفة؟ من أين جاؤوا بهذا الكلام؟! ويقرأون القرآن على ماء ويشربوه، هل ربنا حاشاه نسي أن يخبرنا هذه الجزئية؟! يجب أن نفيق ونقف أمام المولى عز وجل بصدق.
المقدم: كلامك هذا ذكّرني بمسألة بمنتهى الكوميديا. من الاستخدامات الشعبية لما الناس تدلل على شيء ليس له قيمة يقولون لك بِلّها واشرب ماءها! فتخيل نحن أخذنا مقلوب المعنى وعملناه مع القرآن!
د. هداية: هل هذا ينفع مع القرآن؟!
المقدم: لا والله لا يصح.
د. هداية: ويقولون لك الشيخ فلان قال، يا أخي الذي يفعل هذا ليس شيخاً ولا يستحق حرفاً من كلمة شيخ.
المقدم: خصوصاً وأنه لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم شيء من هذا القبيل على الإطلاق.
د. هداية: نهائياً. من عظمة الأداء البياني في القرآن أن الرسول صلى الله عليه وسلم مات مريضاً. لو كان ما يفعله هؤلاء الناس اليوم صحيحاً لكان الصحابة اسرعوا وقرأوا القرآن على ماء وأعطوه للرسول صلى الله عليه وسلم ليشربه. نحن ملتزمون بالقرآن الذي يقطع الشك باليقين فيقول (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا (7) الحشر) إذن لو هناك شيء من هذا القبيل لما خبأها القرآن أو الرسول صلى الله عليه وسلم عنا ثم يأتي أحدهم في القرن الثامن عشر أو التساع عشر ويكتشفها. لما عمر ابن الخطاب رأى رجلاً كتب القرآن على ورق صغير مثل الذي يباع الآن ويوزع في حالة الوفاة (فيه بعض سور القرآن) ضربه وقال له عظّموا القرآن. نحن نريد أن نقف مع الناس اليوم وقفة: لماذا نقرأ القرآن؟ ولو أخذنا الآيات واستعرضناها آية آية سنرى عظمة الأداء البياني في القرآن عن القرآن. فلما يقول (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (27) لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ (28) التكوير) تخيل واحد يشتكي ويقول أن معوج فتجد القرآن يقول له إقرأ القرآن بالطريقة التي كان يقراً بها الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن للصحابة. يأخذ عشر آيات ولا تأخذ الآية 11 إلا بعد أن يتم استيعاب الآيات العشر الأولى.
المقدم: تفهمها وتأخذها بمعانيها وتدبرها وتطبقها.
د. هداية: وتطبقها. ولذلك لما جاء التعبير القرآني (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي (30) الفرقان) أولاً (يا) ملفتة، (إن قومي) ملفتة، و(إن قومي) ملفتة. وهذه يجب أن تؤخذ مع بعضها.
المقدم: أنا أريد أن أسأل في كل هذه الأمور، لماذا قيل يا رب وإن قومي ولماذا قيل اتخذوا ولم يقل تركوا وهل معنى مهجوراً أنهم توقفوا عن القراءة أو يقرأوا ولا يفهموا أو يقرأوا ولا يطبقوا؟
المقدم: مسألة الهجر مسألة خطيرة جداً. الرسول صلى الله عليه وسلم يشتكي في القرآن الكريم في صياغة إلهية بديعة أولاً يقول (إن قومي) وقال اتخذوا ولم يقل تركوا وقال مهجورا وهذا يعني أن القرآن أو المنهج أو الرسالة جاءتنا ولكنا نحن الذين أخذناه ثم هجرنا. هل الهجر بمعانيه المختلفة أليست كلها خطر بمعنى أن هناك ناس هجرت ولم تقرأ، وناس هجرت ولم تفهم وناس هجرت قرأت وفهمت لكن لم تطبق، أليست هذه كلها خطيرة؟
د. هداية: طبعاً، أسأل ثانية ما وظيفة القرآن؟ ما دور القرآن في الرسالة؟ الموضوع سهل لكن نحن الذي جعلناه صعباً. مسألة خطيرة عندما تتكلم مع أحد بهذا الكلام يقول لك كلامك منطقي جداً وعقلاني جداً وجميل جداً لكن ألا تعرف أحداً يفك السحر؟! أنت تطمئن في البداية وتقول الحمد لله هذا يفهمني ثم تجد أنك تنفه في إربة مقطوعة.
المقدم: لأن كثير من هؤلاء الناس ناس طيبين ولا يأخذون أجراً ولا يمارس شعوذة ولا غيرها فكما أن هناك من تعلم أن يؤذي كذلك هناك من تعلم والشياطين علمت بعض الناس السحر والكفر وهذا الكلام فكما قدر ربنا تعالى لبعض عباده أن يؤذوا بعض عباده بإذنه طبعاً قدر بعض الناس الآخرين أن يتعلموا السلاح المضاد
د. هداية: أسألك سؤالاً: إذا كان ما ذكرته صحيحاً هل يكون الإله عادلاً؟! هذه المفاهيم التي ذكرتها هي للأسف السائدة عند الناس. يقولون هناك أناس تؤذي (وأنا طبعاً ضد هذا الكلام وسأفنده كله إن شاء الله لكننا سنحتاج لوقت) هل يمكن للإله العادل أن يضع الحل في يد أحد الناس ويترك باقي الأمة تغرق؟! ماذا لو هذا الواحد غير راضي ولا يريد أن يعالج هل نضيع نحن؟! لا يمكن للإله برحمته الواسعة أن يضع قدري أنا في يد شخص آخر لو رضي عني!
المقدم: قد يقول البعض هذه مثل مسألة الطبيب.
د. هداية: هذا موضوع آخر. أنت تتكلم في الطبيب لم يفيق يوماً ووجد نفسه طبيباً إنما هو درس. نحن نناقش أن الله تعالى اختص برحمته فئة هؤلاء يتوزعون على الكون يشفون الناس، ماذا لو قرروا أنهم لا يريدون أن يذهبوا؟! لا يوجد هذا في ديننا.
المقدم: بعض الناس الذين ناقشوني سألته بعض الأسئلة من هذا النوع وقلت له أن فلان يعالج بالقرآن بدون مقابل، هذا بشر مثله مثلي فمن أين عرف أن فلان هذا فيه عفريت؟! وأن فلان هذا لا ينجب لأن فلان عمل له عمل في المكان الفلاني؟! هل كشف وبحث أم هو متصل بجنّ والجن قال له؟!
د. هداية: لا أريد أن أفتح هذا الموضوع الآن وإنما عندما نتكلم في مسألة أنه يقرأ عليه ويقول هذا ملموس وهذا ممسوس، يعني واحد مُسّ فقط والآخر لُمس فقلت له عرّف لي الفرق بين اللمس والمس وكنا على الهواء فيقول له هذا خطى على شيء أو تعثر بشيء! عندهم مصطلحات وعبارات وألفاظ غريبة. نسألهم القرآن لماذا لم يذكر هذه المواضيع؟َ والمولى عز وجل لماذا لم يقل لنا؟! إبليس لا يستحي لعنة الله عليه فلما قال للمولى (لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ (62) الإسراء) لم يقل سألمس وسأمس فيأتون لك بىية (لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ (275) البقرة) وهذا موضوع آخر لا علاقة له بهذا الموضوع. أنا أسأل سؤالاً واحداً من قال لهذا الذي يعالج بالقرآن أن هذه الآية للكلى والآية هذه للمعدة؟! أريد أن أفهم. ثم أريد أن أفهم هل القرآن كتاب عقيدة أم كتاب طب أم كتاب سحر؟! هذا هجر القرآن. هجر القرآن عبارة أنك تأخذه والمفترض أنك تأخذه لسبب ما ثم تستخدمه في سبب آخر تماماً إذن تكون قد استخدمته خطأ إذن تكون قد هجرته. هجرته يعني نقلته من وظيفته وأنت أخذته وهذه كلمة (اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) الهجر معنى مبدع ونذكر قوله تعالى (وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10) المزمل) الهجر أنواع إنما هنا قال (مهجورا) لم يقل جميلاً وإنما هذا هجر لم يستفد منه أبداً يعني هذا لم يستفد من القرآن مع أنه في الجنة يقال لقارئ القرآن إقرأ ورتّل وارتق أنت نهايتك عند نهاية ما تقرأ عند آخر ما تقرأ. القراءة هنا هل تقرأ والمصحف مفتوح؟ بالطبع لا وإنما تقرأ مما وعيته ووعيت هذه لن تكون في الجنة إلا لمن طبّق وليس للذي كان صوته جميلاً أو كان يقرأ بشكل صحيح لأنه ما قيمة أن أقرأ بشكل صحيح تماماً ولا أطبق؟ ماذا أستفيد؟
المقدم: لكن لو كان يقرأ وصوته جميل وطبّق هذا يكون من ضمن "والماهر بالقرآن مع السفرة البررة".
د. هداية: الماهر بالقرآن هنا هل تعني الماهر فيه تلاوة؟
المقدم: تلاوة وفهماً وتطبيقاً.
د. هداية: تطبيقاً هي الأهم. عندي اثنان واحد يقرأ جيداً ولا يطبق والآخر لا يعرف القراءة ويطبق أيهما مفيد لنفسه وللأمة؟
المقدم: الذي يطبق.
د. هداية: البعض يقول أنا أمي أميّة لا تقرأ القرآن فقلت له أسمعوها القرآن ثم سألته كيف هي حياتها فقال هي امرأة طيبة أمية غير متعلمة لكن تصلي النوافل وتصوم النوافل وتؤدي فرض الله ومع زوجها آية من آيات ربنا وكذلك مع أولادها وجيرانها تعرف حدود الحلال والحرام، ماذا ستقول في مثل هذه الحتلة؟ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، بقي لها فقط أن تقرأ أنا أعتقد أن هذه أسهل حاجة. نحن مشكلتنا في التطبيق.
المقدم: ورب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه.
د. هداية: أنا أريد أن أقف عند الآية لأن الناس يُضحك عليهم ببعض الألفاظ (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (82) الإسراء) وفي غير المؤمن ماذا يفعل؟ وقال المؤمنين ولم يقل الظالمين ووقفنا عندها سابقاً من الظالم؟
المقدم: الظالم نفسه والظالم غيره
د. هداية: الظالم هذا هو المنافق والشمرك والكتفر والعاصي والفاسق والمجرم. القرآن لما قسم الناس قال (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) الانفطار) لما ناقشنا كلمة الفجار لغوياً قلنا أن الذي يرتكب معصية ولا يتوب عرف أن يرتكب المعصية ولم يعرف أن يتوب فهو فاجر لأن ربنا أعطاه التوبة وشرعها له لكنه لم يأخذها.
المقدم: وهذا نراه اليوم في ازدياد في المجتمعات الإسلامية ومن علامات الفجور المجاهرة والمكابرة ويقولون سنعيش حياتنا بالطول وبالعرض
د. هداية: عندي الذي يضع لافتى يقول "العلاج بالقرآن" هذا فجر من أبشع أنواع الفجور لأنه أخرج القرآن عن وظيفته. نسأله هل الرسول فعلها؟ قد تأيتنا رسائل تقول الفاتحة والرقية، ويقولون الرقية الشرعية، نسأل هل هناك رقية غير شرعية؟! هم لا يفهمون اللغة أنهم لما يضعون توصيفاً لكلمة يكون هنا مقلوب لهذه الصفة. أنت تضطر أن تضع صفة شرعية أمام الرقية لتروّجها. ويقولون ألم يقل الرسول للذي قرأ الفاتحة على أحدهم إضرب لي معكم سهماً. أنت تتكلم في واقعة في سورة الفاتحة، أسأل هذا الذي يدعي العلاج بالقرآن لو كان ابنه مصاباً بالسرطان هل سيقرأ عليه سورة الفاتحة؟!
المقدم: هو بالتأكيد سيركض به إلى الدكتور.
د. هداية: نحن قلنا مرة أنه أمسك بواحد من المعالجين بالقرآن في المستشفى وكنت موجوداً فقلت له أنت المفروض أن لا تأتي هنا إلى المستشفى أنت تعالج بالقرآن! لماذا تأتي إلى المستشفى؟! هذا الرجل من الذي يقولون أن كل شيء بالقرآن إلا إقامة شرع الله.
المقدم: هل إقامة شرع الله هو هدف من أهداف نزول القرآن؟
د. هداية: هو السبب الرئيسي. لو دققنا في الآيات لما نسمع قول الحق تبارك وتعالى (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (9) الإسراء) بم يقل ليشفي وإنما يهدي للتي هي أقوم. أقوم على وزن أفعل التفضيل. القرآن يهدي بأن نجعله تحت المخدة أو في السيارة؟ هناك أناس يعتقدون هذا! أن لو القرآن معه سيكون حجاباً وهذا ليس صحيحاً! وظيفة هذا الكتاب أنك لما تفتحه لا تجد آية ليس فيها توجيه بالسلب أو الإيجاب، إفعل ولا تفعل. لما يقول القرآن (ومن الناس) ما معنى التوقيع القرآني في عرض صفات المنافق؟ أن تنتبه لهذه الصفات وراجع نفسك فإذا كنت تعمل إحدى هذه الصفات إرجع. لما يقول (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) البقرة) إقرأها وافهم لماذا قال الله تبارك وتعالى هذا في حقهم. الذي أنزل القرآن لهدف ألغاه هنا. (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ (1) الفرقان) ما وظيفته؟ (لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) الإنذار.
المقدم: الإنذار وهذه أول كلمات الرسول صلى الله عليه وسلم لما وقف في مكة ليدعو قومه.
د. هداية: لما جمعهم وقال " إن الرائد لا يكذب أهله والله لو كذبت الناس كلهم ما كذبتكم ولو غششت الناس كلهم ما غششتكم والله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون وإنها إما جنة أبداً وإما نار أبداً" كلام إنذار وإبلاغ. لما يقول (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ) قال الفرقان ولم يقل القرآن ولا الكتاب وطبعاً شبه القرآن بالفارق بين الحق والباطل فرقاناً وصرّح بالمشبّه به والمشبّه غير موجود. القرآن والفرقان، القرآن شًبِّه بالفرقان حذف القرآن وصرّح بالفرقان لأن هذا أهم دور للقرآن وقال (لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) لم يقل شفاء ولا هدى ولا غيرها وقالها فيما بعد قال شفاء لما في الصدور وقال هدى للمتقين وقال يهيد للتي هي أقوم. كل هذه الآيات يجب أن توقفني عند قوله (اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا).
المقدم: لماذا قال (إن قومي)؟
د. هداية: في رأيي لما الرسول غير المكلف بها يقولها فيكون قصده الذين منه، يعني الذين اتبعوه، لغة لأنه مبعوث لا لقوم لا لفئة وإنما للعالمين وفي حلقة من حلقات الرحمة المهداة قلنا أن دور الرسول صلى الله عليه وسلم ممتد إلى يوم القيامة بالقرآن وبنا نحن أتباعه حتى التاجر الذي لا يدعو إلى الله هو داعية بتجارته، الطبيب داعي بأخلاقه، لأننا أمة دعوية (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ (110) آل عمران) على مر العصور تحملون الرسالة من الرسول صلى الله عليه وسلم ولذلك هو قال "بلغوا عني ولو آية" ليس هناك أي واحد مهما كانت درجته العلمية أن يبلغ آية فكيف يبلغها؟ بأن يطبقها.
المقدم: التي هي الدعوة بالقدوة.
د. هداية: الدعوة بالقدوة والعمل. وقد قابلنا كثيراً من الناس الذين هداهم الله تعالى من غير المسليمن عن طريق تصرف من مسلم. إذن المسألة تحتاج لوقفة في مسألة اتخذوا ومهجور. نحن كلنا هاجرين للقرآن إلا من رحم الله تبارك وتعالى ففهم وظيفة القرآن الحقيقية (ليكون للعالمين نذيرا) وأظن بعد آيات سورة الرحمن ليس عندنا حجة (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)) لما قال إقرأ (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)) هذه مطلقة. لو ركزنا هذا سر (ذُكروا) أنت تعلم بالفطرة أموراً نحن نذكّرك بها.
المقدم: والمفروض أن فطرتك السليمة تستقبل بوعي هذا الكتاب على مراد الله فيه بعيداً عن الدجل والشعوذة والكذب والكلمة التي أسمعها كثيراً (فلان يعالج بالقرآن لكنه لا يأخذ مالاً على ذلك) هذه ليست العلّة.
المقدم: يمكن أنه يفعل هذا ليفسد العقيدة عن الناس.
د. هداية: يفسد العقيدة أو تمهيداً ليأخذ المال لاحقاً ثم يقول الناس هو قال اشتروا الشيء الفلاني من العطّار الفلاني وهو يرسم معه. وكما قال الحكماء طالما هناك مغفّل فالنصّاب بخير. أنا أتكلم في عقيدة بصرف النظر هي يأخذ مالاً أو لا يأخذ، ما هي وظيفة القرآن؟
المقدم: إقامة شرع الله وما يقوِّم البشرية على هذا الكوكب.
د. هداية: (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (9) الإسراء) (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الفرقان) هذه وظيفة القرآن حتى لا نكون اتخذنا هذا القرآن مهجورا.
المقدم: جزاكم الله كل خير يا دكتور. مواضيع كثيرة ومتشابكة لكن الهدف واضح حتى لا يأتي من يقول لم نكن نعلم، ها نحن قد عرفنا الآن وعندنا أمور تطبيقية لو نظرنا إليها في المتجتمع سنجد أن عندنا مشاكل كثيرة لو طبقنا شرع الله ومنهج الله ستختفي هذه المشاكلوذكرنا أمثلة كثيرة في البيوت المسلمة التي تهدم بسبب الخلافات والطلاق والتربية والحضانة، لا نطبق شرع الله فتهدم البيوت وتخلو من السعادة. الإجرام والمجرمين وعندنا موضوع يجب أن نفرد له حلقات وهو ما يسمى (مسجل خطر) يعني يكون عنده عشرات السوابق ودخل السجن عشرات المرات وخرج بدون فائدة ونتركه يخرج، هذا أمر يحتاج لمراجعة، الناس التي تسرق وتقتل وتهدد الناس لو طبقنا القصاص العادل مستمد من شرع الله لن يكرر هذه الجرائم أحد. نذكر قصة المرأة في كفر الشيخ وطلبوا تنفيذ حكم الإعدام وأن تنقله كل الفضائيات من ميدان عام أمام الناس ليكون هناك ردع. هذه بعض الأمثلة ولو أخذنا كل مشاكل حياتنا وطبقنا عليها القرآن حتى لا نهجره ثم نقول لماذا حالنا هكذا؟! أظن أن المسألة واضحة. نكمل المسيرة مع حضراتكم، نراكم بخير سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 14/4/2009م

ميارى 29 - 7 - 2010 03:28 AM

لتوبة والاستغفار 102

تقديم علاء بسيوني

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيمالسلام عليكم ورحمة اللهوبركاته. لقاء جديد وطريق الهداية. طريقالهداية دوماً يفترض أنه على الطريق المستقيم وإلا فلن يكون هناك هدىً ولا هداية. لكن التعامل مع القرآن الكريم هو الفرقان الذى فرق بين الظلام والنور والهدى والضلال .
اليوم عندما نفصّل آياته نفصّل معانيه نتدبر أحطامه هل نكون بذلك بالكاد نتعامل معه أو نتعامل معه التعامل الذي أمرنا به الله سبحان وتعالى أي القراءة والفهم والتدبر ثم العمل والتطبيق وهذه الإشكالية الأخيرة هي أخطر سلبية في المجتمعات الإسلامية اليوم. كيف نتغلب على هذه السلبية هذا ما سنتحدث عنه في هذا اللقاء. أرحب بكم وأرحب بضيفي وضيفكم الدكتور محمد هداية.
مسألة تطبيق وتفصيل الآيات (كتابٌ فصلت آياته قرآناً عربياًلقومٍ يعلمون ) (قد فصلناالآيات) هذا التفصيل هل هوتفصيل أحكام أم معاني أم دور لمنهج الحياة ؟
د.هداية :أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. المقصودمن حيث المعاني في كل هذا أولاً أن يكون التلقي على مراد الله فتنضبط كل هذهالمعاني فبدءاً بالقراءة ثم الفهم ثم الوعي ثم التطبيق. وهذه المراحل لا تأتي إلابهداية من الله تبارك وتعالى أولاً بشرط (لمن شاء منكم أن تستقيم) أن يكون بداخلكالرغبة لذلك على عكس ما يحدث هذه الأيام كمن يقول ما زلت لم يهدنى الله أو أنا فىانتظار هداية الله لي كأن الملك سينزل له من السماء ليجعله يصلى ويصوم وهذهالمعاني مستقرة عند الناس. كقولهم أن الشياطين تصفد فى رمضان من أين يأتى هذا المفهوم؟ للأسف منالفكر السائد فى المجتمع وليس من القرآن. فإذا صفدت الشياطين لم تؤجر أنت وبهذاتكون خالفت النص القرآني (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون)العنكبوت. الفتنة فى وجهة نظري شخصياً أن الشيطان يجتهدفى رمضان لكن رغبتك أنت هي من تصفد الشيطان. وهل هي رغبة مستمرة منك لما بعدرمضان أم تبدأ رمضان وتنوى أنها عبادة موسمية؟ أنت تريد قراءة القرآن فقط فى رمضانوباقي الشهور تتركه! وهذه عقيدة فاسدة مثل المساجد التى تمتلئ فى رمضان عن آخرهاوهذه ظاهرة صحية ولكن يا ليتها تستمر بعد رمضان .!
المقدم :أليس منيخشى المعصية فى رمضان ألا يجب أن يخشى بعده؟ وأليس الإله فى رمضان هو نفس الإله فى غيررمضان؟
د.هداية :هذا شركدون أن يدري والكثير يعتبرون هذا الكلام تشدداً ولكن أليس رب رمضان هو رب شوال؟ الذييترك فيه القرآن والصلاة والمساجد والالتزام كما كان يفعل فى رمضان ويقول لا أستطيعأن أترك كل هذا فى رمضان إذاً فأنت تخاف من رمضان وليس من رب رمضان ويقول لا أقدر أنأسرق أو أرتشي أو أكذب . فلمن تعمل إذاً؟ لرمضان؟ بدليل قول المولى عز وجل (ياأيها الذينآمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون*أياماًمعدودات) قال أياماً معدوداتولم يسميها ولكن حين سمى الشهر أعطى عللاً (شهر رمضان الذى أنزل فيهالقرآن)ففضل الشهر أنه أنزلفيه القرآن (هدىًللناس وبيناتٍ من الهدى والفرقان)كأنك إذا قرأت الآيات بتركيز تدرك أنك تصوم شكراً لله أن أنزل القرآن وأنجاء للوجود بمحمد صلى الله عليه وسلم وأن جعلني من أمته ولست من أمة أخرى فكوني جئت من أبوينمسلمين هذا فضل كبير لا يتعلق إلا بالخالق سبحانه وتعالى. ففرض الصيام فيه حكمة وهيأنه شهر القرآن. فهل إذا انتهى الشهر انفلت؟! لا يعقل أن يكون هذا هو الغرض، لا يمكن أن يختم القرآن عدةمرات فى رمضان ثم لا أقرؤه باقي السنة والأفضل أن أداوم على قراءته فى شعبان وشوالوعلى الدوام .
المقدم:البعضيطلقون على رمضان شهر العبادة وشهر الاجتهاد والمزيد من الطاعة؟
د.هداية : هذهالألفاظ أفسدت العقيدة فعندما يقترب رمضان يقلقني الحديث الموضوع الذي يقال أن أوله رحمةوأوسطه وغفرة وآخره عتق من النار فهو حديث موضوع وهو كلام فارغ ليس بحديث، هل معنىهذا أن أوله رحمة أنه ليس فى أوله مغفرة؟ وأوسطه رحمة هل يعني أنه ليس فيه رحمة؟ وآخره عتق من النار يعني أليس ليس فيه رحمةولا مغفرة؟ أفكار غريبة وكلام يظهر أنه ليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.وقول أنه شهر العبادة أليس فى شوال عبادة أو شعبان؟ هذا ما أسميه موسمة العبادة وهوما ضيّع الأمة أننا جعلنا العبادة موسمية.
المقدم : نرجع إلىسؤالنا الأول عن تفصيل آيات القرآن(كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍيَعْلَمُونَ)
د. هداية : هذا هو الوعيوالتدبر أن أسمعها كما أنزلت و أفهمها ثم أطبقها.
قال تعالى(حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) فصلت). هل انتبهنا لقوله تعالى (تنزيل من الرحمن الرحيم)؟لو سألنا ما هو التنزيل؟ تأتي الإجابة في الآية (كِتَابٌفُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُون) لقوم يعلمون وليس ليتعلمون فهم يعلمون بالفطرة السابقة وبالإيمان فى العهد الوثائقي الذى بيننا وبين المولى عز وجل فى عالم الذر من بنىآدم جميعهم وليس المسلمين أو اليهود(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْبَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَاغَافِلِينَ (172) الأعراف). قالتعالىَ(أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ) بالله عليك ونحن فى عالم الذر كيف نشهد على ماذا إلا أنيكون هذا الإله قادر قدير مقتدر أن تكون آياته الكونية والقرآنية والكتابية كلهاتجعلك تسجد وأنت ما زلت فى عالم الذر وأنت بعيد عن المنهاج والرسل فما بالك بعد أن يرسل لك المناهج والرسلوالكتب والشرح ولذلك قال تعالى(لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)
المقدم : هل من ضمنالعلم أيضاً أنه أتى عربياً وأنتم تعرفون العربية والشعر وأبعاده وقواعده وهذا لا ينطبق عليهقواعد الشعر ولا قواعد البشر؟
د. هداية : نعمولهذا قال(لقوم) ولم يقلللعالمين فهو يتكلم عن بداية نزوله فى أي منطقة؟ سينزل في منطقة العربية عملهم ولعبتهم لقوم يعلمون العربية وهذا كتابمعجز لغوياً وهم يشتغلون باللغة العربية ومتميزون فيها. ولهذا لم يقل للعالمين أوللناس ، وقول الرسول فى سورة الفرقان(وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُواهَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)مختلفة عن باقى القرآن لأن الرسول أرسل للعالمينوللناس كافة فى شتى بقاع الأرض . إنما لا بد أن نفكر ونتدبر فى اختيار المنطقة المكان لنزولالقرآن الحجاز، مكة، هذ المنطقة كانت قبل محمد بآلاف السنين اختارها الله للبيت قال تعالى (إِنَّ أَوَّلَبَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًىلِّلْعَالَمِينَ)بكة الوادي وليس مكة. ثم يشاء المولى عز وجلاصطفاء محمد صلى الله عليه وسلم وينزل عليه القرآن ثم تُشرع الصلاة في القرآن والقبلة أول ما تبدأ تكون للمسجد الأقصى وليس للبيت الحرام ثم يسرى به من المسجد إلى المسجد (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىبِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَىالَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُالبَصِيرُ)وسماه تعالى المسجدالحرام قبل أن يكون مسجداً ومصلى قبل أن تفرض الصلاة فى الاسراء، فكلمة قوم غريبة عن هذه الرسالة ولم تذكر إلا مرتين فى هذه الآية فى سورة الفرقان وفىالآية التى نتحدث عنها فى سورة فصلت (لقومٍ يعلمون). (حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2))حم هو التنزيل أم سيقال التنزيل فيما بعد؟ إذن التنزيل كتاب ومن غبائهم طلبوا أن ينزل جملة واحدة وأرانا المولىحكمته فقال (كذلك لنثبت بهفؤادك)أن ينزل منجماً وعلى مكث (لتقرأه على الناس على مكث)، فهذا الكتاب إذا أنزل مرة واحدة لا يستطيع بشر أن يستوعبه بل نزل متدرجاً وفقاًللأحداث. الذي يسلم اليوم الكتاب مكتمل لكن في بداية الدعوة كان الكتاب ينزل متدرجاً وفق الأحداث هنا قال (قوم) إذن هو للعالمين، الرسالة للعالمين لكن بدايتها لا يصح أن تكون للعالمين. انتشار الاسلام بدايته كان في مكةثم إخراج الرسول من مكة إلى المدينة فتتسع المسألة في مدينة واحدة ثم تتسع وتنتشر كما ذكر تعالى في الآية (كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه) .
المقدم : ما سبب ذكرالكتاب والقرآن معاً وما الفرق؟ عندما كان ينزل القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم كان اسمه قرآن ولما اكتمل صار كتاباً أم كان كتاباً من قبل أن يُقرأ؟
د.هداية : هذه القضية مرتبنا من قبل حين اعترضنا على القول أن عثمان جمع القرآن. فساد العقيدة يأتي من سماعالأقوال ثم اعتيادها ثم نقول هذا ما وجدنا عليه آباءنا .هذه هي خطورة إفساد العقيدة. أولاًلما نقول أن عثمان جمع القرآن فيأتي من يقول: هل القرآن تُرك في عهد الرسول صلى الله عليه وسلموأبو بكر وعمر حتى زمن عثمان يجمعه؟! كيف؟! لا يصح . النقطة الثانية أنه يفتح الباب للشك فىصحة ما جمع عثمان وربما نسي شيئاً أو أخطأ فيه لأنك أسندت الموضوع الذى تصدى له الرحمن لبشر. التوراةوالانجيل لم يتكلم فيهما المولى عز وجل لكن أخبرنا عنهما من خلال القرآن ولذلك كما سألت أنت لماذا محمد صلى الله عليه وسلم في الختام ولماذا القرآن في الختام؟ أنه كتاب يُصلح كل زمان ومكان ورسول تمتد رسالته بعد وفاته إلى يوم الدين، لماذا؟ يقول تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)كيف؟ (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنبَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) لغاية يوم الدين فهل يترك القرآن لبشر!ومع احترامنا لسيدنا عثمان لكن هذه ليست وظيفته وإن كان لبشر أن يجمع فالأولى أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك ليست وظيفته عليه الصلاة والسلام بدليل قوله تعالى (لَا تُحَرِّكْبِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَه)من الذى جمعه ؟ الله عز وجل .
وأعجبنى جداً هذه النقطة منشيخنا الكبير عبد الجليل عيسى رحمه الله أستاذ أساتذتنا أستاذ الشيخ الشعراوي والشيخ عبد الحليم محمود والشيخ النمر رحمة الله عليهم أجمعين لما سماها الكُتبةالأولى والكُتبة الثانية مجرد عملية تنظيم لما جُمع من قبل المولى عز وجل. القرآن نازل كتاب من اللوحالمحفوظ هو نزل الى السماء الدنيا كما هو معنا الآن ونزلت على الرسول آيات الاسراءبعد حادثة الاسراء (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً) والمجادلة بعد المرأة التى جاءت تسأل الرسول (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) ويؤخذ منه وفقالأحداث ما يناسب الحدث ولذلك قال تعالى(كتاب فصلت آياته قرآناً)أي فصلت على الواقعة أو الحادثة فالموجود يفهم ويستوعب. سورة الاسراء واقعتها شيء والكلام في الأحداث والروايات عن بني اسرائيل ولهذا تسمى سورة الإسراء سورة بني اسرائيل. بدأت السورة بالحديث عن الإسراء (سبحان الذي أسرى بعبده) ثم تتحدث عن بني إسرائيل (وآتينا موسى الكتاب) بعد أن أخذت الواقعة وآيتها سيتكلم عن التوراة وهو كتاب. الإنجيل كتاب والقرآن كتاب لكن الإنجيل لم يسمى فرقان. وسمى المولى القرآن على وزنفعلان هي حالة خاصة بالكتاب الذى سيستمر فرقانا أو المهيمن (ليظهره على الدين كله) على الدين وليس الديانات، لا يجب أن تجمع كلمة الدين لأنه جمع فاسد لكلام بعيد عن الشريعة. فلما يقول المولى (قرآناً عربياً) ثم يقول (لقومٍ يعلمون) أي يشتغلون باللغة يفهموه ويستوعبوه وهم فعلاًلم يعترضوا على الحروف المقطعة في أوائل السور ولم يسألوا عنها، على عكس العديد من الطلاب الآنالذين مازالوا يسألون عن معنى (ألم) وهذا السؤال في حد ذاته خطأ لأنه لا يوجد ما اسمه ما معنى الحرف؟ لأن الحروف فى حد ذاتها ليس لهامعنى وإنما يصبح له معنى إذا دخل في جملة. الكلمات لها معاني لكن الحروف ليس فيها معاني.
وفى آية (44) فى نفس السورةفصلت نرى دأب البشر فى مخالفة المنهج بحجة باطلة قال تعالى(وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًاأَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّقُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِيآذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍبَعِيدٍ)
المقدم : البعض يقوللماذا نزل القرآن بالعربية ؟ أهو تحيز للعرب؟ ومما سمعت وقرأت فى بعض التفسيرات أنمن ضمن معاني كلمة عربياً أنها تعنى التمام والاكتمال والخلو من العيوب والانتقادات وليس فقطاللغة واللسان ولذلك جاءت في توصيف الحور العين أنهم (عرباً أتراباً) يعني كاملين وليس فيهن عيوب فما مدى صحة ذلك؟
د. هداية :هذاالمعنى يتحقق بأنه كلام رب العالمين وليس كونه عربياً.
(وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44))
هذا معنى فصلت. من معاني فصلت أنه ينزل عربياً على رجل عربي.
المقدم: هو نزل عربي على العربي وهناك كثيرين لا يتكلمون العربية فيقولون لماذا اختص الله تعالى هؤلاء الناس وموضوع تلقي القرآن عربياً صعب عليهم؟
د. هداية: لأن اللغة العربية لغة كمال والقرآن كلام اللهوشاءت إرادته تعالى أن جعل اللغة العربية هى لغة القرآن. وباعتراف أهل اللغةالانجلوساكسونية واللاتينية بوجود قصور عندهم فى بعض المعاني التي أرادها القرآنمنها الآية التى كانت معنا(وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَمَهْجُورًا)لا تجد هذا المعنىفي الانجليزية ولا الفرنسية مثل هذه التركيبة ووضع الأفعال مختلف عن العربية. فأفعالالكينونة عندهم لا تخدم المعنى المقصود وهى إرادة الله تعالى لا نناقشه فيها.
المقدم: إذن اللغة العربية هي أكثر ليونة وسهولة في التركيب لتعطي كل المعاني التي تعجز باقي اللغات عنها.
د. هداية: ومن يريدعبادة هذا الإله يعبده على مراده فيتعلم العربية. ولكن ما يحدث عندنا الآن العكسفنحن نترجم معاني القرآن لهم حتى يفهموه ولكنها ترجمة معاني فقط وليست ترجمة حرفية فهم لن يفهموا الترجمة الحرفيةمثل الآية فى سورة البقرة (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّلِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ) ففي اللغة العربية هناك المعنى وهناك لازم المعنىفلازم معنى اللباس هو الستر والسكينة والمودة والرحمة وكل هذا يأتى بلازم المعنى أومراد فإذا ترجمناها لهم لا تترجم إلا بمعنى ملابس بالترجمة الحرفية. وكذلك آياتكثيرة فى القرآن لا تأتي بالمعنى ولكن تأتي بلازم المعنى كقوله تعالى (فأخذتهمالرجفة) أي لا تتركهم ولا يمكن إسناد الفاعل فى لغتهم للرجفة فلا يستقيم المعنى فيجب أن تبين لهم أن هذه الآية تشبيه للرجفة بأنها رجل يأخذ بقوة ولما يأخذ لا يترك ولا يفلت .فإذا أراد أن يعبد اللهتعالى يتعلم هذه اللغة فالفضل هنا علينا من الله أننا جئنا عرب ونحن نترك هذا الفضل ولا نحس بقيمته ،فالانجليزي يقول لك سامحني لا أحفظ إن لم يستطع القراءة له عذره ولكن عرب] ولايستطيع أن يقرأ القرآن بشكل صحيح هذه مصيبة فهذه الآيات حجة علينا. (إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم) الغاية من إنزاله عربياً تخدمنا نحن ويعود الفضل من الله تعالى علينا نحن. ولو نزله تعالىأعجمىّ على رجل عربىّ لقالوا كيف ينزل القرآن أعجمياً على رجل عربي بغير لغته؟ وهنا الآية (أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ) أعجمي لواحد عربي؟! ولكن الله تعالى أنزلهعربياً.
المقدم: بعدها قال تعالى في الآية (وَلَوْجَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُأَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءوَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌوَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًىأُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ) هدى وشفاء، ثم للذين لا يؤمنون به في آذانهم وقر وهو عليهم عمى
د. هداية: التعبيرات القرآنية فىالتشبيهات نحن نقولها في الاستخدام اليومي فنقول هذا يقبل العمى ولا يقبل فلان! هذه معناها. تخيل خيبة العربي أن القرآن بالنسبة له لا يريد سماعه! (هو عليهم عمى) هو يقبل العمى ولا يقبل القرآن لأنه جاءه بافعل ولا تفعل ويخرجه من الهوى ويمنعه من الخمر وهويريد أن ينفلت. فلو أتى الله به أعجمي لقالوا كيف ينزل أعجمياً ونحن عرب؟ ولكنه نزل عربيا(لقومٍيعلمون) لقوم هذه شغلتهمولم يعترضوا عليه ولميقولوا عنه أنه صعب كما يقال الآن فالطلبة يعتبرون الآن باقي اللغات أسهل منالعربية وهى لغته ومنهجه ولغة قرآنه وقوله تعالى(لقومٍ يعلمون) ولما يقول تعالى (قرآناً عربياً)فيها تكليف غير ظاهر أن العربىّ أصبح عليه عبء التبليغوالتوصيل.
المقدم: هذا العربي المطلوب منه التوصيلكيف يوصلوهو لا يفهم أصلاً؟
(وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44))
د. هداية: هناك نقطتان يجب الوقوف عندهما (لولا فصلت آياته)لو كانأعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته فإذن التفصيل يأتي بأن أذكر لك المنهج بلغتك من البدايةوقد فعلها المولى تعالى بإرادته من البداية دون أن تطلب منه ودون سؤاله. هو من البداية (حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته) لا تطلبه أنت. تخيل نفسك مكان غيرالعربي لو كنت تريد أن تعبد الله على مراده فعليك أن تتعلم اللغة العربية من الألف إلى الياء وهذا يحدث في حالتين فقط إما أن يكون هذا يبتغي وجه الله فعلاً أو واحد يريد أن يُشرّق القرآن هؤلاء هم المستشرقون. هاتان الفئتين من الأعجميين يدرسوا كما أشعر مع بعض المستشرقين أنهم يدرسون العربية أكثر منا نحن. نحن أنعم الله تعالى علينا بدراسة اللغة العربية لكن أشعر أن هذه المسألة بالنسبة للمستشرقين تهمهم وعندما تبحث عن الملهوف على اللغى مثلك تجده واحد من اثنين إما واحد لما سمعك قال فعلاً ليس هناك فائدة من أن أدرس الكتاب هذا على مراد الله تعالى فيه إلا إذا درس اللغة العربية كما يقول الكتاب والثاني الذي يريد أن يعيب الكتاب ويريد أن يجد فيه نواقص ويشكك فيه وهم المستشرقون وفى الحالتين يدرسونالعربية جيداً قد يكون بشكل أكثر من العرب أنفسهم الذين لا يعرفون قواعد ولا نحو. يقول بعض طلابنا لا نريد النحو وهو أساس اللغة العربية! إذن هما فئتان إما واحد مخلص لنفسه إما واحد يريد أن يعيب القرآن، واحد يريد أن يتقي الله فعلاً وفهم أن هذا الكتاب حتى يكون سهلاً يجب أن يكون بلغته. فلو حصل هذا يضرب لك مثالاً ويقول لك تخيل لو كان القرآن هذا نزل باللغة الإنجليزية؟ الإجابة المنطقية أنه سيكون سهلاً لأن اللغة الإنجليزية ليست صعبة مثل اللغة العربية. المسألة بالعكس أصعب فكوني عربي المسألة صارت سهلة (لولا فصلت آياته). في صدر سورة فصلت معنى ضمني مهم جداً وهي (لقوم تعلمون) كأنه يقول هذا القرآن نزل بلغتكم بإعجازكم والعرب كانوا يتميزوا بالبلاغة فماذا ستفعلون؟ ولذلك قال (لقوم يعلمون) لو كان أحدهم في ذلك الزمان ايس قوياً في اللغة يخرج من معنى كلمة (قوم) القرآن نزل لقوم يعلمون. لما يقول (فصلت) ثم يقول (لولا فصلت آياته) إذن التفصيل أنه جاء بلغتكيطابق بلاغتك ولا تعترض فيه على شىء، أخذ عنك مسؤولية أنت لا تشعر بها أنك تبلّغ.
المقدم : فى مسألةالتأثير (قُلْهُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء)ما المقصود؟
د. هداية : هدىً أييهديهم إلى الإيمان والهداية ويكون لهم شفاء إذا تناولوا المنهج.
المقدم : إذن مسألة هدى للذين آمنوا هو مقلوب معنى ما جاء فىسورة البقرة عن رفض الكفار(خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَىأَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ)
د. هداية : نعم وهذاالهدى لمن أحب التلقي والذي لا يريد (وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْعَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ).
المقدم: ما المقصودبباقي الآية(وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْعَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ)؟
د. هداية : هذا لايأتى إلا فى العربية فكيف تعبر عن المقصود بالمكان البعيد فى لغة أخرى؟ هل الرسولكان يناديهم من مكان بعيد أم من السماء؟ لا تأتى بالمعنى فى لغة أخرى وإنما لازم المعنى. والمقصودأن من يناديك من مكان بعيد لا تراه وهذا هو العمى ولا تسمعه وهذا هو الوقر، وهذاتشبيه أن من يتلقى الهداية لا يسأل كثيراً بهدف الجدال ولكن يسأل فقط ليفهم ولكنالآخر كأنك تقصد مناداته بلازم المعنى من مكان بعيد فلن يسمع ولن يرى. الذي ينادي عليك من مكان بعيد لا تسمعه ولا تراه فكيف لو كان يناديك من مكان بعيد وعليه باب مقفول أو جدار وباب وحواجز للصوت وهذا هو المقصود، (وهو عليهم عمى) العمى هنا البصر والبصيرةكقوله تعالى(وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًاوَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىوَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَاوَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى )أتتك الآيات فنسيتها وأعرضت عنها. (كذلك اليوم تنسى) هل هو منسيّ فعلاً كيف وهو يعذب فىالنار؟ كلا ولكن منسي من أخص صفات الرحمن فى هذا اليوم وهى الرحمة نُسي من رحمة الله لأنه (أتتك آياتنا فنسيتها) . كقوله تعالى فىسورة الفرقان(وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواعَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا)هذا مقلوبها، يعني إذا ذكروا تعني أنهم كانوا يعرفونها ونحن نذكرهم بها فقطفهم يعلمون الآيات وشرحها ولكنفقط نذكّرهم بها. فقوله (نسيتها) أي أنك كنت تعلمها وقد تكون قمت بتطبيقها أيضاً ثمأعرضت عنها وهو أخص أنواع الهجر وهو أن يكون فتح الله لك كل أسباب التلقي فالقرآنعربيّ ومفصل آياته وعاصرت الأحداث مع الرسول وشاهدتها وفهمتها ثم تقلب كل هذا وتحولالقرآن إلى شفاء وتقسم الآيات كل منها لشفاء مرض معين هذه للكلى وهذه للكبد وهذهللصداع؟! والناس تصدق هذا وتتبعه وهذا افتراء وكذب وقلب للمنظومة التى أنزلهاالله تعالى. لمذا لم يخرجوا لنا ىيات للسرطان؟! فهذا الكتاب كتاب عقيدة يشفي ما في الصدور ولذلك قال أن من لم يتبع هذاكأنك تناديه من مكان بعيد لا أمل له فى هدايته ولو أراد الهداية لاقترب لأهمية مايريده ولذلل العقبات. أول بنود الإيمان أن تصدق (ذلك الكتاب لا ريب فيه) فإذا كنت تقرأ القرآن لتخرج منه أخطاء فستكون هذه الآية وهي من أوائل آيات سورةالبقرة لم تستفد منها شيئاً ولم تخدمنا في شيء. شاءت إرادة المولى أن يكون ترتيب سورة البقرة 2 في الكتاب مع أنها 87 في النزول لكن أنت تقول ليس مهماً ترتيبها ضعها أينما كان ولا فائدة ولذلك قال تعالى (إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) يستوي عليهم الوضعين. الذي يقف بعيداً وفهم تعالى (ذلك الكتاب) بالإشارة للبعيدهو الذي يقترب .
المقدم : فى سورةالأنفال قال تعالى(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَيَعْقِلُون)ما دلالة يعقلونهنا مع أن المتوقع أن تأتى يسمعون أو يبصرون ؟
د. هداية :البعضيقول لماذا ولد هذا مسلم وهذا يهودي؟ سبق فى علم الله، لو قلت ماذا يعني سبق في علمه الله تكون لست مؤمناً ولم تعرف معنى الإرادة ولا معنى المشيئة ولم تعلم أن حكمة الله وإرادته متلازمتان لا يظلم أحداً بدليل إلى الآن تقول هذا لم لم يؤمن لأنه يهودي فماذا تقول في المسلم الذي ولد من أبوين مسلمين وخرج من الدين؟
المقدم: اليهود والكفار والمشرقين منهم من يسمع ويهتدي للإسلام؟
د. هداية: والعكس بالعكس. إذن هنا (وما يظلم ربك أحداً)
المقدم: (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون) كصياغة لغوية كان يفترض أن تختم بالآية بالذين لا يسمعون أو لا يتكلمون تناسباً مع الصم والبكم؟
د. هداية: الصم والبكم فى الآية ليسحسياً وإنما هذا لازم المعنى. هو يرى ويسمع ولكنه وقر وعمى، عطل هذا ليس فى الأداء ولكن فى الفهم فلم يعقل ،فالأصم قد يعالج أو يستعمل ما يساعده للفهم والتحدث والتخاطب ولكن ما بالك بمن يسمعولا يسمع ويرى ولا يرى مثلها مثل (صلّيت وما صلّيت) فأنت تملك الأدوات التي هي نعم في حد ذاتها ولكن لا تستخدمهاكمن كانوا يضعون أصابعهم فى آذانهم وهذا توضيح أن التعبير العربى القرآنى يخدمالمعنى(أَوْكَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَأَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌبِالْكافِرِينَ)فالمرء لا يدخلكل إصبعه فى أذنه لم يقل أناملهم وإنما قال أصابعهم ولكن كناية عن كرهه للسمع لئلا يترك مجالاً لتتسرب كلمة واحدة كمن استمعللقرآن من الرسول صلى الله عليه وسلم ثم قال هو شعر أو سحر أو كذب هو يريد أن يعيب على الرسول وما جاء به فيبرر لنفسهأولاً ثم يبرر للذين من حوله. يقولون افتراه ثم شاعر ثم كذاب هو ماذا بالضبط ولذلك قال تعالى(انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَفَضَلُّواْفَلاَيَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً) فضلّوا أيتشتتوا لا يعلمون ما يقولون بالضبط.
هذا القرآن لا بد وأن تستخدمه(إن صح التعبير) الاستخدام الذى من أجله جعله الله تبارك وتعالى وأنزله .
المقدم: قبل أن نختم نقول أننا وضعنا أيدينا على الخطأ وقصرناكثيراً فى المنهج المسلم ولهذا لا تنصلح أحوالنا ولهذا ستكون الحلقة القادمة انشاء الله ملخص التوبة التي هي الرجوع والعودة ونعود إلى عباد الرحمن مع سورة الفرقان وسنتكلم كيفنكون في معيّة الله تعالى التي لازم معناها أن تكون في معية الله باتباع منهج الله .جزاكم الله كل خير نراكم على خير إن شاء الله والسلام عليكم ورحمة اللهوبركاته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 21/4/2009م وطبعتها الأخت يسرا جزاها الله خيراً وتم تنقيحها

ميارى 29 - 7 - 2010 03:31 AM

وبة والاستغفار 103
تقديم علاء بسيوني
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم. الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمتهوبركاته. موعد ولقاء جديد نخطو فيه سوياً على طريق الهداية. نختتم مشوار طويل جداً مع موضوع التوبة الذي يمشي مع الإنسان في مشوار حياته الطويل. التوبة ليست كلام يقال باللسان وإنما هي حالة الإنسان يمارسها ثم يظل فيها وقد يخطئ ويعود ويخطئ ويعود لذلك ربنا سبحانه وتعالى شرع لنا التوبة. اليوم سنقف ونعمل مجموعة من المقارنات حتى نفهم الأبعاد المختلفة لهذه المعادلة ونختتم لقاءاتنا عن هذا الموضوع الهام جداً والحيوي لأن كل إبن آدم خطّاء وستكون كارثة ومشكلة إذا لم يعرف هذا المخلوق أن يتوب ويرجع إلى الله. المقارنات هذه موجودة في ارتحال مع آيات القرآن الكريم في سورة كثيرة سنتعرض لها ونسمعها ونعيشها.
أرحب أولاً بضيفنا وضيفكم الدكتور محمد هداية. أشعر كأننا نبني مشروعاً نعمل عليه منذ سنتين واليوم النموذج يكتمل ووسنعرضه للماس وستبدأ معالمه تظهر تصحيحاً لمفاهيم العقيدة عند الإنسان المسلم في علاقته مع الصح والخطأ. هناك من يتعامل بشكل فاهم وواعي فهؤلاء يتوبون ويعودون وهناك ناس لا يعودون. ما رأيكم أن نبدأ أولاً من بداية تشريع العودة، تشريع التوبة؟. نبدأ من سورة البقرة من قصة التوبة مع آدم نسمتع إليها ثم نسال الأسئلة.
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ{34} وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ{35} فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ{36} فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ{37})
الكلمات في الاية 37 بالتحديد هي التي تحتاج لوقفة. نحن ننسب الفضل لبني آدم، فلان أخطأ وكلنا تخطئ ولكنه رجع وتاب وصار إنساناً فاضلاً. لكن الآية هنا تقول (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ) الفضل واضح لله، لماذا يأتي التشكيل على كلمة آدم بالضمّ (آدَمُ) دليل على أنه هو الفاعل في مسألة الهداية والتوبة؟
د.هداية : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. هذه هي بداية المسألة والكون بدأ بالمعصية ثم بالتوبة التي شرعها الله تبارك وتعالى. الملحوظة التي وقفت عندها مهمة جداً في أن الله تبارك وتعالى أولاً هو كونه يشرع التوبة فهذه ملحوظة مهمة جداً في بداية الحياة. وكأن القرآن يقول لنا أن الإنسان بدأ بمعصية وحياته كلها هكذا والله عز وجل علّمه التوبة (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ) يبقى آدم هو الفاعل للتوبة. هناك من يرجع وهناك من لا يرجع ومن هنا كانت الإشارة أن الذي يرجع هو الفاعل. نحن عرفنا أن نغلط لكن لم نعرف أن نعود فلما المولى عز وجل يعطيك ما تتوب به فهو يريد أن يعلّمك أن الذي يرجع أخذ وعاد إلى الله وهناك في المقابل من أخطأ ولم يرض أن يأخذ التوبة. التوبة صارت قاعدة مشروعة من يرجع ومن لا يرجع؟ الذي يرجع له فضل والذي لم يرجع أمامه فرصة إلى أن يأتي الأجل، وإذا لم يرجع هذه مشكلة. يجب أن نأخذ كل مقارنات الأفعال، هناك فعل له توبة وفعل ليس له توبة، وهناك توبة غريبة وهناك توبة تختلف عن طريقة أستغفر الله وتبت إلى الله مثل توبة اليهود لما اتخذوا العجل أو لما طلبوا أن يروا ربنا فأخذتهم الصاعقة. كل هذه الأمور ليس من قبيل الصدفة أن تأتي في سورة البقرة التي ترتيبها 87 في النزول وترتيبها 2 في الكتاب. في مطلع البقرة يوصِّف المولى عز وجل المتقين والكافرين والمنافقين ثم يبدأ يتكلم عن بداية الكون قبل خلق آدم. ثم هناك ملمح في البقرة مهم جداً أن آدم شاهد بعينيه أن إبليس لم يسجد فكيف سمع كلامه؟! كان هذا ملمح يبين لك أنه من المفروض لما المولى عز وجل يقول لك (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا (6) فاطر) المفروض أن تتخذه عدواً، هل تسمع كلام العدو؟!
المقدم: أنا أتصور أن أغلبية الناس هكذا أخذوا نصف الآية فقط يعلمون أن الشيطان عدو لكنهم لا يعرفوا كيف يتخذوه عدواً. ماذا أفعل لأتخذه عدوا؟
د. هداية: ضع الوسوسة على مدار البحث هل يجوز أن أفعل الشيء الفلاني أو لا؟ أفكر هل هذا حلال أو حرام؟ إعرض الكلام في الوسوسة من شيطان الإنس أو شيطان الجن على هل هذا حلال أو حرام ولما تسمع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن" يوضح لك أن الموضوع منتهي وواضح مثل الشمس ولا يحتاج إلى تفصيل. ثم يعطيك الرسول عليه الصلاة والسلام العذر فيقول "وبينهما أمور متشابهات" لم يتركنا في الظلمة في هذه الأمور المتشابهات وأعطانا كل شيء. وهناك حديث آخر لما تصل إلى مسألة الريبة قال "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". إذا وصلت في المتشابه أن التبس عليك الأمر قال لك: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك".
المقدم: الأسبوع الفائت حصلت نقاشات كثيرة بيني وبين ناس كثيرة من التي لا يمكنها أن تلبس الحجاب لظروف شغلها وتجادل بأنها هي تصلي ومؤمنة ولكنها لا يمكنها أن تعمل عملاً غير هذا ولو لبست الحجاب لن يدعوها في العمل فهل تترك مصدر رزقها؟ فقلت لها لا يمكنني أن أفتيك لكني أقول لك آراء علماء الدين وأنه لا ينفع أن تجرّبي المولى سبحانه وتعالى وتقولي أنا سابقى في هذا العمل الذي فيه معصية أو حرام إلى أن يوجد الله تعالى لك عملاً حلال فتتركي الحرام لأن كلامك يستوي مع الحرامي وتاجر الخمور والمخدرات لأنهم يقولون لا يمكنهم أن يفعلوا غيرها! فهل ندع أحدهم يفتح محل للخمرة أو المخدارت طالما لا يعرف أن يعمل بغير هذا العمل؟! بالطبع لا، يا أخي تُب إلى الله وهو تعالى سيرزقك من حيث لا تحتسب (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (3) الطلاق) فتقول لي أنا سألت بعض المشايخ وقالوا لي طالما قلبك مطمئن وأرباب العمل هم الذين يغصبونك فهم الذين سيحملون الوزر. هذا الكلام مع احترامي لمن قاله لم يزن عندي في ميزان العقيدة شيئاً. ألا يرد كلام الرسول آراء هؤلاء؟
د. هداية: طبعاً، هذه آراء فاشلة، آراء فاسدة. إذا كان الموضوع سيمشي بهذه الطريقة إذن هذه آراء تحتاج إلى تقويم وهذا لا يعتبر رأي في الأساس. ثم هناك أمور لا ينفع أن أسأل فيها، لا يمكن أن يسألنا أحد اليوم هل الخمر حلال أو حرام بعد عدة سنوات من تحريمها؟! أو أحد يقول هل يمكن تحريم الخمر الآن بالتدريج كما حرمها الله تبارك وتعالى في عهد الرسول؟ هناك حكمة إلهية من تحريم اخمرة بالتدرج في ذلك العصر. أما الآن إذا سال أحدهم عن الخمر تقول له هي محرمة وانتهى. الأخت تسال في مسألة لا يجب أن تسأل فيها ولو اشتبه عليه الحل تأخذ بقول الرسول صلى الله عليه وسلم "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". الموضوع من بدايته السائل فيه يعرف إجابته فقد تكون هذه الأخت ذهبت لشخص يقول لها هذا الكلام لمجرد أنها تريد أن تريح ضميرها. لا يعقل أننا نفهم أكثر من الرسول صلى الله عليه وسلم، الرسول قال إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن.
المقدم: إذن هذا الكلام الذي قيل لهذه الأخت هو من تزيين مثل التزيين الذي فعله الشيطان مع آدم وحواء.
د. هداية: هذه المسألة ليس من قبيل الصدفة أن تُعرض هكذا. الآيات بدأت بالأمر بالسجود لآدم وإبليس رفض السجود فهل يُعقل أن أدعه يُخرجني من الجنة؟ المفروض أن لا أستمع له لأنه رفض السجود. وسبق أن قارنا بين معصية آدم معصية إبليس.
المقدم: هذا الكلام معناه أن إبليس ظهر بصورته الحقيقية لآدم وحواء، هل هذا حصل أم هل هم لم يروه وإنما الوسوسة هي مجرد صوت في العقل الباطن أو اللاشعور؟
د. هداية: حتى لو افترضنا هذا، قلنا لو كانت الجنة فيها ألف شجرة فقلت لك كُل من الكل إلا واحدة، لو قال العكس ربما تكون المعصية مبررة، لو قلت لك كُل من شجرة واحدة فقط واترك الباقي كله يجب أن تسمع الكلام لكن لو أخطأت في هذه الحالة يمكن أن تبرر لأنه شجرة واحدة محللة لك فقط. أنت لا تقرب شجرة لا لا تأكل من شجرة. المعصية كانت ستكون مبررة لكنها ما زالت غير مقبولة ربما يقال أنه ضُيّق عليه. لو نظرت إلى الحياة التي نعيشها تجد أن الحرام أمام الحلال لا شيء. ما الخمر أمام هذا النعيم كله؟ ما الحجاب أمام الخيرات التي أعطانا إياها الله تعالى؟ وما لحم الخنزير أمام اللحوم الحلال كلها؟ الأطفال يسالون لماذا الخنزير حرام؟ نقول لهم الحرام لا يُسأل عنه لماذا هو حرام؟ لأنك المفروض أنك لما تسمع عن شيء أنه حرام عليك أن تنفِّذ وتقول سمعنا وأطعنا. وإنما تسأل ما الحكمة؟ والحكمة ظهرت اليوم. البعض يبدأ بالفلسفة ويقول الطيور تصيبها إنفلونزا الطيور ايضاً وهي حلال؟! هذه الفتنة أمام الطاعة وعدم الطاعة.نأخذ الأمور على أساس ما حرّمه الله أو ما أحلّه الله أو أنا أعمل شرع من عندي وهذه ستظهر عندما نقارن (وقالوا لن تمسنا النار). شاهدي في الكلام أن إبليس الذي رفض أن يسجد ووسوس لك والله تعالى قال لهم لا تتخذوه عدوا لا تسمعوا كلامه.
المقدم: في مسألة (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ) هناك فضل لآدم أن يريد التوبة فهل هذا هو التسجيل القرآني الإلهي في حق آدم كان نوع من المكافأة لآدم وحواء لأنهم قالوا (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) الأعراف)؟ هم شعروا فكانت التوبة نوع من المكافأة لهم لأنهم أرادوا الرجوع وطلبوا من ربنا الرحمة والمغفرة والمعونة فكانت الهدية (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ)
د. هداية: هذه مهمة جداً في مسألة الندم.
المقدم: التوبة الندم، كيف أندم؟ التطبيق أحياناً يكون صعباً، نسمع التطبيق بعد الفاصل.
----------فاصل-----------
المقدم: نتكلم عن الندم كمدخل للتوبة، آدم وحواء شعروا بالندم شعور بالغ والموضوع كان واضحاً (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا) وأتصور أن إحساس آدم أنه هو أول الخلق البشري وأن في رقبته كل هذه الذرية وفي باله أنه هو هذا المخلوق المكرّم والذي أُمرت الملائكة أن تسجد له ومع ذلك مع أول تكليف يخطئ مع أن الله تعلى حذّره! هو شعر أنه عمل ظلماً كبيراً.
د. هداية: هذه هي الحكمة. كان يجب أن يحصل هذا لأن الإنسان خُلِق هذا.
المقدم: أول تصرف في حياته معصية. لكن الذكي هو الذي يجعل آخر تصرف في حياته توبة.
د. هداية: وشطارتك تكون أن ترجع. ساعة ما أكل آدم وحواء من الشجرة شعروا بالندم فهل الندم شيء فطري في الإنسان؟ وكيف يمكن للإنسان أن ينوّم ضميره أو يوقظه
المقدم: بعض الشباب يتكلمون عن وقوعهم في الزنى الذي تعودوا عليه وفي البداية الموضوع يبدو لهم كأنه شهوة أول ما ينتهي من شهوته يخرج من الغرفة شاعراً بأنه لا يطيق نفسه.
د. هداية: هذه النقطة التي سنتكلم فيها لماذا شُرعت التوبة؟ لو أنت تركت نفسك للندم سيقتلك هذا الشعور!. تخيّل ندم دون مشروعية التوبة ماذا سيحصل؟ أنا مثلاً أخطأت وندمت وليس هناك توبة تخيل هذا لتعرف قيمة التوبة!. قد يكون الندم قاتلاً وستقف بمعصيتك لا تعرف ماذا تفعل! وتخيّل أن هذا الإله الحق حاشاه مع أول غلطة يعذبك!. القانون الإلهي مختلف عن القانون الوضعي. هات قانون وضعي قال (مع أن هذا نادى به بعض فقهاء القانون) أول غلطة بعض الفقهاء يريدون أن تترك الذي أخطأ لأول مرة ثم وجدوا أنها ستصبح مثل الغابة. ثم يعمل خطأ هنا وخطأ هنا ويأخذ عفو من هنا وعفو من هنا، لا ينفع! القواني تأتي من إله ويشرعها لنا وتصير تشريعاً حقيقياً. لما قال (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)) بعدها مباشرة قال (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)) بعد أن تنزل بالتوبة يجب أن يكون هناك منهج.
المقدم: هل هذه العداوة منطبقة على العداوة بين الرجال والنساء أو نسل آدم وحواء كلهم عموماً مع نسل الشياطين؟
د. هداية: هي عداوة بين نسل آدم وحواء عموماً مع نسل الشياطين، لذا حمل في طيّات الكلام (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) وهذه شرحناها عندما تكلمنا عن (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)) أنت تحتاج مع وجود المنهج فتح إلهي حتى تتلقى وتفهم.
المقدم: لفظ القرآن في سورة الرحمن هل ينطبق على التوراة وعلى الإنجيل وعلى القرآن؟
د. هداية: بعض أهل اللغة رأوا هذا أن مسألة (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3)) لم يقل خلق المسلم أو خلق أمة محمد، (خَلَقَ الْإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)) وجاء بالقرآن في بداية سورة الرحمن على أنه المنهج.
المقدم: الذي هو ما يُقرأ كمنهج إلهي.
د. هداية: أو خذ القرآن كمثال للكتاب السماوي ولم يقل التوراة والإنجيل لأنهما حرّفتا. فجاء بمثل تصدى هو سبحانه لحفظها فأعطاه مثلاً للكتاب. التوراة في بدايتها كانت سليمة جداً ومنزلة من السماء ثم صار فيها تحريف فلما نسمع الآن كلمة التوراة علينا أن ننتبه هلى هي التوراة السابقة أم التي حُرّفت.
المقدم: والله تعالى قال (قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (93) آل عمران) أي هاتوا التوراة الأصلية قبل أن تحرّفوها.
د. هداية: فلما تأتي بكلمة القرآن هنا لأنه هو الكتاب الذي تصدى له المولى تبارك وتعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر) وقال في موضع آخر (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ (42) فصلت) ساعة نزوله (وَلَا مِنْ خَلْفِهِ) يعني بعد موت الرسول عليه الصلاة والسلام وانتهاء الوحي يظل القرآن محفوظاً برعاية الله تبارك وتعالى. ودرسنا علة مر التاريخ أنه جرت محاولات أثناء حياة الرسول وبعد موته أنهم يحرفوه بدليل وجود الأحاديث الضعيفة والموضوعة أنهم لما فشلوا أن يحرفوا الكتاب ولم يقدروا عليه فبدأوا يلعبون بالسُنة التي هي المصدر الثاني للمنهج بعد القرآن. فكلمة القرآن في سورة الرحمن مثال واضح للمنهج الذي قال عنه في بداية الكون (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (38) البقرة) وفي موقع آخر (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) طه) قس على هذا أن الذي يتبع المنهج الإلهي سيعيش مرتاحاً. لما المولى قال لآدم لا تأكل كان هذا كلاماً إلهياً لآدم والمولى تعالى لن يعملها معنا لأننا لا نتلقى وحياً وإنما نأخذ كتاباً ولذلك الله تعالى يصطفي من البشر واحداً الذي هو الرسول يوحي له ويعلّمه بدليل أنهم لما قالوا نريد ملائكة قال لهم لو أنت ملك لأرسل لك ملكاً لكن طالما أنت بشر فيصطفي من البشر رسول أو نبي هو الذي يوحى إليه وينقل لك الكلام لكن في القاعدة الإلهية في بداية سورة البقرة أنه يجب أن يكون هناك منهج. هذا المنهج مقروء مكتوب مسموع حتى لا نقول لم أسمع، لم أقرأ، لم أفهم، الكتاب موجود افتحه.
المقدم: كيف يكون الندم؟
د. هداية: أولاً أريد أن اقف عند ملحوظتك لماذا تلقى آدم من ربه كلمات؟ إعكس السؤال: لماذا أعطى الله تبارك وتعالى لآدم الكلمات؟ لأنه ندِم. لو قلت لأنه ندم عندنا آية في التوبة (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ (118) التوبة) فكأن الندم – إن صح التعبير - هو الدافع ليدفعك الله تعالى للتوبة. ما معنى (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ)؟ قلنا التوبة توبتين توبة هداية لي تجعلني اقول تبت إلى الله. ما الذي يجعلني أهل لهداية المولى عز وجل؟ الندم الصادق، لأنه نسمع كثيراً من يقول تبت ورجعت. ويسألك أحدهم كيف أعرف أن الله قبلني وتاب عليّ؟ قل له إذا لم ترجع والذي يقول تبت ورجعت يكون لم يتب.
المقدم: لو أردنا أن نطبق هذا على بعض الشباب الذي وقعوا في الزنى فيهم قسمين البعض كلما تذكر هذه المعصية التي كان يعملها يرى المتعة فيها والفتاة الجميلة لو ما زال هؤلاء يرون أن الموضوع متعة سيعودون لها، والبعض يرى القذارة في الموضوع هذا هو الندم.
د. هداية: متى أكون أهلاً ليهديني الله تعالى لتوبة صادقة؟ التوبة توبتين والهداية هدايتين. هداية دلالة وهداية معونة والتوبة كذلك أنت تريد أن تتوب بصدق فرب العالمين يهديك لتتوب توبة نصوح ليس بعدها معصية. والبعض يقول يعني صار نبياً لا يُخطئ؟! بالطبع لا، أنت قد تخطئ لكن ليس في نفس الذنب على الأقل، قد يقع في خطأ آخر. البعض يخطئ نفس الذنب ويرجع وآخر يسأل كيف أعرف أني قُبلت؟ تقول له لا تفعل مثل هذا الذي يدّعي أنه تاب ويخطئ ويتوب ويتوب ويرجع.
المقدم: ما هو إذن دلالة الحديث القدسي "علم عبدي أن له رب يغفر الذنوب" "فليفعل عبدي ما يشاء"
د. هداية: هذا الحديث صحيح. الحديث هذا مناطه أن عكس الذي سيحصل في (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ) هو يريد أن يحررك من هذه لو أنت فهمت مناط الحديث. أولاً متى قال تعالى (بلى من كسب)؟
المقدم: في سورة البقرة (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81))
د. هداية: (بلى) للإجابة على سؤال منفيّ بالإثبات. هو يقول لهم (أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ). أولاً هذه الآية آية شارحة واضحة جداً في قضية غريبة جداً. وهذه القضية الغريبة جداً للأسف تقال من المسلمين آناء الليل وأطراف النهار (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً) هذه نعرة يهودية والقرآن قبّحها أنه ضرب المثال فيها أنها سيئة حاصرت صاحبها. منطوق الآية (وقالوا) يعني هذا ليس كلاماً إلهياً مثل واحد جاءته فكرة وقال كلاماً مرسلاً ستقول من أين أتى بهذا الكلام؟! مثل موضوع دخلو النار والخروج منها. هذه الآية تشرح مسألة الشفاعة وتمهد لها. التعبير الإلهي (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً) الرد الإلهي جاء بعدها (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ) إذا كنتم اتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهداً، (أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) الذي بعد (أم) هو الحقيقة. انتبهوا أن الذي يقول في مسألة الدخول والخروج من النار يتكلم على الله لأن هذا الموضوع ليس بيد البشر ومسألة النار والجنة بيد الله عز وجل.
المقدم: وإذن كان النبي صلى الله عليه وسلم قال من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار
د. هداية: فما بالك بالذي يكذب عى الله؟! ولذلك لم يقل كذب وإنما قال (مَا لاَ تَعْلَمُونَ). لكن لننتبه إلى تعبير (أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) كأن القرآن يقول أن الذي يمكن أن يتكلم في هذه المنطقة هو الله وبالتالي رسله لكنهم لا يمكن أن يتكلموا من غير قاعدة قرآنية. (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً) قال له (قل) قل هذه توجيهات الإله الحق وليس من عنديات الرسول صلى الله عليه وسلم (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا) لم يقل عند رسولكم أو نبيكم وإنما عند الله يعني الذي يتكلم في هذه المنطقة إله.
المقدم: نريد أن نشرح توصيف (وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ)
------------فاصل----------
المقدم: سورة البقرة فيها أكثر من موضع وقفنا عنده حتى نعرف المفاهيم التي قالتها بعض الناس. وقبل أن نسمع الاية 80 و81 أن رب العالمين عندما يحذرنا أو يقص علينا قصص أمم سابقين أو اليهود أو النصارى أو نبي من الأنبياء لليس من باب التسلية.
د. هداية: لا من باب التسلية ولا من باب فضيحتهم وإنما الغرض هو كشف منطقة خطيرة هم تكلموا فيها بما لا يجوز فإياكم أن تفعلوا هذا، هذا تحذير لنا حتى نتعلم من أخطاء الآخرين.
(وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82))
المقدم: هناك مقارنة حصلت أصحاب النار هؤلاء الذين أحاطت بهم الخطيئة ومنعتهم من التوبة ولهذا هم خالدون ومباشرة بعدها ذكر الذين آمنوا وعملوا الصالحات هؤلاء أصحاب جنة وايضاً هم خالدون
د. هداية: هناك مسالة م تُذكر في أصحاب الجنة وهي التوبة كأن المؤمن سيخطئ ويتوب فليس هناك داعي لقولها لأنه لا يمكن للمؤمن أن لا يخطئ. بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال أنا أتوب في اليوم سبعين مرة أو مائة مرة ليعلمنا أن لا ندع السيئة تحيط بنا عندما نخطئ، تُب فالرسول صلى الله عليه وسلم وسبق وذكرنا أن توبة الرسول عليه الصلاة والسلام هي توبة عن توبة.
المقدم: إذن تعبير (وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ) يعني حاصرته وأرد به على كل الناس مثل الأخت التي تحدثنا عنها سابقاً التي قالت لا أعرف أن أعمل غير هذا العمل الذي اقوم به، إذن هي تريد أن تبقى محاصرة في خطيئتها.
د. هداية: القرآن قال (وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ) هذه الاية تعطينا ملمحاً جميلاً. هم قالوا (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً) هذا سبيل إلى أن يستمروا في الخطأ كأنه يهوّن العقوبة على نفسه، يسكتون الناس بأن يقولوا أنهم سيدخلون قليلا ويخرجون، لكن هذه سبيل لأن أقوم بكل الأخطاء وليس بخطأ واحد، هذه تدفع لعمل كل الموبقات فطالما قالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة يعني طالما أننا سندخل وسنبقى فقط اياماً معدودة قالوا إنها أربعين يوم أو سبعين يوم هي نار وهذا تمهيد من الشيطان أن تعمل ما بدا لك.
المقدم: ولو كان هذا الكلام صحيحاً لتحولت الدنيا إلى فوضى
د. هداية: لا يمكن إله أن يفعل هكذا. لما أسكتهم وأوقفهم (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ) أنهم لم أخذوا عهداً من الله بهذا لكان كلامهم كلاماً صحيحاً أم أنتم تؤلفون؟ ثم قال (بلى)، هذا تأليف وتلحين!. قال (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) الثانية هي الصح. السؤال المنفي أجاب عليه بـ (بلى). ثم أعطانا مثالاً خطيراً جداً سيعمله الذين قالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة. قال (بلى). لو كان قال بلى إن التوبة كذا أو إن الرجوع كذا، لا، لكنه قال مقلوب التوبة أن تبقى في المعصية فقال (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) أصبحت النار للذي لم يتب أو لم يعرف أن يتوب.
المقدم: والذي لم يعرف أن يتوب هذا حصل له بسبب تقصير من نفسه هو وليس من أحد آخر.
د. هداية: الله تعالى أعطانا التوبة مع بداية الدنيا مع آدم في الاية 37 من سورة البقرة وليس مع بداية اليهويدة أو النصرانية أو الإسلام. المولى عز وجل –إن صح التعبير- عمل لنا تدريب على المعصية وعلى التوبة. وقلنا سابقاً أن جنة آدم تدريب على التوبة أن تخطئ وترجع وشرحها لنا المولى تعالى (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ). أنا كابن آدم أعرف أن أُخطئ ثم إذا لم أعرف أن أتوب يأتي بمن يساعده. لما ترى أحداً من البشر أخطأ ولم يعرف ماذا يفعل تحاول أن تساعده.
المقدم: تحاول أن تكلمه وإذا لم تعرف أن تكلمه في موضوع ما ترتب له الأمور بحيث تأخذه لمن يساعده في المسألة ويكلمه.
د. هداية: وأنت تعملها لأن رب العالمين علّمها لنا لأننا أخذنا الدرس من هنا. ولذلك (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ) لو فكرنا فيها لقلنا يا لعدالة هذا الإله!. لو كان القرآن حكى لنا أن آدم لما قيل له لا تأكل من الشجرة لم يأكل وسمع الكلام فماذا كنا سنستفيد؟ لا شيء. العدالة الإلهية أن القرآن أعطانا المثال المنطقي لما قلنا لآدم لا تأكل لم يأكل لا نستفيد وتكون مجرد قصة! مثل أغلب البرامج الدينية الآن كلها تتكلم الصحابة عملوا الصحابة قالوا، يا أخي ماذا فعلنا نحن؟ أين التطبيق؟! أين الأسوة؟ نحن نحتاج لتطبيق والقرآن علمنا التطبيق. التطبيق جاء في القرآن آدم قال له المولى لا تأكل وإنما أكل ولما أكل وقف وزوجه نادمين يطلبان الحل فقال تعالى (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ). إذن الحكاية محكية كتدريب والتدريب يعطيني مناط "إياك أن تفعل ما في الآية 80 و81 في سورة البقرة (من كسب سيئة). ثم استعرضهم أنهم الّفوا تأليفة على الله وربنا تعالى رد عليهم (بلى).
المقدم: أليس هذا نوع من السذاجة أن يؤلف أحد على الله تعالى ثم يصدق كذبته ويبدأ يمارسها ويعتقد أنه سيدخل النار يومين ثلاثة ثم يخرج منها!
د. هداية: ولذلك القرآن في الرد عليهم جاء بمقلوب التوبة ولم يأت بالتوبة وإنما قال (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً) حتى يعلمنا أنه أنت كمسلم إياك أن تفعلها لأنك لو كسبت السيئة ستحاصرك.
المقدم: عندي إشكالية مع كلمة (كسب). المفهوم الذي أفهمه من كلمة كسب (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ (286) البقرة) (مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ (11) النور) أنا أفهم كسب أنها أكسب خيراً وليش راً فلماذا قال (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً) ولم يقل اكتسب؟
د. هداية: لأنه هنا تبين نقطة خطيرة، هم كذبوا كذبة فاعتبروها كسباً وليس اكتساباً.
المقدم: يعني المال الحرام والرشوة والزنا
د. هداية: أنها صارت حلال
المقدم: أن الرشوة صارت عمولة
د. هداية: ييعتبرونها أنها حقهم فالذي يقول لك هذه حقي إذن هذا كسب وليس اكتسب. ضُحك عليه لدرجة أنه أخذها على أنها كسب. في الاية (لَهَا مَا كَسَبَتْ) في الطبيعي أنك واعي تعرف ما هو كسب وما هو اكتسب، ضُحك عليهم لدرجة أنهم اعتبروها حقهم. لما تتكلم معه يقول لك هذا من حقي ويقول لك أنا سهلت له الأمر والموظف العام نفسه يقول لك هذه عمولة وليس رشوة.
المقدم: البعض من الراشين قالوا هذا الموظف يعيش في غرفة صغيرة ويخدم كم ألف من المراجعين المواطنين وفي النهاية يأخذ مائتي جنيه فكيف سيعلم أولاده وكيف سيعالجهم؟ وهذه الرشوة مساعدة له حتى يربّي العيال. السؤال: هذه المساعدة نسأل هل أرسلت له المساعدة إلى بيته أو أنك عندما ذهبت له في الدائرة يقضي لك مصلحة ثم أعطيته المساعدة؟!
د. هداية: إذا أرسلت له المساعدة إلى بيته تكون مساعدة. وهذا الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم "ألا مكث في بيت أبيه وأمه وينظر أُيهدى إليه أم لا". لهذا قال (كسب) كل الكلام يصب في معنى واحد.
المقدم: أتخذتم عند الله عهدا
د. هداية: لو أخذوا عند الله عهد طمأنهم المولى عز وجل لأنه سبحانه لا يغيّر كلامه (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ (29) ق). (أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) لم يقولوا بعلم وإنما قالوها بجهل وليس بجهالة. سنتعرض في الحلقة القادمة لمسألة الجهالة (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ (17) النساء) والفرق بين جهل وجهالة. (مَا لاَ تَعْلَمُونَ) أي تجهلون. قال لهم (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً) لم يقل اكتسب لأنهم هم عملوها هكذا هم كذبوا وصدّقوا واصبحت حقيقة بالنسبة لهم أنهم سيدخلوا النار قليلاً ثم يخرجوا، هم الذين وضعوا القرار وصدّقوه!. قال المولى (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) كأنه يريد أن يقول لك أن سبيل الجنة التوبة أن السيئة لا تحيط بنا ولا تحصرنا فنكرر الوقوع في نفس الخطأ.
المقدم: أتوصر أننا نحتاج أن نقول أن كل واحد في مكانه مسؤول وسيساله رب العالمين. لما تكلموا عن الفساد في بعض الدوائر قالوا أن أحياناً هناك تعمّد أن تكون الإجراءات معقدة حتى المواطن البسيط لا يمكن أن يحصل على الخدمة الحلال حتى يتمكن الموظف من أخذ الرشوة.
د. هداية: لا يمكن أبداً أن أصدّق أن القانون وضع لهذا، لا أؤمن بنظرية المؤامرة بالكامل. لأن الذي يضع القانون لا يعمل كل شيء لوجه الله فالشيطان هو الذي يجعله يخطئ أخطاء التي تعتبرها مقصودة ليأكل الحرام لأنك اساساً أنت لا تتقي الله في غير هذه فلا يوفقهم المولى. قد لا تكون مقصودة في حد ذاتها لكنها سبيل للأكل الحرام. إما أن يكون الطريق صح من أوله لآخره لأن فيه ابتغاء لوجه الله وهذا سبب لأن يعرض القرآن هذه الآية. القرآن لما يعرض الآيات يريد أن يفهمنا أن الأمور الصح تبقى صح للأخر والأمور الخطأ تبقى خطأ للآخر. فجاء بالاثنين (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً) ثم تكلم عن المؤمنين (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) ولم يتكلم عن التوبة
المقدم: لأنهم لما تابوا جددوا الإيمان
د. هداية: الإيمان سيضبطهم
المقدم: سبحان الله. جزاكم الله كل خير يا دكتور. كما ترون هما صنفان إما أن تشتغل في الحرام إلى أن يحيط بك الحرام ويمنعك أن تتوب أو أن يفيق الإنسان بسرعة ويكون من الذين جددوا الإيمان ولا يكون من الذين آمنوا فقط بلسانهم وإنما ممن آمن بلسانه وقلبه وعمله وفعله يصدق على هذا الإيمان الذي قيل بالقلب وقيل باللسان. كيف نفعل هذا وكيف نكمل مشروع التوبة؟ إن شاء الله في اللقاء القادم إن كنا من أهل الدنيا. نراكم بخير وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 5/5/2009م

ميارى 29 - 7 - 2010 03:33 AM

التوبة والاستغفار 104
تقديم علاء بسيوني

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم. الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمتهوبركاته. موعد ولقاء جديد نخطو فيه سوياً خطوات على طريق الهداية.اليوم في قضية التوبة سنتكلم عن قصص من القرآن الكريم ربنا يتكلم فيها عن اليهود وقوم موسى عليه السلام وفي الحلقة الماضية ذكرنا أن هذه القصص ليست للتسلية وإنما لنأخذ العبرة بأن لا نُخطئ مثلما أخطأ من قبلنا. وهذا أول توصيفات الإنسان الذكي الفطِن أن يتعلم من الأمم السابقة ويتعلم من أخطائهم فلا يقع هو في هذه الأخطاء والمفروض أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن لا تكون مثل أولئك الأمم السابقين وإنما علينا أن نكون أفضل الأمم حسب توصيف القرآن الكريم. لما ننظر نظرة سريعة في القصص سنجد أن اليهود طلبوا أن يروا ربنا وعبدوا العجل بعد أن تركهم موسى عليه السلام للقاء الله، عملوا أشياء عديدة ومع هذا ربنا يسامحهم ويعفو عنهم ويعطيهم منحاً كثيرة جداً ثم يكفروا بأنعم الله، لماذا فشلوا في عملية التوبة؟ ونحن نريد أن ننجح فيها، سؤال مهم جداً وبسيط يحتاج لأن نفتح له آذان القلوب.
أرحب أولاً بضيفي وضيفكم فضيلة الدكتور محمد هداية. عندي أسئلة كثيرة في القصص القرآني عن اليهود. بنو إسرائيل أتعبوا سيدنا موسى عليه والسلام وأتعبوا نحن وما زالوا إلى الآن. والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "رحم الله أخي موسى أوذي بأكثر من هذا وصبر"
د. هداية: إن صح الحديث
المقدم: لكن المعنى صحيح وواضح وحقيقي. موسى عليه السلام لما بُعث في قومه كان المنهج واضحاً كما كان واضحاً مع عيسى عليه السلام ومع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. قبل أن نبدأ الكلام رغم هذا المنهج الواضح ما الذي يجعل الناس ترفضه؟
د.هداية : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. القاعدة الأساسية أن العداوة التي بيننا وبين إبليس أنه هويعمل بشكل مستمر ويطبّق ما قاله في القرآن يعمل آناء الليل وأطراف النهار لا يكل ولا يمل ويسخر من شياطين الإنس هم ألعن منه على بين آدم، هذا الذي لا يدع هؤلاء الناس يعودون إلى ربهم. نحن أطلقنا الآذان إلى وسوسة إبليس وهناك أمور تحصل -سنتكلم عنها في وقتها- تطرح عَرَضاً في بعض البرامج أنه إذا كان الرسول سُحر فإذا حصلت لك أنت فهي ليست مشكلة حتى يصدق الناس هذه العملية ويخرج القرآن كما ذكرنا في حلقات سابقة عن وظيفته إلى وظائف أخرى، القرآن منهج له وظيفة.
المقدم: أتمنى أن نعمل دعوة لمؤتمر ولعمل لجنة لدراسة هذه الأحاديث، نحن نحترم جميع الآراء لكن يجب أن يعاد استقراء هذا الكلام مرة أخرى لأنه لو قبلنا بفكرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم المعصوم الذي قال المولى عز وجل في محكم التنزيل (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (67) المائدة) وكان هناك حراسة بشرية تحرسه فلما نزلت هذه الآية صرفهم وقال إن الله تعالى تعهد بحفظي. أنا كإنسان مسلم لو وُلِدت في عصره صلى الله عليه وسلم وجالس في مجلس علم وهو ينزل عليه الوحي فبعد أن ينتهي ويخبرنا بآيات القرآن الكريم التي أوصلها جبريل له من عند المولى سبحانه وتعالى أقول للناس انتظروا حتى نتأكد ونرى إذا كان الرسول مسحوراً أم لا؟!.
د. هداية: في الحلقة السابقة عرضنا الآية (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً) وشرحنا للناس أنها (وقالوا) واليوم في بعض البرامج هناك من يقول لا تصدق هذا الكلام ويتكلم كلاماً من عنده هو، القرآن يقول كذا والرسول صلى الله عليه وسلم يقول قولاً وهذا الشخص يقول قولاً من عنده هو لا من القرآن ولا من السنة، ويبدأ يقول قولاً مرسلاً ليس له سند. كالذي يقول أي شيء تفعله للميت يصل إليه، مع احترامي للجميع، هذا قول من؟ هذا ليس كلام الله تعالى ولا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم. هذا خطأ، هم يظنون أنهم يشرحون الحديث ولكنهم يشرحونه بشكل خاطئ. حديث "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث، إلا من صدقة جارية" يقولون اعملها أنت له، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول "إنقطع عنه عمله" عمله هو، هؤلاء يلغوم كلام الرسول وكلام القرآن ويقولون اعمل له أنت صدقة جارية! ويقولون أنه يجوز ذلك، من أين أتوا بجوازها؟! هذه مثل (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً) هذا قول مرسل. نحن اليوم أصبحنا هكذا.
المقدم: بعض الناس تقول هذا الكلام باعتبار أن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المواطن والمواقف قال لو كان على أبيك دين كنت ستوفيه.
د. هداية: هذا موضوع آخر. الدَيْن حقّ، هذا الدين للبشر وليس لله والبشر يجب أن يأخذ حقه وهذا موضوع منتهي. والرسول صلى الله عليه وسلم شرحها هكذا، إذا كان على الميت دين سدّده عنه. إنما لما القرآن يقول (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً (97) آل عمران) من استطاع يعني إذا لم تكن مستطيعاً انتهت المسألة فأقول أنا حج عن فلان؟! أكون قد قيّدت القرآن هكذا. نحن سنأخذها باستفاضة في حلقات قادمة لكن هذا مثال رد على سؤالك ما الذي يجعل الناس تفعل هذا؟
المقدم: تنفلت عن المنهج.
د. هداية: لماذا؟ لأنهم ألغوا المنهج.
المقدم: ولأنهم يصدقون ما يقال عن السحر. بخصوص موضوع السحر تذكرت ما نُشر في بعض الصحف الإسرائيلية عن بعض كبار الحاخامات اليهود الذين يعملون بالسحر الأسود الموجود في التوراة عندهم وقالوا أنهم تمكنوا من سمّ عبد الناصر،
د. هداية: نحن سبق وقلنا لو كانوا سمموا لعبد الناصر فلماذا تركوا السادات والرئيس مبارك؟ هل هم يحبونهم؟ هذه نعرة كاذبة
المقدم: ولماذا لم يعمل هذا السحر في 1973؟
د. هداية: ليس هذا فقط وإنما هناك شيوخنا وأساتذتنا وعلماؤنا؟ هو لو تمكن من أحد من علمائنا فلن يسكت. لذا يجب علينا أن نُعمِل عقولنا.
المقدم: إذن الناس تنفلت عن المنهج لأنه لم تدرس المنهج بداية.
د. هداية: أولاً بإلغاء المنهج والكلام قول مرسل أن أتكلم قول مرسل ثم نصدقه ثم يتحول الكلام الفارغ إلى أصول.
المقدم: ويقولون ألا يقول الدين هذا؟! اليهود آمنوا بالله وقالوا (إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ) دائماً وأبداً العلاقة مع الله – قلنا في الحلقة الماضية- لم يسألهم المولى لما قالوا (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً (80) البقرة) لم يسألهم هل موسى قال لكم هذا؟ أو عيسى قال لكم هذا؟ أو محمد قال لكم هذا؟
د. هداية: هذا القول تأخذه من الله سبحانه وتعالى مباشرة.
المقدم: (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا (80) البقرة) مباشرة هل وعدهم الله بهذا؟ حتى المسميات جاءت من هذه العلاقة بين العباد وبين الخالق. الذين آمنوا بالله قالوا (إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ) إسمهم يهود والنصارى وهذا وصفهم الصحيح (مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ (14) الصف) لم يقولوا أنصار عيسى، إذن لا نقول عنهم المسيحيين وإنما النصارى فالمسيحي ينسب نفسه إلى بشر، إلى نبي والمفترض أن ينسب الإنسان نفسه إلى الله تبارك وتعالى ليس لأي رسول مهما علا قدره ومهما كان دوره.
د. هداية: في خواتي سورة الفجر قال المولى عز وجل (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29)) (عبادي) هذه إنتساب إلى الله وهذا ليس نسباً كما يفهمها البعض. سابقاً قلنا أن كلمة عبادي لو حذفنا الياء وبحثنا في القرآن نجد عباد الرحمن في خواتيم الفرقان، فالنفس المطمئنة تكون في عبودية الرحمن.
المقدم: اليهود رغم كل هذا الكلام (إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ (156) الأعراف) بمجرد أن تركهم موسى اتخذوا العجل وقالوا (اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا (138) الأعراف) والسامري يعمل هذا العجل، وهذا فيه تزيين أيضاً لأنهم هم سرقوا الذهب من المصريين وحليّهم فاعتبروها سرقة فقالوا يجب أن نرمي هذا الذهب المسروق في النار ونذيبه، فأذابوا الذهب في النار ثم عملوا منه عجلاً وقالوا هذه هو إلههم. موضوع التوبة الذي نتكلم فيه، هذا نوع غريب من التوبة، فهل هذا النوع من التوبة موجود؟
(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54) البقرة)
المقدم: الطلب أنكم ظلمتم أنفسكم لما عبدتم العجل وحتى تتوبوا يجب أن تقتلوا أنفسكم ذلك خير لكم عند بارئكم (بارئكم) لم يقل ربكم، وكررها مرتين، توبوا إلى البارئ ثم كررها (ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ)
د. هداية: لم يقل الله ولا ربكم ولا خالقكم
المقدم: ما الفرق بين الخالق والبارئ؟
د. هداية: الآية خطيرة وفيها ملحوظة أريد أن نطبقها على من يعبد غير الله هل له توبة؟ قبل محمد صلى الله عليه وسلم لكي تتوب عن هذه المعصية تقتل نفسك، هل فكرنا لماذا؟ إنتبه للتوقيع القرآني في الآية أن موسى عليه السلام قال لهم أنهم ظلموا أنفسهم لما عبدوا غير الله ولم يظلموا الله تعالى حاشاه. الإشارة أنهم ظلموا أنفسهم باتخاذهم العجل، لو انتبهنا لكلمة اتخاذكم العجل (ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ) اتخاذكم العجل لم يقل عبدتم العجل
المقدم: كأن المعنى المقصود اتخذتم العجل إلهاً.
د. هداية: لم يقل إلهاً ولم يقل عبدتم وإنما قال اتخذتم. فالمفروض عندما تسمع (بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ) نفهم أنهم اتخذوا العجل إلهاً لكن لم يقلها القرآن نفهم منها أنه كبيرة وأنه عمل لا يوصف، الخَبَل عندهم وصل إلى درجة الجنون بحيث أن القرآن لم يقل إله ولم يقل عبدتم وكرر كلمة اتخذتم. تخيل مثلاً أن الصنم أرحم من العجل!.
المقدم: هناك آية تتكلم عما قيل من اليهود (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ (30) التوبة) ربنا يتكلم عن أن أيّ قوم من الناس يقولون أن الله تعالى حاشاه له ولد أو يمكن أن يولد أنه (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) مريم) كأنهم يقولون أمراً عظيماً ومصيبة، هل هذا نفس معنى الآيات التي معنا؟
د. هداية: هذا الكلام قيل، نحن سمعنا الآية (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) هذا الكلام قيل لكن أن تقول أنهم اتخذوا العجل إلهاً لم يذكرها القرآن، لم يقل لهم اتخذتم العجل إلهاً ولم يقل لهم عبدتم العجل وإنما نحن نفهمها من قوله تعالى (بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ) نعيد سماع الآية لننتبه إلى كلمة اتخذتم ولم يقل عبدتم ولم يقل إله.
المقدم: نأخذ فاصلاً ثم نجيب لماذا قيل هذا وكأن القرآن يرفض هذا الاعتقاد الفاسد؟
------فاصل------
المقدم: السؤال صعب جداً لأن المفترض أمر كبير جداً والقرآن الكريم بحسب تصوري لم يرد المولى تعالى أن يكون هناك تسجيل في القرآن الكريم أن هؤلاء عملوا العجل إلهاً، عندما تقول هناك صنم أو هناك من يعبد بشراً لكن أن تعبد عجلاً هذه فيها مهانة للعقل البشري وللفطرة السليمة.
د. هداية: حتى أريك صدق الفكرة أنه في قصة إبراهيم عليه السلام ساعة اعترض على الأصنام قال لهم هذا (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً) هذه مقبولة. إبراهيم قال لأبيه ولآزر لأن القرآن مرة قال لأبيه من دون آزر ومرة قال لأبيه آزر فقلنا أنه ليس أبوه وإنما عمه، هو قريبه من ناحية الأب إما عمه أو إبن عم أبوه، جده، قال لهم (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً (74) الأنعام) لكن العجل غير مقبول. لأن الصنم أنت الذي عملته لكن العجل فهو مخلوق خلقه الله تبارك وتعالى. الصنم ليس مخلوقاً وإنما مصنوعاً بينما العجل مخلوق هذا ليس فيه تمييز، هذه قضية خطيرة، لم يقال عنه إله ولم يقل أنهم عبدوه وإنما قال (بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ) فالقرآن ألقى هذه الكلمة ونحن نفهمها ونميزها.
المقدم: إتخاذكم العجل معناها عبدوه
د. هداية: وهذا يوضح قُبح الفكرة، الفكرة الفكرة أقبح من أن توصف
المقدم: لماذا كان الموضوع أنه حتى يتوبوا إلى البارئ يجب أن يقتلوا أنفسهم؟ رغم أن المفترض في شرعنا الذي يقتل نفسه يكون كافراً.
د. هداية: الإله الحق خلقهم وخلقهم تضمن النفس أو الروح (النفس هنا تعبير عن الروح) وهنا حتى يقتلوا أنفسهم يعني يزهقوا الروح فتعود إلى الله سبحانه وتعالى. هذه مسألة خطيرة في الفهم. أنت تريد أن تتوب إلى إله خلقك وعملك الروح وأنت عبدت غيره رُدّ له الروح إن صح التعبير.
المقدم: وكأن هذا الموضوع لو أنتم مؤمنين بحق تعرفون أن الوحيد الذي يمكن أن يحيي الميت هو خالق هذه الروح وكل المخلوقات.
د. هداية: فكأنك تعيدها له تأدباً حتى تكون استغفرت وتبت.
المقدم: وكأنك تعود (خام) مرة ثانية لم يلوثك فكر العبودية
د. هداية: وهذه النقطة كانت لغاية بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم. فببعثة الرسول الذي كان كافراً ويريد أن يسلم يعتبر إسلامه توبة من ناحية التوصيف اللغوي أن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، هذه هي العودة، لا يقتل نفسه لأنه ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم بمجرد أن يُسلم يكون تاب، توبته هي إسلامه.
المقدم: الصياغة هنا ماضي (فَتَابَ عَلَيْكُمْ) ثم قال (ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ) لو كان الإنسان هو الذي يصيغ الجملة لقال لو أنتم تريدون أن توبوا اقتلوا أنفسكم ذلك أحن عند بارئكم فيتوب عليكم، هم لم يقتلوا أنفسهم وجاء بالفعل الماضي (فَتَابَ عَلَيْكُمْ) لماذا؟
د. هداية: أنه هداهم لهذا. كيف تمت المسألة؟ هناك ناس عبدوا العجل وناس لم يعبدوا فالذي عبد العجل يسلِّم نفسه للذي لم يعبد العجل ليقتله، الذي يقتل هو الذي لم يعبد العجل، يقتل واحداً من الذين عبدوا العجل هو الذي يقول له اقتلني، هذا تفسير فاقتلوا أنفسكم، كيف تقتل نفسك؟ تذهب لواحد من الذين لم يعبدوا العجل فتقول له اقتلني، الذي يقتله الذي لم يعبد العجل، هذا أحد الأقوال وهذا منطقي جداً وأصح ما قيل أنه هو يقدم نفسه للذي لم يتخذ العجل ليقتله. (فَتَابَ عَلَيْكُمْ) بصيغة الماضي يعني بهدايتكم إلى الفعل مثل (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) يعني هو تواب من قبل غلطتك، تاب عليك يعني هداك لهذه التوبة فجاءت بصيغة الماضي والذي سيسلِّم نفسه يكون قد تاب عليه فعلاً.
المقدم: هل هناك علاقة بين الكلام الموجود في الآية موضوععبادة العجل والسورة التي فيها الآية وسامها سورة البقرة وأن فيها أمر إلهي لليهود أن يذبحوا بقرة؟ لماذا بقرة تحديداً؟
د. هداية: حتى يُخرج العجل من قلوبهم.
المقدم: (وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ (93) البقرة)
د. هداية: لما تذبح تقول للرجل الذي ستشتري منه تريد بقرة أو عجل؟ عجل نذبحه، هذه هي حتى تنظّفه، أنت تنظف عقيدة. الهنود لا يذبحوا البقر أول ما يأتي رجل هندي ليُسلم يقول له الشيخ إذا كان واعياً إذبح بقرة لأنه كان يعبد البقر فحتى يتأكد أنه أسلم عليه أن يذبح البقرة.
المقدم: نعود لمسألة التوبة
د. هداية: هنا التوبة بقتل النفس لأنك غيّرت الإله أو عبدت غيره أو اتخذت غيره، فحتى تتوب هنا يجب أن تعيد الروح لصاحبها لأنها أعظم ما فيك.
المقدم: هناك آية أخرى في سورة الزمر (تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)) هذه الآية ترد على كل الناس الذين قالوا أولياء وغيرهم، والست فلانة (ونحن لا تطعن في أحد من آل البيت كما قد يظن البعض)، نحن لسنا مشركين بالله، الآية واضحة قالت (أولياء)
د. هداية: الآية فيها نقطة خطيرة جداً. لو لاحظنا الآية 3 فيها كلمة (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء) ماذا قالوا هم؟ (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا) هل هذا منطقي؟! نحن اتخذناهم ليقربونا لله فلماذا عبدتموهم؟! أنتم قلتم، أنتم تتخذونهم واسطة إلى الإله الحق لكنهم قالوا ما نعبدهم!. هذه الآية في منتهى الخطورة وهي كذب وافتراء واقع هم يعيشوه، كذبوا وصدّقوا، أنتم تقولون اتخذناهم ليقربونا إلى الله زلفى، هذا سبيل أو واسطة ولم تقولوا أنتم اتخذتموه إلهاً وإنما قلتم اتخذتموهم أولياء لكن في الرد قالوا (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا) إذن أخذوهم معبود.
المقدم: ما الذي يجعلهم يقعون في هذا الخطأ؟ هل هو عن عمد أو عن جهل بأنهم صدّقوا الكذبة؟. ثم نقف عند كلمة (مِن دُونِهِ) هل تعني من غيره أو أقل منه؟
د. هداية: بالمنطق، أقل منه.
---------- فاصل------------
المقدم: هل (مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء) لم يقولوا عبادة، من دونه هل تعني من غيره في اللغة أو تعني من الدونية أنه أيّ أحد غير الله سيكون في مرتبة ومنزلة أقل بكثير من الإله الخالق الرب البارئ؟
د. هداية: البارئ كلمة في البقرة خطيرة، هذه الآية خطيرة جداً أنهم قالوا (مِن دُونِهِ) في البداية هذا دليل كذبهم قالوا (أولياء) يعني اتخذوهم واسطة بغض النظر إن كانت مقبولة أم لا، ثم قيل (مَا نَعْبُدُهُمْ) نسأل سؤالاً لغوياً لماذا لم يقولوا نتخذهم؟ وقيل (اتخذتم)؟ لما هم قالوا أنطقهم الله تعالى بالحق، الشرك يصل بهذه الواسطة أنهم انتقلوا من الوساطة إلى العبادة في لحظة (مَا نَعْبُدُهُمْ). نحن انتقلنا من مسألة العجل إلى مسألة الأولياء، أنتم تأخذونهم واسطة ثم حولتموهم إلى عبودية!، كيف نبدأ وأين ننتهي؟!
المقدم: لو ذهبت إلى الأضرحة وتسمع خطاب بعض الناس يقولون يا فلان ويا فلانة وليس الله! لو نجحت ابني سافعل كذا وكذا، لو شفيت فلان! أصبح بنظرهم أن الذي يشفي ويفعل هو مخلوق وليس الخالق!
د. هداية: صياغة الآية 3 في سورة الزمر مع آية اتخاذ العجل في البقرة خطيرة (كلمة اتخذتم) وكلمة (باتخاذكم العجل). كانت التوبة هنا أنه لو كان هو يريد أن يتوب يقتل نفسه، هذه انتهت الآن لا يقولن أحدهم أريد أن أتوب فأقتل نفسي! لو تريد أن تتوب الآن تقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، بالإسلام.
المقدم: لأن الإسلام يجُبّ ما قبله، كأنك تولد من جديد.
د. هداية: شريعة محمد صلى الله عليه وسلم أنك تقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، توبة المشرك والكافر والمنافق وتوبة العابد لغير الله، وتوبة الأولياء والأضرحة أن تقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. والآية 3 في الزمر تدعونا أن نتنبه أنتم تكذبوا على أنفسكم، الصياغة اللغوية في الآية أنهم بدأوا بالقول أنهم سبيل ووساطة لكن الصياغة خطيرة بدليل أنهم قالوا بعدها (مَا نَعْبُدُهُمْ).
المقدم: إذن أي واحد حتى لو كان عنده عقيدة فاسدة لا يحتاج أن يتقل نفسه إذا أراد أن يكفِّر عن سيئاته وإنما
د. هداية: ايقول اشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لكن عليه أن يتّبع هذا الإله الحق كتاب ومحمد صلى الله عليه وسلم سُنّة.
المقدم: ليس هندوس وسيخ وبقر وغيره!
د. هداية: التوبة تجُبُّ ما قبلها بالنسبة للمؤمنين والاسلام يَجُبُّ ما قبله بالنسبة لغير المؤمن سواء كان مشرك، منافق، كافر، عاصي، ملحد، كل التوصيفات، يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله يجُبّ ما قبله. مثل مرتكب الفحشاء والمنكر في ديننا يقول تبت إلى الله، انتهت المسألة ولا يحتاج إلى أن يقتل نفسه.
المقدم: ولا يحتاج أن يضرب نفسه كما يفعل البعض تكفيراً عن ذنب قتل الحسين رضي الله عنه.
د. هداية: لنقرأ الآيات حول موضوع رؤية الله تعالى حتى نختم موضوع التوبة الحقيقية هنا، عندي ملمح خطير في الآيات التي طلب فيها اليهود رؤية الله وكذلك طلب موسى عليه السلام رؤية الله عز وجل. لكن انظر كيف طلب موسى وكيف طلبوا هم؟ وكيف كانت التوبة هنا وكيف كان الحل هناك؟
المقدم: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) البقرة) هل ترى في سؤال اليهود ضعف إيمان؟ هل هذا لعب صبياني، ألم يقولوا نحن آمنا موسى، نحن أتباعه، هل عادوا في كلامهم؟ هل هذا لعب صبياني؟ وقالوا لن نؤمن لك وليس لله.
د. هداية: هناك مسألة أخطر في قوله تعالى (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ) ينظرون إلى ماذا؟ هل يبحثون لرؤية ما طلبوه؟ هم طلبوا من موسى أن يروا الله ويتوقعون أنهم سيرونه وسينفذ موسى لهم ما طلبوا، هذه في منتهى الخطورة كأنهم يسيرون في العبودية على هواهم لم يسلّموا لله تعالى ولا لموسى عليه السلام، (وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ) هو لم يقل لكم انظروا وإنما هم طلبوا ونظروا يظنون أن ما طلبوه سيتحقق وهذه خطورة أنك أنت الذي تعمل المنهج أو تعمل الدين.
المقدم: ما الفرق بين طلب اليهود رؤية الله وطلب موسى عليه السلام؟
د. هداية: يجب أن ننتبه إلى أن طلب موسى عليه السلام فيه تأدب نبيّ، تأدب رسول، هو طلب الطلب لكن يقول للمولى (رَبِّ أَرِنِي)
وفي الأعراف (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143))
المقدم: آية واحدة وفيها عدة أسئلة، هل الفرق بين طريقة طلب موسى بأدب وبين طلب اليهود بغير أدب الرؤية جعلت رد الفعل مختلفاً؟ كيف؟ هم (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ) (ثم بعثناكم) يعني ماتوا، أما موسى (فَلَمَّا أَفَاقَ)
د. هداية: يعني نومة صغيرة، غيبوبة. هم تجرأوا بطريقة ليس لها تمهيد ولا مناط، هم قالوا (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً) هذه قلة أدب، بينما موسى عليه وسلم كان هناك تمهيد جعله يطلب هذا الطلب
المقدم: مسألة أنه كليم الله.
د. هداية: نعم، الآية تقول (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) كأن كلّمه ربه أعطته بعض التمهيد ليطلب رؤية المولى.
المقدم: ولهذا الآية التي بعدها مباشرة قال تعالى (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ (144) الأعراف) إحمد الله على هذا.
د. هداية: القرآن يعلمنا نقطة، البعض قد يسأل كيف موسى كنبي يطلب مثل هذا الطلب؟
المقدم: مثل طلب إبراهيم عليه السلام (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي (260) البقرة)
د. هداية: يريد أن يثبت الإيمان عنده. إبراهيم عليه السلام طلب شيئاً وأجيب إلى طلب آخر. هو سأل (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى) سألنا سابقاً سؤالاً وقلنا هل الإجابة على هل أو على كيف؟ الإجابة على هل وليس على كيف لأنه لم يعلمه كيف يحيي الموتى. والقرآن يريد أن يعلمنا أن كيف لا ينفع أن نسأل عنها. هذه قدرة الله. أجابه المولى تعالى على (هل) ولم يجبه على كيف. لماذا ترك كيف؟ لأنه وارد أن تردك الفكرة كمسلم. كان هناك تمهيد جعل موسى عليه السلام يطلب هذا الطلب أما هؤلاء اليهود ما الذي جعلهم يطلبون هذا الطلب؟. أولاً (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا) المولى عز وجل أعطى الموعد لموسى عليه السلام وكلّمه هذا شجّعه إن صح التعبير. المولى عز وجل أعطى مناطاً وتميهداً لطلب موسى عليه السلام أما اليهود قالوا فجأة (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً) هذا طلب غريب جداً. ثم قال (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ) لم يقل لكم انظروا
المقدم: فكأنهم اشترطوا على ربهم وطلبوا الطلب ومتوقعين تنفيذه
د. هداية: ولذلك الصاعقة عندهم عملت لهم إماتة، حصل لهم وفاة أقصد بالوفاة الموت وليس النوم لأن بعض علماء اللغة قالوا عن النوم موتة صغرى. طالما قال (بعثناكم) وليس أيقظناكم معناها أنهم ماتوا. في موسى عليه السلام قال (فَلَمَّا أَفَاقَ) يعني كانت غيبوبة صغيرة لا موت ولا وفاة ولا نوم لأن هناك مناط لطلبه.
المقدم: طمِع. لماذا أول ما أفاق قال موسى عليه السلام (سُبْحَانَكَ)؟
د. هداية: تنزيه أنه أخطأ
المقدم: ولذلك قال (تبت إليك).
د. هداية: هنا قال (قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ)
المقدم: ماذا يعني أول المؤمنين؟
د. هداية: أول المؤمنين هنا ليست بالترتيب الزمني وإنما المراد أنه لو أتى بالمؤمنين من عهد آدم إلى يوم القيامة أنا أول المؤمنين يعني أشدهم، هنا (أول) يعني شدة في الأداء وليس توقيتاً زمنياً. وهنا لا يوجد أول وتاني وثالث ورابع حتى في القراءة لما تقرأها أنت ستكون أول، أول من القوة في الأداء والشدة في الأداء، أنا اشدهم لأني جربت. قال سبحانك تبت لا يوجد ضمائر ولا فاصل لم يقل سبحانك إني تبت إليك. سبحانك هذا تنزيه لله تعالى لأن موسى أخطأ، هناك تأدب في طريقة الطلب، الطلب له مناط وهناك تأدب في طريقة الطلب فقال له (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ) يعني أنا لن أعرف أن أراك. الإجابة من الله تعالى كانت مبدعة في نقطة تطمئننا أننا سنرى في مرحلة ما لأنه كان يمكن للمولى أن يرد عليه أنا لا أُرى نهائياً لكنه قال (قَالَ لَن تَرَانِي) أنت يا موسى الآن، يمكن بعدها أن تراني.
المقدم: هل من أسباب عدم قدرتنا على رؤية الله في الدنيا غير موضوع أن أجسادنا لا تصلح لهذا وأننا إن شاء الله تعالى في البعث وفي الجنة إذا كنا من أهلها سنوضع في أجساد أخرى قادرة على الحياة الخالدة في الجنة أنها لا تشيخ ولا تتغوط ولا تمرض ولا تتعب فهل لأن أجسادنا لا تنفع أن ترى النور الإلهي، وسبب آخر أنك أنت إنسان مليء بالذنوب والمعاصي لم تتطهر بعد فلا يمكنك أن ترى الله في الدنيا وإنما تراه في الجنة وأنت طاقة النور (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) القيامة) أليس هذا توصيف أهل الجنة أن لهم نوراً يسعى بين أيمانهم؟
د. هداية: هناك أمر أعظم من هذا، قد يكون كلامك منطقياً لكن الدنيا لم تُجعل لهذا في مطلع البقرة قال تعالى (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ (3)) هل مع الغيب أين؟! كأنك تريد أن تلغي الامتحان كله وتريد أن تفسد المسألة كلها.
المقدم: القضية غيبية وأنت امتحانك في الدنيا ولهذا في موطن آخر في القرآن الكريم قال (وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ (8) الأنعام)
د. هداية: هذا إمتحانك أنت في الدنيا هو إيمانك بالغيب، وقلنا سابقاً أنه ليس من باب الصدفة قال تعالى (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) الذي يؤمن بالغيب لن يقول أرني. ولذلك هناك نقطة أخطر (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) كأن الجبل يصلح لهذه التجربة لا أنه يصلح أن يطيق. (وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ) الجبل يصلح للتجربة، البعض يسأل لماذا الجبل؟ لما أنزل القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم قال (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) المزمل) وقال تعالى في آية أخرى (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (21) الحشر). نشرحها في الحلقة القادمة إن شاء الله.
المقدم: جزاكم الله كل خيير. موضوعات جميلة تخرد من النقاش ما شاء الله هامة جداً وأهميتها ليس لأننا نحن نقول هذا الكلام وإنما هو فتح من الله سبحانه وتعالى ولكنه مهم لأن العقيدة الإسلامية مهمة جداً لأن هذا سلاحك في مشوار الحياة الذي به ستتمكن من أن تستخدم سلاح مهم أيضاً وهو سلاح التوبة أنك لما تخطئ ترجع لربنا وتعود لربنا يقبلك بإذن الله. نكمل المسيرة إن شاء الله في اللقاء القادم، نراكم بألف خير، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 12/5/2009م

ميارى 29 - 7 - 2010 03:36 AM

التوبة والاستغفار 105
تقديم علاء بسيوني


المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم. الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمتهوبركاته. موعد ولقاء جديد نخطو فيه سوياً خطوات على طريق الهداية. تصور أن يكون هناك مخلوق أو شيء ربنا سبحانه وتعالى خلقه أو عمله وأنك تستكبره جداً في طياته إهانة لعقلك الذي صدّق أن هناك شيء ممكن أن يصعب على الله تعالى أو تكبر عليه. الناس رأت الجبال عظيمة وراسخة وبدأت تسأل عنها في أكثر من موضع في القرآن الكريم ربنا يقول الجبال شيء صنعه الله تعالى لكن هناك خطأ في مفهومنا نحن. ما هو هذا الخطأ؟ وما هي الآيات التي تكلمت عن هذا الموضوع؟ وتكلمت عن تصحيح المفاهيم عن الإنسان الذي لديه فطرة سليمة. هذا موضوع حلقتنا لهذا اليوم في طريق الهداية. أرحب أولاً بضيفي وضيفكم فضيلة الدكتور محمد هداية.
أبدأ بسورة المزمل والله سبحانه وتعالى يتكلم عن القرآن الكريم ويصفه بقوله (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (2) المزمل) وسنتكلم عن سورة الحشر وطه. نستمع إلى الآيات في سورة المزمل:
(يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ﴿١﴾ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿٢﴾ نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ﴿٣﴾ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا ﴿٤﴾ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ﴿٥﴾ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ﴿٦﴾ المزمل)
الرسول صلى الله عليه وسلم بعد النبوءة (زملوني، زملوني) دثروني دثروني.
د. هداية: ما زلنا في النبوءة في سورة المزمل أما الرسالة فهي في سورة المدثر.
المقدم: ربنا يقول (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ﴿٥﴾ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ﴿٦﴾). نشرح هاتين الآيتين وعلاقتهما ببعض ثم نتكلم عن قوله تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) طه) وقوله تعالى في سورة الحشر (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (21)). نربط الآيتين في سورة المزمل أولاً مع بعضهما، القول الثقيل ما هو موطن الثقل؟ ما معنى أشد وطئاً؟ وما معنى أقوم قيلا؟ وما معنى ناشئة الليل؟
د.هداية : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. نحن نتكلم في هذه الآيات بعد أن تكلمنا في الحلقة السابقة عن مسألة رؤية الله تبارك وتعالى ساعة طلب موسى (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ (143) الأعراف) الإجابة من الله تبارك وتعالى قال (قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا) عندما تسمع قوله تعالى (وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ) ستذهب تفكيرك إلى قوة الجبل وتحمله وحجمه. المولى عز وجل أجرى التجربة للبشر عن طريق موسى عليه السلام في قرآننا بالجبل. موسى عليه السلام ونحن نعلم أنه نبي رسول من أولي العزم ولا يحتاج إلى إثباتات، إذا تكلم الله سبحانه وتعالى صدّق موسى وفي الحلقة السابقة ذكرنا أنه قال (قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ). كان هناك مناط أن يطلب موسى من ربه الرؤية وكأنه شجّعه المولى تبارك وتعالى على هذا الطلب لأنه كلمه وأعطاه المعاد والمقدمات توحي بالتشجيع (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ) كأنه يوجد مناط لهذا الطلب. لكن عند بني إسرائيل لم يكن عندهم مناط للطلب (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً (55) البقرة) هذا تبجح منهم وكأن كلمة (الله) لم تخيفهم.
المقدم: وهذا يدل على عدم الفهم، هم يريدون أن يروا الله في الدنيا وما فهموا أن الدنيا إختبار غيبي!
د. هداية: موسى عليه السلام قال (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ) طلبه هذا فيه أدب. هو يقول له يا رب أن بذاتيتي لن أراك ولكن الفاعل في الإراءة هو الله تعالى. وسبق أن شرحنا قوله تعالى في سورة الإسراء (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا (1)) (لنريه) كفار قريش عارضوا الرسول صلى الله عليه وسلم في مسألة الإسراء والمولى تبارك وتعالى يقول لهم أن محمداً ليس فاعلاً وإنما محمد صلى الله عليه وسلم مفعول به (أسرى بعبده) والسبب (لنريه من آياتنا). موسى عليه السلام يقول (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ) يعني أنا ببصري، بذاتيتي لن أراك لكن لو أن الله تبارك وتعالى شاءت إرادته أن يراه موسى فستكون من خلال (أرني). إذا قارنا بين الآيتين (لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً) نرى هنا بذلتيتهم هم ببجاحة وقلة أدب وجهل، هذا الكلام كله له توصيف. وقول موسى (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ) مع أدب موسى عليه السلام وطلبه بتأدب شديد مع الله وأنه بذاتيته لن يرى وإن كان سيرى لو كان للطلب وجه قال (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ). المولى عز وجل أجاب موسى بقوله (قَالَ لَن تَرَانِي) يعني أنت الآن لن تراني لكن قد تراني بعد ذلك يا موسى أو أي نبي أو رسول، وبالتالي بشر أيضاً كما في قوله تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) القيامة). قال تعالى (قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي) احتيار الجبل هنا عند موسى عليه السلام وعند أي عاقل أن الجبل أقوى خلق الله، لما سئل علي ابن أبي طالب عن أشد خلق الله قال الجبال الرواسي والحديد يقطع الجبال إلى آخر ما قاله. لكن أشدهم عند أي عاقل ومناطها قوله تعالى (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (21) الحشر) وهو تعالى قال عن القرآن في سورة المزمل (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (2)) هذا القول القرآن ثقيل بوضعه ووزنه وقيمته. فقال تعالى (وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ) هنا نقطة تعطي لموسى عليه السلام تشيجع أنه غذا لم يقدر الجبل على رؤية الله فهل تقدر أنت؟ إذن هنا منطق في الأداء والعظمة الإلهية في الأداء مع المتأدّب موسى عليه السلام. قال تعالى (وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي) يعني كأن الله تبارك وتعالى يساوي موسى عليه السلام بالجبل، ليس هناك وجه مقارنة من حيث القوة بينهما لكن المولى عز وجل سينقل موسى من البشرية إلى الجبل في قوته وثباته ورسوخه. (فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي) لما موسى يسمع هذا الكلام هو لا يعرف إن كان الجبل سيستقر مكانه، ثم قال تعالى (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا) دكاً لغة يعني الجبل المرتفع لما يُدك من رؤية الله تبارك وتعالى فكأنه ليس له أثر على الأرض، سوّي بالأرض، هذا معنى دكّاً، يعني لم يعد له أي أثر ارتفاع عن الأرض.
المقدم: حتى الآن في مصطلحات البناء يقولون أدك التربة أولاً يعني أسويها بالأرض ثم يبدأ بحفر الأساسات.
د. هداية: لو رايت الجبل المرتفع فلما يقول دكاً يعني لم يعد له أثر. هذا حصل (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا) تجلى يعني ظهر أو من مطلع الظهور، (جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا) نأخذ هنا مسألة التساوي، ربنا تعالى قال لموسى انظر إلى الجبل إن استقر مكانه فسوف تراني فلما نظر موسى عليه السلام للجبل بعد التجلي صُعق، إذن هو صُعق من رؤية من رأى الله تبارك وتعالى فما بالك يا موسى لو كنت أنت الذي رأيت؟! إذن هنا عدم الرؤية لصالح موسى عليه السلام. هذه خدمة لموسى لما يقول المولى عز وجل (قَالَ لَن تَرَانِي) وستكون لصالحه.
المقدم: كأن المولى تبارك وتعالى عفاه من التجربة التي عملها مع بني إسرائيل سابقاً عندما أماتهم.
د. هداية: وانتبه كيف طلب بنو إسرائيل الرؤية وكيف طلب موسى الرؤية؟ موسى طلب بأدب النبوة والرسالة ولذلك قال المولى تعالى أنه سيجري التجربة مع من هو أشد من موسى قوة لكن التجربة صعبة لأنه (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا) موسى رأى الذي رأى الله تبارك وتعالى. ونقطة أخرى موسى لما قال (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ) هل هذه تمّت أيضاً؟ أم أنه حصل فيه تعديل ليكون (صعِق) فقط؟
المقدم: كان من الجائز أن يموت موسى كما حصل مع بني إسرائيل الذين طلبوا الرؤية.
د. هداية: موسى قال (أرني) فيمكن أن يكون حصل تعديل فصعق موسى فقط حتى يتمكن من رؤية الذي رأى الله عز وجل. ولذلك قال (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا) في الوقت الذي اخترنا فيه سورة الحشر في قول المولى تعالى (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (21)) لرأيناه كلنا خاشعاً متصدعاً من خشية الله إذن صدق الله العظيم حيث يقول (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (2) المزمل) لماذا؟ (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) المزمل).
المقدم: ماذا تعني هذه الآية؟
د. هداية: ناشئة الليل العبادة التي تنشأ في الليل. ما معنى الوطء؟ يعني عندما تضرب الأرض برجلك ثابتاً، وطءاً يعني أرسخ. يعني العبادة التي تنشأ في الليل إذا أردت أن تعبد الله على مراده فيك فاجعل عبادتك في الليل. ناشئة الليل إذا كنت تريد أن تنشئ عبادة صادقة مع الله لا تكون رياء في النهار ولا سمعة أمام الناس (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا).
المقدم: (إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) المزمل)
د. هداية: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) النبأ) النهار معاش لا تترك عملك وتتعبد إنما انشغل بشغل الناس لكن إذا أردت أن تعبد الله على مراده (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا) لأن عبادة الليل فيها إخلاص وفيها تفرّغ وليس فيها استعجال ولا رياء ولا سُمعة.
المقدم: وفيها نوع من التطوع لأنه أثناء العمل أنت توقف العمل حتى تصلي الصلوات في وقتها.
د. هداية: الفرض فقط يعني رب العمل يسمح لك بالفرض فقط فلا تأخذ من وقت العمل لتصلي النوافل وتترك مصالح الناس، لكن إعملها في وقت الإجازة. ولذلك التعبير القرآني واضح (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا) يعني العبادة التي ينشئها صاحبها بالليل أنشأها بالليل إخلاصاً، طاعة، صدقاً.
المقدم: ولذلك في الحديث القدسي عن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، رجلٌ ذكر الله خالياً ففضات عيناه.
د. هداية: خالياً يعني ليس أمامه أحد، بينه وبين الله تعالى لا رياء ولا سمعة.
المقدم: نعود بعد الفاضل لسورة طه حتى نعمل مقارنة لما اليهود هم أنفسهم سألوا عن الجبال ضمن كلامهم يستكبرون الجبل. والإجابة من الله عز وجل لهم (فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) طه).
د. هداية: أمام عظمة الله تعالى مهما كان الجبل يبقى مخلوقاً له.
المقدم: هذه عقلية فاسدة وفطرة أكثر فساداً للأسف الشديد وربنا يعلمنا حتى لا نفعل مثل بني إسرائيل.




المقدم: في سورة طه (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) طه) هناك عدة أسئلة في القرآن الكريم (ويسألونك) لكن هذا السؤال له علاقة بموضوعنا لأن بعض الناس أحياناً تعتقد أن الشيء إذا كان حجمه كبيراً وصلب وقوي أن هذا سيعجز المولى سبحانه وتعالى أو يستحيل على قدرة الله تبارك وتعالى. ونذكر بالصياغات التي يكتبها اليهود في كتبهم أن ربنا خلق الدنيا في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع لأنه تعب – حاشاه-
د. هداية: هم قالوا هكذا فعلاً: تعب فاستراح. والوملى سبحانه وتعالى قال في كتابه (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ (38) ق) اللغوب هو أقل التعب، هذا لم يحصل لله تبارك وتعالى حاشاه وهذا كان رداً عليهم. وفكرة يوم السبت عندهم كانت هكذا. القرآن قص هذه القصة حتى نأخذ نحن العظة منها فلا نفعلها لكننا نحن للأسف الشديد ما زالت النعرة اليهودية معنا في الأحاديث الموضوعة وفي بعض التفاسير للأسف الشديد.
المقدم: هل ممكن أن نعتبر أنه من ضمن الدروس أن الجبال هي مجرد رمز لأي معنى قوي في حياتك، الرزق الذي تبحث عنه، المريض الذي تأخر شفاؤه وفقد الأمل بالشفاء؟
د. هداية: الإجابة فيما ذكرته. قال تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ) لم يذكر ما هو السؤال تحديداً، طبعاً هم سألوه عن قوة الجبال وثباتها لكن الإجابة من المولى عز وجل جاءت خطيرة (فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا) الدكّ أقل من النسف. النفس أكثر (فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا) مهما كانت قوتها أمام قدرة الله تبارك وتعالى.
المقدم: نستمع إلى الآيات لأني أستشعر وأنا أسمعها أن هذه إحدى سيناريوهات مشاهد يوم القيامة
د. هداية: بعد أن نستمع لآيات سورة طه نعود إلى آيات سورة الحشر لأنها تعود علينا نحن. في سورة طه يتكلم القرآن عن اليهود حتى لا نفعل مثلهم لكن نحن عندنا آية في سورة الحشر.
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا ﴿١٠٥﴾ فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا ﴿١٠٦﴾ لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا ﴿١٠٧﴾ يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ﴿١٠٨﴾ يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ﴿١٠٩﴾ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ﴿١١٠﴾ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ﴿١١١﴾ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا ﴿١١٢﴾ طه)
المقدم: هذه الآيات لها أثر كبير، كل إنسان تجرأ على الله عز وجل وما قدره حق قدره (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ﴿١١١﴾) يعني لن يكون لأحد وجه أن يجادل في الحساب من خزي ما فعله.
د. هداية: وانتبه أيضاً لكلمة (الحي القيوم) أمام ما فعلوه، لماذا الحي القيوم؟ لم يقل لله أو للرحمن أو لرب العالمين.
المقدم: وقال تعالى (وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا)
د. هداية: هنا قال الرحمن مع خشعت لكنه ذكر الحي القيوم أمام عنت الوجوه لأن هذه تظهر كم تكلم اليهود عن الجبال عندما قالوا (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ) إذن هم عرضوا في كلامهم قوتها وقدرتها وكأن الخالق سبحانه وتعالى لن تعجزه هذه الجبال فكانت الإجابة (فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا)
المقدم: نعود آية سورة الحشر (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (21))
د. هداية: القرآن ماذا يفعل مع الناس اليوم؟ المسلم الذي يجادل اليوم في الصلاة وفي الحجاب وفي مشروعية النقاب ويقول وهل ربنا يحتاج لصيامنا وصلاتنا؟ وهو مسلم، صاحب رسالة، هذه رسالته ومنهجه ومع هذا يجادل فيها. القرآن يقول (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) لو أنزلنا هذا القرآن الذي تجادلون فيه وبه على جبل الجبل بقوته والمولى قال لنا في موطن آخر (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) المزمل) فهو ثقيل لو نزل على جبل مع قوة هذا الجبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله ليس من الكلام، الكلام أثر فيه من خشية الله لأنه فهمه.
المقدم: ربنا تعالى قال في القرآن أن الناس المؤمنة لما تسمع القرآن تقشعر منه جلودهم وتلين القلوب هذا من سمة خلق الله في جسد البشر أن فيها مرونة أما الجبل فهو جامد فلما يقشعر يجب أن يتصدع.
د. هداية: هو لا يتصدع من القرآن وإنما يتصدع من خشية الله يعني فهِم، الجبل الجماد يتصدع من خشية الله يعني استوعب القرآن وأنت أيها البشر الذي يرقد في الفراش من مجرد إنفلونزا أين أنت من القرآن؟! ما هذه البجاحة؟ ما هذا العصيان؟ ومن أين أتى؟ ولماذا؟ الجبل تصدع من خشية الله لأنهم فهم الكلام واستوعبه. قال تعالى (لو) وهذا حرف امتناع لامتناع يعني لن يحصل، هذه ليست وظيفة الجبل. لو أنزلنا يعني لو شاءت إرادة المولى عز وجل أن ينزل هذا القرآن على جبل سيستوعب هذا الجبل بقدرته ويتصدع من خشية الله وأنت أيها البشر الذي أنزل الله تعالى القرآن لأجلك أنت؟!. إذا أردت أن تستوعب القرآن خذها من الصحابي الذي كان يأخذ عشر آيات ولا يأخذ غيرها إلا إذا طبق ما في العشر آيات الأولى.
المقدم: لا يحفظ إلا إذا فهم الآيات وطبّقها
د. هداية: هل كان تباطأ؟ أو كان يريد أن يثبت أنه أهل لتلقي الآيات التي بعدها، وتلك كانت فترة نزول القرآن ليس الكتاب كله كما هو معنا الآن ومشروح ومفهوم.
المقدم: الناس التي تجادل في الكتاب لا تجادل على أساس الكتاب –وطبعاً هناك من يكذّب أن هذا ليس كلام الله وأن محمداً ليس نبياً- نحن لا نتكلم عن هذه الفئة ولكننا نتكلم عن أناس مسلمين لكن التأويل فيه اختلاف. أنت ذكرت الآن الحجاب والنقاب ويسمعون بعض الآراء الفقهية التي تقول أن الأصل في عفة المرأة والمفروض عليها شرعاً من الله سبحانه وتعالى ومنعاً للفتنة أن يكون هناك نقاب وهناك فقهاء آخرون قالوا هو الحجاب فقط أن هناك استثناء أن هناك بعض الزينة تظهر وبالتالي الوجه والكفين وهناك ناس قالوا المقصود الحشمة وأن تُغطى فتحة الصدر لكن الموضوع ليس له علاقة بتغطية الشعر على الإطلاق وآراء عديدة أخرى فالناس لديها الحق أن تتشتت وتتبلبل.
د. هداية: الناس الذين تبلبلوا تبلبلوا لصالح من؟! من الخاسر في النهاية؟ ولمن الحساب. هل الحساب سيقال لك أنت فهمت خطأ أو تبلبلت؟ أسئلة القبر: من ربك؟ ما دينك؟ ما قولك في هذا الرجل؟ ثم ما عملك؟ ليس هناك سؤال من شيخك ولا من فسّر لك؟ من ربك أنت بكاف الخطاب.
المقدم: هل يحل الموضوع قول النبي صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك؟
د. هداية: إذا اختلفنا خذ الأحوط هذا معنى الحديث، لا تقامر بمستقبلك. الرجل يوم القيامة في سورة الفجر قال تعالى (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴿٢٢﴾ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ﴿٢٣﴾ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴿٢٤﴾)
المقدم: لحياتي يعني حياته الحقيقية.
د. هداية: (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) العنكبوت) فهل أنت تنتظر اليوم أن تقامر بمستقبلك؟ هل من عاقل يفعل هذا؟
المقدم: ليس فقط هذا وإنما فكرة المقامرة نفسها لكن لو حسبناها بالعقل الذي يقامر بالمال المال يأتي ويذهب إذا خسرت اليوم ألف جنيه في القمار هذا وزر وربما يأتيك مال غيره أو لديك في البنك مال غيره لكن إذا قامرت بعمرك وحياتك كيف ستأتي بها من جديد؟!
د. هداية: وحياتي الرجل يقول (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) لم يقل للحياة بإطلاق وإنما قال حياتي إضافة إلى نفسه.
المقدم: الناس التي تقامر هي نفسها التي ستقول يوم القيامة (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) المؤمنون)
د. هداية: (لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ (100)) (فيما تركت) يعني لو الرجل مطمئن أن عمل غيره سيسد عنه ما قال هذا الكلام. لو تقولون أن عمل فلان يصل إلى فلان أولاً الجهة منفكة لأن الميت لم يعد له نية في العمل
المقدم: وإذا كان ناوياً قبل أن يموت ووربنا لم يمهله؟
د. هداية: هذا موضوع آخر. من عظمة هذا الإله أنه لا ينتظر أحد أن يعمل له والرسول صلى الله عليه وسلم صاغها صياغة مبدعة على هذا الفكر فقال "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" لم يقل لكل امرئ ما عمل! هذا هو الحل. أخذ الإنسان الأجر من ساعة ما نوى وليس من ساعة ما عمل. إذا نويت أن تعمل شيئاً فربنا العليم الخبير الحكيم هل ينتظر حتى تعمل هذا العمل حتى يعطيه؟ كلا، وإلا لا يكون حكيماً ولا خبيراً ولا عليماً. يعطيه من ساعة ما نوى. اختلف علماء الحديث أو اتفقوا فهذا الحديث أول الأحاديث في التصنيف "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" ليس ما عمل لأنه إذا قلت أن الإله سنتظر إلى أن تعمل فهذا لا يكون إلهاً حاشاه. من ساعة ما نويت أعطاك والرسول صلى الله عليه وسلم يقولها بملء فيه.
المقدم: حتى لو مات الإنسان وهو لم يعمل العمل ربنا بعلمه يعلم أنه لو أمد في عمر هذا الرجل هل كان سينفذ ويطبق ما نواه أم لا.
د. هداية: " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" وضرب لنا الرسول صلى الله عليه وسلم مثالين "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله" كرر إلى الله ورسوله، ثم قال "ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" لم يكرر لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها وإنما قال "فهجرته إلى ما هاجر إليه". لو أن الرجل الذي قال (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ (100)) لو أنه اطمأن أن غيره يمكن أن يعمل له لما قال (رب ارجعون). قال (لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ (100)) يعني الذي تركته أنا لا ينفع أن يغطيه غيري، الذي تركته أنا من أعمالي كان يجب أن أعمله أنا.
المقدم: (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ) حيوان على وزن فعلان. هذه الصيغة فيها امتلاء مثل رحمن، قرآن، فرقان هذه صياغات عظيمة من عظمة الأداء البلاغي في القرآن. بعد الفاصل نتحدث عن كل هذه الإجابات.


المقدم: الرجل الذي سيجد أعماله يوم القيامة محبطة والذي كان يجادل في القرآن ولم يهتم بقراءته ولا تطبيقه سيقول رب ارجعون مرة أخرى حتى أحاول أن أعمل. وقبل الفاصل سألت عن دلالة استخدام لفظ (الحيوان) ليس المقصود بها البهائم والدواب وإنما الحيوان هي الحياة الحقيقية والفعلية، ما سر وزن (فعلان)؟
د. هداية: أن الذي يأتي على وزن فَعلان فُعلان فِعلان تكون شيئاً واحداً لا تتكرر ليس لها ند أو نظير. مثلاً تقول قرأت التوراة هذا كتاب موسى، قرأت الإنجيل هذا كتاب عيسى، عندما تأتي عند كتاب محمد صلى الله عليه وسلم ليس له تمسية غير قرآن ولم يطلق هذا اللفظ على كتاب آخر إذن هو كتاب واحد أطلق عليه قرآن في حين أن التوراة سميت فرقاناً مثلاً وكتابنا سمي فرقاناً لكن يبقى الفرقان عندنا قرآن والفرقان عندهم التوراة. أن تأتي بكلمة قرآن لكتاب واحد هذه تدل على هيمنته (ومهيمناً عليه).
المقدم: كلمة (مهيمناً) تعطي معنى لطيفاً جداً نقوله لكل من يحب إثارة الفتنة والطعن بالناس والعقائد والرسالات و:ان هناك حرب. هنالك لعبة سخيفة جداً تعرض على النت وهي عبارة عن حرب بين الرسل من يغلِب من؟ أنا أتصور أن كلمة (مهيمناً عليه) معناها أن المصدر واحد، الإله هو الذي يبعث الرسل والأنبياء كلهم إخوة بنفس المنهج رسالات لأقوام مختلفين في أزمنة مختلفة وبالتالي هذه طبعات تتالية تتلوها الطبعة الأخيرة التي فيها الهيمنة على كل المنهج الذي يرتب كل حياتنا وليس فيه تضاد ولا تعارض.
د. هداية: لا يمكن أن يكون فيه تعارض
المقدم: مثلاً شركة مايكروسوفت التي تنشر نظام التشغيل للكمبيوتر كان عندنا في السابق ويندوز 98 ثم ويندوز 2000 ثم إكس بي ثم فيستا وكلها أتت من شركة واحدة والبرنامج يفتح على كل الأجهزة.
د. هداية: الجهة منفكة في أنه أولاً لما تقيس يجب أن تضع أن الإله الحق ليس كمثله شيء. ثانياً من المنطق أن الإله لا يناقض نفسه، لا ينفع أن يقول أنا ثلاثة ثم يقول أنا واحد، هذا لا يمكن، لا يجتمع النقيضان ولا يرتفعان. في سورة آل عمران قال تعالى (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ (19)) لم يقل لمن؟ وإنما بشكل عام.
المقدم: ليس المقصود أتباع محمد صلى الله عليه وسلم؟
د. هداية: لا، وإنما هو دين كل الرسالات ولذلك قال في نفس السورة (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ (85)) لم يقل من وإنما من عهد آدم. ولما كلمنا نحن على أساس أن الديانة عندنا سميت بإسم الدين، اليهودية ديانة دينها الإسلام والنصرانية ديانة دينها الإسلام الإسلام ديانة دينها الإسلام، هنا سيحصل لبس فقال (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ (13) الشورى) ذكر خمسة أنبياء وذكر كلمة (الدين) فكيف يتفرقوا؟
المقدم: الدين رسالة وإنما أتباع الرسالة تختلف.
د. هداية: الديانة تختلف أما الدين فهو واحد الشرع العام واحد وتختلف المناهج.
المقدم: نعود إلى صيغة (فعلان) في مسألة (سبحان) استخداماتها كثيرة جداً فما الفرق بينها وبين الأمر (سبِّح) أو فعل (يسبح)؟
د. هداية: نحن عندنا هذه وهذه، (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الأعلى) أنا أسبح وأنت تسبح وكل مسلم ولو أي شخص آخر يريد أن يسبح يمكنه ذلك. إن صعد الأمر وقال (سبحان) يكون أعظم. ماذا تقول إذا أردت أن تسبح؟
المقدم: أقول سبحان الله
د. هداية: تقول سبحان الله أو أُسبِّح؟ لما أقول لك (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الأعلى) تقول سبحان ربي الأعلى. عندما أقول لك (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) الواقعة) تقول سبحان ربي العظيم. في حادثة الإسراء لم يقل سبح إسم الذي أسرى، من رحمته بنا أنه لم يقل سبح إسم الذي أسرى لأننا ما كنا سنستطيع، نحن ما زلنا مشككين في الحادثة إلى الآن والبعض يستعظم هذه الحادثة فلم نكن قادرين على تسبيح الله فيها فسبح تعالى نفسه وقال (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ (1) الإسراء). عندما نقرأ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) نقول سبحان ربي الأعلى، في سورة الإسراء قالها لنا ولم يعطك الأمر بها لأنك لن تعرف أن تعملها لأن الواقعة أكبر من تصورنا، وهناك أسئلة تُسأل اليوم لم تُسأل أيام الرسول صلى الله عليه وسلم. الفعل كبير!
المقدم: كلمتان خفيفتنا على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم. هناك نشيد يغنيه الأخ تامر حسني سبحان الله وبحمده، لحن لطيف لكن التشكيل فيه خطأ فهو يقول (سبحان اللهُ) وهذه دعوة للأخ تامر لو يسمعنا أن يصحح الخطأ. فكيف مرت على من كتب الكلام وعلى تامر وعلى مهندس الصوت؟!
د. هداية: هناك أيضاً من يغني عن الرسول عليه الصلاة والسلام ويقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم (المتين) هذا لا ينفع لأنه إسم من أسماء الله الحسنى، لا ينفع أن نصف بها الرسول عليه الصلاة والسلام.
المقدم: أرجو من الجميع أن يلجأوا للمتخصصين إذا أردوا أن يعملوا أغنية للرسول عليه الصلاة والسلام.
د. هداية: هذه الأغنية تذاع في القناة الأولى أو التلفزيون المصري يجب أن توقف وتصحح. هذا ليس متعلقاً فقط بالتشكيل وإنما هناك خطأ في مسألة في العقيدة، صفة من صفات الله تطلق على الرسول عليه الصلاة والسلام.
المقدم: لعل كلامنا يجد آذاناً وقلوباً صاغية. نعود لمسألة التوبة في كل الذي حصل ربنا لم يقل أن اليهود تابوا، فهل هم تابوا ونحن لم نعرف؟ قارنا بين الطريقة التي طلبوا فيها رؤية الله تعالى وبين الطريقة التي طلب بها موسى رؤية الله عز وجل، موسى صُعق ثم أفاق لكن بني إسرائيل أماتهم الله تعالى ثم أحياهم مرة ثانية لكننا نجدهم بعد البعث نزل عليهم المن والسلوى فأين التوبة؟
د. هداية: عطاءات خطيرة وعطاءات مبدعة.
المقدم: وستجد أنه برغم أننا لم نسمع أنهم تابوا بعدها ومع عطاءات الله تعالى لهم لم يعجبهم وقالوا لن نصبر على طعام واحد.
د. هداية: الإسلام يذكر هذا الكلام حتى لا يقع المسلم في هذا. لما نسمع (لو أنزلنا القرآن) هذا قرآننا نحن لا يتكلم عن التوراة والإنجيل، يقول تعالى أنه لو أنزل هذا القرآن على جبل نحن المسلمون سنجده خاشعاً متصدعاً من خشية الله فماذا فعلت أنت أيها المسلم في قرآنك؟ أيها المسلم الذي تناقش وتجادل وتضع القرآن على جنب وتأخذ الحديث وتأخذ الإسرائيليات في التفاسير، القرآن أوضح من هذا ونحن نتكلم في العقيدة. نحن تفرعنا في هذه الآيات بقصة التوبة حتى نصل إلى قوله تعالى (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) النساء) تكلم عن توبة عند اليهود كان عبارة عن قتل، أليس من رحمته سبحانه وتعالى أن يقول لنا نحن إذا أردنا التوبة أن نقول تبت إلى الله، أستغفر الله؟ اليهود عندما أرادوا التوبة قال لهم اقتلوا أنفسكم لكن نحن قل لنا فقط قولوا تبت إلى الله، هذه نعمة كبيرة. قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم الذي يريد أن يتوب كان عليه أن يقتل نفسه طالما عبدت غير الله. نحن تحدثنا في آيات (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى (3) الزمر) بدأول بأن قالوا اذتخوا من دونه ثم اعترفوا أنه عبدوهم!
المقدم: هل هذا الكلام تطبيق لقوله تعالى (وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (168) البقرة) وأنها خطوات وليست خطوة واحدة؟ هو سيأتي بك خطوة خطوة حتى تكون في الدرك الأسفل من النار.
د. هداية: طبعاً.
المقدم: قلت في الحلقات السابقة أن الشيطان يعرف عمله ويقوم به على أكمل وجه والقرآن حذرنا منه (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا (6) فاطر) لا أحد يطبق (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا).
د. هداية: القرآن شرحه لنا وأوضح لنا شيئاً ونحن علينا شيئاً هو أوضح لنا أن الشيطان لنا عدو وعلينا نحن أن نتخذه عدواً لكننا للأسف لا نعملها.
المقدم: الشيطان يعرف ماذا يعمل معنا والمفترض كيف أجهز أنا أسلحتي الدفاعية خصوصاً مع وجود نعمة التوبة التي قلنا أنها فضل كبير جداً لأن السابقين كان مطلوباً منهم أن يقتلوا أنفسهم ليتوبوا أما نحن فقك علينا أن نقول تبت إلى الله ونرجع إليه.
د. هداية: في المثال الآخر هم عبدوا غير الله والآن تقال اليوم من المسلمين أنهم يتخذوا الأضرحة ليقربوهم فلماذا لا نأخذ الآية كاملة؟ تسأل أحدهم لماذا تذهب إلى المسجد الفلاني؟ يقول لك لأنه مسجد إبن نبت النبي عليه الصلاة والسلام، ماذا يعني؟ ما علاقة هذا بهذا؟ ادخلوا أي مسجد (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ) أكمل الآية (فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) هذا قرآن وليس مجرد حديث. عندما تسمع الآية (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) الجن) تسمع يقولون مسجد فلان الفلاني، مسجد الشهيد الفلاني، مسجد الحاج فلان،
المقدم: هل المقصود بـ (تدعو) هنا تسمي المسجد أو تدعو دعاء لله تعالى؟
د. هداية: تدعو هنا يعني تسمي (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (180) الأعراف) ادعوه هنا يعني توجهوا إليه بالدعاء؟
المقدم: كلا وإنما تعني فسموه بها
د. هداية: أو صفوه بها. حتى لو يرد أحد أن يأخذ بكلامي نقول لهم إذا كان في الأمر شبهة فدعها "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". هؤلاء لما اتخذوا من دون الله أولياء لم يقل عنهم المولى عز وجل قتلوا أنفسهم حتى يتوبوا والذي يقول (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) بالله عليك لما تكون تريد أن تتقرب إلى الله المعبود تعبد أحداً غيره؟!
المقدم: هل تفعل شيئاً يغضب الله؟!
د. هداية: هل تعمل شيئاً لا يكون إلا لله؟ الله تعالى أنطقهم الحق لما قالوا (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) هذه لا تستقيم معنى والقرآن أوردها لنا حتى نستفيق. المعنى الذي يقولونه غير مستقيم هم يقولون ليقربونا إلى الله زلفى ولكنهم قبلها قالوا ما نعبدهم، الذي يقول هذا مجنون لأن العبادة لا تكون إلا للمعبود سبحانه وتعالى ولهذا لما تكلم العلماء في العبودية ذكروا توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية من أدب هؤلاء العلماء الفحول سألوا بأيها نبدأ؟ أدبهم هذا لأنهم علوا.
المقدم: نبدأ في الحلقة القادمة إن شاء الله بالفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية
د. هداية: ونعود إلى سورة النساء حتى نقفل موضوع التوبة الآيتين 17 و18 مع الآية (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18) النساء) ونشرحها.
المقدم: جزاك الله كل خير يا دكتور. وأذكركم أن أهم درس خرجنا به اليوم خطورة أن نترك المنهج ولهذا أدعو المثقفين واصحاب الآراء السياسية والثقافية عن خطورة خلط السياسة بالدين لو قابلنا هذا المنهج إنذ نحن موافقون أن هذه الأمور ليس لله تعالى علاقة بها ونريد أن نخرجه من هذه المنطقة هذه إساءة أدب. مسألة أن نقول لا تدخلوا الدين بالسياسة القرآن الكريم فيه آيات عن الحكم والشورى ونحن عملنا مجلس شورى لماذا؟ والكلام عن الديموقراطية والمواريث والزواج والطلاق، العبادات جزء والقرآن الكريم منهج متادخل ونحن من هنا ندعو كل السادة المثقفين والمتخصصين في كل المجالات سياسياً واقتصادياً واجتماعياً لو أحبوا أن نعمل مناظرة أو ندوة نصحح فيها المفاهيم. لأنه من الصعب أن القرآن الذي فيه منهج شامل لحياتنا كإنسان نقول أن هذه المنطقة ربنا نسيها أو لم يتكلم فيها أو نقول لله تعالى هذا الجزء من حياتنا ليس لك ولا تتدخل فيه، هذه دعوة مفتوحة إلى أن ياذن الله نوضح للناس المفاهيم الصحيحة. نراكم على خير في الحلقة القادمة، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 26/5/2009م

ميارى 29 - 7 - 2010 03:37 AM

التوبة والاستغفار 106
تقديم علاء بسيوني


المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم. الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمتهوبركاته. موعد ولقاء جديد نخطو فيه سوياً خطوات على طريق الهداية.المشوار الطويل الذي قطعناه مع التوبة وأهمية التوبة كحالة يعيش فيها الإنسان المسلم والمؤمن في معية مع الله ومع منهج الله أخذت منا حقيقة مشوار طويل والحمد لله أننا اهتممنا بهذا الموضوع لأنه لما اكتشفنا أن هناك تعليقات كثيرة من الناس تقول أننا ظننا أن التوبة مجرد عملية صغيرة يقول أحدنا كلمتين "تبت إلى الله" ثم أُخطئ وأتوب في أقل من دقيقة والناس تستغرب لماذا يخطئون من جديد في نفس الذنب الذي ندمنا عليه وتبنا منه وقلنا لن نعود إليه ثانية لكن الناس تعود للذنب نفسه وفي نفس المعصية، هذا بالتأكيد يدل على أن هؤلاء الناس لم يتوبوا وأنهم ما فهموا معنى التوبة بشكل واضح. من خلال هذا المشوار خرجت كثير من المعاني والدلائل التي ربطناها مع بعضها كي تتضح الصورة. من هذه المواضيع مسألة التوحيد، توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وما هو الفرق بينهما؟ وما علاقة التوحيد بتطبيق العبادات؟ وما علاقة التوحيد بالتوبة؟ أمامنا تساؤلات سنجيب عنها إن شاء الله في هذا اللقاء. أرحب أولاً بضيفي وضيفكم فضيلة الدكتور محمد هداية.
أول استشهاد في سورة آل عمران وبالتحديد الآية 18، هناك توحيد وهذه الشهادة ليست منا نحن كمسلمين وموحدين ومؤمنين وإنما الذي يشهد هو صاحب الذات العليا نفسه وصاحب التوحيد نفسه وهو الخالق سبحانه وتعالى. نستمع للآية ثم نسأل أسئلة لتوضح الصورة
(شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20))
طلب الناس منا أكثر من مرة أن نفرق بين توحبد الربوبية وتوحيد الألوهية وقد تكلمنا أكثر من مرة عن الفرق بين عطاء الربوبية وعطاء الألوهية فهل يمكن أن نثبت هذه المعاني للناس أولاً ثم ننتقل إلى الأسئلة حول الآيات التي سمعناها؟
د.هداية : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. نتكلم عن توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وأيهما أسبق وهذا الخلاف الذي بين كثير من العلماء والفقهاء وسنأخذها بالمنطق المجرد. ما هو التوحيد؟ التوحيد كلمة تأتي من وحّد الشيء اي أفرده، لما تفرد أحد بشيء أو شيء بشيء هذا يعني توحّد. لو أخذنا منطقية الأمور في الدنيا مبنية على توحيد الخالق سبحانه وتعالى، توحيد الرب أو توحيد الإله. مسألة تقديم توحيد الربوبية على الألوهية أو الألوهية على الربوبية تأتي من معنى كلمة الرب ومعنى كلمة الإله. دائماً تأتي كلمة الرب مع العطاء. صحيح أن العطاء يأتي مع كلمة الإله لكنه عطاء في مسألة العبادة، كلمة الله أو الإله مختصة بالعبودية أكثر من كلمة الربّ. يظهر معني الرب في عطاءات الخلق، الرزق (والرزق هنا يشمل كل شيء المال والصحة والأولاد والزوج وغيره) وليس من قبيل الصدفة في سورة الفاتحة أن نقول بعد البسملة (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وردت كلمة الله والرب في آية واحدة بجانب بعضهما. البسملة أولاً بسم الله الرحمن الرحيم ثم (الحمد لله) من الله؟ (رب العالمين) ثم (الرحمن الرحيم مالك يوم الدين) ثم (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ولو دققنا في هذه الآية تظهر لنا الربوبية والألوهية. (إياك نعبد) ألوهية و(إياك نستعين) ربوبية. الاستعانة في الربوبية في العطاءات في الرزق والخلق و (إياك نعبد) العبودية. هم محتارون وسيبقوا محتارين وهذا شيء طبيعي لأن كل واحد متعصب لفكرة معينة. سورة الفاتحة حسمت الموضوع ولكن سيبقى الصراع موجوداًز قال (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) أنا الذي أتكلم وقدّمت العبادة على الاستعانة والمولى عز وجل في بعض الروايات يقول "يا عبدي مني العون ومنك العبادة" فيقدّم العون على العبادة. أنا أقول (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وألفت إلى أنه في هذه الآية وإن كنت تقرأها أنت لوحد تقول (إياك نعبد) بصيغة الجمع ولا تقول (إياك أعبد) ولا يفوتني أن أذكر أن سورة الفاتحة إسمها سورة الصلاة وفيها الحديث الذي يقول فيه المولى عز وجل "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي" وتكلم في سورة الفاتحة فكأن الفاتحة هي الصلاة. فعندما أصلي لوحدي أقول إياك نعبد ولا أقول إياك أعبد. (نعبد) نقولها بالجمع كأن الموى سبحانه وتعالى يعلّمنا أن لا ننفصل عن الجماعة حتى وإن كنت تصلي لوحدك كأن صلاتك لوحد تعتبر حالة اضطرارية. نحن سنتكلم في موضوع الصلاة قريباً إن شاء الله. وسبق أن أشرنا إلى موضوع الأذان وقلنا لماذا الأذان خمس مرات في اليوم؟ حُفِظ الأذان لدرجة أن بعض الناس أصبحت لا تردد مع الأذان لأنه صار مكرراً ونعرفه لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نردد مع الأذان فنقول كما يقول المؤذن، ما هي الحكمة من هذا؟ الحكمة أن هذا الأذان في الحقيقة هو استدعاء من الله تبارك وتعالى لكل مسلم لأن يأتي ويحضر الإجتماع. هو استدعاء حتى لو كنت متعباً أو تشعر بالكسل وكأنه يريد أن يقول لك أن هذا الأذان أكبر مما أنت فيه فاذهب للجماعة فإذا لم تستطع أن تذهب للجماعة وكنت مضطراً للصلاة منفرداً (أقول أن الذي يصلي منفرداً مضطر) ستقول ايضاً (إياك نعبد) ولن تقول إياك أعبد، فأنت تضع نفسك مع جماعة المسلمين في العبادة والاستعانة فتقول (إياك نعبد وإياك نستعين). التوحيد هنا في ماذا؟ أنت تقول (إياك نعبد) معناها في اللغة لا نعبد إلا إياك، لو كانت الجملة بهذه الصايغة يمكن أن نضيف إليها فنقول مثلاً لا نعبد إلا إياك وكذا وكذا لكن لما نقدّم الضمير المنفصل (إياك) على الفعل (نعبد) لا يمكن أن نضيف وهذا سر تقديم (إياك) على نعبد. لا يمكن أن نقول إياك نعبد وفلان. الفعل لا يُعطف عليه ولذلك في إعراب (إياك نعبد) إياك هو الضمير الذي نُصِب بالفعل يعني الفعل مقدّم، يعني حتى يكون (إياك) ضمير منفصل منصوب نصبه الفعل يعني "نعبد الله" الله لفظ الجلالة منصوب مفعول. لو قلنا نعبد إياك يمكن أن نضيف عليها "نعبد إياك وكذا". تقديم الضمير المنفصل بكاف المخاطب على الفعل (إياك نعبد) ونسكت لا تقبل إضافة شيء بعدها.
المقدم: لدي سؤال في موضوع التقديم والتأخير. هنا في الفاتحة قال (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) نقدم العبادة على الاستعانة لكن المولى سبحانه وتعالى يعكس هذا الترتيب
د. هداية: المولى سبحانه وتعالى كأنه يقول لنا ما دمت أنت قدمت العبادة على الاستعانة ستمشي حياتك حقيقة بأن أعينك في البداية.
المقدم: وترجمة هذا الحديث القدسي (الرَّحْمَنُ ﴿١﴾ عَلَّمَ الْقُرْآَنَ ﴿٢﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ ﴿٣﴾ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴿٤﴾) خلق المنهج أولاً ثم خلقك.
د. هداية: خلقك على منهج وهذا نوع من أنواع العون أن تأتي على منهج. تماماً كما لو أنك ذهبت إلى بلدلا تعرف عنه شيئاً فأعطيك كل قوانين هذا البلد فتذهب على قانون أو على منهج تعرفه فتعرف ماذا ستفعل. وهكذا الدنيا بالنسبة لنا فأنت مخلوق على منهج إفعل ولا تفعل ومن عظمة هذا المنهج أن يخبرك بقصص اليهود والنصارى والملحد والكافر والمنافق وقلنا أن ترتيب سورة البقرة رقم 2 في الكتاب هذا ترتيب إلهي وليس جمع عثمان كما يقولون لأنه لو كان هو الذي جمع القرآن كان سيضع سورة البقرة بحسب ترتيب نزولها 87 لذا الجمع جمع إلهي لأنه هذا منهج.
المقدم: هل الأفضل في الوصف أن نقول أن هذه (كُتبة عثمان) وليس جمعه؟ فكأنه جمع طباعة
د. هداية: عثمان كتب. تماماً مثل التجليد فالذي يجلد الكتاب لا يتدخل في محتواه. الكتبة الأولى تمت في عهد أبي بكر والكتبة الثانية في عهد عثمان. هم يقولون أن عثمان جمع القرآن لأنه عمل المصحف وهذا عبارة عن التجليد عمله كتاباً لكن لم يجمعه. وأصل الكتابة كان صيانة لقتل الحفظة في الغزوات. يهمنا من ذلك أن الجمع جمع إلهي فتأتي سورة البقرة في ترتيب الكتاب رقم 2 وهذه ليست في يد البشر. الفاتحة حتى تكون رقم 1 في الكتاب وهي رقم 5 في التنزيل وتكون سورة العلق في الجزء الثلاثين وهي أول آية نزلت هذا ليس صنيع بشر وإنما حكمة إلهية عالية جداً. لو لم يكن عندنا منهج وأخطأنا لا يمكن أن نحاسب ولهذا يعلمنا الله تعالى نقطة أساسية في المنهج (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء) هذا توقيع قوله تعالى (علّم القرآن).
المقدم: هذه يمكن أن نراها رؤية مزدوجة أولاً نراها عوناً أن الله تعالى خلقنا على منهج وفطرة واستقامة لم يتركنا هملاً دون عون أو توجيه، هذه نظرة. والنظرة الأخرى أن تراها حجة عليك لو تركنا تعالى براحتنا، الله تعالى خلقنا على الفطرة حتى لو خالف أحد الفطرة بتعدد آلهة أو إنكار إله أو إلحاد الفطرة حجة عليك (أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى (172) الأعراف)
د. هداية: الفطرة تحققت بمنهج. لو تركنا الفطرة فرطة سيأتي من ينشق ويتلت فكيف نحاسبه؟ لا بد من منهج. يجب أن يكون هناك منهج يحكمه في سن البلوغ. كونه على الفطرة هذا شيء طبيعي لكن بعد سن البلوغ وفي فترة المراهقة تحتاج هذه الفترة لضبط فالشاب الذي لا يسرق لا يسرق لأنه يعلم أن السرقة حرام والذي يسرق وهو يعلم أن السرقة حرام هو إنسان تمرد على المنهج. هذه هي القضية. لدينا منهج يعلمنا الحلال من الحرام فعليّ أن لا أُدخل نفسي في شبهة والرسول صلى الله عليه وسلم لخّص لنا هذا الكلام فقال "إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن" أصبح المنهج هنا عبارة عن فضل من الله تبارك وتعالى. الفطرة تكشف الحلال من الحرام من غير منهج فلما يكون معها منهج أنأ أؤيدك في أن تعتبره حجة على الذي سيخالف.
المقدم: وطالما أن الله تعالى أعطانا منهج وعون واستعنا به ليس لنا حجة بعد ذلك في أن نقول لا نعلم. تكلمنا عن دور الإله والرب ودور الإنسان ونريد أن نتكلم عن دور الشيطان.
د. هداية: الشيطان يدخل بين الاثنين.
المقدم: ما الذي يفعله الشيطان حتى يزيّن ويجعل هذا السارق الذي يسرق وهو يعلم أن السرقة حرام ومع ذلك يسرق وهو يقول بسم الله توكلنا على الله، ربنا يستر ولا يمسكني أحد!


المقدم: في كلامنا قبل الفاصل عن الإله والرب والعطاء هنا والعاء هناك والتوحيد هنا والتوحيد هناك، هذا الإله. والإنسان يقول (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) أين الشيطان في هذه المعادلة؟
د. هداية: الشيطان عندما تكلم قال (لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) الأعراف) هذا الصراط المستقيم هو المنهج الذي تقبله الفطرة السليمة. لم يقل سأقعد لهم في الخمّارت والبارات لأن المتوجدون في هذه الأماكن لا يحتاجونه وهو مطمئن لهم إنما الشيطان يعمل مع الذين على الصراط المستقيم نحن في سورة الفاتحة نقول (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) بعد (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) التي هي عبارة عن إثبات التوحيد الذين نحن مطالبون به "إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله" هذه تعليمات الرسول عليه الصلاة والسلام. بعد أن تقول (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) نقول (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) ثم نحدد نوع الصراط الذي نطلبه (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) هذه القضية عبارة عن أنك أنت بفطرتك تعلم وتتوقع أن الشيطان لن يتركك وأنت محاصر بين نفسك والشيطان فتطلب العون وتثبت العبادة لإله هو القادر على أن يُخرجك من هذه المسألة.
المقدم: وهناك أناس لا تعطي الشيطان حقه، يقول تعالى (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا (6) فاطر) فهم لا يتخذوه عدواً فيقعوا. هذا الكلام ذكرني بكلام فيما روي عن الإمام أحمد بن حنبل إن صحت هذه الرواية أنه كان في مرض الموت بين الغيبوبة والإفاقة فالناس المحيطين به كلما أفاق يقولون له أشهد أن لا إله إلا الله فيقول بعد، ليس الآن وكررورها أكثر من مرة فأحد الجالسين حوله سأله ما الذي أدراك أنه ما زال لديك وقت؟ لماذا لا تقولها؟ فقال له من الذي قال لك أني أنا الذي أرد عليك وإنما هذا الرد الذي تسمعه (ليس بعد) ليس لك وإنما هذا الشيطان الذي يقف هنا يقول لي أفلتّ مني يا أحمد فأقول له بعد، لن أطمئن من مكرك إلا عندما أُقبَض.
د. هداية: الذي يعمل حسابه لهذا الموضوع كل من أفرد التوحيد لله على مراد الله فيه. لما تكلمنا في مسألة أبو بكر الصديق عندما قال أنا لآ آمن مكر الله وإن كانت إحدى قدماي في الجنة. وهذه متواترة ومنطقية جداً لكن بعض الناس تستغرب هذا الكلام لأن أبا بكر من المبشرين بالجنة ويقولون هل هناك مكر لله؟ وما مكر الله؟ الشيطان يدخلهم في مناطق خطيرة مع أن مكر الله ورد في القرآن الكريم (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) الأنفال) هذا قرآن. لكن الشيطان يلبِّس على الناس حتى في المفاهيم التي تكاد معلومة من الدين بالضرورة ويعمل إشكالية عند الناس ويقول عندما يُدخل أبو بكر رجله اليمين هل يمكن أن تخرج بدل أن تدخل رجله الشمال؟ نقول له أبو بكر يعمل صيانة إحتمال لنفسه فما هي مشكلتك أنت مع ذلك؟ إذا لم يعجبك كلام أبو بكر الصديق لا تأخذ به لكن لا تُنكر على رجل مثل أبي بكر هذه القالة وهي مهمة جداً عند كثير من أهل العلم أن لا تكون مطمئناً. لو صحت الرواية عن أحمد بن حنبل هو يقول أنا أكون مطمئناً عندما أخرج من الدنيا لأن الشيطان لن يستطيع أن يطاله في الآخر بينما طالما أن في أحمد بن حنبل نفس فيمكن أن يوسوس له الشيطان مع أنه في مرضه لكنه حتى بفكره خاف الإمام أحمد أن يلقي الشيطان في روعه فكرة تفسد عقيدته. توحيد الألوهية أساسه عقيدة وفكر بينما توحيد الربوبية حركة، فأنت لما تذهب لغيرك لتسأله عليك أن تهذب إليه لكن لما يدور في خلدك وجود غير الله مثلاً.
المقدم: قد نقول الإمام أحمد من العلماء وقد لا يحصل له هذا الفكر لكن مثلاً يمكن أن يقول لنفسه الحمد لله ويشكر بنفسه ويقول أنا غلبت الشيطان لأني كنت واعياً له وصاحب علم وإيماني قوي.
د. هداية: أنا لا أتكلم عن الإمام أحمد نفسه وإنما أتكلم عن الفرق بين الاثنين بين الناس كلهم، الفرق بين الألوهية والربوبية الألوهية عقيدة إعتقاد أنا لا يمكن أن أدخل داخلك وأعرف ماذا تفكر ولا ما هي عقيدتك لكن عندما يؤذن المؤذن يمكنني أن أحكم عليك إن قمت للصلاة أو لم تقم هنا ستظهر الحركة. توحيد الألوهية مبني على الاعتقاد وهذه مسالة لا يمكن لأحد أن يعرفها وهذه هي المسألة التي خاف منها الإمام أحمد هو يخاف مما في عقيدته ولهذا قلت توقيعها في القرآن في منتهى الإبداع (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) العذاب سيكون النار لكن ليس هناك على باب الجنة من يسأل هل جاءكم رسول؟ الذي وصل إلى باب الجنة سيدخلها أما الذي سيدخل النار سيجد من يسأله (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) الملك). لما قال تعالى (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) ولهذا نقول كل آية قرآنية إما أن توصّف شيئاً أو توقّع شيئاً. آية (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) هذه آية تقريرية فيها توصيف أين توقيعها؟ أن تجد على باب النار من يسأل (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ)
المقدم: وعلينا أن ننتبه إلى أن هذا السؤال يكون بعد الحساب.
د. هداية: حتى لا يعتقد وهو داخل إلى النار أنه ظُلِم. الآية تقول (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) يعني العذاب لن يقع إلا بعد أن يأتي الرسول فيُسأل وهو داخل إلى النار (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) حتى لا يظن أنه دخل النار وهو غير مستحق لها لكنه سيدخلها وهو مستحق لها وبيقينه هو وباعترافه.
المقدم: بينما على باب الجنة ليس هناك سؤال.
د. هداية: ليس هناك سؤال على باب الجنة وإنما يقال له (سَلاَمٌ عَلَيْكُم) لأن المسألة جزاء، الذي دخل النار أخذ كتابه بيمينه وثقلت موازينه يدخل الجنة بدون أي مشكلة أما النار يجب أن يسأله أحد. هنا توقيع لكل الآيات التي عرضناها، ففي الفاحة قال (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين) في آية آل عمران لم يقل شهد الناس أو شهد المؤمنون أو الشهداء وإنما قال (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ).
المقدم: لماذا تحتاج الناس إلى شهادة رب العالمين؟
د. هداية: هذه آية تحتاج إلى 10 أو 15 حلقة. (شهد الله) ما المراد منها؟ ما المراد من قول الله تبارك وتعالى من قوله (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ) كل كلمة فيها ضمير غريب سنقف عنده (أنه) هذه على الكينونة أو على الله؟ هل تعني شهد الله أن الله؟ أو تعني شهد الله أن الحقيقة تقول لا يوجد إلا إله واحد؟ هذه من المناقشات بين أهل التفسير وأهل اللغة كما نقول بلغة اليوم فيها (طحن) طحنت هذه القضية بين أهل اللغة أهل التفسير في الضمير (الهاء) في كلمة (أنه).
المقدم: لهذا أتمنى أن يتبنى أحد مشروع التفسير المعاصر للقرآن الكريم الذي يحل كل الإشكالات بين أهل التفسير وأهل اللغة وأهل التحقيق والجرح والتعديل.
د. هداية: (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ) الصراع بين الناس منهم من قال بالتوحيد ومنهم من قال بالتثليث ومنهم من قال بالإلحاد كل هذا وارد في الدنيا ونحن نقبل ونسع الجميع ونناقشهم ويمكن أن يكون هناك من يسمع النقاش بين هؤلاء جميعاً ويسأل أين الحقيقة هنا؟ عند من تكون الحقيقة؟ عند العالِم العلام بحق العالم باإطلاق العلم. العلم بالنسبة لنا في مراحل الإدراك قلنا العلم إدراك اليقين والظن ترجيح الطرف الراجح والشك تساوي الطرفين والوهم ترجيح الطرف المرجوح. الذي يجلس ويسمع نقاش المتحاورين يسأل أين الحقيقة؟ هل يمكن أن يقول أحد أن الحقيقة عند هذا الطرف أو ذاك؟ حتى الذي يؤمن بالتوحيد. أين الحقيقة المطلقة؟
المقدم: عند المطلق المجرّد.
د. هداية: هذا هو المراد من الاية. لنفترض جدلاً أننا بحثنا في القرآن ولم نجد هذه الاية ونحن عندنا بعض علم أعطانا إياه الله تعالى كنا سنقول أن هذه الاية ناقصة في القرآن أي أننا نحتاج لوجود شهادة الله تعالى في آيات القرآن شهادة صاحب العلم المطلق لأن علمنا نحن جاء من باطن علم الله. أبو بكر الصديق في موضوع الإسراء سلّم لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الرسول جاء من عند الله لا يمكن لأحد أن يناقشها. لما نختلف في قضية ونجد حلها في القرآن نرتاح لأنه كلام ربنا تعالى ولا يمكن أن يُرد على كلام الله بقاعدة كيميائية أو طبيعية أو بيولوجية أو رياضية؟ فملا يقول (شهد الله) كأنه يطمئن الباحث على الحقيقة (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) يوسف)
المقدم: لو أردنا أن نعمل مقارنة بين هذه الشهادة وشهادة الملائكة فيما بعد وشهادة أولو العلم فهل يمكن أن نقارن شهادة المولى تعالى على وحدانيته بشهادة المنافقين لرسول الله أنه رسول؟.


المقدم: نعمل مقارنة سريعة في موضوع الشهادتين وكلتاهما شهادة إلهية، الشهادة في آية سورة آل عمران (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ) شهادة من صاحب التوحيد بالتوحيد. والثانية في سورة المنافقون (إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) المنافقون) ربنا قال على موضوع الرسالة أنه يعلم لكن قال أنه يشهد أن المنافقين كاذبون. هذه الصياغات فيها أسئلة كثيرة لكن أولاً ما الفرق بين الشهادتين؟
د. هداية: قال تعالى أنه يشهد أن المنافقين كاذبون ولم يقل يعلم هنا لأننا نحتاج لمن يشهد وينهي القضية.
المقدم: أنا بمنطقي البشري المجرد كنت أتصورها أن الذي قال على نفسه (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) غافر) لأن هذا الموقف كلاماً إدعاء هم يقولون بلسانهم نشهد يا محمد أنك رسول الله لو أنا جالس في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكنني أن أعرف إن كان هؤلاء صادقين أم لا.
د. هداية: بالطبع لا يمكن معرفة ذلك. الذي يشهد يعلم والذي يعلم ليس بالضرورة يشهد. كلمة يشهد في الآية تحل هذه المسالة التي سألت عنها ولو قال يعلم هو سبحانه وتعالى يعلم كل شيء لكن من يشهد على هؤلاء؟ هذا المنافق يحتاج لمن يشهد عليه.
المقدم: وهذا رد على الشهادة المزورة التي شهدها المنافقون.
د. هداية: بالضبط. كأن الآية تقول نحن لا نحتاج منكم إلى شهادة وهذا ما أزعج الرسول صلى الله عليه وسلم من عمر بن الخطاب لما قال له هناك في التوراة ما يؤيدك كأن هذه تشهد للرسول. نحن لسنا محتاجين لشهادة من أحد غير القرآن ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟. متهوكون يعني لسنا متأكدين. والمفروض أن يكون إيماننا كالسيف البتّار. هذه العملية لُخصت في كلام الصديق لما قالوا له عن الرسول صلى الله عليه وسلم وما قاله بعد الإسراء والمعراج فقال لهم: "إن كان قال لقد صدق" البعض يقولون (فقد صدق) وهي (لقد صدق) اللام للتأكيد يعني الكلام الذي يقال لا يُصدّق إلا إذا كان الذي يقوله محمد صلى الله عليه وسلم، إذا كان محمد هو الذي يقوله سيخرج من نطاق تفكيري إلى نطاق التسليم، العقيدة والإيمان الغيبي لأنها قضية غيبية. وقال لهم أصدّقه في خبر السماء (قال الله) مع أنني لم نرى الله ولم أر جبريل أفلا أصدقه في هذه؟ هو نقل من منطقة إلى منطقة، نقل الكلام من إطار التفكير إلى إطار التسليم والعقيدة. لو قال في الاية (يعلم) هو يعلم لكن نحن الآن أمام كاذب يشهد لذلك نحتاج إلى (يشهد) أن الله يشهد على هذا. والآية تبعتها أسماء المنافقين هل هذه يمكن أن يعملها بشر؟! إذا كنت في مجلس وعندي شك في أحد الأشخاص أن فلان منافق لا يمكنني أن أؤكد أنه منافق. والذي يستمع لمناقشات أهل التوحيد والإلحاد والتثليث ليس عنده شهادة فقال له (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ) إذن عندما تقول أشهد أن لا إله إلا الله فأنت تقولها من شهادة الله.
المقدم: الناس الذين كانوا حول الرسول صلى الله عليه وسلم والعلماء في القرون الأولى لم يكونوا من باب الصدفة. أذكر رواية المنافقين عند حذيفة
د. هداية: من أول من طرق بابه؟ عمر ابن الخطاب
المقدم: واحد من المبشرين بالجنة بشره الرسول صلى الله عليه وسلم بإخبار إلهي ويذهب لحذيفة ويسأله أناشدك الله هل أنا منهم؟ يعني من أسماء المنافقين الذي ذكرهم الرسول صلى الله عليه وسلم لحذيفة.
د. هداية: هذا ما نقوله دائماً أن الإطمئنان يكون متى؟ كما ذكرت في مسألة الإمام أحمد بن حنبل، متى يكون الاطمئنان؟ كما نشرح دائماً الاية (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) الفجر) نقول هذه ليس في الدنيا وإنما نأخذها في يوم الخروج، يوم الموت. الاطمئنان جاء من أن هذا المطمئن رأى ملائكة بيض الوجوه عند خروج الروح لو الاطمئنان كان قبل ذلك يكون في منتهى الخطورة ومعظم الناس الذين وقعوا في الأخطاء والسيئات والمعاصي أنهم كانوا مطمئنين لإيمانهم، لصلاحهم، الإطمئنان لا ينفع في هذه المسألة لأنك لو اطمأنيت ستتكاسل فقال تعالى (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) لم يقل بعدها اعملي كذا وإنما قال (ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28)) هذه اطمأنت حيث لا عمل بعد أن أُقفل كتاب العمل. وهنا الاطمئنان كلمة يكون لها معنى لأنهم عمل طيباً اطمأن. نحن لا نقنط الناس ولا نشق عليهم ولم نقل يوماً أن عليك أن تكون حسناتك 100% لتدخل الجنة وقلنا أن الذي ثقلت حسناته قد تكون النسبة 51% فقط. نحن لا نضيّق على أحد وإنما نقول غلّب الصالحات لأن اليوم عمل ولا حساب فعلينا أن نعمل. فعندما قال تعالى (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي) يعني ارجعي مطمئنة لأنها قدّمت. سورة الإنفطار يقول تعالى (إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ ﴿١﴾ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ ﴿٢﴾ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ ﴿٣﴾ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ ﴿٤﴾ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ﴿٥﴾) ماذا قدمت وماذا أخرت؟ عندما نبحث في التفاسير تتعب. (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ) هذا خير (وَأَخَّرَتْ) هذا شر، هذا ما لم تعمله، أخّرته عن نفسك فلم تعمله. كأن هناك عمل مفروض أن تعمله لكن لم تعمله تكون أخّرته يعني أخّرت جواءه عنك لم تنله. كما يقول تعالى في سورة الفجر (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)) قدمت لم يقل أخرت فالذي يعمل خيراً يكون قد قُدِّم فيرد القرآن (فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ) هذه الفكرة الموجودة عند الناس في العمل عن الغير والقرآن يقول (فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25)) لو كانت فكرة الناس صحيحة لكان مقلوبها صحيح فالذي يمكنك أن تعطيه حسنات وهو ميت يمكن أن تأخذ منه سيئات هذا مقلوب الفكرة.
المقدم: ولهذا لم يتقدم أحد بهذا العرض أبداً. لم يقل أحد أنه لأني أحب والدي أو والدتي سآخذ من سيئاتهم أو أدخل النار مكانه.
د. هداية: في سورة الانفطار يقول تعالى (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ﴿١٧﴾ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ﴿١٨﴾ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ﴿١٩﴾) لا يوجد نفس تملك لنفس أخرى شيئاً (وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) هل الآمر الله سبحانه وتعالى عادل أو ظالم؟ عادل سيقول لك إقرأ كتابك (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) الإسراء) لا يحتاج لشهود لم يقل كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً وإنما قال (حَسِيبًا) أنت الذي ستحاسب نفسك عندما تقرأ كتابك.
المقدم: كأنك بعد أن تقرأ كل ما في كتابك ستُسأل من يفعل هذا الذي هو مكتوب في كتابك أين يستحق أن يكون؟ في الجنة أو النار؟
د. هداية: أنا أتخيل عندما أقرأ هذه الآية أن الذي سيقرأ كتابه سيغلقه ويدخل النار بنفسه. (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ (19) الحاقة) يريد الآخرين أن يقرأوه والآخر يقول (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ (25) الحاقة) يتمنى لو لم تقم القيامة ولم يوضع في هذا الموقف. الأول اطمأن من ساعة الموت من ساعة ما رأى الملائكة بيض الوجوه ومن ساعة الموت إلى يوم القيامة يزيد الاطمئنان هو خط واحد.
المقدم: والمقلوب معروف (فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) ق) أنت تعرف الصح من الخطأ وتعرف إذا كنت ستذهب إلى الجنة أو إلى النار.
د. هداية: استعرضنا سابقاً حديث خروج الروح عندما يُسأل في القبر من ربك؟ فيوق للا أدري يقال له كذبت. لماذا يقال له كذبت وهو لا يدري فعلاً؟ إن كان لا يدري فساعة الموت أصبح يدري، فالقول كذبت لأنه على الأقل ساعة الموت صار يدري (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ (19) ق) الرجل الملحد المنافق يدعي أنه لا يدري في حياته لكن ساعة الموت عرف الحقيقة إذن كذبت لا تقال على حاله في الدنيا وإنما تقال لأنه عرف ساعة الموت لكنه وقت لا ينفع فيه الندم ولا ينفع فيه عمل ولهذا قال (قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ (100) المؤمنون) وقت العمل فات ولهذا الآية (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ) وشهد معه (وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ) شهدوا بماذا؟ (قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ) لم يشهدوا بالتوحيد وإنما (قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ) هذا أصل التوحيد.
المقدم: الملائكة وأولو العلم هل شهدوا مع ربنا أنه لا إله إلا الله أم أنهم شهدوا أنه قائم بالقسط؟
د. هداية: التوحيد يؤدي إلى هذه. التوحيد يعطي القيامة بالقسط.
المقدم: نشرحها في الحلقة القادمة إن شاء الله. جزاكم الله كل خير وأختم في حلقة اليوم لم نكمل الساعة كم مرة تكلمنا عن الموت وملك الموت والشيطان وماذا يفعل بالإنسان والفطرة وأن الإنسان أجله سيحكم إن كان من أهل الجنة أو النار؟ فهل عرفتم لماذا نتكلم عن التوبة؟ ولماذا هذا المشوار الطويل في التوبة؟ لأنه في لحظة ممكن أن يكرم الله تعالى الإنسان ويفيق لأهمية التوبة ويعود عن أفعاله ويراجعه فيكرمه تعالى وتكون لحظة إفاقة قد تكون لحظة واحدة يتوب فيها توبة نصوح يكون من أهل الجنة وهناك من يسوفون لكن نقول أن الأجل يأتي بغتة ولعلها تكون ملحوظة توقظنا ولعلها للصالح العام إن شاء الله. نكمل في اللقاء القادم إن شاء الله المسيرة مع التوحيد والتوبة التي نحتاجها جميعاً في لحظات حياتنا. نراكم على خير سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 9/6/2009م

ميارى 29 - 7 - 2010 04:05 AM

التوبة والاستغفار 107
تقديم علاء بسيوني
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم. الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمتهوبركاته. موعد ولقاء جديد نخطو فيه سوياً خطوات على طريق الهداية. مسألة أن نقول كل وقت أشهد أن لا إله إلا الله أو اللهم صل على سيدنا محمد أو الحمد لله أو الله أكبر لنجعل ألستنا رطبة بذكر الله تدل على أن القلب قريب من هذا الكلام لذا يخرج بشكل مستمر بوعي أو بغير وعي، بنيّة أو بغير نيّة. هل ونحن نقول لا إله إلا الله نفهم هذه القضية موضوع التوحيد بكل معانيها؟ توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية والعلاقة بين العطاءات المختلفة. في آية آل عمران (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)) لماذا نحن محتاجون لهذه الشهادة؟ وشهادة أولو العلم؟ ما معنى قائماً بالقسط؟ هل هي شهادة توحيد فقط أو شهادة توحيد وربنا تعالى فائم بالقسط؟ ما معنى قائم بالقسط؟ أسئلة كثيرة جداً سنجيب عنها اليوم بإذن الله في هذه الحلقة ونحن نربط هذه القضايا بقضية التوبة في المشوار الذي نسير به معكم على مدى حلقات طويلة. أرحب أولاً بضيفي وضيفكم الكريم فضيلة الدكتور محمد هداية. مسألة التوحيد والشهادة كانت محور ختام حلقة الأسبوع الماضي وذكرت أن شهادة ربنا أنه لا إله إلا هو أنها شهادة حقيقة الأمر أن هذا هو الواقع أنه لا إله غيره. الملائكة شهدوا وأولو العلم شهدوا، قائماً بالقسط، هل هؤلاء شهدوا أيضاً بالتوحيد أو شهدوا بأن الله تعالى قائم بالقسط أو شهدوا الشهادتين معاً؟
د.هداية : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. الآية واضحة (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الملائكة وأولو العلم شهدوا مع الله تعالى أنه لا إله إلا هو وأنه سبحانه وتعالى قائماً بالقسط. قائماً بالقسط يعني قيامه سبحانه وتعالى بالعدل. والعدل له فروع كثيرة جداً، من العدل أن يعلمك الله تعالى ويضع في فطرتك السليمة توحيد الألوهية والربوبية، هذا عدل مطلق من الله تبارك وتعالى والاية التي توقّع هذا الكلام ويصعب شرحها (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ (30) الروم) آي من الآيات البينات التي تحتاج لوقفات طويلة جداً وقد وردت في سياق الهوى (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (29) الروم)
المقدم: نفس هذه القضايا مذكورة في الآيات التي تلي في سورة آل عمران (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)) تدل الآية على أن الناس عندهم علم.
د. هداية: طبعاً والحساب يكون على هذا الأساس. فالذي عمل شيئاً من غير رسالة ومن غير علم لا يُحاسَب، يعني أهل الفترة لا يحاسبوا، الفترات التي بين الرسل، الفترات التي لم يأت فيها رسل (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء) وعلى باب جهنم تسأل الملائكة أهل النار (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) الملك) لأن الذي سيقول لا لن يكون عنده حساب، وهذه من القضايا المهمة في التوحيد ولذلك المولى عز وجل لما يقول (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ) يسأل سؤالاً (فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ) (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) الروم) منيبين إليه يشمل التوبة، منيبين إليه شرحها العودة إلى الله والتوبة إلى الله. هذه التوجيهات الإلهية ليست موجودة في القرآن عبثاً وإنما كل آية توقيع لآية أخرى (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) الروم) وفي الاية قراءة آخرى لعلي ابن أبي طالب (من الذين فارقوا دينهم) الذين يعملون مذاهب وفرق يفارقوا دينهم لأنهم يتركون الدين ويذهبون لمذاهبهم. ولذلك نحن لا زلت أرى أنه ليس لدينا وعي تام في مسألة المذاهب الأربعة المالكية والحنفية والشافعية والحنبلية، الإمام مالك لم يؤسس ديناً جديداً ولم يؤسس مذهباً يُتمّذهّب به وإنما أسس مذهباً فقهياً يُدرس، ما قاله العلماء الأربعة هي مذاهب فقهية للدراسة وليست للتمذهب.
المقدم: وأنا أتصور أننا لما نصف أنفسنا علينا أن نقول نحن مسلمون فقط لا نقول مسلم سني فالسُنة من الكتاب ما مت مسلماً سأكون متبعاً للسنة هذا أمر منطقي فلا يجوز هذه التسميات.
د. هداية: أنت عندما تقول أنا مسلم سني تفتح لغيرك الباب أن يقول أنا مسلم كذا، أقول أنا مسلم فقط، من هو شيخط؟ محمد صلى الله عليه وسلم ليس عندي شيوخ، أنا عندي أساتذة، عندي شيوخ مدرّسين مثل الشيخ عبد الجليل عيسى، الشيخ الشعراوي، الشيخ الغوالي هؤلاء اساتذتنا وشيوخنا بمعنى أساتذتنا وليس بمعنى طريقتنا، الشيخ الغزالي أو الشيخ الشعراوي لم يعمل طريقة نتمذهب بها عليه وإنما شرح لنا التفسير وشرح لنا العقيدة فهؤلاء اساتذتنا وشيوخنا لا بالمعنى الذي يقول به الصوفية أنه يجب أن يكون لك شيخ ويجب أن يكون لك طريقة. القرآن يقول لا تتبعوا السبل وهم يقولون هناك طُرُق، هكذا نحن نخرج عن الوعي ولهذا أنا ضد قضية الجماعة الإسلامية والأخوان والسلفية والجماعات الأخرى بالكامل. هذه الآية خطيرة جداً (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) الروم) كانوا شيعاً لا تعني الشيعة وإنما جماعات ومذاهب وطرق. القرآن يقول لنا المنطق (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) فرحون ليست من الفرحة وإنما من الاعتناق يعني كل حزب بما لديهم معتنقون، كل واحد يدافع عن طريقته وعقيدته. وأنا أرفض بعض التسميات مثل العقيدة الطحاوية أو العقيدة الواسطية! العقيدة هي العقيدة، الشيخ الطحاوي تكلم فليقولوا شرح الطحاوي للعقيدة لأن العقيدة واحدة عقيدة إسلامية هي عقيدة الله تبارك وتعالى.
المقدم: وهل يمكن لأحد من هؤلاء أن يقوم ويقول أنه افضل من عمر أو من أبو بكر؟ هؤلاء تولوا الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل أحدهم أنا ساعمل طريقة أبو بكرية أو طريقة عمرية أو عثمانية أو علوية!
د. هداية: العلوية هؤلاء هم أساس البلوى في مسالة التشيع، الذين فكروا بهذه المسألة ليس علي بن أبي طالب وإنما الذين فكروا أن يقوموا بها وهذه بداية الخطورة. المسلمون يجب أن يكونوا من الوعي بمكان بحيث أنهم يرفضوا هذا الكلام والقرآن الكريم ينهانا عن هذا وآية آل عمران واضحة (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)) قد يقول البعض نحن لا نأخذ هذه الطريقة إلهاً ونحن سبق وعرضنا هذه المسألة في حلقة كاملة وقلنا أن المسألة تبدأ هكذا ثم (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى (3) الزمر) هو يبدأ على أنها طريقة ثم تمر بمراحل غلى أن تصير عبادة ثم ليقربونا إلى الله زلفى والمولى عز وجل لا يحتاج لواسطة بينه وبين عباده وإنما قال (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) البقرة) لم يقل (فقل أو قل) حتى الرسول صلى الله عليه وسلم لم يجعله الله تبارك وتعالى واسطة بينه وبين عباده. بعض الإخوة الذين يحملون هم الدعوة انتبهوا لكلمة (عبادي) في الاية لم يقل وإذا سألك الناس عني أو سألك المؤمنون عني كأن الذي يفكر أن يسأل عن هذا الإله هو العبد الذي عبد الله على مراد الله فله شرف الانتساب إلى الله فقال (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي) لم يقل الناس ولا المسلمون ولا المؤمنون ولا المتقون وإنما قال عبادي. وذكرنا أكثر من مرة أنه كلما وجدنا كلمة (عبادي) مع توقيعات القرآن العظيمة سنحذف هذه الياء ونضع مكانها الرحمن يعني عبادي هم عباد الرحمن هو صفوة الصفوة إن صح التعبير.
(شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)) هؤلاء شهدوا مع الله. لماذا اختص الله تعالى الملائكة هنا بالهشادة؟ وماذا تشمل أولو العلم هنا؟ تشمل كل الصفوة، كل المصطفين من الأنبياء والمرسلين والصالحين والصديقين والشهداء والمحسنين والمؤمنين ولأنه يتكلم في الآية عن عقيدة توحيد الألوهية جاء بوصف العلم (أولو العلم). أولو العلم هم حملة العلم الذين حملوا العلم أمانة على أنفسهم ولم يأخذوه لأنفسهم.
المقدم: يعجبني هذا التوصيف لأولو العلم لأنهم علامة فارقة بين حملينن: بين من يحمل عن وعي وبين من يحمل كالحمار (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا (5) الجمعة)
د. هداية: بماذا شهد أولو العلم؟ الله تعالى شهد أنه لا إله إلا هو، هذا توحيد، ثم قيام الله بالقسط. في بعض الجلسات التي نجلسها يسال البعض ما هو ذنب اليهود؟ هذه الكلمة بحد ذاتها إذا فلسفناها
المقدم: يمكن أن يرجعوا أيضاً ويقولوا ما ذنب إبليس؟
د. هداية: هناك أمور لا يمكن لنا أن نشرحها لأنها تسبب بلاوي عند الناس وليس فقط بلبلة، إبليس قال لله تعالى (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي (16) الأعراف) قد يفهمها البعض أن الله تعالى حاشاه هو الذي أغوى إبليس لكن لما نناقشها بوعي، يجب من إيمانك بقدرة هذا الإله أنه لا شيء في الكون يحصل من غير إرادته وهذه تحتاج لحلقات لأنها ستردنا أسئلة كثيرة عنها. عندما نسمع قول أحدهم ما ذنب اليهود؟ لو فلسفناها أليس هذا إتهام لله تبارك وتعالى بأنه ظالم؟! كل آيات القرآن نحن وقّعناها وقلنا (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً (10) البقرة) البداية كانت عندهم هم.
المقدم: السؤال يمكن الإجابة عنه. توصيفهم في فاتحة الكتاب (غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7)) المغضوب عليهم هم اليهود.
د. هداية: أنا لست ممن يحب هذا التفسير، المغضوب عليهم يهود وغير يهود وملحدين وغيرهم. لما بعض أساتذتنا قسم المغضوب عليهم والضالين بين اليهود والنصارى اين تركوا الملحدين والمشركين والمنافقين؟ هذا فكر ضيّق، ضيق التوصيف في الآية والمعنى في الآيات واسع جداً.
المقدم: لنترك التفسير هذا، ويمكن أن نقول أن ذنب اليهود أنهم حُمِّلوا رسالة فخانوها فربنا غضب عليهم.
د. هداية: المسألة ليس فيها ذنب ولكن المسألة أن هذه الدنيا أتى الله تعالى بنا إليها وعلمنا منذ البداية منهجاً الذي يتبع المنهج يفوز. في أوائل سورة البقرة في التوب أول ما بدأت مسالة آدم والتوبة قال تعالى (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)) الذي يتّبع المنهج على مختلف العصور والأنبياء والمرسلين يعني اليهودي الذي قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن موسى رسول الله والنصراني الذي قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى رسول الله وماتوا على هذا فهم مسلمين وفي الجنة والله تعالى قال (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ (19) آل عمران) ويقول بعدها (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) آل عمران) القضية محسومة.
المقدم: هذا ليس معناه أن رسالة موسى مرفوضة أو رسالة عيسى مرفوضة
د. هداية: بالعكس وخواتيم سورة البقرة ترد على هذه المسألة (لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ (285))
--------فاصل----------
المقدم: في الفترة الأخيرة دار جدل يفتر قليلاً ثم يعود عن مسألة أن هناك لجنة ستعمل حواراً بين الأديان وذكرنا مراراً أنه علينا أن نعود للفظ الأدق وهو حوار الديانات أو الرسالات لأن الدين واحد وهو دين كل الأنبياء والرسل من عهد آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم. عندما يكون هناك نقاش علمي بين أهل العلم والتخصص يكون هذا الشيء مقبول لكن أحياناً بعض الناس تستغل هذا الكلام حتى تثير فتنة بين المسلمين وبين المسلمين والنصارى واليهود وهناك أناس همها أن تثير الصراعات بين الناس ولا أتكلم فقط في مصر وإنما عبر وسائل إعلامية تصل إلى ملايين المشاهدين في شتى بقاع الأرض. أتمنى أن ننزع هذا الفتيل ونحن نتكلم ونعرض أفكاراً أن لا يساء للآخر فمجالس العلم هي للمناقشة.
د. هداية: الذي يريد أن يتوقف عند كل كلمة وكل لفظ هو الذي سيتعب. نحن نعرض القرآن لله تبارك وتعالى ليس كتاب لي ولا لك ولا فكرة لي ولا لك وإنما هذا منهج الله سبحانه وتعالى وكتاب الله سبحانه وتعالى ونحن نتكلم عن الآية بكل ما تحوي الكلمات من معاني لأهل هذا الدين أنا لا أخاطب غير المسلمين وإنما أخاطب المسلمين. أنا أحمل همّ دعوة الأمة الإسلامية والذي يريد أن يناقش فنحن مستعدون لكن على أن يكون النقاش علمياً وليس صراعاً. النقاش العلمي وخلاف الرأي لا يفسد للود قضية لأهل الدين الواحد هذه مسألة ليس فيها خلاف.
المقدم: وعندما يكون هناك نقاش بين المسلمين والنصارى أو بين المسلمين واليهود؟
د. هداية: هذا لا باس به فالباب أمام اتباع دين مفتوح لم يقفل. ونحن رحبنا منذ سنوات بهذه القضية وبهذا الحوار (تعالوا إلى كلمة سواء) ليس هناك مشكلة في هذه المسألة.
المقدم: نحن لا نحدد من هو أفضل من من؟ ولا المسألة مسألة صراع وإنما من باب كوني إعلامي محترف عندما أعرض لقضية يجب أن أعرضها بمنتهى الأمانة ومنتهى الاحتراف ويكون عندي المنهج الذي أريد أن أبينه للناس وأشرحه كعقيدة هو القرآن الكريم. هل من المعقول أن أخفي بعض الآيات لأنها تكلمت عن فئة من الناس، عندما أجد في القرآن آية تذم في اليهود والذي فعلوه فهل أكون أنا الذي شتمت اليهود؟! وإذا كان هناك آية تتكلم عن النصارى وذكرت افعالهم (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ (73) المائدة) المفترض أن الذي وصف هؤلاء بالكفر هو رب العالمين سبحانه وتعالى فهل أملك أنا كشخص محترف أن أقف عند هذه الاية وأخفيها حتى أراعي مشاعر إخوة لنا في الوطن؟! فلماذا يغضبون مني إذا طرحت هذه الآيات؟ لو أرادوا أن يغضبوا فعلاً فليغضبوا من رب العالمين، هذا الكلام موجود عندنا في القرآن ولا أملك أن أغير فيه شيء فأرجو عندما نتكلم أن نتكلم من منظور العلم ومنظور اللجان العلمية التي يتكلم بها أهل العلم مع بعض أما الناس الذي يحرضون العامة وبسطاء الناس حتى يختلفوا مع بعض ويحرقوا الوطن هؤلاء حسابهم عسير عند المولى سبحانه وتعالى. أحببت أن أوضح نقطة النظام هذه.
المقدم: نعود إلى الشهادة ونعود لمسألة العدالة التي ذكرتها. قلت أن قائماً بالقسط يعني منتهى العدل والعدالة من هذا الإله الحق الذي لا يمكن أن يشوبه شائبة ظلم. فهل يمكن من ضمن المعاني في التوحيد أنه من العدل المطلق أن الوحيد الذي تنطبق عليه هذه الصفات هو الله سبحانه وتعالى هو أحق من يُعبد لأنه ليس هناك يدانيه ولا يقاربه في صفاته في الجلال والكمال والقدرة؟
د. هداية: هذا هو عين كلمة التوحيد. ما معنى التوحيد؟ عندما توحد الألوهية والربوبية يعني أنك تبعد المولى عز وجل عن ما يدانيه أو المثلية أو الشبيه أو الند. لو أردنا توقيع الآية (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) في القرآن، هذه شهادة الله تبارك وتعالى والملائكة وأولو العلم، وأين أنا وباقي الناس؟ وما المطلوب منا؟ عندنا سورتي الإخلاص من أهم سور القرآن الكريم إن صحّ التعبير، وكل سور القرآن الكريم مهمة لكن أقول من عظمة هذا الإله أنه لا يوجد من يقول لا يمكن أن أحفظ سورة الإخلاص (قل هو الله أحد) وأنا فوجئت ببعض الناس البسطاء لا يحفظون الفاتحة ويحفظون قل هو الله أحد. هذه في حد ذاتها تؤكد (قائماً بالقسط). أولاً السورة سميت الإخلاص، ما معنى الإخلاص؟
المقدم: إخلاص نيّتك وعقيدتك في توحيدك لله.
د. هداية: نحن عندنا إشكالية نعاني منها في المعجم اللغوي، المعاجم اللغوية تعطينا ضبط الكلمة ونحن عندما نذهب للمعجم اللغوي نبحث عن معنى الكلمة لكن للأسف المعاجم اللغوية ليست كذلك وهذه مسألة لا ينتبه لها إلا من يعمل باللغة. لسان العرب أو المحكم أو القاموس ومعظم المعاجم اللغوية لم تعطينا تحديد المعاني وإنما أعطتنا ضبط الكلمة. يعني مثلاً كلمة الإخلاص لو أردنا أن نشتغل عليها لغة ونحن قلنا أنها تساوي التوحيد. الإخلاص في الحقيقة عندما تشتغل الكلمة لغة من حيث تحديد المعنى وليس ضبط الكلمة كما نجد في المعاجم، يقولون الإخلاص أن لا تنافق، لا تضل، يعني يضبط الكلمة لكن نحن نريد أن نضع كلمة مقابل الإخلاص فلو بحثنا في لسان العرب وفي القواميس وكل المعاجم سنضع بكل ثقة التوحيد مقابل الإخلاص. لو قرأنا سورة الإخلاص (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴿١﴾ اللَّهُ الصَّمَدُ ﴿٢﴾ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴿٣﴾ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴿٤﴾) كفواً أحد يعني لا يكافئه أحد ليس كمثله شيء.
المقدم: وبالتالي هذا المتفرِّد هو أحق بالعبادة.
د. هداية: إخلاصك هو توحيدك لله تبارك وتعالى ولهذا العلماء الواعون من أهل اللغة سموا سورة الكافرون سورة الإخلاص الثانية. المشهور بين الناس سورة الإخلاص التي هي قل هو الله أحد لكن سورة الكافرون أهل اللغة سموها الإخلاص الثانية وليست الأولى لأن في السورة (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) فيها تخصيص الخطاب لفئة معينة بينما في سورة الإخلاص الخطاب عام (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) على الإطلاق مع (شهد الله أنه لا إله إلا هو). لو أردنا أن نشتغل بالتفسير وقلت لو وضعنا أمام شهادة الله شهادة منا؟ أقول لك سؤالك لفت نظري لنقطة أن شهادتي لم أقلها أنا وإنما قالها تعالى عنا (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ). (شهد الله) مطلقة ولما آتي أنا وأنت نشهد لا نقول نحن وإنما نأخذ من القرآن (قل هو الله أحد). وذكرنا سابقاً لو أن أحداً يستمع إلى نقاش فيبحث عن الحقيقة ليأخذ منه وهنا صاحب الحقيقة هو الذي يقول لنا (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) شهادتي أنا تأتي من شهادة الله تبارك وتعالى بأمر من الله تبارك وتعالى. هذه مثل كلمة (سبحان) التي ذكرناها في حلقات سابقة وقلنا أننا نحن لا يمكننا أن نسبح الله كما يجب فقال تعالى (سبحان الذي أسرى) (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون). هذه التوجيهات الإلهية لعجزي أنا عن أن أشهد الشهادة التي تليق بالله تبارك وتعالى. فلو سألني أحد من الله؟ أرد عليه فأقول (الله أحد) من الآية (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ).
المقدم: بعض الناس يسألون في هذه النقطة بالتحديد (قل) فعل أمر موجود في الآية فهل عندما أريد أن اقولها أنا هل اقول (قل) أيضاً أم أقول (الله أحد) مباشرة؟ وكذلك في الآيات التي تذكر فيها استعاذة من الشيطان الرجيم أو من الحسد (قل أعوذ برب الفلق) لو أريد أن اقي نفسي هل أقول أعوذ برب الفلق مباشرة أو يجب أن أقول (قل أعوذ برب الفلق) رغم أن (قل) فعل أمر والمفروض أن الناس سألت النبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ماذا نفعل لنتقي الحسد؟ فقال كما أخبره ربه (قل أعوذ برب الفلق)؟
د. هداية: السؤال لو كان في غير هذه الآية أو في عملية لغوية أخرى يمكن أن نحذف (قل) لكن في القرآن يجب أن نقولها. هذا الفرق بين النص القرآني والنص غير القرآني حتى لو كان كلام الله تعالى. فمثلاً الحديث القدسي هو كلام الله ولكن بصياغة الرسول صلى الله عليه وسلم. فالذين أجازوا إطلاق الحديث النبوي بالمعنى يطلق عندهم الحديث القدسي بالمعنى لأنها صياغة بشرية صياغة الرسول صلى الله عليه وسلم. لكن مع القرآن لا يمكن.
المقدم: ولذلك البعض عندما ينقلون كلاماً عن النبي صلى الله عليه وسلم يختمون بقولهم "أو كما قال"
د. هداية: يقولون "أو كما قال" لأنهم لا يضبطون المعنى. الرواية مختلفة أو هناك أكثر من رواية أو أخذوا الحديث من أكثر من رواية وكل رواية هي التي تحدد كلام الرسول ولا يمكنني أنا أنا أعرف كلام الرسول بالتحديد فبعد أن أذكر الرواية اقول "أو كما قال صلى الله عليه وسلم" صيانة مني لعدم الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم فما بالك بالله تبارك وتعالى؟ النص القرآني يختلف، لما قال تعالى (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) ثم قال (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)) لما تتصور أن المولى عز وجل يعطي النص القرآني لجبريل هل هو لنقله كنص قرآني أو لنقل معناه أو لنقل التكليف؟ النص القرآني هو لنقل النص القرآني لا لنقل المعنى ولا لنقل التكليف. النص القرآني (قل هو الله أحد) ينقله جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم كما هو (قل هو الله أحد) ومحمد صلى الله عليه وسلم يقول للعالمين (قل هو الله أحد) فلا يمكننا أن نحذف (قل) لأن هذا نص كلام الله تبارك وتعالى هو اختبر به جبريل واختبر به الرسول صلى الله عليه وسلم (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)) ولما تكلم عن جبريل قال (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)) وقال (مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) التكوير) لا يمكن أن يغير من عنده وإنما يبلغ الرسالة كما نزلت. فالنص القرآني أعطي لجبريل لينقله كنصّ لا كمعنى ولا كتكليف. وضربنا مثالاً سابقاً إذا أرسلت إبنك وقلت له إذهب لعمك وقل له كذا يأتي ابنك ويقول لي كذا على طول من غير لا يقول (قل لعمّك كذا) لأنه لا ينقل نصاً وإنما ينقل معنى أو تكليفاً منك لشخص آخر فليس لكلمة (قل) هنا معنى وربما بلّغ ما أرسلته به من دون كلام بحركة أو إشارة أو غيره. أما النص القرآن فالله تبارك وتعالى أعطاه لجبريل تكليفاً بنقل النص القرآني ولمحمد صلى الله عليه وسلم كذلك وبالتالي لنا نحن.
المقدم: الناس عادة هي التي تطلب الرسول والمنهج وعنما يأتي الرسول والمنهج لا تبعه هذا بالنسبة لي بمثابة اللغز فكيف نصحح هذه الطبيعة البشرية؟
-------------فاصل-------------
المقدم: سؤال فطري ومنطقي (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) قاعدة إلهية في القرآن الكريم وهناك فترة لم ينزل فيها رسل فأهل هذه الفترة لا يُحاسبون. طالما هناك رسول ومنهج ستقول أن ربنا حكم الموضوع من البداية لأنه هو تعالى الذي أمر أن يكون هناك منهج وتكليف ورسل مختلفين على فترات مختلفة في أزمنة مختلفة لتوعية الناس، وهناك آية تقول عكس هذا الكلام تماماً في سورة طه (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى (134)) هم الذين يقولون هذا. ربنا يقول لنا لو أنه بذاته العليا عذبتهم على أعمالهم لقالوا يا رب كنت بعثت لنا رسولاً حتى نتبع آياتك حتى لا نقع في هذا العذاب، والرسل أرسلوا واحد تلو الآخر والناس لا تسمع الكلام!
د. هداية: هذه هي الطبيعة البشرية التي جُبِلت على هذا ولذلك كم عدد أهل الجنة في مقابل أهل النار؟! في سورة يوسف أذكر بآيتين أن المولى تبارك وتعالى هو الذي قال هذا الكلام (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)) وهو الذي قال (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ (28) الفتح) هذا المطلوب، (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)) اللام في ليعبدون هذه ليست لام التعليل وإنما لام المطلوب. المطلوب هذا والذي تم ما هو؟ وكم نسبته؟ ربما من كل الف واحد، المولى تعالى يقول (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)) ولذلك توحيد الربوبية والألوهية علينا بعد كل عدد من الحلقات أن نتكلم فيها. بعد أن ننتهي من الحلقات لو سألت اي واحد ما الفرق بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية ستجده قد نسي تماماً بانتهاء الحلقة. الخلاف القائم أيها الأول الربوبية أو الألوهية؟ كيف أوحد الربوبية؟ ألم يقل صلى الله عليه وسلم "إذا سألت فاسال الله" ما هذا السؤال هنا؟ سؤال ربوبية، "وإذا استعنت فاستعن بالله" ربوبية وألوهية، "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء" "واعلم لو أن الأمة اجتعمت على أن يضروك بشيء" عندما تكون متأكداً أن النفع والضر بيد الله تعالى هذه ايضاً ربوبية وألوهية. لو سألتني كيف أوصف الربوبية والألوهية وايها تأتي أولاً أقول أنا عقيدتي أنا أن الربوبية أولاً لأن الخلق بدأ والدنيا بدأت بأول إخبار عن آدم في سورة البقرة (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً (30)) الجعل هذا خلق والخلق ربوبية، والخلق وما يستتبعه ربوبية، المولى خلق الخلق وأعطاهم الصحة والمال والأولاد كل هذا ربوبية وحتى ينجح أحدنا في تناول عطاء الربوبية يجب أن يكون عنده توحيد ألوهية ويتقي الله ويخاف الله ويصوم ويزكي ولذلك القرآن شمل كل هذا.
المقدم: إذن الناس التي تعيش بعيداً عن منهج الله هي التي لن تعرف أن نتجح بداهة في الامتحان.
د. هداية: تماماً لن تعرف أن تفعل شيئاً لأن النجاح يكون من المنهج وبالمنهج. أول ما نفتح المصحف تقع أعيننا على سورة الفاتحة ونحن نقرأها 17 مرة في اليوم هذا ليس من باب الصدفة! لكن إسأل أي واحد يصلي الصلوات كلها ماذا فهمت من سورة الفاتحة؟ والسؤال الأحرج ماذا طبقت منها؟ الناس تقرأ ولا تفهم ونحن لا نعرف لماذا نقرأ هذه السورة 17 مرة؟
المقدم: هل هذا تقصير من بعض عناصر الخطاب الديني في السنوات الأخيرة؟
د. هداية: لو قلت هذا الكلام أكون أظلم الناس، التقصير من الناس لأن يوم القيامة الحساب لكل شخص لوحده ولو كان الحساب يوم القيامة أنه سيأتي على رأس كل جماعة شيخهم أو أستاذهم لكان هو المسؤول وإنما هو يأتي على رأس كل جماعة بنبيّهم لكل أمة هل بلّغ أو لم يبلِّغ؟ لا يثسأل هل طبقوا أم لا. رب العالمين سال عيسى عليه السلام (وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ (116) المائدة) والقرآن الكريم رد على لسان عيسى عليه السلام رداً مبدعاً فقال (قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ). ساعة سأل الله تعالى عيسى كان يعلم وإنما السؤال كان للتحقيق ولبيانه أمام الناس. لكن لما عيسى شرح الموضوع قال عندما كنت حياً بينهم كنت أبلّغ (وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ) لكن (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) المائدة) وساعة ما كان عيسى عليه السلام يبلغ كان الله تعالى رقيباً أيضاً. ولذلك سبق وذكرنا أكثر من مرة أننا لا نُعمل صفة الرقيب للمولى تعالى وهذا الذي يوقع الناس في الخطأ ولو أن أحدنا شغّل صفة الرقيب عنده لما اقترف السيئات وللأسف أنهم يسمون من يعمل بالأفلام الرقيب وهذه قلة أدب، كنت أسمع مرة برنامجاً في التلفزيون فسمعتهم يقولون الرقيب فقلت في نفسي هل وصل الناس إلى هذه الدرجة من العلم؟! من الرقيب؟ الرقيب هو الله تبارك وتعالى لكنهم يطلقون الرقيب على الرجل الذي يعمل الرقابة على الأفلام، هذه أمة ضُلِّلت!
المقدم: ولهذا أسالك عن أولي العلم ودورهم. الذي يتقدم للثانوية العامة لو لم يذاكر جيداً طوال السنة إشكاليته تكون على ماذا يركز قبل أن يدخل الاختبار؟ لكن امتحان الدنيا والآخرة الذي نعيش فيه نحن ربنا تعالى أعطانا المنهج منذ البداية ثم عرّفنا بالأسئلة وأعطانا الأجوبة كلها ماذا نريد بعد أكثر من هذا؟! ولما نفشل في الاختبار؟!
د. هداية: عندما يناقشك أحدهم اليوم في حديث من قال لا إله إلا الله دخل الجنة هو يناقشك وهدفه أن تكون المسلأة مقتصرة فقط على القول لا على القول والعمل. مع أن قوله تعالى (قل هو الله أحد) تظهر أنه قول وعمل وليست مسالة قل فقط، هو ينقلها بكلمة (قل) لأن هذا عمل ولو كانت مجرد قول لنقل لنا القول فقط (الله أحد) لكن من باب الامتحان للأمانة التبليغية لجبريل عليه السلام ثم للرسول صلى الله عليه وسلم ثم للأمة أن تنقل الرسالة بالنص (قل هو الله أحد).
المقدم: الرسالة نقلت بالنص لكن لم يبين أحد أو يأول للناس أو يفسر لهم. الذي نعيشه في الدنيا هو امتحان وابتلاء مثل الثانوية العامة مع فوارق أنه في الثانوية العامة لو كنا في منطقتين مختلفتين أسئلة الامتحان بالنسبة لنا نحن الاثنين هي نفسها أما في الدنيا فلكل واحد اختباره فلان يبتلى بالمرض وآخر بالموت وآخر بالمال، ألا تسمع على ألسنة المبتلين لماذا رب عملت بي كذا؟ هل هذا فاهم أو غير فاهم؟
د. هداية: غير فاهم.
المقدم: هل هو غير فاهم لأنه إنسان سيء أو لأن شيوخه وعلماؤه قصروا في تبيين المنهج، منذ الصغر وأنا أحضر خطب الجمعة لكن كم هي الجرعة من الخطب التي تكلمت في العقيدة وفي سبب الخلق؟!
د. هداية: أنا موافق معك في هذه النقطة لكن أسأل سؤالاً أخطر هل هذا عذر يوم القيامة لتخفيف العذاب؟ أن الخطاب الديني عندي لم يكن جيداً أو أن شيوخي لم يقولوا لي أو أو. عندما أقوم بعمل عملية اقتصادية أبحث وأفتش لأعرف كل الأمور وأعمل دراسة جدوى لكن للأسف لا أعملها في ديني إذن التقصير يكون فينا نحن (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا (13) الإسراء) قال في عنقه هو لا في أستاذه وشيخه ومفسره! لو سمعنا الاية لأول وهلة (كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا) تظن أن الكتاب فُرض عليه ثم تكمل الآية (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)) حدد الكتاب لنا بكاف الخطاب (كتابك).
المقدم: حتى الإنسان الذي يعلم أن لديه من العلم الديني القليل وغير مثقف دينياً عليه أن يسعى أن يفهم لكي ينجح في الامتحان.
د. هداية: من الذي يبحث عن العلم الشيخ أم التلميذ؟ من الذي يبحث عن الشيخ الجيد؟ أنت غذا شعرت بمرض تذهب لأفضل دكتور، إذن أنت الذي تفعلها. هناك تغيير في المجتمع هذه الأيام بشكل طيب ووجود أكثر من برنامج وأكثر من قناة فضائية وأكثر من شيخ يتكلم البعض يعتبرها بلبلة لكن نحن لا نريد أن نوحّد الفتاوى، نحن عندنا أربع فقهاء على الأقل وأذكر أن الشافعي كان تلميذ مالك وخالفه وأحمد كان تلميذ الشافعي وخالفه فلا يوجد عندنا أن الكل يقول مثل الآخر لأن مفهوم مالك للنص الحديثي غير مفهوم الشافعي كل واحد منهم فهم شيئاً وتكلم به واختلافهم كان في الفروع وليس في الأصول، كل واحد فهم الفرع بطريقته وهذا ليس عيباً. كثرة القنوات وكثرة الشيوخ ليس عيباً لأن الناس اصبحت من الكسل بمكان أنها تريد الجرعة الدينية عبارة عن لقمة يأكلها وانتهى الأمر. الآية تقول (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ) هل سال أحدنا نفسه لماذا سمي العمل طائراً؟ وقال (في عنقه) وقال (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا (13) اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)) ثم قال (مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15)) قال يهتدي لنفسه ولم يقل لشيخه أو ابنه أو أبيه أو أخيه، (مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) قال عليها ولم يقل لها لأن الإنسان هو الذي يحمل ما عمل. فرق عندما تشعر بألم بسيط في معدتك وعندما تشعر أن عندك ورم لن تحتاج عندها لطبيب عادي وإنما تبحث لك عن متخصص في هذه الأمراض وتسأل الجميع.
المقدم: ولهذا يجب ضبط الفتوى للمتخصصين. بعض الاختلافات في الاجتهادات هذا مقبول في الفروع.
د. هداية: البعض يسألنا في الدروس التي نعطيها عن أمر فيه إلتباس نقول له إتصل بدار الإفتاء رغم أننا يمكن أن نجيبه لكن هناك نقطة نظام يجب أن نعملها. كنت مع الشيخ سالم عبد الجليل وكيل وزارة الأوقاف وهو صديق وحبيب منذ زمان وكنا مع بعض في برنامج البيت بيتك وقلنا هذا الكلام في مسألة الترخيص بالفتوى ولم نختلف حتى معدّي البرنامج تصوروا أنه سيحصل بيننا خلاف. نحن لم نختلف لأننا جميعاً كنا نتكلم بمنطق فلم نختلف واتفقنا على أنه يجب أن يكون هناك متخصصون للفتوى لأنه في بعض الأحيان الفتوى تكون مرتبطة بشيء يخص البلد كله فيها ناحية سياسية ويجب أن نكون من الذكاء بمكان بإحالة مثل هذه الفتاوى على فضيلة الشيخ مفتي الديار المصرية لأنه هو أدرى مني بهذه المسألة وهذا اختصاصه. توحيد الفتوى شيء مطلوب إنما الناس تريد أن توحّد الدعوة لكن هذا يحدّ الخطاب ويحدّ المفاهيم . بعض التفاسير تضيق النص لكن نحن نريد توسيع دائرة التفسير ومعنى الآية وهذه مسألة راجعة لضبط المعنى وتحديد المعنى في النص القرآني حتى أطبقه.
المقدم: قبل أن نختم نعيد المشاهدين لمفهوم التوبة الذي نتكلم عنه ونعود لسورة الأعراف التي تناولناها منذ عدة حلقات بالتحديد الآية (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)) لما تكلمنا عن موسى عليه السلام طلب من ربنا أن يراه بما أنه كليمه، وخر موسى صعقاً. لكن نقف عند قول موسى عليه السلام لما أفاق قال (سبحانك) لماذا وردت هنا أول ما أفاق؟ ولما قال (تبت إليك)؟ لماذا هذه التوبة؟ هل اعتبر نفسه عمل معصية؟ وثالثاً (وأنا أول المؤمنين) المؤمنين بماذا؟ أسئلة كثيرة إن شاء الله نجيب عنها في اللقاء القادم. جزاكم الله كل خير وإن شاء الله اللقاء القدام سنعود لحالات التوبة ونتكلم كما قلنا في سورة الأعراف وآيات أخرى مع ارتحالنا في كتاب الله. نراكم بالف خير وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 23/6/2009م

ميارى 29 - 7 - 2010 04:08 AM

التوبة والاستغفار 108
تقديم علاء بسيوني
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم. الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمتهوبركاته. موعد ولقاء جديد نخطو فيه سوياً خطوات على طريق الهداية. عندما نعمل مقارنة بين التوحيد وبين كل ما سواه من أفكار ليس معنى هذا أن يذهب تفكيرنا إلى كلمة المشركين على مفهومها الذي نعرفه من مشركي قريش وإنما نتكلم عن المسلم والمؤمن ذو العقيدة السليمة ولا يشرك مع الله تعالى أي شيء في أي قضية. مثال الذي يبحث عن منفعة من عند غير الله والذي يعتقد أن رزقه بيد أحد غير الله أو مع الله، أمور بسيطة تحصل وأنت تقول أنا مسلم ومؤمن بالله وموحِّد لله لكن يمكن أن تقع في نوع من الشرك. هذا الموضوع خطير ويحتاج أن نتكلم فيه حتى نصل لعقيدة سليمة. أرحب بكم وأرحب بضيفي وضيفكم الكريم الدكتور محمد هداية.
سورة آل عمران الآية 18، شهادة الله والملائكة وأولو العلم، قائماً بالقسط، لا إله إلا هو العزيز الحكيم. نستمع للآيات أولاً ثم نسأل بعض الأسئلة التي وصلتنا كردود على الحلقات السابقة.
(شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20))
ليس من قبيل الصدفة أن هذه الآيات الثلاث يتكلم فيها الله سبحانه وتعالى عن شهادته بالوحدانية. وشهادة الملائكة وأولو العلم ثم يتحدث عن الأمم السابقة من أهل الكتاب وأنهم برغم أنه جاءهم العلم حصل منهم اختلاف عن هذا التوحيد. ثم يتكلم عن الذين أوتوا الكتاب وعن الأميين. أسئلة كثيرة جداً تكلمنا فيها سابقاً عن مفهوم (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) كثير من الناس لا يفهمون هذه الآية.
د. هداية: هذه الاية في سورة آل عمران أيضاً ووردت بعد آية (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُو) وفي الآية 85 من سورة آل عمران قال تعالى (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) وتجد كل سورة آل عمران تتكلم في التوحيد والموضوع يحتاج لفهم بعمق وتدبر وتروي.
المقدم: بعض الناس يختلط عليهم الأمر فيقولون القرآن تكلم فيه المولى سبحانه وتعالى عن الأمم السابقة وتكلم عن عيسى عليه السلام وعن موسى عليه السلام وباقي الأنبياء وأن القرآن تحدث عن وجود رسالات وكتب منزلة من عند الله تبارك وتعالى، التوراة أنزلت على موسى عليه السلام والإنجيل أنزل على عيسى عليه السلام فكيف يتكلم القرآن عن وجود رسالات سماوية وديانات من عند الله سبحانه وتعالى بينما يقول (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) فكأن هناك تناقض يبدو لأول وهلة أو أن القرآن لا يعترف بديانات ثانية ويجب على الجميع أن يكونوا مسلمين.
د. هداية: التناقض عند الذي لم يفهم القرآن.
المقدم: بالضبط ولكن أحببت أن أطرح هذا السؤال لكي نرد عليه. وسؤال آخر عن الشهادة (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُو) بعض المفسرين قالوا شهد الله تعني بيّن وأعلم وآخرون قالوا شهد الله يعني دلنا على وحدانيته بما خلق في الكون وآخرون قالوا شهد الله بمعنى قضى وهناك آراء كثيرة وتفسيرات لكلمة الشهادة تختلف عن مفهومنا نحن لها الآن. وتفسير آخر يقول أنه شبهت الدلالة على الوحدانية بالأفعال والوحي للأنبياء. آراء كثيرة وردت في معنى الشهادة وذكرت من هم أولو العلم هل هم الأنبياء أو أنها مفتوحة تشمل كل من علم حقيقة التوحيد من الأنبياء والتابعين بل من الأمم السابقة الذين تحدث عنهم القرآن أنهم لما كان يسمعون القرآن ترى أعينهم تفيض من الدمع لأنهم عرفوا أنه الحق من ربنا. عندنا تفسيرات نريد توضيحها في كلمة (شهد). أسأل سؤالاً هو نقطة نظام أساسية وهو لماذا نحن نحتاج أن نسمع شهادة ربنا، ربنا يقول (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُو) لماذا أنا كإنسان مسلم أحتاج أن يشهد ربنا هذه الشهادة؟ أليس من المفروض أن أشهد أنا هذه الشهادة طالما أن هذا امتحان غيبي؟ نحن لم نر الله تعالى في الدنيا ولم نر الملائكة ونحن من أتباع الأنبياء المختلفين من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم نحن لم نره ولكن كل وصل إلينا هو من القضايا الغيبية كالبعث والحساب والجنة والنار، كلها أمور غيبية فالمفروض حتى أنجح في الامتحان أن أشهد أنا، فلماذا أحتاج لشهادة ربنا؟
د.هداية : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. في البداية أحييك على السؤال الأخير وهذه الطريقة في التلقي والتدبر هي ما يجب أن يكون عليه متلقي القرآن. المولى عز وجل يفتح للذي ارتضى له الهداية يفتح له كيف يتدبر وهذه الآية تحدثنا فيها سابقاً لكن اليوم ربنا فتح لك بالسؤال بهذه الطريقة. نحن عندنا مشكلة كبيرة في التلقي وفي التدبر وعندنا مشكلة أكبر في فهم اللغة العربية. لا يمكن لأحد أن يجيب على سؤالك الذي طرحته ولن تجد الإجابة عليه في أي كتاب تفسير لأن نحن ذكرنا من حلقات أنه حتى المعجم اللغوي لم يعطي معاني الكلمة وإنما هو يضبط الألفاظ. أنت تحتاج لمعنى كلمة شهد اللغة العربية ليست كذلك ولا تُفهم بالمعنى وذكرنا سابقاً أن الكلمة في القرآن تأتي إما بالمعنى أو بلازم المعنى أو بالمراد من المعنى. الكلمة ومعناها فكرة قديمة بعيدة عن العظمة اللغوية في القرآن وعن البيان اللغوي في القرآن. أنت وضعت السؤال بشكل لم يتوقف عنده المشاهد من قبل فلم تسأل ما معنى شهد الله وإنما سالت لماذا أحتاج لشهادة الله؟ لو سألت ما معنى شهد لأجبتك أنها لا يمكن أن تُفهم بالمعنى. أنت سألت لماذا أحتاج لشهادة الله.
المقدم: لدي سؤال إضافي استكمالاً لهذا السؤال وهو هل المحتاج لهذه الشهادة هو المسلم الموحِّد فقط أو غير المسلمين؟
د. هداية: السؤالان مع بعضهما. عندما نقول شهد فلان بكذا ماذا تسميه؟
المقدم: عندنا صياغتان لغويتان: شاهد وشهيد
د. هداية: إسأل أي شخص في الشارع الآن وسألته من الشهيد؟ فيجيب بتسرع غير مسبوق أنه الذي مات في الحرب. هذه إجابة تدل على أن صاحب الإجابة لم يفهم القرآن في يوم من الأيام لأنه لم يستق المعنى من القرآن، لو سألتني هذا السؤال من هو الشهيد؟ سأجيبك الشهيد مطلقاً هو الله تبارك وتعالى وهذه تظهر في قوله تعالى (وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا (79) النساء) وحتى أوضح للناس فهمهم الخاطئ لمعنى هذه الكلمة كنت أسألهم هل الله تبارك وتعالى مات في الحرب حتى يقول عن نفسه (شهيدا)؟! لأن المعنى السائد عند الناس أن الشهيد هو الذي مات في الحرب. وهذا كلام مجرد عن المعنى وعن المراد وعن لازم المعنى في اللغة.
المقدم: عندما تكلم المولى تبارك وتعالى عمن قتل في الحرب شهيداً في سبيل الله لم يذكر كلمة شهيد أبداً وإنما قال (أحياء عند ربهم يرزقون)
د. هداية: أحياء هذه النتيجة لكنه قال عمن مات في الحرب (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) آل عمران). سمعت مرة في برنامج على قناة فضائية أحد المشاهدين إتصل بالمذيع يعاتبه كيف يقول على من مات في الحرب أنه قُتل ولم يقل عنه شهيد فالمذيع اعتذر من المتصل على هذا الخطأ منه وأنا ظننته سيدافع عما قاله في وصفه للذي مات في الحرب لأنه هو على صواب. هذه قضية خطيرة. الشهيد مطلقاً هو الله تبارك وتعالى والشهيد من الأنبياء والمرسلين مطلقاً محمد صلى الله عليه وسلم ثم الأنبياء على أممهم ثم أمة محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأمم. هذه الإجابة هي المنطلق الذي سنعمل على أساسه. (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا (143) البقرة) وهذه آية من الآيات تحتاج لحلقات عديدة لأن كلمة (وكذلك) يجب أن نقف عندها لأن فيها تشبيه، ما معنى (وكذلك)؟ العِلّة هي (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) عندي سؤالان: هل كل الأمة ستموت في الحرب؟ على المفهوم السائد لكلمة شهيد؟ والسؤال الآخر لو أنا وُلِدت عاجزاً لن أقدر أن أكون شهيداً. حتى ننتزع الفكر السائد من عند الناس ونضع الفكر القرآني وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم في المعنى اللغوي يجب أن نسال هذان السؤالين هل كل المسلمين سيموتون في الحرب لهذا يقول تعالى (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ)؟ حرف (على) يُظهر معنى كلمة شهداء لكننا لم ننتبه له. والسؤال الثاني لو فلان من النسا وُلِد عاجزاً ألن يمكنه أن يكون شهيداً؟
المقدم: نجيب عن هذه الأسئلة بعد الفاصل، تابعونا مرة أخرى في طريق الهداية.
----------فاصل----------
المقدم: (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) هل كل أمة محمد صلى الله عليه وسلم ستموت في الحرب ليكونوا شهداء؟ بالتأكيد لا. وكذلك الذي ابتلي بعجز في صحته لن يستطيع الحرب فهل هذا لن يمكنه أن يكون شهيداً أو شاهداً؟ وما الفرق بين الشهيد والشاهد؟
د. هداية: الشاهد والشهيد بنفس المعنى وهي من فاعل وفعيل، شهيد تعطي معنى في اللغة أقوى من كلمة شاهد. نعود للقضية الأساسية الشهيد مطلقاً هو الله سبحانه وتعالى.
المقدم: أليس (الشهيد) إسم من أسماء الله الحسنى؟
د. هداية: هنا نعود لمشكلة الأسماء. الشهيد صفة من صفات الله تبارك وتعالى. سبق وتحدثنا في موضوع الأسماء وقلنا لله تبارك وتعالى إسماً هو (الله) هذا العلم على الذات والباقي صفات باستثناء (الرحمن) وهذه قضية تحتاج للشرح ثانية لأن لفظ الرحمن يعمل كصفة وكإسم والقرآن أعطى لازم هذا المعنى. أما إسم الله تبارك وتعالى فهو (الله) وهو الإسم العلم على الذات. بقية الأسماء كما في الآية (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (180) الأعراف) الناس تقول الأسماء جمع إسم لكن الأسماء هنا تعني الصفات لأن كلمة إسم في اللغة تعني الصفة (بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ (11) الحجرات) الفسوق هنا صفة، بئس الإسم أي بئست الصفة أن تكون قد اتصفت بالإيمان ثم توصف بالفسق فكلمة الإسم في اللغة العربية في الحقيقة إما علم على الذات وإما صفة من الصفات. فكلمة (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى) الناس لم تنتبه من الآية لأن كلمة الأسماء هنا تعني الصفات لأن الآية تقول (ولله) هذا الإسم العلم على الذات، الله له أسماء يعني صفات فمعنى الآية ولله الذي اسمه الله صفات فادعوه بها.
المقدم: إذن في بحث كثير من الناس عن إسم الله الأعظم تضييع وقت فلا يجب أن نبحث في الصفات وجائز أن يكون هو إسم الله.
د. هداية: نعم. والرسول صلى الله عليه وسلم في حديث صان احتمال أن لا تُشغل نفسك بأكثر من اللازم في هذه المنطقة فقال "اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك" والرسول صلى الله عليه وسلم يعني هنا الصفة. محمد صلى الله عليه وسلم هذا الرجل العظيم الذي لم يفهم كثيرون كلامه إلى الآن فيفسرون أحاديثه بكلام فارغ مثل حديث الرضاع لأنهم لم يفهموا المعاني. الرسول صلى الله عليه وسلم كلامه يساوي إن صح التعبير كلام القرآن بمعنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم تعلم من القرآن البيان اللغوي.
المقدم: وهو قال "أوتيت جوامع الكلِم" وأوتيت تعني أنها ليست من عنده.
د. هداية: طبعاً. أوتيت فعل مبني لما لم يسمى فاعله. الرسول صلى الله عليه وسلم تعلم من القرآن وهذه نقطة مهمة جداً. لما قال للرجل إرجع فصلي فإنك لم تصلي، هذا حديث نسمعه كثيراً لكن معناه قوي جداً وهو صلّيت وما صليت، هذا المعنى أخذه الرسول صلى الله عليه وسلم من الآية (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) الفرقان) كيف يكونوا اتخذوا وكيف مهجورا؟ أتخذوا يعني أخذوا ومهجورا يعني لم يأخذوا، هذه بمعنى إرجع فصلي فإنك لم تصلي. الرجل صلى وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول له صلِّ لأنك صليت وما صليت. الرسول صلى الله عليه وسلم عندما نقرأ أحاديثه تجده أنه أفاد من القرآن مائة في المائة وهذا شيء منطقي وكبيعي ان ينفعل للآية وبالآية فتجد كلام الرسول صلى الله عليه وسلم فيه البلاغة القرآنية ولذلك الحديث الضعيف والموضوع يظهر على الفور من صيغته ولأنه كلام فارغ لا يقوله محمد صلى الله عليه وسلم. نحن نقول غبن القيم رضوان الله عليه لا يمكن أن يكون قد قال هذا الكلام في كتابة الروح في بعض المسائل التي دُسّت في كتابه، نقول لا يعقل أن يكون ابن القيم قال هذا الكلام لأننا نعرف أسلوبه من شواهد بعض المحققين.
المقدم: كما يحدث عندما نحضر خبير في الخطوط انتأكد من خط فلان من الناس فيفحصه ويقول أن هذا إما خط فلان أو ليس خطه.
د. هداية: هذا في الخط وكذلك في الفكر. فالآية تقول (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى) الإسم هو الله. في الفاتحة نقول (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)) لو سألتك من رب العالمين؟ ستقول الله. (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى) إذن الأسماء هذه لا تشمل العَلَم الذي على الذات وتكون هذه الأسماء تعني الصفات فادعوه بها.
المقدم: نعود لموضوع شاهد وشهيد.
د. هداية: الذي مات في الحرب يقال عنه قُتل في سبيل الله. من الذي قال عنه شهيد؟ الرسول صلى الله عليه وسلم، رفعه درجة عالية، لماذا؟ لو سألت من الشهيد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ قلنا أن الشهيد مطلقاً هو الله تبارك وتعالى ومن الأنبياء والمرسلين مطلقاً محمد صلى الله عليه وسلم ثم الأنبياء والمرسلين على أممهم ثم أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الأمم. من من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يشهد؟ من من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يشهد على أمة نوح مثلاً؟ من قرأ القرآن وتدبره وفاصبح شهيداً بمعنى عالم. هنا شهد من علمه لأن الشاهد الذي يأتي للمحكمة ويقول للقاضي أنا سمعت يقول له القاضي إذهب، مثل الشاهد الذي لم ير شيئاً، يجب أن يكون الشاهد رأى وسمع لا تنفع أن يكون سمع فقط ولا يمكن للشاهد أن يشهد بما قيل له لكن عليه أن يرى ويسمع ويفهم ما يشهد به فشهادته تأتي عن علم. فالشهيد هو العالِم وهذه ليست من باب الصدفة أن يذكر القرآن في الآية (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ) شهد الله وشهد معه المئلاكة وأولو العلم. إذن شهد هنا جاءت من الشهيد سبحانه وتعالى لأنه عالِم. نعود للسؤال لماذا صيغت على أنها شهادة؟ سبق أن ذكرنا في حلقات سابقة لو كان هناك مجموعة من الناس مختلفين مسلمين ونصارى ويهود وملحدين ومشركين وهناك من يجلس بينهم ويريد أن يتبع واحداً من هؤلاء فهل يمكن أن يقول أن هناك واحداً من هؤلاء صح بنسبة مائة في المائة؟ كلنا بشر أمامه. لو جاءت الآية بصيغة "قال الله أنه لا إله إلا هو" القول غير الشهادة، القول لا يؤدي معنى العلم لكن عندما يقول شهد تحتمل أكثر من معنى كما ذكرت، كل هذه المعاني صحيحة لكن يجب أن تُجمع بمعنى أن الله تبارك وتعالى شهد بمعنى علِم وأعلم جاءت من الايات الكونية التي وضعها المولى تبارك وتعالى تدل على الوحدانية ووضع آيات في نفسك تدل على الوحدانية ووضع أمامك مرىئي واستحداثات تدل على الوحداني تجعلك تنفعل وتقول الله، سبحان الله، ما شاء الله، هذا توحيد. سبق وذكرنا أن الصانع الجيد يمكن أن يكون داعية من غير أن يشعر فهو إذا أتقن صنعته يجعلك تقول الله، أنت تذكر الله، عندما ترى شيئاً جميلاً تقول على الفور سبحان الله، ما شاء الله، الله، هذا ذكر إذن خلق الصانع ولو كان كافراً إذا أتقن عمله يجعلك توحد الله فتقول سبحان الله، ما شاء الله، الله. فعندما يقول تعالى (شَهِدَ اللّهُ) شهد هنا لا تؤخذ بالمعنى. سبق وتحدثنا عن قوله تعالى (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ (72) الفرقان) هذه لا تعني شهادة مثل شهادة المحكمة وبعض المفسرين قصروها على معنى أنها شهادة الزور وذكروا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور" المعنى ليس كذلك، يشهدون في الآية تعني يحضرون أي أنهم لا يحضرون الزور وهذا المعنى يحتمل الشهادة ويحتمل الحضور أما قصرها على الشهادة فيضيع معنى الحضور. شهد يعني علِمَ وأعلم وأخبر. لو رجعنا للآية التي قبل ىية الشهادة في سورة آل عمران قال تعالى (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)) عندما أقول لك (قل أئنبكم) ستقول نعم، إذن أنا سأعطيك نبأ التي هي شهد يعني علِم وأعلم. يجب أن نسأل أنفسنا لماذا قال شهد؟ لأنه هنا يتكلم عن (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)) الله الذي عنده حسن المآب قال (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُم) من كل الذي ذُكر في الاية السابقة. وفعل (زُين) فعل مبني لما لم يسمى فاعله الذي يقول عنه الناس مبني للمجهول، من الذي زيّن؟ هنا ممكن أن نقول مبني للمجهول لأن الذي زيّن هنا إما الشيطان وإما النفس لكن لصيانة الاحتمال نقول مبني لما لم يسمى فاعله لأنه في بعض الأحيان يكون الفاعل المحذوف هو الله تعالى فلا يصح أن نقول مبني للمجهول في حق الله تبارك وتعالى وإنما نقول مبني لما لم يسمى فاعله. بعدما سمعوا الاية قالوا الله تعالى برّأنا لأنه زُيّن لنا لكن الآية بعدها تقول لهم هل أدلكم على أفضل من هذا كله وأعطيكم جنة النعيم فيها دائم على عكس شهوة النساء والمال هذه شهوة مؤقتة، هل أخبركم بأفضل من هذا حيث النعيم دائم؟ ومن الذي يأخذ هذا النعيم؟ (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ (17)) وصفهم المولى تعالى مباشرة بعد الآية (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15))
المقدم: يقول تعالى (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ (17))
د. هداية: ذكر خمس صفات ثم قال تعالى (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) في آخر سورة الفرقان قال تعالى (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا (75)) ما الذي يجعلهم يصبرون على كل هذا؟ يجب أن يكون علماً مؤكداً لا نفع أن تكون قال أو اعلموا وإنما شهد الله. إذن هذا النبأ (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ) جاء بصيغة شهادة والشاهد أو الشهيد يجب أن يكون عليماً فما بالك برب العالمين؟
المقدم: لماذا أنا كمسلم محتاج لشهادة الله ولماذا غير المسلم محتاج لشهادة الله؟ وهناك سؤال آخر هل هذه الشهادة نوع من المقابلة على العهد والميثاق والشهادة التي أخذها ربنا على ذرية آدم (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) الأعراف)؟
-----------فاصل--------------
المقدم: هل هناك مقابلة بين الشهادة في سورة آل عمران شهادة ربنا لنفسه بالوحداني وبين الشهادة الثانية من الناس عندما سألهم رب العالمين (أَلَسْتَ بِرَبِّكُم) قالوا (بَلَى شَهِدْنَا)، ذرية آدم كلها شهدت أن ربنا هو الرب والإله، هل هناك مقابلة أو علاقة بين الشهادتين بأ شكل من الأشكال؟
د. هداية: العلاقة وثيقة جداً ومهمة جداً في التوقيع. وهذه المسألة غابت عن كثير ممن تناول القرآن بالتفسير. يجب أن ننتبه لسؤالك في الآية (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ) قال أشهدهم ولم يذكر قول. نحن توقفنا في الحلقة السابقة عند قوله تعالى (إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) المنافقون) المنافق دائماً يقول ولو تتبعت القرآن ستجد الآيات التي تتحدث عن المنافقين دائماً يأتي معها فعل القول (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) البقرة) (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ (14) البقرة) إذن عمل المنافق شيء وعمل المسلم الموحد شيء آخر. وعندما أقول المسلم الموحد لا أقصد أتباع محمد صلى الله عليه وسلم فقط وإنما أقصد أتباع كل نبي ورسول من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة. العلاقة بين الشهادتين موجودة، والفاعل هو الله والقرآن كله كلام الله سبحانه وتعالى لكن لما ربنا جمع أبناء آدم من ظهور آبائهم من عهد آدم إلى يوم القيامة (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) الأعراف) كان يمكن أن يقول هنا وطلب منهم لكنه قال طلبها شهادة، هذه تجيب على كلمة شهد. أنت سألت هل أنا محتاج لشهادة الله؟ نعم أنا محتاجها شهادة حتى يكون إعلان التوحيد ليس مجرد قول مجرد أو علم عادي وإنما علم من الشهيد سبحانه وتعالى بدليل أنه لما طلب منا أن نقولها في عالم الذر لم يطلبها قولاً وإنما طلبها شهادة. ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال "ما من مولود إلا يولد على الفطرة" والقرآن الكريم قال (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا (30) الروم) هي الإسلام، التوحيد. فلما قال تعالى (وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ) عندما أشهدهم قالوا هم (قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا)
المقدم: قال (على أنفسهم) وتكون (وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ) مردودها (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) الإسراء)
د. هداية: ولذلك لما قالوا (بَلَى شَهِدْنَا) قال لهم (أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) هذه الآية عظيمة كأن الفطرة عندك تجعلك موحداً فإذا لم توحد لا تأتي يوم القيامة وتقول أنا غفلت! وحتى لا تقول أنا غفلت بعد أن قال (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) الإسراء) قال (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء) إذن حتى لو غفلت سينبهك المولى تعالى ولذلك قال تعالى للرسول (وذكِّر). الرسول صلى الله عليه وسلم مهمته البلاغ وهو عملية تذكرة ولذلك في صفات عباد الرحمن قال (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)) هم يعرفونها. هذه الايات كلها لما تتسق مع بعضها تفهم أن المولى طلبها منك في عالم الذر شهادة وأنت في عالم الذر شهدت ثم في الدنيا عندما يأتيك الرسول بالبلاغ (وأقصد بالرسول هنا من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة وكان شرفاً لنا أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم هو نبينا ورسولنا، هذا شرف ونعمة نحمد الله تبارك وتعالى عليه) كل الأنبياء نوح إبراهيم موسى عيسى كلهم إلى آدم الرسالة تتعدد لكن الدين واحد. إذا كانت طُلبت منها في عالم الذر شهادة وأنت شهدت بها وجئت في الدنيا طُلبت منك شهادة فيجب أن يشهد لك أو يشهد أمامك حتى تأخذها أنت شهادة من باطن شهادة، فشهادتي أنا بأنه لا إله إلا الله جاءت من شهادة الله تبارك وتعالى (يسميها أهل اللغة شهادة الذات للذات) أن يشهد الله تبارك وتعالى لكن ليست يقول أو يُخبر أو يُنبئ مع أنه قبلها قال (قل أؤنبئكم) سيقول لنا نبأ ثم بعدها خذوا شهادة الله تبارك وتعالى. وعندما تكون أمامك شهادة الله تبارك وتعالى وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة سيضرب لك مثالاً بجنسين في منتهى الإبداع. الجن مطالب بالقرآن ومنهم من استمع القرآن وأعلن التوحيد لكن لم يذكره في الاية وإنما ضرب المثل في الآية بالملائكة ولم يذكر الناس أو المسلمين أو المؤمنين ولا المتقين وإنما قال أولو العلم. ضرب المثال بالملائكة التي ليس عليها خلاف على علمهم، هذا الجنس لما يقول أو يشهد (عطف الملائكة وأولو العلم على شهد الله فقال (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ))
المقدم: ساقرأ ما ذكره أهل التفسير في معنى أهل العلم.
د. هداية: هم قالوا كثيراً لكن أحب الكلمة القرآنية أن تجمع شتات المعاني. أولو العلم هم الأنبياء والمرسلين قطعاً، وأهل اللغة لما فسروا قوله تعالى (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ (40) النمل) البعض قال أنه واحد من الجن وأهل اللغة قالوا هو سليمان نفسه. ورحم الله شيخنا وأستاذنا الشيخ عبد الجليل عيسى رحمة الله عليه والشيخ الشعراوي ونحن ندخل تعديلات الشيخ القديمة في الجديدة وتكلمنا لماذا الشيخ عبد الجليل هذا المعنى وشرح أنه لا يمكن أن يكون غير سليمان وقال لا يمكن أن يكون أحد في عصر نبي من الأنبياء أن يكون هناك أعلم منه، هذا غير منطقي (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ) كيف يكون سليمان موجوداً عالم بالكتاب وهناك من هو أعلم منه؟ وسالت قبل قليل هل هناك من علم بالقرآن أكثر من محمد صلى الله عليه وسلم؟ إستحالة.
المقدم: ولكن في قصة موسى عليه السلام والعبد الصالح في سورة الكهف كان العبد الصالح يعلم أموراً لا يعلمها موسى عليه السلام
د. هداية: هذا ليس علماً من الكتاب وإنما علم لدُنّي. هذا ليس عنده علم من كتاب موسى. صحيح أن فوق كل ذي علم عليم لكن في علم التوراة موسى عليه السلام أعلم من العبد الصالح. أما العبد الصالح فعنده علم من لدن الله تبارك وتعالى. والقرآن لا يمكن أن يكون فيه شيء متناقض ولذلك اختيار أهل اللغة دائماً يريحنا لأنها تحل مشكلة سواء في الإعراب أو في الصرف.
المقدم: كثير من الناس طلبت مني أن نتكلم عن الضمائر واختلافاتها في قصة موسى والعبد الصالح (فأردت، فأردنا، فأراد ربك)
د. هداية: موضوع الضمائر واختلافها في أكثر من سورة كما في قصة أهل الأعراف هذا إلتفات ضمائر. ليس من قبيل الصدفة أن يكون القرآن عربياً والذي يحكم اللغة العربية القواعد، اللغة العامية ليس لها قاعدة لكن قواعد اللغة العربية تحكم اللغة ولهذا نقول أنا أحترم جداً من الذي لا يتضايق من اللغة في القرآن لأن القرآن لا يمكن أن يُفهم من غير لغة. نعود لمسألة الشهادة، شهادتك أنت جاءت من باطن شهادة الله وصنف من أعلى صنوف العباد وهم الملائكة الذين سماهم الله تعالى عباد الرحمن وليس من قبيل الصدفة أنه لما يقول تعالى (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ (63) الفرقان) كأنه يشبههم بأن الذي يرتقي من الإسلام إلى الإيمان إلى الإحسان إلى التقوى إلى إسلام الوجه لله ثم إلى مرتبة عباد الرحمن فكأنه وصل إلى مرحلة الملائكية، هذه ليس صدفة. ثم يقول (وأولو العلم).
المقدم: التفاسير تقول أن أولو العلم هم الأنبياء أو المهاجرون والأنصار أو مؤمنو أهل الكتاب أو المؤمنون كلهم وهذا إجماع الفقهاء أنهم المؤمنون كلهم كل من آمن ومن ارتقى لدرجة العلم.
د. هداية: دعنا نضع تفسيراً يريح المشاهدين. الله تبارك وتعالى شهد (الذي يقول أن أولو العلم هم المهاجرون والأنصار غير موفق لأننا لا نشكك في المهاجرين والأنصار!)
المقدم: بعض المفسرين تكلموا أيضاً في العطف في الآية قالوا (شهد الله) ثم عطف (والملائكة وأولو العلم) شهادة الله مع اختلاف الآراء التي ذكرناها في معنى الشهادة أنها شهادة أو علم أو قضاء. الملائكة شهادتهم إقرار أنه لا إله إلا الله، وأولو العلم شهادتهم إيمان بتوحيد الله. هذا رأي أحد المفسرين أن العطف في الآية غير متساوي وأنه انفكت الجهة في الضمائر.
د. هداية: أولاً يجب أن ننتبه أن التوصيف جاء من واقع إطلاق لغوي (شهد الله) لم يقل قال الله، كلام المفسر قد يكون صحيحاً لو جاءت الآية "قال الله" إنما قال (شهد الله) باعتباره الشهيد. والملائكة لما شهدت عطفت على الشهادة إذن أولو العلم هم الشهداء كلهم وليسوا الشهداء الذين ماتوا في الحرب إنما علماء الأمم. يعني كل عالم قرأ الكتاب وكلمة الكتاب هنا جنس وليس تعريفاً يعني الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن يعني أولو العلم كلهم لأن الآية أطلقت اللفظ. كأن الآية تقول شهد الله وشهدت الملائكة وشهد أولو العلم. أولو العلم لو أخذناها على أنها المهاجرين والأنصار يكون قد أضعنا الباقي من الأمم السابقة واللاحقين من الأمة.
المقدم: هذا التفسير كان صاحبه قصر المعنى على المهاجرين والأنصار.
د. هداية: قصر اللفظ أولو العلم. شهد الله تبارك وتعالى لأنه الشهيد والملائكة في هذه الحالة تشهد بالمطلوب منهم ومنا كأن شهادة الملائكة لهم ولنا وكل واحد من أولي العلم يشهد لنفسه وللأمة. العلماء يقرأون ويتعلمون لا لأنفسهم فقط وإنما يقولوا علمهم. الرسول صلى الله عليه وسلم شبّه العالِم الذي لا يقول علمه بالشحيح والبخيل. إذن أولو العلم يشهودون لأنفسهم ثم يكونوا مثالاً للناس. (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُو وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ) أولو العلم هم الشهداء من كل الأمم الذين يساعدون من؟ نوح سيطلب شهادة أمة محمد صلى الله عليه وسلم وبالتأكيد هناك بعض الشهداء في أمته أيضاً لكنهم يحتاجون تأكيد. لما ذكر القرآن (وكذلك) وهذه تحتاج إلى شغل كبير (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) لماذا؟ (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) شهداء على الناس أي كل الناس. لو فعلنا هذا لا ينفع أن يشهد عليك إلا محمد صلى الله عليه وسلم (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا (143) البقرة) أو في آية أخرى (وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا (41) النساء). الشهادة هنا شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم قال (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) هل مات الرسول في الحرب؟! يجب علينا أن نغيّر مفهوم الشهيد. ما معنى شهد؟ نأخذها من كل المعاني لأنه العليم علِم وأعلم وشهد شهادة الذات للذات لكن وضع لك في الكون آيات تشهد بها أنت على وحدانيته التي نطق بها سبحانه وتعالى شهادة لا قولاً حتى تكون موثقة. الشاهد في المحكمة يرد على أسئلة القاضي بإجابات محددة، فرق بين القول والشهادة، قد يقول خارج المحكمة أقوالاً لكن في المحكمة يجب أن يشهد ويجيب بإجابات محددة على أسئلة القاضي المحددة. فالشهادة منطق دقيق بقول.
المقدم: جزاكم الله كل خير. سنشرح معنى (كذلك) وكيف نحن أمة وسط مع أننا الأمة الخاتمة والكلام عن الاية بعدها (إن الدين عند الله الإسلام) وما تفسيرها والسؤال الذي سألناه عن كيف نفهم الآية في ظل إرسال الله تعالى للرسل والكتب السماوية وكأنه فيه شبهة تناقض. واسئلة أخرى نؤجلهم للحلقة القادمة أنه لما قال (قائماً بالقسط) أرجع الأمر لذاته العلية سبحانه وتعالى ثم قال ثانية (لا إله إلا هو) ثم ختم الآية بصفتي (العزيز الحكيم) فما دلالة اختيار هاتين الصفتين مع أن الصفات كثيرة فلم يقل مثلاً الغفور الرحيم؟
د. هداية: سؤال جيد لأن العزيز الحكيم تؤكد صدر الآية (شهد الله) صدر الآية يدل على عزة الله وحكمته.
المقدم: أسئلة كثيرة جداً نجيب عنها إن شاء الله تعالى في الحلقة القادمة. أذكركم أننا ما زلنا في رحلة بحث عن التوحيد في رحلة بحث كبيرة جداً عن التوبة والاستغفار وما علاقة التوحيد بالتوبة والاستغفار سنجد أنها علاقة واضحة جداً جداً. لو أنت متأكد أنه ليس لك غيره سبحانه وتعالى سترجع إليه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بُثّت الحلقة بتاريخ 7/7/2009م

ميارى 29 - 7 - 2010 04:09 AM

التوبة والاستغفار 109
تقديم علاء بسيوني
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم. الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمتهوبركاته. موعد ولقاء جديد نخطو فيه سوياً خطوات على طريق الهداية. أرحب بكم وأرحب بضيفي وضيفكم الكريم الدكتور محمد هداية.
كنا توفقنا في الحلقة الماضية عند بعض الأسئلة في قوله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا). وقبل هذا أذكر أننا تكلمنا في معنى كلمة الشهيد (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) كيف نشهد نحن وكيف يشهد الرسول صلى الله عليه وسلم. لكن كيف نكون نحن الأمة الوسط مع أننا الأمة الخاتمة؟ وكلمة (وكذلك) معناها أن هنالك مثل ضُرب فما هو هذا المثل؟
د. هداية: نستمع إلى الآيات بداية لأن (وكذلك) مرتبطة بالآيات السابقة
(قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَـقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (141) سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (143) البقرة)
المقدم: كلمة (وسطاً) لم تأت في القرآن إلا في هذا الموضع. والآية 143 التي يتكلم فيها الله تعالى عن الأمة الوسط فيها ذكر للقبلة والقبلة هي مكة (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ (96) آل عمران) والعلم الحديث يثبت أن مكة والبيت هو وسط الكون والكرة الأرضية ومركز الكرة الأرضية. هل هذا من قبيل الصدفة؟ كيف نكون أمة وسطاً مع أننا الأمة الخاتمة؟ وما معنى (وكذلك) وما هو المثل الذي ضُرب في الآية؟
د.هداية : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. أنا أذكر أننا اشتغلنا هذه الآيات عندما تحدثنا عن القبلة لكن من باب الذكرى والتذكير نعيد الكلام. أولاً لما نسمع (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ) يعني هناك مثال مضروب أن هذا مثل هذا. يقول تعالى (سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا) والرد من الرسول صلى الله عليه وسلم هو (قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) الكلام هنا بلازم المعنى والمراد. ما معنى (يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)؟ عندما نسمع الآية (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ) العلم هنا علم إظهار ولا تعني أن الله تعالى سيعلم من تصرف المسلمين مثلاً أو ليس هناك رصيد في العلم فعندما يحصل التوجه للقبلة يحصل العلم، لا، هذا علم إظهار للعالمين أو علم إظهار للناس أو إن شئت فقل علم مباهاة من الله تبارك وتعالى بالمؤمنين من عباده لأنه لما خلق آدم كان رأي الملائكة (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ (30) البقرة) وكأنهم يقولون نحن جنس أولى بتوحيد الله فقال تعالى رداً عليهم (قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) سيكون من هؤلاء الناس من عهد آدم إلى يوم الدين من يوحد الله تبارك وتعالى ويقوم على دين الله تبارك وتعالى بمراد الله تعالى فيه هذه قضية حسمها الله تبارك وتعالى في الآية 30 من سورة البقرة (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً). لما يقول (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) ما معنى الوسط؟ يجب أن نذكر نقطة مهمة في مسألة الإعجاز العلمي، هذه قضية ثابتة منذ زمان أن البيت هو منتصف الكرة الأرضية وأنك لو أخذت مسقط رأسي يتطابق مع البيت المعمور في السماء لكن هذه ليست وَسَطية وإنما وسْطية، هناك فرق وَسَط ووسْط، الوَسَط يأخذ مسافة والوسْط هو نقطة فالبيت نقطة لكن نحن في وسط الشيء يعني لا إفراط ولا تفريط، نحن بين طرفين وكل طرف عنده مساحية بينية. أنت كأمة إسلام تقول لا إله إلا الله فأنت وسط بين من عددوا الآلهة وبين من أنكروا الآلهة، هناك من يقول لا إله ويعتقدون بالطبيعة والمادة وغيرها ومنهم من يقول ثلاثة، أنت وسط بين إنكار وتعدد، هذا يقول ليس هناك إله والآخر يقول ثلاثة وأنت تقول لا إله إلا الله فالوحدانية وسط بين تفريط وإفراط. وأنت وسط في العقيدة وأنت وسط في العبادات وأنت وسط في كل شيء. أنت أمة وسط في كل شيء فوسطيتك هذه في التوحيد والعقيدة والعبادات هي (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ). هناك تحذير قوي جداً في القرآن من مسألة النفاق وهذه قضية سنأتي عليها عندما نشتغل في الاية (إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) المنافقون) بكلمة (قالوا) إستسهل المسألة وقلنا سابقاً أن الكافر في قريش لم يقل لا إله إلا الله لأنه فهم أنه لو قالها يجب أن يلتزم والمسألة لا تتوقف عند حد القول وإنما هي عمل وهو لا يريد أن يلتزم ولا يريد أن يعمل فلم يقلها أما المنافقون في المدينة فقالوها لا إله إلا الله لكن توقف كلامهم عند القول دون العمل. ولهذا المنافقين وصفهم القرآن بقوله (مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء (143) النساء) (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ (14) البقرة) وسنشرح لاحقاً كيف تكون حال المنافق والتي لا نريد أن يفعلها المسلمون. ولذلك في سورة النساء يوضح بعض أوضاع المنافقين لا لمجرد تجريحهم أو تعييبهم وإنما حتى لا نقع نحن فيما وقعوا فيه والمسلم الذي يجد نفسه هذه الأوصاف عليه أن يتدراك نفسه ويغيّر لأن الرتابة في العمل أحياناً تؤدي إلى الوقوف عند حد القول ثم يتوقف فهذه قضية في منتهى الخطورة.
المقدم: مهم جداً أن نعرف أن الله سبحانه وتعالى يحكي لنا قصص الأمم السابقة وتكذيبهم للأنبياء والرسل ويذكر بعض النقائص والأخطاء التي وقعت فيها الأمم السابقة في الفكر أو في التلقي للرسالة حتى لا نفعل مثلهم. وردتنا أسئلة من الناس يسألون لماذا يتكلم القرىن كثيراً عن بني إسرائيل وعن اليهود؟ وعن النصارى؟ لا يحكي لنا القرآن هذه القصص عن الأمم السابقة بسلبياتها وإيجابياتها لمجرد الهجوم على معتقدات الآخرين وإنما يحكي لنا هذا الكلام لنجتنب نحن هذه الأوصاف والصفات ونبتعد عنها. إذن القرآن في هذه النظرة ليس دعوى صدامية مع العقائد الأخرى أو التحقير من معتقداتهم وإنما تنبيهاً لأمة الإسلام أن لا يقعوا في مثل هذه الأخطاء.
د. هداية: وإلا لما أفرد سورة تتضمن مقلوب هذا المعنى الذي ذكرته وانتهى فيها الكلام على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم بقول الله تبارك وتعالى (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) الكافرون).
المقدم: فاصل ونواصل تابعونا مرة أخرى في طريق الهداية.
---------فاصل-----------
المقدم: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) لأمرين (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) شهداء على الناس أولاً أو الرسول علينا شهيداً؟ كأن المخ البشري لو أراد أن يرتب الأمر لجعل الرسول علينا شهيداً أولاً ليرى من الصح ومن الخطأ والناس الصح تكون هي شهداء على بقية الأمم لكن الترتيب القرآني جاء عكس هذا الترتيب تماماً، الأمة الوسطة شهداء على الناس أولاً ثم ليكون الرسول عليكم شهيداً، فما دلالة هذا الترتيب؟
د. هداية: هذا مناط الشهادة، أنت قلت معنى مناط الشهادة. عندما تشهد هل أنت تشهد له أو عليه؟ الشهادة في الاية (على) فالذي ذكرته أنت ترتيب صح لكن مناطه مقلوب. في القانون عندنا أو في القضاء يوجد شاهد إثبات وشاهد نفي، شاهد الإثبات هذا (عليه) وشاهد النفي (له). المتهم واقف خلف القضبان شاهد الإثبات تقدمه النيابة حجة على المتهم وشاهد النفي يقدمه محامي المتهم حجة له يشهد لصالحه. إذا نقلنا هذه الصورة ليوم القيامة، عندما تكون أنت شاهداً على فهذا يعني أن الذي تشهد عليه أنت مقصِّر أنت لا تشهد له. والقرآن حجة لك أو عليك، لك إن أنت قرأته وطبقت الذي فيه، وعليك لو هجرته أو لم تعمل به. أنت قلت المفروض أن الرسول عليه الصلاة والسلام يشهد حتى يشهد الذين شهد لهم الرسول على باقي الأمم، هذه واضحة، (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) لن يتقدم للشهادة إلا العالِم، إلا الناس التي تستطيع الشهادة. إذا أسلم أحدهم إسماً ولم يقرأ القرآن ولم يصلي ولم يدخل مسجداً ولم يسمع القرآن فكيف سيشهد على أمة نوح أو أمة لوط؟! ليس لديه علم ليشهد به. قلنا هناك شاهد وشهيد، يعني هناك علم وذكرنا سابقاً لو أن الشاهد في المحكمة قال للقاضي أنا سمعت أو قالوا لي سيصرفه وإنما يجب أن يقول للقاضي أنا رأيت وسمعت وأيقنت حتى يقبل شهادته. عندما يكون شاهداً له غير لما أكون شاهداً عليه، وفي الاية الشهادة كلها (على) (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) أي على من قصّر من الناس (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) أي على من قصّر منكم. فالذي قلته أنت معنى مقلوب للمناط، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يشهد لنا لا علينا، العلماء من الأمة والشهداء من الأمة يشهد لهم الرسول عليه الصلاة والسلام. أنت في هذه النقطة لست محتاجاً لشهادة الرسول لأن شهادته هنا (على) وأنت شهادتك (على) فالنقطة التي تتكلم فيها أنت غير محتاج لها لأنه (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) الإسراء) وستقول (هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ (19) الحاقة) هذا شهيد، عالِم. هذه نقطة مهمة في الشهادة، هناك فرق بين شاهد الإثبات وشاهد النفي.
المقدم: إذن الشهادة على ستكون ضد المشهود عليه لأنه مقصِّر.
د. هداية: ساقف عند نقطة هنا، أعيدت منذ فترة حلقة العلاج بالقرآن فكلمني أحدهم وتكلم في مسألة الماهر في القرآن وقال كلامنا غير صحيح وقال أن الذي يتتعتع في القرآن أحسن من الماهر بالقرآن. هذه أزمة نحن فيها ويتكلم هذا السائل بمنطق وحدة ويقول هذا له أجران وتكلم في المسالة مع هذا السائل شيخ إمام مسجد فقال نعم هذا صحيح فالماهر في القرآن مع السفرة البررة، هذا أجر لكن الذي يتتعتع فيه له أجران. فسالت هل الحديث يبدأ هكذا : الماهر بالقرآن مع السفرة البررة والذي يتتعتع فيه له أجران؟ قال نعم، ثم ذكر السائل أن الحديث يروى بدون ذكر الماهر في القرآن وإنما فقط الذي يتتعتع فيه له أجران. هذا كلام في منتهى الخطورة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل أياً من هذه وإنما قال: "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق (وفي رواية وهو يتتعتع فيه) له أجران. القضية هنا ليست في القرآءة والحديث لا يتكلم عن القراءة ولو وقفت المسألة عند حد القراءة لصارت نفاقاً فول أنت ماهر بالقرآءة هذا نفاق. ضع الحديث الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم وافهمه، الرسول عليه الصلاة والسلام قال "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به" ليست بالقرآءة لأن الكلام لو كان على القرآءة لقال "وهو ماهر بها" وإنما المقصود ماهر بالعمل بالقرآن، ماهر بتطبيقه،
المقدم: والتعتعة هل تكون في القرآءة؟
د. هداية: لا بل في العمل الكلام ليس على القرآءة "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به" ماهر هنا لا تعني القرآءة وإنما ماهر بالعمل أنت تقرأ وتتدبر وتفهم، أنت ماهر عملاً وليس قرآءة. المنافقون أساتذة في الكلام ورُبّ قارئ للقرآن والقرآن يلعنه. القرآن حكة لك أو عليك ليس من ناحية القرآءة، هذا صوته جميل في القرآءة وهذا لا، الصوت الجميل ليس لي دخل أنا فيه، رب العالمين لو جعلني أنا صاحب صوت جميل فما ذنب الآخر الذي ليس لديه صوت جميل؟ واحد صوته جميل بالقرآن وآخر يطبق القرآن من الأفضل فيهم؟ الذي يطبق أفضل من صاحب الصوت الجميل. هذه قضية خطيرة أقلقتني أن إمام مسجد فهم الحديث على هذا الشكل المغلوط! حتى أن الناس مضللة لأنهم يروون لهم الحديث من بداية التعتعة وليس كامل الحديث. هذا ما نقوله دائماً أن كلام الرسول عليه الصلاة والسلام عالي جداً ومفهومنا نحن دوني جداً ونسفّه الأمور جداً. إذا فهمنا الماهر بالقرآن على أنها قرآءة فقط هذه تكون مصيبة وإذا كنت تقول أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول هذا الكلام فهذه مصيبة أعظم! ذكرنا كثيراً أن المنافقين وقفوا عند كلمة (قالوا) مجرد كلام فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به" ماهر به يعني يطبق، هذا مع السفرة الكرام البررة. والذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق أو يتتعتع فيه له أجران لأنه يقاوم مسألة النفاق. أنا أخذت كلام الرسول عليه الصلاة والسلام على أن هناك من يعجبه كلام القرآن لكن نفسه عاصية هذا لو تغلب على نفسه يأخذ الأجرين.
المقدم: وهل المعنى يحتمل القرآءة والتطبيق؟
د. هداية: لا. في القرآن عندنا 85 مرة وردت كلمة (القرآن) لا يمكن أن يكون معناها القرآءة. بعضهم قال أنها من القرآءة وأهل اللغة منقسمين في هذه المسألة. لكن أتحدى أن آية في الـ 85 آية التي ورد فيها كلمة القرآن أو حتى في الآيات التي ورد فيها كلمة الكتاب التي تعني كلمة القرآن لأن كلمة الكتاب يمكن أن تعني كتاب موسى أو الكتاب كجنس أتحدى أن يقف المعنى في قرآننا ومنهجهنا عند القرآءة. ما معنى أن تجد شخصاً صوته جميل في القرآءة لكنه لا يطبق هذا مثال سيء في الأمة لأن المهارة أو التعتعة هي في التطبيق والناس فهمت الحديث بشكل خاطئ.
المقدم: هذا يطبق عليه التساؤل القرآني (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) الصف)
د. هداية: لو كان المعنى هكذا فالقرآن سألنا وهذه الآية نريد أن نأخذها مع النفاق وليس من قبيل الصدفة أنه بعد أن تنتهي آيات النفاق ياتي قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) آل عمران) هذه ليست صدفة، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) الصف) إذا انفكت الجهة بين القول والعمل فهذا شيء ممقوت عند الله سبحانه وتعالى ومرفوض. الحديث صحيح لكن فهمه الناس خطأ، إقرأوا كلام الشُرّاح فيه وأنا أعلم أن ما ذكرناه لم تذكره بعض كتب الشرح لكن أتحدى أن يكون هذا مفهوم الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يقول مباشرة الماهر بالقرآن مع السفرة البررة، الماهر بالقرآن قرآءة، لا، الحديث لو أخذناه بالمنطق اللغوي وبمنطق الرسول من القرآن لا يمكن أن يكون بالمعنى الذي فهمه الناس. ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم يقول "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به (به) يعني بالقرآن وليس بالقرآءة وإلا لقال (ماهر بها) مع السفرة الكرام البررة. هؤلاء السفرة الكرام البررة هل كانوا يقرأون القرآن أو يعملوا به؟
المقدم: يقرأوا ويفهموا ويتدبروا
د. هداية: بالعمل. هو ساوى بين الإثنين فالرسول صلى الله عليه وسلم قال عن الإثنين (الذي يقرأ القرآن) لكن هذا ماهر بالعمل وهذا يتتعتع بالعمل وله أجران لأنه يقاوم النفس والشيطان أما الثانية فالله سبحانه وتعالى هداه وهدى نفسه. حتى لو أخذنا بمفهوم هذا السائل علينا أن لا نساوي بين الذي مع السفرة الكرام بالذي له أجرين، صحيح هو له أجران لكن في مرتبة أقل من مرتبة السفرة الكرام البررة. وسنشرح هذه في حلقة قادمة. هذا مثال على أننا نقرأ ولا نفهم، كلام الرسول صلى الله عليه وسلم صحيح والحديث صحيح لكن الفهم غير صحيح.
المقدم: نأخذ فاصلاً ونكمل الأسئلة حول وسطية الأمة والشهادة.
---------فاصل----------
المقدم: (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) كيف يمكن أن أشهد على الناس؟ وماذا علي أن أفعل لأشهد على الناس؟ خاصة وأننا ذكرنا أن الشهادة على الناس ستكون في غير صالحهم لن أشهد لهم وإنما ساشهد أن هؤلاء جاءهم المنهج ولم يسيروا عليه، جاءهم التكليف فعصوا التكليف، ما الذي عليّ أن أفعله لأصل إلى هذه المرتبة؟
د. هداية: (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) من كلمة (على) يظهر كُنه الشهادة، أنت شاهد إثبات ضدهم، كيف أكون شاهداً أو شهيداً؟ وكيف أتجنب شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم عليّ؟ أنا أريد أن تكون شهادة الرسول عليه الصلاة والسلام لي وليست عليّ. فشهادة الرسول لي عمله، عمله أكبر دليل على أنه اتبع هذا الرجل العظيم صلى الله عليه وسلم وعمل أي أحد في أي أمة أنه اتبع الرسول أنا لن أشهد له وإنما ساشهد على المقصِّر. كيف أكون شاهد أو شهيد على الناس؟ وكيف أتجنب شهادة الرسول عليّ؟ السؤال الثاني إجابته سهلة، تتجنب شهادة الرسول عليه الصلاة والسلام عليك أن تتبعه وتكون من أهل التطبيق بالعمل لا النفاق ولا الكفر ولا الشرك فتكون من أهل الإسلام والإيمان والعمل. كيف أشهد على الناس؟ أقرأ القرآن وأتدبر فيمَ قصّرت كل أمة، القرآن لم يذكر لنا الأمم حت نتسلى، نحن لا نتسلى ببني إسرائيل والنصارى واليهود وإنما القرآن يروي لنا قصصهم لنتجنب. القرآن ليس كتاب تجريح إنما القرآن كتاب حقائق ثابتة ولذلك تجد فيه (شهد الله) عملية واضحة. القضية أن أقرأ بتدبر وأفهم المعنى لا ىخذ الكلام وأنسبه للرسول صلى الله عليه وسلم وأنا فاهم عكس المعنى المقصود، فاهم معنى تافه. لذلك قلنا أن مسألة هجر القرآن ومسألة ترك الوظيفة الأساسية للقرآن، نحن لخصنا القرآن بأن نهديه لبعض للأموات وعلى روح فلان، أعالج بالقرآن، هذه كلها ليست وظائف القرآن ولا أهداف القرآن ولا أسباب نزول القرآن إطلاقاً. فالمسألة أن أقرأ القرآن على مراد الله، أقرأ آية النفاق فأتجنبه، أقرأ آية الكفر فأتجنبه، أقرأ عند آية الإيمان فأطبقها، نحن نتكلم في مسألة التوبة وعباد الرحمن في 109 حلقات ونخرج ونتفرع إلى اسلئة المشاهدين حتى نعمل الأشياء الجيدة ونتجنب الأشياء التي يجب تجنبها، هذا هو الهدف. أشهد على الأمم بأن أعرف بماذا قصّرت أمة نوح مثلاً لأنني شاهد إثبات، شاهد (على).
المقدم: بما أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ليس بينها وبين باقي الشرائع تضاد واختلاف
د. هداية: هذه سنأخذها في (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ (19) آل عمران)
المقدم: وإن أي اختلاف موجود هو من صنع البشر أو من خلال ما تعرضت به سابق الكتب عن القرآن الكريم عن تدخلات بشرية. لكن المفترض منطقاً أن الله سبحانه وتعالى واحد لا يمكن أن يكون له إلا منهج واحد
د. هداية: لأن الحق لا يتعدد إما حق وإما ضلال. (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) عندنا شهداء كثر لكن شهادتهم لن تختلف لأنهم جاؤوا بها من مصدر واحد الذي هو القرآن، لا يمكن أن أقرأ أنا وتقرأ أنت ويكون لكل واحد منا مفهوم مختلف. القرآن لو قرأ بتركيز (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (17) القمر) القضية في التركيز عندنا نحن. القرآن ميسر للذي يبذل مجهوداً، القرآن ميسر لكن أين المدّكر؟! لما تسمع (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) تخيل هل هناك نيابة عامة على الأرض يمكنها أن تقدم 1500 شاهد إثبات؟! لو حصلت فسيكون هناك تضارب بلا شك بين شهاداتهم ويمكن أن يؤثر سلباً على المتهم لأنه لو زاد العدد يكثر التشكيك والتضارب لذا من وظيفة النيابة العامة أن تقلل عدد الشهود. أما في القرآن فالقوة القرآنية (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين في الجنة كلهم شهداء ولن تختلف شهادتهم لأنهم يأخذون من مصدر واحد وهو القرآن. والشاهد الشهيد هذا علمه ليس ذاتياً وحتى شهادته بالتوحيد جاءت من (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) آل عمران) لأن الحق لا يتعدد يجب أن يكون الله واحداً لا ينفع أن يكون اثنين أو ثلاثة لأنه لو حصل التعدد سيحصل التغاير، التعدد يدل على التغاير والتغاير يوصّف التعدد لكن لأن المصدر واحد ولأن الله واحد ولأن الدين واحد المسألة أن الشهيد لن يُخطئ لأن الكل يشهد من نفس المصدر ونفس المنهج والتشريع. (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) ستأتي من أمة محمد ولما وصف هذه الأمة قال تعالى (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ (13) الشورى) لم يقل من الأديان مع أنك لو كنت لغوياً وسمعت (من) تتوقع التبعيض والتجزئة كأنك ستأخذ شيئاً من أمر يُجزّأ لكن التوقيع القرآن وهو يكلم أمة محمد عليه الصلاة والسلام قال (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّين) وذكر خمسة أنبياء مرسلين (مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) لم يقل الأديان إذن صدق الله تبارك وتعالى إذ يقول (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) وصدق الله تعالى إذ يقول (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ (85) آل عمران) وصدق الله تعالى إذ يقول (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ (48) المائدة) هذا الكتاب أي القرآن مهيمن على سائر الكتب السابقة، مهيمن ليس هيمنة وصاية وإنما تضمن كل الأحكام والتوصيفات والتعريفات لأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم يتكون أمة وسطاً تشهد على الناس. لا ينفع أن أستدعي شهيداً فيقول شيئاً لم يكن عند نوح أو أستدعي شهيداً يقول شيئاً لم يكن عند لوط أو داوود لا ينفع وإنما يجب أن يكون مصدر الشهداء الذين أستدعيهم واحد.
المقدم: إذن الآية حجة المفروض أن تثبت أخوة الأنبياء والمرسلين ووحدانية الشرائع السماوية ووحداني الله الواحد القهار وليس كما يقول بعض المستشرقين في كتاباتهم عندما ينكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأن القرآن ليس كتاباً سماوياً من عند الله سبحانه وتعالى يرون عكس الحقيقة، مثلاً يقرأون ترجمة القرآن الكريم فيجدون أن الأحكام والآيات والفسلفات التي يحتويها القرآن الكريم وعندما يقرأون الكتب السماوية القديمة في العهد القديم يرون تطابقاً في الفلسفة العامة ليس فها تضاد فيتهموا محمد صلى الله عليه وسلم بأنه بشر عادي أخذ تعاليم المسيح عليه السلام واعاد صياغتها باللغة العربية وقال إنه نبي ولم يأت بشيء من عنده وإنما قال نفس الكلام الذي قاله عيسى. فبدل أن يرى هؤلاء المستشرقون أن وحدة الكلام تعني أن الإله واحد بعث رسلاً مختلفين في أزمنة مختلفة يرونها أنها نقل من نبي لآخر.
د. هداية: إختلاف الرسل لاختلاف الأمم والذي تختلف هي الرسالة وليس الدين. التي تختلف هي الديانة، الرسالة لكن الشرع واحد لأن الله تبارك وتعالى واحد. فهذه قضية محسومة. الشهيد مطلقاً هو الله تبارك وتعالى ومن الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم ثم الأنبياء والمرسلين كلٌ على أممهم وأمة محمد معهم (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) عندما تكون الشهادة على الناس تكون لصالح النبي أو المرسَل، نشهد أنه بلّغ وأكبر دليل على هذا مطلع وخواتيم سورة البقرة (والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)) (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)) كيف تشهد بموسى أو عيسى وأنت لست مؤمناً به؟ لا ينفع وإنما يجب أن تكون في البداية مؤمناً بموسى وعيسى وبكل نبي وبكل رسول حتى تشهد على كل من قصّر من أمته. الشهداء هم أولو العلم وأما الذين ماتوا في الحرب فهؤلاء قُتلوا في سبيل الله ورفع الله عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم اللقب، سماهم شهداء لماذا؟ الرسول ساوى بينه وبين الذي ضيّع عمره العلم، هذا ضيّع عمره في العلم في سبيل الله وهذا ضيّع عمره في الحرب في سبيل الله فساوى بين الإثنين في التوصيف لا التوقيع.
المقدم: ويمكن أيضاً أن هذا المقتول في سبيل الله له خصوصية أنه علم يقيناً بالتوحيد
د. هداية: عندما يأتي أحدهم ويقول المبطون شهيد والغريق شهيد والحريق شهيد، هذا الحديث فيه كلام لكن فيه صحة إنما اسال سؤالاً: المبطون إذا كان لا يصلي ولا يصوم ولا يقوم بالعبادات ولا المعاملات فسيكون شهيد ماذا؟
المقدم: باعتبار أن المرض الذي جاءه نوع من التكفير عن ذنوبه؟
د. هداية: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء (48) النساء) هذه مسألة الكلام فيها ضرب من الخبل لأنه لا يمكنني أنا كبشر أن أقول فلان في الجنة أو فلان في النار، هذا مستحيل لكن لا نأخذ الأمور بتفاهة ويقول أحدهم أنا يمكن أن أموت غرقاً أو مبطوناً أو حرقاً وأكون في الجنة والناس تستسهل الجنة من غير عمل وعلى هذا يبكي العارف. الكلام في القرآن يبدو سلساً للغاية (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) آل عمران) نحن فهمنا ما معنى أولو العلم وكيف نكون منهم ولا ينفع أننا نريد أن نكون علماء ونحن نائمون، فحتى تكون من أهل العلم، لا يمكن أن أكون من الملائكة لكن يمكن أن أكون من أولي العلم، وهي سهلة بالعمل فالعمل يسهل أي شيء لكن إياكم أن نقف عند القول والتمني ونقف عن الأماني.
المقدم: جزاكم الله كل خير. مجموعة أسئلة نبلورها في الحلقة القادمة منها موضوع التكرار (لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُو) ونجيب عن هذه الأسئلة في اللقاء القادم وخصوصاً أننا سندخل على الاية الثانية (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) ويتزامن الكلام عن هذا الموضوع مع عقد مؤتمر لرابطة خريجي الأزهر في القاهرة في الفترة الأخيرة وكان الحوار مع الغرب ضوابطه ومفرداته وحدوده وهناك حوارات كثيرة جداً بين أتباع الرسالات المختلفة وحوار ما بين أتباع الديانات من اليهود والنصارى والمسلمين التي يحصل خلالها ما نقوله أنه يخرج من يشكك في نبوة محمد عليه الصلاة والسلام إنما هو رجل نشخ تعاليم الإنجيل وادعى أنها من عند الله. ونجد صراعات بين افكار ومعتقدات كثيرة جداً. نحن نتكلم في هذه المواضيع لأننا نريد أن نوضح. الموضوع الأول هدف التناول، القرآن الكريم ليس كتاباً صدامياً يدعو إلى الصدام بين أبناء البشر ولكن هو كتاب يتكلم فيه الله تبارك وتعالى عن القصص القرآني وأنباء الأمم السابقة حتى يتعلم الجميع وليس فقط المسلمين من أخطاء السابقين من الذين كذبوا وغيرهم أن ننتبه أن الله تعالى يذكر هذه القصص ليس لأنه حاشاه مضطهد أمة بعينها أو فلان وإنما كل إنسان يحاسب على أعماله فإذا أحسن العمل يكون في الجنة وإذا أساء العمل فهو في النار. والأمر الثاني أنه مع ازدياد الدعوة بأن يكون هناك حوار بين الحضارات بدل الصدام ما بين أتباع الرسالات والديانات أتمنى أن يتحلى مجتمعنا المصري بهذا القدر العالمي من القبول أن يكون هناك حوار علمي وأن تناقش الآيات نقاش علمي بدل اتهام عقيدة الآخر مما يشجع على الفتن الطائفية وتشجيع أن ابناء الوطن الواحد يحاربون بعضهم بعضاً لأن هذا ليس هو الهدف وليس هو الطريق الذي يبحث عنه اي إنسان يدعي أنه يلعب دوراً إصلاحياً في مجتمع يتمنى له دائماً الأمن والأمان. نكمل إن شاء الله في الأسبوع القادم، (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) كلام كثير سنقوله إن شاء الله في الحلقة القادمة. نراكم بألف خير، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 14/7/2009م


الساعة الآن 04:54 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى