![]() |
وقيل أصيبت الدنيا بحبشتها وحسنها والديانة بمحسنها وأبى حسنها فحق على القلوب انفطارها وعلى العيون أن تهمي قطارها وعلى الصبر أن يمزق جلبابه وعلى الصدر أن يغلق في وجه السلو بابه. أنعي الجيلي السعي ورزية الجميل السجية ووفاة الكريم الصفات وفقد الصميم المجد وذهاب السمح الوهاب وقبض روحاني الأرض وانعدام معنى الناس وانهدام مغشي الإيناس وانكشاف شمس العلم وانتساف قدس الحلم. يا له حادثًا جمع قديمًا من الكروب وحادثًا ومصابًا جرع أوصابًا واضحى كل به مصابًا. لا جرم أني شربت من كأسه مستمفضها وشرقت بها وبماء دمعي الذي ارفض معها فغالت خلدي وغالبت جلدي حتى غبت عني ولم إدر بآلامي التي تعني. ثم أفقت من سكري ونفقت مبدد فكري فراجعني التذكار والتمام وطاوعني شجونًا يتعاطاه الحمام فبكيت حتى خشيت أن يعشيني وغشيت إذ غشيني من ذلك أليم ما غشيني وظلت ألقى انبجاسًا للترح يلقيني فتارة يعنيني وتارة يبقيني فلو أن احتدامي والتدامي وجفني الدامي اطلعت على بعضه الخنساء لقالت هذه عزمة حزن لا يستطيعها النساء. ذلك بأن قسمة المراثي كقسمة الميراث وللذكران المزية كان للسرور أو للرزية على الإناث هذا لو وازن مبكى مبكيًا ووارى ترابي فلكيًا إنا لنبكي نور علمٍ وهي تبكي ظلمة جهل وندبتي بحبل يدعى سهل كان يتفجر منه الأنهار وينهال جانبه من خشية الله أو ينهار في مثله ولا أريد بالمثل سواه فما كان في أبناء الجنس من ساواه. يحسن الجزع من كل مؤمن تقي ويقال للمتجلد لا تنزع الرحمة إلا من شقي فكل جفن بعده جاف فصاحبه جلف أوصاف وكل فؤاد لم تصدع له صفاته ولم تتغير لفقده صفاته فمتحقق عند العلماء معلوم أنه معدود الحجارة أو معدوم. فيا ليت شعري يوم ودع للترحال ودعا حاديه بشد الرحال كيف كان حاضروه في تلك الحال هل استطاعوا معه صبرًا وأطاعوا لتلبيته أمرًا أو ضعف احتمالهم وقوي في مفارقة النفوس اعتمالهم. ويا ليت شعري غذ أفادوا الماء طهارة زائدة بغسل جلاله هل حنطوه في غير ثنايه أو كفنوه في غير خلاله. ويا ليست شعري إذا استقل به نعشه لأشرفٍ ترفرف عليه المليكة ويظلله الرفرف هل رأوا قبله حملة الأطوار على الأعواد وسير الكواكب في مثل تلك المواكب فيأنسوا بالإلف ويرفعوا منكر الطرف ويدعو لفيض من أثر ذلك الظرف. ويا ليت شعري إذ ودعوا درة الوجود صدفة اللحد المجود لم أثروا الثرى على نفوسهم ورضوا الأرض مغربًا لأنوار شموسهم. فهلا حفروا له بين أحناء الضلوع وجعلوا الصفيح صريح الحب والولوع. فيكونوا قد فازوا بقربه وجازوا فخرًا خير لتربه. ويا ليت شعري إذا لم يفعلوا ذلك ولم يهتدوا هذه المسالك هل قضوا حق الحزن وسقوا جوانب الضريح من عبراتهم بأمثال المزن وهل اتصفوا بصفة الأسف أو قنعوا منها بأن وصفوها وهل تلافوا بقايا الأنفس بعد المفقود الأنفس وأتلفوه. فكل أسى لا تذهب النفس عنده فما هو إلا من قبيل التصنع. يا قدس الله مثوى ذلك المتوفى وما أظن الجزع تمم حقه ووفى. ولو درى الزمن وبنوه قدر من فقدوه لوجدوا المفاجي الفاجع أضعاف ما وجدوه. فقد فقدوا واحدًا جامعًا للعوالم وماجدًا رافعًا لأعلام المعالي والمعالم ومفدى ثقل له في الفدا ونفوس الأوداء والأعداء ومبكىً ما قامت على مثله النوايح ولا حسنت إلا فيه المراثي كما حسنت من قبل فيه المدايح. رحمة الله عليه ورضوانه وريحان الجنان يحييه به رضوانه. من لي بلسان يقضي حق ندبته وجنان يقضي يقضي بما فيه إلى جثته وتربته وقد نبهني حزني عليه وبلدني وتملكني حصر الحسرة عليه وتعبدني وأين يقع مهلهل البديه مما يخفيه مهلهل الثكل ويبديه. يمينًا لو لبثت في كهف الروية ثلاثمائة سنين واستمددت سواد ألسنة الفصحاء اللسنين ما كنت في تأبين ذلك الفصل المبين من المحسنين إلا أني أتيت بالطريف من بيانه والتليد ورثيت رشد كماله برثايه كمال ابن رشد أبي الوليد فأنشدت بنيه قوله فيه: أخلاي إني من دموعي بزاخر بعيدٌ عن الشطين منه غريقه وما كان ظني قبل فقد أبيكم بأن مصابًا مثل هذا أطيقه ولم أدر من أشقى الثلاثة بعده أأبناؤه أم دهره أم صديقه ثم استوفيت تلك الأبيات والرسالة وأجريت بترجيعها من دم الكبد ونجيعها عبراتي المسالة فحينئذ كنت أوفي المصاب واجبه وأشفي صدورًا صدية شجية وقلوبًا واجفة واجبة. ولو أن ما رثي به نفسه الكريمة من ثر إساءته حين رأى الحين مغتصبًا حشاشة مكرماته. أثار كامن وجدي بألفاظه المبكية ومعانيه التي تحل من مزاد العيون الأوكية لاهب لي رندًا وأعقبني صفاة تندى وأطعمني في أن يعود بكاي زبدًا. فقد بلغني أنه لما وقف على ثنية المنية وعرف قرب انتقال الساكن من البنية جمع بنات فكره كما جمع شيبة الحمد بنات خدره وقال يا بنياتي قد آن ليومي أن يأتي فهل لكن أن ترينني فوضعن أكبادهن على الوشج ورفعن أصواتهن بالنشيج وأقبلن يرجعن الأناشيد ويفجعن القريب والبعيد حتى أومأ إليهن بأن قضين ما عليهن فيا إخوناه ومثلي بهذا النداء نخى وتاه إسهموا أخاكم في ميراث تلكم الكلم واحموا فؤادًا بالملم المؤلم قد كلم ولا تقولوا يكفيه ميراث الأحزان فتبخسوا وحاشاكم في الميزان فإني وإن تناولتها باليدين وغلبت عليها فإني صاحب الفريضة والدين فإني لحظي من ميراث الحكمة سائل ومع أن لي حقًا فلي ذمم ووسايل فابعثوا إلي ما يطارحني في أشجاني واقف على رسمه فأقول شجاني ولا أطلب من كلام ذلكم الإمام العزيز فقده على الإسلام قوله في التصبير على الرزء الكبير ووصاته لئلا يلزمني ولست بالمستطيع إصغاءً للمطيع لأمره وإنصاته فإن امتثلت أصبت قتلي بما نئلت وإن عصيت أبعدت نفسي من رضاه وأقصيت ولي في استصحاب حالي أمل وما لم يرد خطاب لم يلزم عمل. على أني وإن صاب وابل دمعي وصب وأصبحت يذكر المصاب الكلف الصب فلا أقول إلا ما يرضي الرب فإني أبكي عالمًا كبيرًا وعلمًا شهيرًا تسعدني في بكايه الملة وتنجدني بوجده فأنا الكاتب وهي المملة. وأما أنتم أيها الإخوة الفضلاء والصفوة الكرماء فقد تلقيتم وصلته المباركة شفاهًا وراوي صدوركم بكلامه النافع وشفاهًا فلا يسعكم إلا الامتثال والصبر الذي تضرب به الأمثال فعزاءً عزاءً وانتماءً إلى التأسي واعتزاءً وإن فضل رزة أرزاء وكان جزءٌ منه يعدل أجزاءً فعلى قدرها تصاب العلياء واشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأولياء. ذلك لتبين فضيلة الرضاء والتسليم وتتعين صفات من يأتي الله بالقلب السليم ويعلم كيف الكريم للكريم وكيف يحل الأجر العظيم وهب الله لكم في مصابكم صبرًا على قدره وسكب ديم مغفرته على مثوى فقيدكم وقبره وطيب بعرف روضات الجنات جنبات قصره ونفعه بما كان أودعه من أسرار العلوم في صدره وخلفه منكم بكل سرى بحلة المجد من كل بصدره. قلت: ذكر الشيخ ابن الخطيب في الأصل في هذه الترجمة الأعيان والوزراء ستة من أهل هذا البيت كلهم يسمون بهذا الإسم عدا واحدًا فإنه سمى بسيد وذاك مما يدل على كثرة النباهة ابن سالم سليمن بن موسى بن سالم بن حسان بن أحمد بن عبد السلام الحميري الكلاعي بلنسي الأصل يكنى أبا الربيع ويعرف بابن سالم. حاله كان بقية الأكابر من أهل العلم بصقع الأندلس الشرقي حافظًا للحديث مبرزًا في نقده تام المعرفة بطرقه ضابطًا لأحكام أسانيده ذاكرًا لرجاله ريان من الأدب كاتبًا بليغًا. خطب بجامع بلنسية واستقضى وعرف بالعدل والجلالة وكان مع ذلك من أولي الحزم والبسالة والإقدام والجزالة والشهامة يحضر الغزوات ويباشر بنفسه القتال ويبلي البلاء الحسن آخرها الغزاة التي استشهد فيها. مشيخته روى عن أبي القاسم بن حبيش وأكثر عنه وأبي محمد بن عبيد الله وأبي عبد الله بن زرقون وأبي عبد الله بن حميد وأبي بكر بن الجد وأبي محمد بن سيدبونه وأبي بكر بن مغاور وأبي محمد عبد المنعم ابن عبد الرحيم بن الفرس وأبي بكر بن أبي جمرة وأبي الحسن بن كوثر وأبي خالد بن رفاعة وأبي جعفر بن حكم وأبي عبد الله بن الفخار وأبي الحجاج بن الشيخ وأبي عبد الله بن نوح وأبي الحجاج بن أبي محمد ابن أيوب وأبي بكر عتيق بن علي العبدري وأبي محمد عبد الوهاب ابن عبد الصمد بن عتاب الصدفي وأبي العباس بن مضاء وأبي القاسم ابن سمحون وأبي الحسن عبد الرحمن بن أحمد بن ربيع الأشعري وأبي زكريا الإصبهاني وأبي بكر أسامة بن سليم وأبي محمد عبد الحق الأزدي وأبي محمد الشاذلي وأبي الطاهر بن عوف وأبي عبد الله الحضرمي وجماعة غير هؤلاء من أهل المشرق والمغرب. من روى عنه: روى عنه أبو بكر بن أبي جعفر بن عمر وعبد الله ابن حزب الله وأبو جعفر بن علي وابن غالب وأبو زكريا بن العباس وأبو الحسن طاهر بن علي وأبو الحسين عبد الملك بن مفوز وابن الأبار وابن الجنان وابن المواق وأبو العباس بن هرقد وابن الغماز وأبو عمرو بن سالم وابو محمد بن برطلة وأبو الحسن الرعيني وأبو جعفر الطنجالي وأبو الحجاج بن حكم وأبو علي بن الناظر. تصانيفه منها مصباح الظلم في الحديث والأربعون عن أربعين شيخًا لأربعين من الصحابة والأربعون السباعية والسباعيات من حديث الصدفي وحلية الأمالي في المراقبات العوالي وتحفة الوداد ونجعة الرواد والمسلسلات والإنشادات وكتاب الاكتفاء في مغازي رسول الله ومغازي الثلاثة الخلفاء وميدان السابقين وحلية الصادقين المصدقين في غرض كتاب الاستيعاب ولم يكمله والمعجم ممن وافقت كنيته زوجه من الصحابة والإعلام بأخبار البخاري الإمام والمعجم في مشيخة أبي القاسم بن حبيش وبرنامج رواياته وجنى الرطب في سنى الخطب ونكتة الأمثال ونفثة السحر الحلال وجهد النصيح في معارضة المعرى في خطبة الفصيح والامتثال لمثال المنبهج في ابتداع الحكم واختراع الأمثال ومفاوضة القلب العليل ومنابذة الأمل الطويل بطريقة أبي العلا المعري في ملقى السبيل ومجاز فتيا اللحن للاحن الممتحن يشتمل على ماية مسألة ملغزة ونتيجة الحب الصميم وزكاة المنثور والمنظوم والصحف المنتشرة في القطع الممعشرة وديوان رسايله سفر متوسط وديوان شعره سفر. شعره من شعره ما كتب به إلى أبي بحر صفوان ابن إدريس عقب انفصاله من بلنسية عام سبعة وثمانين وخمسماية: وقد أوطنوها وادعين وخلفوا محبهم رهن الصبابة والوجد تبين بالبين اشتياقي إليهم ووجدي فساوى ما أجن الذي يبدي وضاقت على الأرض حتى كأنها وشاحٌ بخصر أو سوارٌ على زند إلى الله أشكو ما ألاقي من الجوى وبعض الذي لاقيته من جوى يرد فراق أخلاءٍ وصد أحبة كأن صروف الدهر كانت على وعد فيا سرحتي نجد نداء متيم له أبدًا شوق إلى سرحتي نجد ظميت فهل طلٌّ يبرد لوعتي ضحيت فهل ظلٌّ يسكن من وجد ويا زمنًا قد مر غير مذمم لعل الأنس قد تصرم من رد ويا زمنًا قد مر غير مذمم لعل الأنس قد تصرم من رد ليالي نجني الأنس من شجر المنا ونقطف زهر الوصل من شجر الصد وسقيًا لإخوان بأكناف حايل كرام السجايا لا يحولون عن عهد وكم لي بنجد من سرى ممجد ولا كابن إدريس أخي البشر والجد أخو همة كالزهر في بعد نيلها وذو خلق كالزهر غب الحيا العد أخو همة كالزهر في بعد نيلها وذو خلق كالزهر غب الحيا العد تجمعت الأضداد فيه حميدة فمن خلق سبطٍ ومن حسبٍ جعد أيا راحلًا أودى بصبري رحيله وفلل من عزمي وثلم من حد فيا ليت شعري هل تعود لنا المنا وعيشٌ كما نمنمت حاشيتي برد فيا ليت شعري هل تعود لنا المنا وعيشٌ كما نمنمت حاشيتي برد عسى الله أن يدني السرور بقربكم فيبدو بنا الشمل منتظم العقد ومن شعره في النسيب وفقد الشباب: توالت ليالٍ للغواية جون ووافى صباح للرشاد مبين ركاب شباب أزمعت عنك رحلةً وجيش شيبٍ جهزته منون ولا أكذب الرحمن فيما أجنه وكيف وما يخفي عليه جنين ومن لم يخل أن الرياء يشينه فمن مذهبي أن الرياء يشين لقد ريع قلبي للشباب وفقده كما ريع بالعقد الفقيد ضنين وآلمني وخط المشيب بلمتي فخطت بقلبي للشجون فنون دليل شبابي كان أنضر منظرًا وآنق مهما لاحظته عيون فآها على عيشٍ تكدر صفوه وأنس خلا منه صفًا وحجون ويا ويح فودي أو فؤادي كلما تزيد شيبي كيف بعد يكون وقال في الاستعانة والتوكل عليه: أمولى الموالي ليس غيرك لي مولى وما أحدٌ يا رب منك بذا أولى تبارك وجهٌ وجهت نحوه المنى فأوزعها شكرًا وأوسعها طولا وما هو إلا وجهك الدايم الذي أقل حلى عليائه يخرس القولا تبرأت من حولي إليك وقوتي فكن قوتي في مطلبي وكن الحولا وهب لي الرضا ما لي سوى ذاك مبتغى ولا لقيت نفسي على نيلها الهولا وقال: مضت لي سبعٌ بعد عشرين حجة ولي حركات بعدها وسكون فيا ليت شعري كيف أو أين أو متى يكون الذي لابد أن سيكون واستجاز المترجم به من يذكر بما نصه: المسئول من السادة العلماء أيمة الدين وهداة المسلمين أن يجيزوا لمن ثبت اسمه في هذا الاستدعاء وهم المولى الوزير العالم الفاضل الأشرف بهاء الدين أبو العباس أحمد ابن القاضي الأجل أبي عبد الرحمن بن علي البيساني ولولديه أبي عبد الله محمد وأبي عبد الله الحسين وولده عبد الرحيم ولأولاده ولده أبي الفتح حسن وأبوي محمد عبد الرحمن ويوسف ولمماليكه سنقر وأخيه الصغير وسنجر التركيون وأفيد وأقسر الروميان ولكمال بن يوسف بن نصر ابن ساري الطباخ وللوجيه أبي الفخر بن بركات بن ظافر بن عساكر. ولأبي الحسن بن عبد الوهاب بن وردان ولأبي البقاء خالد بن يوسف الشاذلي ولولده محمد ولمحمد بن يوسف بن محمد البزالي الإشبيلي ولولده ولعبد العظيم بن عبد الله المندري ولولده أبي بكر ولأبي الحسن ابن عبد الله العطار جميع ما يجوز لهم روايته من العلوم على اختلافها وما لهم من نظم ونثر وإن رأوا تعيين موالدهم ومشايخهم وإثبات أبيات يخف موقعها ثراه من الزلل ومما يخالف الحق فعلوا مأجورين. وكتب في العشر الأخر من شهر ربيع الآخر سنة ثلاثين وستماية. فكتب مجيزًا بما نصه: قال سليمن بن موسى بن سالم الكلاعي وكتب بيده تجاوز الله عنه وأقام بالعفو من أوده: إني لما وقفت على هذا الاستدعاء أجاب الله في مستدعيه المسمين فيه صالح الدعاء اقتضى حق المسئول له الوزير الأجل العالم الأشرف الأفضل بهاء الدين أبو العباس ابن القاضي الأجل الفاضل العلم الأوحد ندرة الزمان ولسان الدهر وقس البيان أبي علي عبد الرحيم بن علي أعلى الله قدره ورفعه ووسم سلفه الكريم ونفعه تأكيد الإسعاف بحكم الإنصاف له ولكل من سمي معه. فأطلقت الإذن لجميعهم على تباعد أفكارهم وتدانيها وتباين أقدارهم وتساويها من أب سنى وذرية عريقة في النسب العلي ومماليك له تميزوا بالنسب المولوي وسمين بعدهم اعتلقوا من الرغبة في نقل العلم بالحبل المتين والسبب القوي. والله بالغ بجميعهم من تدارك الآمال أبعد الشأو القصي ويجريهم من مساعدة الإمكان ومسالمة الزمان على المنهج المرضي والسنن السوي أن يحدثوا بكل ما اشتملت عليه روايتي ونظمته عنايتي من مشهور الدواوين ومنثور الأجزاء المنقولة عن ثقات الراوين وغير ذلك من المجموعات في أي علم كان من علوم الدين وكل ما يتعلق بها من قرب أو بعد مما يقع عليه التعيين وبما يصح عندهم نسبته إلي من مجموع جمعته ومنظوم نظمته أو نثر صنعته. الإباحة العامة على ذلك آتية ومقاصد الإسعاف لرغباتهم فيه مطاوعة وموافية فليرووا عني من ذلك موفقين ما شاءوا أن يرووه وليلتزموا في تحصيله أولًا وأدايه ثانيًا أو في ما التزمه العلماء واشترطوه. ومن جله شيوخي وصدورهم الذين سمعت منهم وأخذت بكل وجوه الأخذ عنهم القاضي الإمام الخطيب العلامة أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن يوسف بن حبيش آخر أيمة المحدثين بالمغرب رضي الله عنهم. والإمام الحافظ الصدر الكبير أبو بكر محمد بن عبد الله بن يحيى بن فرج بن الجد الفهري. والفقيه المشاور القاضي المسند أبو عبد الله محمد ابن أبي الطيب. والفقيه الحافظ أبو محمد عبد المنعم بن محمد بن عبد الرحيم الخزرجي. والقاضي الخطيب النحوي أبو عبد الله محمد بن جعفر بن حميد. والأستاذ الحافظ أبو محمد عبد الله بن أحمد بن جمهور القيسي. والشيخ الراوية الثقة أبو محمد عبد الحق بن عبد الملك بن بونه بن سعيد بن عصام العبدري. والشيخ الصالح أبو جعفر أحمد ابن حكم القيسي الحصار الخطيب بجامع غرناطة والفقيه القاضي الأجزل أبو العباس يحيى بن عبد الرحمن بن الحاج. والقاضي الفقيه الحسيب أبو بكر بن أبي جمرة. والقاضي أبو بكر بن مغمور. والقاضي المسند أبو الحسين عبد الرحمن بن ربيع الأشعري. وسوى هؤلاء ممن سمعنا منه كثيرًا وكلهم أجازني روايته وما سمعه. وقرأت على الخطيب أبي القاسم بن حبيش غير هذا وسمعت كثيرًا وتوفي رحمه الله بمرسية في الرابع عشر لصفر سنة أربع وثمانين وخمسماية. ومولده سنة أربع وخمسماية على ما أخبرني به رحمه الله ورضي عنه. ومما أخذته عن الحافظ أبي بكر بن الجد بإشبيلية بدله موطأ مالك رواية يحيى بن يحيى القرطبي أخبرني به عن أبي بحر سفيان بن العاصي الأسدي الحافظ سماعًا بأسانيده المعلومة. وتوفي الحافظ أبو بكر سنة ست وثمانين. وقرأت على الفقيه أبي عبد الله بن زرقون أيضًا موطأ مالك وحدثني به عن أبي عبد الله الخولاني إجازة قال سمعته على أبي عمرو عثمان بن أحمد بن يوسف اللخمي عن أبي عيسى يحيى بن عبد الله بن أبي عيسى عن عمر أبيه عبيد الله بن يحيى الليثي عن أبيه عن مالك بن أنس رضي الله عن جميعهم. ولا يوجد اليوم بأندلسنا ومغربنا بأعلى من هذه الأسانيد. وممن كتب لي بالإجازة من ثغر الإسكندرية الإمام الحافظ مفتي الديار المصرية ورئيسها أبو الطاهر بن عوف والفقيه الحاكم أبو عبد الله بن الحضرمي والفقيه المدرس أبو القاسم بن فيره وغيرهم. نفعنا الله بهم ووفقنا للإقتداء بصالح مذهبهم. وأما المولد الذي وقع السؤال عنه فإني ولدت على ما أخبرني أبواي رحمهما الله بقاعدة مرسية مستهل رمضان المعظم سنة خمس وستين وخمسماية. ومما يليق أن يكتب في هذا الموضع ما أنشدني شيخًا الفقيه أبو بكر عبد الرحمن بن محمد بن مغاور رحمه الله في منزله بشاطبة سنة ست وثمانين وخمسماية وهو بقية مشيخة الكتاب بالأندلس لنفسه مما أعده ليكتب على قبره: أيها الواقف اعتبارًا بقبري استمع فيه قول عظمي الرميم أودعوني بطن الضريح وخافوا من ذنوب كلومها بأديم قلت لا تجزعوا علي فإني حسن الظن بالرؤوف الرحيم ودعوني بما اكتسبت رهينًا غلق الرهن عند مولى كريم انتهى. وكتب هذا بخطه في مدينة بلنسية حماها الله سليمن بن موسى بن سالم الكلاعي في الموفى عشرين لجمادى الآخرة سنة إحدى وثلاثين وستماية. والحمد لله رب العالمين. |
كان أبدًا يقول إن منتهى عمره سبعون سنة لرؤيا رآها في صغره فكان كذلك واستشهد في الكاينة على المسلمين بظاهر أنيشة على نحو سبعة أميال منها لم يزل متقدمًا أمام الصفوف زحفًا على الكفار مقبلًا على العدو ينادي بالمنهزمين من الجند يفرون حتى قتل صابرًا محتسبًا غداة يوم الخميس لعشر بقين من ذي الحجة سنة أربع وثلاثين وستماية.
ورثاه أبو عبد الله بن الأبار رحمه الله بقوله: ألما بأشلاء العلى والمكارم تقد بأطراف القنا والصوارم وعوجا عليها مأربًا وحفاوةً مصارع غصت بالطلا والجماجم تحيى وجوهًا في الجنان وجيهة بما لقيت حمرًا وجوه الملاحم وأجساد إيمان كساها نجيعها بحاسد من نسيج الظبا واللهاذم مكرمة حتى عن الدفن في الثرى وما يكرم الرحمن غير الأكارم هم القوم راحوا للشهادة فاغتدوا وما لهم في فوزهم من مقاوم تساقوا كؤوس الموت في حومة الوغى فمالت بهم ميل الغصون النواعم مضوا في سبيل الله قدمًا كأنما يطيرون من أقدامهم بقوادم يرون جوار الله أكبر مغنم كذاك جوار الله أسنى المغانم وهان عليهم أن تكون لحودهم متون الروابي أو بطون التهايم ألا بأبي تلك الوجوه سواهما وإن كن عند الله غير سواهم عفا حسنها إلا بقايا مباسم يعز علينا وطؤها بالمناسم وسؤر أسارير تنير طلاقة فتكسف أنوار النجوم العواتم لئن وكفت فيها الدموع سحايبًا فعن بارقات لحن فيها لشائم ويا بأبي تلك الجسوم نواحلًا بإجرائها نحو الأجور الجسائم تغلغل فيها كل أسمر ذابل فجدل منها كل أبيض ناعم فلا يبعد الله الذين تقربوا إليه بإهداء النفوس الكرائم مواقف أبرار قضوا من جهادهم حقوقًا عليهم كالفروض اللوازم أصيبوا وكانوا في العبادة أسوة شبابًا وشيبًا بالغواشي الغواشم فعامل رمح دق في صدر عامل وقائم سيف قد في رأس قائم ويا رب صوام الهواجر واصل هنالك مصروم الحياة بصارم وصلى عليها أنفسًا طاب ذكرها فطيب أنفاس الرياح النواسم لقد صبروا فيها كرامًا وصابروا فلا غرو أن فازوا بصفو المكارم وما بذلوا إلا نفوسًا كريمة تحن إلى الأخرى حنين الروائم ولا فارقوا والموت يتلع جيده فحيث التقى الجمعان صدق العزائم بعيشك طارحني الحديث عن التي أراجع فيها بالدموع السواجم وما هي إلا غاديات فجائع تعبر عنها رايحات مآتم جلائل دق الصبر فيها فلم نطق سوى غض أجفانٍ وغض أباهم أبيت لها تحت الظلام كأنني رمي نصال أو لديغ أراقم أغازل من برح الأسى غير بارح وأزجر من سأم البكا غير سائم وأعقد بالنجم المشرق ناظري فيغرب عني ساهرًا غير نائم وأشكو إلى الأيام سوء صنيعها ولكنها شكوى إلى غير راحم وهيهات هيهات العزاء ودونه قواصم شتى أردفت بقواصم بكتها المعالي والمعالم جهدها فمن للمعالي بعدها والمعالم سعيدٌ صعيدٌ لم ترمه قرارة وأعظم بها وسط العظام الرمايم كأن دمًا أذكى أديم ترابها وقد مازجته الريح مسك اللطايم يشق على الإسلام إسلام مثلها إلى خامعاتٍ بالفلا وقشاعم كأن لم تبت تغشى للسراة قبابها ويرعى حماها الصيد رعي السوايم سفحت عليها الدمع أحمر وارسًا كما تنثر الياقوت أيدي النواظم وسامرت فيها الباكيات نواديًا يورقن تحت الليل ورق الحمايم وقاسمت في حمل الرزية أهلها وليس قسيم البر غير المقاسم فوا أسفًا للدين أعضل داؤه وآيس من أسٍّ لمسراه حاسم ويا أسفًا للعلم أقوت ربوعه وأصبح مهدود الذرى والدعائم قضى حامل الآثار من آل يعرب وحامي هدي المختار من آل هاشم خبا الكوكب الوقاد إذ متع الضحى ليخبطه في ليلٍ من الجهل فاحم وهل في حياتي متعةٌ بعد موته وقد أسلمتني للدواهي الدواهم فها أنا ذا في حرب دهر محارب وكنت به في أمن دهر مسالم أخو العزة القعساء كهلًا ويافعًا وأكفاؤه ما بين راض وراغم تفرد بالعلياء علمًا وسؤددًا وحسبك من عال على الشهب عالم معرسه فوق السهى ومقيله ومورده قبل النسور الجواثم بعيدٌ مداه لا يشق غباره إذا فاه فاض السحر ضربة لازم يفوض منه كل ناد ومنبر إلى ناجح مسعاه في كل ناجم متى صادم الخطب الملم بخطبةٍ كفى صادمًا منه بأكبر صادم له منطق سهل النواحي قريبها فإن رمته ألفيت صعب الشكايم وسحر بيان فات كل مفوه فبات عليه قارعًا سن نادم وما الروض حلاه بجوهره الندي ولا البرد وشقه أكف الرواقم بأبدع حسنًا في صحائفه التي تسيرها أقلامه في الأقالم لعا لزمان عاثرٍ من خلاله براق من الجلى أصيب يواقم مناد إلى دار السلام منادم بها الحور واهًا للمنادي المنادم أتاه رداه مقبلًا غير مدبر ليحظى بإقبالٍ من الله دايم إمامًا لدين أو قوامًا لدولة تولى ولم تلحقه لومة لايم فإن عابه حساده شرقًا به فلن تعدم الحسناء ذامًا بذايم فيا أيها المخدوم سامى محله فدىً لك من ساداتنا كل خادم ويا أيها المختوم بالفوز سعيه ألا إنما الأعمال حسن الخواتم هنيئًا لك الحسنى من الله إنها لكل تقيٍّ خيمه غير خايم تبوأت جناتٍ النعيم ولم تزل نزيل الثريا قبلها والنعائم ولم تأل عيشًا راضيًا أو شهادة ترى ما عداها في عداد المآتم لعمري ما يبلي بلاؤك في العدا وقد جرب الأبطال ذبل الهزايم وتالله لا ينسى مقامك في الوغى سوى جاحدٍ نور الغزالة كاتم ولا أنت بعد اليوم واعد هبةٍ من النوم تحدوني إلى حال حالم لسرعان ما قوضت رحلك ظاعنًا وسرت على غير النواحي الرواسم وخلفت من يرجو دفاعك يائسًا من النصر اثناء الخطوب الصرايم كأني للأشجان فوق هواجر بما عادني من عادياتٍ هواجم عدمتك مفقودًا يعز نظيره فيا عز معدوم ويا هون عادم ورمتك مطلوبًا فأعيى مناله وكيف بما أعيى منالًا لرايم وإني لمحزون الفؤاد صديعه خلافًا لسالٍ قلبه منك سالم وعندي إلى لقياك شوق مبرح طواني من حامي الجوى فوق جاحم وفي خلدي والله ثكلك خالدٌ ألية برٍّ لا ألية آثم ولو أن في قلبي مكانًا لسلوة سلوت ولكن لا سلو لهائم ظلمتك أن لم أقض نعماك حقها ومثلي في أمثالها غير ظالم يطالبني فيك الوفاء بغاية سموت لها حفظًا لتلك المراسم فمد إليها رافعًا يد قابلٍ أكب عليها خافضًا فم لاثم ومن القضاة في هذا الحرف سلمون بن علي بن عبد الله بن سلمون الكناني من أهل غرناطة يكنى أبا القاسم ويدعى باسم جده سلمون وقد مر ذكر أبيه وأخيه. حاله من أهل العلم والهدى الحسن والوقار قديم العدالة متعدد الولاية مضطلع بالأحكام عارف بالشروط صدر وقته في ذلك وسابق حلبته إلى الرواية والمشاركة والتبجح في بيت الخير والحشمة وفضل الأبوة والأخوة. قل في الأندلس مكانٌ شذ عن ولايته وناب عن القضاة بالحضرة فحمد نفاذه وحسنت سيرته. ثم ولي مستبدًا في الدولة الباغية وخاض في بعض أهوائها بما جر عليه عتبًا فعقبه الإعتاب عن كثب. تواليفه ألف في الوثائق المرتبطة بالأحكام كتابًا مفيدًا نسبه بعض معاصريه إلى أنه قيده عن شيخه أبي مشيخته أجازه الراوية المعمر أبو محمد بن هرون الطايي والشيخ المسن أبو جعفر أحمد بن عيسى بن عياش المالقي والشيخ الأديب أبو الحكم بن المرحل والعدل أبو بكر بن إسحاق التجيبي والقاضي أبو العباس بن الغماز والفرضي أبو إسحق التلمساني وأبو الحسن بن عبد الباقي بن الصواف والمحدث أبو محمد الخلاسي والراوية أبو سلطان جابر بن محمد بن قاسم ابن حيان القيسي والوزير أبو محمد بن سماك والشيخ المدرس بالديار المصرية أبو محمد الدمياطي والمقري الراوية أبو عبد الله بن عياش وأبو الحسن بن مضاء والمحدث أبو عبد الله بن النجار وأبو زكريا بن عبد الله بن محرز والمقري أبو بكر بن عبد الكريم ابن صدقة السفاقسي والشيخ زين الدين أبو عبد الله محمد بن الحسن القرشي العوني وأبو القاسم الأيسر الجذامي وشهاب الدين الأبرقوسي والعدل أبو فارس الهواري وأبو الكرم الحميري وأبو الفدا بن المعلم والشريف أبو الحسن القرافي وأبو عبد الله بن رحيمة والشيخ أبو عبد الله بن اللبيدي وأبو الحسن بن عطية البودري وأبو محمد ابن سعيد المسراتي وأبو عبد الله بن عبد الحميد والخطيب أبو الحسن ابن السفاج الرتدي وأبو محمد بن عطية والوزير أبو عبد الله بن أبي عامر ابن ربيع والعدل أبو الحسن بن مستقور والخطيب أبو عبد الله ابن شعيب والشريف أبو علي بن طاهر بن أبي الشرف والأستاذ أبو بكر ابن عبيدة. وقرأ على الأستاذ أبي جعفر بن الزبير وبرنامج رواياته نبيه. مولده عام خمسة وثمانين وستماية. من المحدثين والفقهاء وسائر الطلبة النجباء بين أصلي وغيره سعيد بن محمد الغساني سعيد بن محمد بن إبراهيم بن عاصم بن سعيد الغساني من أهل غرناطة يكنى أبا عثمن. حاله هذا الرجل من أهل الذكاء والمعرفة والإدراك يقوم على الكتاب العزيز حفظًا وتدريسًا ويشارك في فنون من أصول وفقه وحساب وتعديل ومعرفة بالإلمامات الشعاعية. يكتب خطًا حسنًا وينظم الشعر ويحفظ الكثير من النتف والأخبار مقتصد منقبض عن الناس مشتغل بشأنه قيد الكثير يسير إلى لزمانة أصابت أختها بما يدل على نشاطه وهمته. مشيخته قرأ على الأستاذ الخطيب أبي القاسم بن جزي ورحل إلى العدوة فلقي بفاس وتلمسان جملة كالأستاذ أبي إسحق السلاوي التلمساني وأبي العباس أحمد بن عبد الرحمن المكناسي من أهل فاس والحاج ابن سبيع وغيرهم. واستدعيته لتأديب ولدي أسعدهم الله فبلوت منه على شعره جرى ذكر في الإكليل الزاهر بما نصه: ممن يتشوق إلى المعارف والمقالات ويتشوف إلى الحقائق والمجالات ويشتمل على نفس رقيقة ويسير من تعليم القرآن على خير طريقة ويعاني من الشعر ما يشهد بنبله ويستطرف من مثله. فمن شعره قوله: لما نأوا في الظاعنين وساروا أضحت قلوب العاشقين تحار تركوهم في ظلمة وتوحش ما انجابت الأضواء والأنوار ذهبوا فأبقوا كل عقل ذاهلًا ولكل قلب بالنزوح مطار ظعنوا وقد فتنوا الورى بجمالهم عبثوا بأفئدة الأنام وحار ما ضرهم قبيل النوى لو ودعوا ما ضرهم لو أعلموا إذ سار فقلوبنا من بعدهم في فجعة ودموعنا من بعدهم أمطار يا دار أين أحبتي ووصالنا أين الذي كنا به يا دار كنا نذيع به عبير حديثنا وكلامنا الألطاف والأشعار والطير تتلو فوقنا نغماتها والدهر يسمح والمدام تدار هل زمن تقادم عهده نلنا بها النعمى ونحن صغار فلا تذر على الوصال وابكين ما دامت الآصال والأسحار ومن المقطوعات: وكم عذلوني في هواه وما رأوا محياه حتى عاينوه وسلموا وقالوا نعم هذا الكمال حقيقةٌ فحطوا وجاءوا صاغرين وسلموا وكتب إلي صحبة كتاب أعرته إياه عقب الفراغ من مطالعته: هذا كتاب كل معجم أفحمني معناه إفحاما أعجمه منشئه أولا وزاده الناسخ إعجاما أسقط من إجماله جملة وزاد في التفصيل أقساما وغير الألفاظ عن وضعها وصير الإيجاد إعداما فليس في إصلاحه حيلةٌ ترجى ولو قوبل أعواما نثره كتب إلي شافعًا في الولد وأنا واجد عليه: من حل محل السيد نادرة الزمان وسابق حلبة البيان في رسوخ العلم والسمو في درجة الحلم وأرضعته الحكم درتها وقلدته المعارف دررها وجلت عليه بدرها وجلبت إليه بذرها كان بالحنو والرأفة خليقًا وأن يهب نسيمه لدنًا رفيقًا وأن يتعاهد بالعطف غرسًا في زاكي تربتة ظلي وإلى محتده المنجب وفضله المنجب أنتمي فيلحفه من الرحمة جناحًا ويطلع عليه في ليل الوحشة المؤلمة من نور صفحه عن هفوته مصباحًا والذنب إذا لم يكن عقوقًا ولا سوء أدب وكان في المماليك والقيم المالية مغتفر عند الأكابر مثله من ذوي الرتب وقد بلغ في الاعتراف غاية المدى واندمل الجرح الذي أصابته المدى والبون واضح في المقاييس بين المرؤوس والرئيس وشتان بين الزيف والجوهر النفيس. ومع أن الولد كمد فهو للنفس ريحانة وفي فص خاتم الإنسان جمانة وقد نال منه هذا الإمضاء والصارم يتخذ فيزيد منه المضاء وهو يرتجي كل ساعة أن يفد عليه البشير برضاك فيستأنف جهورًا وينقلب إلى أهله مسرورًا والله يبقيك والوزارة ترفل منك في مظهر حلل ويريك في نفسك وبنيك غاية الأمل. مولده التاسع لذي الحجة عام تسعة وتسعين وستماية وهو الان على حاله الموصوفة. من الكتاب والشعراء سهل بن طلحة من أهل غرناطة يكنى أبا الحسن. حاله كان ظريفًا عنده مشاركة في الطلب. مدح ولي العهد أبا عبد الله ابن الغالب بالله بشعرٍ وسط فمن ذلك قوله من قصيدة أولها: أنا للغرام وللهوى مدفوع فمتى السلو ووصلها ممنوع يقول أيضًا منها بعد كثير: يا حبذا دارٌ لزينب باللوى حيث الفؤاد على الهوى مطبوع يا حادي العيس التفت نحو اللوى إني بسكان اللوى مفجوع وعج المطي بلعلع وبرامة فهناك قلب للشجي مروع أطلال آرام وبيضٌ خردٌ هن الأهلة بالجيوب طلوع في ظبية من بينهن تصدني حسنًا ولي أبدًا إليه نزوع تفنى الليالي والزمان وأنقضى كمدًا ولا نبأٌ لها مسموع فيا ليت هل دهر يعود بوصلها فيكون للعيش الخصيب رجوع وتعود أيام السرور كمثل ما قد عاد روح حياتها والروع فقدوم مولانا الأمير محمد خير الملوك ومن له الترفيع وفاته كان حيًا سنة اثنتين وخمسين وستماية. ابن سالم سالم بن صالح بن علي بن صالح بن محمد الهمداني من أهل مالقة يكنى أبا عمرو ويعرف بابن سالم. حاله قال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير: كان أديبًا مقيدًا. كتب بخطه كثيرًا وانتسخ أجزاء عدة واجتهد وأكثر وكان متبذلًا في لباسه متواضعًا مقتصدًا مليح المجاللسة حسن العشرة جليل الأخلاق فاضل الطبع. روى عن الحافظ أبي عبد الله بن الفخار وأبي زيد السهيلي وأبي الحجاج بن الشيخ وأبي جعفر بن حكم وأبي بكر بن الجد وأبي عبد الله بن زرقون وأبي محمد بن عبيد الله. وشارك في كثير من شيوخه أبا محمد القرطبي وكان يناهضه. دخوله غرناطة دخلها وأقام بها وأخذ عن شيوخها وتردد إليها. شعره قال في رمح: أنا الرمح المعد إلى النوايب فصاحبني تجدني خير صاحب لئن فخر اليراع بكتب خطٍّ فلخطي فخرٌ بالكتايب ومما كتب له ابن خميس قوله: إلهي قد عصينا منك ربًا تعلى أن يقابل بالمعاصي فكيف خلوصنا من هول يوم تشيب لهوله سود النواصي وجلب شعرًا كثيرًا دون شهرته وما ذكر به. وتوفي بمالقة ليلة الإثنين لثمان عشرة ليلة خلت من حرف الهاء من الملوك والأمراء المعتد بالله هشام بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الناصر لدين الله بن محمد بن عبد الله أخو المرتضى المتقدم الذكر يكنى أبا بكر ويلقب بالمعتد بالله الخليفة بقرطبة. صفته أبيض أصهب إلى الأدمة سبط الشعر أخنس خفيف العارض واللحية حسن الجسم إلى قصر أمه أم ولد تسمى عاتبا. حاله بويع له بالثغر فقرطبة أيام استقراره بحصن ألبنت عند صاحبه عبد الله بن قاسم الفهري. قال ابن حيان ثالبًا إياه على عادته قلد الأمر في سن الشيخوخة وكان معروفًا بالشطارة في شبابه وأقلع فرجي فلاحه. وقال دخل قرطبة في زي تقتحمه العين وهنًا وقلة عديم رواءٍ وبهجة وعددٍ وعدة فوق فرسٍ دون مراكب الملوك بحلية مختصرة سادلًا سمل غفارة على ما تحتها من كسوة رثة قدامه سبع خبايب من خيل العامريين دون علم ولا مضطرد يسير هونًا والناس ينظرون إليه ويصيحون بالدعاء في وجهه. فدخل القصر وقلد حكمًا المعروف بالقزاز الأعمال والأمر وأطلق يده في المال وهو الذي يقول فيه الشاعر: هبك كما تدعي وزيرا وزير من أنت يا وزير والله ما للأمير معنى فكيف من وزير الأمير وضعف أمره وآثر الناس الوثوب على وزيره فأوقع به طايفة من الجند وثارت العامة بهشام فخلع في خبر طويل ودخل غرناطة مع أخيه المرتضى ولحق يوم هزيمته بظاهرها بحصن ألبنت إلى أن بويع له بقرطبة يوم الأحد لخمس بقين من ربيع الآخر سنة ثمان عشرة وأربعماية. محنته ثارت العامة به بقرطبة كما تقدم ملتفةً على أمية بن عبد الرحمن ابن هشام بن سليمن بن عبد الرحمن الناصر يوم الثلاثاء الثاني عشر لذي حجة من سنة اثنتين وأربعمائة بسوء تدبير وزيره وبادر الاعتصام بعلية القصر وأنزل منها إلى ساباط الجامع بالأمان فيمن تألف إليه من ولده وحريمه فحدث بعض سدنة الجامع أن أول ما سأل الشيوخ إحضار كسيرة من خبز يسد جوع طفيلة له كان قد احتضنها ساترًا لها بكمه من قر ليلته تلك كانت تشكو الجوع ذاهلة عما وفاته في صفر ثمان وعشرين وأربعمائة. وسنه نحو أربعة وستين سنة. وكان آخر ملوك بني أمية بالأندلس. ومن ترجمة الأعيان والكبرا والأماثل والوزرا هاشم بن أبي رجاء الإلبيري الوزير يكنى أبا خالد. حاله كان من عظماء أهل إلبيرة وحليتهم وهو الذي عاد الفقيه الزاهد ابا إسحق بن مسعود الإلبيري في مرضه وعذله على رداءة مسكنه وقال له لو سكنت دارًا خيرًا من هذه لكانت أولى لك فأجابه رحمه الله بقوله: قالوا ألا تستجيد بيتًا تعجب من حسنه البيوت فقلت ما ذاكم صوابٌ حقيرٌ كثيرٌ لمن يموت لولا شتاءٌ ولفح قيظ وخوف لص وحفظ قوت ونسوةٌ يبتغين كنًا بنيت بنيان عنكبوت وأي معنىً لحسن مغنىً ليس لسكانه ثبوت ما لوعظ القبر لو عقلنا موعظة للناطق الصموت نسيت يومي وطول نومي وسوف تنسى كما نسيت وسدت يا هادمي قصورًا نعمت فيهن كيف شيت معتنقًا للحسان فيها مستنشقًا مسكها الفتيت تسحب ذيل الصبا وتلهو بآنسات يقلن هيت فاذكر سهادي قبل التنادي واسهد له قبل أن يفوت فعن قريب يكون ظعني سخطت يا صاح أم رضيت حرف الياء: الملوك والأمراء يوسف بن إسمعيل بن فرج بن إسمعيل بن يوسف بن نصر الأنصاري الخزرجي أمير المسلمين بالأندلس أبو الحجاج. حاله وصفته كان أبيض أزهر أيدًا براق الثنايا أنجل رجل الشعر أسوده كث اللحية تقع العين منه على بدر تمام يفضل الناس بحسن المرأى وجمال الهيئة كما يفضلهم مقامًا وربتة عذب اللسان وافر العقل عظيم الهيبة إلى ثقوب الذهن وبعد الغور والتفطن للمعاريض والتبريز في كثير من الصنائع العملية مائلًا إلى الهدنة مزجيًا للأمور كلفًا بالمباني والأثواب جماعة للحلي والذخيرة مستميلًا لمعاصريه من الملوك. تولى الملك بعد أخيه بوادي السقايين من ظاهر الخضراء ضحوة يوم الأربعاء الثالث عشر من ذي الحجة عام ثلاثة وثلاثين وسبعماية وسنه إذ ذاك خمسة عشر عامًا وثمانية أشهر واستقل بالملك واضطلع بالأعباء وتملأ الهدنة ما شاء. وعظم مرانه لمباشرة الألقاب ومطالعة الرسم فجاء نسيج وحده ثم عانى شدايد العدو فكرم يوم الوقيعة العظمى بظاهر طريف موقعه وحمد بعد في منازلة الطاغية عند الجثوم على الجزيرة صبره وأجاز البحر في شأنها فأفلت من مكيدة العدو التي تخطاها أجله وأوهن حبلها سعده. ولما نفذ فيها القدر وأشفت الأندلس سدد الله أمور المسلمين بها على يده وراخى مخنق الشدة بسعيه فعرفت الملوك رجاحته وأثنت على قصده إلى حين وفاته. |
أمه أم ولد تسمى بهارًا طرفٌ في الخير والصون والرجاحة. ولده كان له ثلاثة من الولد كبيرهم محمد أمير المسلمين من بعده وتلوه أخوه إسمعيل المستقر في كنفه محجورًا عليه التصرف إلى أعمال التدبير وثالثهم إسمه قيس شقيق إسمعيل. وزراء دولته تولى وزارته لأول أمره كبير الأكره ونبيه الدهاقين من منتجعي المدر بحضرته أبو إسحق بن عبد البر لمحيلة طمع نشأت لمقيمي الدولة فيما بيده سدًا لحال بها على عوز طريقه إلى حضرته إلى ثالث شهر المحرم من العام. وأنف الخاصة والنبهاء رياسته فطلبوا من السلطان إعاضته فعدل عنه إلى خاصة دولتهم الحاجب أبي النعيم رضوان مظنة التسديد ومحط الإنفات فاتصل نظره مستبدًا عليه في تنفيذ الأمور وتقديم الولاة والعمال وجواب المخاطبات وتدبير الرعايا وقود الجيوش. ثم نكبه وأحاط به مكروهًا مجهول السبب ليلة الأحد الثاني والعشرين لرجب عام أربعين وسبعماية. وتولى الوزارة بعده ابن عمة أبيه القايد أبو الحسن علي بن مول ابن يحيى بن مول الأمي ابن عم وزير أخيه رجل جهوري حازم مؤثر للغلظة على الشفقة ولم ينشب أن كف كف اسبتداده فانكدر نجم سعادتهم والتأثث حاله. ولزمته شكاية سدكت فاستنقذته. وأقام لرسم الوزارة كاتبه شيخنا نسيج وحده أبا الحسن بن الجياب إلى أخريات شوال عام تسعة وأربعين وسبعماية وهلك رحمه الله فأجرى لي الرسم وعصب لي تلك المثابة مضاعف الجراية معززة بولاية القيادة كتابه تولى كتابته كاتب أخيه وأبيه شيخنا المذكور إلى حين وفاته. وقلدني كتابة سره مثناة بمزيد قضاته تولى أحكام القضاء قاضي أخيه الصدر البقية شيخنا أبو عبد الله محمد بن محيى بن بكر إلى يوم الوقيعة الكبرى بطريف وفقد في مصافه وتحت لوائه. وتولى القضاء الفقيه المفتي البقية أبو عبد الله محمد بن عياش من أهل مالقة أيامًا ثم طلب الإعفاء. فأسعف عن أيام تقارب أسبوعًا وولي مكانه الفقيه أبو جعفر أحمد بن محمد بن برطال من أهل مالقة. فسدد الخطة وأجرى الأحكام إلى الرابع من شهر ربيع الآخر عام ثلاثة وأربعين وسبعماية وقدم عوضًا عنه الفقيه الشريف الصدر الفاضل أبو القاسم محمد بن أحمد الحسيني السبتي المولد والمنشأ الطالع على أفق حضرته في أيام أخيه النازع إلى إيالتهم النصرية معدودًا في مفاخر أيامها مشارًا إليه بالبنان عند اعتبار أعلامها ثم عزله لغير جرمة تذكر إلا ما لا ينكر وقوعه مما تجره تبعات الأحكام. وولي الخطة شيخنا نسيج وحده الرحلة البقية أبا البركات بن الحاج شيخ الصقع وصدر الجلة. واستمر قاضيًا إلى. . . . وأربعين وسبعماية. ثم أعاد إليها القاضي المفوض هونه الشريف الفاضل أبا القاسم إلى يوم وفاته. رئيس الغزاة ويعسوب الجند الغربي تولى ذلك الأول الأمر الشيخ أبو ثابت عامر بن عثمن بن إدريس ابن عبد الحق قريع دهره في النكراء والدهاء المسلم له في الرتبة عتاقة ورأيًا وثباتًا إلى أن نكبه وقبض عليه وعلى إخوته يوم السبت التاسع والعشرين من ربيع الأول عام أحد وأربعين وسبعماية. وأقام شيخنا ورئيسًا دايلهم وابن عمهم المتلقف لكرة عزهم. يحيى بن عمر بن رحو ولي ذلك بنفسه ونديمه ومبرز خصاله إلى تمام مدته. من كان على عهده من الملوك وأولًا بفاس دار الملك بالمغرب السلطان المتناهي الجلالة أبو الحسن علي بن عثمن بن يعقوب بن عبد الحق. وجاز على عهده إلى الأندلس إثر صلاة يوم الجمعة تاسع عشر صفر من عام أحد وأربعين وسبعماية بعد أن أوقع بأسطول الروم المستدعى من أقطارهم وقيعة كبيرة شهيرة استولى فيها من المتاع والسلاح والأجفان على ما قدم به العهد واستقر بالخضراء في جيوش وافرة وكان جوازه في مائة وأربعين جفنًا غزويًا. وبادر إلى لقائه واجتمع به في وجوه الأندلسيين وأعيان طبقاتهم بظاهر الجزيرة الخضراء في اليوم الموفي عشرين من الشهر المذكور. ونازل إثر انقضاء المولد النبوي مدينة طريف ونصب عليها المجانيق وأخذ بمخنقها واستحث من بها من المحصورين طاغية الروم فبادر يقتاد جيشًا يجر الشجر والمدر. وكانت المناجزة يوم الإثنين السابع لجمادى الأولى من العام. ومحص المسلمون بوقيعة هايلة أتت على النفوس والأموال والكراع وهلك فيها بمضرب الملك جملة من العقايل الكرام فعظمت الأحدوثة وجلت المصيبة وأسرع اللحاق بالمغرب مفلولًا في سبيل الله محتسبًا يروم الكرة: وكان ما هو معلوم من إمعانه في حدود الشرق عند إحكام المهادنة بالأندلس وتوغله في بلاد إفريقية وجريان حكم الله عليه بالهزيمة ظاهر القيروان التي لم ينتشله الدهر بعدها وعلقت آمال الخلق بولده مستحق الملك من بين ساير إخوته وهلك على تفية لحاقه بأحواز مراكش ليلة الأربعاء السادس والعشرين لربيع الأول عام اثنين وخمسين وسبعماية فاختار الله له ما عنده بعد أن بلغ من بعد الصيت وتعظيم الملوك له وشهرة الذكر ما لم يبلغه سواه. ونحن نجلب دليلًا على فضله والإشادة بفخره نسخة العقد الذي تضمن هديته إلى صاحب الديار المصرية صحبة الربعة الكريمة بخطه وذلك قبة من مائة بنيقة وفيها أربعة أبواب وقبة أخرى من ستة وثلاثين بنيقة داخلها حلة محلوقة ووجهها حرير أبيض وركيزها أبنوس وعاج مرصع والاهار فضة مذهبة والشرايط حرير. وضربت القبتان بالصفصيف وحل فيها جميع الهدية. وصففت جميع الدواب بجهازاتها أمام القبة. من الخيل ثلاثمائة وخمسة وثلاثون من البغل بين ذكور وإناث ومن الجمال سبع ماية إلا إنها لم تصفف بل أعدت لحمل الهدية ومن البزاة الأحرار أربعة وثلاثون ومن أحجار الياقوت مائتان وخمسة وعشرون ومن قطب الزمرد ماية وثمانية وعشرون ومن حبوب الجوهر الفاخر أكثره ثلاثة آلاف وأربعة وستنون. ومن أحجار الزبرجد ثمانية وعشرون ومن المهندات بحلية الذهب عشرة ومن أزواج مهاميز الذهب عشرة ومن أزواج الأركب عشرة واحد كله ذهب وثلاثة كلها فضة وستة من حبحبة مذهبة على الحديد. واثنان من اللضمات من ذهب. وشاشية مذهبة. وحلل ثلاث عشرة. وعشر كلل ومخاد حلة. وتوق ذهب مائتان واشتراق ذهب عشرون. وقدود ستة وأربعون. وفرشًا جلة. وعشر علامات معششة. وعشر وقايات مذهبة. وثلاثون من وجوه اللحف حرير وذهب. ومائتان من المحررات الملونة الرفيعة المختمة. وحيطيان أحدهما حلة والآخر طرق. وثلاثة وعشرون شقة من الرهاز. واثنان من هنابل الحلة. وعشرة براقع للخيل منها ثمانية من الحلة. ومن أسلة الخيل ثلاثون وثلاثة طنافس من الحرير. وهنابل حرير اثنان. وعشرة هنابل من الحرير والصوف. وهنابل والشريشية وزمورية ماية وسبعة. وأربعة آلاف من الجلد التركي والأغماتي. ومن درق اللمط المثمنة مائتان. ومن الأكسية المحررة أربعة وعشرون. ومن البرانس المحررة ثمانية. ومن الأحارم ما بين محررة وصوف عشرون. ومن أزواج المحفف خمسون. وعشر لزمات من الفضة. وستة عشر شقة من الملف. وأما أزودة الحجاج فأعطي للحرة المكرمة أخته أعزها الله ثلاثة آلاف دنير من الذهب ومائتي كسوة برسم العرب. ولمن سافر معها ستماية وسبعين. ولأبي إسحق بن أبي يحيى ثلاثمائة من الذهب وكسوة رفيعة. ولعريفه يحيى السويدي ألف دنير من الذهب. إلى العدد الكثير من الذهب العين برسم الوصفان والخدام ولرسوم التحبيس على قراء الرابعة الكريمة ستة عشر ألفًا وخمسماية دنير. انتهى. وكان هذا السلطان رحمه الله ممن دوخ الأقطار وجاهد الكفار ووطىء بالأساطيل خدود البحار والتمس ما عند الله من الثواب وأعلق يده من نسخ كتابه بأوثق الأسباب. إلى أن استوسق الأمر لولده أمير المؤمنين بالمغرب وما إليه فارس المكنى بأبي عنان الملقب بالمتوكل على الله. فقام بالأمر أحمد قيام. وجرت بين هذا السلطان وبينه المخاطبات والمراسلات وسفرني إليه لأول الأمر معزيًا بأبيه ومهنيًا بما صار إليه من ملكه واستصحبت إليه كتابًا من إنشائي نجليه بحول الله تجسيمًا لمن يقف على هذه الأخبار وإن اقتحمتها ثبج الإكثار وهو: المقام الذي رسخت منه في مقامي الصبر والشكر قدم فلا يغيره وجود ولا يروعه عدم وصدفت منه في كتاب المجد عزمة لم يختلجها وهن ولا ندم حتى تصرفت بحكم معاليه أيام دهره ولياليه هو ولدان وهذه خدم. مقام محل أخينا. الذي إن جاشت النوايب وسعها صدره. أو عظمت المواهب ترفع عنها قدره أو أظلمت الكروب جلاها بدره. أو تألبت الخطوب هزمها صبره. أو أظلت سحايب النعم أسدرها حمد الله وشكره أو عرضت عقود الحمد في أسواق المجد أغلاها فجره. أو راقت حلل الصنايع طرزها ذكره. أو طبقت سيوف الناس أغمدها صفحه وسلها قهره. السلطان الكذا أبقاه الله ضاحك السعد كلما بكت عين مجموع الشمل كلما أزف بين. واري الزند إذا اقتضى دين محمي الذمار بانفساح الأعمار كلما أغار على الأحياء حين. ولازال يقيد منه شكر الله نعمًا ما في وعدها لي ولا في قولها مين. ويلبس منها حللًا تقواه في عواتقها زين. مساهمة في كل خطب غم أو فضل من الله عم. ومقاسمةً في كل ما ألم وتهنئة بالملك الذي خلص وتم فلان. أما بعد حمد الله الذي جعل الصبر في الحوادث حصنًا منيعًا والشكر يستدعي المزيد من النعم سريعًا فمتى أعملت للصبر دعوة كان بها الأجر سميعًا. ومتى رفعت من الشكر رقعة كان المزيد عليها توقيعًا. والصلاة على سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي بوأنا من السعادة جنابًا مريعًا. وبين له حدود أوامره ونواهيه فطوبن لمن كان مطيعًا. وكان لنا في الدنيا هاديًا ونجده في الآخرة شفيعًا. والرضا عن آله وصحبه الذين كانوا على العداة قيظًا وللعفاة ربيعًا. فحلوا من الاقتداء به فيما ساء وسر وأحلى وأمر مقامًا رفيعًا. وخفض عليهم مضاضة فقده مثابرتهم على ضم شمل المسلمين من بعده اقتداءً بقوله سبحانه: واعتصموا بحبل الله جميعًا. والدعاء لمقامكم الأسمى بالنصر الذي يشكر منه الجياد والبيض الحداد صنيعًا. وتشرح منه ألسن الأقلام تهذيبًا وتقريعًا. والصبر الذي زرافات الأجر قطيعًا. فقطيعًا. فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم من حظوظ الخير أوفرها عددًا. وأقطعكم من خطط السعد أبعدها مدًا. وأتبعكم من كتايب العز أطولها يدًا وخولكم من بسطة الملك ما لا يبيد أبدًا وألهمكم من الصبر لما تقدمونه فتجدونه غدًا. من حمراء غرناطة حرسها الله وعندنا من الاعتداد في الله أسبابٌ وثيقة وأنساب صدق في بحبوحة الخلوص عريقة. ومن الثناء عليكم حدايق روضٍ لا تحاكيها حديقة. ومن المساهمة لكم في شتى الأحوال مقاصد لا تلتبس منها طريقة. ومن السرور بما سناه الله لكم نعمٌ بشكر الله عز وجل خليقة. وإلى هذا أيدكم الله بنصره وحكم لمقامكم بشد أزره وإعلاء أمره فإننا ورد علينا الخبر الذي قبض وبسط وجار وأقسط وبخس ووفى وأمرض وشفى وأضحى وظلل وتجهم وتهلل وأمر وأحلى وأساء ثم أحسن وبشر بعد ما أحزن خبر وفاة والدكم محل أبينا السلطان العظيم القدر الكبير الخطر. قدس الله طاهر تربته وكرم لحده كما أحيا بكم معالم مجده. فيا له من سهم رمى أغراض القلوب فأثبتها. وطرق مجتمعات الآمال فشتتها. ونعى إلى المجد إنسان عينه وعين إنسانه. وإلى الملك هيولى أركانه. وإلى الدين ترجمة ديوانه. وإلى الفضل عميد إيوانه. حادثٌ نبه العيون من سنة غرورها. وذكر النفوس بهم أمورها. وأشرق المحاجر بماء دموعها وأضرم الجوانح بنار ولوعها. وبين أن سراب الآمال سراب وأن الذي فوق التراب تراب. فمن تأمل الدنيا وطباعها والأيام وإسراعها والحوادث وقراعها بدا له الحق من المين. واستغنى عن الأثر بالعين. فشأنها أن لا تفتر عن سهم تسدده إلى غرض. وصحة تعقبها بمرض وجوهر ترميه بعرض. وداء للموت قديم وقربه لا يبقى عليه أديم. وكأسه يشربها موسرٌ وعديم. دبت إلى كسرى الفرس عقاريه فلم تمنعه أساورته ولا مرازبه. وقصر قيصر على حكمه فكدرت مشاريه. وأتبر سيف بن ذي يزن عمدانه فلم ترعه مضاربه. وأردى تبعًا فلم يكن في أتباعه من يحاربه. لم تدافع عنهم الجنود المجندة. ولا الصفاح المهندة. ولا الدروع المحكمة ولا النياب المعلمة. ولا الجياد الجرد المسومة. ولا الرماح المثقفة المقومة. كل قدم على ما قدم. وجد إلى ما أعد. جعلنا الله ممن يسر لسفره زادًا. وقدم بين يديه رباطًا شافعًا لديه وجهادًا. ووثر لنفسه بمناصحة الله والمؤمنين في أعلى عليين مهادًا. وطوق المسلمين عدلًا وفضلًا وإمدادًا. غير أن هذا الفاجىء الذي فجع ومنع القلوب أن تقر والعين أن تهجع. غمرته البشرى وغلبته المسرة الكبرى وعارضته من بقايكم الآية المحكمة الأخرى. فاضمحل من بعد الرسوخ. وصار ليله في حكم المنسوخ. ما كان من استخلاصكم الملك الذي أنتم أهله واحتيازكم المجد الذي أشرق بكم محله. وكيف بسهم أخطأ ذاتكم الشريفة أن يقال فيه أصمى وأجهز. والأمل بعد بقايكم أن يقال فيه تعذر أو أعوز. إنما الآمال ببقايكم للملإ منوطة. وسعادة الإسلام بحياتكم المتصلة مشروطة. ومنها: فأي ترح يبقى بعد هذا الفرح وأي كسل ينشأ بعد هذا المرح. إن أفل البدر فقد تبلج الفجر أو غاض النيل فقد فاض البحر. وإن مال فلك الملك فقد عاد إلى مداره. وإن أذنب الدهر فقد أحسن ما شاء في اعتذاره. إنما هذا الخطب وهنٌ أعقبه ضوء النهار وسطعت بعده أشعة الأنوار. وصمصامةٌ أغمدت وسل من بعدها ذو الفقار. ومنها: وإننا لما. عن حقه ورصدنا طالعه في أفقه قابلنا الواقع بالتسليم والمنحة الرادفة بالشكر العظيم. وأنسنا في غمام الهدنة رب هذا الإقليم. وقلنا استقر الحق ووضحت الطرق وهوى الرايد وصدق البرق وتقررت القاعدة وارتفع الفرق واستبشر يإبلال المغرب أخوه الشرق. وثابت آمال أولي الجهاد إلى اقتحام فرضة المجاز وأولي الحج إلى مرافقة ركب الحجاز وآن للدنيا أن تلبس الحلي العجيبة بعد الابتزاز. والحمد لله الذي زين بكم أفق الملك وكيف بسعدكم نظم ذلك السلط. وهنأ الله إيالتكم العباد والبلاد والحج والجهاد. وصدق الظنون الذي في مقامكم الذي جاز في المكارم الآماد. بادرنا أيدكم الله من بركم إلى غرضين. وقمنا من حق عزايكم وهنايكم بواجبين مفترضين. وشرعنا ومن لدينا أن نباشر بالنفوس هذين القصدين. إلا أننا عاقنا عن ذلك ما اتصل بنا من العدو الذي بلينا بجواره ورمينا بمصابرة تياره. وإلا فهذا الغرض قد كنا لا نرى فيه بإجراء الاستنابة ولا نحظى غيرنا بزيارة تلك المثابة. فليصل الفضل جلالكم. ويقبل العذر كمالكم. وإذا كان الاستخلاف مما تحتمله العبادة ولا ينكره عند الضرورة العرف والعادة فأحرى الأخوة والودادة والفضل والمجادة. فتخيرنا جهدنا واصطفينا لباب اللباب فيمن عندنا. فعينا فلانًا. واتصلت أيامه إلى آخر مدته. وبمدينة تلمسان: عبد الرحمن بن موسى بن عثمن بن يغمراسن بن زيان يكنى أبا تاشفين. وقد تقدم ذكره وهو الذي انقضى ملك بني زيان على يده. تولى الملك عام ثمانية عشر كما تقدم وتهنأه إلى أن تأكدت الوحشة بينه وبين السلطان ملك المغرب. فتحرك لمنازلته وأخذ بكظمه وحصره سنين ثلاثًا واقتحم عليه ملعب البلدة ليلة سبع وعشرين من رمضان عام سبعة وثلاثين وسبعماية. |
وفي غرة شوال منها دخل البلد من أقطار عنوة ووقف هو وكبير ولده برحبة قصره قد نزعا لام الحرب المانعة من عمل السلاح استعجالًا للمنية ورغبة في الإجهاز وقاما مقام الثبات والصبر والاستجماع إلى أن كوثرا واثخنا وعاجلتهما منية العز قبل شد الوثاق وإمكان الشمات واستولى على الملك ملك المغرب. وفي ذلك قلت من الرجز المسمى بقطع السلوك في الدول الإسلامية مما يخص ملوك تلمسان ثم أميرها عبد الرحمن هذا: وحل فيها عابد الرحمن فاغتر بالدنيا وبالزمان وسار فيها مطلق العنان من مظهر سام إلى جنان كم زخرف علياه من بنيان آثاره تبنى عن العيان وصرف العزم إلى بجاية فعظمت في قومها النكاية حتى ما إذا مدة الملك انقضت وأوجه الأيام عنهم أعرضت وحق حق الدهر فيها ووجب وكتب الله عليها ما كتب حث إليها السير ملك المغرب يا لك من ممارس مجرب فغلب القوم بغير عهد بعد حصار دائم وجهد فأقفرت من ملكهم أوطانه سبحان من لا ينقضي سلطانه ثم نشأت لهم بارقة لم تكد تقد حتى خبت عندما جرت على السلطان أبي الحسن الهزيمة ابن أخيه المنتزي بمدينة فاس. فدخلوا تلمسان وقبضوا على القايم بأمرها وقدموا على أنفسهم عثمن بن يحيى بن عبد الرحمن بن يغمراسن المتقدم الذكر في رسم عثمن وذلك في الثامن والعشرين لجمادى الآخرة من عام تسعة وأربعين وسبعماية واستمرت أيامه أثناء الفتنة وارتاش وأقام رسم الإمرة وجدد ملك قومه. واستمرت حاله إلى أن أوقع بهم ملك المغرب أمير المسلمين أبو عنان الوقيعة المصطلمة التي خضدت الشوكة واستأصلت الشأفة. وتحصل عثمن في قبضته. ثم ألحقت النكبة به أخاه فكانت سبيلهما في القتل صبرًا عبرة وذلك في وسط ربيع الأول من عام التاريخ. وبتونس: الأمير أبو يحيى أبو بكر بن الأمير أبي زكريا ابن الأمير أبي إسحق ابن الأمير أبي زكريا إلى أن هلك. وولي الأمر ولده عمر ثم ولده أحمد ثم عاد الأمر إلى عمر. ثم استولى ملك المغرب السلطان أبو الحسن على ملكهم. ثم ضم نشرهم بعد نكبته وخروجه عن وطنهم على أبي إسحق بن أبي بكر.ومن ملوك النصارى بقشتالة: ألفنش بن هرنده بن دون جانجه بن ألفنش المستولي على قرطبة ابن هرنده المستولي على إشبيلية. إلى عدد جم. وكان طاغية موهوبًا وملكًا مجدودًا. هبت له الريح وعظمت به إلى المسلمين النكاية. وتملك الخضراء بعد أن أوقع بالمسلمين الوقيعة الكبرى العظمى بطريف. ثم نازل جبل الفتح وكاد يستولي على هذه الجزيرة لولا أن الله تداركها بجميل صنعه وخفي لطفه لا إله إلا هو. فهلك بظاهره في محلته حتف أنفه ليلة عاشوراء من عام أحد وخمسين وسبعماية. فتنفس المخنق وانجلت الغمة وانسدل الستر. كنت منفردًا بالسلطان رحمه الله وقد غلب اليأس وتوقعت الفضيحة أونسه بعجايب الفرج بعد الشدة وأقوى بصيرته في التماس لطف الله وهو يرى الفرج بعيدًا ويتوقع من الأمر عظيمًا. وورد الخير بمهلكه فاستحالت الحال إلى ضدها من السرور والاستبشار. والحمد لله على نعمه. وفي ذلك قلت: ألا حدثاني فهي أم الغرايب وما حاضرٌ في وصفها مثل غايب ولا تخليا منها على قطر السرى سروج المذاكي أو ظهور النجايب أيوسف إن الدهر أصبح واقفًا على بابك المطول موقف تايب دعاؤك أمضى من مهندة الظبا وسعدك أقضى من سعود الكواكب سيوفك في أغمادها مطمئنة ولكن سيف الله دامي المضارب فثق بالذي أرعاك أمر عباده وسل فضله فالله أكرم واهب لقد طوق الأذفنش سعدك خزيةً تجد على مر العصور الذواهب هوى في مجال العجب غير مقصر وهل نهض العجب المخل براكب وغالب أمر الله جل جلاله ولم يدر أن الله أغلب غالب ولله في طي الوجود كتايب تدق وتخفى عن عيون الكتايب تغير على الأنفاس في كل ساعة وتكمن حتى في مياه المشارب فمن قارع في قومه سن نادم ومن لاطم في ربعه خد نادب مصايب أشجى وقعها مهج العدا وكم نعمٌ في طي تلك المصايب شواظٌّ أراد الله إطفاء ناره وقد نفج الإسلام من كل جانب وإن لم يصب منه السلاح فإنما أصيب بسهم من دعايك صايب ولله من ألطافه في عباده خزاين ما ضاقت لمطلب طالب فمهما غرست الصبر في تربة الرضا بأحكامه فلتجن حسن العواقب ولا تعد الأمر البعيد وقوعه فإن الليالي أمهات العجايب وهي طويلة سهلة على ضعف كان ارتكابه مقصودًا في أمداحه. عام أحد وأربعين وسبعماية وما اتصل بذلك من منازلة الطاغية ألهنشه قلعة يحصب الماسة الجوار من حضرته واستيلائه عليها وعلى باغة. ثم منازلة الجزيرة الخضراء عشرين شهرًا أوجف خلالها بجيوش المسلمين من أهل العدوتين إلى أرضه. ثم استقر منازلًا إياها إلى أن فاز بها قداحه والأمر لله العلي الكبير في قصص يطول ذكره تضمن ذلك طرفة العصر من تأليفنا. ثم تهنأ السلم والتحف جناح العافية والإمنة برهة رحمه الله. وفاته وما استكمل أيام حياته وبلغ مداه أتم ما كان شبابًا واعتدالًا وحسنًا وفخامة وعزًا حتى أتاه أمر الله من حيث لا يحتسب وهجم عليه يوم عيد الفطر من عام خمسة وخمسين وسبعماية في الركعة الأخيرة رجل من عداد الممرورين رمى بنفسه عليه وطعنه بخنجر كان قد أعده وأغرى بعلاجه وصاح وقطعت الصلاة وقبض عليه واستفهم فتكلم بكلام مخلط واحتمل إلى منزله على فوت لم يستقر به إلا وقد قضى رحمه الله ورضي عنه وأخرج ذلك الخبيث للناس وقتل وأحرق بالنار مبالغة في التشفي ودفن السلطان عشية اليوم في مقبرة قصره لصق والده وولي أمره ابنه أبو عبد الله محمد وبولغ في احتفال قبره بما أشف على من هذا قبر السلطان الشهيد الذي كرمت أحسابه وأعراقه وحاز الكمال خلقه وأخلاقه وتحدث بفضله وحلمه شام المعمور وعراقه صاحب الآثار السنية والأيام الهنية والأخلاق الرضية والسير المرضية. الإمام الأعلى والشهاب الأجلى حسام الملة علم الملوك الجلة الذي ظهرت عليه عناية ربه وصنع الله له في سلمه وحربه. قطب الرجاحة والوقار وسلالة سيد الأنصار حامي حمى الإسلام برأيه ورايته المتسولي في ميدان الفخر على غايته الذي صحبته عناية الله في بداية أمره وغايته أمير المسلمين أبي الحجاج يوسف ابن السلطان الكبير الإمام الشهير أسد دين الله الذي أذعنت الأعداء لقهره ووقفت الليالي والأيام عند نهيه وأمره. رافع ظلال العدل في الآفاق حامي حمى السنة بالسمر الطوال والبيض الرقاق مخلد صحف الذكر الخالد والعز الباق الشهيد السعيد المقدس أبي الوليد ابن الهمام الأعلى الطاهر النسب والذات ذي العز البعيد الغايات والفخر الواضح الآيات كبير الخلافة النصرية وعماد الدولة الغالبية المقدس المرحوم أبي سعيد فرج بن إسماعيل بن نصر تغمده الله برحمة من عنده وجعله في الجنة جارًا لسعد بن عبادة جده وجازى عن الإسلام والمسلمين حميد سعيه وكريم قصده. قام بأمر المسلمين أحمد القيام ومهد لهم الأمن من ظهور الأيام وجلى لهم وجه العناية مشرق القسام وبذل فيهم من تواضعه وفضله كل واضح الأحكام. إلى أن قضى الله بحضور أجله على خير عمله وختم له بالسعادة وساق إليه على حين إكمال شهر الصوم هدية الشهادة. وقبضه ساجدًا خاشعًا منيبًا إلى الله ضارعًا مستغفرًا لذنبه مطمئنًا في الحالة التي أقرب ما يكون العبد فيها من ربه. على يد شقيٍّ قيضه الله لسعادته وجعله سببًا لنفوذ سابق مشيئته وإرادته خفي مكانه لخمول قدره. وتم بسببه أمر الله لحقارة أمره. وتمكن له عند الاشتغال بعبادة الله ما أضمره من غدره وذلك في السجدة الأخيرة من صلاة العيد. غرة شوال من عام خمسة وخمسين وسبعماية. نفعه الله بالشهادة التي كرم منها الزمان والمكان ووضح منها على قبول رضوان الله البيان. وحشره مع سلفه الأنصار الذين عز بهم الإيمان وحصل لهم من النار الأمان. وكانت ولايته الملك في غرة اليوم الرابع عشر لذي الحجة من عام ثلاثة وثلاثين وسبعماية. ومولده في الثامن والعشرين لربيع الآخر عام ثمانية عشر وسبعماية. فسبحان من انفرد بالبقاء المحض وحتم الفناء على أهل الأرض ثم يجمعهم إلى يوم الجزاء والعرض لا إله إلا هو. وفي الجهة الأخرى من النظم وكلاهما من إملائي ما نصه: يحييك بالريحان والروح من قبر رضي الله عمن حل فيك مدى الدهر إلى أن يقوم الناس تعنو وجوههم إلى باعث الأموات في موقف الحشر ولو أنني أنصفتك الحق لم أقل سوى يا كمام الزهر أو صدف الدر ويا ملحد التقوى ويا مدفن الهدى ويا مسقط العليا ويا مغرب البدر لقد حط فيك الرحل أي خليفة أصل المعالي غرةٌ في بني نصر لقد حل فيك العز والمجد والعلى وبدر الدجا والمستجار لدى الدهر ومن كأبي الحجاج حامي حمى الهدى ومن كأبي الحجاج ماحي دجا الكفر إمام الهدى غيث الندى دافع العدا بعيد المدى في حومة المجد والفخر سلالة سعد الخزرج بن عبادة وحسبك من بيت رفيع ومن قدر إذا ذكر الإغضاء والحلم والتقى وحدثت عن علياه حدث عن البحر تخونه طرف الزمان وهل ترى بقاءً لحيٍّ أو دوامًا على أمر هو الدهر ذو وجهين يومٌ وليلةٌ ومن كان ذا وجهين يعتب في غدر تولى شهيدًا ساجدًا في صلاته أصيل التقى رطب اللسان من الذكر وقد عرف الشهر المبارك حق ما أفاض من النعمى ووفى من البر وكم من عظيم قد أصيب بخامل وأسباب حكم الله جلت عن الحصر فهذا عليٌّ قد قضى بابن ملجم وأوقع وحشي بحمزة ذي الفخر نعد الرماح المشرفية والقنا ويطرق أمر الله من حيث لا تدري ومن كان بالدنيا الدنية واثقًا على حالة يومًا فقد باء بالخسر فيا مالك الملك الذي ليس ينقضي ويا من إليه الحكم في النهى والأمر تغمد بستر العفو منك ذنوبنا فلسنا نرجي غير سترك من ستر فما عندك اللهم خيرٌ ثوابه وأبقى ودنيا المرء خدعة مغتر ومما رثى به قولي في غرض ناءٍ عن الجزالة متحريًا اختيار ولده: العمر يوم والمنى أحلام ماذا عسى أن يستمر منام وإذا تحققنا الشيىء بدأة فله بما تقضي العقول تمام والنفس تجمع في مدى آمالها ركضًا وتأبى ذلك الأيام من لم يصب في نفسه فمصابه بحبيبه نفذت بذا الأحكام هذا أمير المسلمين ومن به وجد السماح وأعدم الإعدام سر الإمامة والخلافة يوسف غيث الملوك وليثها الضرغام قصدته عادية الزمان فأقصدت والعز سام والخميس لهام فجعت به الدنيا وكدر شر بها وشكى العراق مصابه والشام أسفًا على الخلق الجميل كأنه بدر الدجنة قد جلاه تمام أسفًا على العمر الجديد كأنه غض الحديقة زهره بسام أسفًا على الخلق الرضي كأنها زهر الرياض همى عليه غمام أسفًا على الوجه الذي يهمي ندىً طاشت لنور جماله الأفهام يا ناصر الثغر الغريب وأهله والأرض ترجف والسماء قتام يا صاحب الصدمات في جنح الدجا والناس في فرش النعيم نيام يا حافظ الحرم الذي بظلاله ستر الأرامل واكتسى الأيتام مولاي هل لك للقصور زيارة بعد انتزاح الدار أو إلمام ورحلت عنا الركب خير خليفة أثنى عليك الله والإسلام نعم الطريق سلكت كان رفيقه والزاد فيه تهجدٌ وصيام وكسفت يا شمس المحاسن ضحوةً فاليوم كيلٌ والضياء ظلام سقاك عيد الفطر كأس شهادة فيها من الأجل الحرمي مدام وختمت عمرك بالصلاة فحبذا عملٌ كريم سعيه وختام مولاي كم هذا الرقاد إلى متى بين الصفايح والتراب تنام إعد التحية واحتسبها قربة إن كان يمكنك الغداة كلام تبكي عليك مصانع شهدتها بيض كما تبكي الهديل حمام تبكي عليك مساجد عمرتها فالناس فيها سجدٌ وقيام تبكير عليك خلايق أمنتها بالسلم وهي كأنها أنعام عاملت وجه الله فيما رمته منها فلم يبعد عليك مرام لو كنت تفدى أو تجاز من الردى بذلت نفوس من لدنك كرام نم في جوار الله مسرورًا بما قدمت يوم تزلزل الأقدام واعلم بأن سليل ملك قد غدا في مستقر علاك وهو إمام بستر تكنف منه من خلفته ظل ظليل فهو ليس يضام كنت الحسام وصرت في غمد الثرى ولنصر ملكك سل منه حسام خلفت أمة أحمد لمحمد فقضت بسعد الأمة الأحكام فهو الخليفة للورى في عهده ترعى العهدو وتوصل الأرحام ابقى رسومك كلها محفوظة لم ينتثر منها عليك نظاىم العدل والشيم الكريمة والتقى والدار والألقاب والخدام حسبي بأن أخشى ضريحك لائمًا وأقول والدمع السفوح سجام يا مدفن التقوى ويا مثوى الهدى مني عليك تحية وسلام أخفيت عن حزني عليك وفي الحشا نارٌ لها بين الضلوع ضرام ولو أنني أديت حقك لم يكن لي بعد فقدك في الوجود مقام يا يوسف أنت لنا يوسف وكلنا في الحزن يعقوب يوسف بن عبد الرحمن الفهري يوسف بن عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري أوليته كان عبد الرحمن أحد زعماء العرب بالأندلس. وكان ممن ثار منها من أصحاب بلج عصبيةً لقتله فخرج عن الأندلس إلى إفريقة. وجده عقبة بن نافع هو الذي اختط قيروانها أيام معوية بن أبي سفيان. قال عيسى بن أحمد وهرب ابنه يوسف هذا من إفريقية إلى الأندلس مغاضبًا له أيام بشر بن صفوان الكلبي فهوي الأندلس واستوطنها فساد بها ثم تأمر فيها. حاله كان شريفًا جليلًا حازمًا عاقلًا. اجتمع عليه أهل الأندلس من أجل أنه قرشي بعد موت أميرهم ثوابة بن سلامة ورضي به الخيار من مضر واليمن فدانت له الأندلس تسع سنين وتسعة أشهر وكان آخر الأمراء بالأندلس وعنه انتقل سلطانها إلى بني أمية. وأشرك الصميل بن حاتم في أمره فتركت لذلك نسبة الأمر له وكانت الحرب التي لم يعرف بالمشرق والمغرب أشد جلادًا ولا أصبر رجالًا منها واعتزلها يوسف تحرفًا وقام بأمرها الصميل وانهزم اليمانيون واستلحموا ملحمة عظيمة واستوسق الأمر ليوسف. وغزا جليقية فعظم في عدوها أثره. ولما تم الأمر طرقه ما تقدم به الإلماع من عبور صقر بني أمية عبد الرحمن الداخل في خبر طويل. والتقى بظاهر قرطبة سنة ثمان وثلاثين وماية في ذي الحجة. وانهزم يوسف بن عبد الرحمن والصميل ولحقا بإلبيرة. وأتبعهما عبد الرحمن بن معاوية فنازله وقد تحصن بمعقل إلبيرة حصن غرناطة وترددت بينهما الرسل في طلب المهادنة والبقاء على الصلح. وتخلى يوسف عن الدعوة واستقر سكناه بقرطبة. وذلك في صفر سنة تسع وثلاثين وماية وأقبل معه في عسكره إلى قرطبة. وذكر أنه تمثل عند دخوله عسكر عبد الرحمن ببيت جرور بن إبنة النعمان: فبتنا نسوس الأمر والأمر أمرنا إذا نحن فيهم سوقةٌ ننتصف فتبًا لدنيا لا يدوم نعيمها تقلب ساعات بنا وتصرف واستقر بقرطبة دهرًا ثم بدا له في الخلاف. ولحق بأحواز طليطلة وأعاد عهد الفتنة فاغتاله مملوكان له وقتلاه رحمه الله في سنة اثنتين وأربعين وماية. وأخبار يوسف بن عبد الرحمن معروفة وهو محسوب من الأمراء الأصلاء بغرناطة إذ كانت له قبل الإمارة بها ضياع يتردد إليها. |
ومن غير الأصليين يحيى بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد ابن أحمد بن أبي عزفة اللخمي الرييس أبو زكريا وأبو عمرو بن الرييس أبي طالب بن الرييس أبي القاسم.
كناه أبوه أبا عمرو وغلبت عليه الكنية المعروفة. حاله كان قيمًا على طريقة أصحاب الحديث رواية وضبطًا وتقييدًا وتخريجًا مع براعة خط وطرف ضبط شاعرًا مجيدًا مطبوعًا. ذا فكاهة وحسن مجالسة. رأس بسبتة بعد إجغازته البحر من الأندلس والإحتلال بفاس نايبًا عن ملك المغرب السلطان أبي سعيد بن عبد الحق لأمر مت به إليه قبل استقلاله ليس هذا موضع ذكره. ثم استبد بها مخالفًا عليه لأمر يطول شرحه أجرى فيه موفى الجانب من الهلع باسلًا مقدامًا. سكون الطاير مثقفًا بخلال رياسته ضامًا لأطرافها. ونازله جيش المغرب وبيد أميره ولده أبو القاسم مرتهنًا فأتيح له ظفرٌ أجلى ليلة غربيات المحلة والأثر فيها واستخلاص ولده. مشيخته أخذ عن جماعة من أهل بلده وغيرهم قراءة وسماعًا وإجازة. فممن أخذ عنه من أهل بلده سبتة أبو إسحق الغافقي وأبو عبد الله بن رشيد وابو الظفر المنورقي وأبو القاسم البلفيقي وأبو علي الحسن بن طاهر الحسيني وأبو إسحق التلمساني وأبو محمد عبد الله بن أبي القاسم الأنصاري وأبو القاسم بن الشاط. وبغرناطة لما قدم عليها مغربًا عن وطنه عند تصيره إلى الإيالة النصرية من أيديهم وسكناه بها عن أبي محمد عبد المنعم بن سماك وأبي جعفر بن الزبير وأبي محمد بن المؤذن وأبي الحسن بن مستقور وغيرهم. ومن أهل ألمرية أبو عبد الله محمد ابن الصايغ وأبو عبد الله بن شعيب. ومن أهل مالقة الولي أبو عبد الله بن الطنجالي وأبو محمد الباهلي وأبو الحسن بن منظور وأبو الحسن بن مصامد. ومن أهل الخضراء أبو جعفر بن خميس. ومن أهل بلش أبو عبد الله بن الكماد. ومن أهل أرجبة أبو زكريا البرشاني. ومن أهل بجاية أبو علي ناصر الدين المشدالي وأبو عبد الله بن غربوز. ومن أهل فاس أبو عبد الله المومناني. ومن أهل تيزي أبو عبد الله محمد القيسي. وكتب له بالإجازة طايفة كبيرة من أهل المشرق منهم قطب الدين القسطلاني. شعره قال لي شيخنا أبو البركات سألته وأنا معه واقفٌ بسور قصبة سبتة أن يجيزني ويكتب لي من شعره فكتب لي قطيعات منها في تهنئة السلطان أبي الجيوش يوم ولايته: الآن عاد إلى الإمامة نورها وارتاح منبرها وهش سريرها وبدا لنا من بعد طول قطوبها منها التهلل واستبان سرورها وضعت أزمتها بكف خليفة هو أصلها الأولى بها ونصيرها من معشر عرفت بطون أكفهم بذل الندى واللاثمين ظهورها خرصانهم ووجوههم في ظلمة النقع المثار نجومها وبدورها وسع الرعايا منه عدله لم يزل إليه قلوبهم ويصورها حتى اغتدت بالحب فيه صدورها ملأى وأخلص في الولاء ضميرها رام العداة لمجده كيدًا فلم تنجح مساعتها وساء مصيرها ===مولاي إنا عصبةٌ معروفة بالحب فيك صغيرها وكبيرها جينا نقضي من حقوقك واجبًا نسدي بالمدايح تارة وتبيرها ولقد خدمت مقامكم من قبلها بفرايد حسنًا يعز نظيرها فاجذب بضبعي من حضيض مزارتي عرست وعلى يديك مسيرها وافتكني من أسر فرط خصاصة عنفت فلم يقصد سواك أسيرها لازلت للإسلام تحمي أمة دانته مما يتقي ويجيرها وبقيت في عز وسعد شامل حتى يحين من الرفاة نشورها وفي الإلغاز بالأقلام والمحبرة: وسربٌ ضمهم دست ستير شباب ليس يفزعهم قتير قد اختصروا فلم يفرش ساد لمجلسهم ولم ينصب سري لهم كأس إذا دارت عليهم فقد أزف الترحل والمسير وأفشوا سر سياقهم بلفظ مبين ليس يفهمه البصير فاجذب بضبعي من حضيض مزارتي عرست وعلى يديك مسيرها وهزت من روسهم نشاطًا وعند الصحو يعروهم فتور فصاح إن تحللهم وإلا فشأنهم التلعتم والقصور لهم عقل يلوح على القوافي لذاك نومهم أبدًا كثير لهم عقل يلوح على القوافي لذاك نومهم أبدًا كثير طويلهم يطول العمر منه أخا نعبٍ ويخترم القصير وهم لم يشف يومًا بغير القطع عضوهم الكبير فقل لي من هم لازلت فردًا دياجي المشكلات به تسير نكبته: تنظر في العبادلة في اسم أبيه. وفاته عام تسعة عشر وسبعماية في شعبان رحمه الله. الأمير أبو زكريا يحيى بن علي بن غانية الصحراوي الأمير أبو زكريا حاله كان بطلًا شهمًا حازمًا كثير الدهاء والإقدام والمعرفة بالحروب مجمعًا على تقدمه. نشأ في صحبة الأمير بقرطبة محمد بن الحاج اللمتوني وولاه مدينة إستجة فهي أول ولايته. وليها يحيى وتزوج محمد بن الحاج أمه غانية بعد أبيه وكفله وأقام معه بقرطبة إلى أن كان من محمد بن الحاج ثمانية وثلاثين وخمسمائة فاستقامت الأمور بحسن سيرته وظهور سعده إلى صفر من عام تسعة وثلاثين. وكانت ثورة ابن قسي باكورة الفتنة. ولما خرج إلى لبلة ثار ابن حمدين بقرطبة دار ملكه في رمضان من العام واستباح قصره وانطلقت الأيدي على قومه وتم له الأمر. وبلغ يحيى الخبر فرجع أدراجه إلى إشبيلية فثار به أهلها وناصبوه الحرب وأصابوه بجراحة فلجأ إلى حصن مرجانة فأقام به يصابر الهول ويرقع القنن. ثم تحرك إليه جيش ابن حمدين وكانت بينهما وقيعة انهزم فيها ابن حمدين واستولى ابن غانية على قرطبة في شعبان من عام أربعين وتحصن ابن حمدين بأندوجر ممتنعًا بها. ونهض يحيى إلى منازلته. فاستعان ابن حمدين بملك قشتالة وأطمعه في قرطبة فتحرك إلى نصرته. ولما وصل أندوجر أعذر يحيى في الدفاع والمصابرة ثم انصرف بالجيش إلى قرطبة وأخذ العدو في آثارهم صحبة مستغيثه ابن حمدين. فنازل قرطبة وامتنع ابن غانية بالقصر وما يليه من المدينة. وأدخل ابن حمدين النصارى قرطبة في عاشر ذي الحجة من عام أربعين فاستباحوا المسجد وأخذوا ما كان به من النواقيس ومزقوا مصاحفه ومنها زعموا مصحف عثمان وأنزلوا المنار من الصومعة وكان كله فضة وحرقت الأسواق وأفسدت المدينة وظهر من صبر ابن غانية وشدة بأسه وصدق دفاعه ما أيأس منه. وكان من قدر الله أن بلغ طاغية الروم يوم دخولهم قرطبة اجتياز الموحدين إلى الأندلس فأجال طاغيتهم قداح الرأي فاقتضى أن يهادن ابن غانية: ويتركه بقرطبة في نحر عدوه من الموحدين سدًا بينهم وبين بلاده. فعقدت الشروط ونزل إليه ابن غانية فعاقده واستحضر له أهل قرطبة وقال لهم أنا قد فعلت معكم من الخير ما لم يفعله من قبلي غلبتكم في بلدكم وتركتكم رعية لي وقد وليت عليكم يحيى بن غانية فاسمعوا له وأطيعوا. قال المؤرخ وفخر الطاغية في ذلك اليوم بقومه وقال ولا يريبنكم أن تكونوا تحت يدي ونظري فعندي كتاب نبيكم إلى جدي. حدث ابن أم العماد أبو الحسن قال حضرت وأحضرحق من ذهب فتح وأخرج منه كتابٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر ملك الروم وهو جده بزعمه. والكتاب بخط علي بن أبي طالب. قال أبو الحسن قرأته من أوله إلى آخره كما جاء في حديث البخاري. وانصرف إلى بلاده وانصرف ابن حمدين فكان هلاكه بمالقة بعد اضطراب كثير. واستقر ابن غانية بقرطبة الغادر به أهلها فشرع في بنيان القصبة وسد عورتها وسام أهلها الخسف وسوء العذاب ووالى إغرامهم. واستعجل أمرهم واتصل سلمه مع العدو إلى تمام أحد وأربعين وخمسماية وقد تملك الموحدون إشبيلية وما إليها. وضيق عليه النصارى في طلب الإتاوة واشتطوا عليه في طلب ما بيده ونزل طاغينهم أندوجر وبه رجل يعرف بالعربي واستدعى ابن غانية. فلما تحصل بمحلته طلبه بالتخلي عن بياسة وأبدة فكان ذلك. وتشاغل الموحدون بأمر ثائر نازعهم بالمغرب. فكلب العدو على الأندلس فنازل الأشبونة وشنترين وألمرية وطرطوشة ولا ردة وإفراغة وطمع في استيصال بلاد الإسلام فداخل ابن غانية سرًا من بإشبيلية من الموحدين ووصله كتاب خليفتهم بما أحب وتحرك الطاغية في جيوش لا ترام. وطالب ابن غانية بالخروج عن جيان وتسليمها إليه وكاده حسبما تقدم في اسم عبد الملك بن سعيد. ونهض بعد هذه الكاينة إلى غرناطة وهي آخر ما تبقى للمرابطين من القواعد ليجمع بها أعيان لمتونة ومسوفة في شأن صرف الأمر إلى الموحدين. وفاته ولما وصل الأمير يحيى بن غانية إلى غرناطة أقام بها شهرين وتوفي عصر يوم الجمعة الرابع عشر من شعبان عام ثلاثة وأربعين وخمسماية ودفن بداخل القصبة في المسجد الصغير المتصل بقصر باديس بن حيوس مجاورًا له في مدفنه وعليه في لوح من الرخام تاريخ وفاته. والناس يقصدوه لنتبرك به. يوسف بن تاشفين بن إبراهيم بن توقورت بن وريابطن بن منصور ابن مصالة بن أمية بن وايامي يكنى ابا يعقوب ويلقب بأمير المسلمين. أوليته ذكروا أن يحيى بن إبراهيم بن توقورت حج وهو كبير قبيل الصحراويين في عشر الأربعين وأربعماية واجتاز على القيروان وهي موفورة بالعلماء وتعرف بالفقيه أبي عمران الفاسي ورغب إليه أن ينظر له في طلب من يستصحبه ليعلم قومه ويفقههم فخاطب له فقيهًا من فقهاء المغرب الأقصى اسمه واجاج واختارله واجاج عبد الله بن ياسين القايم بدولتهم البادي نظم نشرهم وتأليف كلمتهم فاجتمع عليه سبعون شيخًا من نبهائهم ليعلمهم فانقادوا له انقيادًا كبيرًا وتناسل الناس فضخم العدد وغزا معهم قبايل الصحراء. ثم التأثت حاله معهم فصرفوه وانتهبوا كتبه فلجأ إلى أمير لمتونة يحيى بن عمر بن تلايكان اللمتوني فقبله وأعاد حاله وثابت طاعته فأمضى القتل على من اختلف عليه. وكان يحيى بن عمر يمتثل أمر عبد الله امتثالًا عظيمًا. ثم خرج بهم إلى سجلماسة فتملكوها وتملكوا الجبل. ثم ظهروا على المغرب ثم قتل الأمير يحيى بن عمر فقدم عبد الله أخاه أبا بكر بن عمر بدرعة ونهد به فتملك جبال المصامدة واحتل بأغمات وريكة واستوطنها. ولعبد الله أخبار غريبة وشذوذ في الأحكام الله أعلم بصحتها. وقتل عبد الله ابن ياسين برغواطة. ولم يزل الأمير أبو بكر بن عمر حتى أخذ ثاره وأثخن القتل فيهم وقدم ابن عمه يوسف بن تاشفين بن إبراهيم على عسكر كبير فيهم أشياخ لمتونة وقبايل البرابرة والمصامدة واجتاز على بلاد المغرب فدانت له. وطرق الأمير أبا بكر خبرٌ من قومه من الصحراء انزعج له فولى يوسف بن تاشفين على مملكة المغرب وترك معه الثلث من لمتونة إخوانه وأوصاه وطلق زوجته زينب وأمره بتزوجها لما بلاه من يمنها. فبنى يوسف مدينة مراكش وحصنها وتحبب إلى الناس واستكثر من الجنود والقوة وجبي الأموال واستبد بالأمر. ورجع الأمير أبو بكر من الصحراء سنة خمس وستين وأربعمائة فألفى يوسف مستبدًا بأمره فسالمه وانخلع له عن الملك ورجع إلى صحرايه فكان بها تصله هدايا يوسف إلى أن قتله السودان. واستولى يوسف على المغرب كله ثم أجاز البحر إلى الأندلس فهزم الطاغية الهزيمة الكبرى بالزلاقة وخلع أمراء الطوائف وتملك البلاد إلى حين وفاته. حاله قال أبو بكر بن محمد بن يحيى الصيرفي كان رحمه الله خائفًا لربه كتومًا لسره كثير الدعاء والاستخارة مقبلًا على الصلاة مديمًا للاستغفار أكثر عقابه لمن تجرأ أو تعرض لانتقامه الاعتقال الطويل والقيد الثقيل والضرب المبرح إلا من انتزى أو شق العصا فالسيق أحسم لانتثار الداء. يواصل الفقهاء ويعظم العلماء ويصرف الأمور إليهم ويأخذ فيها بآرائهم ويقضي على نفسه وغيرهم يفتياهم ويحض على العدل ويصدع بالحق ويعضد الشرع ويجزم في المال ويولع بالاقتصاد في الملبس والمطعم والمسكن إلى أن لقي الله مجدًا في الأمور ملقنًا للصواب مستحبًا حال الجد مؤديًا إلى الرعايا حقها من الذب عنها والغلظة على عدوها وإفاضة الأمن والعدل فيها. يرى صور الأشياء على حقيقتها. تسمى بأمير المسلمين لما احتل الأندلس وأوقع بالروم وكان قبل يدعى الأمير يوسف وقامت الخطبة فيها جميعًا باسمه وبالعدوة بعد الخليفة العباسي. وكان درهمه فضة ودنيره تبرٌ محض في إحدى صفحتي الدنير لا إله إلا الله محمد رسول الله وتحت ذلك أمير المؤمنين يوسف بن تاشفين وفي الداير ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين. وفي الصفحة الأخرى الإمام عبد الله أمير المسلمين وفي الداير تاريخ ضربه وموضع سكته وفي جهتي الدرهم ما حمله من ذلك. بعض أخباره في سنة سبعين وأربعمائة وردت عليه كتب الأندلس يبثون حالهم ويحركونه إلى نصرهم. وفي سنة اثنتين بعدها ورد عليه عبد الرحمن ابن أسباط من ألمرية يشرح حال الأندلس. وفي سنة خمس وسبعين بعدها وجه إلى شراء العدد فيها واستكثر منها. وفي سنة ستٍّ بعدها فتح مدينة سبتة ودخلها عنوة على الثاير بها سقوت البرغواطي. وفي سنة ثمان اتصل به تملك طاغية قشتالة مدينة طليطلة وجاز إليه المعتمد بن عباد بنفسه وفاوضه واستدعاه لنصرة المسلمين وخرج إليه عن الجزيرة الخضراء. وعلم بذلك الأدفنش فاخترق بلاد المسلمين معرضًا عن رؤساء الطوائف لا يرضى أخذ الجزية منهم حتى انتهى إلى الخضراء ومثل على شاطىء البحر وأمر أن يكتب إلى الأمير يوسف بن تاشفين والموج يضرب أرساغ فرسه بما نسخته: من أمير الملتين أذفونش بن فردلند إلى الأمير يوسف بن تاشفين. |
أما بعد فلا خفاء على ذي عينين أنك أمير الملة المسلمة كما أنا أمير الملة النصرانية. ولم يخف عليكم ما عليه رؤساؤكم بالأندلس من التخاذل والتواكل وإهمال الرعية والإخلاد إلى الراحة وأنا أسومهم سوء الخسف وأضرب الديار وأهتك الأستار وأقتل الشبان وأسبي الولدان ولا عذر لك في التخلف عن نصرتهم إن أمكنتك قدرة. هذا وأنتم تعتقدون أن الله تبارك وتعالى فرض على كل منكم قتال عشرة منا ثم خفف عنكم فجعل على كل واحد منكم قتال اثنين منا فإن قتلاكم في الجنة وقتلانا في النار ونحن نعتقد أن الله أظهرنا بكم وأعاننا عليكم إذ لا تقدرون دفاعًا ولا تستطيعون امتناعًا. وبلغنا عنك أنك في الاحتفال على نية الإقبال فلا أدري أن كان الحين يبطىء بك أمام التكذيب لما أنزل عليك. فإن كنت لا تستطيع الجواز فابعث إلي ما عندك من المراكب لأجوز إليك وأناجزك في أحب البقاع فإن غلبتني فتلك غنيمة جاءت غليك ونعمة مثلت بين يديك. وإن غلبتك كانت لي اليد العليا واستكملت الإمارة. والله يتم الإرادة. فأمر يوسف بن تاشفين أن يكتب في ظهر كتابه جوابك يا أذفونش ما تراه لا ما تسمعه إن شاء الله وأردف الكتاب ببيت أبي الطيب: ولا كتبٌ إلا المشرفية والقنا ولا رسلٌ إلا الخميس العرمرم وعبر البحر وقد استجاش أهل الأندلس. وكان اللقاء يوم الجمعة منتصف رجب من عام تسعة وسبعين وأربعمائة. ووقعت حرب مرة اختلط فيها الفريقان بحيث اقتحم الطاغية محلة المسلمين وصدم يسارة جيوش الأندلس واقتحم المرابطون محلته للحين. ثم برز الجميع إلى مأزق تعارفت فيه الوجوه فأبلوا بلاءً عظيمًا وأجلت عن هزيمة العدو واستيصال شأفته. وأفلت أذفونش في فل قليل قد أصابته جراحة وأعز الله المسلمين ونصرهم نصرًا لا كفاء له فأين العجب يا أذفونش هلا تجنبت المشيخة يا غلام شملك النساء ولا رجال فحدث ما وراءك يا عصام أقمت لدى الوغى سوقًا فخذها مناجزة وهونٌ لا تنام فإن شيت اللجين فثم سام وإن شيت النضار فثم حام رأيت الضرب تطيبا فصلب فأنت على صليبك لا تلام أقام رجالك الأشقون كلا وهل جسدٌ بلا رأس ينام رفعنا هامهم في كل جذع كما ارتفعت على الأيك الحمام سيعبد بعدها الظلماء لما أتيح له بجانبها اكتتام ولا ينفك كالخفاش يغضي إذا ما لم يباشره الظلام نضا إذ راعه واجتاب ليلًا يود لو أن طول الليل عام سيبقى حسرةً ويبيد إن لم أبادتنا القناة أو الحسام وعاد إلى العدوة. ثم أجاز البحر ثانية إلى منازلة حصن لييط وفسد ما بينه وبين أمراء واستحسنه وأمر بحفظه ومواصلة مرمته. وطاف بكل مكان منه ثم تملك ألمرية وقرطبة وإشبيلية وغيرها في أخبار يطول اقتضاؤها والبقاء لله. وفاته توفي رحمه الله بمدينة مراكش يوم الإثنين مستهل محرم سنة خمسماية. وممن رثاه أبو بكر بن سوار من قصيدة أنشدها على قبره: ملك الملوك وما تركت لعامل عملًا من التقوى يشارك فيه يا يوسف ما أنت إلا يوسف والكل يعقوب بما يطويه إسمع أمير المؤمنين وناصر الدين الذي بنفوسنا نفديه جوزيت خيرًا عن رعيتك التي لم ترض فيها غير ما يرضيه أما مساعيك الكرام فإنها خرجت عن التكييف والتشبيه في كل عام غزوةٌ مبرورة تردي عديد الروم أو تفنيه تصل الجهاد إلى الجهاد موفقًا حتم القضاء بكل ما تقضيه ويجيىء ما دبرته كمجيئه فكأن كل مغيب تدريه ولقد ملكت بحقك الدنيا وكم ملك الملوك الأمر بالتمويه لو رامت الأيام أن تحصي الذي فعلت سيوفك لم تكد تحصيه إنا لمفجوعون منك بواحد جمعت خصال الخير أجمع فيه وإذا سمعت حمامة في أيكة تبكي الهديل فإنها ترثيه وميضٌ قد استرعى رعية أمة فأقام فيهم حق مسترعيه وإذا هزبر الغاب صرى شبله في الغاب كان الشبل شبه أبيه وإذا عليٌّ كان وارث ملكه فالسهم يلقى في يدي باريه يوسف بن محمد بن يوسف بن محمد بن نصر ولي عهد أبيه أمير المسلمين الغالب بالله. حاله كان أميرًا جليلًا حصيفًا فاضلًا ظاهر النبل محبًا في العلم. من فنونه. مال إلى التعاليم والنجوم أفرط في الاستغراق في ذلك ونمي إلى أبيه فأنكره وقصد يومًا منزله لأجل ذلك ودخل المجلس وبه مجلدات كثيرة وقال ما هذه يا يوسف فقال سترًا لغرضه المتوقع فيه نكير أبيه يا مولاي هي كتب أدب فقال السلطان وقد قنع منه بذلك يا ولدي ما أخذناها يعني السلطنة إلا بقلة الأدب تورية حسنة إشارة إلى الثورة على ملوك كانوا تحت إيالتهم فغرب في حسن النادرة وكان قد ولاه عهده بعد أخيه لو أمهلته المنية. وفاته توفي يوم الجمعة ثالث عشر صفر عام ستين وستماية. يوسف بن عبد المؤمن بن علي الخليفة أبو يعقوب الوالي بعد أبيه. حاله كان فاضلًا كاملًا عدلًا ورعًا جزلًا حافظًا للقرآن بشرحه عالمًا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم خطئه وصحيحه آية الموحدين في الإعطاء والمواساة راغبًا في العمارة مثابرًا على الجهاد مشيعًا للعدل. أصلح العدوة وأمنها وأنس شاردها وحصن جزيرة الأندلس ببعوثه لها فقمعوا عاصيها وافترعوا بالفتح أقاصيها وأحسن لأجنادها وأمدهم من الخيل ولده ثمانية عشر أكبرهم يعقوب ولي عهده نجم بني عبد المؤمن وجوهرتهم. حاجبه ابو حفص شقيقه. وزراؤه إدريس بن جامع ثم أبو بكر بن يوسف الكومي. قضاته حجاج بن يوسف بن عمران وابن مضاء. كتابه أبو الحسن بن عياش القرطبي وأبو العباس بن طاهر بن محشرة. بعض أخباره في أيامه استوصلت دولة ابن مردنيش بعد حروب مبيرة ودوخ إفريقية ورد أهل باجة إلى وطنهم بعد تملك العدو إياه وجبرهم جدًا واستنقاذًا وفتح حصن بلج. في الثامن والعشرين لربيع الآخر سنة ثمانين وخمسماية بظاهر شنترين من سهم أصابه في خبائه وهو محاصر لها فقضى عليه وكتم موته حتى اشتهر بعد رحيله. ذكر ذلك أبو الحسن بن أبي محمد الشريشي فكانت خلافته اثنين وعشرين عامًا وعشرة أشهر وعشرة أيام وعمره سبع وأربعون سنة. مولده في مستهل سنة ثلاث وثلاثين وخمسماية ودخل غرناطة لأول مرة ووجب ذكره فيمن حل بها. يوسف بن يعقوب بن عبد الحق بن محيو أمير المسلمين بالمغرب يكنى أبا يعقوب. أوليته معروفة مذ وقع الإلماع بذلك في اسم أمير المسلمين أبيه. حاله كان ملكًا عالي الهمة بعيد الصيت مرهوب الشبا رابط الجأش صعب الشكيمة على عهده اعتلى الملك وناشب القبيل واستوسق الأمر. جاز إلى الأندلس مع والده ودوخ بين عهده اعتلى الملك وناشب القبيل واستوسق الأمر. جاز إلى الأندلس مع والده ودوخ بين يديه بلاد الروم ووقف بظاهر قرطبة وإشبيلية وحضر الوقيعة بذنونه وجرت بينه وبين سلطان الأندلس على عهده منافرات أجلت أخيرًا عن لحاق السلطان به مستعتبًا. واستقر آخرًا محاصرًا لتلمسان غازيًا لبني زيان الأمراء بها وابتنى مدينة سماها تلمسان الجديدة وأقام محاصرًا لها مضيقًا على أهلها نحوًا من ثمانية أعوام وعظمته الملوك شرقًا وغربًا ووردت عليه الرسل والهدايا من كل جهة وهابه الأقارب والأباعد. وفاته ولما أراد الله إنفاذ حكمه فيه قيض له عبدًا خصيًا حبشيًا أسفه بقتل أخٍ له أو نسيب في باب خيانة عثر له عليها فاقتحم عليه دار الملك على حين غفلة فدجاه بسكين أعده لذلك وضج القصر وخرج وبالسلطان رمق ثم توفي من الغد أو قريبًا منه في أوايل ذي قعدة من عام ستة وسبعماية فكانت دولته إحدى وعشرين سنة وأشرهًا وانتقل إلى مدفن سلفه بسلا وقبره بها. وركب قاتله فرسًا أزعجها ركضًا يروم النجاة واللحاق بالبلد المحصور وسبقه الصياح فسد بعض الأبواب التي أمل النجاة منها وقتل وألحق به كثير من جنسه. ظهر بالمغرب أبوه الأمير عبد الحق وقد اضطربت دولة الموحدين والتأث أمرهم ومرجت عرب رياح لعجز الدولة عن كف عدوانهم فخرج الأمير عبد الحق في بحبوحة قومه من الصحراء ودعا إلى نفسه واستخلص الملك بسيفه عام عشرة وستماية وكان على ما يكون عليه مثله ممن جعله الله جرثومة ملك وخدم دولة من الصدق والدهاء والشجاعة. ورأى في نومه كأن شعلًا أربع من نار خرجن منه فعلون في جو المغرب ثم احتوين على جميع أقطاره فكان تأويلها تملك بنيه الأربعة بعده والله يؤتي ملكه من يشاء. وكان له من الولد إدريس وعثمن وعبد الله ومحمد وأبو يحيى وأبو يوسف ويعقوب. هذا ولما هلك هو وابنه إدريس في وقيعة رياح ولي أمره عثمان ولده ثم ولي بعده أخوه محمد ثم ولي بعده أبو يحيى أخوهما. وفي أيامه اتسق الملك وضخم الأمر وافتتحت البلاد. ولما هلك حتف أنفه بفاس في رجب من عام ستة وخمسين وستماية قام بالملك أخوه يعقوب المترجم به وارث الملك بنيه. حاله كان دينًا فاضلًا حييًا جوادًا سمحًا شجاعًا محبًا في الصالحين منقادًا إلى الخير حريصًا على الجهاد. أجاز ولده في أوائل عام اثنين وسبعين وستماية إلى الأندلس ثم عبر بنفسه في سرار صفر من العام بعده فاحتل بظاهر إشبيلية وكسر جيش الروم المنعقد على زعيمهم المسمى ذنونه بظاهر إستجة في ربيع الآخر من العام. ثم عبر ثانيًا مغتنمًا ما نشأ بين الروم من الفرقة فغزا مدينة قرطبة وصار أمر العدو في أطواق الفرنتيرة بحيث لا يوجد في بطن القتيل منها إلا العشب أزلًا ومسغبة لانتشار الغارات وانتساف الأقوات وحديث الفتنة. وسببها ما كان من تصير مالقة إليه من أيد المنتزين عليها من بني إشقيلولة ثم عودتها إلى سلطان الأندلس من أيدي رجاله شيوخ بني محلى ثم تدارك الله المسلمين بصلاح ذات البين واحتل بظاهر غرناطة في بعض هذه الغزوات فنزل بقرية إسقطمر من مرجها واحتفل السلطان رحمه الله في بره وأجزل نزله وتوجيه ولده إليه.وذكر سيرته شاعرهم أبو فارس عزوز في أرجوزته فقال: سيرة يعقوب بن عبد الحق قد حاز فيها قصبات السبق بغيتان يقرأ الكتاب وتذكر العلوم والآداب يقوم للكتاب ثلث الليل وما له عن ورده من سبيل حتى إذا الصباح لاح وارتفع قام وصلى للإله وركع وضج بالتسبيح والتقديس حتى يتم الحزب في التغليس يقرأ أولًا كتاب السير والقصص الآتي بكل خبر سؤاله تعجز عنه الطلبة ومن لديه من أجل الكتبة يعقد الكتب إلى وقت الضحى ثم يصليها كفعل الصلحا ويأمر الكتاب بالأوامر في باطنٍ من سره وظاهر ويدخل الأشياخ من مرتين للرأي والتدبير والتزيين مجلسه ليس به فجور ولا فتىً في قوله يجور كأنهم مثل النجوم الزهر وبينهم يعقوب مثل البدر قد أسبر الوقار والسكينة وحل في مكانة مكينة حتى إذا ما جاز وقت الظهر قام إلى بيت للندى والفخر يبقى إلى وقت صلاة العصر يأتي إلى بيت العلى والأمر وينصف المظلوم ممن ظلمه ولم يزل إلى صلاة العتمة ثم يؤم بيتة الكريما ويترك الوزير والخديما ثم ينام تارةً وتارة يدبر الأمور بالإدارة كذاك كان فعله قديمًا بذاك نال الملك والتعظيما ومن الرجز المسمى بقطع السلوك من تأليفنا في ذكره قولي: تبوأ هذا الأمر عبد الحق ** أكرم من نال العلى بحق واستخلص الملك بحد المرهف ** لسن مجدٍ عظيم الشرف وكان سلطانًا عظيم الجود ** وصدقت رؤياه في الوجود فأعلى الأيام نور سعده ** ونالها أبناؤه من بعده عثمان ثم بعده محمد ** ثم أبو يحيى الهمام الأسعد تمهد الملك له لما هلك ** وسلك السعد به حيث سلك وفتحت فاس على يديه ** والملك العلي حله لديه وكان ذا فضل وهدىً وورع ** قد رسم الملك فيهم واخترع ثم أتت وفاته المشهورة ** فولي المنصور تلك الصورة وهو أبو يوسف غلاب العدا ** وواحد الأملاك بأسًا وندا ووقعت في عهده أمور ** وفتنةٌ ضاقت لها الصدور وآلت الحال إلى التيام ** فما أضيعت حرمة الإسلام حتى إذا الله إليه قبضه ** قام ابنه يوسف فيها عوضه وفاته توفي في شهر المحرم عام خمسة وثمانين وستماية بالجزيرة الخضراء ودفن بها. ثم احتمل بعد إلى سلا فدفن بالجبانة المعروفة هنالك لمملوك من بني مرين. ومحل هذا السلطان في الملوك المجاهدين المرابطين معروف تغمده الله برحمته. |
ا عيان والوزراء والأماثل والكبراء يحيى بن رحو بن تاشفين بن معطي بن شريفين أقرب القبائل المرينية إلى قبيل سلطانهم من بني حمامة.
خدم جده بتونس ثم بالأندلس يكنى أبا زكريا شيخ القبيل الزناتي ومحراب رأيهم وقطب رحى حماتهم. حاله كان هذا الشيخ وحيد دهره وفريد وقته وشامة أهل جلدته في النبل والفطانة والأدراك والرجاحة شديد الهزل مع البأو والممالقة مت التيقور والمهاترة مع الحشمة. عارفًا بأخلاق الملوك وشروط جلسائها حسن التوصل إليها والتأتي لأغراضها بعيد الغور كثير النكراء لطيف الحلة عارفًا بسياسة الوطن قيومًا على أخلاق أهله عديم الرضا بسير الملوك وإن أعلقوا بالعروة الوثقى يده ويسروا على عبور عقبة الصراط عونه وأقطعوه الجنة وحده طنازًا بهم مغريًا خائنة الأعين بتصرفاتهم مقتحمًا حمى اغتيابهم قد اتخذ ذلك سجية أقطعته جانب القطيعة برهة فارتكب لها الأداهم مدة جماعة للمال ذايدًا عنه بعصى التقتير وربما غمس فيه إبرةً للصدقة وسامًا بينه وبين الوزير مكفى السماء على الأرض برأيه المستعين على الفتكة وما وراءها بمنيع موالاتهم وبانيه يوم مكاشفة الملإ إياه بالنفرة وكان قطب الرحى للقوم في الوجهة إلى الأمير عبد الحليم ومقيم رسمه وانصرف إلى جهة مراكش عند الهزيمة عليه فاتصل بعميدها عامر بن محمد بن علي الهنتاتي وجرت عليه خطوب وعاثت في الكثير من نعمته أكف التمزيق ديدن الدهر في الأموال المحتجنة والنقود المكتنزة واستقر أخيرًا بسجلماسة في مظاهرة الأمير عبد الحليم المذكور وبها هلك. وكان على إزاريه ولسب لسانه واخز تلال حية حدته ناصح الرأي لمن استنصحه قوامًا فيه بالقسط ولو على نفسه والوالدين والأقربين فضيلةٌ عرف فيها شأوه مقيمًا لكثير من الرسوم الحسبية. دخوله غرناطة قدم غرناطة في جمادى من عام تسعة وخمسين وسبعماية في غرض الرسالة ووصل صحبته قاضي الجماعة بالمغرب أبو عبد الله المقري وكان من امتساكه بالأندلس ما أوجب عودة المترجم به في شأنه فتعدد الاستمتاع بنبله. وفاته توفي قتيلًا في الهزيمة على الأمير عبد الحليم بظاهر سجلماسة في ربيع الأول من عام أربعة وستين وسبعماية. يحيى بن طلحة بن محلى البطوي الوزير أبو زكريا حاله كان مجموعًا رائعًا حسن شكل وجمال رواء ونصاعة ظرف واستجادة مركب وبزة قديم الجاه مرعي الوسيلة دربًا على الخدمة جلدًا على الوقوف والملازمة مجدي الجاه تلم به نوبة تواضع يتشبث به الفقراء وأولي الكدية فكه المجلس محبًا في الأدب ألفًا للظرفاء عاملًا على حسن الذكر وطيب الأحدوثة. تولى الوزارة للسلطان أبي الحسن ونشأ في حجر أبيه ماتا إليهم بالخؤولة القديمة فتملأ ما شاء من قرب ومزية وباشر حصار الجبل لما نازله الطاغية لقرب عهدٍ بفتحه فأبلى وحسن أثره. نشأ بالأندلس وسكن وادي آش وغرناطة واستحق الذكر لذلك: شعره أنا ابن طلحة ولا أبال لبث السرى في الحرب والنزال يحيى حياة البيض والعوال مبيدٌ كل بطلٍ مغتال إن سمعوا باسمي في مجال يلقوا بأيديهم إلى النكال أستنزل القرن لدى الصيال وأكسر النصل على النصال من أملي التفريق للأموال والجمع بين الأقوال والفعال والشعر إن تسمعه من مقال تعلم بأن السحر في أقوال أوشج الغريب فالأمثال وأقرن الأشباه بالأمثال وأفضل المرجان بالللآل وأذكر الأيام والليال فمن أبو أمية الهلال ومن وحيد عصره الميكال هذا ولي في غير ذا معال بها أعالي الدهر من أعال كما لحسب الصميم والمعال والمحتد الضخم الحفيل الحال وكرم الأعمام والأخوال والصون والعفاف والأفضال فمن يساجلني فذا سجال ومن يناضلني فذا نضال وفاته: توفي في أواخر عام خمسة وثلاثين وسبعماية. اصابه سهم نفطٍ رمي به من سور يحيى بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن الحكيم اللخمي يحيى بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن الحكيم اللخمي أخو الوزير أبي عبد الله بن الحكيم وكبيره يكنى أبا بكر رندي الأصل. قد مر شيءٌ من ذكر أوليته. دخل غرناطة مرات وافدًا وزايرًا وساكنًا ومغربًا. حاله كان وزيرًا جليلًا وقورًا عفيفًا سريًا فاضلًا رحب الجانب كثير الأمل جم المعروف شهير المحل عريض الجاه صريح الطعمة من أقطاب أرباب النعم ومنتجعي الفلاحة بالأندلس. استبد ببلده برهة بإسناد ذلك إليه وإلى أخيه من السلطان أمير المسلمين أبي يعقوب ملك المغرب الصاير إليه أمره عند نبذها مغاضبًا ثم أصاره إلى إيالة السلطان ثاني الملوك من بني نصر على يدي أخيه كاتبه ووزير ولده. محنته ووفاته ولما تقلد أخوه ذو الوزارتين أبو عبد الله بن الحكيم الأمر سما جاهه وعظم قدره وتعدد أمله إلى أن تعدى إليه أمر المحنة يوم الفتك بأخيه فطاح في سبيله نشبه وذهب في حادثه هذا الشيخ مستحق الرتبة أهلٌ لهذه الرياسة بأسًا ونجدة وعتقًا وأصالة ودهاءً ومعرفة طرفٌ في الإدراك عامل على الحظوة مستديمٌ للنعم طيب بالخدمة كثير المزاولة والحنكة شديد التيقظ عظيم الملاحظة مستغرق الفكرة في ترتيب الأمور الدنيوية بحاث عن الأخبار ملتمس للعيون حسن الجوار مبذول النصفة بقية بيته بالعدوتين وشيخ رجاله. له الإمامة والتبريز في معرفة لسانهم وما يتعلق به من شرعٍ ومثل وحكمة وخبر لو عرضت عليه رمم من عبر منهم لأثبتها فضلًا عن غير ذلك نسابة بطونهم وشعابهم وعلامة سيرهم وعوايدهم ألمعيٌّ ذكي حافظ للكثير من الحكم والتواريخ محفوظ الشيبة من العصمة طاهر الصون والعفة مشهور الشهامة والنجدة معتدل السخاء يضع الهناء مواضع النصب فلا يخدع عن جدته ولا يطمع في غفلته ولا ينازع فيما استحقه من مزيته خدم الملوك وخبر السير فترك الأخبار لعلمه وعضل عقله لتجربته. تولى رياسة القبيل وسط صفر من عام سبعة وعشرين وسبعماية معوضًا به عن شيخ الغزاة عثمن بن أبي العلاء فنعم البيت وخدن الشهرة عندما أظلم ما بينه وبين ابن المحروق مدبر الدولة ودافعه بالجيش في ملقى حرانه من أحواز حصن أندرش مرات تناصف الحرب فيها وربما ندر الفلج في بعضها واستمرت حاله إلى سابع محرم من عام تسعة وعشرين وسبعماية وأعيد عثمان بن أبي العلاء إلى رتبته على تفئة مهلك ابن المحروق وانتقل هو إلى مكانه بوادي آش في قومه تحت حفظٍ ومبرة. ثم دالت له الدولة وعادت إلى ولده الكرة يوم القبض على نظرائه وقرابته مترفي حظوته ولد الشيخ أبي سعيد عثمن بن أبي العلاء عند إيقاع الفتكة بهم يوم السبت التاسع والعشرين لربيع الأول عام أحد وأربعين وسبعماية. واستمرت له الولاية وألقت عصاها كلفة منه بالكفؤ الذي سلم له المنازع إلى أن قبض سلطانه رحمه الله فجرى ولده على وتيرة أبيه ووفى له صاع وفائه فجدد ولايته وشدا حسه ونوه رتبته وصدر له يوم بيعته منشور كريم من إنشائي نصه: هذا ظهير كريم منزلته في الظهاير الكريمة منزلة المعتمد في الظهر الكرام أطلع وجه التعظيم سافر القسام وعقد راية العز السامي الأعلام وجدد كريم المتات وقديم الذمام وانتضى للدفاع عن حوزة الدين حسامًا يقر بمضايه صدر الحسام فأعلن تجديده بشد أزر الملك ومناصحة الإسلام وأعرب عن الاعتناء الذي لا تخلق جديده أيد الليالي والأيام. أمر به الأمير عبد الله محمد ابن أمير المسلمين أبي الحجاج ابن أمير المسلمين أبي الوليد بن نصر أيد الله أمره وأعز نصره لوليه الذي هو عماد سلطانه وواحد خلصائه وسيف جهاده ورأس أولي الدفاع عن بلاده وعقد ملكه ووسطي سلكه الشيخ الجليل الكبير الشهير الأعز الأسنى الصدر الأسمى الأحفل الأسعد الأطهر الأظهر الكذا أبي زكريا ابن الشيخ الكذا أبي علي ابن الشيخ الكذا أبي زيد رحو بن عبدالله ابن عبد الحق زاد الله قدره علوًا ومجده سموًا وجهاده ثناءً متلوًا. لما كان محله من مقامه المحل الذي تتقاصر عنه أبصار الأطماع فترتد حاسرة وكان للدولة يدًا باطشة ومقلة باصرة فهو ملاك أمورها واردةً أو صادرةً وسيف جهادها الذي أصبحت بمضائه ظافرة وعلى أعدائها ظاهرة وكان له الصيت البعيد والذكر الحميد والرأي السديد والحسب الذي يليق به التمجيد والقدر الذي سما منه الجيد وعرفه القريب والبعيد والجهاد الذي صدق به في قواعده الاجتهاد والتقليد فإن أقام جيشًا أبعد غارته وإن دبر أمرًا أحكم إدارته مستظهرًا بالجلال الذي لبس شارته. فهو واحد الزمان والعدة الرفيعة من عدد الإيمان ومن له بذاته وسلفه علو الشأن وسمو المكان والحسب الوثيق البنيان ولبيته الكريم بيت بني رحو السابقة في ولاية الأوطان. والمدافعة عن حوزة الملك وحمى السلطان. إن فوخروا صدعوا بالمكارم المعلومة ومتوا إلى ملك المغرب ببنوة العمومة وتزينوا من حلي الغرب بالتيجان المنظومة. فهم سيوف الدين وأبطال الميادين وأسود العرين ونجوم سماء بني مرين. وكان سلفه الكريم رضي الله عنه يستضيء من رأيه بالشهاب الثاقب ويحله من بساط تقريبه أعلى المراتب ويستوضح ببركته جميع المذاهب. ويستظهر بصدق دفاعه على جهاد العدو الكاذب ويرى أنه عز دولته وسيف صولته وذخيرة فخره وسياج أمره. جدد له هذا الرتب تجديدًا صير الغاية منها ابتداءً واستأنف به إعلاءً ولم يدخر عنه حظوة ولا اعتناءً. وحين صير الله إليه ملك المولى أبيه بمظاهرته وقلده قلادة الملك بأصيل اجتهاده وحميد سعيه بعد أن سبق الألوف إلى الأخذ بثاره وعاجلت البطشة الكبرى يد ابتداره وأردى بنفسه الشقي الذي سعى في تبديد شمل الإسلام وإطفاء أنواره على تعدد الملك يومئذ وتوفر أنصاره. فاستقر الملك في قراره وانسحب الستر على محله وامتد ظل الحفظ على داره. عرف وسيلة من المقام الذي قامه والوفاء الذي رفع أعلامه وألقى إليه في أهم الأمور بالمقاليد وألزمه ملازمة الحضور بمجلسه السعيد وشديد الاغتباط على قربه مستنجحًا منه بالرأي السديد ومستندًا من وده إلى الركن الشديد وأقامه بهذه الجزيرة الأندلسية عماد قومه فهو فيهم يعسوب الكتيبة ووسطى العقد الفريد وفذلكة الحساب وبيت القصيد فدواره منهم للشريد مأوى الطارف والتليد الكفيل بالحسنى والمزيد. يقف ببابه أمراؤهم وتنعقد في مجلسه آراؤهم ويركض خلفه كبراؤهم. مجددًا من ذلك ما عقده سلفه من تقديمه وأوجبه مزية حديثه وقديمه. فهو شيخ الغزاة على اختلاف قبايلهم وتشعب وسايلهم تتفاضل درجات القبول عليهم بتعريفه وتشرف أقدارهم لديه بتشريفه وتثبت واجباتهم بتقديره وينالهم المزيد بتحقيقه للغناء منهم وتقريره فهو بعده أيده الله قبلة آمالهم. وميزان أعمالهم والأفق الذي يصوب من سحاب قطره غمام نوالهم واليد التي تستمنح عادة أطمعتهم وأموالهم. فليتول ذلك عظيم القدر منشرح الصدر حالًا من دائرة جمعهم محل القلب من الصدر متألقًا في هالتها تألق البدر صادعًا بينهم باللغات الزناتية التي تدل على الأصالة العريقة والنجار الحر. وهو إن شاء الله الحسام الذي لا ينبه على الضريبة ولا يزيده حسنًا جلب الحلي العجيبة حتى يشكر الله والمسلمون اغتباط مقامه بمثله ويزري بره به على من أسر بره من قفبله ويجني الملك ثمرة تقريبه من محله. ومن وقف على الظهير الكريم من الغزاة آساد الكفاح ومتقلدي السيوف ومعتلقي الرماح كماة الهيجاء وحماة البطاح حيث كانوا من موسطة أو ثغر ومن أقيم في رسم من الجهاد أو أمر أن يعلموا قدر هذه الغاية المشرقة واليد المطلقة والحظوة المتألقة فتكون أيديهم فيما قلدوه ردًا ليده وعزايمهم متوجهة إلى مقصده. فقصده فقدره فوق الأقدار وأمره الذي ناب أمره مقابل الابتدار على توالي الأيام وتعاقب الأعصار. وكتب في كذا. مولده ولد بظاهر تلمسان عند لحاق أبيه رحمه الله بسلطانها عام أحد وتسعين )وستماية( تلقيته من لفظه. ومن المستدرك: وتمادت ولايته إلى الأوايل من شهر رمضان عام اثنين وستين وسبعماية. فلما تصيرت إلى قدار ناقتها محمد بن إسمعيل ابن نصر عزله وهم به فغربه إلى بلد الروم فرارًا أرق به البسالة والصبر وتبعه الجيش فأصيب بجراحة ورد من صامته وجلى عن نفسه فتخلصه عزمه ومضاؤه واستقر عند طاغية الروم فأولاه من الجميل ما يفوت الوصف واجتاز العدوة فعرف بها حقه وعادت رتبة هذا الرجل بعد أن رد الله على سلطانها ملكه إلى أحسن أحوالها من الجاه والحظوة وانطلاق اليد. والسلطان مع ذلك منطوٍ له على الضعن لأمور منها غمس اليد في أمر عمه وقعوده عنه وهو أحوج ما كان لنصره وانزحاله عنه في الشدة عندما جمعه المنزل الخشن فسحب عليه أذيال النكبة لابنه عثمن مترفي مرقب الظهور في عودته والمستأثر بجواره والمحكم في أمره فتقبض عليهما وعلى من لهما محالفًا للوقت فيهما إذ كان متوفرًا على الحلم لحدثان العودة وجدة الإيالة صبيحة يوم الإثنين لثالث عشر لرمضان عام أربعة وستين وسبعماية. فأحاط بهم الرجال لهذا السلطان والتقطوا من بين قبيلتهم ودهمهم الرجال آخذين بحجزهم وايديهم إلى دور الثقاف. ثم أركبوا الأداهم وانتقلوا إلى بعض الأطباق المتفرقة بقصبة المنكب واقتضى نظر السلطان جلاء المترجم به وأولاده من مرسى المنكب ونقل ولده الأكبر إلى ألمرية حسبما مر في اسمه فلينظر هنالك واستقر إلى هذا العهد بعد قفوله من الحج بمدينة فاس فلقي بها برًا وعناية ولحق ولداه بالأندلس وهما بها تحت جراية وولاية يوسف بن هلال صهر الأمير أبي عبد الله بن سعد. حاله كان شجاعًا حازمًا أحظاه الأمير المذكور وصاهره وجعل لنظره حسن مطرنيش ومواضع كثيرة. وفسدت طاعته إياه فقبض عليه ونكبه وعذبه واستخلص ما كان لنظره وتركه. فأعمل الحيلة ولحق بمورتلة فثار بها وعاقد صاحب برجلونة على تصيير ما يملكه إليه. فأعانه بجيش من النصارى ولم يزل يضرب ويوالي الضرب على بلنسية ويشجي أهلها وتملك الصخرة والصخيرة وغيرهما. واتفق أن خيلًا جهزها ابن سعد للضرب عليه عثرت بجملته متوجهًا إلى شنت بيطر فقبض عليه وقيد أسيرًا فنهض به للحين إلى مورتلة وطلبه بإخلائها فأبى فأمر ابن مردنيش بإخراج عينه اليمنى فأخرجت بعود. ثم قرب من الحصن وطلبه بإخلائها فدعا بزوجه وطلبها بإخلاء الحصن وإلا فتخرج عينه الأخرى فحمل على التكذيب ولم يجبه أحد فأخرجت للحين عينه الأخرى وسيق إلى شاطبة فبقي إلى أن مات سنة ثلاث وأربعين وستماية. ودخل غرناطة وباشر منازلتها مع الأمير صهره فاستحق الذكر لذلك. من القضاة الأصليين وغيرهم يحيى بن عبيد الله بن يحيى بن كثير بن وسلاسن بن سمال بن مهايا المصمودي أوليته وحاله دخل أبو عيسى يحيى بن كثير الأندلس مع طارق بن زياد وقيل له الليثي لأنه أسلم على يد رجل اسمه يزيد بن عامر الليثي فنسب إليه وقيل إنهم نزلوا بنزل الليث فنسبوا إليه يكنى يحيى هذا ابا عيسى. وكان جليل القدر عالي الدرجة في القضاء ولي قضاء إلبيرة وبجانة مدة وولي قضاء جيان وطليطلة ثم عزل عن طليطلة وأضيفت إليه كورة إلبيرة مع جيان. ثم استعفى عن جيان وبقي يلي قضاء إلبيرة وكان لا يرى القنوت في الصلات ولا يقنت في مسجده البتة. مشيخته روى عن أبي الحسن النحاس وسمع الموطأ من حديث الليث وغيره من عم ابيه عبيد الله بن مولده في ذي القعدة سنة سبع وثمانين ومايتين. وفاته توفي ليلة الثلاثاء بعد صلاة العشاء ودفن يوم الثلاثاء بعد العصر لثمان خلت من رجب عام سبعة وستين وثلاثمائة. |
يحيى بن عبد الرحمن بن أحمد بن ربيع الأشعري يكنى أبا عامر. حاله العالم الجليل المحدث الحافظ واحد عصره وفريد دهره. كان رحمه الله علمًا من أعلام الأندلس ناصرًا لأهل السنة رادعًا لأهل الأهواء متكلمًا دقيق النظر سديد البحث سهل المناظرة شديد التواضع كثير الإنصاف مع هيبة ووقار وسكينة ولي قضاء الجماعة بقرطبة ثم بغرناطة وأقرأ بغرناطة لأكابر علمائها ونبهائها الحديث والأصلين وغير ذلك بالمسجد الجامع مشيخته حدث عن والده العالم المحدث أبي الحسين عبد الرحمن بن أحمد ابن ربيع وعن الشيخ الأستاذ الخطيب أبي جعفر أحمد بن يحيى الحميري وعن الراوية المحدث أبي القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال وعن الحافظ المسن أبي بكر بن محمد بن عبد الله بن يحيى بن الجد الفهري والقاضي أبي عبد الله محمد بن سعيد بن زرقون والزاهد الورع أبي الحجاج يوسف بن محمد البلوي المالقي عرف بابن الشيخ وأبي زكريا يحيى بن عبد الرحمن بن عبد المنعم الإصبهاني الواعظ والفقيه القاضي أبي محمد عبد المنعم بن محمد بن عبد الرحيم الخزرجي. وفاته بمالقة سنة سبع وثلاثين وستماية. يحيى بن عبد الله بن يحيى بن زكريا الأنصاري أوليته تقدمت في اسم عمه أبي إسحق فلينظر هنالك. من أهل العدالة والزكا والسلف في الخطط الشرعية سكون متفنن في العلوم الشرعية من فقه وأحكام وله التقدم في الوقت في علم الفرايض والحساب. حبس على الزاوية التي اتخذتها بالحضرة موضوعات في ذلك الغرض نبيهة لم يقصر فيها عن الإجادة وتولى قضاء مواضع من الأندلس ثم استعمل في النيابة عن قاضي الحضرة العلية وهو الآن قاض بمدينة وادي آش وخطيب بمسجدها الأعظم تنتابه الطلبة للأخذ عنه والقراءة عليه. مشيخته روى مع الجملة ممن هو في نمطه والأخذ بالإجازة عن الشيخ الأستاذ الصالح أبي إسحق بن أبي العاصي والخطيب أبي علي القرشي وعن الفقيه الخطيب أبي عبد الله البياني وعن الأستاذ شيخ الجماعة أبي عبد الله ابن الفخار وأخذ عن والده وعمه أبي إسحق. وأجازه الشيخ القاضي الخطيب أبو البركات بن الحاج والخطيب الصالح أبو محمد بن سلمون والكاتب الجليل أبو بكر بن شبرين ورييس الكتاب أبو الحسن ابن الجياب وقاضي الجماعة أبو القاسم الشريف والخطيب أبو عبد الله القرشي وهو الآن بالحال المذكورة. ابن الأحوص يكنى أبا المجد ويعرف بابن الأحوص. حاله كان من أهل العلم والعدالة والنزاهة. ولي كثيرًا من القواعد فظهر من قصده الحق وتحريه سبيل الصواب ما يؤثر عن الجلة. مشيخته قرأ على والده وروى عنه واستدعي له بالإجازة من أعلام زمانه فأجازه الراوية أبو يحيى بن الفرس وابو عمر بن حوط الله وأبو القاسم ابن ربيع وأبو جعفر أحمد بن عروس العقيلي وأبو الوليد العطار والخطيب أبو إسحق الأوسي القرطبي والقاضي أبو الخطاب بن خليل وأبو جعفر الطباع وغيرهم. قال القاضي أبو المجد شيخنا رحمه الله أنشدني أبو علي الحسن قال أنشدني الخطيب أبو الربيع بن سالم قال أنشدنا أبو عمرو السفاقي قال أنشدنا أبو نعيم الحافظ قال أنشدنا عبد الله بن جعفر الجابري قال أنشدنا ابن المعتز: ألم تر أن الدهر يومٌ وليلةٌ يكران من سبت عليك إلى سبت وبالسند المذكور إلى أبي الربيع بن سالم قال أنشدنا أبو محمد عبد الحق ابن عبد الملك بن بونه قال أنشدنا أبو بكر غالب بن عطية الحافظ لنفسه: جفوت أناسًا كنت إلف وصلهم وما بالجفا عند الضرورة من ناس بلوت فلم أحمد فأصبحت يائسًا ولا شيىء أشفى للنفوس من اليأس فلا تعذلوني في انقباضي فإنني وجدت جميع الشر في خلطة الناس وفاته في اليوم التاسع عشر من شهر رجب الفرد عام خمسة وسبعماية. يوسف بن موسى بن سليمن بن فتح بن أحمد بن أحمد الجذامي المنتشافري من أهل رندة يكنى أبا الحجاج حاله هذا الرجل حسن اللقاء طرفٌ في التخلق والدماثة وحسن العشرة أديب ذاكر للأخبار طلعةٌ يكتب ويشعر سيال الطبع معينه. ولي القضاء ببلده رندة ثم بمربلة. وورد غرناطة في وجرى ذكره في التاج المحلى مما نصه: حسنة الدهر الكثير العيوب وتوبة الزمان الجم الذنوب ماشيت من بشرٍ يتألق وأدب تتعطر به النسمات وتتخلق ونفس كريمة الشمايل والضرايب وقريحة يقذف بحرها بدور الغرايب إلى خشية لله تحول بين القلوب وقرارها وتثني النفوس عن اغترارها ولسان يبوح بأشواقه وجفن يسخو بدرر آماقه وحرص على لقاء كل ذي علم وأدب وممن يمت إلى أهل الديانة والعبادة بسبب. سبق بقطره الحلبة وفرع من الأدب الهضبة ورفع الراية وبلغ في الإحسان الغاية فطارت قصايده كل المطار وتغنى بها راكب الفلك وحادي القطار. وتقلد خطة القضاء ببلده وانتهت إليه رياسة الأحكام بين أهله وولده فوضحت المذاهب بفضل مذهبه وحسن مقصده. وله شيمةٌ في الوفا تعلم منها الآس ومؤانسة عذبة لا تستطيعها الأكواس. وقد أثبت من كلامه ما تتحلى به ترايب المهارق ويجعل طيبه فوق المفارق. وكنت أتشوق إلى لقايه فلقيته بالمحلة من ظاهر جبل الفتح لقيا لم تبل صدًا ولا شفت كمدًا وتعذر بعد ذلك لقاؤه فخاطبته بقولي: حمدت على فرط المشقة رحلة أتاحت لعيني اجتلاء محياكا وقد كنت في التذكار بالبعد قانعًا وبالريح إن هبت بعاطر رياكا فجلت لي النعمى بما أنعمت به علي فحياها الإله وحياكا أيها الصدر الذي بمخاطبته يبأى ويتشرف والعلم الذي بالإضافة إليه يتعرف والروض الذي لم يزل على البعد بأزهاره الغضة يتحف. دمت تتزاحم على موارد ثنائك الألسن وتروى للرواة ما يصح من أنبايك ويحسن طالما مالت إليك النفوس منا وجنحت وزجرت الطائر الميمون من رقاعك كلما سنحت. فالآن اتضح البيان وصدق الأثر العيان. ولقد كنا للمقام بهذه الرحال نرتمض ويجن الظلام فلا نغتمض هذا يقلقله إصفار كيسه وذا يتوجع لبعد أنيسه وهذا تروعه الأهوال وتضجره بتقلباتها الأحوال. فمن أنة لا تنفع وشكوى إلى الله تعالى ترفع. فلما ورد بقدومك البشير وأشار إلى ثنية طلوعك المشير تشوفت النفوس الصدية إلى جلايها وصقالها والعقول إلى حل عقالها والألسن المعجمة إلى فصل مقالها. ثم إن الدهر راجع التفاته واستدرك ما فاته فلم يسمح من لقايك إلا بلمحة ولا بعث من نسيم روضك بغير نفحة. فما زاد أن هيج الأشواق فالتهبت وشن غاراتها على الجوانح فانتبهت وأعل القلوب وأمرضها ورمى ثغرة الصبر فأصاب غرضها. فإن رأيت أن تنفس عن نفسٍ شد الشوق مخنقها وكدر مشارب أنسها وأذهب رونقها وتتحف من من آدابك بدرر تقتنى وروضة طيبة الجنى فليست ببدع في شيمك ولا شاذة في باب كرمك. ولولا شاغل لا يبرح وعوائق أكثرها لا يشرح لنافست هذه السحاءة في القدوم عليك والمثول بين يديك فتشوفي إلى اجتلاء أنوارك حباك فؤادي نيل بشرى وأحياكا وحيد بآدابٍ نفايس حياكا بدايع أبداها بديع زمانه فطاب بها يا عاطر الروض رياكا أمهديها أودعت قلبي علاقةً وإن لم يزل مغزىً قديمًا بعلياكا إذا ما أشار العصر نحو فرنده فإياك أعني بالإشارة إياكا لا تحفني لقياك أسمى مؤملي وهل تحفةٌ في الدهر إلا بلقياكا وأعقبت إتحافي فرايدك التي وجوب ثناها يا لساني أعياكا خصصتني أيها الحبر المخصوص بمآثر أعيا عدها وحصرها ومكارم طيب أرواح الأزاهر عطرها وسارت الركبان بثنايها وشملت الخواطر محبة علائها بفرايدك الأنيقة وفوايدك المزرية جمالًا على أزهار الحديقة ومعارفك التي زكت حقًا وحقيقة. وهدت الضال عن سبيل الأدب مهيعه وطريقه وسبق تحفتك عندي أعلى التحف وهو مأمول لقائك والتمتع بالتماح سناك الباهر وسنائك على حين امتدت لذلك اللقاء أشواقي وعظم من فوت استنارتي بنور محياك إشفاقي وتردد لهجي بما يبلغني من معاليك ومعانيك وما شاده فكرك الوقاد من مبانيك وما أهلت به بلاغتك من دارسه وما أضفت على الزمان من رايق ملابسه وما جمعت من أشتاتهه وأحيت من أمواته وأيقظت من سناته وما جاد به الزمان من حسناته. فلترداد هذه المحاسن من أنيابك وتصرف الألسنة بثنايك علقت النفس من هواها بأشد علاقة وجنحت إلى لقايك جنوح والهة مشتاقة والحوادث الجارية تصرفها والعوايق الحادثة كلما عطفت بأملها إليه لا تتحفها به ولا تعطفها إلى أن ساعد الوقت واسعد البخت بلقياكم هذه السفرة الجهادية وجاد إسعاف الإسعاد من أمنيتي بأسنى هدية فلقيتكم لقيا خجل ولمحت أنواركم لمحةً على وجل ومهجتي في محاسنكم الرائقة ومعاليكم الفائقة على ما يعلمه ربنا عز وجل. |
وتذكرت عند لقايكم المأمول إنشاء قائل يقول: كانت محادثة الركبان تخبر عن محمد بن خطيب بأطيب الخبر حتى التقينا فلا والله ما سمعت أذني بأحسن مما قد رأى بصري قسمًا لعمري أقوله وأعتقده وأعتده وأعتمده فلقد بهرت منك المحاسن وفقت من يحاسن وقصر عن شأوك كل بليغ لسن وسبقت فطنتك النارية النورية بلاغة كل فطن وشهد لك الزمن أنك وحيده ورئيس عصبته الأدبية وفريده.
فبورك لك فيما أنلت من الفضايل وأوتيت من آيات المعارف التي بها نور الغزالة هايل ولا زلت مرقى في مراتب المعالي موقى صروف الأيام والليالي. ومن شعره يمدح الجهة النبوية مصدرًا بالنسيب لبسط الخواطر النفسانية: متلهفٌ وفؤاده متلهب كيف البقاء مع احتدام حريقه متموج بحر الدموع بنجده أنى خلاص يرتجى لغريقه متجرع صاب النوى من هاجرٍ ما إن يحن للاعجات مشوقه يسبي الخواطر حسنه ببديعه يصبي النفوس جماله بأنيقه قيد النواظر إذ يلوح لرامقٍ لا تنشى الأحداق عن تحديقه للبدر لمحته كبشر ضيائه للمسك نفحته كنشر فتيقه سكرت خواطر لامحيه كأنهم شربوا من الصبا كأس رحيقه عطشوا لثغر لا سبيل لريقه إلا كلمحهم للمع بريقه ما ضر مولىً عاشقوه عبيده لو رق إشفاقًا لحال رقيقه عنهه اصطباري ما أنا بمطيعه مثل السلو ولا أنا بمطيقه سجع الحمام يشوق ترجيع الهوى فأثار شجو مشوقه بمشوقه وبكت هديلًا راعها تفريقه ويحق أن يبكي أخو تفريقه حسبي ندامة آسف مما جنى يصل النشيج لوزره بشهيقه ويرم ما خرم الهوى زمن الصبا ويروم من مولاه رتق فتوقه ويردد الشكوى لديه تذللًا عل الرضا يحبيه درك لحوقه فيصح من سكر التصابي صحوه نسخًا لحكم صبوحه بغبوقه لو كنت يممت التقى وصحبته وسلكت إيثارًا سواء طريقه لأفدت منه فوائدًا وفرائدًا عرضت تسام لرإبح في سوقه لله أرباب القلوب فإنهم من حزب من نال الرضا وفريقه قاموا وقد نام الأنام فنورهم هتك الدجا بضيائه وشروقه وتأنسوا بحبيبهم فلهم به بشرٌ لصدق الفضل في تحقيقه قصرت عنهم عندما سبقوا المدى ولسابق فضل على مسبوقه لولا رجاء تلمحي من نورهم يحيى الفؤاد بسيره وطروقه وتأرجٌ يستاف من أرواحهم سبب انتعاش الروح طيب خلوقه أسمى الورى في منصب وبمنسب من هاشم زاكي النجار عريقه الحق أظهره عقيب خفائه والدين نظمه لدى تفريقه ونفى هداه ضلالةً من جائرٍ مستوثق بنعوته ولعوقه سبحان مرسله إلينا رحمة يهدى ويهدي الفضل من توفيقه والمعجزات بدت بصدق رسوله وحقيقه بالمأثرات خليقه كالظبي في تكليمه والجذع في تحنينه والبدر في تشقيقه والنار إذ خمدت بنور ولاده وأجاج ماءٍ قد حلا من ريقه والزاد قل فزاد من بركاته فكفى الجيوش بتمره وسويقه ونبوع ماء الكف من آياته وسلام أحجار غدت بطريقه والنخل لما أن دعاه مشى له ذا سرعة بعروقه وعذوقه والأرض عاينها وقد زويت له فقريب ما فيها رأى كسحيقه وكذا ذراع الشاة قد نطقت له نطق اللسان فصيحه وذليقه حاز السناء وناله بعروجه جاز السماء طباقها بخروقه ولكم له من آية من ربه ورعاية وعناية بحقوقه يا خيرة الأرسال عند إلهه يا محرز العليا على مخلوقه علقت آمالي بجاهك عدة والقصد ليس يخيب في تعليقه ووثقت من حبل اعتمادي عمدة لتمسكي بقويه ووثيقه ولئن غدوت أخيذ ذنبي إنني أرجو بقصدك أن أرى كطليقه وكساد سوقي مذ لجأت إلى بابكم يقضي حصول نفوذه ونفوقه ويحن قلبي وهو في تغريبه لمزاره لرياك في تشريقه وتزيد لوعته متى حث السرى حاد حدًا بجماله وبنوقه وأرى قشيب العمر أمسى باليًا ومرور دهري جد في تمزيقه وأخاف أن أقضي ولم أقض المنى بنفوذ سهم منيتي ومروقه فمتى أحط على اللوى رحلي وقد بلغت ركابي للحمي وعقيقه وتحية التسليم أبلغ شافعي وثنا المديح حديثه وعتيقه ولذي الفخار وذي العلى ووزيره صديقه وأخي الهدى فاروقه مني السلام عليهم كالزهر في تأليفها والزهر في تأليفه قال وكتب بذلك إلي في جملة من شعره: هواكم بقلبي لأحكامه نسخ ومن أجله جفني بمدمعه يسخ ومن نشأتي ما إن صحت منه نشوتي سواءٌ به عصر المشيب أو الشرخ عليه حياتي مذ تمادت وميتتي وبعثي إذا بالصور يتفق النفخ ولي خلدٌ أضحى قنيص غرامه ولا شركٌ يدني إليه ولا فخ قتلت سلوى حين أحييت لوعتي وما اجتيح بالإقرار في حالتي لطخ وناصح كتمي إذ زكت ببيناته يجول عليه من دموع الأسى نضخ وأرجو بتحقيق هواكم بأن أفي فعهدٌ ولا نقصٌ وعقدٌ ولا فسخ وما الحب إلا ما استقل ثبوته لمبناه رصٌّ في الجوانح أو رسخ يدي بأياديكم وقلبي شاغل فمن فكرتي نسجٌ ومن أنملي نسخ ومن شعره أيضًا قوله في غرض يظهر منه: إليك تحن النجب والنجباء فهم وهي في أشواقهم شركاء تخب بركاب تحب وصولها لأرض بها بادٍ سنى وسناء فأنفاسها ما أن تنى صعداؤها وأنفاسهم من فوقها سعداء هموا عالجوا إذ عجل السير داءهم وأشباه مثلي مدنفون بطاء فعدت ودوني للحبيب ترحلوا وما قاعد والراحلون سواء له وعليه حب قلبي وأدمعي وقد صح لي حبٌّ وسح بكاء بطيبة هل أرضى وتبدو سماؤها وإن تك أرضًا فالحبيب سماء شذا نفحها واللمح منها كأنه ذكاء عبير والضياء ذكاء فيا حاديًا غنى وللركب حاديًا غناني بعد البعد عنك عناء بسلع فسل عما أقاسي من الهوى وسل بقباءٍ إذ يلوح قباء ومن المقطوعات قوله: أدب الفتى في أن يرى متيقظًا لأوامرٍ من ربه ونواه فإذا تمسك بالهوى يهوى به والحبل منه لمن تيقن واه ومن ذلك: يا من بدنياه ظل في لججج حقق بأن النجاة في الشاط تطمع في إرثك الفلاح وقد أضعت ما قبله من أشراط كن حذرًا في الذي طمعت به من حجب نقص وحجب إسقاط وقال: ترى شعروا أني غبطت نسيمةً ذكت بتلاقي الروض غب الغمايم كما قابلت زهر الرياض وقبلت ثغور أقاحيه بلا لوم لايم وقال: ورد المشيب مبيضًا بوروده ما كان من شعر الشبيبة حالكا يا ليته لو كان بيض بالتقى ما سورته مآثم من حالكا لوعة الحب في فؤادي تعاصت أن تداوى ولو أتى ألف راق كيف يبرأ من علة وعليها زائد علة النوى والفراق فانسكاب الدموع جارٍ فجارٍ والتهاب الضلوع راقٍ فراق نبذة من أخباره نقلت من خط صاحبنا الفقيه القاضي المؤرخ أبي الحسن بن الحسن قال حاكيًا عنه ومن غريب ما حدثني به قال كنت جالسًا بين أيدي الخطيب أبي القاسم التاكروني صبيحة يوم بمسجد مالقة الأعظم فقال لنا في أثناء حديثه رأيت البارحة في عالم النوم كأن أبا عبد الله الجلياني يأتيني ببيتي شعر في يده وهما: كل علم يكون للمرء شغلًا بسوى الحق قادحٌ في رشاده فإذا كان لله فيه حظٌّ فهو مما يعده لمعاده قال فلم ينفصل المجلس حتى دخل علينا الفقيه الأديب أبو عبد الله الجلياني والبيتان عنده فعرضهما على الشيخ وأخبره أنه صنعهما البارحة فقال له كل من في المجلس أخبرنا بهذا الشيخ قبل مجيئك فكان هذا من العجائب وقد وقعت الإشارة لذلك في اسم الشيخ. منقول من خطه في ثبتٍ أجاز فيه أولادي أسعدهم الله بعد خطابة بليغة. قال فمن شيوخي الذين رويت عنهم. واسترفدت البركة منهم الشيخ الخطيب الصالح المتفنن أبو محمد عبد الواحد بن أبي السداد الباهلي والشيخ الإمام أبو جعفر بن الزبير والشيخ الوزير المشاور أبو عبد الله بن أبي عامر بن ربيع والقاضي العدل أبو عبد الله محمد ابن علي بن محمد بن برطال والشيخ الخطيب الصالح أبو عبد الله الطنجالي. والراوية المسن أبو عمرو محمد بن عبد الرحمن الرندي الطنجي والمدرس الصالح أبو الحسن علي بن أحمد الإشبيلي بن شالة والخطيبان الأستاذان الحاجان أبو عبد الله محمد بن رشيد الفهري وأبو عثمن سعيد ابن إبراهيم بن عيسى الحميري والشيخ الصالح أبو الحسين عبد الله بن محمد بن محمد بن يوسف بن منظور والخطيب الصالح العلامة المصنف أبو جعفر بن الزيات والفقيه القاضي أبو جعفر ابن عبد الوهاب والشيخ الراوية المحدث أبو عبد الله محمد بن أحمد ابن الكماد والخطيب أبو العباس أحمد بن محمد اللورقي والعدل أبو الحسن علي بن محمد الايي ابن مستقور والخطيب الصالح أبو العباس أحمد بن محمد بن خميس الجزيري والقاضي العدل الحاج أبو محمد عبد الله بن أبي أحمد بن زيد الغرناطي والشيخ الراوية الحاج الرحال الصوفي أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أمين الفارسي العجمي الأقشري والقاضي الحسيب أبو عبد الله محمد بن عياض بن محمد ابن عياض والقاضي أبو عبد الله بن عبد المهيمن الحضرمي والأستاذ أبو إسحق الغافقي والإمام أبو القاسمي بن الشاط والخطيب القاضي أبو عبد الله القرطبي والراوية أبو القاسم البلفيقي والمحدث أبو القاسم التجيبي والخطيب أبو عبد الله الغماري والإمام الكبير ناصر الدين المشدالي والفقيه الصوفي أبو عبد الله محمد بن محمد الباهلي عرف بالمسفر من أهل بجاية وقاضي القضاة بتونس أبو إسحق بن عبد الرفيع والعلامة أبو عبد الله بن راشد والخطيب أبو عبد الله بن عزمون والعلامة الخطيب أبو محمد عبد الواحد بن منظور بن محمد بن المنير الجذامي. |
قال وكلهم أجازني عامة ما يرويه وكان ممن لقيته وقرأت عليه إلا المدرس أبا الحسن بن شالة فوقع لي شك في إجازته.
تواليفه قال ومما يسر الله تعالى فيه من التأليف كتاب ملاذ المستعيذ وعياذ المستعين في بعض خصائص سيد المرسلين في الأحاديث الأربعين المروية على آياتٍ من الذكر الحكيم والنور المبين. وكتاب تخصيص القرب وتحصيل الأرب وقبول الرأي الرشيد في تخميس الوتريات النبويات لابن رشيد. وانتشاق النسمات النجدية واتساق النزعات الجدية. وغرر الأماني المسفرات في نظم المكفرات. والنفحات الرندية واللمحات الزندية وهو مجموع شعري. وحقائق بركات المنام في مرأى المصطفى خير الأنام. والاستشفاء بالعدة والاستشعاع بالعمدة في تخميس القصيدة النبوية المسماة بالبردة. وتوجع الراثي في تنوع المراثي. واعتلاق المسايل بأفضل الوسايل. ولمح البهيج ونفح الأريج في ترجيز ما لولي الله أبي مدين شعيب بن الحسين الأنصاري رضي الله عنه من عبارات حكمة وإشارات صوفية. وتجريد رؤوس مسائل البيان والتحصيل لتيسير البلوغ لمطالعتها والتوصيل. وفهرسة روايتي. ورجز في ذكر مشيخة شيخنا الراوية أبي عمر الطنجي رحمه الله وإسناده. قال ومما كنت شرعت فيه ولم يتفق تمامه كتاب سميته عواطف الأعتاب في لطايف أسباب المتاب. ومما بيدي الآن جمعه وهو إن شاء الله على التمام أربعون حديثًا متصلة الإسناد أول حديث منها في الخوف في مزج الخوف والرجاء. والله يصفح عنا ويغفر زلاتنا وأن لا يجعل ما نتولاه من ذلك حجة علينا وأن نكون ممن منح مقولًا ومنع معقولًا ويختم لنا بخواتم السعداء من عباده وممن وفق وهدى إلى سبيل رشاده. وفاته كان حيًا عام أحد وستين وسبعماية. من المقربين يحيى بن أحمد بن هذيل التجيبي يكنى أبا زكريا شيخنا أبو زكريا بن هذيل رحمه الله أرجدوني الأصل ينسب إلى سلفه أملاك ومعاهد كولابج هذيل مما يدل على أصالة. حاله كان آخر حملة الفنون العقلية بالأندلس وخاتمة العلماء بها من طب وهندسة وهيئة وحساب وأصول وأدب إلى إمتاع المحاضرة وحسن المجالسة وعموم الفائدة وحسن العهد وسلامة الصدر وحفظ الغيب والبراءة من التصنع والسمت مؤثرًا للخمول غير مبال بالناس مشغولًا بخاصة نفسه. خدم أخيرًا باب السلطان بصناعة الطب وقعد بالمدرسة بغرناطة يقرىء الأصول والفرايض والطب. عمن أخذ: قرأ على جملة من شيوخ وقته كالأستاذ أبي عبد الله الأركشي وأبي زكريا القصري وجملة من الإسلاميين بالعدوة. وقرأ كراسة الإمام فخر الدين الرازي المسراة بالآيات البينات على الأستاذ أبي القاسم بن جابر. ونظر الأصول على الأستاذ النظار أبي القاسم بن الشاط وأخذ الحساب عن أبي الحسن بن راشد. والحساب والهندسة والأصول وكثيرًا من عمليات الحساب وجبره ومقابلته والنجوم على الأستاذ أبي عبد الله بن الرقام ولازمه كثيرًا. تواليفه وله تصانيف وأوضاع منها ديوان شعره المسمى بالسليمانيات والعربيات وتنشيط الكسل. ومنها شرحه لكراسة الفخر وهو غريب المأخذ جمع فيه بين طريقتي القدماء والمتأخرين من المنطقيين. وكتابه المسمى بالاختيار والاعتبار في الطب. وكتابه المسمى بالتذكرة في الطب. شعره وجرى ذكره في التاج المحلى بما نصه: درة بين الناس مغفلة وخزانة على كل فائدة مقفلة وهدية من الدهر الضنين لبنيه محتفلة. أبدع من رتب التعاليم وعلمها وركض في الألواح قلمها وأتقن من صور الهيئة ومثلها وأسس قواعد البراهين وأثلها وأعرف من زاول شكاية ودفع عن جسم نكاية إلى غير ذلك من المشاركة في العلوم والوصول من المجهول إلى المعلوم والمحاضرة المستفزة للحلوم والدعابة التي ما خلع العذار فيها بالملوم فماشيت من نفسٍ عذبة الشيم وأخلاق كالزهر من بعد الديم ومحاضرة تتحف المجالس والمحاضر ومد كره يروق النواظر زهرها الناضر. وله أدب ذهب في الإجادة كل مذهب وارتدى من البلاغة بكل رداءٍ مذهب والأدب نقطة من حوضه وزهرة من زهرات روضه وسيمر له في هذا الديوان ما يبهر العقول ويحاسن بروائه ورائق بهائه الفرند المصقول. فمن ذلك ما خرجته من ديوان شعره المسمى بالسليمانيات والعربيات من النسيب: ألا أستودع الرحمن بدرًا مكملًا بفاس من الدرب الطويل مطالعه وفي فلك الأزرار يطلع سعده وفي أفق الأكباد تلفى مواقعه يصير مرآه منجم مقلتي فتصدق في قطع الرجاء قواطعه تجسم من نور الملاحة خده وماء الحيا فيه ترجرج مائعه تلون كالحرباء في خجلاته فيحمر قانيه ويبيض ناصعه إذا اهتز غنى حليه فوق نحره كغصن النقا غنت عليه سواجعه يذكر حتف الصب عامل قدره وتقطف من واو العذار توابعه أعد للورى سيفًا كسيف لحاظه فهذا هو الماضي وذاك يضارعه وصالك هذا أم تحية بارق وهجرك أم ليل السلم لتائق أناديك والأشواق تركض حجرها بصفحة خدي من دموع سوابق ابارق ثغر من عذيب رضابه قضت مهجتي بين العذيب وبارق ومنها: فلا تتعبن ريح الصبا في رسالة ولا تخجل الطيف الذي هو طارق متى طعمت عيني الكرى بعد بعدكم فإني في دعوى الهوى غير صادق قوله أبارق ثغر من عذيب رضابه ينظر إلى قول ابن النبيه في ذلك: يلوي على زرد العذار دلاله كم فتنة بين اللوى وزرود ومن قصيدة ثبتت في السليمانيات: بدا بدر تم فوقه الليل عسعسا وجنة أنس في صباحٍ تنفسا حوى النجم قرطًا والدراري مقلدًا وأسبل من مسك الذوايب حندسا كأن سنا الإصباح رام يزورنا وخاف العيون الرامقات فغلسا أتى يحمل التوراة ظبيًا مزنرًا لطيف التثني أشنب الثغر ألعسا رويت ولوعي من ضلوعي مسلسلًا فأصبحت في علم الغرام مدرسا نفى النوم عني كي أكون مسهدًا فأصبحت في صيد الخيال مهندسا غزال من الفردوس تسقيه أدمعي ويأوي إلى قلبي مثيلًا ومكنسًا طغى ورد خديه بجنات صدغه فأضعفه بالآس نبتًا وما أسا قوله طغى ورد خديه البيت محال على معنى فلاحي إذ من أقوالهم أن الآس إذا اغترس بين شجر الورد أضعفته بالخاصية. وقال أيضًا من قصيدة مهيارية: نام طفل النبت في حجر النعامى لاهتزاز الطل في مهد الخزامى وسقى الوسمي أغصان النقا فهوت تلثم أفواه الندامى كحل الفجر لهم جفن الدجى وغدا في وجنة الصبح لثاما تحسب البدر محيًا ثمل قد سقته راحة الصبح مداما حوله الزهر كؤوس قد غدت مسكة الليل عليهن ختاما يا عليل الريح رفقًا علني أشف بالسقم الذي حزت سقاما كنت أشفي غلة من صدكم لو أذنتم لجفوني أن تناما واستفدت الروح من ريح الصبا لو أتت تحمل من سلمى سلاما نشأت للصب منها زفرة تسكب الدمع على الربع سجاما طرب البرق مع القلب بها وبها الأنات طارحن الحماما طللٌ لا تستشفي الأذن به وهو للعينين قد ألقى كلاما ترك الساكن لي من وصله ضمة الجدران لثمًا والتزاما نزعات من سليمان بها فهم القلب معانيها فهاما شادنٌ يرعى حشاشات الحشى حسب حظي منه أن أرعى الذماما وقال من قصيدة أولها في غرض النسيب: أأرجو أمانًا واللحظ غادر ويثبت عقلي فيك والطرف ساحر أعد سليمان أليم عذابه لهدهد قلبي فهو للعين صائر أشاهد منه الحسن في كل نظرة وناظر أفكاري بمغناه ناظر وقد ينزع القلب المبلى لسلوة كما اهتز من قطر الغمامة طاير يقابل أغراضي بضد مرادها ولم يدر أن الضد للضد قاهر ونار اشتياقي صعدت مزن أدمعي فمضمر سري فوق خدي ظاهر وقد كنت باكي العين والبين غايب فقل لي كيف حال الدمع والبين حاضر وليس النوى بالطبع مرًا وإنما لكثرة ما شقت عليه المرائر ومنها في وصف ليلة: وزنجية فات الكؤوس بنحرها قلايد ياقوت عليها الجواهر ولا عيب فيها غير أن ذبالها يقطب فتبدو الكؤوس سراير تجنبت فيها نيل كل صغيرة وقد غفرت فيها لدي الكبائر ومن السليمانيات من قصيدة: يا بارقًا قاد الخيال فأومضا أقصد بطيفك مدنفًا قد غمضا ذاك الذي قد كنت تعهد نايمًا بالسهد من بعد الأحبة عوضا لا تحسبني معرضًا عن طيفه لكن منامي عن جفوني أعرضا خفيت لهم من سر صبري آية ما فهمت إلا سليمان الرضا لله درك ناهجًا سبل الهوى فلمثله أمر الهوى قد فوضا أمنت نملًا فوق خدك سارحًا وسللت سيفًا من جفونك منتضى ومن الأمداح قوله من قصيدة: حريص على جر الذوايب والقنا إذا كعت الأبطال والجو عابس وتعتنق الأبطال لولا سقوطها لقلت لتوديعٍ أتته الفوارس إذا اختطفتهم كفه فسروجهم مجالٌ وهم في راحتيه فرائس وقال يمدح السلطان أمير المسلمين أبا الوليد نصر عند قدومه من فتح أشكر من قصيدة أولها: بحيث البنود الحمر والأسد الورد كتائب سكان السماء لها جند وتحت لواء النصر ملك هو الورى تضيق به الدنيا إذا راح أو يغدو تأمنت الأرواح في ظل بنده كأن جناح الروح من فوقه بند فلو رام إدراك النجوم لنالها ولو هم لانقادت إليه السند والهند بعيني بحر النقع تحت أسنة تنمنمه وهنًا كما نمنم البرد وظنوا بأن الرعد والصعق في السما فحاق بهم من دونها الصعق والرعد عجائب أشكال سما هرمس بها مهندمة تأتي الجبال فتنهد إلا إنها الدنيا تريك عجايبًا وما في القوي منها فلا بد أن يبدو وكتب وهو معتقل بسبب عمل تولاه جحدرية أولها: تباعد عني منزلٌ وحبيب وهاج اشتياقي والمزار قريب وإني على قرب الحبيب مع النوى يكاد إذا اشتد الأنين يجيب لقد بعدت عني ديارٌ قريبة عجبت لجار الجنب وهو غريب ومنها: أعاشر قومًا ما تقر نفوسهم فللهم فيها عند ذاك ضروب إذا شعروا من جارهم بتأوه أجابته منهم زفرةٌ ونحيب فلا ذاك يشكوهم هذا تأسفًا لكل امرىءٍ مما دهاه نصيب كأني في غاب الليوث مسلمًا يروعني منها الغداة وثوب تحكم فينا الدهر والعقل حاضر بكل قياس والأديب أريب وتطمعنا منه بوارق خلب نقول عساه يرعوي ويتوب إذا ما تشبثنا بأذيال برده دهتنا إذا جر الذيول خطوب أدار علينا صولجانًا ولم يكن سوى أنه بالحادثات لعوب ومنها: أيا دهر إني قد سئمت تهدفي أجرني فإن السهم منك مصيب إذا خفق البرق الطروق أجابه فؤادي ودمع المقلتين سكوب وإن طلع الكف الخضيب بسحره فدمعي بحناء الدماء خضيب تذكرني الأسحار دارًا ألفتها فيشتد حزني والحمام طروب إذا علقت نفسي بليت وربما تكاد تفيض أو تكاد تذوب دعوتك ربي والدعاء ضراعة وأنت تناجى بالدعا فتجيب لئن كان عقبى الصبر فوزًا وغبطة فإني على الصبر الجميل دروب وبعثت إليه هدية من البادية فقال يصف منها ديكًا وكتب بذلك رحمة الله عليه: أيا صديقًا جعلته سندا فراح فيما أحبه وغدا قلت له آدم أتعرفه قال حفيدي بعصرنا ولدا نوحٌ وطوفانه رأيتهما قال علونا لفيضه أحدا فقلت هل لي بجرهم خبر فقال قومي وجيرتي السعدا فقلت قحطان هل مررت به قال نفثنا ببرده العقدا فقلت صف لي سبا وساكنها فعند هذا تنفس الصعدا وقال كم لي بدجنهم سحرا من صرخةٍ لي وللنوم هدا فقلت هاروت هل سمعت به فقال ريشي لسحره نفدا فقلت كسرى وآل شرعته فقال كنا بجيشه وفدا ولوا وصاروا وها أنا لبد فهل رأيتم من فوقهم أحدا ديكٌ إذا ما انثنى لفكرته رأى الوجود طرايقًا قددا يرفل في طيلسانه ولهًا قد صير الدهر لونه كمدا إذا دجا الليل غاب هيكله كأن حبرًا عليه قد جمدا كأن منجالتي ذؤابته قوسٌ سما من أجله بعدا وعوسج مد من مخالبه طغى بها في نقاره وعدا فذاك ديكٌ حلت محاسنه له صراخ بين الديوك غدا يطلبني بالذي فعلت به فكم فللنا بلبتيه مدا وجهته محنةٌ لآكله والله ما كان ذاك مني سدى ولم نزل بعد نستعدي عليه بإقراره بقتله ونطلبه بالقود عند تصرفه في العمل فيوجه الدية لنا في ذلك رسائل. ومن شعره في غرض الحسن بن هانىء: طرقنا ديور القوم وهنًا وتغليسًا وقد شرفوا الناسوت إذ عبدوا عيسى وقد رفعوا الإنجيل فوق رؤوسهم وقد قدسوا الروح المقدس تقديسا فما استيقظوا إلا لصكة بابهم فأدهش رهبانًا وروع قسيسا وقام بها البطريق يسعى ملبيًا وقد لين الناقوس رفقًا وتأنيسا فقلنا له آمنا فإنا عصابة أتينا لتثليث وإن شيت تسديسا فلما رأى زقي أمامي ومزهري دعاني أتأنيسًا لحنت وتلبيسا وقام إلى دن يفض ختامه فكبس أجرام الغياهب تكبيسا وطاف بها رطب البنان مزنر فأبصرت عبدًا صير الحر مرؤوسا سلافًا جواها القار لبسًا فخلتها مثالًا من الياقوت في الحبر مغموسا إلى أن سطا بالقوم سلطان نومهم ورأس قبيل الشمع نكس تنكيسا وثبت إليه بالعناق فقال لي بحق الهوى هب لي من الضم تنفيسا كتبت بدمع العين صفحة خده فطلس حبر الشعر كتبي تطليسا فبيس الذي احتلنا وكدنا عليهم وبيس الذي قد أضمروا قبل ذا بيسا فبتنا يرانا الله شر عصابة نطيع بعصيان الشريعة إبليسا وقال بديهة في غزالة من النحاس على بركة في محل طلب منه ذلك فيه: عنت لنا من وحش وجرة ظبية جاءت لورد الماء مليء عنانها وأظنها إذا حددت آذانها ريعت بنا فتوقفت بمكانها وفاته فلج فالتزم المنزل عندي لمكان فضله ووجوب حقه وقد كانت زوجه توفيت وصحبه عليها وجدٌ شديد وحزنٌ ملازم فلما ثقل وقربت وفاته استدعاني وقد كان لسانه لا يبين القول وأملى علي فيما وصاني به من مهم أمره: إذا مت فادفني حذاء حليلتي يخالط عظمي في التراب عظامها ولا تدفني في البقيع فإنني أريد إلى يوم الحساب التزامها ورتب ضريحي كيفما شاء الهوى تكون أمامي أو أكون أمامها لعل إله العرش يجبر صدعتي فيعلي مقامي عنده ومقامها وما في ليلة الخامس والعشرين من عام ثلاثة وخمسين وسبعماية ودفنته عصره بباب إلبيرة حذاء حليلته كما عهد رحمة الله عليه. يحيى بن عبد الكريم الشنتوفي من أهل الجزيرة الخضراء. كان كاتبًا ثرثارًا أديبًا لوذعيًا كثير النظم والنثر. كتب عن أمير المسلمين أبي يوسف يعقوب وابنه أبي يعقوب واحتل معهم بظاهر غرناطة. كتابته كتب عن المذكور عند نزوله غازيًا ومجاهدًا بظاهر شريش ما نصه: أخونا الذي يسير بما يخلده بطون أوراق الدفاتر من مأثور حميد المآثر ويتلقى ما يرد عليه من قبلنا من منشور حزب البشاير بمعاشر القبايل والعشاير ويفوق ما قبسته المنن لأقلام وأفواه المحابر في مراقب مراقي المابر ويجمع لما وشته سحايب الخواطر من روضات السجلات في النوادي والمحاضر الأمير الكذا أدام الله اهتزازه للأنباء السارة وارتياحه ونعم بها أرواحه ووصل بكل أرجٍ من نسيم الجذل ومبهج من وسيم الأمل غدوه ورواحه وأحب به أرواحه. سلام كريم عليكم ورحمة الله وبركاته. من أخيكم الذي لا يتم بشره إلا بأخذكم منه بأوفى حظ وأوفر نصيب ومصافيكم الذي لا يكمل سروره وبجمل حبوره حتى يكون لكم فيه سهم مصيب ومرعى خصيب الأمير يوسف ابن أمير المسلمين وناصر الدين يوسف بن عبد الحق. أما بعد حمد الله محق الحق بتصعيده فوق النجوم ومعليه ومبطل الباطل بتصريبه تحت النجوم ومدليه ومطهر الأرض من نجس دنس الكفر وأوليه ضربًا بالمرهفات صبرًا وطعنًا بالمشفعات دراكًا وجاعل بلاد الشرك الأسار عباد الإفك بما نظمهم من سلك الملك وبددهم من هتك الستر بالفتك والسفك حبائل لا يخرجون منها وأشراكًا وخاذل من زلت عن السور قدمه وخرجت من الدور ذممه بأن يراق دمه ويعدم وجوده وقدمه بلوغًا لأمان أماني الإيمان وإدراكًا والصلاة والسلام على سيدنا محمد ناظم فرايد الفرايد ومنضد عوايد المواعد بالظفر المنتظر بكل جاحد معاند قلايد لا تنتشر وأسلاكًا - وسالك مسالك الغزوات وناسك مناسك الخلوات ومدرك مدارك قبول الدعوات إفناءً لأعداء الله وإهلاكًا والرضا عن آله وصحبه المرتدين بمننه المهتدين بسننه في إباحة حرم الحرم وإزاحة ظلم الظلم حنادس وأحلاكًا القارعين بأسيافهم أصلاب كلاب الصلبان تباكا والقارعين أبواب ثواب الرحمن نساكًا وموالاة الدعاء لسيدنا ومولانا الوالد بتخليد السعد المساعد وإدراة الإرادة بعضد من النصر وساعد مقادير كما يشاء وأفلاكًا وممالآت آياته آيات هذه الرايات بإدراك نهايات الغايات في اشتباه أشياء ذوي الشايات فلا تذر في الأرض كفرًا ولا تدع فيها إشراكًا. فكتبناه كتب الله لإخايكم الكريم أرفع الدرجات علًا وأتمها تعظيمًا وفضلكم مع القعود عن الشهود بالنية التي لها أكرم ورود وأصدق وفود أجرًا عظيمًا. من منزلنا بمخنق شريش حيث الكتايب الهايلة هالة بدرها البادية الخسوف والحماة الكماة أكمام زهرها الداني القطوف وسوار معصمها النائي عن العصمة مجردات صفوف صنوف السيوف. فالشفار بالأحداق كالأشفار بالأحداق إدارتها الطاقة بحيزومها نطاقا والفتح قد لاحت مخايله وباحت مقاوله والكفر فلت مناصله وعرفت مقاتله والمترف يتمنى أن يلقاه قاتله فلا يقاتله فرقًا لا يجدون له فراقًا فواقًا فحماتها العتاة لا يرون إلا سماء نقع الكفاح لمعًا متلاقيًا وائتلافًا وكماتها لا يشربون إلا من تحت دمهم المطهر بنجسه وجه الأرض المعدى به هريقه من فيح حثهم يوم العرض المودي بإراقته واجب الفرض إعدادًا لامتثال الأمر الإلهي واعتناقًا. ومن هذا الكتاب وهو طويل: ووصلنا والخيل تمرح في أعنتها تصلفًا وتختال في مشيها تغطرفًا وتعض على لجمها تحدقًا وتحرفًا كأنها لم ترم قصارى قصور النصارى دون تصور عنها أغراضًا وأهدافًا ودون معاهدة العيون وصف الواصف ولأقل مما احتوى عليه هذا الفتح تهتز المعاطف إذ الإيمان اهتز إعطافًا وتوشح به عطافًا. وهل الكتب وإن طال نبذة من نبذ الفتوح وفلذة من كبد النصر الممنوح وزهرةٌ من غصن الندا المروح أدنينا لإخايكم الكريم منه اقتطافًا والسلام. انتهى |
الساعة الآن 01:37 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |