![]() |
نبيـذ جيـد
حدّث أحد القُصّاص فقال: "إذا مات العبدُ وهو سكران، دُفن وهو سكران، وحُشِرَ يوم القيامة وهو سكران". فقال رجل في طرف الحلقة: هذا والله نبيذٌ جيّد، يساوي الكوز منه عشرين درهمًا! من كتاب "أخبار الأذكياء" لابن الجوزي. |
نُجـهِّزُ بناتـك
كان محمد بن سحنون، وهو من أكابر علماء أفريقية وفضلائهم، جالساً ذات يوم للتدريس في المسجد، إذ أتاه إنسان يتخطّى رقاب الناس حتى وصل إليه فجلس، وظل يعارض كلام ابن سحنون ويسخر منه ويحاول تفنيد حججه، وابن سحنون صابر يتأدّب في جوابه ومحاورته. فبقي على ذلك أياماً كثيرة، وكان إذا رآه ابن سحنون مقبلاً، قال لجماعته: أفسحوا له! فيأتي الرجل ويجلس ويشرع في تسفيه أقوال ابن سحنون. ثم انقطع بعد ذلك مدة، فسأل ابن سحنون عنه من حضره فقالوا: لا نعرف خبره. فقال: اطلبوه! فإذا وجدتموه فآتوني به. فوجدوه فآتوا به إليه. فأخذه وخلا به، وقال له: ما منعك من الحضور إلى مجلسنا؟ فقال له: يا سيدي، لي بنات قد كبرن، واحتجن إلى التزويج، وأنا فقير. فقال لي بعض العلماء من أعدائك الحاسدين لك: إذا استطعت أن تُشَوِّش على ابن سحنون مجالسه وتُنغِّصَ عليه فيها حتى يدع التدريس في المسجد، فنحن نُزيل فقرك ونُجهّز بناتك. فبقيت تلك المدة أجيء إليك فأقذفك وأشتمك وأفعل ما قد رأيت لعلك تغضب فتترك التدريس ويحصل لي ما اتفقوا عليه، فلما أيست من غضبك تركتُ ذلك إذ لا فائدة فيه. فقال ابن سحنون: لو كنت أخبرتني بحاجتك في أول يوم لقضيتُها لك. وجهّز ابن سحنون بناته. من كتاب "بدائع السِّلْك في طبائع المُلْك" لابن الأزرق. |
نحوهـم عن أعمالهـم
بلغ عبد الملك، أن عاملاً من عماله، قبل هدية، فأمر بإشخاصه إليه، فلما دخل عليه، قال له: أقبلت هدية منذ وليتك؟ قال: يا أمير المؤمنين بلادك عامرة، وخراجك موفور ورعيتك على أفضل حال، قال عبد الملك، أجب فيما سألتك عنه، أقبلت هدية منذ وليتك؟ قال: نعم، فقال له: لئن كنت قبلت ولم تعوض، إنك للئيم، ولئن أنلـْت مهديك أو استكفيته ما لم يكن يـُستكفاه، إنك لجائر خائن، ولئن كان مذهبك أن تعوّض المهدي إليك من مالك، وقبلت ما اتهمك به عند من استكفاك، وبسط لسان عائبك، وأطمع فيك أهل عملك، إنك لجاهل، ولا يصلح من أتى أمراً لم يخلُ فيه من دناءة أو خيانة أو جهل مصطنع، ثم نحاه عن عمله. |
نَعْـلُ الفـرّاء
كان الفراء أبرع الكوفيين وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الأدب. وكان المأمون قد وكل الفراء يُلقِّن ابنيه النحو. فلما كان يومًا أراد الفراء أن ينهض إلى بعض حوائجه، فابتدرا إلى نعل الفراء يقدّمانه له، فتنازعا أيهما يقدمه، ثم اصطلحا على أن يقدم كل واحد منهما فردًا، فقدّماها. وكان المأمون له على كل شيء صاحب خبر، فرفع ذلك الخبر إليه. فوجه إلى الفراء فاستدعاه. فلما دخل عليه قال: مَن أَعزُّ الناس؟ قال: ما أعرفُ أعزَّ من أمير المؤمنين. قال: بلى، مَن إذا نهض تَقاتلَ على تقديم نعليه وَلِيَّا عهد المسلمين حتى رضي كل واحد أن يقدم له فردًا. قال: يا أمير المؤمنين، لقد أردتُ منعَهما عن ذلك، ولكن خشيت أن أدفعهما عن مكرمة سبقا إليها. من كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلكان. |
نَعْـلُ رسولِ الله
قعد الخليفة المهدي قعوداً عاماً للناس، فدخل رجل وفي يده نعل في منديل فقال: يا أمير المؤمنين، هذه نعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد أهديتها لك. فقال: هاتِها! فدفعها إليه، فقبّل المهدي باطنَها ووضعها على عينيه، وأمر للرجل بعشرة آلاف درهم، فلما أخذها وانصرف قال المهدي لجلسائه: أترون أني لم أعلم أن رسول اللّه لم ير النعل هذه، فضلاً عن أن يكون لبسها ؟ غير أننا لو كذّبناه قال للناس: أتيتُ أميرَ المؤمنين بنعل رسول اللّه فردّها عليّ، وكان من يصدّقه أكثَرَ ممن يدفع خبرَه، إذ كان من شأن العامة الميل إلى أشكالها، والنصرة للضعيف على القوي وإن كان الضعيف ظالماً فاشترينا لسانَهُ وقبلنا هديته، وصدَّقنا قوله، ورأينا الذي فعلناه أنجح وأرجح. من كتاب "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي. |
نكـاح المتــعة
حدّث محمد بن منصور قال: كنا مع المأمون في طريق الشام، فأمر فنادى بتحليل المتعة. فقال يحيى بن أكثم القاضي لي ولأبي العيناء: بكـِّرا غدا إليه، فإن رأيتما للقول وجهـًا فقـُولا، وإلا فاسكتا إلى أن أدخل. فدخلنا على المأمون وهو يـَسـْتاك ويقول وهو مغتاظ: يقول عمر بن الخطاب: "متعتان كانتا على عهد رسول الله وعلى عهد أبي بكر وأنا أنهى عنهما". ومن أنت يا أحول حتى تنهى عما فعله رسول الله وأبو بكر؟! فأومأ أبو العيناء إليّ وقال: رجل يقول في عمر بن الخطاب ما يقول، نكلـّمه نحن؟! فأمسكنا حتى جاء يحيى بن أكثم فجلس وجلسنا. فقال المأمون ليحيى: ما لي أراك متغيرًا؟ فقال: هو غمّ يا أمير المؤمنين لما حدث في الإسلام. قال المأمون: وما حدث فيه؟ قال: النداء بتحليل الزنا. قال: الزنا؟ قال: نعم. المتعة زنا. قال: ومن أين قلت هذا؟ قال يحيى: من كتاب الله عز وجلّ، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: "والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير مـَلـَومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون". يا أمير المؤمنين، زوجة المتعة ملك يمين؟ قال: لا. قال: فهي الزوجة التي عند الله ترث وتورث وتلحق الولد ولها شرائطها؟ قال: لا. قال: فقد صار متجاوز هذين من العادين. وهذا الزهري يا أمير المؤمنين روى عن عبد الله والحسن ابن محمد بن الحنفية عن أبيهما عن علي بن أبي طالب قال: أمرني رسول الله أن أنادي بالنهي عن المتعة وتحريمها بعد أن كان أمر بها. فالتفت إلينا المأمون وقال: أمحفوظ هذا من حديث الزهري؟ قلنا: نعم يا أمير المؤمنين، رواه جماعة منهم مالك رضي الله عنه. قال المأمون: أستغفر الله. نادوا بتحريم المتعة. فنادوا به. من كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلكان. |
نوادر ابن الجَصّاص
كان ابن الجَصّاص الجَوْهَري من أعيان التجار ذوي الثروة الواسعة واليَسار. وكان يُنْسَبُ إلى الحُمْق والبَلَه. مما يُحكى عنه، أنه قال في دعائه يومًا: اللهم اغفر لي من ذنوبي ما تعلم وما لا تعلم! ودخل يومًا على ابن الفرات الوزير، فقال: يا سيدي، عندنا في الحُوَيْرَة كلاب لا يتركوننا ننام من الصياح والقتال. فقال الوزير: أحسبهم جراء. فقال: لا تظن أيها الوزير، لا تظن ذلك، كلّ كلب مثلي ومثلُك! وتردّد إلى بعض النَّحْويين ليُصْلِحَ لسانَه. فقال له بعد مدة: الفرس بالسين أو بالصين؟! وقال يومًا: اللهم امْسَخْني واجعلني جُوَيرية وزوِّجني بعمر بن الخطاب. فقالت له زوجته: سَلِ اللّه أن يزوجك من النبي إن كان لا بد لك من أن تبقي جويرية. فقال: ما أحبّ أن أصير ضَرَّة لعائشة رضي اللّه عنها! وأتاه يومًا غلامه بفَرْخ وقال: انظر هذا الفـَرْخ، ما أشبهه بأمه! فقال: أمّه ذكر أو أنثى؟! ورؤي وهو يبكي وينتحب، فقيل له: ما لك؟ فقال: أكلتُ اليوم مع الجواري المَخِيضَ بالبصل فآذاني، فلما قرأت في المصحف (ويسألونك عن المخيض: قل هو أذىً، فاعتزِلوا النساء في المخيض)، فقلت: ما أعظم قدرَةَ اللّه، قد بيّن اللّه كلَّ شيء حتى أكـْل اللبن مع الجواري! وكان يكسِرُ يومًا لَوْزًا، فَطَفِرَت لَوْزةٌ وأَبْعَدَتْ. فقال: لا إله إلا اللّه! كل الحيوان يهرب من الموت حتى اللَّوْز! ونظر يومًا في المرآة، فقال لرجل آخر: انظر ذقني هل كَبُرَت أو صَغُرَت. فقال: إن المرآة بيدك. فقال: صدقت، ولكن الحاضر يرى ما لا يرى الغائب! وأراد مرّة أن يَدْنُوَ من بعض جواريه، فامتنعت عليه وتَشاحَّت، فقال: أُعطِي اللّه عهدًا لا قَرَبْتـُكِ إلى سنة، لا أنا ولا أحدٌ من جهتي! وماتت أم أبي إسحاق الزَّجَّاج، فاجتمع الناس عنده للعزاء. فأقبل ابن الجصّاص وهو يضحك ويقول: يا أبا إسحاق، واللّه سرَّني هذا! فدُهِش الزَّجّاج والناس، فقال بعضُهم: يا هذا، كيف سَرَّك ما غَمَّنا وغَمَّنا له؟ قال: ويحك، بلغني أنه هو الذي مات، فلما صَحَّ عندي أنها أُمُّه، سَرَّني ذلك! فضحك الناس. من كتاب "الوافي بالوفيات" للصفدي. |
هدايـا الأمـراء غـُلول
استعمل النبي صلى الله عليه وسلم، رجلاً من الأزد، يقال له ابن اللتية، على جمع الصدقات، فجمعها وأتى بها إلى الرسول، وقد جعلها كومتين، فقال الرسول: ما هذا؟ وما هذا؟ فقال ابن اللتية: هذا لكم، وهذا أُهـْديَ إليّ. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "ما بال الرجل نستعمله على عمل مما ولانا الله، فيقول هذا لكم وهذا أُهـْديَ إليّ، فهلا جلس في بيت أبيه أو أمه فنظر، أيهدى إليه شيء أم لا؟ والذي نفسي بيده، لا يأخذ منه شيئاً، إلا جاء يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيراً له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تبعر". ثم رفع يديه حتى رأينا بياض إبطه وقال: "اللهم بلغت اللهم فاشهد". |
هذا زياد بن أبي سفيان!
كانت سُميّة أم زياد بن أبيه بغيّا، وكان أبو سفيان بن حرب يقول: أنا واللّه وضعتُه في رحم أمّه سميّة وما له أبٌ غيري. فلما وُلـِّيَ معاوية الخلافة صعد المنبر وأمر زيادًا فصعد معه، ثم قال: أيها الناس، إني قد عرفتُ شَبَهَنَا أهلَ البيت في زياد، فمن كانت عنده شهادة فَلْيُقِمْها. فقام الناس فشهدوا أنه ابن أبي سفيان، وجمع له معاوية الكوفة والبصرة. وكان رجل من بني مخزوم أعمى يُكنى أبا العُريان، فمرَّ به زياد في موكبه، فقال الأعمى: مَن هذا؟ قالوا: زياد بن أبي سفيان. قال: ما ولد أبو سفيان إلا فلانًا وفلانًا، فمَن هذا، فواللّه لرُبَّ أمرٍ قد نقضه اللّه، وبيتٍ قد هدمه اللّه، وعبدٍ قد ردَّه اللّه إلى مواليه. فبلغ معاوية قوله، فأرسل إلى زياد: ثكِلَتْك أمّك، اقطَعْ لسانَ أعمى بني مخزوم! فبعث إليه زياد بألف دينار، وقال لرسوله: أقرئْه السلام، وقل له: يقول لك ابن أخيك أَنْفِقْ هذه حتى يأتيك مثلُها. ومرّ به زياد من الغد، فسلّم، فقال قائل: مَن هذا؟ فقال الأعمى المخزومي: هذا زياد بن أبي سفيان! وجعل يبكي ويقول: واللّه إني لأعرف منه حَزْم أبي سفيان ونُبْله! من كتاب "محاضرات الأدباء" للراغب الأصفهاني |
هكـذا تفعـل الأمانــة
قال أبو المظفر الوزير، عون الدين بن يحيى بن هبيرة: كان سبب ولايتي الوزارة، أنني ضاق ما بيدي، حتى فقدت القوت أياماً، فأشار عليّ بعض أهلي، أن أمضي إلى قبر معروف الكرخي رضي الله عنه، فأسأل الله تعالى عنده، فإن الدعاء عنده مستجاب، قال: فأتيت قبر معروف فصليت عنده، ودعوت ثم خرجت لأقصد بغداد، فمررت بعطفاء (محلة من محال بغداد) قال: فرأيت مسجداً مهجوراً، فدخلت لأصلي فيه ركعتين، وإذا أنا بمريض مقعد على بارية، فقعدت عند رأسه فقلت: ما تشتهي؟ قال: سفرجلة. قال: فخرجت إلى بقال هناك، فرهنت عنده مئزري على سفرجلتين وتفاحة، وأتيته بذلك، فأكل من السفرجلة ثم قال: أغلق باب المسجد فأغلقته فتنحى عن البارية وقال: احفر هاههنا، فحفرت وإذا بكوز، فقال: خذ هذا فأنت أحق به. فقلت: أما لك وارث؟ قال: لا، وإنما كان لي أخ وعهدي به بعيد، وبلغني أنه مات، ونحن من الرصافة. قال: فبينما هو يحدثني إذ قضى نحبه، فغسلته وكفنته ودفنته، ثم أخذت الكوز وفيه مقدار خمسمائة دينار، وأتيت إلى دجلة لأعبرها، وإذا ملاح في سفينه عتيقة، وعليه ثياب رثة، فقال: معي معي، فنزلت معه، وإذا به من أكثر الناس شبهاً بذلك الرجل، فقلت: من أين أنت؟ فقال: من الرصافة، ولي بنات، وأنا صعلوك، فقلت: فما لك أحد، قال: لا، كان لي أخ ولـّى منذ زمان ما أدري ما فعل الله به، فقلت: أبسط حجرك، فبسطه فصببت المال فيه فبهت، فحدثته الحديث فسألني أن آخذ نصفه فقلت لا والله ولا حبة، ثم صعدت إلى دار الخلافة وكتبت رقعة، فخرج عليها أشراف المخزن، ثم تدرجت إلى الوزارة. |
الساعة الآن 08:42 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |