منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   كتاب تاريخ ابن خلدون (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=8921)

ميارى 4 - 8 - 2010 01:38 AM

الطبقة الثالثة من الفرس وهم الأشكانية
ملوك الطوائف وذكر دولهم ومصاير أمورهم إلى نهايتها هذه الطبقة من ملوك الفرس يعرفون بالأشكانية وكافها أقرب إلى الغين من ولد أشكان بن دارا الأكبر وقد مر ذكره وكانوا من أعظم ملوك الطوائف عند افتراق أمر الفرس‏.‏ وذلك أن الإسكندر لما قتل دارا الأصغر استشار معلمه أرسطو في أمر الفرس فأشار عليه أن يفرق رياستهم في أهل البيوت منهم فتفترق كلمتهم ويخلص لك أمرهم‏.‏ فولى الإسكندر عظماء النواحي من الفرس والغرب والنط والجرامقة كلاً على عمله واستبد كل بناحية‏.‏ واستقام له ملك فارس والمشرق‏.‏ ولما مات الإسكندر قسم ملكه بين أربعة من أمرائه‏:‏ فكان ملك مقدونية وأنطاكية وما إليها من ممالك الروم لفيلبس من قواده‏.‏ وكانت الإسكندرية ومصر والمغرب لفيلادفس ولقبه بطليموس‏.‏ وكان الشام وبيت المقدس وما إلى ذلك لدمطوس‏.‏ وكان السواد إلى الجبال والأهواز وفارس ليلاقش سيلقس ولقبه أنطيخس وأقام السواد في ملكته أربعاً وخمسين سنة‏.‏ قال الطبري‏:‏ وكان أشك بن دارا الأكبر خلفه أبوه بالري فنشأ بها فلما كبر وهلك الإسكندر جمع العساكر وسار يريد أنطيخس والتقيا بالموصل فانهزم أنطيخس وقتل‏.‏ وغلب أشك على السواد من الموصل إلى الري وأصبهان‏.‏ وعظمه سائر ملوك الطوائف لشرفه ونسبه وأهدوا إليه من غير أن يكون له عليهم إيالة في عزل ولا تولية بل إنما كانوا يعظمونه ويبدؤون باسمه في المخاطبات وهم مع ذلك متعادون تختلف حالاتهم بعضهم مع بعض في الحرب والمهادنة‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ كان رجل من نسل الملوك من فارس مملكاً على الجبال وأصبهان والسواد لفوات الإسكندر‏.‏ ثم غلب بعد ذلك ولده على السواد وجمعه إلى الجبال وأصبهان وصار كالرئيس على سائر ملوك الطوائف‏.‏ ولذلك قصر ذكر هؤلاء الملوك دون غيرهم من الطوائف‏.‏ فمنهم من قال أنه أشك بن دارا كما قدمناه وهو قول الفرس وقيل هو أشك عقب أسفنديار بن كستاسب بينهما ستة آباء وقيل هو أشك بن أشكان الأكبر من ولد كينية بن كيقباذ‏.‏ ويقال‏:‏ إنه كان أعظم الأشكانية وقهر ملوك الطوائف واستولى على إصطخر لاتصالها بأصبهان وتخطاها إلى ما يتاخمها من بلاد فارس فغلب عليه واتصل ملكه عشرين سنة‏.‏ وملك بعده وقال المسعودي‏:‏ ملك أشك بن أشك بن دارا بن أشكان الأول منهم عشر سنين ثم سابور ابنه ستين سنة وغزا بني إسرائيل بالشام ونهب أموالهم ولإحدى وأربعين من ملكه ظهر عيسى صلوات الله عليه بأرض فلسطين‏.‏ ثم ملك عمه جور عشر سنين ثم نيرو بن سابور إحدى وعشرين سنة‏.‏ وفي أيامه غلب طيطش قيصر على بيت المقدس وخربها وأجلى منها اليهود كما مر ثم جور بن نيرو تسع عشرة سنة ثم جرسي أخوه أربعين سنة ثم هرمز أخوهما أربعين سنة ثم ابنه أردوان بن هرمز خمس عشرة سنة ثم ابنه كسرى بن أردوان أربعين سنة ثم ابنه يلاش ابن كسرى أربعاً وعشرين سنة‏.‏ وفي أيامه غزت الروم السواد مع قيصر يطلبون بثأر أنطيخش ملك أنطاكية من اليونان الذي قتله أشك جد يلاوش هذا‏.‏ فجمع يلاوش العساكر واستنفر ملوك الطوائف بفارس والعراق فوجهوا له بالمدد واجتمع له أربعمائة ألف من المقاتلة وولى عليهم صاحب الحصر وكان من ملوك الطوائف على السواد فزحف إلى قيصر فقتله واستباح عسكر الروم وقتل وفتح أنطاكية وانتهى إلى الخليج‏.‏ وولي من بعد يلاوش ابنه أردوان بن يلاوش ثلاث عشرة سنة‏.‏ ثم خرج عليه أردشير بن بابك بن ساسان وجمع ملك فارس من أيدي ملوك الطوائف وجدد الدولة الساسانية كما نذكر في أخبارهم‏.‏ قال الطبري‏:‏ وفي أيام الطوائف كانت ولادة عيسى صلوات الله عليه لخمس وستين من غلب الإسكندر على بابل ولإحدى وخمسين من ملك الأشكانية والنصارى يزعمون أن ذلك كان لمضي ثلثمائة وثلاث وستين من غلب الإسكندر على بابل‏.‏ قال الطبري‏:‏ وجميع سني الطوائف من لدن الإسكندر إلى ظهور أردشير بن بابك واستوائه على الأمر مائتان وستون سنة وبعضهم يقول خمسمائة وثلاث وعشرون سنة‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ ملك في هذه المدة منهم تسعون ملكاً على تسعين طائفة كلهم يعظم ملوك المدائن منهم وهم الأشكانيون‏.‏ الطبقة الرابعة من الفرس وهم الساسانية و الخبر عن ملوكهم الأكاسرة إلى حين الفتح الإسلامي هذه الدولة كانت من أعظم الدول في الخليقة وأشدها قوة وهي إحدى الدولتين اللتين صبحهما الإسلام في العالم وهما دولة فارس والروم‏.‏ وكان مبدأ أمرها من توثب أردشير بن بابك شاه ملك مرو وهو ساسان الأصغر ابن بابك بن سامان بن بابك بن هرمز بن ساسان الأكبر ابن كي بهمن وقد تقدم لنا ذكر كي بهمن وأن ابنه ساسان غضب لما توج للملك أخوه دارا وهو في بطن أمه ولحق بجبال إصطخر فأقام هنالك وتناسل ولده بها إلى أن كان ساسان الأصغر منهم فكان قيماً على بيت النار لاصطخر وكان شجاعاً‏.‏ وكانت امرأته من بيت ملك فولدت له ابنه بابك وولد لبابك أردشير وضبطه الدارقطني‏:‏ بالراء المهملة‏.‏ وكان على إصطخر يومئذ ملك من ملوك الطوائف وله عامل على دارا بجرد خصي اسمه سري فلما أتت لأردشير سبع سنين جاء به جده ساسان إلى ملك إصطخر وسأله أن يضمه إلى عامل دارا بجرد الخصي يكفله إلى أن تتم تربيته‏.‏ ولما هلك عامل دارا بجرد فأقام بأمره فيها أردشير هذا وملكها‏.‏ وكان له علم من المنجمين بأن الملك سيصير إليه فوثب على كثير من ملوك الطوائف بأرض فارس فاستولى عليهم وكتب إلى أبيه بذلك ثم وثب على عامل إصطخر فغلبه على ما بيده وملك إصطخر وكثير من أعمال فارس‏.‏ وكان زعيم الطوائف يومئذ أردوان ملك الأشكانيين فكتب إليه يسأله أن يتوجه فعنفه وكتب إليه بالشخوص فامتنع وخرج بالعساكر من اصطخر وقدم موبذان رورين فتوجه ثم فتح كرمان وبها ملك من ملوك الطوائف وولى عليها ابنه‏.‏ وكتب إليه أردوان يتهدده وأمر ملك الأهواز من الطوائف أن يسير إليه فرجع مغلوباً‏.‏ ثم سار أردشير إلى أصبهان فقتل ملكها واستولى عليها ثم إلى الأهواز فقتل ملكها كذلك ثم زحف إليه أردوان عميد الطوائف فهزمه أردشير وقتله‏.‏ وملك همذان والجبل وأذربيجان وأرمينية والموصل ثم السواد‏.‏ وبنى مدينة على شاطىء دجلة شرقي المدائن‏.‏ ثم رجع إلى اصطخر ففتح سجستان ثم جرجان ثم مرو وبلخ وخوارزم إلى تخوم خراسان وبعث بكثير من الرؤوس إلى بيت النيران‏.‏ ثم رجع إلى فارس ونزل صول وأطاعه ملك كوشان ومكران ثم ملك البحرين بعد أن حاصرها مدة وألقى ملكها بنفسه في البحر‏.‏ ثم رجع فنزل المدائن وتوجه ابنه سابور ولم يزل مظفراً وقهر الملوك حوله وأثخن في الأرضي ومدن المدن واستكثر العمارة وهلك لأربع عشرة سنة من ملكه بأصطخر بعد مقتل أردوان‏.‏ وقال هشام بن الكلبي‏:‏ قام أردشير في أهل فارس يريد الملك الذي كان لآبائه قبل الطوائف وأن يجمعه لملك واحد‏.‏ وكان أردوان ملكاً على الأردوانيين وهم أنباط السواد وكان باباً ملكاً على الأردوانيين وهم أنباط الشام وبينهما حرب وفتنة فاجتمعا على قتال أردشير فحارباه مناوبة‏.‏ ثم بعث أردشير إلى بابا في الصلح على أن يدعه في الملك ويخلي بابا بينه وبين أردوان فلم يلبث أن قتل أردوان واستولى على السواد فأعطاه بابا الطاعة بالشام ودانت له سائر الملوك وقهرهم‏.‏ ثم رجع إلى أمر العرب وكانت بيوتهم على ريف العراق ينزلون الحيرة وكانوا ثلاث فرق‏:‏ الأولى تنوخ ومنهم قضاعة الذين كنا قدمنا أنهم كانوا اقتتلوا مع ملك من التبابعة وأتى بهم‏.‏ وكانوا يسكنون بيوت الشعر والوبر ويضعونها غربي الفرات بين الأنبار والحيرة وما فوقها‏.‏ فأنفوا من الإقامة في مملكة أردشير وخرجوا إلى البرية‏.‏ والثانية العباد الذين كانوا يسكنون الحيرة أو وطئوها‏.‏ والثالثة الأحلاف الذين نزلوا بهم من غير نسبهم ولم يكونوا من تنوخ الناكثين عن طاعة الفرس ولا من العباد الذين دانوا بهم فملك هؤلاء الأحلاف الحيرة والأنبار وكان منهم عمرو بن عدي وقومه فعمروا الحيرة والأنبار ونزلوا وخربوها وكانتا من بناء العرب أيام بختنصر ثم عمرها بنو عمرو بن عدي لما أصاروها نزلاً لملكهم إلى أن صبحهم الإسلام‏.‏ واختط العرب الإسلاميون مدينة الكوفة فدثرت الحيرة وكان أردشير لما ملك أسرف في قتل الأشكانية حتى أفناهم لوصية جده ووجد بقصر أردوان جارية استملحها ودفعت عن نفسها القتل بإنكار نسبها فيهم فقالت‏:‏ أنا مولاة وبكر فواقعها وحملت وظنت الأمن على نفسها فأخبرته بنسبها فتنكر ودفعها إلى بعض مرازبته ليقتلها فاستبقاها ذلك المرزبان إلى أن شكا إليه أردشير قلة الولد والخوف على ملكه من الانقطاع وندم على ما سلف منه من قتل الجارية وإتلاف الحمل‏.‏ فأخبره بحياتها وأنها ولدت ولداً ذكراً وأنه سماه سابور وأنه قد كملت خصاله وآدابه فاستحضره أردشير واختبره فرضيه وعقد له التاج‏.‏ ثم هلك أردشير فملك سابور من بعده فأفاض العطاء في أهل الدولة وتخير العمال ثم شخص إلى خراسان فمهد أمورها ثم رجع فشخص إلى نصيبين فملكها عنوة فقتل وسبى وافتتح من الشام مدناً وحاصر أنطاكية وبها من الملوك أريانوس فاقتحمها عليه وأسره وحمله إلى جندي سابور فحبسه بها إلى أن فاداه على أموال عظيمة ويقال على بناء شاذروان تستر ويقال جدع أنفه وأطلقه ويقال‏:‏ بل قتله‏.‏ وكان بجبال تكريت بين دجلة والفرات مدينة يقال لها الحضر وبها ملك من الجرامقة يقال له الساطرون من ملوك الطوائف وهو الذي يقول فيه الشاعر‏:‏ ورأى الموت قد تدلى من الحضر على رب أهله الساطرون ولقد كان آمناً للدواهي ذا ثراء وجوهر مكنون قال المسعودي وهو الساطرون بن إستطرون من ملوك السريانيين‏.‏ قال الطبري‏:‏ وتسميه العرب الضيزن وقال هشام بن محمد الكلبي‏:‏ من قضاعة وهو الضيزن بن معاوية بن العميد بن الأجذم بن عمرو بن النخع بن سليم وسنذكر نسب سليم في قضاعة‏.‏ وكان بأرض الجزيرة وكان معه من قبائل قضاعة ما لا يحصى وكان ملكه قد بلغ الشام فخلف سابور في غزاته إلى خراسان وعاث في أرض السواد فشخص إليه سابور عند انقضاء غزاته حتى أناخ على حصنه وحاصره أربع سنين قال الأعشى‏:‏ ألم تر للحضر إذ أهله بنعمة وهل خالد من نعم ثم إن ابنة ساطرون واسمها النضيرة خرجت إلى ربض المدينة وكانت من أجمل النساء وسابور كان جميلاً فأشرفت عليه فشغفت به وشغف بها وداخلته في أمر الحصن ودلته على عورته فدخله عنوة وقتل الضيزن وأباد قضاعة الذين كانوا معه وأكثرهم بنو حلوان فانقرضوا وخرب حصن الحضر‏.‏ وقال عدي ابن زيد في رثائه‏:‏ # وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجلة تجبى إليه والخابور شاده مرمراً وجللة كلساً فللطير في ذراه وكور لم يهبه ريح المنون فبا د الملك عنه فبابه مهجور ثم أعرس بالنضيرة بعين النمر وباتت ليلها تتضور في فراشها وكان من الحرير محشواً بالقز والقسي فإذا ورقة آس بينها وبين الفراش تؤذيها‏.‏ فقال‏:‏ ويحك‏!‏ ما كان أبوك يغذيك قالت الزبد والمح والشهد وصفو الخمر‏.‏ فقال‏:‏ وأبيك لأنا أحدث عهداً ويبعد وداً من أبيك الذي غذاك بمثل هذا‏.‏ وأمر رجلاً ركب فرساً جموحاً وعصب غدائرها بذنبه ولم يزل يركضه حتى تقطعت أوصالها‏.‏ وعند ابن إسحق‏:‏ أن الذي فتح حصن الحضر وخربه وقتل الساطرون هو سابور ذو الأكتاف‏.‏ وقال السهيلي لا يصح‏:‏ لأن الساطرون من ملوك الطوائف والذي أزال ملكهم هو أردشير وابنه سابور وسابور ذو الأكتاف بعدهم بكثير وهو التاسع من ملوك أردشير‏.‏ قال السهيلي‏:‏ وأول من ملك الحيرة من ملوك الساسانية سابور بن أردشير‏.‏ والحيرة وسط بلاد السواد وحاضرة العرب ولم يكن لأحد قبله من آل ساسان حتى استقام العرب على طاعته‏.‏ وولى عليهم عمرو بن عدي جد آل المنذر بعده وأنزله الحيرة فجبى خراجها وإتاوتهم واستبعدهم لسلطانه وقبض أيديهم عن الفساد بأقطار ملكه وما كانوا يرومونه بسواد العراق من نواحي مملكته وولى بعده ابنه امرأ القيس بن عمرو بن عدي وصار ذلك ملكاً لآل المنذر بالحيرة توارثوه حسبما نذكر بعد‏.‏ وهلك سابور لثلاثين سنة من ملكه وولي بعده ابنه هرمز ويعرف بالبطل فملك سنة واحدة وولي بعده ابنه بهرام بن هرمز وكان عامله على مذحج من ربيعة ومضر وسائر بادية العراق والجزيرة والحجاز آمرو القيس بن عمرو بن عدي وهو أول من تنصر من ملوك الحيرة وطال أمد ملكه‏.‏ قال هشام بن الكلبي‏:‏ ملك مائة وأربع عشرة سنة من لدن أيام سابور‏.‏ وكان بهرام بن هرمز حليماً وقوراً وأحسن السيرة واقتدى بآبائه‏.‏ وكان ماني الثنوي الزنديق صاحب القول بالنور والظلمة قد ظهر في أيام جده سابور فاتبعه قليلاً ثم رجع إلى المجوسية دين آبائه‏.‏ ولما ولي بهرام بن هرمز جمع الناس لامتحانه فأشادوا بكفره وقتله وقالوا زنديق‏.‏ قال المسعودي‏:‏ ومعناه أن من عدل عن ظاهر إلى تأويله ينسبونه إلى تفسير كتاب زرادشت الذي قدمنا أن اسمه زندة فيقولون زندية فعربته العرب فقالوا زنديق ودخل فيه كل من خالف الظاهر إلى الباطن المنكر ثم اختص في عرف الشرع بمن يظهر الإسلام ويبطن الكفر‏.‏ ثم هلك بهرام بن هرمز لثلاث سنين وثلاثة أشهر من دولته وولي ابنه بهرام ثماني عشرة سنة عكف أولها على اللذات أمدت أيدي بطانته إلى الرعايا بالجور والظلم فخربت الضياع والقرى حتى نبهه الموبذان لذلك بمثل ضربة له وذلك أنه سامره في ليلة فمر راجعاً من الصيد فسمعا بومين يتحدثان في خراب‏.‏ فقال بهرام‏:‏ ليت شعري هل أحد فهم لغات الطير فقال له الموبذان‏:‏ نعم إنا نعرف ذلك أيها الملك‏!‏ وإنهما يتحاوران في عقد نكاح وإن الأنثى اشترطت عليه إقطاع عشرين ضيعة من الخراب فقبل الذكر وقال‏:‏ إذا دامت أيام بهرام أقطعتك ألفاً فتفطن بهرام لذلك وأفاق من غفلته وأشرف على أحوال ملكه مباشراً بنفسه وقابضاً أيدي البطانة عن الرعية وحسنت أيامه إلى أن هلك‏.‏ وولي بعده بهرام بن بهرام بن بهرام ثلاثة أسماء متشابهة وتقلب شاه وكان مملكاً على سجستان وهلك لأربع سنين من دولته وملك بعده أخوه قرسين بن بهرام تسع سنين أخرى‏.‏ وكان عادلاً حسن السيرة وملك بعده ابنه هرمز بن قرسين فوجل منه الناس لفظاظته‏.‏ ثم أبدل من خلقه الشر بالخير وسار فيهم بالعدل والرفق والعمارة وهلك لسبع سنين من ولايته‏.‏ وكان هؤلاء كلهم ينزلون جنديسابور من خراسان‏.‏ ولما هلك ولم يترك ولداً شق ذلك على أهل مملكته لميلهم إليه ووجدوا ببعض نسائه حملاً فتوجوه وانتظروا إتمامه‏.‏ وقيل بل كان هرمز أبوه أوصى بالملك لذلك الحمل فقام أهل الدولة بتدبير الملك ينتظرون تمام الولد‏.‏ وشاع في أطراف المملكة أنهم يتلومون صبياً في المهد فطمع فيهم الترك والروم‏.‏ وكانت بلاد العرب أدنى إلى بلادهم وهم أحوج إلى تناول الحبوب من البلاد لحاجاتهم إليها بما هم فيه من الشظف وسوء العيش‏.‏ فسار منهم جمع من ناحية البحرين وبلاد القيس ووحاظة فأناخوا على بلاد فارس من ناحيتهم وغلبوا أهلها على الماشية والحرث والمعايش وأكثروا الفساد ومكثوا في ذلك حيناً ولم يغزهم أحد من فارس ولا دافعوهم لصغر الملك‏.‏ حتى إذا كبر وعرضوا عليه الأمور فأحسن فيها الفصل وبلغ ستة عشر سنة من عمره ثم أطاق حمل السلاح نهض حينئذ للاستبداد بملكه‏.‏ وكان أول شيء ابتدأ به شأن العرب فجهز إليهم العساكر وعهد إليهم أن لا يبقوا على أحد ممن لقوا منهم‏.‏ ثم شخص بنفسه إليهم وغزاهم وهم غازون ببلاد فارس فقتلهم أبرح القتل وهربوا أيامه وأجاز البحر في طلبهم إلى الخط وتعدى إلى بلاد البحرين قتلاً وتخريباً ثم غزا بعدها رؤوس العرب من تميم وبكر وعبد القيس فأثخن فيهم وأباد عبد القيس ولحق فلهم بالرمال‏.‏ ثم أتى اليمامة فقتل وأسر وخرب ثم عطف إلى بلاد بكر وتغلب ما بين مملكة فارس ومناظر الروم بالشام فقتل من وجد هنالك من العرب وطم مياههم وأسكن من رجع إليه من بني تغلب دارين من البحرين والخط ومن بني تميم هجروا من بكر بن وائل كرمان ويدعون بكر إياد ومن بني حنظلة الأهواز‏.‏ وبنى مدينة الأنبار والكرخ والسوس‏.‏ وفيما قاله غيره إن إياداً كانت تشتو بالجزيرة وتصيف بالعراق وتشن الغارة‏.‏ وكانت تسمى طما لانطباقها على البلاد وسابور يومئذ صغير حتى إذا بلغ القيام على ملكه شرع في غروهم ورئيسهم يومئذ الحرث بن الأغر الأيادي وكتب إليهم بالنذر بذلك من إياد كان بين ظهراني الفرس فلم يقبلوا حتى واقعتهم العساكر فاستلحمهم وخرجوا إلى أرض الجزيرة والموصل إجلاءً ولم يعاودوا العراق‏.‏ ولما كان الفتح طلبهم المسلمون بالجزية مع تغلب وغيرهم فأنفوا ولحقوا بأرض الروم‏.‏ وقال السهيلي عند ذكر سابور بن هرمز‏:‏ إنه كان يخلع أكتاف العرب ولذلك لقبه العرب ذو الأكتاف وإنه أخذ عمرو بن تميم بأرضهم بالبحرين وله يومئذ ثلثمائة سنة وإنه قال إنما أقتلكم معاشر العرب لأنكم تزعمون أن لكم دولة‏.‏ فقال له عمرو بن تميم‏:‏ ليس هذا من الحزم أيها الملك‏!‏ فإن يكن حقاً فليس قتلك إياهم بدافعه وقد تكون اتخذت يداً عندهم ينتفع بها ولدك وأعقاب قومك فيقال إنه استبقاه ورحم كبره‏.‏ ثم سابور بلاد الروم وتوغل فيها ونازل حصونهم‏.‏ وكان ملوك الروم على عصره‏:‏ قسطنطين وهو أول من تنصر من ملوكهم وهلك قسطنطين وملك بعده إليانوس من أهل بيته وانحرف عن دين النصرانية وقتل الأساقفة وهدم البيع وجمع الروم وانحدر لقتال سابور‏.‏ واجتمعت العرب معهم لثأرهم عند سابور بمن قتل منهم وسار قائد إليانوس واسمه يوسانوس في مائة وسبعين ألفاً من المقاتلة حتى دخل أرض فارس وبلغ خبره وكثرة جموعه إلى سابور فأحجم عن اللقاء وأجفل وصبحه العرب ففضوا جموعه وهرب في فل من عسكره واحتوى إليانوس على خزائنه وأمواله واستولى على مدينة طبسون من مدائن ملكه‏.‏ ثم استنفر أهل النواحي واجتمعت إليه فارس وارتجع مدينة طبسون وأقاما متظاهرين‏.‏ وهلك إليانوس بسهم أصابه فبقي الروم فوضى وفزعوا إلى يوسانوس القائد أن يملكوه فشرط عليهم الرجوع إلى دين النصرانية كما كان قسطنطين فقبلوا‏.‏ وبعث إليه سابور في القدوم عليه فسار إليه في ثمانين من أشراف الروم وتلقاه سابور وعانقه وبالغ في إكرامه وعقد معه الصلح على أن يعطي الروم قيمة ما أفسدوه من بلاد فارس وأعطوا بدلاً عن ذلك نصيبين‏.‏ فرضي بها أهل فارس‏.‏ وكانت مما أخذه الروم من أيديهم فملكها سابور وشرد عنها أهلها خوفاً من سطوته‏.‏ فنقل إليها من أهل إصطخر وأصبهان وغيرهما‏.‏ وانصرف يوسانوس بالروم وهلك عن قريب ورجع سابور إلى بلاده‏.‏ وفيما نقله بعض الإخباريين أن سابور دخل بلاد الروم متنكراً وعثر عليه‏.‏ فأخذ في جلد ثور‏.‏ وزحف ملك الروم بعساكره إلى جنديسابور فحاصرها وإن سابور هرب من حبسه ودخل جنديسابور المدينة ثم خرج إلى الروم فهزمهم وأسر ملكهم قيصر وأخذه بعمارة ما خرب من بلاده ونقل التراب والغروس إليها ثم قطع أنفه وبعث به على حمار إلى قومه‏.‏ وهي قصة واهية تشهد العادة بكذبها‏.‏ ثم هلك سابور لاثنتين وسبعين سنة من ملكه وهو الذي بنى مدينة نيسابور وسجستان وبنى الإيوان المشهور لمقعد ملوكهم‏.‏ وملك لعهده امرؤ القيس بن عدي وأوصى بالملك لأخيه أردشير بن هرمز وفتك في أشراف فارس وعظمائهم فخلعوه لأربعين سنة من دولته وملكوا سابور بن ذي الأكتاف فاستبشر الناس برجوع ملك أبيه إليه‏.‏ وأحسن السيرة ورفق بالرعية وحمل على ذلك العمال والوزراء والحاشية ولم يزل عادلاً وخضع له عمه أردشير المخلوع وكانت له حروب مع إياد وفي ذلك يقول شاعرهم‏:‏ على رغم سابور بن سابور أصبحت قباب إياد حولها الخيل والنعم وقيل إن هذا الشعر إنما قيل في سابور ذي الأكتاف‏.‏ ثم هلك سابور لخمس سنين من دولته وملك أخوه بهرام ويلقب كرمان شاه وكان حسن السياسة وهلك لإحدى عشرة سنة من دولته رماه بعض الرماة بسهم في القتال فقتله وملك بعده ابنه يزدجرد الأثيم‏.‏ وبعض نسابة الفرس يقول إنه أخوه وليس ابنه وإنما هو ابن ذي الأكتاف‏.‏ وقال هشام محمد‏:‏ كان فظاً غليطاً كثير المكر والخديعة يفرغ في ذلك عقله وقوة معرفته وكان معجباً برأيه سيء الخلق كثير الحدة يستعظم الزلة الصغيرة ويرد الشفاعة من أهل بطانته متهماً للناس قليل المكافأة‏.‏ وبالجملة فهو سيء الأحوال مذمومها‏.‏ واستوزر لأول ولايته برسي الحكيم ويسمى فهربرشي ومهرمرسة وكان متقدماً في الحكمة والفضائل‏.‏ وأمل أهل المملكة أن تهرب من يزدجرد الأثيم فلم يكن ذلك‏.‏ واشتد أمره على الأشراف بالإهانة وعلى من دونهم بالقتل‏.‏ وبينما هو جالس في مجلسه يوماً إذا بفرس عابر لم يطق أحد إمساكه قد وقف ببابه فقام إليه ليتولى إمساكه بنفسه فرمحه فمات لوقته لإحدى وعشرين سنة من ملكه‏.‏ وملك بعده ابنه بهرام بن يزدجرد ويلقب ببهرام جور وكان نشؤوه ببلاد الحيرة مع العرب أسلمه أبوه إليهم فربي بينهم وتكلم بلغتهم ولما مات أبوه قدم أهل فارس رجلاً من نسل أردشير ثم زحف بهرام جور بالعرب فاستولى على ملكه كما نذكر في أخبار آل المنذر‏.‏ وفي أيام بهرام جور سار خاقان ملك الترك إلى بلاد الصغد من ممالكه فهزمه بهرام وقتله ثم غزا الهند وتزوج ابنة ملكهم فهابته ملوك الأرض وحمل إليه الروم الأموال على سبيل المهادنة‏.‏ وهلك لتسع وعشرين من دولته وملك ابنه يزدجرد بن بهرام جور واستوزر مهربرسي الحكيم الذي كان أبوه استوزره وجرى في ملكه بأحسن سيرة من العدل والإحسان‏:‏ وهو الذي شرع في بناء الحائط بناحية الباب الأبواب وجعل جبل الفتح سداً بين بلاده وما وراءها من أمم الأعاجم وملك لعشرين سنة من دولته‏.‏ وملك من بعده ابنه هرمز وكان ملكاً على سجستان فغلب على الدولة ولحق أخوه فيروز بملك الصغد بمرو الروذ‏.‏ وهذه الأمم هم المعروفون قديماً بالهياطلة وكانوا بين خوارزم وفرغانة فأمر فيروز بالعساكر وقاتل أخاه هرمز فغلبه وحبسه‏.‏ وكانت الروم قد امتنعت عن حمل الخراج فحمل إليهم العساكر مع وزيره مهربرسي فأثخن في بلادهم حتى حملوا ما كانوا يحملونه واستقام أمره وأظهر العدل‏.‏ وأصابهم القحط في دولته سبع سنين فأحسن تدبير الناس فيها وكف عن الجباية وقسم الأموال ولم يهلك في تلك السنين أحد إتلافاً‏.‏ وقيل إنه استسقى لرعيته من ذلك القحط فسقوا وعادت البلاد إلى أحسن ما كانت عليه‏.‏ وكان لأول ما ملك أحسن إلى الهياطلة جزاءً بما أعانوه على أمره‏.‏ فقوى ملكهم أمره‏.‏ وزحفوا إلى أطراف ملكه وملكوا طخارستان وكثيراً من بلاد خراسان وزحف هو إلى قتالهم فهزموه وقتلوه وأربعة بنين له وأربعة إخوة واستولوا على خراسان بأسرها‏.‏ وسار إليهم رجل من عظماء الفرس من أهل شيراز فغلبهم على خراسان وأخرجهم منها حتى ألقوا بجميع ما أخذوه من عسكر فيروز من الأسرى والسبي‏.‏ وكان مهلكه لسبع وعشرين من دولته‏.‏ وبنى المدن بالري وجرجان وأذربيجان‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ إن ملك الهياطلة الذي سار إلى فيروز اسمه خشتوا والرجل الذي استرجع خراسان من يده هو خرسوس من نسل منوشهر وأن فيروز استخلفه لما سار إلى خشتوا والهياطلة على مدينتي الملك وهما طبسون ونهرشير فكان من أمره مع الهياطلة بعد فيروز ما تقدم‏.‏ وملك بعد فيروز بن يردجرد ابنه يلاوش ابن فيروز ونازعه أخوه قباذ الملك فغلبه يلاوش ولحق قباذ بخاقان ملك الترك يستنجده وأحسن يلاوش الولاية والعدل وحمل أهل المدن على عمارة ما خرب من مدنهم وبنى مدينة ساباط قرب المدائن‏.‏ وهلك لأربع سنين من دولته وملك من بعده أخوه قباذ بن فيروز وكان قد سار بعساكر الترك أمده بها خاقان فبلغه الخبر بمهلك أخيه وهو بنيسابور من طريقه وقد لقي بها ابناً كان له هنالك حملت به أمه منه عند مروره ذلك إلى خاقان‏.‏ فلما أحل بنيسابور ومعه العساكر وسأل عن المرأة فأحضرت ومعها الخبر وجاء الخبر هنالك بمهلك أخيه يلاوش فتيمن بالمولود وسار إلى سرحد الذي كان أبوه فيروز استخلفه على المدائن مال الناس إليه دون قباذ واستبد عليه‏.‏ فلما كبر وبلغ سن الاستبداد بأمره أنف من استبداد سرحد عليه فبعث إلى أصبهبذ البلاد وهو سابور مهران فقدم عليه وقبض على سرحد وحبسه ثم قتله‏.‏ ولعشرين من دولته حبس وخلع ثم عاد إلى الملك‏.‏ وصورة الخبر عن ذلك أن مزدك الزنديق كان إباحياً وكان يقول باستباحة أموال الناس وأنها فيء وأنه ليس لأحد ملك شيء ولا حجره والأشياء كلها ملك لله مشاع بين ناس لا يختص به أحد دون أحد وهو لمن اختاره‏.‏ فعثر الناس منه على متابعة مزدك في هذا الاعتقاد واجتمع أهل الدولة فخلعوه وحبسوه وملكوا جاماسات أخاه‏.‏ وخرج رزمهر شاكياً داعياً لقباذ ويقرب إلى الناس بقتل المزدكية وأعاد قباذ إلى ملكه ثم سعت المزدكية عنده في رزمهر بإنكار ما أتى قبلهم فقبله واتهمه الناس برأي مزدك فانتقضت الأطراف وفسد الملك وفر قباذ من محبسه ولحق قباذ بالهياطلة وهم الصغد مستجيشاً لهم ومر في طريقه بأبوشهر فتزوج بنت ملكها وولدت له أنوشروان‏.‏ ثم أمده ملك الهياطلة فزحف إلى المدائن لست سنين من مغيبه وغلب أخاه جاماسات واستولى على الملك‏.‏ ثم غزا بلاد الروم وفتح آمد وسبى أهلها وطالت مدته وابتنى المدن العظيمة منها مدينة أراجان بين الأهواز وفارس‏.‏ ثم هلك لثلاث وأربعين سنة من ملكه في الكرة الأولى‏.‏ وملك ابنه أنوشروان بن قباذ بن فيروز بن يزدجرد وكان يلي الأصبهبذ وهي الرياسة على الجنود‏.‏ ولما ملك فرق أصبهبذ البلاد على أربعة‏:‏ فجعل أصبهبذ المشرق بخراسان والمغرب بأذربيجان وبلاد الخزر واسترد البلاد التي تغلب عليها جيران الأطراف من الملوك مثل السند وبست الرخج وزابلستان وطخارستان ودهستان‏.‏ وأثخن في أمة البازر وأجلى بقيتهم‏.‏ ثم أدهنوا واستعان بهم في حروبه‏.‏ وأثخن في أمة صول واستلحمهم وكذلك الجرامقة وبلنجر واللان‏.‏ وكانوا يجاورون أرمينية ويتمالأون على غزوها فبعث إليهم العساكر واستلحموهم وأنزل بقيتهم أذربيجان‏.‏ وأحكم بناء الحصون التي كان بناها قباذ وفيروز بناحية صول واللان لتحصين البلاد وأكمل بناء الأبواب والسور الذي بناه جده بجبل الفتح بنوه على الأزماق المنفوخة تغوص في الماء كلما ارتفع البناء إلى أن استقرت بقعر البحر وشقت بالخناجر فتمكن الحائط من الأرض ثم وصل السور في البر ما بين جبل الفتح والبحر وفتحت فيه الأبواب ثم وصلوه في شعاب الجبل وبقي فيه إلى أن كمل‏.‏
قال المسعودي‏:‏ إنه كان باقياً لعصره والظن أن التتر خربوه بعد لما استولوا على ممالك الإسلام في المائة السابعة ومكانه اليوم في مملكة بني ذو شيخان ملوك الشمال منهم‏.‏ وكان لكسرى أنو شروان في بنائه خبر مع ملوك الخزر‏.‏ ثم استفحل ملك الترك وزحف خاقان سيحور وقتل ملك الهياطلة واستولى على بلادهم وأطاعه أهل بلنجر وزحف إلى بلاد صول في عشرة آلاف مقاتل‏.‏ وبعث إلى أنو شروان يطلب منه ما أعطاه أهل بلنجر في الفداء وضبط أنو شروان أرمينية بالعساكر وامتنعت صول بملكها أنو شروان والناحية الأخرى بسور الأبواب فرجع خاقان خائباً‏.‏ وأخذ أنو شروان في إصلاح السابلة والأخذ بالعدل وتفقد أهل المملكة وتخير الولاة والعمال مقتدياً بسير أردشير بن بابك جده‏.‏ ثم سار إلى بلاد الروم وافتتح حلب وقبرص وحمص وأنطاكية ومدينة هرقل الإسكندرية وضرب الجزية على ملوك القبط وحمل إليه ملك الروم الفدية وملك الصين والتبت الهدايا‏.‏ ثم غزا بلاد الخزر وأدرك فيهم بثأره وما فعلوه ببلاده‏.‏ ثم وفد عليه ابن ذي يزن من نسل الملوك التبابعة يستجيشه على الحبشة فبعث معه قائداً من قواده في جند من الديلم فقتلوا مسروقاً ملك الحبشة باليمن وملكوها‏.‏ وملك عليهم سيف بن ذي يزن وأمره أن يبعث عساكره إلى الهند فبعث إلى سرنديب قائداً من قواده فقتل ملكها واستولى عليها وحمل إلى كسرى أموالاً جمة‏.‏ وملك على العرب في مدينة الحيرة ثم سار نحو الهياطلة مطالباً بثأر جده فيروز فقتل ملكهم واستأصل أهل بيته‏.‏ وتجاوز بلخ وما وراءها وأنزل عساكره فرغانة وأثخن في بلاد الروم وضرب عليهم الجزى وكان مكرماً للعلماء محباً للعلم وفي أيامه ترجم كتاب كليلة وترجمه من لسان اليهود وحله بضرب الأمثال ويحتاج إلى فهم دقيق‏.‏ وعلى عهد ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم لاثنتين وأربعين سنة من ملكه وذلك عام الفيل‏.‏ وكذلك ولد أبوه عبد الله ابن عبد المطلب لأربع وعشرين سنة من ملكه‏.‏ قال الطبري‏:‏ وفي أيامه رأى الموبذان الإبل الصعاب تقود الخيل العراب وقد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها فأفزعه ذلك وقص الرؤيا على من يعبرها فقال‏:‏ حادث يكون من العرب‏.‏ فكتب كسرى إلى النعمان أن يبعث إليه بمن يسأله عما يريده فبعث إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حسان بن نفيلة الغساني وقص عليه الرؤيا فدله على سطيح وقال له ائته وكان فيما قاله سطيح إنه يملك من آل كسرى أربعة عشر ملكاً‏.‏ فاستطال كسرى المدة وملكوا كلهم في عشرين سنة أو نحوها‏.‏ وبعث عامل اليمن وهرز بهدية وأموال وطرف من اليمن إلى كسرى فأغار عليها بنو يربوع من تميم وأخذوها‏.‏ وجاء أصحاب العير إلى هوذة بن علي ملك اليمامة من بني حنيفة فسار معهم إلى كسرى فأكرمه وتوجه بعقد من لؤلؤ ومن ثم قيل له ذو التاج‏.‏ وتحب إلى عامله بالبحرين في شأنهم وكان كثيراً مايوقع ببني تميم ويقطعهم حتى سموه المكفر فتحيل عليهم بالميرة ونادى مناديه في أحيائهم‏:‏ أن الأمير يقسم فيكم بحصن المشعر ميرة فتسايلوا إليه ودخلوا الحصن‏.‏ فقتل الرجال وخصى الصبيان‏.‏ وجاءت هدية أخرى من اليمن على أرض الحجاز أجازها رجل من بني كنانة فعدت عليه قيس وقتلوه وأخذوا الهدية فنشأت الفتنة بين كنانة وقيس لأجل ذلك وكانت بينهم حرب الفجار عشرين سنة وشهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم صغيراً كان ينبل على أعمامه‏.‏ ثم هلك أنو شروان لثمان وأربعين من دولته وملك ابنه هرمز‏.‏ قال هشام‏:‏ وكان عادلاً حتى لقد أنصف من نفسه خصياً كان له وكانت له خؤولة في الترك وكان مع ذلك يقتل الأشراف والعلماء‏.‏ وزحف إليه ملك الترك شبابة في ثلثمائة ألف مقاتل فسار هرمز إلى هراة وباذغيس لحربهم وخالفه ملك الروم إلى ضواحي العراق وملك الخزر إلى باب الأبواب وجموع العرب إلى شاطىء الفرات فعاثوا في البلاد ونهبوا واكتنفته الأعداء من كل جانب‏.‏ وبعث قائده بهرام صاحب الري إلى لقاء الترك وأقام هو بمكانه من خراسان بيت هراة وباذغيس‏.‏ وقاتل بهرام الترك وقتل ملكهم شبابة بسهم أصابه واستباح معسكره وأقام بمكانه‏.‏ فزحف إليه برمومة بن شبابة بالترك فهزمه بهرام وحاصره في بعض الحصون حتى استسلم‏.‏ وبعث به إلى هرمز أسيراً وبعث معه بالأموال والجواهر والآنية والسلاح وسائر الأمتعة‏.‏ يقال في مائتين وخمسين ألفاً من الأحمال‏.‏ فوقع ذلك من هرمز أحسم المواقف‏.‏ وغص أهل الدولة ببهرام وفعله فأكثروا فيه السعاية‏.‏ وبلغ الخبر إلى بهرام فخشيه على نفسه‏.‏ فداخل من كان معه من المرازبة وخلعوا هرمز ودعوا لابنه أبرويز وداخلهم في ذلك أهل الدولة فلحق أبرويز بأذربيجان خائفاً على نفسه واجتمع إليه المرازبة والأصبهبذيون فملكوه‏.‏ ووثب بالمدائن الأشراف والعظماء وتفدويه وبسطام خال أبرويز فخلعوا هرمز وحبسوه وتحرزوا من قتله‏.‏ وأقبل أبرويز بمن معه إلى المدائن فاستولى على الملك ثم نظر في أمر بهرام وتحرز منه وسار إليه وتوافقا بشط النهروان ودعا أبرويز إلى الدخول في أمره ويشترط ما أحب فلم يقبل ذلك وناجزه الحرب فهزمه‏.‏ ثم عاود الحرب مراراً وأحسن أبرويز بالقتل من أصحابه فرجع إلى المدائن منهزماً وعرض على النعمان أن يركبه فرسه فنجا عليها‏.‏ وكان أبوه محبوساً بطبسون فأخبر الخبر وشاوره فأشار عليه بقصد مريق ملك الروم يستجيشه فمضى لذلك ونزل المدائن لاثنتي عشرة سنة من ملكه‏.‏ وفي بعض طرق هذا الخبر أن أبرويز لما استوحش من أبيه هرمز لحق بأذربيجان واجتمع عليه مع من اجتمع ولم يحدث شيئاً‏.‏ وبعث هرمز لمحاربة بهرام قائداً من مرازبته فانهزم وقتل ورجع فلهم إلى المدائن وبهرام في اتباعهم‏.‏ واضطرب هرمز وكتبت إليه أخت المرزبان المهزوم من بهرام تستحثه للملك‏.‏ فسار إلى المدائن وملك وأتاه أبوه فتواضع له أبرويز وتبرأ له من فعل الناس وأنه إنما حمله على ذلك الخوف‏.‏ وسأله أن ينتقم له ممن فعل به ذلك وأن يؤنسه بثلاثة من أهل النسب والحكمة يحادثهم في كل يوم فأجابه واستأذنه في قتل بهرام جوبين فأشار به‏.‏ وأقبل بهرام حثيثاً وبعث خاليه نفدويه وبسطام يستدعيانه للطاعة فرد أسوأ رد وقاتل أبرويز واشتدت الحرب بينهما‏.‏ ‏.‏ لما رأى أبرويز فشل أصحابه شاور أباه ولحق بملك الروم وقال له خالاه عند فصولهم من المدائن‏:‏ نخشى أن يدخل بهرام المدائن ويملك أباك ويبعث فينا إلى ملك الروم‏.‏ وانطلقوا إلى المدائن فقتلوا هرمز ثم ساروا مع أبرويز وقطعوا الفرات واتبعتهم عساكر بهرام وقد وصلوا إلى تخوم الروم وقاتلوهم وأسروا نفدويه خال أبرويز ورجعوا عنهم‏.‏ ولحق أبرويز ومن معه بأنطاكية وبعث إلى قيصر موريق يستنجده فأجابه وأكرمه وزوجه ابنته مريم وبعث إليه أخاه بناطوس بستين ألف مقاتل وقائدهم واشترط عليه الأتاوة التي كان الروم يحملونها‏.‏ فقبل وسار بالعساكر إلى أذربيجان ووافاه هنالك خاله نفدويه هارباً من الأسر الذي كانوا أسروه‏.‏ ثم بعث العساكر من أذربيجان مع أصبهبذ الناحية فانهزم بهرام جوبين ولحق بالترك وسار أبرويز إلى المدائن فدخلها وفرق في الروم عشرين ألف ألف دينار وأطلقهم إلى قيصر‏.‏ وأقام بهرام عند ملك الترك وصانع أبرويز عليه ملك الترك وزوجته حتى دست عليه من قتله‏.‏ واغتم لذلك ملك الترك وطلقها من أجله‏.‏ وبعث إلى أخت بهرام أن يتزوجها فامتنعت ثم أخذ أبرويز في مهاداة قيصر موريق والطافه وخلعه الروم وقتلوه وملكوا عليهم ملكاً اسمه قوفا قيصر ولحق ابنه بأبرويز فبعث العساكر على ثلاثة من القواد وسار أحدهم ودوخوا الشام إلى فلسطين‏.‏ ووصلوا إلى بيت المقدس فأخذوا أساقفتها ومن كان بها من الأقسة وطالبوهم بخشبة الصليب فاستخرجوها من الدفن وبعثوا بها إلى كسرى‏.‏ وسار منهم قائد آخر إلى مصر وإسكندرية وبلاد النوبة فملكوا ذلك كله‏.‏ وقصد الثالث قسطنطينية وخيم على الخليج وعاث في ممالك الروم ولم يجب أحد إلى طاعة ابن موريق‏.‏ وقتل الروم قوفا الذي كانوا ملكوه لما ظهر من فجوره وملكوا عليهم هرقل‏.‏ فافتتح أمره بغزو بلاد كسرى وبلغ نصيبين فبعث كسرى قائداً من أساورته فبلغ الموصل وأقام عليها يمنع الروم المجاوزة‏.‏ وجاز هرقل من مكان آخر إلى جند فارس فأمر كسرى قائده بقتاله فانهزم وقتل وظفر هرقل بحصن كسرى وبالمدائن‏.‏ ووصل هرقل قريباً منها ثم رجع‏.‏ وأولع كسرى العقوبة بالجند المنهزمين وكتب إلى سخراب بالقدوم من خراسان وبعثه بالعساكر وبعث هرقل عساكره والتقيا بأذرعات وبصرى فغلبتهم عساكر فارس‏.‏ وسار سخراب في أرض الروم يخرب ويقتل ويسبي حتى بلغ القسطنطينية ورجع وعزله أبرويز عن خراسان وولى أخاه‏.‏ وفي مناوبة هذا الغلب بين فارس والروم نزلت الآيات من أول سورة الروم‏.‏ قال الطبري‏:‏ وأدنى الأرض التي أشارت إليها الآية هي أذرعات وبصرى التي كانت بها هذه الحروب‏.‏ ثم غلبت الروم لسبع سنين من ذلك العهد وأخبر المسلمون بذلك الوعد الكريم لما أهمهم من غلب فارس الروم لأن قريشاً كانوا يتشيعون لفارس لأنهم غير دائنين بكتاب والمسلمون يودون غلب الروم لأنهم أهل كتاب‏.‏ وفي كتب التفسير بسط ما وقع في ذلك بينهم وأبرويز هذا هو الذي قتل النعمان بن المنذر ملك العرب وعامله على الحيرة سخطه بسعاية عدي بن زيد العبادي وزير النعمان وكان قد قتل أباه وبعثه إلى كسرى ليكون عنده ترجماناً للعرب كما كان أبوه قد فعل بسعايته في النعمان وحمله على أن يخطب إليه ابنته‏.‏ وبعث إليه رسوله بذلك عدي بن زيد فترجم له عنه في ذلك مقابلة قبيحة أحفظت كسرى أبرويز مع ما كان تقدم له في منعه الفرس يوم بهرام كما تقدم‏.‏ فاستدعاه أبرويز وحبسه بساباط ثم أمر به فطرح للفيلة وولى على العرب بعده أياس بن قبيصة الطائي جزاء بوفاء ابن عمه حسان يوم بهرام كما تقدم‏.‏ ثم كان على عهده وقعة ذي قار لبكر بن وائل ومن معهم من عبس وتميم على الباهوت مسلحة كسرى بالحيرة ومن معه من طيء‏.‏ وكان سببها أن النعمان بن المنذر أودع سلاحه عند هانىء بن مسعود الشيباني وكانت شكة ألف فارس وطلبها كسرى منه فأبى إلا أن يردها إلى بيته فآذنه كسرى بالحرب وآذنوه بها‏.‏ وبعث كسرى إلى أياس أن يزحف إليه بالمسالح التي كانت ببلاد العرب بأن يوافوا أياساً واقتتلوا بذي قار وانهزمت الفرس ومن معهم‏.‏ وفيها قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ اليوم انتصف العرب من العجم وبي نصروا ‏"‏ أوحى إليه بذلك أو نفث في روعه‏.‏ قيل إن ذلك كان بمكة وقيل بالمدينة بعد وقعة بدر بأشهر‏.‏ وفي أيام أبرويز كانت البعثة لعشرين من ملكه وقيل لاثنتين وثلاثين حكاه الطبري‏.‏ وبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه يدعوه إلى الإسلام كما تقدم في أخبار اليمن وكما يأتي في أخبار الهجرة‏.‏ ولما طال ملك أبرويز بطر وأشر وخسر الناس في أموالهم وولى عليهم الظلمة وضيق عليهم المعاش وبغض عليهم ملكه‏.‏ وقال هشام‏:‏ جمع أبرويز من المال ما لم يجمعه أحد وبلغت عساكره القسطنطينية وأفريقية وكان يشتو بالمدائن ويصيف بهمدان وكان له إثنتا عشرة ألف امرأة وألف فيل وخمسون ألف دابة‏.‏ وبنى بيوت النيران وأقام فيها اثني عشر ألف هربذ وأحصى جبايته لثمان عشر سنة من ملكه فكان أربعمائة ألف ألف مكررة مرتين وعشرون ألف ألف مثلها فحمل إلى بيت المال بمدينة طبسون وكانت هنالك أموال أخرى من ضرب فيروز بن يزدجرد منها اثنا عشر ألف بدرة في كل بدرة من الورق مصارفة أربعة آلاف مثقال فتكون جملتها ثمانية وأربعين ألف ألف مثقال مكررة مرتين في صنوف من الجواهر والطيوب والأمتعة والآنية لا يحصيها إلا الله تعالى‏.‏ ثم بلغ من عتوه واستخفافه بالناس أنه أمر بقتل المقيدين في سجونه وكانوا ستة وثلاثين ألفاً فنقم ذلك عليه أهل الدولة وأطلقوا ابنه شيرويه واسمه قباذ وكان محبوساً مع أولاده كلهم لإنذار بعض المنجمين له بأن بعض ولده يغتاله فحبسهم‏.‏ وأطلق أهل الدولة شيرويه وجمعوا إليه المقيدين الذين أمر بقتلهم ونهض إلى قصور الملك بمدينة نهشير فملكها وحبس أبرويز وبعث إلى ابنه شيرويه يعنفه‏.‏ فلم يرض ذلك أهل الدولة وحملوه على قتله‏.‏ وقتل لثمان وثلاثين سنة من ملكه وجاءته أختاه بوران وأزرميدخت فأسمعتاه وأغلظتا له فيما فعل فبكى ورمى التاج عن رأسه وهلك لثمانية أشهر من مقتل أبيه في طاعون هلك فيه نصف الناس أو ثلثهم‏.‏ وكان مهلكه لسبع من الهجرة فيما قال السهيلي‏.‏ ثم ولى ملك الفرس من بعده ابنه أردشير طفلاً ابن سبع سنين لم يجدوا من بيت الملك سواه لأن أبرويز كان قتل المرشحين كلهم من بنيه وبني أبيه فملك عظماء فارس هذا الطفل أردشير وكفله بهادرخشنش صاحب المائدة في الدولة فأحسن سياسة ملكه وكان شهريران بتخوم الروم في جند ضمهم إليه أبرويز وحموهم هنالك وصاحب الشورى في دولتهم ولما لم يشاوروه في ذلك غضب وبسط يده في القتل وطمع في الملك وأطاعه من كان معه من العساكر وأقبل إلى المدائن‏.‏ وتحصن بهادرخشنش بمدينة طبسون دار الملك ونقل إليها الأموال والذخائر وأبناء الملوك وحاصرها شهريران فامتنعت ثم داخل بعض العسس ففتحوا له الباب فاقتحمها وقتل العظماء واستصفى الأموال وفضح النساء‏.‏ وبعث إلى أردشير الطفل الملك من قتله لسنة ونصف من ملكه‏.‏ وملك شهريران على التخت ولم يكن من بيت الملك وامتعض لقتل أردشير جماعة من عظماء الدولة وفيهم زادان فروخ وشهريران ووهب مؤدب الأساورة وأجمعوا على قتل شهريران‏.‏ وداخلوا في ذلك بعض حرس الملك فتعاقدوا على قتله‏.‏ وكانوا يعملون قدام الملك في الأيام والمشاهد سماطين ومر بهم شهريران بعض أيام بين السماطين وهم مسلحون فلما حاذاهم طعنوه فقتلوه‏.‏ وقتلوا العظماء بعد قتل أردشير الطفل ثم ملكوا بوران بنت أبرويز ودفعت أمر الدولة إلى قبائل شهريران من حرس الملك وهو فروخ بن ماخدشيراز من أهل إصطخر ورفعت رتبته وأسقطت الخراج عن الناس وأمرت برم القناطير والجسور وضرب الورق وردت خشبة الصليب على الجاثيليق ملك إلى الروم وهلكت لسنة وأربعة أشهر‏.‏ وملكوا بعدها خشنشده من عمومة أبرويز عشرين يوماً فملك أقل من شهر‏.‏ ثم ملك أزرميدخت بنت أبرويز وكانت من أجل نسائهم‏.‏ وكان عظيم فارس يومئذ فروخ هرمز أصبهبذ خراسان فأرسل إليها في التزويج فقالت هو حرام على الملكة ودعته ليلة كذا فجاء وقد عهدت إلى صاحب حرسها أن يقتله ففعل فأصبح بدار الملك قتيلاً وأخفى أثره‏.‏ وكان لما سار إلى أزرميدخت استخلف خراسان ابنه رستم‏.‏ فلما سمع بخبر أبيه أقبل في جند عظيم حتى نزل المدائن وملكها وسمل أزرميدخت وقتلها وقيل سمها فماتت وذلك لستة أشهر من ملكها‏.‏ وملكوا بعدها رجلاً من نسل أردشير بن بابك وقتل لأيام قلائل‏.‏ وقيل بل هو من ولد أبرويز اسمه فروخ زاد بن خسرو وجدوه بحصن الحجارة قريب نصيبين فجاؤوا وقيل لما قتل كسرى ابن مهرخشنش طلب عظماء فارس من يولونه الملك ولو من قبل النساء فأتي برجل وجد بميسان اسمه فيروز بن مهرخشنش ويسمى أيضاً خشنشدة أمه صهاربخت بنت يرادقرار بن أنو شروان فملكوه كرهاً ثم قتلوه بعد أيام قلائل‏.‏ ثم شخص رجل من عظماء الموالي وهو رئيس الخول إلى ناحية الغرب فاستخرج من حصن الحجارة قرب نصيبين ابناً لكسرى كان لجأ إلى طبسون فملكوه ثم خلعوه وقتلوه لستة أشهر من ملكه‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ كان أهل إصطخر قد ظفروا بيزدجرد بن شهريار بن أبرويز فلما بلغهم أن أهل المدائن عصوا على خسرو فروخ زاذ أتوا بيزدجرد من بيت النار الذي عندهم ويدعى أردشير فملكوه باصطخر وأقبلوا به إلى المدائن وقتلوا فروخ زاذ خسرو لسنة من ملكه‏.‏ واستقل يزدجرد بالملك‏.‏ وكان أعظم وزرائه رئيس الموالي الذي جاء بفرخزاد خسرو من حصن الحجارة وضعفت مملكة فارس وتغلب الأعداء على الأطراف من كل جانب‏.‏ فزحف إليهم العرب المسلمون بعد سنتين من ملكه وقيل بعد أربع‏.‏ فكانت أخبار دولته كلها هي أخبار الفتح نذكرها هنالك إلى أن قتل بمرو بعد نيف وعشرين سنة من ملكه‏.‏ هذه هي سياقة الخبر عن دولة هؤلاء الأكاسرة الساسانية عند الطبري‏.‏ ثم قال آخرها‏:‏ فجميع سني العالم من آدم إلى الهجرة على ما يزعمه اليهود أربعة آلاف سنة وستمائة واثنان وأربعون سنة وعلى ما يدعيه النصارى في توراة اليونانيين ستة آلاف سنة غير ثمان سنين وعلى ما يقوله الفرس إلى مقتل يزدجرد أربعة آلاف ومائة وثمانون سنة ومقتل يزدجرد عندهم لثلاثين من الهجرة‏.‏ وأما عند أهل الإسلام فبين آدم ونوح عشرة قرون والقرن مائة سنة وبين نوح وإبراهيم كذلك وبين إبراهيم وموسى كذلك‏.‏ ونقله الطبري عن ابن عباس وعن محمد بن عمرو بن واقد الإسلامي عن جماعة من أهل العلم‏.‏ وقال إن الفترة بين عيسى وبين محمد صلى الله عليه وسلم ستمائة سنة ورواه عن سلمان الفارسي وكعب الأحبار والله أعلم بالحق في ذلك والبقاء لله الواحد القهار‏.‏

ميارى 4 - 8 - 2010 01:39 AM

الخبر عن دولة يونان والروم و أنسابهم ومصايرهم كان هؤلاء الأمم من أعظم أمم العالم وأوسعهم ملكاً وسلطاناً
وكانت لهم الدولتان العظيمتان للإسكندر والقياصرة من بعده الذين صبحم الإسلام وهم ملوك بالشام‏.‏ ونسبهم جميعاً إلى يافث باتفاق من المحققين إلا ما ينقل عن الكندي في نسب يونان إلى عابر بن فالغ وأنه خرج من اليمن بأهله وولده مغاضباً لأخيه قحطان فنزل ما بين الأفرنجة والروم فاختلط نسبه بهم وقد تخلط يونان بقحطان ضلة لعمري لقد باعدت بينهما جدا ولذلك يقال إن الإسكندر من تبع وليس شيء من ذلك بصحيح وإنما الصحيح نسبهم إلى يافث‏.‏ ثم إن المحققين ينسبون الروم جميعاً إلى يونان الإغريقيون منهم واللطينيون‏.‏ ويونان معدود في التوراة من ولد يافث لصلبه واسمه فيها يافان بفاء تقرب من الواو فعربته العرب إلى يونان‏.‏ وأما هروشيوش فجعل الغريقيين خمس طوائف منتسبين إلى خمسة من أبناء يونان وهم‏:‏ كيتم وحجيلة وترشوش وددانم وإيشاي‏.‏ وجعل من شعوب إيشاي سجيبية وأثناش وشمالا وطشال ولجدمون‏.‏ ونسب الروم اللطينيين فيهم ولم يعين نسبهم في أحد من الخمسة ونسب الإفرنج إلى غطرما بن عومر بن يافث‏.‏ وقال‏:‏ إن الصقالبة إخوانهم في نسبه‏.‏ وقال‏:‏ إن الملك كان في هذه الطوائف لبني أشكال بن غومر والملوك منهم هؤلاء الغريقيون قبل يونان وغيرهم‏.‏ ونسب القوط إلى ماداي بن يافث وجعل من إخوانهم الأرمن‏.‏ ثم نسب القوط مرة أخرى إلى ماغوغ بن يافث وجعل اللطينيين من إخوانهم في ذلك النسب‏.‏ ونسب القاللين منهم إلى رفنا بن غومار‏.‏ ونسب إلى طوبال بن يافث الأندلس والإيطاليين والأركاديين‏.‏ ونسب إلى طبراش بن يافث أجناس الترك واسم الغريقيين عنده يشمل أبناء يونان كلهم كما ذكره‏.‏ وينوع الروم إلى الغريقيين واللطينيين‏.‏ وقال ابن سعيد فيما نقله من تواريخ المشرق عن البيهقي وغيره‏:‏ إن يونان هو ابن علجان بن يافث قال‏:‏ ولذلك يقال لهم العلوج ويشركهم في هذا النسب سائر أهل الشمال من غير الترك‏.‏ وإن الشعوب الثلاثة من ولد يونان‏:‏ فالاغريقيون من ولد أغريقش بن يونان والروم من ولد رومي بن يومان واللطينيون من ولد لطين بن يونان وإن الإسكندر من الروم منهم والله أعلم‏.‏ ونحن الآن نذكر أخبار الدولتين الشهيرتين منهم مبلغ علمنا والله الموفق للصواب سبحانه وتعالى‏.‏


الخبر عن دولة يونان والإسكندر منهم وما كان لهم من الملك والسلطان إلى انقراض أمرهم هؤلاء اليونانيون المتشبعون إلى الغريقيين واللطينيين
كما قلناه اختصوا بسكنى الناحية الشمالية من المعمور مع إخوانهم من سائر بني يافث كلهم كالصقالبة والترك والإفرنجة من ورائهم وغيرهم من شعوب يافث‏.‏ ولهم منها الوسط ما بين جزيرة الأندلس إلى بلاد الترك بالمشرق طولاً وما بين البحر المحيط والبحر الرومي عرضاً فمواطن اللطينيين منهم في الجانب الغربي ومواطن الغريقيين منهم في الجانب الشرقي والبحر بينهما خليج القسطنطينية‏.‏ وكان لكل واحد من شعبي الغريقيين واللطينيين منهم دولة عظيمة مشهورة في العالم واختص الغريقيون باسم اليونانيين وكان منهم الاسكندر المشهور الذكر أحد ملوك العالم وكانت ديارهم كما قلناه بالناحية الشرقية من ثم استولى على ما وراء ذلك من بلاد الترك والعراق والهند ثم جال أرمينية وما وراءها من بلاد الشام وبلاد مقدونية ومصر والإسكندرية وكان ملوكهم يعرفون بملوك مقدونية‏.‏ وذكر هروشيوش مؤرخ الروم من شعوب هؤلاء الغريقيين نحو لجدمون‏.‏ وبنو أنتناش‏.‏ قال‏:‏ وإليهم ينسب الحكماء الأنتاشيون وهم ينسبون لمدينتهم أجدة أنتاش‏.‏ قال‏:‏ ومن شعوبهم أيضاً بنو طمان ولجدمون كلهم بنو شمالا بن إيشاي وقال في موضع آخر‏:‏ لجدمون أخو شمالا‏.‏ وكانت شعوب هذه الأمة قبل الفرس والقبط وبني إسرائيل متفرقة بافتراق شعوبها وكان بينهم وبين إخوانهم اللطينيين فتن وحروب‏.‏ ولما استفحل ملك فارس لعهد الكينية أرادوهم على الطاعة لهم فامتنعوا وغزتهم فارس فاستصرخوا عليهم بالقبط فسالموهم إلى محاربة الغريقيين حتى أذلوهم وأخذوا الجزى منهم وولوا عليهم‏.‏ ويقال أن أفريدون ولى عليهم ابنه‏.‏ وأن جده الإسكندر لأبيه من أعقابه‏.‏ ويقال‏:‏ إن بختنصر لما ملك مصر والمغرب أنفوه بالطاعة وكانوا يحملون خراجهم إلى ملك فارس عدداً من كرات الذهب أمثال البيض ضريبة معلومة عليهم في كل سنة‏.‏ ولما فرغوا من شأن أهل فارس وأنفوا ملكهم بالجزى والطاعة صرفوا وجوههم إلى حرب الليطينيين ثم استفحل أمر الإيشائيين من الغريقيين ولم يكن قوامهم إلا الجرمونيون فغلبوهم وغلبوا بعدهم اللطينيين والفرناسيين والأركاديين‏.‏ واجتمع إليهم سائر شعوب الغريقيين واعتز وقال ابن سعيد‏:‏ إن الملك استقر بعد يونان في ابنه أغريقش في الجانب الشرقي من خليج قسطنطينية وتوالى الملك في ولده وقهروا اللطينيين والروم ودال ملكهم في أرمينية وكان من أعظمهم هرقل الجبار بن ملكاًن بن سلقوس بن أغريقش‏.‏ يقال‏:‏ إنه ضرب الأتاوة على الأقاليم السبعة وملك بعده ابنه يلاق وإليه تنسب الأمة اليلاقية وهي الآن باقية على بحر سودان‏.‏ واتصل الملك في عقب يلاق إلى أن ظهر إخوانهم الروم واستبدوا بالملك‏.‏ وكان أولهم هردوس بن منطرون بن رومي ابن يونان‏.‏ فملك الأمم الثلاثة وصار اسمه لقباً لكل من ملك بعده‏.‏ وسمت به يهود الشام كل من قام بأمرها منهم‏.‏ ثم ملك بعده ابنه هرمس‏.‏ فكانت له حروب مع الفرس إلى أن قهروه وضربوا عليه الأتاوة فاضطرب حينئذ أمر اليونانيين وصاروا دولاً وممالك‏.‏ وانفرد الإغريقيون برئيس لهم وصنع مثل ذلك اللطينيون إلا أن اللقب بملك الملوك كان لملك الروم‏.‏ ثم ملك بعده ابنه مطريوش فحمل الأتاوة لملك الفرس لاشتغاله بحرب اللطينيين والإغريقيين‏.‏ وملك بعده ابنه فيلفوش وكانت أمه من ولد أفريدون الذي ملكه أبوه على اليونان فظهر وهدم مدينة أغريقية وبنى مدينة مقدونية في وسط الممالك بالجانب الغربي من الخليج‏.‏ وكان محباً للحكمة فلذلك كثر ثم ملك من بعده ابنه الإسكندر وكان معلمه من الحكماء أرسطو‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ إن أباه فيلفوش إنما ملك بعد الاسكندر ابن تراوش أحد ملوكهم العظماء‏.‏ وكان فيلفوش صهراً له على أخته لينبادة بنت تراوش وكان له منها الإسكندر الأعظم‏.‏ قال وكان ملك الإسكندر بن تراوش لعهد أربعة آلاف وثمانمائة من عهد الخليقة ولعهد أربعمائة أو نحوها من بناء رومة‏.‏ وهلك وهو محاصر لرومة قتله اللطينيون عليها لسبع سنين من دولته‏.‏ فولي أمر الغريقيين والروم من بعده صهره على أخته لينبادة فيلفوش بن آمنتة بن هركلش‏.‏ واختلفوا عليه فافترق أمرهم وحاربهم إلى أن انقادوا وغلبهم على سائر أوطانهم وأراد بناء القسطنطينية فمنعه الجرمانيون بما كانت لهم فقاتلهم حتى استلحمهم واجتمع إليه سائر الروم والغريقيين من بني يونان‏.‏ وملك ما بين المانية وجبال أرمينية‏.‏ وكان الفرس لذلك العهد قد استولوا على الشام ومصر فاعتزم فيلوفش على غزو الشام فاغتاله في طريقه بعض اللطينيين وقتله بثأر كان له عنده‏.‏ وولي من بعده ابنه الإسكندر فاستمر على مطالبة بلاد الشام وبعث إليه ملوك فارس في الخراج على الرسم الذي كان لعهد أبيه فيلفوش فبعث إليه الإسكندر إني قد ذبحت تلك الدجاجة التي كانت تبيض الذهب وأكلتها‏.‏ ثم زحف إلى بلاد الشام واستولى عليها وفتح بيت المقدس وقرب فيه القربان وذلك لعهد مائتين وخمسين من فتح بختنصر إياها‏.‏ وامتعض أهل فارس لانتزاعه إياها من ملكتهم فزحف إليه دارا في ستين ألفاً من الفرس ولقيه الإسكندر في ستمائة ألف من قومه فغلبهم وفتح كثيراً من مدن الشام ورجع إلى طرسوس فزحف إليه دارا ولقيه عليها فهزمه الإسكندر وافتتح طرسوس ومضى وبنى الإسكندرية‏.‏ ثم تزاحف مع دارا وهزمه وقتله وتخطى إلى فارس فملك بلادها وهدم مدينة الملك بها وسبى أهلها وأشار عليه معلمه إلى أرسطو بأن يجعل الملك في أسافلهم لتتفرق كلمتهم ويخلص إليه أمرهم‏.‏ فكاتب الإسكندر ملوك كل ناحية من الفرس والنبط والعرب وملك على كل ناحية وتوجه فصاروا طوائف في ملكهم‏.‏ واستبد كل واحد منهم بجهة كان ملكها لعقبه‏.‏ ومعلمه أرسطو هذا من اليونانيين وكان مسكنه أثينا وكان كبير حكماء الخليقة غير منازع‏.‏ أخذ الحكمة عن أفلاطون اليوناني‏.‏ كان يعلم الحكمة وهو ماش تحت الرواق المظلل له من حر الشمس فسمي تلاميذه بالمشائين وأخذ أفلاطون عن سقراط ويعرف بسقراط الدن بسكناه في دن من الخزف اتخذه لرهبانيته وقتله قومه أهل يونان مسموماً لما نهاهم عن عبادة الأوثان‏.‏ وكان هو أخذ الحكمة عن فيثاغورس منهم‏.‏ ويقال‏:‏ إن فيثاغورس أخذ عن تاليس حكيم ملطية وأخذ تاليس عن لقمان‏.‏ ومن حكماء اليونانيين دميقراطيس وأنكسيثاغورس كان مع حكمته مبرزاً في علم الطب وبعث فيه بهمن ملك الفرس إلى ملك يونان فامتنع من إيفاده عليه ضنانة به‏.‏ وكان من تلامذته جالينوس لعهد عيسى عليه السلام ومات بصقلية ودفن بها‏.‏ ولما استولى الإسكندر على بلاد فارس تخطاها إلى بلاد السند فملكها وبنى بها مدينة سماها الإسكندرية‏.‏ ثم زحف إلى بلاد الهند فغلب على أكثرها وحاربه فور ملك الهند فانهزم وأخذه الإسكندر أسيراً بعد حروب طويلة وغلب على جميع طوائف الهنود وملك بلاد الصين والسند وذللت إليه الملوك وحملت إليه الهدايا والخراج من كل ناحية‏.‏ وراسله ملوك الأرض من أفريقية والمغرب والإفرنجة والصقالبة والسودان‏.‏ ثم ملك بلاد خراسان والترك واختط مدينة الإسكندرية عند مصب النيل في البحر الرومي واستولى على الملوك‏.‏ يقال على خمسة وثلاثين ملكاً وعاد إلى بابل فمات بها‏.‏ يقال مسموماً سمه عامله على مقدونية لأن أمه شكته إلى الإسكندر فتوعده فأهدى له سماً وتناوله فمات لاثنتين وأربعين سنة من عمره بعد أن ملك اثنتي عشرة سنة‏:‏ سبعاً منها قبل مقتل دارا وخمساً بعده‏.‏ قال الطبري‏:‏ ولما مات عرض الملك على ابنه اسكندروس فاختار الرهبانية فملك يونان عليهم لوغوس من بيت الملك ولقبه بطليموس‏.‏ قال المسعودي‏:‏ ثم صارت هذه التسمية لكل من يملك منهم ومدينتهم مقدونية وينزلون الإسكندرية وملك منهم أربعة عشر ملكاً في ثلثمائة سنة‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ كان قسم الملك في حياته بين أربعة من أمرائه‏:‏ بطليموس فلدفوس كان على الإسكندرية وصر والمغرب وفيلفوس بمقدونية وما إليها من ممالك الروم وهو الذي سم الإسكندر ودمطرس بالشام وسلقوس بفارس والمشرق‏.‏ فلما مات استبد كل واحد بناحيته‏.‏ وكتب أرسطو شرح كتاب هرمس وترجمه من اللسان المصري إلى اليوناني وشرح ما فيه من العلوم والحكمة والطلسمات‏.‏ وكتاب الأسطماخيس يحتوي على عبادة الأول وذكر فيه أن أهل الأقاليم السبعة كانوا يعبدون الكواكب السيارة كل إقليم لكوكب ويسجدون له ويبخرون ويقربون ويذبحون‏.‏ وروحانية ذلك الكوكب تدبرهم بزعمهم‏.‏ وكتاب الإستماطيس يحتوي على فتح المدن والحصون بالطلسمات والحكم ومنها طلسمات لانزال المطر وجلب المياه‏.‏ وكتب الأشطرطاش في الاختبارات على سرى القمر في المنازل والاتصالات‏.‏ وكتب أخرى في منافع وخواص الأعضاء الحيوانيات والأحجار والأشجار والحشائش‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ إن الذي ملك بعد الإسكندر صاحب عسكره بطليموس بن لاوي فقام بأمرهم ونزل الإسكندرية واتخذها داراً لملكهم‏.‏ ونهض كلمنس بن الإسكندر وأمه بنت دارا ولينبادة أم الإسكندر وساروا إلى صاحب أنطاكية واسمه فمشاندر قتلهم‏.‏ واختلف الغريقيون على بطليموس وافترق أمره وحارب كل واحد منهم ناحيته إلى أن غلبهم جميعاً واستقام أمره‏.‏ ثم زحف إلى فلسطين وتغلب على اليهود وأثخن فيهم بالقتل والسبي والأسر‏.‏ ونقل رؤساءهم إلى مصر‏.‏ ثم هلك لأربعين سنة من ملكه وولي بعده ابنه فلديغيش وأطلق أسرى اليهود من مصر ورد الأواني إلى البيت وحباهم بآنية من الذهب وأمرهم بتعليقها في مسجد القدس وجمع سبعين من أحبار اليهود ترجموا له التوراة من اللسان العبراني إلى اللسان الرومي واللطيني‏.‏ ثم هلك فلديغيش لثمان وثلاثين سنة من ملكه وولي بعده ابنه أنطريس ويلقب أيضاً بطليموس لقبهم المخصوص بهم إلى آخر دولتهم‏.‏ فانعقدت السلم بينه وبين أهل أفريقية على مدعيون ملك قرطاجنة ووفد عليه وعقد معه الصلح عن قومه‏.‏ وزحف قواد رومة إلى الغريقيين ونالوا منهم‏.‏ ثم هلك أنطريس لست وعشرين سنة من ملكه وولي بعده أخوه فلوباذي فزحف إليه قواد رومة فهزمهم وجال في ممالكهم‏.‏ ثم كانت حروبه معهم بعدها سجالاً‏.‏ وزحف إلى اليهود فملك الشام عليهم وولى الولاة من قبله فيهم وأثخن بالقتل والسبي فيهم‏.‏ يقال إنه قتل منهم نحواً من ستين ألفاً‏.‏ وهلك لسبع عشرة سنة من ملكه وولي بعده ابنه إيفانش وعلى عهده كانت فتنة أهل رومة وأهل أفريقية التي اتصلت نحواً من عشرين سنة‏.‏ وافتتح أهل رومة صقلية وأجاز قوادهم إلى أفريقية وافتتحوا قرطاجنة كما نذكر في أخبارهم‏.‏ وهلك إيفانش لأربع وعشرين سنة من دولته‏.‏
وولي بعده بالإسكندرية ابنه فلوماطر فزحف الغريقيون إلى رومة وكان فيهم صاحب مقدونية وأهل أرمينية والعراق وظاهرهم مهلك النوبة واجتمعوا لذلك فغلبهم الرومانيون وأسروا صاحب مقدونية وهلك فلوماطر لخمس وثلاثين سنة من ملكه‏.‏ وولي بعده ابنه إيرياطس وعلى عهده استفحل ملك أهل رومة واستولوا على الأندلس وجازوا البحر إلى قرطاجنة بأفريقية فملكوها وقتلوا ملكها أشدريال وخربوا مدينتها بعد أن عمرت تسعمائة سنة من بنائها كما نذكره في أخبارها‏.‏ وزحف أيضاً أهل رومة إلى الغريقيين فغلبوهم وملكوا عليهم مدينتهم قرنطة من أعظم مدنهم‏.‏ يقال إنها كانت ثانية قرطاجنة‏.‏ ثم هلك إيرياطس لسبع وعشرين سنة من ملكه وولي بعده ابنه شوطار سبع عشرة سنة‏.‏ وعلى عهده استفحل ملك أهل رومة ومهدوا الأندلس‏.‏ وملك بعده أخوه الإسكندر عشر سنين ثم ابنه ديونشيس مائة وثلاثين سنة‏.‏ وعلى عهده استولى الرومانيون على بيت المقدس ووضعوا الجزية على اليهود وزحف قيصر يوليوس من قوادهم إلى الإفرنجة ولمياش أيضاً من قوادهم إلى الفرس فغلبوهم جميعاً ومما حولهم إلى أنطاكية واستولوا على ما كان لهم من ذلك وخرج الترك من بلادهم فأغاروا على مقدونية فردهم هامس قائد الرومانيين بالمشرق على أعقابهم‏.‏ وهلك ديونشيس فوليت بعده ابنته كلابطرة سنتين فيما قال هروشيوش لخمسة آلاف ونيف من مبدإ الخليقة ولسبعمائة سنة من بناء رومة‏.‏ وعلى عهدها استبد قيصر يوليوس بملك رومة وغلب عليها القواد أجمع ومحا دولتهم منها وذلك بعد مرجعه من حرب الإفرنج‏.‏ ثم سار إلى المشرق فملك إلى أرمينية ونازعه مبانش هنالك فهزمه قيصر وفر مبانش إلى مصر مستنجداً بملكتها - وهي يومئذ كلابطرة - فبعثت برأسه إلى قيصر خوفاً منه فلم يغنها ذلك وزحف قيصر إليها فملك مصر والإسكندرية من كلابطرة هذه وانقرض ملك اليونانيين وولي قيصر على مصر والإسكندرية وبيت المقدس من قبله وذلك لسبعمائة أو نحوها من بناء رومة ولخمسة آلاف من مبدإ الخليقة‏.‏ وذكر البيهقي أن كلابطرة زحفت إلى أرض اللطينيين وقهرتهم وأرادت العبور إلى الأندلس فحال دونها الجبل الحاجز بين الأندلس والإفرنج فاستعملت في فتحه الحيل والنار حتى نفذت إلى الأندلس وإن مهلكها كان على يد أوغسطوس يوليوس ثاني القياصرة‏.‏ وكذا ذكر المسعودي وأنها ملكت اثنتين وعشرين سنة وكان زوجها أنطونيوس مشاركاً لها في ملك مقدونية ومضر وأن قيصر أوغسطوس زحف إليهم فهلك زوجها أنطونيوس في حروبه‏.‏ ثم أراد التحكم في كلابطرة ليستولي على حكمتها إذ كانت بقية الحكماء من آل يونان فخطبها وتحيلت في إهلاكه وإهلاك نفسها بعد أن اتخذت بعض الحيات القاتلة التي بين الشام والحجاز وأطلقتها بمجلسها بين رياحين نصبتها هنالك ولمست الحيات فهلكت لحينها وأقامت بمكانها كأنها جالسة ودخل أوغسطس لا يشعر بذلك حتى تناول من تلك الرياحين ليشمها فأصابته الحية وهلك لحينه وتمت حيلتها عليه‏.‏ وانقرض ملك اليونانيين بهلاكها وذهبت علومهم إلا ما بقي بأيدي حكمائهم في كتب خزائنهم حتى بعث عنها المأمون وأمر باستخراجها فترجمت له من هروشيوش‏.‏ وأما ابن العميد فعد ملوك مصر والاسكندرية بعد الإسكندر أربعة عشر آخرهم كلابطرة كلهم يسمون بطليموس كما قال المسعودي‏.‏ ولم يذكر ملوك المشرق منهم بعد الإسكندر ولا ملوك الشام ولا ملوك مقدونية الذين قسم الملك فيهم كما ذكرناه إلا بذكر ملك أنطاكية من اليونانيين ويسميه أنطيوخس كما ذكرناه الآن‏.‏ وذكر في أسماء ملوك مصر هؤلاء وفي عددهم خلافاً كثيراً إلا أنه سمى كل واحد منهم بطليموس‏.‏ فقال في بطليموس الأول إنه أخو الإسكندر أو مولاه اسمه‏:‏ فلافاذافسد أو أرنداوس أو لوغس أوفيلبس ملك سبعاً وقيل أربعين‏.‏ قال وفي عصره بنى سلقيوس وأظنه ملك المشرق منهم قمامة وحلب وقنسرين وسلوقية واللاذقية‏.‏ قال ومنها كان الكوهن الأعظم بالقدس سمعان بن خونيا وبعده أخوه ألعازر قال وفي التاسعة من لوغش جاء أنطيوخس المعظم إلى بلاد اليهود واستعبدهم‏.‏ وفي الحادية عشر حارب الروم فغلبوه وأسروه وأخذوا منه ابنه أقفاقس رهينة‏.‏ وفي الثالثة عشر تزوج أنطيوخس كلابطرة بنت لوغس زوجها له أبوها وأخذ سورية بلاد المقدس في مهرها‏.‏ وفي التاسعة عشر وثب أهل فارس والمشرق على ملكهم فخلعوه وولوا ابنه ثم هلك لوغس‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ بعد مائة وإحدى وثلاثين سنة لليونان ملك بطليموس بن الإسكندروس ويلقب غالب أثور وملك مصر والإسكندرية والبلاد الغربية إحدى وعشرين سنة وقيل ثمانياً وثلاثين سنة ويسمى أيضاً فيلادلفوس أي‏:‏ محب أخيه وهو الذي استدعى أحبار اليهود وعلماءهم الاثنين وسبعين يترجموا له التوراة وكتب الأنبياء من العبرانية إلى اليونانية وقابلوها بنسخهم فصحت‏.‏ وكان من هؤلاء الأحبار سمعان المذكور أولاً وعاش إلى أن حمل على ذراعيه في الهيكل ومات ابن ثلثمائة وخمسين‏.‏ سبعين سنة‏.‏ ويظهر من هذا أن بطليموس هو تلماي وإنه من ملوك مقدونية وملك مصر لان ابن كريون قال‏:‏ وفي ذلك الزمان كان تلماي من أهل مقدونية ملك مصر وكان يحب العلوم‏.‏ فاستدعى من اليهود سبعين من أحبارهم وترجموا له التوراة وكتب الأنبياء‏.‏ وكان في عصره صادوق الكوهن انتهى‏.‏ وملك خمساً وأربعين سنة وملك بعده بطليموس الأرنبا وقيل اسمه رغادي وقيل راكب الأنبر ملك أربعاً وعشرين وقيل سبعاً وعشرين وهو الذي بنى ملعب الخيل باسكندرية الذي أحرق في عصر زينون قيصر‏.‏ وملك بعده بطليموس محب أخيه ويقال أوغسطس ويقال فيلادلفس ملك ست عشرة سنة وكان في عصره أخميم الكوهن‏.‏ وملك بعده بطليموس الصائغ ويقال أخيه ملك خمس سنين وقيل خمساً وعشرين‏.‏ وعلى عهده كان اليهود الكوهن وكان ضالاً غشوماً وقتله بعض خدمه خنقاً‏.‏ و ملك بعده بطليموس محب أبيه وقيل اسمه فيلوباطر ملك سبع عشرة سنة وأخذ الجزية من اليهود‏.‏ وملك بعده بطليموس المظفر وقيل الغالب وقيل محب أمه ملك عشرين وقيل أربعاً وعشرين‏.‏ وفي التاسع عشر من ملكه خرج متيتياً بن يوحنا بن شمعون الكوهن الأعظم ويعرف بحشمناي من بني يوناداب من نسل هارون‏.‏ وبعث أنطيوخس ملك أنطاكية ابنه ألغايش بالعساكر إلى القدس فأعمل الحيلة في ملكها وقتل ألعازر الكوهن وحمل بني إسرائيل على السجود لآلهته‏.‏ فهرب متيتا في جماعة من اليهود إلى الجبال‏.‏ حتى إذا خرجت عساكر يونان رجع إلى القدس ومر بالمذبح فوجد يهودياً يذبح خنزيراً عليه‏.‏ وثار باليونانيين فقتل قائدهم وأخرجهم واستبد بملك القدس كما ذكرناه في أخباره‏.‏ ثم ملك بطليموس فيلوباطر أي‏:‏ محب أبيه خمساً وعشرين سنة وقيل عشرين‏.‏ وكان في أيامه بالقدس يهوذا بن متيتيا وبعده أخوه يوناداب وبعده أخوه شمعون وبعده أخوه هرقانوس واسمه يوحنان وهو أول من تسمى بالملك من بني حشمناي‏.‏ وبعث ابنه يوحنا بالعساكر لقتال قيدونوس قائد أنطيوخس فغلبه‏.‏ وارتفع عن اليهود الخراج الذي كانوا يعطونه لملوك سورية من أيام فيلبوس ملك المشرق‏.‏ وملك بعده بطليموس أرغادي أي الفاضل وقيل بطليموس الصايغ وقيل سانيطر ملك عشرين وقيل ثلاثاً وعشرين وقيل ثلاثة عشر‏.‏ ولعهده جدد أنطيوخس بناء أنطاكية وسماها باسمه‏.‏ ولعهده كان ملك هرقانوس على القدس وبنيه الثلاثة وخرب مدينة السامرة سبسطية ولعهده أيضاً زحف أنطيوخس إلى القدس وحاصرها فصانعه هرقانوس بثلثمائة كرة من الذهب استخرجها من قبر داود عليه السلام‏.‏ ثم ملك على مصر والإسكندرية بطليموس المخلص وقيل مقروطون وقيل شعري ملك ثماني عشرة وقيل عشرين وقيل سبعاً وعشرين ولعهده كان الإسكندروس تلماي بن هرقانوس سابع بني حشمناي بالقدس‏.‏ وكانت فرق اليهود عندهم ثلاثة‏:‏ الربانيون ثم القراوون وهم في الإنجيل زنادقة وهم في الإنجيل الكتبة‏.‏ ثم على مصر بطليموس محب أمه وقيل الإسكندروس وقيل قيقتس وقيل الإسكندر وقيل ابن المخلص ملك عشر سنين لا غير‏.‏ ولعهده كانت الإسكندرة ملكة على بيت المقدس‏.‏ ولعهده بطلت مملكة سورية لمائتين وسبع عشرة سنة من ملك يونان‏.‏ وقتل بطليموس هذا قتله أهل إهراقية وأحرقوه‏.‏ ثم ملك على مصر بطليموس فيناس وقيل إيزيس وقيل المنفي لأن كلابطرة الملكة نفته عن الملك وملك ثمان سنين وقيل ثلاثاً وعشرين يوماً وقيل ثمانية عشر يوماً‏.‏ وبعضهم أسقطه من البطالسة ولم يذكره‏.‏ ثم ملك على مصر بطليموس يوناشيش إحدى وعشرين سنة وقيل إحدى وثلاثين وقيل ثلاثين‏.‏ ولعهده كان أرستبلوس وأخوه هرقانوس على القدس‏.‏ ثم ملك على مصر كلابطرة بنت ديوناشيش ومعنى هذا الاسم الساكنة على الصخرة‏.‏ وملكت ثلاثين وقيل اثنتين وعشرين وكانت حاذقة‏.‏ وفي الثالثة من ملكها حفرت خليج الإسكندرية وجرى فيه الماء‏.‏ وبنت باسكندرية هيكل زحل والعاروص وبنت مقياساً بأخميم وآخر بمدينة أنصناء‏.‏ وفي الرابعة من ملكها ملك برومة أغانيوس أول القياصرة ملك أربعاً ثم يوليوس بعده ثلاثاً ثم أغسطس بن مونوجس فاستولى على الممالك والنواحي وبلغ خبره إليها فحصنت بلادها وبنت حائطاً من الفرماء إلى النوبة شرقي النيل وحائطاً آخر من إسكندرية إلى النوبة غربي النيل وهو حائط العجوز لهذا العهد وبعث أوغسطس العساكر إلى مصر مع قائده أنطريوس ومعه متردات ملك الأرمن فخادعت كلابطرة أنطريوس وأوعدته بتزويجها فقتل رفيقه متردات وتزوجها وعصى أوغسطس‏.‏ فسار أوغسطس إليها وملك مصر وقتل كلابطرة وولديها وقائده بطريوس الذي تزوجها‏.‏ ويقال إنها وضعت له سماً في مجلسها وإن أوغسطس تناوله ومات والله أعلم‏.‏ وانقرضت مملكة يونان من مصر والاسكندرية والمغرب بملكها وصارت هذه الممالك للروم إلى حين الفتح الإسلامي‏.‏ انتهى كلام ابن العميد‏.‏ والخلاف الذي ينقله عن جماعة مؤرخيهم يذكر منهم سعيد بن بطريق ويوحنا فم الذهب والمنجي وابن الراهب وابيفانيوس‏.‏ والظاهر أنهم من مؤرخي النصارى والبقاء لله الواحد القهار سبحانه لا إله غيره ولا معبود سواه‏.‏

ميارى 4 - 8 - 2010 01:41 AM

الخبر عن اللطينيين وهو الكيتم المعروفون بالروم من أمم يونان و أشياعهم وشعوبهم
وما كان لهم من الملك والغلب وذكر الدولة التي فيهم للقياصرة وأولية ذلك ومصايره هذه الأمة من أشهر أمم العالم وهي ثانية الغريقيين عند هروشيوش ويجتمعان في نسب يونان‏.‏ وثالثتهم عند البيهقي ويجتمعون في نسب يونان بن علجان بن يافث‏.‏ واسم الروم يشملهم ثلاثتهم لما كان الروم أهل المملكة العظمى منهم‏.‏ ومواطن هؤلاء الليطينيين بالناحية الغربية من خليج القسطنطينية إلى بلاد الإفرنجة فيما بين البحر المحيط والبحر الرومي من شماليه‏.‏ وملك هذه الأمة قديماً‏.‏ كانت لهم مدينة اسمها طروبة وذكر هروشيوش أن أول من ملك من الليطينيين ألفنس بن شطرنش بن أيوب وذلك لعهد دائرة بني إسرائيل وقد مر ذكرها‏.‏ وفي آخر الألف الرابع من مبدإ الخليقة‏.‏ وملك من بعده ابنه بريامش واتصل الملك في عقب ألفنس هذا وإخوته وكان منهم كرمنس بن مرسية بن شيبن بن مزكة الذي ألف حروف اللسان اللطيني وأثبتها ولم تكن قبله‏.‏ وذلك على عهد يؤاثير بن كلعاد من حكام بني إسرائيل بعد أربعة آلاف وخمسين من مبدإ الخليقة‏.‏ وكان بين هؤلاء اللطينيين وبين الغريقيين إخوانهم فتن طويلة وعلى يدهم خربت طروبة مدينة اللطينيين لعهد أربعة آلاف ومائة وعشرين من مبدإ الخليقة أيام عبدون ملك بني إسرائيل وقد مر ذكره‏.‏ وكان ملكهم يومئذ أناش من عقب بريامش بن ألفنس بن شطرنش‏.‏ وولي بعده ابنه أشكانيش بن أناس وهو الذي بنى مدينة ألبا‏.‏ ثم اتصل الملك فيهم إلى أن افترق أمرهم‏.‏ ثم كان من أعقابهم برقاش أيام انقراض ملك الكلدانيين‏.‏ وصار للمازنيين والقضاعيين على عهد عزيا بن أمصيا من ملوك بني إسرائيل ولعهد أربعة آلاف ومائة وعشرين سنة من مبدإ الخليقة فصار الأمر في اللطينيين لبرقاش هذا بتولية ملك المازنيين ما كان لهم وللسرينيين قبلهم من الصيت في العالم والتفوق على الملوك بنسبهم وعصبيتهم‏.‏ ثم إتصل الملك لابنه ولحافديه روملس وداموس وهما اللذين اختطا مدينة روما وذلك لعهد أربعة آلاف وخمسمائة سنة من مبدإ الخليقة وعلى عهد حزقيا بن آحآز ملك بني إسرائيل ولأربعمائة ونيف من خراب مدينة طروبة‏.‏ وكان طول مدينة رومة من الشمال إلى الجنوب عشرين ميلاً في عرض اثني عشر ميلاً وارتفاع سورها ثمانية وأربعون ذراعاً في عرض عشرة أذرع وكانت من أحفل مدن العالم‏.‏ و تزل دارا مملكة اللطينيين والقياصرة منهم حتى صبحهم الإسلام وهي في ملكهم‏.‏ وكان اللطينيون بعد رملس وداموس وانقراض عقبهم قد سئموا ولاية الملوك عليهما فعزلوهم وصار أمرهم شورى بين الوزراء وكانوا يسمونهم القنشلش ومعناه الوزراء بلغتهم‏.‏ وكان عددهم سبعين على ما ذكر هروشيوش‏.‏ ولم يزل أمرهم على ذلك مدة سبعمائة سنة إلى أن استبد عليهم قيصر يوليوس بن غايش أول ملوك القياصرة كما نذكره بعد‏.‏ وكانت لهم حروب مع الأمم المجاورة لهم من كل جهة فحاربوا اليونانيين ثم حاربوا الفرس من بعدهم واستولوا على الشام ومصر‏.‏ ثم ملكوا جزيرة الأندلس ثم جزيرة صقلية ثم أجازوا إلى أفريقية فملكوها وخربوا قرطاجنة‏.‏ وأجاز أهل أفريقية إليهم وحاصروا رومة واتصلت الفتن بينهم عشرين سنة أو نحوها على ما نذكر وذهب جماعة من الإخباريين إلى أن الروم من ولد عيصو بن إسحاق عليه السلام‏.‏ قال ابن كريون‏:‏ كان لليفاز ابن عيصو ولد اسمه صفوا ولما خرج يوسف من مصر ليدفن أباه يعقوب في مدينة الخليل عليه السلام اعترضه بنو عيصو وقاتلوه فهزمهم وأسر منهم صفوا بن أليفاز وبعثه إلى أفريقية فصار عند ملكها واشتهر بالشجاعة وحدثت الفتنة بين أغنياس وبين الكيتم وراء البحر فأجاز إليهم أغنياس في أهل أفريقية وأثخن فيهم وظهرت شجاعة صفوا بن أليفاز‏.‏ ثم هرب صفوا إلى الكيتم وعظم بينهم وحسن أثره في أهل أفريقية وفي الأمم المجاورة لكيتم من أموال وغيرها فزوجوه وملكوه عليهم‏.‏ قال‏:‏ وهو أول من ملك في بلاد أسبانيا وأقام ملكاً خمساً وخمسين سنة‏.‏ ثم عد ابن كريون بعده ستة عشر ملكاً من أعقابه آخرهم روملس باني رومة وكان لعهد داود عليه السلام وخاف منه فوضع مدينة رومة وبنى على جميعها هياكله ونسبت المدينة إليه وسميت باسمه وسمى أهنها الروم نسبة إليها‏.‏ ثم عد بعد روملس خمسة من الملوك الهيكل وأجمع أهل رومة أن لايولوا عليهم ملكاً‏.‏ وقدموا شيوخاً ثلثمائة وعشرين يدبرون ملكهم فاستقام أمرهم كما يجب إلى أن تغلب قيصر وسمى نفسه ملكاً فصاروا من بعده يسمون ملوكاً‏.‏ انتهى كلام ابن كريون وهو مناقض لما قاله هروشيوش‏.‏ فإنه زعم أن بناء رومة كان لعهد داود عليه السلام وهروشيوش قال إنه كان لعهد حزقيا رابع عشر ملوك بني يهوذا من لدن داود عليه السلام وبين المدتين تفاوت‏.‏ وخبر هروشيوش مقدم لأن واضعيه مسلمان كانا يترجمان لخلفاء الإسلام بقرطبة وهما معروفان ووضعا الكتاب‏.‏ فالله أعلم بحقيقة الأمر في ذلك‏.‏


الخبر عن فتنة الكيتم مع أهل أفريقية وتخريب قرطاجنة ثم بناؤها على الكيتم وهم اللطينيون
كان بناء قرطاجنة هذه قبل بناء رومة باثنتين وسبعين سنة‏.‏ قال هروشيوش على يدي ديدن بن أليثا من نسل عيصو بن إسحاق وكان بها أمير يسمى ملكون وهو الذي بعث إلى الإسكندر بطاعته عند استيلائه على طرسوس‏.‏ ثم صار ملك أفريقية إلى أملقا من ملوكهم فافتتح صقلية وهاجت الحرب بينه وبين الرومانيين وأهل الإسكندرية بسبب أهل سردانية وذلك لخمسين سنة من بناء رومة‏.‏ ثم وقعت السلم بينهم وهي السلم التي وفد فيها عتون من ملوك ثم ولى بقرطاجنة أملقا ابنه أنبيل فأجاز إلى بلاد الإفرنج وغلبهم على بلادهم وزحف إليه قواد رومة فوالى عليهم الهزائم وبعث أخاه أشدريال إلى الأندلس فملكها وخالفه قواد الرومانيين إلى أفريقية بعد أن ملكوا من حصون صقلية أربعين أو نحوها‏.‏ ثم أجازوا إلى أفريقية فملكوها وقتلوا غشول خليفة أنبيل فيها وافتتحوا مدينة جردا‏.‏ وخرج آخرون من قواد رومة إلى الأندلس فهزموا أشدريال واتبعوه إلى أن قتلوه وفر أخوه أنهبيل عن بلادهم بعد ثلاث عشرة سنة من إجازته إليهم‏.‏ وبعد أن حاصر رومة وأثخن في نواحيها فلحق بافريقية ولقيه قواد أهل رومة الذين أجازوا إلى أفريقية فهزموه وحاصروه بقرطاجنة حتى سأل الصلح على أن يغرم لهم ثلاثة آلاف قنطار من الفضة فأجابوه إليه وسكنت الحرب بينهم ثم ظاهر بعد ذلك أنبيل صاحب أفريقية ملوك السرياينين على حرب أهل رومة فهلك في حربهم مسموماً‏.‏ وبعد أن تخلص أهل رومة من تلك الحروب رجعوا إلى الأندلس فملكوها ثم أجازوا البحر إلى قرطاجنة ففتحوها وقتلوا ملكها يومئذ أنبيل وخربوها لتسعمائة سنة من بنائها وسبعمائة لبناء رومة‏.‏ ثم دارت الحرب بين أهل رومة وملك النوبة واستظهر ملك النوبة بالبربر بعد أن هزموا أهل رومة واتبعوه إلى قفصة فملكوها واستولوا على ذخيرتها وهي من بناء أركلش الجبار ملك الروم وهزمهم أهل رومة فخافهم مالك البربر من ملوك النوبة إلى أن هلك في أسرهم وكانت هذه الحروب لعهد بطليموس الإسكندر بعد أن كان قواد رومة اجتمعوا على بناء قرطاجنة وتجديدها لاثنتين وعشرين سنة من خرابها فعمرت واتصل بها لأهل رومة ملك على ما نذكره بعد أن شاء الله تعالى‏.‏


الخبر عن ملوك القياصرة من الكيتم وهم اللطينيون ومبد أ أمورهم ومصاير أحوالهم
لم يزل أمر هؤلاء الكيتم وهم اللطينيون راجعاً إلى الوزراء منذ سبعمائة سنة كما قلناه من عهد بناء رومة أو قبلها بقليل كما قال هروشيوش‏.‏ تقترع الوزراء في كل سنة فيخرج قائد منهم إلى كل ناحية كما توجبه القرعة فيحاربون أمم الطوائف ويفتحون الممالك‏.‏ وكانوا أولاً يعطون إخوانهم من الروم اليونانيين طاعة معروفة بعد الفتن والمحاربة حتى إذا هلك الإسكندر وافترق أمر اليونانيين والروم وفشلت ريحهم وقعت فتنة هؤلاء اللطينيين وهم الكيتم مع أهل أفريقية واستولوا عليها مراراً وخربوا قرطاجنة ثم بنوها كما ذكرناه‏.‏ وملكوا الأندلس وملكوا الشام وأرض الحجاز وقهروا العرب بالحجاز وافتتحوا بيت المقدس وأسروا ملكها يومئذ من اليهود وهو أرستبلوس بن الإسكندر ثامن ملوك بني حشمناي وغربوه إلى رومة وولوا قائدهم على ثم حاربوا ألغامس فكانت حروبهم معهم سجالاً إلى أن خرج يوليوس بن غايش ومعه ابن عمه لوجيار بن مدكة إلى جهة الأندلس وحارب من كان بها من الإفرنج والجلالقة إلى أن ملك بريطنية وأشبونة ورجع إلى رومة واستخلف على الأندلس أكتبيان ابن أخيه يونان‏.‏ فلما وصل إلى رومة وشعر الوزراء أنه يروم الاستبداد عليهم قتلوه فزحف أكتبيان ابن أخيه من الأندلس فأخذ بثأره وملك رومة واستولى على أرض قسطنطينية وفارس وأفريقية والأندلس‏.‏ وعمه بولس هو الذي تسمى قيصر فصار سمة لملوكهم من بعده‏.‏ وأصل هذا الاسم جاشر فعربته العرب إلى قيصر‏.‏ ولفظ جاشر مشترك عندهم فيقال جاشر للشعر‏.‏ وزعموا أن بولس ولد شعره نام يبلغ عينيه‏.‏ ويقال أيضاً للمشقوق جاشر‏.‏ وزعموا أن قيصر ماتت أمه وهي مقرب فبقر بطنها واستخرج بولس والأول أصح وأقرب إلى الصواب‏.‏ وكانت مدة بولس قيصر خمس سنين‏.‏ ولما ولى قيصر أكتبيان ابن أخته بملك الناحية الشمالية من الأرض ووفد عليه رسل الملوك بالمشرق يرغبون ولايته ويضرعون إليه في السلم فأسعفهم ودانت له أقطار الأرض‏.‏ وضرب الأتاوة على أهل الآفاق من الصغر وكان العامل على اليهود بالشام من قبله هيرودس بن أنظفتر وعلى مصر ابنه غايش‏.‏ وولد المسيح لاثنتين وأربعين سنة خلت من ملكه‏.‏ وهلك قيصر أكتبيان لست وخمسين من ملكه بعد وأما ابن العميد مؤر النصارى فذكر عن مبدإ هؤلاء القياصرة أن أمر رومة كان راجعاً إلى الشيوخ الذين يدبرون أمرهم وكانوا ثلثمائة وعشرين رجلاً لأنهم كانوا حلفوا أن لا يولوا عليهم ملكاً فكان تدبيرهم يرجع إلى هؤلاء وكانوا يقدمون واحداً منهم ويسمونه الشيخ وانتهى تدبيرهم في ذلك الزمان إلى أغانيوس فدبرهم أربع سنين وهو الذي سمي قيصر لأن أمه ماتت وهو جنين في بطنها فبقروا بطنها وأخرجوه‏.‏ ولما كبر انتهت إليه رياسة هؤلاء الشيوخ برومة أربع سنين‏.‏ ثم ولي من بعده يوليوس قيصر ثلات سنين ثم ولي من بعده أغسطس قيصر بن مرنوخس‏.‏ قال‏:‏ ويقال إن أوغسطس قيصر كان أحد قواد الشيخ مدبر رومة وتوجه بالعساكر لفتح المغرب والأندلس ففتحهما وعاد إلى رومة فملك عليهم وطرد الشيخ من رياسته بها وتدبيره ووافقته الناس على ذلك‏.‏ وكان للشيخ نائب بناحية المشرق يقال له فمقيوس فلما بلغه ذلك زحف بعساكره إلى رومة فخرج إليه أوغسطس فهزمه وقتله واستولى على ناحية المشرق وسير عساكره إلى فتح مصر مع قائدين من قواده وهما أنطونيوس ومتردات ملك الأرمن بدمشق فتوجها إلى مصر وبها يومئذ كلابطرة الملكة من قية البطالسة ملوك يونان بالإسكندرية ومصر فحصنت بلادها وبنت بعدوتي النيل حائطين مبدؤهما من النوبة إلى الإسكندرية غرباً وإلى ثم داخلت القائد أنطونيوس وخادعته بالتزويج فتزوجها وقتل رفيقه متردات وعصى على أوغسطس فزحف إليه وقتله وملك مصر وقتل كلابطرة وولديها وكانا يسميان الشمس والقمر‏.‏ وملك مصر والإسكندرية وذلك لاثنتي عشرة سنة من ملكه‏.‏ قال ولاثنتين وأربعين سنة من ملك أوغسطس ولد المسيح بعد مولد يحيى بثلاثة أشهر‏.‏ وذلك لتمام خمسة آلاف وخمسمائة سنة من سني العالم ولاثنتين وثلاثين من ملك هيردوس بالقدس وقيل لخمس وثلاثين من مملكته‏.‏ والكل متفقون على أنها لاثنتين وأربعين من ملك أوغسطس‏.‏ قال‏:‏ وسياقة التاريخ تقتضي أنها خمسة آلاف وخمسمائة شمسية من مبدإ العالم لأن من آدم إلى نوح ألفاً وستمائة ومن نوح إلى الطوفان ستمائة ومن الطوفان إلى إبراهيم ألفاً واثنتين وسبعين سنة ومن إبراهيم إلى موسى أربعمائة وخمساً وعشرين ومن موسى إلى داود عليهما السلام سبعمائة وستين ومن داود إلى الإسكندر سبعمائة وستين سنة ومن الإسكندر إلى مولد المسيح ثلثمائة وتسع عشرة سنة‏:‏ هكذا ذكر ابن العميد وأنها تواريخ النصارى وفيها نظر ويظهر من كلامه أن قيصر الذي سماه أوغسطس‏.‏ وذكر أن المسيح ولد لاثنتين وأربعين من ملكه هو الذي سماه هيردوس قيصر أكتبيان وجعل مهلكه لخمسة آلاف ومائتين من مبدإ الخليقة‏.‏ وعند ابن العميد أن ملكه لخمسة آلاف وخمسمائة وخمس عشرة والله أعلم بالحق من ذلك‏.‏ ثم ولي من بعده طباريش قيصر وكان وادعاً واستولى على النواحي وعلى عهده كان شأن المسيح وبغى اليهود عليه ورفعه الله من الأرض‏.‏ وأقام الحواريون من بعده واليهود يضطهدونهم ويحبسونهم علم إظهار أمرهم‏.‏ وكان بلاطس النبطي الذي كان قائداً على اليهود يسعى إلى طباريش بأخبار المسيح وبغي اليهود عليه وعلى يوحنا المعمدان وتبعتهم الحواريون من بعده بالأذية وأراه أنهم على حق فأمر بتخلية سبيلهم وهم بالأخذ بدينهم فمنعه من ذلك قومه‏.‏ ث م قبض على هيردوس وأحضره إلى رومة ثم نفاه إلى الأندلس فمات بها‏.‏ ثم ولى مكانه أغرياس ابن أخيه‏.‏ وافترق الحواريون في الآفاق لإقامة الدين وحمل الأمم على عبادة الله‏.‏ ثم قتل طباريش قيصر أغرياس ملك اليهود إلى أشر من حالهم وقتلوا أتباع الحواريين من الروم ومات طباريش لثلاث وعشرين من ملكه بعد أن جدد مدينة طبرية فيما قال ابن العميد واشتق اسمها من اسمه‏.‏ وملك من بعده غاينس قيصر‏.‏ وقال هروشيوش هو أخو طباريش وسماه غاينس فليفة بن أكتيبان‏.‏ وقال‏:‏ هو رابع القياصرة وأشدهم وأراد اليهود على نصب وثنه ببيت المقدس فمنعوه‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ ووقعت في أيامه شدة على النصارى وقتل يعقوب أخا يوحنا من الحواريين وحبس بطرس رئيسهم ثم هرب إلى أنطاكية فأقام بها‏.‏ وقدم هراديوس بطركاً عليها‏.‏ وهو أول البطاركة فيها‏.‏ ثم توجه إلى رومة لسنتين من ملك غانيس فدبرها خمساً وعشرين سنة ونصب فيها الأساقفة وتنصرت امرأة من بيت الملك فعضدت النصارى ولقي النصارى الذين بالقدس شدائد من اليهود وكان الأسقف عليهم يومئذ يعقوب بن يوسف الخطيب‏.‏ وقال ابن العميد عن المسبحي‏:‏ إن فيلبس ملك مصر غزا اليهود أول سنة من ملك غانيس واستعبدهم سبع سنين‏.‏ قال وفي الرابعة من ملكه أمر عامله على اليهود بسورية وهي أورشاليم وهي بيت المقدس أن ينصب الأصنام في محاريب اليهود‏.‏ ووثب عليه بعض قواده فقتله‏.‏ وملك من بعده قلوديش قيصر‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ هو ابن طباريش وعلى عهده كتب متى الحواري إنجيله في بيت المقدس بالعبرانية‏.‏ قال ابن العميد ونقله يوحنا بن زبدي إلى الرومية قال‏:‏ وفي أيامه كتب بطرس رأس الحواريين إنجيله بالرومية وبعث به إلى مرقص تلميذه‏.‏ وكتب لوقا من الحواريين إنجيله بالرومية وبعث به إلى بعض الأكابر من الروم وكان لوقا طبيباً‏.‏ ثم عظم الفساد بين اليهود ولحق ملكهم أغرباش برومة فبعث معه أقلوديش عساكر الروم فقتلوا من اليهود خلقاً وحملوا إلى أنطاكية ورومة منهم سبياً عظيماً وخربت القدس وانجلى أهلها‏.‏ فلم يول عليهم القياصرة أحداً لخرابها‏.‏ قال ولسبع من ملك أقلوديش دخلت بطريقة من الروم في دين النصارى على يد شمعون الصفا وسمعت منه بالصليب فجاءت إلى القدس لإظهاره ورجعت إلى رومة‏.‏ وهلك أقلوديش قيصر لأربع عشرة سنة من ملكه وملك من بعده ابنه نيرون‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ هو سادس القياصرة وكان غشوماً فاسقاً وبلغه أن كثيراً من أهل رومة أخذوا بدين المسيح فنكر ذلك وقتلهم حيث وجدوا‏.‏ وقتل بطرس رأس الحواريين وأقام أريوس بطركاً برومة مكان بطرس من بعد خمس وعشرين سنة مضت لبطرس في كرسيها وهو رأس الحواريين ورسول المسيح إلى رومة‏.‏ وقتل مرقص الإنجيلي بالإسكندرية لاثنتي عشرة من ملكه وكان هنالك من منذ سبع سنين بها مساعداً إلى النصرانية بالإسكندرية ومصر وبرقة والمغرب وولى مكانه حنانيا ويسمى بالقبطية جنبار وهو أول البطارقة بها واتخذ معه الأقسة الاثني عشر‏.‏
قال ابن العميد عن المسبحي‏:‏ وفي الثانية من ملك نيرون عزل بلخس القاضي كان على اليهود من جهة الروم وولى مكانه قسطس القاضي وقتل بوثار رئيس الكهنونية بالمقدس ومات القاضي قسطس فصار اليهود على من كان بالمقدس من النصارى وقتلوا أسقفهم هنالك وهو يعقوب بن يوسف النجار وهدموا البيعة وأخذوا الصليب والخشبتين ودفنوها إلى أن استخرجتها هلانة أم قسطنطين كما نذكر بعد‏.‏ وولي مكان يعقوب النجار ابن عمه شمعون بن كنابا ثم ثار بهم اليهود وأخرجوهم من المقدس لعشر من ملك نيرون فأجازوا الأردن وأقاموا هنالك‏.‏ وبعث نيرون قائده أسباشيانس وأمر بقتل اليهود وخراب القدس وتحصن اليهود منه وبنوا عليهم ثلاثة حصون وحاصرهم أسباشيانس وخرب جميع حصونهم وأحرقها وأقام عليهم سنة كاملة‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ إن نيرون قيصر انتقض عليه أهل مملكته فخرج عن طاعته أهل برطانية من أرض الجوف ورجع أهل أرمينية والشام إلى طاعة الفرس‏.‏ فبعث صهره على أخته وهو يشبشيان ابن لوجية فسار إليهم في العساكر وغلبهم على أمرهم‏.‏ ثم زحف إلى اليهود بالشام وكانوا قد انتقضوا فحاصرهم بالقدس وبينما هو في حصاره إذ بلغه موت نيرون لأربع عشرة سنة من ملكه ثار به جماعة من قواده فقتلوه‏.‏ وكان قد بعث قائداً إلى جهة الجوف والأندلس فافتتح برطانية ورجع إلى رومة بعد مهلك نيرون قيصر فملكه الروم عليهم وأنه قتل أخاه يشبشبان فأشار عليه أصحابه بالانصراف إلى رومة‏.‏ وبشره رئيس اليهود وكان أسيراً عنده بالملك‏.‏ ويظهر أنه يوسف بن كريون الذي مر ذكره فانطلق إلى رومة وخلف ابنه طيطش على حصار القدس فافتتحها وخرب مسجدها وعمرانها كما مر ذكره‏.‏ قال‏:‏ وقتل منهم نحواً من ستمائة ألف ألف مرتين وهلك في حصارها جوعاً نحو هذا العدد وبيع من سراريهم في الآفاق نحواً من تسعين ألفاً وحمل منهم إلى رومة نحواً من مائة ألف استبقاهم لفتيان الروم يتعلمون المقاتلة فيهم ضرباً بالسيوف وطعناً بالرماح‏.‏ وهي الجلوة الكبرى كانت لليهود بعد ألف ومائة وستين سنة من بناء بيت المقدس ولخمسة آلاف ومائتين وثلاثين من مبدإ الخليقة ولثمانمائة وعشرين من بناء رومة‏.‏ فكان معه إلى أن افتتحها وكان المستبد بها بعد مهلك نيرون قيصر وانقطع ملك آل بولس قيصر لمائة وست عشرة سنة من مبدإ دولتهم‏.‏ واستقام ملك يشبشيان في جميع ممالك الروم وتسمى قيصر كما كان من قبل كلام هروشيوش‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ إن أسباشيانس لما بلغه وهو محاصر للقدس أن نيرون هلك ذهب بالعساكر الذين معه وبشره يوسف بن كريون كهنون طبرية من اليهود بأن مصير ملك القياصرة إليه‏.‏ ثم بلغه أن الروم بعد مهلك نيرون ملكوا غلبان بن قيصر فأقام عليهم تسعة أشهر وكان رديء السيرة وقتله بعض خدمه غيلة وقدموا عوضه أنون ثلاثة أشهر ثم خلعوه وملكوا أبطالس ثمانية أشهر فبعث أسباشيانس وهو الذي سماه هروشيوش يشبشيان قائدين إلى رومة فحاربوا أبطانش وقتلوه وسار أسباشيانس إلى رومة وبعث إليه طيطش المحاصر للقدس بالأموال والغنائم والسبي‏.‏ قال‏:‏ وكانت عدة القتلى ألف ألف والسبي تسعمائة ألف واحتمل الخوارج الذين كانوا قال ولما ملك طيطش بيت المقدس رجع النصارى الذين كانوا عبروا إلى الأردن فبنوا كنيسة بالمقدس وسكنوا‏.‏ وكان الأسقف فيهم سمعان بن كلوبا ابن عم يوسف النجار وهو الثاني من أساقفة المقدس‏.‏ ثم هلك أسباشيانس وهو يشبشيان لتسع سنين من ملكه وملك بعده ابنه طيطش قيصر سنتين وقيل ثلاثاً‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ لاربعمائة من ملك الإسكندر وقال هيروشيوش‏:‏ كان متفنناً في العلوم ملتزماً للخير عارفاً باللسان الغريقي واللطيني وولي بعده أخوه دومريان خمس عشرة سنة قال هيروشيوش‏:‏ وهو ابن أخت نيرون قيصر‏.‏ قال‏:‏ وكان غشوماً كافراً وأمر بقتل النصارى فعل خاله نيرون وحبس يوحنا الحواري وأمر بقتل اليهود من نسل داود حذراً أن يملكوا وهلك في حروب الإفرنج وسماه ابن العميد دانسطيانوس‏.‏ وقال‏:‏ ملك ست عشرة سنة وقيل تسعاً وكان شديداً على اليهود‏.‏ وقتل أبناء ملوكهم‏.‏ وقيل له إن النصارى يزعمون أن المسيح يأتي ويملك فأمر بقتلهم وبعث عن أولاد يهوذا بن يوسف من الحواريين وحملهم إلى رومة مقيدين وسألهم عن شأن المسيح فقالوا‏:‏ إنما يأتي عند انقضاء العالم فخلى سبيلهم‏.‏ وفي الثالثة من دولته طرد بطرك اسكندرية لسبع وثمانين سنة للمسيح وقدم مكانه ملموا فأقام ثلاث عشرة سنة ومات فولى مكانه كرماهو‏.‏ قال ابن العميد عن المسبحي‏:‏ ولعهده كان أمر ليونيوس صاحب الطلسمات برومة فنفى ذوسطيالوس جميع الفلاسفة والمنجمين من رومة وأمر أن لا يغرس بها كرم‏.‏ ثم هلك ذوسطيالوس وهو الذي سماه هروشيوش دومريان وقال‏:‏ هلك في حروب الإفرنج وملك بعده برما ابن أخيه طيطش نحواً من سنتين وسماه ابن العميد تاوداس وقال أن المسبحي سماه قارون‏.‏ قال‏:‏ ويسمى أيضاً برسطوس وقال ملك على الروم سنة أو سنة ونصفاً وأحسن السيرة وأمر برد من كان منفياً من النصارى وخلاهم ودينهم ورجع يوحنا الإنجيلي إلى أفسس بعد ست سنين‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ أطلقه من السجن‏.‏ قال‏:‏ ولم يكن له ولد فعهد بالملك إلى طريانس من عظماء قواده وكان من أهل مالقة فولي بعده وتسمى قيصر‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ واسمه أنديانوس وسماه المسبحي طرينوس وملك على الروم باتفاق المؤرخين سبع عشرة سنة وقتل سمعان بن كلاويا أسقف بيت المقدس وأغناطيوس بطرك أنطاكية‏.‏ ولقي النصارى في أيامه شدة وتتبع أئمتهم بالقتل واستعبد عامتهم‏.‏ وهو ثالث القياصرة بعد نيرون في هذه الدولة‏.‏ ولعهده كتب يوحنا إنجيله برومة في بعض الجزائر لسادسة من ملكه وكان قد رجع اليهود إلى بيت المقدس فكثروا بها وعزموا على الانتقاض فبعث عساكره وقتل منهم خلقاً كثيراً‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ إن الحرب طالت بينه وبين اليهود فخربوا كثيراً من المدن إلى عسقلان ثم إلى مصر والإسكندرية فانهزموا هنالك وقتلوا وزحفوا بعدها إلى الكوفة فأثخن فيهم بالقتل وخضد من شوكتهم‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وفي تاسعة من ملكة مات كوثبانو بطرك الإسكندرية لإحدى عشرة سنة من ولايته وولي مكانه أمرغو عشر سنوات أخرى‏.‏ وقال بطليموس صاحب كتاب المجسطي‏:‏ إن شيلوش الحكيم رصد برومة في السنة الأولى من ملك طرينوس وهو أندريانوس لأربعمائة وإحدى وعشرين للإسكندر ولثمانمائة وخمس وأربعين لبختنصر‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ خرج عليه خارجي ببابل فهلك في حروبه لتسع عشرة سنة من ولايته كما قلناه فولي من بعده أندريانوس إحدى وعشرين سنة‏.‏ وقال ابن العميد عن ابن بطريق عشرين سنة‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ إنه أثخن في اليهود ثم بنى مدينة المقدس وسماها إيلياء‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ كان شديداً على النصارى وقتل منهم خلقاً وأخذ الناس بعبادة الأوثان وفي ثامنة ملكه خرب بيت المقدس وقتل عامة أهلها وبنى على باب المدينة عموداً وعليه لوح نقش فيه مدينة إيلياء‏.‏ ثم زحف إلى الخارجي الذي خرج على طرنيوس قبله فهزمه إلى مصر وألزم أهل مصر حفر خليج من مجرى النيل إلى بحر القلزم وأجرى فيه الحلو ثم ارتدم بعد ذلك‏.‏ وجاء الفتح والدولة الإسلامية فألزمهم عمرو بن العاص حفره حتى جرى فيه الماء ثم انسد لهذا العهد‏.‏ وكان أندريانوس هذا قد بنى مدينة القدس ورجع إليها اليهود وبلغه أنهم يرومون الانتقاض وأنهم ملكوا عليهم زكريا من أبناء الملوك‏.‏ فبعث إليهم العساكر وتتبعهم بالقتل وخرب المدينة حتى عادت صحراء وأمر أن لا يسكنها يهودي وأسكن اليونان بيت المقدس‏.‏ وكان هذا الخراب لثلاث وخمسين سنة من خراب طيطش الذي هو الجلوة الكبرى‏.‏ وامتلأ القدس من اليونان وكانت النصارى يتردوون إلى موضع القبر والصليب يصلون فيه‏.‏ وكانت اليهود يرمون عليه الزبل والكناسات فمنعهم اليونان من الصلاة فيه وبنوا هنالك هيكلاً على اسم الزهرة‏.‏ وقال ابن العميد عن المسبحي‏:‏ وفي الرابعة من ملك أندريانوس بطل الملك من الرها وتداولتها القضاة من قبل الروم وبنى أندريانوس بمدينة أثنوس بيتاً ورتب فيه جماعة من الحكماء لمدارسة العلوم‏.‏ قال‏:‏ وفي خامسة ملكه قدم نسطس بطركاً على اسكندرية وكان حكيماً فاضلاً فلبث إحدى عشرة سنة ثم مات وقدم مكانه أمانيق في سادسة عشر من ملك أندريانوس فلبث إحدى عشرة سنة وهو سابع البطارقة‏.‏ ثم مات أندريانوس لإحدى وعشرين من ملكه كما مر وولي ابنه أنطونيش‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ ويسمى قيصر الرحيم‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ ملك اثنتين وعشرين‏.‏ وقال الصعيديون إحدى وعشرين‏.‏ قال‏:‏ وفي خامسة ملكه قدم مرتيانو بطركاً باسكندرية وهو الثامن منهم فلبث تسع سنين ومات وكان فاضل السيرة‏.‏ وقدم بعده كلوتيانو فلبث أربع عشرة سنة ومات في سابعة ملكه أوراليانوس بعده وكان محبوباً‏.‏ وقال بطليموس صاحب المجسطي‏:‏ إنه رصد الاعتدال الخريفي في ثالثة ملك أنطونيوس‏.‏ فكان لاربعمائة وثلاث وستين بعد الإسكندر‏.‏ ثم هلك أنطونيوس لاثنتين وعشرين كما مر‏.‏ فملك من بعده أوراليانوس‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ وهو أخو أنطونيوس وسماه أورالش وأنطونيوس الأصغر‏.‏ وقال كانت له حروب مع أهل فارس‏.‏ وبعد أن غلبوا على أرمينية وسورية من ممالكه فدفعهم عنهما وغلبهم في حروب طويلة‏.‏ ‏.‏ وأصاب الأرض على عهده وباء عظيم وقحط الناس سنتين واستسقى لهم النصارى فأمطروا وارتفع الوباء والقحط بعد أن كان اشتد على النصارى وقتل منهم خلقاً وهي الشدة الرابعة من بعد نيرون‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وفي السابعة من ملكه قدم على الإسكندرية البطرك أغريبوس فلبث اثني عشر سنة ومات في تاسعة عشر من ملك أنطونيوس الأصغر‏.‏ قال‏:‏ وفي أيامه ظهرت مبتدعة من النصارى واختلفت أقوالهم وكان منهم ابن ديصان وغيره فجاهدهم أهل الحق من الأساقفة وأبطلوا بدعتهم‏.‏ وهلك أنطونيوس هذا لتسع عشرة من ملكه وفي عاشرة ملكه ظهر أردشير بن بابك أول ملوك الساسانية واستولى علي ملك الفرس وكان صاحب الحض متملكاً على السواد فغلبه وملك السواد وقتله وقصته معروفة‏.‏ وكان لعهده جالينوس المشهور بالطب وكان ربي معه فلما بلغه أنه ملك على الروم قدم عليه من بلاد اليونان وأقام عنده وكان لعهده أيضاً ديمقراطس الحكيم ولأول سنة من ملكه قدم بليانوس بطركاً على إسكندرية وهو الحادي عشر من بطاركتها فلبث فيهم عشر سنين ومات‏.‏ وولي مكانه ديمتريوس فلبث فيهم ثلاثاً وثلاثين سنة‏.‏ ومات كمودة قيصر لثلاثة عشر كما قلناه فولي من بعده ورمتيلوش ثلاثة أشهر‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وسماه ابن بطريق فرطنوش وقال‏:‏ وملك ثلاثة أشهر‏.‏ وسماه غيره فرطيخوس وسماه الصعيديون برطانوس ومدة ملكه باتفاقهم شهران‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ اسمه اللبيس بن طيجليس وهو عم كمودة قيصر‏.‏ قال‏:‏ وولي سنة واحدة وقتله بعض قواده وأقام في الملك ستة أشهر وقتل‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وملك بعده يوليانس قيصر شهرين ومات‏.‏ ثم ولي سوريانوس قيصر وسماه بعضهم سويرس وسماه هروشيوش‏:‏ طباريش بن أرنت بن أنطونيش‏.‏ واختلفوا في مدته فقال ابن العميد عن ابن بطريق‏:‏ سبع عشرة سنة وقال المسبحي ثمان عشرة‏.‏ وعن أبي فانيوس ست عشرة وعن ابن الراهب ثلاث عشرة وعن الصعيديين سنتين‏.‏ قال وملك في رابعة من ملك أردشير واشتد على النصارى وفتك فيهم وسار إلى مصر‏.‏ والإسكندرية فقتلهم وهدم كنائسهم وشردهم كل مشرد وبنى بالإسكندرية هيكلاً سماه هيكل الإله قال هروشيوش‏:‏ هي الشدة الخامسة من بعد شدة نيرون‏.‏ قال‏:‏ ثم انتقض عليه اللطينيون ولم يزل محصوراً إلى أن هلك‏.‏ وملك من بعده أقطونيش‏.‏ قال ابن العميد عن ابن بطريق‏:‏ ست سنين‏.‏ وعن المسبحي‏:‏ سبع سنين‏.‏ وسماه أنطونيش قسطس‏.‏ قال‏:‏ وكان ابتداء ملكه عندهم لخمس وعشرين وخمسمائة من ملك الإسكندر ولعهده سار أردشير ملك الفرس إلى نصيبين فحاصرها وبنى عليها حصناً‏.‏ ثم بلغه أن خارجاً خرج عليه بخراسان فأجفل عنهم بعد المصالحة على أن لا يتعرضوا لحصنه‏.‏ فلما رحل بنوا من وراء الحصن وأدخلوه في مدينتهم‏.‏ ورجع أردشير فنازلهم وامتنعوا عليه فأشار بعض الحكماء بأن يجمع أهل العلم فيدعون الله دعوة رجل واحد ففعلوا فملك الحصن لوقته‏.‏ وقال هروشيوش لما ولي أنطونيش ضعف عن مقاومة الفرس فغلبوا على أكثر مدن الشام ونواحي أرمينية وهلك في حروبهم‏.‏ وولي بعده مفريق بن مركة وقتله قواد رومة لسنة من ملكه وكذا قال ابن العميد‏.‏ وسماه ابن بطريق بقرونشوش والمسبحي هرقليانوس قالوا جميعاً‏:‏ وملك من بعده أنطونيش‏.‏ قال ابن العميد عن ابن بطريق وابن الراهب‏:‏ ثلاث سنين وعن المسبحي والصعيديين‏:‏ أربع سنين‏.‏ قال‏:‏ وفي أول سنة من ملكه بنيت مدينة عمان بأرض فلسطين‏.‏ وملك سابور بن بن أردشير مدناً كثيرة من الشام‏.‏ ومات أنطونيش فملك من بعده إسكندروس لثلاث وعشرين من ملك سابور بن أردشير فملك على الروم ثلاث عشرة سنة‏.‏ وكانت أمه محبة في النصارى‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ ملك عشرين سنة وكانت أمه نصرانية وكانت النصارى معه في سعة من أمرهم‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وفي سابعة ملكه قدم تاوكلاً بطركاً بالإسكندرية وهو الثالث عشر من البطاركة فلبث فيهم ست عشرة سنة ومات‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ ولعشر من ملكه غزا فارس فقتل سابور بن أردشير وانصرف ظافراً فثار عليه أهل رومة وقتلوه‏.‏ وملك من بعده مخشميان بن لوجية ثلاث سنين‏.‏ ولم يكن من بيت الملك وإنما ولوه لأجل حرب الافرنج واشتد على النصارى الشدة السادسة من بعد نيرون‏.‏ وأما ابن العميد فسماه فقيموس ووافق على الثلاث سنين في مدته وعلى ما لقي النصارى منه وأنه قتل منهم سرحبوس في سلمية وواجوس في بالس على الفرات‏.‏ وقتل بطرك أنطاكية فسمع أسقف بيت المقدس بقتله فهرب وترك الكرسي‏.‏ قال وفي ثالثة ملكه ملك سابور بن أردشير خلاف ما زعم هروشيوش من أنه قتله ثم هلك فقيموس أرمشميان وولي من بعده يونيوس ثلاثة أشهر وقتل فيما قال ابن العميد‏.‏ وقال‏:‏ سماه أبو فانيوس لوكس قيصر وابن بطريق بلينايوس ولم يذكره هروشيوش‏.‏ ثم ملك عرديانوس قيصر‏.‏ قال ابن العميد عن ابن بطريق وابن الراهب‏:‏ أربع سنين وعن المسبحي والصعيديين‏:‏ سنين وسماه أبو فانيوس فودينوس والصعيديون قرطانوس‏.‏ قال‏:‏ وكان ملكه لإحدى وخمسين وخمسمائة من ملك الإسكندر‏.‏ وقال هروشيوش غرديار بن بليسان‏.‏ قال‏:‏ وملك سبع سنين وطالت حروبه مع الفرس وكان ظافراً عليهم وقتله أصحابه على نهر الفرات‏.‏ قال وولي بعده فيلبس بن أولياق بن أنطونيش سبع سنين وهو ابن عم الإسكندر الملك قبله وأول من تنصر من ملوك الروم‏.‏ وقال ابن العميد عن الصعيديين‏:‏ ملك ست سنين وقيل تسع سنين وكان ملكه لخمس وخمسين وخمسمائة من ملك الإسكندر وآمن بالمسيح‏.‏ وفي أول من ملكه قدم دنوشيوش بطركاً بالإسكندرية وهو رابع عشر البطاركة بها فلبث تسع عشرة سنة‏.‏ ولعهد فيلبس هذا قدم غرديانوس أسقفاً على بيت المقدس بعد هروب مركيوس ثم عاد من هروبه فأقام شريكاً معه سنة واحدة‏.‏ ومات غرديانوس فانفرد مركيوش أسقفاً ببيت المقدس عشر سنين‏.‏ قال‏:‏ وقتل فيلبس قيصر قائد من قواده يقال له دافيس وملك مكانه خمس سنين‏.‏ وقال عن المسبحي وابن الراهب سنة وعن ابن طريق سنتين‏.‏ قال‏:‏ وكان يعبد الأصنام ولقي النصارى منه شدة وكان من أولاد الملوك وقتل بطرك رومة وأجاز من مدينة قرطاجنة إلى مدينة أفسس وبنى بها هيكلاً وحمل النصارى على السجود له‏.‏ قال‏:‏ وفي أيامه كانت قصة فتية أهل الكهف وظهروا بعده في أيام تاودسيوس‏.‏ وأما هروشيوش فسماه داجية بن مخشيميان وقال‏:‏ ملك سنة واحدة وكانت على النصارى في أيامه الشدة السابعة وقتل بطرك رومة منهم‏.‏ وولي من بعده غالش قيصر سنتين واستباح في قتل النصارى وباء عظيم أقفلت له المدن‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ هو غالش بن يولياش‏.‏ وقال ابن بطريق‏:‏ إن يولياش كان شريكاً له في ملكه ومات قبله‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ إحدى عشرة سنة لسبعين وخمسمائة من ملك الإسكندر‏.‏ وقال هروشيوش وابن بطريق ملك خمس عشرة سنة واسمه غاليوش‏.‏ وقال المسبحي خمس عشرة سنة وسماه داقيوس وغاليوش ابنه‏.‏ وقال آخرون اسمه أورليوش وملك خمس سنين‏.‏ وقال أبو فانيوس اسمه غليوس وملك أربع عشرة سنة‏.‏ وقال الصعيديون ملك كذلك واسمه أراليونوس‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وكان يعبد الأصنام ولقي النصارى منه شدة‏.‏ وفي أول سنة من ملكه قدم مكسيموس بطركاً بالإسكندرية وهو الخامس عشر من بطاركتها فلبث اثنتي عشرة سنة ومات‏.‏ وهو خامسة ملكه قدم اسكندروس إسقفاً ببيت المقدس ثم قتله بعد سبع سنين وبعث ابنه في عساكر الروم لغزو الفرس فانهزم وحمل أسيراً إلى كسرى بهرام فقتله‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ ولي غلينوس خمس عشرة سنة فاشتد على النصارى الأمر وقتلهم وقتل معهم بطرك بيت المقدس وكانت له حروب مع الفرس أسره في بعضها ملكهم سابور ثم من عليه وأطلقه‏.‏ ووقع في أيامه برومة وباء عظيم فرفع طلبه عن النصارى بسببه‏.‏ وفي أيامه خرج القوط من بلادهم وتغلبوا على بلاد الغريقيين ومقدونية وبلاد النبط‏.‏ وكان هؤلاء القوط يعرفون بالسنسبين وكانت مواطنهم في ناحية بلاد السريانيين فخرجوا لعهد غلينوس هذا وغلبوا كما قلناه على بلاد الغريقيين ومقدونية وعلى مرية وهلك غلينوس قتيلاً على يد قواد رومة‏.‏ ثم ملك أقاويدوش قيصر سنة واحدة‏.‏ وقال ابن العميد عن المسبحي سنة وتسعة أشهر لثمانين وخمسمائة للاسكندر وفي أول سنة من ملكه قدم يونس السميصاني بطركاً بانطاكية فلبث ثمان سنين وكان يقول بالوحدانية ويجحد الكلمة بالروح‏.‏ ولما مات اجتمع الأساقفة بأنطاكية وردوا مقالته‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ ولي بعد غلينوش فلوديش ابن يلاريان بن موكله فنسبه هكذا‏.‏ وقال فيه من عظماء القواد ولم يكن من بيت الملك ودفع القوط المتغلبين عن مقدونية من منذ خمس عشرة سنة عليها ومات لسنتين من ملكه وهذا كما قال المسبحي‏.‏ وقال هروشيوش ولي بعده أخوه نطيل سبع عشرة يوماً وقتله بعض القواد ولم يذكر ذلك ابن العميد‏.‏ ثم ملك بعده أوريليانس ست سنين وسماه ابن بطريق أوراليوس والمسبحي أرينوس وأبو فانيوس أوليوش وهروشيوش أوراليان بن بلنسيان وقال‏:‏ ملك خمس سنين‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وفي الرابعة من ملكه قدم تاوناً بطركاً بالإسكندرية سادس عشر البطاركة فلبث عشر سنين‏.‏ وكان النصارى يقيمون الدين خفية‏.‏ فلما صار بطركاً قابل الروم ولاطفهم بالهدايا فأذنوا له في بناء كنيسة مريم وأعلنوا فيها بالصلاة‏.‏ قال‏:‏ وفي سادسة ملكه ولد قسطنطين وقال هروشيوش‏:‏ إن أورليان بن بلنسيان هذا حاب القوط فظفر بهم ودد بناء رومة واشتد على النصارى تاسعة بعد نيرون ثم قتل‏.‏ فولي بعده طانيش بن إلياس وملك قريباً من سنة‏.‏ وقال ابن العميد اسمه طافسوس وملك ستة أشهر‏.‏ وقال ابن بطريق اسمه طافساس وملك تسعة أشهر‏.‏ ثم ملك فروفش قيصر خمس سنين‏.‏ وقال أبو فانيوس‏:‏ اسمه فروش وقال ابن بطريق وابن الراهب والصعيديون ست سنين‏.‏ وقال المسبحي سبع سنين وسماه ألاكيوس وأرفيون‏.‏ وسماه ابن بطريق بروش وسماه هروشيوش فاروش بن أنطويش‏.‏ قال‏:‏ وتغلب على كثير من بلاد الفرس‏.‏ وقال ابن العميد كان ملكه لسابعة من ملك سابور ذي الأكتاف ولخمسمائة واثنتين وتسعين من ملك الإسكندر وكان شديداً على النصارى وقتل منهم خلقاً كثيراً وهلك هو وإبناه في الحرب‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ ولما هلك فاروش ولي من بعده أبنه مناربان وقتل لحينه ولم يذكره ابن العميد‏.‏ ثم ملك بقلاديانوش إحدى وعشرين سنة‏.‏ وقال المسبحي عشرين سنة‏.‏ وقال غيره ثماني عشرة سنة‏.‏ وملك لخمسمائة وخمس وتسعين للإسكندر‏.‏ وقال غيرهم‏:‏ كان اسمه عربياً وارتقى في أطوار الخدمة عند القياصرة إلى أن استخلصه فاريوش وجعله على خيله وكان حسن المزمار‏.‏ ويقال إن الخيل كانت ترقص طرباً لمزاميره وعشقته بنت فاريوش الملك‏.‏ ولما مات أبوها وإخوتها ملكها الروم عليهم فتزوجته وسلمت له في الملك فاستولى على جميع ممالك الروم وما والاها وقسطنطش ابن عمه على بلاد أشيا وبيزنطية وأقام هو بأنطاكية وله الشام ومصر إلى أقصى المغرب‏.‏ وفي تاسعة عشر من ملكه انتقض أهل مصر الإسكندرية فقتل منهم خلقاً ورجع إلى عبادة الأصنام وأمر بغلق الكنائس ولقي النصارى منه شدة وقتل القسيس مار جرس وكان مش أكابر أبناء البطارقة وقتل ملقوس منهم أيضاً‏.‏ وفي عاشرة ملكه قدم مار بطرس بطركاً بالإسكندرية فلبث عشر سنين وقتله وجعل مكانه تلميذه اسكندروس وكان كبير تلامذته أريوش كثيراً لمخالفة له فسخطه وطرده ولما مات مار بطرس قال ابن العميد‏:‏ وفي أيام ديقلاديانوس خرج قسطنطش ابن عمه ونائبه على بيزنطيا وأشيا ورأى هلانة وكانت تنصرت على يد أسقف الرها فأعجبته وتزوجها وولدت له قسطنطين وحضر المنجمون لولادته فأخبروا بملكه فأجمع ديقلاديانوس على قتله فهرب إلى الرها‏.‏ ثم جاء بعد موت ديقلاديانوس فوجد أباه قسطنطس قد ملك على الروم فتسلم الملك من يده على ما نذكر‏.‏ وهلك ديقلاديانوس لعشرين سنة من ملكه ولستمائة وست عشرة سنة من ملك الإسكندر وملك من بعده ابنه مقسيمانوس‏.‏ قال ابن بطريق‏:‏ سبع سنين وقال المسبحي وابن الراهب‏:‏ سنة واحدة‏.‏ قالوا وكان شريكه في الملك مقطوس وكان أشد كفراً من ديقلاديانوس ولقي النصارى منهما شدة وقتلا منهم خلقاً كثيراً‏.‏ وفي أول سنة من ملكه قدم الإسكندروس تلميذ مار بطرس الشهير بطركاً بالإسكندرية فلبث فيهم ثلاثاً وعشرين سنة‏.‏ وعلى عهد مقسيمانوس تذكر تلك الخرافة بين المؤرخين من أن سابور ملك الفرس دخل أرض الروم متنكراً وحضر مكان مقسيمانوس وسجنه في جلد بقرة وسار إلى مملكة فارس وسابور في ذلك الجلد وهرب منه ولحق بفارس وهزم الروم في حكاية مستحيلة وكلها أحاديث خرافة‏.‏ والصحيح منه أن سابور سار إلى مملكة الروم فخرج إليه مقسيمانوس واستولى على ملكه كما نذكر بعد‏.‏ ثم قال‏:‏ وقام بملكهم ديوقاريان وثأر من قاتله‏.‏ ثم خرج عليه أقرير بن قاريوس فقتله ديوقاريان بعد حروب طويلة‏.‏ ثم انتقض عليه أهل ممالكه وثار الثوار ببلاد الافرنجة والأندلس وأفريقية ومصر وسار إليه سابور ذو الأكتاف فدفع ديوقاريان إلى هذه الحروب كلها مخشميان هركوريش وصيره قيصراً فبدأ أولاً ببلاد الافرنجة فغلب الثوار بها وأصلحها‏.‏ وكان الثائر الذي بالأندلس قد ملك برطانية سبع سنين فقتله بعض أصحابه ورجعت برطانية إلى ملك ديوقاريان‏.‏ ثم استعمل مخشميان خليفة ديوقاريان صهره قسطنطش وأخاه مخشمس ابني وليتنوس فمضى إلى أفريقية وقهر الثوار بها وردها إلى طاعة الرومانيين‏.‏ وزحف ديوقاريان قيصر الأعظم إلى مصر والإسكندرية فحصر الثائر بها إلى أن ظفر به وقتله‏.‏ ومضى قسطنطش إلى الليمانيين في ناحية بلاد الافرنج فظفر بهم بعد حروب طويلة وزحف مخشميان خليفة ديوقاريان إلى سابور ملك الفرس فكانت حروبه معه سجالاً حتى غلبه وأصاب منه واستأصل مدينة غورة والكوفة من بلاده سبياً وقتلاً ورجع إلى رومة‏.‏ ثم سرحه ديوقاريان قيصر إلى حروب أهل غالش من الافرنجة فأثخن فيهم قتلاً وسبياً‏.‏ ثم اشتد ديوقاريان على النصارى الشدة العاشرة بعد نيرون وأثخن فيهم بالقتل ودام ذلك عليهم عشر سنين‏.‏ ثم اعتزل ديوقاريان وخليفته مخشميان الملك ورفضاه ودفعاه إلى قسطنش ابن وليتنوش وأخيه مخشمس ويسمى غلاريس فاقتسما ملك الرومانيين‏.‏ فكان لمخشمس غلاريش ناحية الشرق وكان لقسطنش ناحية المغرب‏.‏ وكانت أفريقية وبلاد الأندلس وبلاد الافرنج في ملكته‏.‏ وهلك ديوقاريان ومخشميان معتزلين عن الملك بناحية الشام وأقام قسنطش في الملك‏.‏ ثم هلك ببرطانية وأقام بملك اللطينيين من بعده ابنه قسطنطين‏.‏ انتهى كلام هروشيوش‏.‏ ويظهر أن هذا الملك الذي سماه ابن العميد ديتلاديانوس هو الذي سماه هروشيوش ديوقاريان والخبر من بعد ذلك متشابه والأسماء مختلفة ولا يخفى عليك وضع كل اسم في مكانه من الآخر والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

ميارى 4 - 8 - 2010 01:45 AM

الخبر عن القياصرة المتنصرة من اللطينيين وهم الكيتم واستفحال ملكهم بقسطنطينية ثم بالشام بعدها إلى حين الفتح الإسلامي ثم بعده إلى انقراض أمرهم
هؤلاء الملوك القياصرة المنتصرة من أعظم ملوك العالم وأشهرهم وكان لهم الاستيلاء على جانب البحر الرومي من الأندلس إلى رومة إلى القسطنطينية إلى الشام إلى مصر والإسكندرية إلى أفريقية والمغرب‏.‏ وحاربوا الترك والفرس بالمشرق والسودان بالمغرب من النوبة فمن وراءهم‏.‏ وكانوا أولاً على دين المجوسية ثم بعد ظهور الحواريين ونشر دين النصرانية بأرضهم وتسلطهم عليهم بأرضهم مرة بعد أخرى أخذوا بدينهم‏.‏ وكان أول من أخذ به قسطنطين بن قسنطش بن وليتنوه وأمه هلانة بنت مخشميان قيصر خليفة ديوقاريان قيصر الثالث والثلاثون من القياصرة وقد مر ذكره آنفاً‏.‏ وإنما سمي هذا الدين دين النصرانية نسبة إلى ناصرة‏:‏ القرية التي كان فيها مسكن عيسى عليه السلام عندما رجع من مصر مع أمه‏.‏ وأما نسبه إلى نصران فهو من أبنية المبالغة ومعناه أن هذا الدين في غير أهل عصابة فهو دين من ينصره من أتباعه‏.‏ ويعرف هؤلاء القياصرة ببني الأصفر وبعض الناس ينسبهم إلى عيصو بن إسحاق وقد أنكر ذلك المحققون وأبوه‏.‏ وقال أبو محمد بن حزم عند ذكر إسرائيل عليه السلام‏:‏ كان لإسحاق عليه السلام ابن آخر غير يعقوب وأسمه عيصاب وكان بنوه يسكنون جبال السراة من الشام إلى الحجاز وقد بادوا جملة‏.‏ إلا أن قوماً يذكرون أن الروم من ولده وهو خطأ وإنما وقع لهم هذا الغلط لأن موضوعهم كان يقال له أروم فظنوا أن الروم من ذلك الموضع وليس كذلك لأن الروم إنما نسبوا إلى روملس باني رومة‏.‏ وربما يحتجون بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزوة تبوك للحرث بن قيس‏:‏ ‏"‏ هل لك في جلاد بني الأصفر ‏"‏ ولا حجة فيه لاحتمال أن يريد بني عيصاب على الحقيقة لأن قصده كان إلى ناحية السراة وهو مسكن بني عيصو‏.‏ قلت‏:‏ مسكن عيصو هؤلاء كما يقال له أيذوم بالذال المعجمة إلى الظاء أقرب فعربتها العرب راء ومن هنا جاء الغلط والله تعالى أعلم‏.‏ وهذا الموضع يقال له يسعون أيضاً والاسمان له في التوراة‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ خرج قسطنطين المؤمن على مقسيمانوس فهزمه ورجع إلى رومة وازدحم العسكر على الجسر فوقع بهم في البحر وغرق مقسيمانوس مع من غرق ودخل قسطنطين رومة وملكها بعد أن أقام ملكاً على بيزنطية من بعد أبيه ستاً وعشرين سنة فبسط الدل ورفع الجور وخرخ قائده يسكن ناحية قسطنطينية وولاه على رومة وأعمالها وألزمه بإكرام النصارى‏.‏ ثم انتقض عليه وقتل النصارى وعبد الأصنام‏.‏ وكان فيمن قتل ماردياس سق بطرك بطارقة فبعث قسطنطين العساكر إلى رومة لحربه فساقوه أسيراً وقتله‏.‏ ثم تنصر قسطنطين في مدينة نيقية لاثنتي عشر من ملكه وهدم بيوت الأصنام وبنى الكنائس وللتاسعة عشرة من ملكه كان مجمع الأساقفة بمدينة نيقية ونفى أريوس كما ذكرنا ذلك كله من قبل‏.‏ وأن رئيس هذا المجمع كان اسكندروس بطرك الإسكندرية‏.‏ وفي الخامسة عشرة من رياسته توفي بعد المجمع بخمسة أشهر‏.‏ وقال ابن بطريق‏:‏ كانت ولاية اسكندروس في الخامسة من ملك قسطنطين وبقي ست عشرة سنة وقتل في السادسة والعشرين من ملك ديقلاديانوس وأنه كان على عهده أرسيانوس أسقف قيسارية‏.‏ قال المسبحي‏:‏ مكث بطركاً ثلاثاً وعشرين وكسر صنم النحاس الذي هو هيكل زحل باسكندرية‏.‏ وجعل مكانه كنيسة فهدمها العبيديون عند ملكهم اسكندرية‏.‏ وقال ابن الراهب‏:‏ إن اسكندروس البطرك ولى أول سنة من ملك قسطنطين فمكث اثنتين وعشرين سنة وعلى عهده جاءت هلانة أم قسطنطين لزيارة بيت المقدس وبنت الكنائس وسألت عن موضع الصليب فأخبرها مقاريوس الأسقف أن اليهود أهالوا عليه التراب والزبل‏.‏ فأحضرت الكهنونية وسألتهم عن موضع الصليب وسألتهم رفع ما هنالك من الزبل‏.‏ ثم استخرجت ثلاثة من الخشب وسألت أيتها خشبة المسيح فقال لها الأسقف‏:‏ علامتها أن الميت يحيا بمسيسها فصدقت ذلك بتجربتها واتخذوا ذلك اليوم عيداً لوجود الصليب‏.‏ وبنت على الموضعع كنيسة القمامة وأمرت مقاريوس الأسقف ببناء الكنائس وكان ذلك لثلثمائة وثمان وعشرين من مولد المسيح عليه السلام‏.‏ وفي حادية وعشرين من ملك قسطنطين كان مهلك اسكندروس البطرك وولي مكانه تلميذه أثناسيوس كانت أمه تنصرت على يده فربي ابنها عنده وعلمه وولى بطركاً مكانه وسعى به أصحاب أريوش إلى الملك بعده مرتين بقي فيهما على كرسيه ثم رجع‏.‏ وحمل قسطنطين اليهود بالقدس على النصرانية فأظهروها وافتتحوا في الامتناع من أكل الخنزير فقتل منهم خلقاً‏.‏ وتنصر بعضهم فزعموا أن أحبار اليهود نقصوا من سني مواليد الآباء نحواً من ألف وخمسمائة سنة ليبطلوا مجيء المسيح في السوابيع التي ذكر دانيال أن المسيح يظهر عندها وأنها لم يحن وقتها وأن التوراة الصحيحة هي التي فسرها السبعون من أحبار اليهود ملك مصر‏.‏ وزعم ابن العميد أن قسطنطين أحضرها واطلع منها على النقص الذي قاله‏.‏ قال وهي التوراة التي بيد النصارى الآن‏.‏ قال‏:‏ ثم أمر قسطنطين بتجديد مدينة بيزنطية وسماها قسطنطينية باسمه وقسم ممالكه بين أولاده فجعل لقسطنطين قسطنطينية وما والاها ولقسطنطين الآخر بلاد الشام إلى أقصى المشرق ولقسطوس الثالث رومة وما والاها‏.‏ قال وملك خمسين سنة منها ست وعشرون ببزنطية قبل غلبة مقسميانوس ومنها أربع وعشرون بعد استيلائه على الروم‏.‏ وتنصر في اثنتي عشرة من آخر ملكه وهلك لستمائة وخمسين للاسكندر‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ كان قسطنطين بن قسنطش على دين المجوسية وكان شديداً على النصارى ونفى بطرك رومة فدعا عليه وابتلي بالجذام ووصف له في مداواته أن ينغمس في دماء الأطفال فجمع منهم لذلك عدداً ثم أدركته الرقة عليهم فأطلقهم فرأى في منامه من يحضه على الاقتداء بالبطرك فرده إلى رومة وبرىء من الجذام‏.‏ وجنح من حينئذ إلى دين النصرانية ثم خشي خلاف قومه في ذلك فارتحل إلى القسطنطينية ونزلها وشيد بناءها وأظهر ديانة المسيح وخالف أهل رومة فرجع إليهم وغلبهم على أمرهم وأظهر دين النصرانية‏.‏ ثم جاهد الفرس حتى غلبهم على كثير من ممالكهم‏.‏ ولعشرين سنة من ملكه خرجت طائفة من القوط إلى بلاده فأغاروا وسبوا فزحف إليهم وأخرجهم من بلاده‏.‏ ثم رأى في منامه عرباً وبنودا على تمثال الصلبان وقائلاً يقول‏:‏ هذا علامة الظفر لك‏.‏ فخرجت أمه هلانة إلى بيت المقدس لطلب آثار المسيح وبنت الكنائس في البلدان ورجعت ثم هلك قسطنطين لإحدى وثلاثين سنة من ملكه كلام هروشيوش‏.‏ ثم ولي قسطنطين الصغير بن قسطنطين وسماه هروشيوش قسنطش‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ ملك أربعاً وعشرين سنة وكان أخوه قسطوس برومة بولاية أبيهما ففي خامسة من ملك قسطنطين بعث العساكر فقتل مقنيطوس وأتباعه وولى على رومة من جهته فكانت له صاغية إلى أريوس فأخذ بمذهبه وغلبت تلك المقالة على أهل قسطنطينية وأنطاكية ومصر والإسكندرية وغلب أتباع أريوس على الكنائس ووثبوا على بطرك اسكندرية ليقتلوه فهرب كما مر‏.‏ ثم هلك لأربع وعشرين سنة من ملكه‏.‏ وقال ابن العميد ملك سنتين باتفاق لثلاثة من ملك سابور وكان كافراً وقتل النصارى وعزلهم عن الكنائس واطرحهم من الديوان وسار لقتل الفرس فمات من سهم أصابه‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ تورط في طريقه في مفازة ضل فيها عن سبيله فتقبض عليه أعداوه وقتلوه‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ وولي بعده بليان ابن قسطنطي سنة أخرى وزحف إلى الفرس وملكهم يومئذ سابور فحجم عن لقائهم فصالحهم ورجع وهلك في طريقه‏.‏ ولم يذكر ابن العميد بليان هذا وإنما قال‏:‏ ملك من بعد يوليانوس الملك يوشانوش سنة واحدة باتفاق في السادسة عشرة من ملك سابور وكان مقدم عساكر يوليانوس فلما قتل اجتمعوا إليه وبايعوه واشترط عليهم الدخول في النصرانية فغلبوه‏.‏ وأشار سابور بتوليته ونصب له صليباً في العسكر‏.‏ ولما ولي نزل على نصيبين للفرس ونقل الروم الذي بها إلى آمد ورجع إلى كرسي مملكتهم فرد الأساقفة إلى الكنائس ورجع فيمن رجع أثناسيوس بطرك اسكندرية وطلب منه أن يكتب له أمانة أهل مجمع نيقية فجمع الأساقفة وكتبوها وأشار عليه بلزومها ولم يذكر هروشيوش يوشانوش هذا وذكر مكانه آخر قال وسماه بلنسيان بن قسنطس‏.‏ قال‏:‏ وقاتل أمماً من القوط والافرنجة وغيرهم‏.‏ قال‏:‏ وافترق القوط في أيامه فرقتين على مذهبي أريوس وأمانة نيقية‏.‏ قال‏:‏ وفي أيامه ولى داماش بطركاً برومة ثم هلك بالفالج وملك بعده أخوه واليس أربع سنين وعمل على مذهب أريوس واشتد على أهل الأمانة وقتلهم وثار عليه بأهل أفريقية بعض النصارى مع البربر فأجاز إليهم البحر وحاربهم فظفر بالثائر وقتله بقرطاجنة ورجع إلى قسطنطينية فحارب القوط والأمم من ورائهم وهلك في حروبهم‏.‏ وقال ابن العميد في قيصر الذي قتل واليس وسماه واليطنوس أنه ملك اثنتي عشرة سنة فيما حكاه ابن بطريق وابن الراهب‏.‏ وحكى عن المسبحي خمسة عشرة سنة وأن أخاه والياس كان شريكه في الملك وأنه كان مبايناً وأنه ملك لستمائة وست وسبعين للاسكندر وسبع عشرة لسابور كسرى‏.‏ قال وفي أيامه وثب أهل إسكندرية على اثناسيوس البطرك ليقتلوه فهرب وقدموا مكانه لوقيوس وكان على رأي أريوس‏.‏ ثم اجتمع أهل الأمانة بعد خمسة أشهر ورجعوه إلى كرسيه وطردوا لوقيوس وأقام أثناسيوس بطركاً إلى أن مات فولوا بعده تلميذه بطرس سنتين ووثب به أصحاب لوقيوس فهرب ورجع لوقيوس إلى الكرسي فأقام ثلاث سنين‏.‏ ثم وثب به أهل الأمانة ورجعوا بطرس ومات لسنة من رجعته‏.‏ ولقي من داريانوس قيصر ومن أصحاب أريوس شدائد ومحناً‏.‏ قال المسجي‏:‏ كان واليطينوس يدين بالأمانة وأخوه واليس يدين بمذهب أريوس أخذه عن ثاودكسيس أسقف القسطنطينية وعاهده على إظهاره فلما ملك نفى جميع أساقفة الأمانة وسار أريوس أسقف أنطاكية بإذنه إلى الإسكندرية فحبس بطرس البطرك وأقام مكانه أريوس من أهل سميساط وهرب بطرس من السجن وأقام برومة وكانت بين واليطينوس قيصر وبين سابور كسرى فتنة وحروب وهلك في بعض حروبه معهم وولى بعده أخوه واليس‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ عن ابن الراهب سنتين وعن أبي فانيوس ثلاث سنين وسماه والاس‏.‏ وقال هو أبو الملكين اللذين تركا الملك وترهبا وسمي مكسينموس ودوقاديوس‏.‏ قال‏:‏ وفي الثانية من ملكه بعث طيماناوس أخا بطرس بطركاً على إسكندرية فلبث فيهم سبع سنين ومات وفي سادسة ملكه كان المجمع الثاني بقسطنطينية وقد مر ذكره‏.‏ وفي أيام واليس قيصر هذا مات بطرك قسطنطينية فبعث أغريوس أسقف يزناروا وولاه مكانه فوليه أربع سنين ومات‏.‏ ثم خرج على واليس خارج من العرب فخرج إليه فقتل في حروبه‏.‏ ثم ولى أغراديانوس قيصر‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وهو أخو واليس وكان والنطوس بن واليس شريكاً له في الملك وملك سنة واحدة‏.‏ وقال عن أبي فانيوس سنتين وعن ابن بطريق ثلاث سنين‏.‏ وذكر عن ابن المسبحي وابن الراهب أن تاوداسيوس الكبير كان شريكاً لهما وأن ابتداء ملكهم لستمائة وتسعين من ملك الإسكندر وأنه رد جميع ما نفاه واليس قبله من الأساقفة إلى كرسيه وخلى كل واحد مكانه‏.‏ ومات أغراديانوس وابن أخيه في سنة واحدة‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وملك بعدهما ثاوداسيوس سبع عشرة سنة باتفاق لستمائة وتسعين من ملك الإسكندر ولإحدى وثلاثين من ملك سابور كسرى‏.‏ وفي سادسة ملكه مات أثناسيوس بطرك اسكندرية فولي مكانه كاتبه تاوفيلا وكان بطرك القسطنطينية يوحنا فم الذهب وأسقف قبرس أبو فانيوس كان يهودياً وتنصر‏.‏ قال‏:‏ وكان لتاوداسيوس ولدان أرقاديوس وبرباريوس‏.‏ قال‏:‏ وفي خامسة عشر من ملكه ظهر الفتية السبعة أهل الكهف الذين قاموا أيام دقيانوس ولبثوا في نومهم ثلثمائة سنة وتسع سنين كما قصه القرآن ووجد معهم صندوق النحاس والصحيفة التي أودع البطريق فيها خبرهم‏.‏ وبلغ الأمر إلى قيصر تاوداسيوس فبعث في طلبهم فوجدهم قد ماتوا فأمر أن يبنى عليهم كنيسة ويتخذ يوم ظهورهم عيداً‏.‏ قال المسبحي‏:‏ وكان أصحاب أريوس قد استولوا على الكنائس منذ أربعين سنة فأزالهم عنها ونفاهم وأسقط من عساكره كل من يدين بتلك المقالة‏.‏ وعقد المجمع الثاني بقسطنطينية لمائتين وخمسين سنة من مجمع نيقية وقرر فيه الأمانة الأولى بنيقية وعهدوا أن لا يزاد فيها ولا ينقص‏.‏ وفي الخامسة عشرة من ملكه مات سابور بن سابور وملك بعده بهرام‏.‏ ثم هلك تاوداسيوس لسبع عشرة سنة من ملكه‏.‏ سنين وهو الموفى أربعين عدداً من ملوك القياصرة قال‏:‏ واستعمل طودوشيش بن أنطيونش بن لوخيان على ناحية المشرق‏.‏ فملك الكثير منها‏.‏ ثم هجم أهل رومة على قائدهم فقتلوه وخلعوا وليطيانش الملك فلحق بطودوشيش بالمشرق فسلم إليه في الملك فأقبل طودوشيش إلى رومة وقتل الثائر بها واستقل بملك القياصرة‏.‏ وهلك لأربع عشرة سنة من ولايته‏.‏ فولي ابنه كاديكش ويظهر من كلام هروشيوش أن طودوشيش هو تاوداسيوس الذي ذكره ابن العميد لأنهما متفقان في أن ابنه أركاديس ومتقاربان في المدة‏.‏ فلعل وليطانش الذي ذكره هروشيوش هو أغراديانوس الذي ذكره ابن العميد‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وملك أركاديش ولد تاوداسيوس الأكبر ثلاث عشرة سنة باتفاق في ثالثة ملك بهرام بن سابور وكان مقيماً بالقسطنطينية وولى أخاه أنوريش على رومة‏.‏ قال وولد لأركاديش ابن سماه طودوشيش باسم أبيه‏.‏ ولما كبر طلب معلمه أريانوس ليعلم ولده فهرب إلى مصر وترهب ورغبه بالمال فأبى وأقام في مغارة بالجبل المقطم على قرية طرا ثلاث سنين‏.‏ ومات فبنى الملك على قبره كنيسة وديراً يسمى دير القصير ويقال‏:‏ دير البغل‏.‏ وفي أيامه غرق أبو فانيوس بمرجعه إلى قبرص‏.‏ ومات يوحنا فم الذهب بطرك القسطنطينية وكان نفاه أركاديش بموافقة أبي فانيوس ودعا كل منهما على صاحبه فهلكا‏.‏ وفي التاسعة من ملك ثم هلك أركاديش وملك من بعده طودوشيش الأصغر ابن أركاديش ثلاث عشرة سنة وولى أخاه أنوريش على رومة فاقتسما ملك اللطينيين وانتقض لعهديهما قومس أفريقية وخالفه إلى طاعة القياصرة فحدثت بأفريقية فتنة لذلك‏.‏ ثم غلب القومس أخاه فلحق بقبرص وترهب بها‏.‏ ثم زحف القوط إلى رومة وفر عنها أنوريش فحاربوها ودخلوها عنوة واستباحوها ثلاثاً وتجافوا عن أموال الكنائس‏.‏ قال‏:‏ ولما هلك أركاديش قيصر استبد أخوه أنوريش بالملك خمس عشرة سنة وأحسن في دفاع القوط عن رومة وهلك فولي من بعده طودوشيش ابن أخيه أركاديش ولم يذكر ابن العميد أنوريش وإنما ذكر بعد أركاديش ابنه طودشيش وسماه الأصغر‏.‏ قال وملك اثنتين وأربعين سنة باتفاق في خامسة ملك يزدجرد وكانت بينه وبين الفرس حروب كثيرة‏.‏ قال‏:‏ وفي أول سنة من ملكه مات تاوفيلا بطرك إسكندرية فولي مكانه كيرلوس ابن أخته‏.‏ في السابعة عشرة من ملكه قدم نسطوريش بطركاً بالقسطنطينية فأقام أربع سنين وظهرت عنه العقيدة التي دان بها وقد تقدمت وبلغت مقالته إلى كيرلس بطرك الإسكندرية‏.‏ فخاطب في ذلك بطرك رومة‏.‏ أنطاكية وبيت المقدس ثم اجتمعوا بمدينة أفسيس في مائتي أسقف وأجمعوا على كفر نسطوريس ونفوه فنزل أخميم من صعيد مصر أقام بها سبع سنين وأخذ بمقالته نصارى الجزيرة والموصل إلى الفرات ثم العراق وفارس إلى المشرق‏.‏ وولى طودوشيش بالقسطنطينية مقسيموس عوضاً عن نسطورس فأقام بها ثلاث سنين‏.‏ وفي ثامنة وثلاثين من ملك طودوشيش الأصغر مات كيرلس بطرك الإسكندرية وولي مكانه ديسقرس ولقي شدائد من مرقيان الملك بعده‏.‏ وفي السادسة عشرة من ملك طودوشيش الأصغر مات يزدجرد كسرى وولي ابنه بهرام جور وكانت بينه وبين خاقان ملك الترك وقائع‏.‏ ثم عدل عن حروبهم ودخل إلى أرض الروم فهزمه طودوشيش وملك ابنه يزدجرد‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ وفي أيام طودوشيش الأصغر تغلب القوط على رومة وملكوها وهلك ملكهم أبطريك كما نذكر في أخبارهم‏.‏ ثم صالحوا الروم على أن يكون لهم الأندلس فانقلبوا إليها وتركوا رومة انتهى‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ ثم ملك مرقيان بعده ست سنين باتفاق وتزوج أخت طودوشيش وسماه هروشيوش مركيان بن مليكة‏.‏ قالوا وكان في أيامه المجمع الرابع بمقدونية وقد تقدم ذكره وإنه كان بسبب ديسقوس بطرك إسكندرية وما أحدث من البدعة في الأمانة فأجمعوا على نفيه وجعلوا مكانه برطارس‏.‏ وافترقت النصارى إلى ملكية وهم أهل الأمانة فنسبوا إلى مركيان قيصر الملك الذي جمعهم وعهد بأن لا يقبل ما اتفق عليه أهل المجمع الخلقدوني‏.‏ وإلى يعقوبية وهم أهل مذهب ديسقوس وتقدم الكلام في تسميتهم يعقوبية‏.‏ وإلى نسطورية وهم نصارى المشرق‏.‏ وفي أيام مركيان سكن شمعون الحبيس الصومعة بأنطاكية وترهب وهو أول من فعل ذلك من النصارى‏.‏ وعلى عهده مات يزدجرد كسرى‏.‏ ومات مركيان قيصر لست سنين من ملكه وملك بعده لاون الكبير‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ لسبعمائة وسبعين من ملك الإسكندر ولثانية من ملك نيرون ملك ست عشرة سنة‏.‏ ووافقه هروشيوش على مدته وقال فيه ليون بن شمخلية‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وكان على مذهب الملكية ولما سمع أهل إسكندرية بموت مركيان وثبوا على برطارس البطرك فقتلوه بعد ست سنين من ولايته وأقاموا مكانه طيمناوس‏.‏ وكات يعقوبياً فجاء قائد من قسطنطينية بعد ثلاث سنين من ولايته فنفاه وأبدل عنه سوريس من الملكية وأقام تسع سنين‏.‏ ثم عاد طيماناوس بالأمر لاون قيصر ويقال أنه بقي بطركاً اثنتين وعشرين سنة ولثانية عشر من ملك لاون زحف الفرس إلى مدينة آمد وحاصروها وامتنعت عليهم‏.‏ وفي أيامه مات شمعون الحبيس صاحب العمود‏.‏ ثم هلك لاون قيصر لست عشرة سنة من ملكه‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وولي من بعده لاون الصغير وهو أبو زينون الملك بعده‏.‏ وقال ابن بطريق هو ابن سينون وكان يعقوبياً وملك سنة واحدة‏.‏ ولم يذكره هووشيوش وإنما ذكر زينون الملك بعده وسماه سينون بالسين المهملة وقال‏:‏ ملك سبع عشرة سنة وقال ابن العميد مثله‏.‏ ولثمانية عشر من ملك نيرون ولسبعمائة وسبع وثمانين للاسكندر قال وكان يعقوبياً وخرج عليه ولده ورجل من قرابته وحاربهما عشرين شهراً‏.‏ ثم قتلهما وأتباعهما ودخل قسطنينية ووجد بطركها وكان رديء العقيدة قد غير كتب الكنيسة وزاد ونقص‏.‏ فكتب زينون قيصر إلى بطرك رومة وجمع الأساقفة فناظروه ونفوه‏.‏ وفي سابعة ملك زينون مات طيماناوس بطرك إسكندرية فولي مكانه بطرس وهلك بعد ثمان سنين فولي مكانه أثناسيوس وهلك لسبع سنين وكان قيماً ببعض البيع في بطركيته‏.‏ قال المسبحي وفي أيام زينون احترق ملعب الخيل الذي بناه بطليموس الأرنبا بالإسكندرية‏.‏ وقال ابن بطريق‏:‏ وفي أيام زينون هاجت الحرب بين نيرون والهياطلة وهزموه في بعض حروبهم ورد الكرة عليه بعض قواده كما في أخبارهم ومات نيرون وتنازع الملك ابناه قياد ويلاش وفي عاشرة من ملك زينون غلب يلاش أخاه واستقل بالملك‏.‏ ولحق أخوه قياد بخاقان ملك الترك‏.‏ ثم هلك يلاش لأربع سنين ورجع قياد واستولى على مملكة فارس وذلك في أربعة عشر من ملك زينون فأقام ثلاثاً وأربعين سنة‏.‏ وهلك زينون لسبع عشر من ولايته فملك بعده نسطاس سبعاً وعشرين سنة في أربعة من ملك قياد ولثمانمائة وثلاث للاسكندر وكان يعقوبياً وسكن حماة ولذلك أمر أن تشيد وتحصن فبنيت في سنتين‏.‏ وعهد لأول ملكه أن يقتل كل امرأة كاتبة‏.‏ وفي ثالثة ملكه أمر ببناء مدينة في المكان الذي قتل فيه دارا فوق نصيبين‏.‏ ثم وقعت الحرب بينه وبين الأكاسرة وخرب قياد مدينة آمد ونازلت عساكر الفرس إسكندرية وأحرقوا ما حولها من البساتين والحصون‏.‏ وقتل بين الأمتين خلق كثير‏.‏ وفي سادسة ملكه مات أثناسيوس بطرك الإسكندرية فصير مكانه يوحنا وكان يعقوبياً ومات لتسع سنين فصير بعده يوحنا الحسن ومات بعد إحدى عشرة‏.‏ وفي أيام نسطاس قدم ساريوس بطركاً بأنطاكية وكان كلاهما على أمة ديسقوس‏.‏ وفي سابعة وعشرين من ملك نسطاس قدم ساريوس بطركاً بأنطاكية‏.‏ ومات يوحنا بطرك إسكندرية فولى مكانه ديسقوس الجديد ومات لسنتين ونصف‏.‏ وقال سعيد بن بطريق‏:‏ إن إيليا بطرك المقدس كتب إلى نسطاس قيصر يسأله الرجوع إلى الملكية ويوضح له الحق في مذهبهم وصبا إليه في ذلك جماعة من الرهبان فأحضرهم وسمع كلامهم وبعث إليهم بالأموال للصدقات وعمارة الكنائس وكان بقسطنطينية رجل على رأي ديسقوس فمضى إلى نشطانش قيصر ومضى وأشارعليه باتباع مذهب ديسقوس وأن يرفض المجمع الخلقدوني فقبل ذلك منه وبعث إلى جميع أهل مملكته‏.‏ وبلغ ذلك بطرك أنطاكية فكتب إلى نشطانش قيصر بالملامة على ذلك فغضب ونفاه‏.‏ وجعل مكانه بإنطاكية سويوس وبلغ ذلك إلى إيليا بطرك القدس‏.‏ فجمع الرهبان ورؤساء الديور في نحو عشرة آلاف ولعنوا سويوس وأجرموه والملك نشطانش معه‏.‏ فنفاه نشطانش إلى إيليا وذلك في ثالثة وعشرين من ملكه‏.‏ فاجتمع جميع البطاركة والأساقفة من الملكية وأجرموا نشطانش الملك وسويوس وديسقوس إمام اليعقوبية ونسطورس‏.‏ قال ابن بطريق‏:‏ وكان لسيوس تلميذ اسمه يعقوب البرادعي يطوف البلاد داعياً إلى مقالة سويروس ودسقوس فنسب اليعاقبة إليه‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ وليس كذلك لأن اليعاقبة سموا بذلك من عهد ديسقوس كما مر‏.‏ ثم هلك نشطانش أسمبع وعشرين من ملكه وملك بعده يشطيانش قيصر لثمانية وثلاثين من ملك قياد بن نيرون ولثمانية وثلاثين للاسكندر‏.‏ وملك تسع سنين باتفاق‏.‏ وقال هروشيوش سبعاً‏.‏ وقال المسبحي كان معه شريك في ملكه اسمه يشطيان‏.‏ وفي ثالثة ملكة غزت الفرس بلاد الروم فوقعت بين الفرس والروم حروب كثيرة‏.‏ وزحف كسرى في آخرها لثمانية من ملك يشطيانش ومعه المنذر ملك العرب فبلغ الرها وغلب الروم وغرق من الفريقين في الفرات خلق كثير وحمل الفرس أسارى الروم وسباياهم‏.‏ ثم وقع الصلح بينهما بعد موت قيصر‏.‏ وفي تاسعة ملكه أجاز البربر من المغرب إلى رومة وغلبوا عليها‏.‏ قال ابن بطريق وكان يشطيانش على دين الملكية فرد كل من نفاه نشطانش قبله منهم‏.‏ وصير طيماناوس بطركاً بالإسكندرية وكان يعقوبياً فلبث فيهم ثلاث سنين وقيل سبع عشرة سنة‏.‏ وقال ابن الراهب‏:‏ كان يشطيانش خلقدونياً ونفى طيماناوس البطرك عن إسكندرية وجعل مكانه أيوليناريوس وكان ملكياً وعقد مجمعاً بالقسطنطينية يريد جمع الناس على رأي الخلقدونية مذهبه‏.‏ وأحضر شاويرش بطرك إنطاكية وأساقفة المشرق فلم يوافقوه فاعتقل بطرك أنطاكية سنين ثم أطلقه فسار إلى مصر وبقي مختفياً في الديور‏.‏ ثم وصل أيوليناريوس بطرك إسكندرية ومعه كتاب الأمانة الخلقدونية فقبل الناس منه وتبعوا مذهبه فيها وصاروا إليه‏.‏ وهلك يشطيانش لتسع سنين من ملكه‏.‏ ثم ملك يشطيانش قيصر لإحدى وأربعين من ملك قياد ولثمانمائة وأربعين للاسكندر وكان ملكياً وهو ابن عم يشطيانش الملك قبله‏.‏ وقال المسبحي‏:‏ بل كان شريكه كما مر وملك أربعين سنة باتفاق‏.‏ وقال أبو فانيوس‏:‏ ثلاثاً وثلاثين وفي سابعة ملكه غزا كسرى بلاد الروم وأحرق إيليا وأخذ الصليب الذي كان فيها وفي حادية عشر من ملكه عصت السامرية عليه فغزاهم وخرب بلادهم وفي سادسة عشر من ملكه غزا الحارث بن جبلة أمير غسان والعرب ببرية الشام وغزا بلاد الأكاسرة وهزم عساكرهم وخرب بلادهم‏.‏ ولقيه بعض مرازبة كسرى فهزمهم ورد السبي منهم‏.‏ عهد بأن يتخذ عيد الميلاد في رابع وعشرين من كانوا الأول وعيد الغطاس في ست منه وكانا من قبل ذلك جميعاً في سادس كانون‏.‏ وقال المسبحي‏:‏ أراد يشطيانش حمل الناس على رأي الملكية طيماناوس بطرك إسكندرية وكان يعقوبياً وأراده على ذلك فامتنع فهم بقتله ثم أطلقه فرجع إلى مصر مختفياً ثم نفاه بعد ذلك وجعل مكانه بولس وكان ملكياً فلم يقبله اليعاقبة وأقام على ذلك سنين‏.‏ قال سعيد بن بطريق‏:‏ ثم بعث قيصر قائداً من قواده اسمه يوليناريوس وجعله بطرك إسكندرية فدخل الكنيسة بزي الجند ثم لبس زي في البطاركة وقدس فهموا به فصار إلى سياستها فأقصدوا ثم حملهم على رأي اليعقوبية وقتل من امتنع وكانوا مائتين‏.‏ وفي أيام يشطيانش هذا ثار السامرة بأرض فلسطين وقتلوا النصارى وهدموا كنائسهم فبعث العساكر وأثخنوا فيهم وأمر ببناء الكنائس كما كانت‏.‏ وكانت كنيسة بيت لحم صغيرة فأمر بأن يوسع فيها فبنيت كما هي لهذا العهد‏.‏ وفي عهده كان المجمع الخامس بقسطنطينية بعد مائة وثلاث وستين من المجمع الخلقدوني ولتاسعة وعشرين من ملك يشطيانش وقد مر ذكر ذلك‏.‏ وفي عهد قيصر هذا مات أيوليناريوس القائد الذي جعل بطركاً بإسكندرية لسبع عشرة سنة من ولايته وهو كان رئيس هذا المجمع وجعل مكانه يوحنا وكان أمانيا وهلك لثلاث سنين وانفرد اليعاقبة بالإسكندرية وكان أكثرهم القبط وقدموا عليهم طودوشيوش بطركاً لبث فيهم اثنتين وثلاثين سنة‏.‏ وجعل الملكية بطركهم داقيانوس وطردوا طودوشيوش من كرسيه ستة أشهر‏.‏ ثم أمر يشطيانش قيصر بأن يعاد فأعيد وطلب منه المغامسة أن يقدم دقيانوس بطرك الملكية على الشمامسة فأجابهم‏.‏ ثم كتب يشطيانش إلى طودوشيوش البطرك باجتماع المجمع الخلقدوني أو يترك البطركية فتركها ونفاه وجعل مكانه بولس التنسي فلم يقبله أهل إسكندرية ولا ما جاء به‏.‏ ثم مات وغلقت كنائس القبط اليعقوبية ولقوا شدائد من الملكية ومات طودوشيوش البطرك في سابعة وثلاثين من ملكة يشطيانش وجعل مكانه بإسكندرية بطرس ومات بعد سنتين‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وسار كسرى أنو شروان في مملكة يشطيانش قيصر إلى بلاد الروم وحاصر أنطاكية وفتحها وبنى قبالتها مدينة سماها رومة ونقل إليها أنطاكية‏.‏ ثم هلك يشطيانش وملك بعده يوشطونش قيصر لست وثلاثين من ملك أنو شروان ولثمانمائة وثمانين للإسكندر فملك ثلاث عشرة سنة‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ إحدى عشرة سنة ولثانية من ملكه مات بطرس ملك إسكندرية فجعل مكانه داميانو فمكث ستاً وثلاثين سنة‏.‏ وخربت الديور على عهده وفي الثانية عشرة من ملكه مات كسرى أنو شروان بعد أن كان بعث العساكر من الديلم مع سيف بن ذي يزن من التبابعة ففتحوا اليمن وصارت للأكاسرة‏.‏
ثم هلك يوشطونش قيصر لإحدى عشرة أو ثلاث عشرة من ملكه‏.‏ وملك بعده طيباريوس قيصر لثالثة من ملك هرمز ابن أنوشروان‏.‏ ولثمانمائة واثنتين وتسعين للإسكندر‏.‏ فملك ثلاث سنين عند ابن بطريق وابن الراهب وأربعاً عند المسبحي ولعهده انتقض الصلح بين الروم وفارس واتصلت الحرب وانتهت عساكر الفرس إلى رأس عين الخابور فثار إليهم موريق من بطاركة الروم فهزمهم‏.‏ ثم جاء طباريش قيصر على أثره فعظمت الهزيمة واستمر القتل في الفرس وأسر الروم منهم نحواً من أربعة آلاف غربهم إلى جزيرة قبرص‏.‏ ثم انتقض بهرام مرزبان هرمز كسرى وطرده عن الملك بمنجع من تخوم بلاد الروم وبعث بالصريخ إلى طباريش قيصر فبعث إليه المدد من الفرسان والأموال‏.‏ يقال كان عسكر المدد أربعين ألفاً فسار هرمز ولقيه بهرام بين المدائين‏.‏ وواسط فانهزم واستبيح وعاد هرمز إلى ملكه وبعث إلى طباريش بالأموال والهدايا أضعاف ما أعطاه ورد إليه ما كانت الفرس أخذته من بلادهم وسألهم‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ وغيرها ونقل من كان فيها من الفرس إلى بلاده‏.‏ وسأله طباريش بأن يبني هيكلين للنصارى بالمدائن وواسط فأجابه إلى ذلك‏.‏ ثم هلك طباريش قيصر وملك من بعده موريكش قيصر في السادسة لهرمز ولثمانمائة وخمس وتسعين للإسكندر وملك عشرين سنة باتفاق المؤرخين فأحسن السيرة‏.‏ وفي حادية عشر من ملكه بلغه عن بعض اليهود بأنطاكية أنهم بالوا على صورة المسيح فأمر بقتلهم ونفيهم‏.‏ ولعهده انتقض على هرمز كسرى قريبه بهرام وخلعه واستولى على ملكه وقتله وسار أبنه أبرويز إلى موريكش قيصر صريخاً فبعث معه العساكر ورد أبرويز إلى ملكه‏.‏ وقتل بهرام الخارج عليه وبعث إليه بالهدايا والتحف كما فعل أبوه من قبله مع القياصرة وخطب أبرويز من موريكش قيصر ابنتة مريم فزوجه إياها وبعث معها من الجهاز والأمتعة والأقمشة ما يضيق عنه الحصر ثم وثب على موريكيش بعض مماليكه بمداخلة قريبه البطريق قوقا فدسه عليه فقتله وملك على الروم وتسمى قيصر وذلك لتسعمائة وأربع عشرة للإسكندر وخمس عشرة لأبرويز‏.‏ فملك ثماني سنين وقتل أولاد موريكش وأفلت صغير منهم فلحق بطور سينا وترهب ومات هنالك وبلغ أبرويز كسرى ما جرى على موريكش وأولاده فجمع عساكره وقصد بلاد الروم ليأخذ ثأر صهره وبعث عساكره مع مرزبانه خزرويه إلى القدس وعهد إليه بقتل اليهود وخراب البلد‏.‏ وبعث بمرزبان آخر إلى مصر والإسكندرية‏.‏ وجاء بنفسه في عساكر الفرس إلى القسطنطينية وحاصرها وضيق عليها‏.‏ وأما خزرويه المرزبان فسار إلى الشام وخرب البلاد‏.‏ واجتمع يهود طبرية والخليل وناصرة وصور وأعانوا الفرس على قتل النصارى وخراب الكنائس فنهبوا الأموال وأخذوا قطعة من الصليب وعادوا إلى كسرى بالسبي وفيهم زخريا بطرك القدس فاستوهبته مريم بنت موريكش من زوجها أبرويز فوهبه إياها مع قطعة الصليب‏.‏ ولما خلت الشام من الروم واجتمع الفرس على القسطنطينية تراسل اليهود من القدس والخليل وطبرية ودمشق وقبرص واجتمعوا في عشرين ألفاً وجاؤوا إلى صور ليملكوها وكان فيها من اليهود نحو من أربعة آلاف فتقبض بطركها عليهم وقيدهم وحاصرهم عساكر اليهود وهدموا الكنائس خارج صور‏.‏ والبطرك يقتل المقيدين ويرمي برؤوسهم إلى أن فنوا‏.‏ وارتحل كسرى عن القسطنطينية جاثياً فأجفل اليهود عن صور وانهزموا‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ وفي رابعة من قوقاص قيصر قدم يوحنا الرحوم بطركاً على الملكية بإسكندرية ومصر‏.‏ وإنما سمي الرحوم لكثرة رحمته وصدقته‏.‏ وهو الذي عمل البيمارستان للمرضى بإسكندرية‏.‏ ولما سمع بمسير الفرس هرب مع البطريق الوالي بإسكندرية إلى قبرص فمات بها لعشر سنين من ولايته‏.‏ وخلا كرسي الملكية بإسكندرية سبع سنين‏.‏ وكان اليعاقبة بإسكندرية قدموا عليهم في أيام قوقاص قيصر بطركاً اسمه أنسطانيوش مكث فيهم اثنتي عشرة سنة واسترد ما كانت الملكية استولت عليه من الكنائس اليعقوبية‏.‏ وجاءه أثناسيوس بطرك أنطاكية بالهدايا سروراً بولايته فتلقاه هو بالأساقفة والرهبان‏.‏ واتخذت الكنيسة بمصر والشام وأقام عنده أربعين يوماً ورجع إلى مكانه‏.‏ ومات أنسطانيوش بعد اثنتي عشرة من ولايته لثلثمائة وثلاثين من ملك ديقلاديانوس‏.‏ ولما انتهى أبرويز في حصار القسطنطينية نهايته وضيق عليها وعدموا الأقوات واجتمع البطاركة بعلوقيا وبعثوا السفن مشحونة بالأقوات مع هرقل أحد بطاركة الروم‏.‏ ففرحوا به ومالوا إليه وداخلهم في الملك وأن قوقاص سبب هذه الفتنة فثاروا عليه وقتلوه وملكوا هرقل‏.‏ وذلك لتسعمائة واثنتين وعشرين للإسكندر فارتحل أبرويز عن القسطنطينية راجعاً إلى بلاده‏.‏ وملك هرقل بعد ذلك إحدى وثلاثين سنة ونصف عند المسبحي وابن الراهب واثنتين وثلاثين عند ابن بطريق‏.‏ وكانت ملكته أول سنة من الهجرة‏.‏ وقال هروشيوش لتسع وسماه هرقل بن هرقل بن أنطونيش‏.‏ ولما تملك هرقل بعث أبرويز بالصلح بوسيلة قتلهم موريكش فأجابهم على تقرير الضريبة عليهم فامتنعوا فحاصرهم ست سنين أخرى إلى الثمان التي تقدمت وجهدهم الجوع فخادعهم هرقل بتقرير الضريبة على أن يفرج عنهم حتى يجمعوا له الأموال‏.‏ وضربوا الموعد معه ستة أشهر ونقض هرقل فخالف كسرى إلى بلاده واستخلف أخاه قسطنطين على قسطنطينية وسار في خمسة آلاف من عساكر الروم إلى بلاد فارس فخرب وقتل وسبى وأخذ بني أبرويز كسرى من مريم بنت موريكش وهما قباذ وشيرويه‏.‏ ومر بحلوان وشهرازور إلى المدائن ودجلة ورجع إلى أرمينية ولما قرب من القسطنطينية وارتحل أبرويز كسرى إلى بلاده فوجدها خراباً وكان ذلك مما أضعف من مملكة الفرس وأوهنها‏.‏ وخرج هرقل لتاسعة من ملكه لجمع الأموال وطلب عامل دمشق منصور بن شرخون فاعتذر بأنه كان يحمل الأموال إلى كسرى فعاقبه واستخلص منه مائة ألف دينار وأبقاه على عمله‏.‏ ثم سار إلى بيت المقدس وأهدى إليه فأمنهم أولاً ثم عرفه الأساقفة والرهبان بما فعلوه في الكنائس ورآها خراباً وأخبروه بمن قتلوه من النصارى فأمر هرقل بقتلهم فلم ينج منهم إلا من اختفى أو أبعد المفر إلى الجبال والبراري وأمر بالكنائس فبنيت‏.‏ وفي العاشرة من ملكه قدم أندرسكون بطركاً لليعاقبة بإسكندرية فأقام ست سنين خربت فيها الديور‏.‏ ثم مات فجعل مكانه بنيامين‏.‏ فمكث سبعاً وثلاثين سنة ومات‏.‏ والفرس يومئذ قد ملكوا مصر والإسكندرية‏.‏ وأما هرقل فسار من بيت المقدس إلى مصر وملكها وقتل الفرس وولى على الإسكندرية فوس وكان أمانيا وجمع له بين البطركة والولاية‏.‏ ورأى بنيامين البطرك في نومه شخصاً يقول قم فاختف إلى أن يجوز غضب الرب‏.‏ فاختفى وتقبض هرقل على أخيه مينا وأراده على الأخذ بالأمانة الخلقدونية فامتنع فأحرقه بالنار ورمى بجثته في البحر‏.‏ ثم عاد هرقل إلى قسطنطينية بعد أن جمع الأموال من دمشق وحمص وحماة وحلب عمر البلاد إلى أن ملك مصر عمرو بن العاص وفتحها لثلثمائة وسبع وخمسين لديقلاديانوس وكتب لبنيامين البطرك بالأمان فرجع إلى إسكندرية بعد أن غاب عن كرسيه ثلاث عشرة سنة‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وانتقل التاريخ إلى الهجرة لإحدى عشرة من ملك هرقل وذلك لتسعمائة وثلاث وثلاثين للإسكندر وستمائة وأربع عشرة للمسيح‏.‏ قال المسعودي‏:‏ وقيل إن مولده عليه السلام كان لعهد نيشطيانش الثاني الذي ذكر أنه نوسطيونس الذي بنى كنيسة الرها وأن ملكه كان عشرين سنة‏.‏ ثم هرقل بن نوسطيونس خمس عشرة سنة وهو الذي ضرب السكة الهرقلية وبعده مورق بن هرقل‏.‏ قال‏:‏ والمشهور بين الناس أن الهجرة وأيام الشيخين كان ملك الروم لهرقل‏.‏ قال‏:‏ وفي كتب السير أن الهجرة كانت على عهد قيصر بن مورق ثم كان بعده ابنه قيصر بن قيصر أيام أبي بكر ثم هرقل بن قيصر أيام عمر وعليه كان الفتح وهو المخرج من الشام‏.‏ قال‏:‏ ومدة ملكهم إلى الهجرة مائة وخمس وسبعون سنة‏.‏ قال الطبري‏:‏ مدة ما بين عمارة المقدس بعد تخريب بختنصر إلى الهجرة على قول النصارى ألف سنة وتزيد ومن ملك الإسكندر إليها تسعمائة ونيف وعشرين سنة ومنه إلى مولد عيسى ثلثمائة وثلاث سنين وعمره إلى رفعه اثنان وثلاثون سنة ومن رفعه إلى الهجرة خمسمائة وخمس وثمانون سنة‏.‏ وقال هروشيوش أن ملك هرقل كانت الهجرة في تاسعته وسماه هرقل بن هرقل ابن أنطونيوس لستمائة وإحدى عشرة من تاريخ المسيح ولألف ومائة من بناء رومة‏.‏ والله تعالى أعلم‏.‏

ميارى 4 - 8 - 2010 01:47 AM

الخبر عن ملوك القياصرة من لدن هرقل والدولة الإسلامية إلى حين انقراض أمرهم وتلاشي أحوالهم
قال ابن العميد‏:‏ وفي الثانية من الهجرة بعث أبرويز عساكره إلى الشام والجزيرة فملكها وأثخن في بلاد الروم وهدم كنائس النصارى واحتمل ما فيها من الذهب والفضة والآنية حتى نقل الرخام الذي كان بالمباني‏.‏ وحمل أهل الرها على رأي اليعقوبية باغراء طبيب منهم كان عنده فعرجوا إليه وكانوا ملكية‏.‏ وفي سابعة الهجرة بعث عساكر الفرس ومقدمهم مرزبانه شهريار فدوخ بلاد الروم وحاصر القسطنطينية ثم تغير له فكتب إلى المرازبة معه بالقبض عليه‏.‏ واتفق وقوع الكتاب بيد هرقل فبعث به إلى شهريار فانتقض ومن معه وطلبوا هرقل في المدد فخرج معهم بنفسه في ثلثمائة ألف من الروم وأربعين ألفاً من الخزر الذين هم التركمان‏.‏ وسار إلى بلاد الشام والجزيرة وافتتح مدائنهم التي كان ملكها كسرى من قبل وفيما افتتح أرمينية‏.‏ ثم سار إلى الموصل فلقيه جموع الفرس وقائدهم المرزبان فانهزموا وقتل‏.‏ وأجفل أبرويز عن المدائن واستولى هرقل على ذخائر ملكهم‏.‏ وكان شيرويه بن كسرى محبوساً فأخرجه شهريار وأصحابه وملكوه وعقدوا مع هرقل الصلح ورجع هرقل إلى آمد بعد أن ولى أخاه تداوس على الجزيرة والشام‏.‏ ثم سار إلى الرها ورد النصارى اليعاقبة إلى مذهبهم الذي أكرهوا على تركه وأقام بها سنة كاملة‏.‏ وعن غير ابن العميد‏:‏ وفي آخر سنة ست من الهجرة كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل كتابه من المدينة مع دحية الكلبي يدعوه إلى الإسلام‏.‏ ونصه على ما وقع في صحيح البخاري‏.‏ بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم‏.‏ سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين‏.‏ ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا إشهدوا بأنا مسلمون‏.‏ فلما بلغه الكتاب جمع من كان بأرضه من قريش وسألهم عن أقربهم نسباً منه فأشاروا إلى ابن سفيان بن حرب‏.‏ فقال لهم‏:‏ إني سائله عن شأن هذا الرجل فاستمعوا ما يقوله‏.‏ ثم سأل أبا سفيان عن أحوال تجب أن تكون للنبي صلى الله عليه وسلم أوينزه عنها‏.‏ وكان هرقل عارفاً بذلك فأجابه أبو سفيان عن جميع ما سأله من ذلك‏.‏ فرأى هرقل أنه نبي لا محالة مع أنه كان حزاء ينظر في علم النجوم وكان عنده علم من القرآن الكائن قبل الملة بظهور الملة والعرب فاستيقن بنبوته وصحة ما يدعو إليه حسبما ذكر البخاري في صحيحه‏.‏ وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحرث بن أبي شمر الغساني ملك غسان بالبلقاء من أرض الشام وعامل قيصر على العرب مع شجاع بن وهب الأسدي يدعوه إلى الإسلام‏.‏ قال لشجاع‏:‏ فأتيته وهو بغوطة دمشق يهيىء النزل لقيصر حين جاء من حمص إلى إيليا‏.‏ فشغل عني إلى أن دعاني ذات يوم وقرأ كتابي وقال‏:‏ من ينتزع مني ملكي أنا سائر إليه ولو كان باليمن‏.‏ ثم أمر بالخيول تنعل وكتب بالخبر إلى قيصر فنهاه عن المسير‏.‏ ثم أمرني بالانصراف وزودني بمائة دينار‏.‏ ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثامنة من الهجرة جيشه إلى الشام وهي غزوة مؤتة كان المسلمون فيها ثلاثة آلاف وأمر عليهم زيد بن حارثة وقال‏:‏ إن أصيب فجعفر فعبد الله بن رواحة فانتهوا إلى معان من أرض الشام ونزل هرقل صاب من أرض البلقا في مائة ألف من الروم‏.‏ وانضمت إليهم جموع جذام والغيد وبهرام وبلى وعلى بلى مالك بن زافلة‏.‏ ثم زحف المسلمون إلى البلقا ولقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب على مؤتة فكان التمحيص والشهادة‏.‏ واستشهد زيد ثم جعفر ثم عبد الله‏.‏ وانصرف خالد بن الوليد بالناس فقدموا المدينة ووجد النبي صلى الله عليه وسلم على من قتل من المسلمين ولا كوجده على جعفر بن أبي طالب لأنه كان تلاده‏.‏ ثم أمر بالناس في السنة التاسعة بعد الفتح وحنين والطائف أن يتهيأوا لغزو الروم فكانت غزوة تبوك‏.‏ فبلغ تبوك وأتاه صاحب أيلة وجرباء وأذرح وأعطوا الجزية وصاحب أيلة يومئذ يوحنا بن رؤبه بن نفاثة أحد بطون جذام وأهدى له بغلة بيضاء‏.‏ وبعث خالد بن الوليد إلى دومة الجندل وكان بها أكيدر بن عبد الملك فأصابوه بضواحيها في ليلة مقمرة فأسروه وقتلوا أخاه وجاؤوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحقن دمه وصالحه على الجزية ورده إلى قريته‏.‏ وأقام بتبوك بضع عشرة ليلة وقفل إلى المدينة‏.‏ وبلغ خبر يوحنا إلى هرقل فأمر بقتله وصلبه عند قريته ورجعنا إلى كلامه قال‏:‏ وفي الثالثة عشرة من الهجرة جهز أبو بكر العساكر من المسلمين من العرب لفتح الشام‏:‏ عمرو بن العاص لفلسطين ويزيد بن أبي سفيان لحمص وشرحبيل بن حسنة للبلقاء وقائدهم أبو عبيدة بن الجراح‏.‏ وبعث خالد بن سعيد بن العاصي إلى سماوة فلقيه ماهاب البطريق في جموع الروم فهزمهم خالد إلى دمشق ونزل موضع الصفراء‏.‏ ثم أخذوا عليه الطريق ونازلوه ثانية فتجهز إلى جهة المسلمين‏.‏ وقتل ابنه وبعث أبو بكر خالد بن الوليد بالعراق يسير إلى الشام أميراً على المسلمين‏.‏ فسار ونزل معهم دمشق وفتحوها كما نذكر في الفتوحات‏.‏ وزحف عمرو بن العاصي إلى غيره ولقيته الروم هنالك فهزمهم وتحصنوا ببيت المقدس وقيسارية‏.‏ ثم زحف عساكر الروم من كل جانب في مائتين وأربعين ألفاً والمسلمون في بضع وثلاثين ألفاً والتقوا باليرموك فانهزم الروم وقتل منهم من لا يحصى وذلك في الخامسة عشر من الهجرة‏.‏ ثم تتابعة عليهم الهزائم ونازل أبو عبيدة وخالد بن الوليد حمص فصالحوهم على الجزية‏.‏ ثم سار خالد إلى قنسرين فلقيه منباس البطريق في جموع الروم فهزمهم وقتل منهم خلق كثير‏.‏ وفتح قنسرين ودوخ البلاد‏.‏ ثم سار عمرو بن العاصي وشرحبيل بن حسنة فحاصروا مدينة الرملة وجاء عمر بن الخطاب إلى الشام فعقد لأهل الرملة الصلح على الجزية وبعث عمراً وشرحبيل لحصار بيت المقدس فحاصروها‏.‏ ولما أجهدهم البلاء طلبوا الصلح على أن يكون أمانهم من عمر نفسه فحضر عندهم وكتب أمانهم ونصه‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم من عمر بن الخطاب لأهل إيلياء أنهم آمنون على دمائهم وأولادهم ونسائهم وجميع كنائسهم لا تسكن ولا تهدم‏.‏ ودخل عمر بن الخطاب بيت المقدس وجاء كنيسة القمامة فجلس في صحنها وحان وقت الصلاة فقال للبترك أريد الصلاة فقال له صل موضعك فامتنع وصلى على الدرجة التي على باب الكنيسة منفرداً‏.‏ فلما قضى صلاته قال للبترك‏:‏ ‏"‏ لو صليت داخل الكنيسة أخذها المسلمون بعدي وقالوا هنا صلى عمر ‏"‏‏.‏ وكتب لهم أن لا يجمع على الدرجة للصلاة ولا يؤذن عليها‏.‏ ثم قال للبترك أرني موضعاً أبني فيه مسجداً‏.‏ فقال‏:‏ على الصخرة التي كلم الله عليها يعقوب ووجد عليها ردماً كثيراً فشرع في إزالته وتناوله بيده يرفعه في ثوبه واقتدى به المسلمون كافة فزال لحينه‏.‏ وأمر ببناء المسجد‏.‏ ثم بعث عمرو بن العاصي إلى مصر فحاصرها وأمده بالزبير بن العوام في أربعة آلاف من المسلمين فصالحهم المقوقس على الجزية ثم سار إلى الإسكندرية فحاصرها وافتتحها‏.‏ أبو عبيدة فهزمهم واستلحمهم‏.‏ ورجع هرقل إلى أنطاكية وقد استكمل المسلمون فتح فلسطين وطبرية والساحل كله‏.‏ واستنفر العرب المتنصرة من غسان ولخم وجذام وقدم عليهم ما هاب البطريق وبعثه للقاء العرب‏.‏ وكتب إلى عامله على دمشق منصور بن سرحون أن يمده بالأموال‏.‏ وكان يحقد عليه نكبته من قبل واستصفى ماله حين أفرج الفرج عن حصاره بالقسطنطينية لأول ولايته‏.‏ فاعتذر العامل للبطريق عن المال وهون عليه أمر العرب‏.‏ فسار من دمشق للقائهم ونازلهم بجابية الخولان ثم أتبعه العامل ببعض مال جهزه العساكر‏.‏ وجاء العسكر ليلاً وأوقد المشاعل وضرب الطبول ونفخ البوقات فظنهم الروم عسكر العرب جاءوا من خلفهم وأنهم أحيط بهم فأجفلوا وتساقطوا في الوادي وذهبوا طوائف إلى دمشق وغيرها من ممالك الروم‏.‏ ولحق ماهاب بطور سيناء وترهب إلى أن هلك وأتبع المسلمون الفل مع منصور إلى دمشق وحاصروها ستة أشهر فرقوا على أبوابها‏.‏ ثم طلب منصور العامل الأمان للروم من خالد فأمنه ودخل المدينة من الباب الشرقي وتسامع الروم الذين بسائر الأبواب فهربوا وتركوها‏.‏ ودخل منها الأمراء الآخرون عنوة ومنصور ينادي بأمان خالد فاختلف المسلمون قليلاً ثم اتفقوا على أمان الروم الذين كانوا بالإسكندرية بعد أن افتتحها عمرو بن العاصي ركبوا إليه البحر ووافوه بها‏.‏ ثم هلك هرقل لإحدى وعشرين من الهجرة ولإحدى وثلاثين من ملكه‏.‏ فملك على الروم بقسطنطنية قسطنطين وقتله بعض نساء أبيه لستة أشهر من ملكه‏.‏ وملك أخوه هرقل بن هرقل‏.‏ ثم تشاءم به الروم فخلعوه وقتلوه وملكوا عليهم قسطنطينيوس بن قسطنطين فملك ست عشرة سنة ومات لسابعة وثلاثين من الهجرة‏.‏ وفي أيامه غزا معاوية بلاد الروم سنة أربع وعشرين وهو يومئذ أمير على الشام في خلافة عمر بن الخطاب فدوخ البلاد وفتح منها مدناً كثيرة وقفل ثم أغزى عساكر المسلمين إلى قبرص في البحر ففتح منها حصوناً وضرب الجزية على أهلها وذلك سنة سبع وعشرين‏.‏ وكان عمرو بن العاصي لما فتح الإسكندرية كتب لبنيامين بطرك اليعاقبة بالأمان فرجع بعد ثلاث عشرة من مغيبه وكان ولاه هرقل في أول الهجرة كما قدمنا‏.‏ وملك الفرس مصر والإسكندرية عشر سنين عند حصار قسطنطينية أيام هرقل ثم غاب عن الكرسي عندما ملك الفرس وقدموا الملكية وبقي غائباً ثلاث عشرة سنة أيام الفرس عشرة وثلاث من ملكة المسلمين‏.‏ ثم أمنه عمرو بن العاصي فعاد ثم مات في تاسعة وثلاثين من الهجرة وخلفه في مكانه أغاثوا فملك سبع عشرة سنة‏.‏ ولما هلك قسنطينوس بن قسطنطين في سابعة وثلاثين من الهجرة كما قلناه ملك على الروم في القسطنطينية ابنه يوطيانوس فمكث اثنتي عشرة سنة وتوفي سنة خمسين فملك بعده طيباريوس ومكث سبع سنين‏.‏ وفي أيامه غزا يزيد بن معاوية القسطنطينية في عساكر المسلمين وحاصرها مدة ثم أفرج عنها واستشهد أبو أيوب الأنصاري في حصارها ودفن في ساحتها‏.‏ ولما قفل عنها توعدهم بتعطيل كنائسهم بالشام إن تعرضوا لقبره‏.‏ ثم قتل طيباريوس قيصر سنة ثمان وخمسين وملك أوغسطس قيصر‏.‏ وفي أيام ولايته مات أغاثوا بطرك اليعاقبة القبط بإسكندرية وقدم مكانه يوحنا‏.‏ ثم قتل أوغسطس قيصر ذبحه بعض عبيده سنة ‏)‏‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏(‏ وملك ابنه أصطفانيوس وكان لعهد عبد الملك بن مروان وفي سنة خمس وستين من الهجرة زاد عبد الملك في المسجد الأقصى وأدخل الصخرة في الحرم‏.‏ ثم خلع أصطفانيوس ثم ملك بعده لاون ومات سنة ثمان وسبعين وملك طيباريوس سبع سنين ومات سنة ست وثمانين فملك سطيانوس وذلك في أيام الوليد بن عبد الملك وهو الذي بنى مسجد بني أمية بدمشق‏.‏ ويقال إنه أنفق فيه أربعمائة صندوق في كل صندوق أربعمائة عشر ألف دينار‏.‏ وكان فيه من جملة الفعلة اثنا عشر ألف مرخم‏.‏ ويقال كانت فيه ستمائة سلسلة من الذهب لتعليق القناديل‏.‏ فكانت تغشى عيون الناظرين وتفتن المسلمين فأزالها عمر بن عبد العزيز وردها إلى بيت المال‏.‏ وكان الوليد لما اعتزم على الزيادة في المسجد أمر بهدم كنيسة النصارى وكانت ملاصقة للمسجد فأدخلها فيه وهي معروفة عندهم بكنيسة مار يوحنا‏.‏ ويقال إن عبد الملك طلبهم في ذلك فامتنعوا وأن الوليد بذل لهم فيها أربعين ألف دينار فلم يقبلوا فهدمها ولم يعطهم شيئاً‏.‏ وشكوا أمرها إلى عمر بن عبد العزيز وجاؤوا بكتاب خالد بن الوليد وعهده أن لا تخرب كنائسهم ولا تسكن فراودهم على أخد الأربعين ألفاً التي بذل لهم الوليد فأبوا فأمر أن ترد عليهم فعظم ذلك على الناس‏.‏ وكان قاضيه أبو إدريس الخولاني فقال لهم‏:‏ تتركون هذه الكنيسة في الكنائس التي في العنوة في المدينة وإلا هدمناها فأذعنوا وكتب لهم عمر الأمان على ما بقي من كنائسهم‏.‏ وفي سنة ست وسبعين بعث كاتب الخراج إلى سليمان بن عبد الملك بأن مقياص حلوان بطل فأمر ببناء مقياس في الجزيرة بين الفسطاط والجزيرة فهو لهذا العهد‏.‏ وفي سنة إحدى ومائة من الهجرة ملك تداوس على الروم سنة ونصفاً ثم ملك بعده لاون أربعاً وعشرين سنة وبعده ابنه قسطنطين وفي سنة ثلاث عشرة ومائة غزا هشام بن عبد الملك الصائفة اليسرى وأخوه سليمان الصائفة اليمنى ولقيهم قسطنطين في جموع الروم فانهزموا وأخذ أسيراً ثم أطلقوه بعد‏.‏ وفي أيام مروان بن محمد وولاية موسى بن نصير لقي النصارى بالإسكندرية ومصر شدة وأخذوا بغرامة المال واعتقل بطرك الإسكندرية أبي ميخايل‏.‏ وطلب بجملة من المال فبذلوا موجودهم وانطلقوا يستسعون ما يحصل لهم من الصدقة‏.‏ وبلغ ملك النوبة ما حل بهم فزحف في مائة ألف من العساكر إلى مصر فخرج إليه عامل مصر فرجع من غير قتال‏.‏ وفي أيام هشام ردت كنائس الملكية من أيدي اليعاقبة وولي عليهما بطرك قريباً من مائة سنة كانت رياسة البطرك فيها لليعاقبة وكانوا يبعثون الأساقفة للنواحي ثم صارت النوبة من ورائهم للحبشة يعاقبة‏.‏ ثم ملك بالقسطنطينية رجل من غير بيت الملك اسمه جرجس فبقي أيام السفاح والمنصور وأمره مضطرب‏.‏ ثم مات وملك بعده قسطنطين بن لاون وبنى المدن وأسكن أهل أرمينية وغيرها‏.‏ ثم مات قسطنطين بن لاون وملك ابنه لاون‏.‏ ثم هلك لاون وملك بعده نقفور‏.‏ وفي سنة سبع وثمانين ومائة غزا الرشيد هرقلة ودوخ جهاتها وصالحه نقفور ملك الروم على الجزية فرجع إلى الرقة وأقام شاتياً وقد كلب البرد‏.‏ وأمن نقفور رجوعهم فانتقض فعاد إليه الرشيد وأناخ عليه حتى قرر الموادعة والجزية عليه ورجع ودخلت عساكر الصائفة بعدها من درب الصفصاق فدوخوا أرض الروم‏.‏ وجمع نقفور ولقيهم فكانت عليه هزيمة شنعاء قتل فيها أربعون ألفاً ونجا يقفور جريحاً‏.‏
وفي سنة تسعين ومائة دخل الرشيد بالصائفة إلى بلاد الروم في مائة وخمسة وثلاثين ألفاً سوى المطوعة وبث السرايا في الجهات وأناخ على هرقلة ففتحها وبلغ سبيها ستة عشر ألفاً‏.‏ وبعث نقفور بالجزية فقبل وشرط عليهم أن لا يعمر هرقلة‏.‏ وهلك نقفور في خلافة الأمين وولى ابنه أستبران قيصر‏.‏ وغزا المأمون سنة خمس عشرة ومائتين إلى بلاد الروم ففتح حصوناً عدة ورجع إلى دمشق‏.‏ ثم بلغه أن ملك الروم غزا طرسوس والمصيصة وقتل منها نحواً من ألف وستمائة رجل فرجع وأناخ على أنطواغوا حتى فتحها صلحاً وبعث المعتصم ففتح ثلاثين من حصون الروم وبعث يحيى بن أكثم بالعساكر فدوخ أرضهم‏.‏ ورجع المأمون إلى دمشق‏.‏ ثم دخل بلاد الروم وأناخ على مدينة لؤلؤة مائة يوم وجهز إليها العساكر مع عجيف مولاه‏.‏ ورجع ملك الروم فنازل عجيفاً فأمده المأمون بالعسكر فرحل عنه ملك الروم وافتتح لؤلؤة صلحاً‏.‏ ثم سار المأمون إلى بلاد الروم ففتح سلعوس والبروة وبعث ابنه العباس بالعساكر فدوخ أرضهم وبنى مدينة الطولية ميلاً في ميل وجعل لها أربعة أبواب‏.‏ ثم دخل غازياً بلاد الروم ومات في غزاته سنة ثمان عشرة ومائتين‏.‏ وفي أيامه غلب قسطنطين على مملكة الروم وطرد ابن نقفور عنها‏.‏ وفي سنة ثلاث وعشرين ومائتين فتح المعتصم عمورية وقصتها معروفة في أخباره‏.‏ وأغفلنا من كلامه أخبار البطاركة من لدن فتح الإسكندر لأنا رأيناه مستغنى عنه وقد صارت بطركيتهم الكبرى التي كانت بالإسكندرية بمدينة رومة وهي هنالك للملكية ويسمونه البابا ومعناه أبو الآباء‏.‏ وبقي ببلاد مصر بطرك اليعاقبة على المعاهدين من النصارى بتلك الجهات وعلى ملوك النوبة والحبشة‏.‏ وأما المسعودي فذكر ترتيب هؤلاء القياصرة من بعد الهجرة والفتح كما ذكره ابن العميد‏.‏ قال‏:‏ والمشهور بين الناس أن الهجرة وأيام الشيخين كان ملك الروم فيها لهرقل‏.‏ قال‏:‏ وفي كتب أهل السير أن الهجرة كانت على عهد قيصر بن مورق ثم كان بعده ابنه قيصر بن قيصر أيام أبي بكر ثم هرقل بن قيصر أيام عمر وعليه كان الفتح وهو المخرج من الشام أيام أبي عبيدة وخالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان فاستقر بالقسطنطينية‏.‏ وبعده مورق بن هرقل أيام عثمان وبعده مورق بن مورق أيام علي ومعاوية وبعده قلفط بن مورق آخر أيام معاوية وأيام يزيد ومروان بن الحكم وكان معاوية يراسله ويراسل أباه مورق وكانت تختلف إليه علامة نياق وبشره مورق بالملك وأخبره أن عثمان يقتل وأن الأمر يرجع إلى معاوية وهادى ابنه قلفط حين سار إلى حرب علي رضي الله عنه‏.‏ ثم نزلت جيوش معاوية مع ابنه اليزيد قسطنطينية وهلك عليها في حصاره أبو أيوب الأنصاري‏.‏ ثم ملك بعد قلفط بن مورق لاون بن قلفط أيام عبد الملك بن مروان وبعده جيرون بن لاون أيام الوليد وسليمان وعمر بن عبد العزيز‏.‏ ثم غشيهم المسلمون في ديارهم وغزوهم في البر والبحر ونازل مسلمة القسطنطينية واضطرب ملك الروم وملك عليهم جرجس بن مرعش وملك تسع عشرة سنة ولم يكن من بيت الملك‏.‏ ولم يزل أمرهم مضطرب إلى أن ملك عليهم قسطنطين بن ألبون وكانت أمه مستبدة عليه لمكان صغره ومن بعده نقفور بن استيراق أيام الرشيد وكانت له معه حروب وغزاه الرشيد فأعطاه الانقياد ودفع إليه الجزية‏.‏ ثم نقض العهد فتجهز الرشيد إلى غزوه ونزل هرقلة وافتتحها سنة تسعين ومائة وكانت من أعظم مدائن الروم‏.‏ وانقاد نقفور بعد ذالك وحمل الشروط‏.‏ وملك بعده استيراق بن نقفور أيام الأمين وغلب عليه قسطنطين بن قلفط وملك أيام المأمون وبعده نوفيل أيام المعتصم واسترد زبطرة ونازل عمورية وافتتحها وقتل من كان بها من أمم النصرانية‏.‏ ثم ملك ميخائيل بن نوفيل أيام الواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين‏.‏ ثم تنازع الروم وملكوا عليهم نوفيل بن ميخاييل ثم غلب على الملك بسيل الصقلبي ولم يكن من بيت الملك‏.‏ وكان ملكه أيام المعتز والمهتدي وبعضاً من أيام المعتمد ومن بعده إليون بن بسيل بقية أيام المعتمد وصدراً من أيام المعتضد‏.‏ ومن بعده الإسكندروس ونقموا سيرته فخلعوه وملكوا أخاه لاوي بن إليون بقية أيام المعتضد والمكتفي وصدراً من أيام المقتدر‏.‏ ثم هلك وملك ابنه قسطنطين صغيراً وقام بأمره أرمنوس بطريق البحر وزوجه ابنته ويسمى الدمستق وهو الذي كان يحارب سيف الدولة ملك الشام من بني حمدان‏.‏ واتصل ذلك أيام المقتدر والقاهر والراضي والمتقي‏.‏ وافترق أمر الروم وأقام بعض بطارقتهم ويعرف أستفانوس في بعض النواحي وخوطب بالملك أرمنوس بطركاً بكرسي القسطنطينية‏.‏ إلى هنا انتهى كلام المسعودي‏.‏ وقال عقبه فجميع سني الروم المتنصرة من أيام قسطنطين بن هلانة إلى عصرنا وهو حدود الثلثمائة والثلاثين للهجرة خمسمائة سنة وسبع سنين وعدد ملوكهم إحدى وأربعون ملكاً قال‏:‏ فيكون ملكهم إلى الهجرة مائة وخمساً وسبعين سنة‏.‏ وفي تاريخ ابن الأثير‏:‏ إن أرمانوس لما مات ترك ولدين صغيرين وكان الدمستق على عهده قوقاش وملك ملطية من يد المسلمين بالأمان سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة وكان أمر الثغور لسيف الدولة بن حمدان‏.‏ وملك قوقاشق مرعش وعرزربة وحصونهما وأوقع بجابية طرسوس مراراً وسار سيف الدولة في بلادهم فبلغ خرشنة وصارخة ودوخ البلاد وفتح حصوناً عدة‏.‏ ثم رجع ثم ولى أرمانوس نقفور دمستقاً‏.‏ واسم الدمستق عندهم على من يلي شرقي الخليج حيث ملك ابن عثمان لهذا العهد‏.‏ فأقام نقفور دمستقاً‏.‏ وهلك أرمانوس وترك ولدين صغيرين وكان نقفور غائباً في بلاد المسلمين فلما رجع اجتمع إليه زعماء الروم وقدموه لتدبير أمر الولدين وألبسوه التاج‏.‏ وسار إلى بلاد المسلمين سنة إحدى وخمسين وثلثمائة إلى حلب فهزم سيف الدولة وملك البلد وحاصر القلعة فامتنعت عليه‏.‏ وقتل ابن أخت الملك في حصارها فقتل جميع الأسرى الذين عنده‏.‏ ثم بنى سنة ست وخمسين مدينة بقيسارية ليجلب منها على بلاد الإسلام فخافه أهل طرسوس واستأمنوا إليه فسار إليهم وملكها بالأمان‏.‏ وملك المصيصة عنوة‏.‏ ثم بعث أخاه في العساكر سنة تسع وخمسين إلى حلب فملكها وهرب أبو المعالي بن سيف الدولة إلى البرية وصالحه مرعويه بعد أن امتنع بالقلعة ورجع‏.‏ ثم إن أم الملكين ابني أرمانوس اللذين كانا مكفولين له استوحشت منه وداخلت في قتله ابن الشميشق فقتله سنة ستين وقام ابن أرمانوس الأكبر وهو بسيل بتدبير ملكه وجعل ابن الشميشق دمستقاً وقام على الأورق أخي نقفور وعلى ابنه ورديس ابن لاون واعتقلهما وسار إلى الرها وميافارقين‏.‏ وعاث في نواحيهما وصانعه أبو تغلب بن حمدان صاحب الموصل بالمال فرجع ثم خرج سنة اثنتين وستين‏.‏ فبعث أبو تغلب ابن عمه أبا عبد الله بن حمدان فهزمه وأسره وأطلقه‏.‏ وكان لأم بسيل أخ قام بوزارتها فتحيل في قتل ابن الشميشق بالسم‏.‏ ثم ولى بسيل بن أرمانوس سقلاروس دمستقاً فعصى عليه سنة خمس وستين وطلب الملك لنفسه ثم خرج على بسيل ورد بن منير من عظماء البطاركة واستجاش بأبي تغلب بن حمدان وملكوا الأطراف وهزم عساكر بسيل مرة بعد مرة‏.‏ فأطلق ورديس لاون وهو ابن أخي نقفور من معقله وبعثه في العساكر لقتاله فهزمه ورديس‏.‏ ولحق ورد بن منير بميافارقين صريخاً بعضد الدولة وراسله بسيل في شأنه فجنح عضد الدولة إلى بسيل وقبض على ورديس واعتقله ببغداد ثم أطلقه ابنه صمصام الدولة لخمس سنين من اعتقاله وشرط عليه إطلاق أسرى المسلمين والنزول عن حصون عدة من معاقل الروم وأن لا يغير على بلاد الإسلام‏.‏ وسار فاستولى على ملطية ومضى إلى القسطنطينية فحاصرها وقتل ورديس بن لاون‏.‏ واستنجد بسيل بملك الروم وزوجه أخته ثم صالح ورداً على ما بيده‏.‏ ثم هلك ورد بعد ذلك بقليل واستولى بسيل على أمره وسار إلى قتال البلغار فهزمهم وملك بلادهم وعاث فيها أربعين سنة‏.‏ واستمد صاحب حلب أبو الفضائل بن سيف الدولة‏.‏ فلما زحف إليه منجوتكين صاحب دمشق من قبل الخليفة بمصر سنة إحدى وثمانين فجاء بسيل لمدده وهزمه منجوتكين ورجع مهزوماً‏.‏ ورجع منجوتكين إلى دمشق ثم عاودوا الحصار فجاء بسيل صريخاً لأبي الفضل فأجفل منجوتكين من مكانه على حلب وسار إلى حمص وشيزر فملكها وحاصر طرابلس وصالحه ابن مروان على ديار بكر ثم بعث الدوقس الدمستق إلى أمامه فبعث إليه صاحب مصر أبا عبد الله بن ناصر الدولة بن حمدان في العساكر فهزمه وقتله‏.‏ ثم هلك بسيل سنة عشر وأربعمائة لنيف وسبعين من ملكه وملك بعده أخوه قسطنطين وأقام تساً ثم هلك عن ثلاث بنات‏.‏ فملك الروم عليهم الكبرى منهن وأقام بأمرها ابن خالها أرمانوس وتزوجت به فاستولى على مملكة الروم‏.‏ وكان خاله ميخاييل متحكماً في دولته ومداخلاً لأهله فمالت إليه الملكة وحملته على قتل أرمانوس فقتله واستولى على الأمر‏.‏ ثم أصابه الصرع وآذاه فعمد لابن أخته واسمه ميخاييل أيضاً وكان أرمانوس قد خرج سنة إحدى وعشرين إلى حلب في ثلاثة آلاف مقاتل ثم خار عن اللقاء فاضطرب ورجع واتبعه العرب فنهبوا عساكره‏.‏ وكان معه ابن الدوقس من عظماء البطارقة فارتاب وقبض عليه‏.‏ وخرج سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة في جموع الروم فملك الرها وسروج وهزم عساكر ابن مروان‏.‏ ولما ملك ميخاييل سار إلى بلاد الإسلام فلقيه الدربري صاحب الشام من قبل العلوية فهزمه واقتصر الروم بعدها عن الخروج إلى بلاد الإسلام‏.‏ وملك ميخاييل ابن أخته كما قلناه وقبض على أخواله وقرابتهم وأحسن السيرة في المملكة‏.‏ ثم طلب زوجته في الخلع فأبت فنفاها إلى بعض الجزائر واستولى على المملكة سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة‏.‏ ونكر عليه البترك ما وقع فيه فهم بقتله ودخل بعض حاشيته في ذلك‏.‏ ونمى الخبر إلى البترك فنادى في النصرانية بخلعه وحاصره في قصره واستدعى الملكة التي خلعها ميخاييل من مكانها وأعادوها إلى الملك فنفت ميخاييل كما نفاها أولاً‏.‏ ثم اتفق البترك والروم على خلع الملكة بنت قسطنطين وملكوا أختها الأخرى تودورة وسلموا ميخاييل لها‏.‏ ثم وقعت الفتنة بين شيعة تودورة وشيعة ميخاييل واتصلت‏.‏ وطلب الروم أن يملكوا عليهم من يمحو هذه الفتنة وأقرعوا على المرشحين فخرجت القرعة على قسطنطين منهم فملكوه أمرهم وتزوج بالملكة الصغيرة تودورة وجعلت أختها الكبرى على ما بذلته لها وذلك سنة أربع وثلاثين وأربعمائة‏.‏ ثم توفي قسطنطين سنة ست وأربعين وملك على الروم أرمانوس وقارن ذلك بظهور الدولة السلجوقية واستيلاء طغرلبك على بغداد فردد الغزو إليهم من ناحية أذربيجان‏.‏ ثم سار ابنه الملك ألبأرسلان وملك مدناً من بلاد الكرج منها مدينة آي وأثخن في بلادهم‏.‏ ثم سار ملك الروم إلى منبج وهزم ابن مرداس وابن حسان وجموع العرب فسار ألبأرسلان إليه سنة ثلاث وستين وخرج أرمانوس في مائتي ألف من الروم والعرب والدوس والكرج ونزل على نواحي أرمينية فزحف إليه ألبأرسلان من أذربيجان فهزمه وحصل في أسره ثم فاداه على مال يعطيه وأجروه عليه وعقد معه صلحاً‏.‏ وكان أرمانوس لما انهزم وثب ميخاييل بعده على مملكة الروم فلما انطلق من الأسر ورجع دفعه ميخاييل عن الملك والتزم أحكام الصلح الذي عقده معه ألبأرسلان وترهب أرمانوس‏.‏ إلى هنا انتهى كلام ابن الأثير‏.‏ ثم استفحل ملك الافرنج بعد ذلك واستبدوا بملك رومة وما وراءها وكان الروم لما أخذوا بدين النصرانية حملوا عليه الأمم المجاورين لهم طوعاً وكرهاً فدخل فيه طوائف من الأمم منهم الأرمن وقد تقدم نسبهم إلى ناحور أخي إبراهيم عليه السلام وبلدهم أرمينية وقاعدتها خلاط ومنهم الكرج وهم من شعوب الروم وبلادهم الخزر بين أرمينية والقسطنطينية شمالاً في جبال ممتنعة ومنهم الجركس في جبال بالعدوة الشرقية من بحر نيطش وهم من شعوب الترك ومنهم الروس في جزائر ببحر نيطش وفي عدوته الشمالية ومنهم البلغار نسبة إلى مدينة لهم في العدوة الشمالية أيضاً من بحر نيطش ومنهم البرجان أمة كبيرة متوغلون في الشمال لا تعرف أخبارهم لبعدها‏.‏ وهؤلاء كلهم من شعوب الترك وأعظم من أخذ به من الأمم الافرنج وقاعدة بلادهم فرنجة ويقولون فرنسة بالسين وملكهم الفرنسيس وهم في بسائط على عدو البحر الرومي من شماليه وجزيرة الأندلس من ورائهم في المغرب تفصل بينهم وبينها جبال متوعرة ذت مسالك ضيقة يسمونها ألبون وساكنها الجلالقة من شعوب الافرنج وهؤلاء فرنسة أعظم ملوك الافرنجة بالعدوة الشمالية من هذا البحر واستولوا من الجزير البحرية منه على صقلية وقبرص وأقريطش وجنوة واستولوا أيضاً على قطعة من بلاد الأندلس إلى برشلونة واستفحل ملكهم بعد القياصرة الأول‏.‏ ومن أمم الافرنجة البنادقة وبلادهم حفافي خليج يخرج من بحر الروم متضايقاً إلى ناحية الشمال ومغرباً بعض الشيء على سبعمائة ميل من البحر‏.‏ وهذا الخلج مقابل لخليج القسطنطيية‏.‏ وفي القرب منه وعلى ثمان مراحل من بلاد جنوة ومن وراءها مدينة رومة حاضرة الافرنجة ومدينة ملكهم وبها كرسي البطرك الأكبر الذي يسمونه البابا‏.‏ ومن أمم الافرنجة الجلالقة وبلادهم الأندلس وهؤلاء كلهم دخلوا في دين النصرانية تبعاً للروم إلى من دخل فيهم منهم من أمم السودان والحبشة والنوبة ومن كان على ملكة الروم من برابرة العدوة بالمغرب مثل نغزاوة هوارة بأفريقية والمصامدة بالمغرب الأقصى‏.‏ واستفحل ملك الروم ودين النصرانية‏.‏ ولما جاء الله بالإسلام وغلب دينه على الأديان وكانت مملكة الروم قد انتشرت في حفافي البحر الرومي من عدوتيه فانتزعوا منهم لأول أمرهم عدوته الجنوبية كلها من الشام ومصر وأفريقية والمغرب وأجازوا من خليج طنجة فملكوا الأندلس كلها من يد القوط والجلالقة وضعف أمر الروم وملكهم بعد الانتهاء إلى غايته شأن كل أمة‏.‏ ثم شغل الافرنجة بما دهمهم من الغرب في الأندلس والجزائر بما كانوا يتخيمونهم ويرددون الصوائف إلى بسائطهم أيام عبد الرحمن الداخل وبنيه بالأندلس وعبد الله الشيعي وبنيه بالأفريقية‏.‏ وملكوا عليهم جزائر البحر الرومي التي كانت لهم صقلية وميورقة ودانية وإخواتها إلى أن فشل ريح الدولتين وضعف ملك العرب فاستفحل الإفرنجة ورجعت لهم واسترجعوا ما ملكه المسلمون إلا قليلاً بسيف البحر الرومي مضائق العرض في طول أربع عشرة مرحلة واستولوا على جزائر البحر كلها‏.‏ ثم سموا إلى ملك الشام وبيت المقدس مسجد أنبيائهم ومطلع دينهم فسربوا إليه آخر المائة الخامسة وتواثبوا على الأمصار والحصون وسواحله‏.‏ ويقال‏:‏ إن المستنصر العبيدي هو الذي دعاهم لذلك وحرضهم عليه لما رجا فيه من اشتغال ملوك السلجوقية بأمرهم واقامتهم سداً بينه وبينهم عندما سموا إلى ملك الشام ومصر‏.‏ وكان ملك الإفرنجة يومئذ اسمه بردويل وصهره روجيه ملك صقلية من أهل طاعته‏.‏ فتظاهروا على ذلك وساروا إلى القسطنطينية سنة إحدى وتسعين ليجعلوها طريقاً إلى الشام فمنعهم ملك الروم يومئذ ثم أجازهم على أن يعطوه ملطية إذا ملكوها فقبلوا شرطه ثم ساروا إلى بلاد ابن قلطمش وقد استولى يومئذ على مرية وأعمالها وأرزن الروم وأقصر وسيواس‏.‏ بينهم وبين الروم بالقسطنطينية واستنجد كل منهم بملوك المسلمين في ثغور الشام والجزيرة وعظمت الفتن في تلك الآفاق ودامت الحال على ذلك نحواً من مائة سنة وملك الروم بالقسطنطينية في تناقص واضمحلال‏.‏ وكان روجيه صاحب صقلية يغزو القسطنطينية من البحر ويأخذ ما يجد في مرساها من سفن التجار وشواني المدينة‏.‏ ولقد دخل جرجي بن ميخاييل صاحب أسطوله إلى ميناء القسطنطينية سنة أربع وأربعين وخمسمائة ورمى قصر الملك بالسهام‏.‏ فكانت تلك أنكى على الروم من كل ناحية‏.‏ ثم كان استيلاء الإفرنج على القسطنطينية آخر المائة السادسة وكان من خبرها أن ملك الروم بالقسطنطينية أصهر إلى الفرنسيس عظيم ملوك الإفرنج في أخته فزوجها له الفرنسيس وكان له منها ابن ذكر‏.‏ ثم وثب بملك الروم أخوه فسمله وملك القسطنطينية مكانه ولحق الابن بخاله الفرنسيس صريخاً به على عمه فوجده قد جهز الأساطيل لارتجاع بيت المقدس واجتمع فيها ثلاثة من ملوك الإفرنجة بعساكرهم‏:‏ دوقس البنادقة صاحب المراكب البحرية وفي مراكبه كان ركوبهم وكان شيخاً أعمى نقاداً ذا ركب والمركس مقدم الفرنسيس وكيدفليد وهو أكبرهم فأمر الفرنسيس بالجواز على القسطنطينية ليصلحوا بين ابن أخته وبين عمه ملك الروم‏.‏ فلما وصلوا إلى مرسى القسطنطينية خرج عمه وحاربهم فهزموه ودخلوا البلد وهرب إلى أطراف البلد وقتل حاضروه وأضرموا النار في البلد فاشتغل الناس بها وأدخل الصبي بشيعته فدخل الإفرنج معه وملكوا البلد وأجلسوا الصبي في ملكه وساء أثرهم في البلد وصادروا أهل النعم وأخذوا أموال الكنائس وثقلت وطأتهم على الروم فعقلوا الصبي وأخرجوهم واستدعوا ملكهم عم الصبي من مكان مقره وملكوه عليهم‏.‏ وحاصرهم الإفرنج فاستنجد بسليمان بن قليج أرسلان صاحب قونية وبلاد الروم شرقي الخليج وكان في البلد خلق من الإفرنج فقبل أن يصل سليمان ثاروا فيها وأضرموا النيران حتى شغل بها الناس وفتحوا الأبواب فدخل الإفرنج واستباحوها ثمانية أيام حتى أقفرت‏.‏ واعتصم الروم بالكنيسة العظمى منها وهي صوفيا‏.‏ ثم خرجت جماعة القسيسين والأساقفة والرهبان في أيديهم الإنجيل والصلبان فقتلوهم أجمعين ولم يراعوا لهم ذمة ولا عهداً‏.‏ ثم خلعوا الصبي واقترعوا ثلاثتهم على الملك فخرجت القرعة على كيدفليد كبيرهم فملكوه على القسطنطينية وما يجاورها وجعلوا لدوقس البنادقة الجزائر البحرية مثل أقريطش ورودس وغيرهما وللمركيس مقدم الفرنسيس البلاد التي في شرقي الخليج‏.‏ ثم تغلب عليهم بفريق من بطارقة الروم اسمه لسكري ودفع عنها الإفرنج وبقيت بيده واستولى بعدها على القسطنطينية وكان اسمه ميخاييل‏.‏ وفي كتاب المؤيد صاحب حماة أنه أقام ببعض الحصون ثم بنيت القسطنطينية وملكها وفر الإفرنج في مراكبهم وملكه الروم وقتل الذي كان ملكاً قبله‏.‏ وتوفي سنة إحدى وثمانين وستمائة وعقد معه الصلح المنصور قلاون صاحب مصر والشام لذلك العهد‏.‏ قال‏:‏ وملك بعده ابنه ماند ويلقب الدوقس وشهرتهم جميعاً اللسكري‏.‏ ثم انقرضت دولة بني قليج أرسلان وملك أعمالهم التتر كم نذكر في أخبارهم وبقي بني اللسكري ملوكاً على القسطنطينية إلى هذا العهد‏.‏ وملك شرقي الخليج بعد انقضاء دولة التتر من بلاد الروم ابن عثمان جق أمير التركمان وهو الآن على صاحب القسطنطينية ومتغلب على نواحيه من سائر جهاته‏.‏ هذا ما بلغنا من أخبار الروم من أول دولتهم منذ يونان والقياصرة لهذا العهد‏.‏ والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين‏.‏

ميارى 4 - 8 - 2010 01:48 AM

الخبر عن القوط وما كان لهم من الملك بالإندلس إلى حين الفتح الإسلامي وأولية ذلك ومصايره
هذه الأمة من أمم أهل الدولة العظيمة المعاصرة لدول الطبقة الثانية من العرب وقد ذكرناهم عقب اللطينين لأن الملك صار إليهم من بينهم كما ذكرناه‏.‏


الخبر عن هم أنهم كانوا يعرفون في الزمن القديم بالسيسيين نسبة إلى الأرض التي كانوا يعمرونها بالمشرق
فيما بين الفرس واليونان وهم في نسبهم إخوة الصين ولد ماغوغ بن يافث وكانت لهم مع الملوك السريانيين حروب موصوفة زحف إليهم فيها مومن مالي ملك سريان فدافعوه لعهد إبراهيم الخليل عليه السلام‏.‏ ثم كانت لهم حروب مع الفرس عند تخريب بيت المقدس وبناء رومة‏.‏ ثم غلبهم الإسكندر وصاروا في ملكته واندرجوا في قبائل الروم ويونان‏.‏ ثم لما ضعف أمر الروم بعد الإسكندر وتغلبوا على بلاد الغريقيين ومقدونية ونبطة أيام غلينوش بن بارايان من ملوك القياصرة وكانت بينه وبينه حروب سجال‏.‏ ثم غلبهم القياصرة من بعدد وظفروا بهم حتى إذا انتقل القياصرة إلى القسطنطينية وفشل أمرهم برومة زحف إليها هؤلاء القوط واقتحموها عنوة فاستباحوها ثم خرجوا عنها أيام طودوسيوس ابن أركاديوس بعد حروب كثيرة‏.‏ وكان أميرهم لذلك العهد أنطرك كما ذكرناه‏.‏ ومات لعهده طودوسيوس وأراد أن يجعل اسمه سمة الملوك برومة منهم مكان سمة قيصر فاختلف عليه أصحابه في ذلك فرجع عنه‏.‏ ثم صالح الرومانيين على أن يكون له ما يفتح من بلاد الأندلس لما كان أمر الرومانيين قد ضعف عن الأندلس ولحق بها ثلاث طوائف من الغريقيين فاقتسموا ملكها وهم الأبيون والشوانيون والفندلس وباسم فندلس سميت الأندلس‏.‏ وكان بالأندلس من قبلهم الأرباريون من ولد طوال بن يافث وهم أخوة الأنطاليس سكنوها من بعد الطوفان وصاروا إلى طاعة أهل رومة حتى دخل إليهم هؤلاء الطوالع من الغريقيين عندما اقتحم القوط مدينة رومة وغلبوا الأمم الذين كانوا بها من ولد طوال‏.‏ وقد يقال‏:‏ إن هؤلاء الطوالع كلهم من ولد طوال بن يافث وليسوا من الغريقيين‏.‏ واقتسم هؤلاء الطوالع ملكها وكانت جلقية لفندلس ولشبونة وماردة وطليطلة ومرسية لشوانش وكانوا أشرافهم‏.‏ وكانت إشبيلية وقرطبة وجيان وطالعة للأنبيق وأميرهم عند ريقش أخو لشيقش أربعين سنة حين زحف إليهم القوط من رومة‏.‏ وكان قد ولى عليهم بعد أطفانش ملك آخر منهم اسمه طشريك وقتله الرومانيون وولي مكانه منهم ماستة ثلاث سنين وزوج أخته من طودوسيوس ملك الرومانيين وصالحه على أن يكون له ما يفتحه من الأندلس‏.‏ ثم مات وولي مكانه لزريق ثلاث عشرة سنة وهو الذي زحف إلى الأندلس وقتل ملوكها وطرد الطوائف الذين كانوا بها فأجازوا إلى طنجة وتغلبوا على بلاد البربر وصرفوا البربر الذين كانوا بالعدوة عن طاعة القسطنطين إلى طاعتهم فلم يزالوا على ذلك إلى دولة يستنيانوس نحواً من ثمانين سنة‏.‏ ثم هلك طوريق ملك القوط بالأندلس وولي مكانه ‏)‏‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏(‏ سبع عشرة سنة وانتقض عاصيه اليسكتس إحدى طوائف القوط فزحف إليهم وردهم إلى طاعته‏.‏ ثم هلك وولي بعده الديك ثلاثاً وعشرين سنة‏.‏ وكانت الإفرنج لعهده قد طمعوا في ملك الأندلس وأن يغلبوا عليها القوط فجمعوا لهم وملكوا على أنفسهم منهم فزحف إليهم الديك في أمم القوط إلى أن توغل في بلاد الإفرنج فغلبوه وقتلوه وعامة أصحابه‏.‏ وكانت القوط قبل دخولهم إلى الأندلس فرقتين كما ذكرنا في دولة بلنسيان بن قسطنطين من القياصرة المتنصرة وكانت إحدى الفرقتين قد أقامت بمكانها من نواحي رومة فلما بلغهم خبر الديك صاحب الأندلس منهم امتعضوا لذلك وكان أميرهم طودريك منهم فزحف إلى الإفرنج وغلبهم على ما كانوا يملكونه من الأندلس‏.‏ ودخل القوط الذين كانوا بالأندلس في طاعته فولي عليهم ابنه أشتريك ورجع إلى مكانه من نواحي رومة فزحف الإفرنج إلى محاربة اشتريك حتى غلبوه على طلوسة من ناحيتهم‏.‏ وهلك اشتريك بعد خمس سنين من ملكه وولي عليهم بعده بشليقش أربع سنين ثم بعده طودريق إحدى وستين سنة وقتله بعض أصحابه بإشبيلية وولي بعده أبرليق خمس سنين وبعده طودس ثلاث عشرة سنة وبعده طودشكل سنتين وبعده أيلة خمس سنين‏.‏ وانتقض عليه أهل قرطبة فحاربهم وتغلب عليهم‏.‏ وبعده طنجاد خمس عشرة سنة وبعده ليولة سنة واحدة وبعده لوبليدة ثماني عشرة سنة‏.‏ وانتقضت عليه الأطراف فحاربهم وسكنهم ونكر عليه النصارى تثليث أريش وراودوه على الأخذ بتوحيدهم الذين يزعمونه فأبى وحاربهم فقتل وولي ابنه زدرق ست عشرة سنة ورجع إلى توحيد النصارى بزعمهم وهو الذي بنى البلاد المنسوبة إليه بقرطبة‏.‏ ولما هلك ولي بعده على القوط ليوبة سنتين وبعده تبديقا عندمار سنتين وبعده شيشوط ثماني سنين وعلى عهده كان هرقل ملك قسطنطينية والشام‏.‏ ولعهده كانت الهجرة‏.‏ وهلك شيشوط ملك القوط وولي بعده زدريق آخر منهم ثلاثة أشهر وبعده شتله ثلاث سنين‏.‏ وبعده سنشادش خمس سنين وبعده خنشوند سبع سنين وبعده وجنشوند ثلاثاً وعشرين سنة‏.‏ ولهذه العصور أبتدأ ضعف الأحكام للقوط‏.‏ وبعده مانيه ثمان سنين وبعده لوري ثمان سنين وبعده ايقه ست عشرة سنة وبعده غطسة أربع عشرة سنة وهو الذي وقع من قصته مع ابنه يليان عامل طنجة ما وقع‏.‏ ثم بعده زدريق سنتين وهو الذي دخل عليه المسلمون وغلبوه على ملك القوط وملكوا الأندلس‏.‏ ولذلك العهد كان الوليد بن عبد الملك حسبما نذكره عند فتح الأندلس إن شاء الله تعالى‏.‏

ميارى 4 - 8 - 2010 01:50 AM

الخبر عن هؤلاء القوط نقلته من كلام هروشيوش
وهو أصح ما رأيناه في ذلك والله سبحانه وتعالى الموفق المعين بفضله وكرمه لا رب غيره ولا الطبقة الثالثة من العرب وهم العرب التابعة للعرب وذكر أفاريقهم و أنسابهم وممالكهم وما كان لهم من الدول على اختلأفها والبادية والرحالة منهم وملكها‏.‏ هذه الأمة من العرب البادية أهل الخيام الذين لا اغلاق لهما لم يزالوا من أعظم أمم العالم وأكثر أجيال الخليقة يكثرون الأمم تارة وينتهي إليهم العز والغلبة بالكثرة فيظفرون بالملك ويغلبون على الأقاليم والمدن والأمصار‏.‏ ثم يهلكهم الترفه والتنعم ويغلبون عليهم ويقتلون ويرجعون إلى باديتهم وقد هلك المتصدرون منهم للرياسة بما باشروه من الترف ونضارة العيش وتصيير الأمر لغيرهم من أولئك المبعدين عنهم بعد عصور أخرى‏.‏ هكذا سنة الله في خلقه‏.‏ وللبادية منهم مع من يجاورهم من الأمم حروب ووقائع في كل عصر وجيل بما تركوا من طلب المعاش وجعلوا طلب المعاش رزقهم في معاشهم بترصد السبيل وانتهاب متاع الناس‏.‏ ولما استفحل الملك للعرب في الطبقة الأولى للعمالقة وفي الثانية للتبابعة وكان ذلك عن كثرتهم‏.‏ فكانوا منتشرين لذلك العهد باليمن والحجاز ثم بالعراق والشام‏.‏ فلما تقلص ملكهم وكانوا يقال في مبدأ كونهم هنالك أن بختنصر لما سلطه الله على العرب وعلى بني إسرائيل بما كانوا من بغيهم وقتلهم الأنبياء قتل أهل الوبر بناحية عدن اليمن نبيهم شعيب بن ذي مهدم على ما وقع في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون ‏"‏ فأوحى الله إلى إرمياء بن حزقيا وبزخيا أن يسيرا بختنصر إلى العرب الذين لا إغلاق لبيوتهم أن يقتل ولا يستحي ويستلحمهم أجمعين ولا يبقى منهم أثراً‏.‏ وقال بختنصر‏:‏ وأنا رأيت مثل ذلك‏.‏ وسار إلى العرب وقد نظم ما بين أيلة والأبلة خيلاً ورجلاً‏.‏ وتسامع العرب بأقطار جزيرتهم واجتمعوا للقائه فهزم عدنان أولاً ثم استلحم الباقين ورجع إلى بابل وجمع السبايا فأنزلهم بالأنبار ثم خالطهم بعد ذلك النبطة‏.‏ وقال ابن الكلبي‏:‏ إن بختنصر لما نادى بغزو العرب افتتح أمره بالقبض على من كان في بلاده من تجارتهم للميرة وأنزلهم الحيرة ثم خرج إليهم في العساكر فرجعت قبائل منهم إليه آثروا الإذعان والمسالمة وأنزلتهم بالسواد على شاطىء الفرات وابتنوا موضع عسكرهم وسموه الاثبالي‏.‏ ثم أنزلتهم الحيرة فسكنوها سائر أيامه ورجعوا إلى الأنبار بعد مهلكه‏.‏
وقال الطبري‏:‏ إن تبع أبا بكر لما غزا العراق أيام أردشير بهمن كانت طريقه على جبل طيء ومنه إلى الأنبار وانتهى إلى موضع الحيرة ليلاً فتحير وأقام فسمي المكان الحيرة‏.‏ ثم سار لوجهه وخلف هنالك قوماً من الأزد ولخم وجذام وعاملة وقضاعة وطنوا وبنوا ولحق بهم ناس من طيء وكلب والسكون وإياد والحرث بن كعب فكانوا معهم‏.‏ وقيل وهو قريب من الأول‏:‏ خرج تبع في العرب حتى تحيروا بظاهر الكوفة فنزل بها ضعفاء الناس فسميت الحيرة‏.‏ ولما رجع ووجدهم قد استوطنوا تركهم هنالك وفيهم من كل قبائل العرب من هذيل ولخم وجعفى وطيء وكلب وبني لحيان من جرهم‏.‏ قال هشام بن محمد‏:‏ مات بختنصر انتقل الذين أسكنهم بالحيرة إلى الأنبار ومعهم من انضم إليهم من بني إسماعيل وبني معد وانقطعت طوالع العرب من اليمن عنهم‏.‏ ثم كثر أولاد معد وفرقتهم العرب وخرجوا يطلبون المنسع والريف فيما يليهم من بلاد اليمن ومشارف الشام‏.‏ ونزلت قبائل منهم البحرين وبها يومئذ قوم من الأزد نزلوها أيام خروح مزيقياء من اليمن‏.‏ وكان الذين اقبلوا من تهامة من العرب مالك وعمرو ابنا فهم بن تيم الله بن أسد بن وبرة بن قضاعة وابن أخيهما مالك بن زهير وابن عمرو بن فهم في جماعة من قومهم والختفار بن الحيق بن عمرو بن معد بن عدنان في قفص كلها‏.‏ ولحق بهم غطفان بن عمرو بن لطمان بن عبد مناف بن بعدم بن دعمى بن أياد بن أرقص بن صبيح بن الحارث بن أفصى بن دعمى وزهير بن الحرث بن أليل بن زهير بن أياد‏.‏ واجتمعوا بالبحرين وتحالفوا على المقام والتناصر وأنهم يد واحدة‏.‏ وكان هذا الاجتماع والحلف أزمان الطوائف وكان ملكهم قليلاً ومفترقاً وكان كل واحد منهم يغير على صاحبه ويرجع على أكثر من ذلك‏.‏ فتطلعت نفوس العرب بالبحرين إلى ريف العراق وطمعوا في غلب الأعاجم عليه أو مشاركتهم فيه واهتبلوا الخلاف الذي كان بين الطوائف وأجمع رؤساؤهم المسير إلى العراق‏.‏ فسار منهم الأول الحنفار بن الحبق في أشلاء قفص بن معد ومن معهم من أخلاط الناس فوجدوا بأرض بابل إلى الموصل بني إرم بن سام الذين كانوا ملوكاً بدمشق وقيل لها مات أجلهم دقشق إرم وهم من بقايا العرب الأولى‏.‏ فوجدوهم يقاتلون ملوك الطوائف فدفعوهم عن سواد العراق فارتفعوا عنه إلى أشلاء قفص هؤلاء ينسبون إلى عمرو بن عدي بن ربيعة جد بني المنذر عند نسابة مصر‏.‏ وفي قول حماد الراوية كما يأتي ذكره‏.‏ ثم طلع مالك وعمرو ابنا فهم وابن مالك بن زهير من قضاعة وغطفان بن عمرو وصبح بن صبيح وزهير بن الحرث من إياد فيمن معهم من غسان وحلفائهم بالأنبار وكلهم تنوخ كما قدمنا فغلبوا بني إرم ودفعوهم عن جهات السواد‏.‏ وجاء على أثرهم نمارة بن قيس ونمارة بن لخم نجدة من قبائل كندة فنزلوا الحيرة وأوطنوها وأقامت طالعة الأنبار وطالعة الحيرة لا يدينون للأعاجم ولا تدين لهم حتى مر بهم تبع وترك فيهم ضعفة عساكره كما تقدم وأوطنوا فيهم من ونزل كثير من تنوخ ما بين الحيرة والأنبار بادين في الخيام لا يأوون إلى المدن ولا يخالطون أهلها‏.‏ وكانوا يسمون عرب الضاحية وأول من ملك منهم أزمان الطوائف مالك بن فهم وبعده أخوه عمرو وبعده ابن أخيه جذيمة الأبرش كما يأتي ذكر ذلك كله‏.‏ وكان أيضاً ولد عمرو مزيقياء بعد خروجه من اليمن بالأزد قومه عند خروجه أنذرهم بسيل العرم في القصة المشهورة‏.‏ وقد انتشروا بالشام والعراق وتخلف من تخلف منهم بالحجاز وهم خزاعة فنزلوا مر الظهران وقاتلوا جرهماً بمكة فغلبوهم عليها ونزل نصر بن الأزد عمان ونزلت غسان جبال الشراة‏.‏ وكانت لهم حروب مع بني معد إلى أن استقروا هنالك في التخوم بين الحجاز والشام‏.‏ هذا شأن من أوطن العراق والشام من قبائل سبا‏.‏ تشاءم منهم أربعة وبقي باليمن ستة وهم مذحج وكندة والأشعريون وحمير وأنمار وهو أبو خثعم وبجيلة فكان الملك لهؤلاء باليمن في حمير ثم التبابعة منهم ويظهر من هذا أن خروج مزيقياء والأزد كان لأول ملك التبابعة أو قبله بيسير‏.‏ وأما بنو معد بن عدنان فكان إرميا وبرخيا لما أوحي إليهما بغزو بختنصر العرب أمرهما الله أن يستخرجا معد بن عدنان لان من ولده محمداً صلى الله عليه وسلم أخرجه آخر الزمان أختم به النبيين وأرفع به من الضعة فأخرجاه على البراق وهو ابن اثنتي عشرة سنة وذهبا به إلى حران فربي عندهما‏.‏ وغزا بختنصر العرب واستلحمهم وهلك عدنان وبقيت بلاد العرب خراباً‏.‏ ثم هلك بختنصر فخرج معد بن عدنان مع أنبياء بني إسرائيل فحجوا جميعاً وطفق يسأل عمن بقي من ولد الحرث بن مضاض الجرهمي‏.‏ وكانت قبائل دوس ‏)‏‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏(‏ أكثر جرهم على يده فقيل له بقي جرهم بن جلهة‏.‏ فتزوج ابنته معانة وولدت له نزار بن معد‏.‏ قال السهيلي‏:‏ وكان رجوع معد إلى الحجاز بعدما رفع الله بأسه عن العرب ورجعت بقاياهم التي كانت بالشواهق إلى مجالاتهم بعد أن دوخ بختنصر بلادهم وخرب معمورهم واستأصل حضورا وأهل الرس التي كانت سطوة الله بالعرب من أجلهم‏.‏ ثم كثر نسل معد في ربيعة ومضر وإياد وتدافعوا إلى العراق والشام وتقدم منهم أشلاء قفص كما ذكرنا وجاءوا على أثرهم فنزلوا مع أحياء اليمنية الذين ذكرناهم قبل وكانت لهم مع تبع حروب وهو الذي يقول‏:‏ لست بالتبع اليماني إن لم تركض الخيل في سواد العراق أو تودي ربيعة الخرج قسراً لم تعقها موانع العواق ثم كان بالعراق والشام والحجاز أيام الطوائف ومن بعدهم في أعقاب ملك التبابعة اليمنية والعدنانية ملك ودول وبعد أن درست الأجيال قبلهم وتبدلت الأحوال السابقة لعصرهم فاستحق بذلك أن يكون جيلاً منفرداً عن الأول وطبقة مباينة للطباق السالفة‏.‏ ولما لم يكن لهم أثر في إنشاء العروبية كما للعرب العاربة ولا في لغتها عنهم كما في المستعربة وكانوا تبعاً لمن تبعهم في سائر أحوالهم استحقوا التسمية بالعرب التابعة للعرب‏.‏ واستمرت الرياسة والملك في هذه الطبقة اليمانية أزمنة وآماداً بما كانت صبغتها لهم من قبل وإحياء مضر وربيعة تبعاً لهم‏.‏ فكان الملك بالحيرة للخم في بني المنذر وبالشام لغسان في بني جفنة وبيثرب كذلك في الأوس والخزرج ابني قيلة وما سوى هؤلاء من العرب فكانوا ظواعن بادية وأحياء ناجعة وكانت في بعضهم رياسة بدوية وراجعة في الغالب إلى أحد هؤلاء‏.‏ ثم نبضت عروق الملك في مضر وظهرت قريش على مكة ونواحي الحجاز أزمنة عرف فيها منهم ودانت الدول بتعظيمهم‏.‏ ثم صبح الإسلام أهل هذا الجيل وأمرهم على ما ذكرناه فاستحالت صبغة الملك إليهم وعادت الدول لمضر من بينهم واختصت كرامة الله بالنبوة بهم فكانت فيهم الدول الإسلامية كلها إلا بعضاً من دولها قام بها العجم اقتداء بالملة وتمهيداً للدعوة حسبما نذكر ذلك كله‏.‏ فلنأت الآن بذكر قبائل هذه الطبقة من قحطان وعدنان وقضاعة وما كان لكل واحدة منها من الملك قبل الإسلام وبعده‏:‏ ومن كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني في أخبار خزيمة بن نهد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة قال‏:‏ كان بدء تفرق بني إسماعيل من تهامة ونزوعهم عنها إلى الآفاق وخروج من خرج منهم عن نسبه أن قضاعة كانوا مجاورين لنزار وكان حزيمة بن نهد فاسقاً متعرضاً للنساء فشبب بفاطمة بنت يذكر وهو عامر بن عنزة وذكرها في شعره حيث يقول‏:‏ إذا الجوزاء أردفت الثريا ظننت بآل فاطمة الظنونا وحالت دون ذلك من هموم هموم تخرج الشجر الربينا أرى ابنة يذكر ظعنت فحلت جنوب الحزن يا شحطاً مبينا وسخط ذلك يذكر خشية حزيمة على نفسه فاغتاله وقتله وانطفت نار يذكر ولم يصح على حزيمة شيء حتى تتوجه به المطالبة على قضاعة حتى قال في شعره‏:‏ فاه كان عند رضاب العصير ففيها يعل به الزنجبيل قتلت أباها على حبها فتبخل إن بخلت أوتقيل فلما سمعت نزار شعر حزيمة بن نهد وقتله يذكر بن عنزة ثاروا مع قضاعة وتساندوا مع أحياء العرب الذين كانوا معهم وكانت هذه مع نزار ونسبها يومئذ كندة بن جنادة بن معد وجيرانهم يومئذ أجأ بن عمرو بن أد بن أدد ابن أخي عدنان بن أدد‏.‏ وكانت قضاعة تنتسب إلى معد‏.‏ ومعد إلى عدنان والأشعريون إلى الأشعر بن أدد ابن عدنان وكانوا يظنون من تهامة إلى الشام ومنازلهم بالصفاع‏.‏ وكانت عسقلان من ولد ربيعة وكانت قضاعة ما بين مكة والطائف وكندة من العمد إلى ذات عرق ومنازل أجأ والأشعر ومعد ما بين جدة والبحر‏.‏ فلما اقتتلوا هزمت نزار قضاعة وقتل حزيمة وخرجوا متفرقين فسارت تيم اللات من قضاعة وبعض بني رفيدة منهم وفرقة من الأشعريين نحو البحرين ونزلوا هجر وأجلوا من كان بها من النبط وملكوها‏.‏ وكانت الزرقاء بنت زهير كاهنة منهم فتكهنت لهم بنزول ذلك المكان والخروج عن تهامة وقالت في شعرها‏:‏ ودع تهامة لاوداع مخالف بذمامة لكن قلى وملام لاتنكري هجراً مقام غريبة لن تعدمي من ظاعنين تهام ثم تكهنت لهم في سجع بأنهم يقيمون بهجر حتى ينعق غراب أبقع عليه خلخال ذهباً ويقع على نخلة وصفتها فيسيرون إلى الحيرة وكان في سجعها مقام وتنوخ فسميت تلك القبائل تنوخ من أجل هذه اللفظة‏.‏ ولحق بهم قوم من الأزد فدخلوا في تنوخ وأصاب بقية قضاعة الموتان وسارت فرقة من بني حلوان فنزلوا عبقرة من أرض الجزيرة ونسج نساؤهم البرود العبقرية من الصوف والبرود التزيدية إليهم لأنهم بنو تزيد وأغارت عليهم الترك فأصابوا منهم‏.‏ وأقبل الحرث بن قراد البهراني ليستجيش بني حلوان له أبان بن سليح صاحب العين فقتله الحرث ولحقت بهرا بالترك فاستنقذوا ما أخذوه من بني تزيد وهزموهم وقال الحرث‏:‏ كأن الدهر جمع في ليال ثلاث بينهن بشهر زور صفننا للأعاجم من معد صفوفاً بالجزيرة كالسعير وسارت سليح بن عمرو بن الحاف وعليهم الهدرجان بن مسلمة حتى نزلوا فلسطين على بني أدينة بن السميدع بن عاملة‏.‏ وسارت أسلم بن الحاف وهي عذرة ونهد وحويكة وجهينة حتى نزلوا بين الحجر ووادي القرى وأقامت تنوخ بالبحرين سنين‏.‏ ثم أقبل الغراب بحلقتي الذهب ووقع على النخلة ونعق كما قالت الزرقاء فذكروا قولها وارتحلوا إلى الحيرة فنزلوها وهم أول من اختطها‏.‏ وكان رئيسهم مالك بن زهير واجتمع إليه ناس كثيرة من بسائط القرى وبنوا بها المنازل وأقاموا زماناً ثم أغار عليهم سابور الأكبر وقاتلوه وكان شعارهم يا لعباد الله فسموا العباد‏.‏ وهزمهم سابور فافترقوا وسار أهل المهبط منهم مع الضيزن بن معاوية التنوخي فنزل بالحضر الذي بناه الساطرون الجرمقاني فأقاموا عليه وأغارت حمير على قضاعة فأجلوهم وهم كلب‏.‏ وخرج بنوزبان بن تغلب بن حلوان فلحقوا بالشام‏.‏ ثم أغارت عليهم كنانة بعد ذلك بحين واستباحوهم فلحقوا بالسماوة وهي إلى اليوم منازلهم‏.‏ قلت‏:‏ وأحياء جدهم لهذا العهد ما بين عنزة وقلتة وفلسطين إلى معان من أرض الحجاز‏.‏


الخبر عن أنساب العرب من هذه الطبقة الثالثة واحدة وذكر مواطنهم ومن كان له الملك منهم
أعلم أن جميع العرب يرجعون إلى ثلاثة أنساب‏:‏ وهي عدنان وقحطان وقضاعة‏.‏ فأما عدنان فهو من ولد إسماعيل بالاتفاق إلا ذكر الآباء الذي بينه وبين إسماعيل فليس فيه شيء يرجع إلى يقينه وغير عدنان من ولد إسماعيل قد انقرضوا فليس على وجه الأرض منهم أحد‏.‏ وأما قحطان فقيل من ولد إسماعيل وهو ظاهر كلام البخاري في قوله‏:‏ باب نسبة اليمن إلى إسماعيل وساق في الباب قوله صلى الله عليه وسلم لقوم من أسلم يناضلون‏:‏ ارموا يا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً‏.‏ ثم قال‏:‏ وأسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر من خزاعة يعني وخزاعة من سبأ والأوس والخزرج منهم وأصحاب هذا المذهب على أن قحطان ابن الهميسع بن أبين بن قيذار بن نبت بن إسماعيل‏.‏ والجمهور على أن قحطان هو يقطن المذكور في التوراة في ولد عابر وأن حضرموت من شعوب قحطان‏.‏ وأما قضاعة فقيل أنها حمير قاله ابن إسحق والكلبي وطائفة وقد يحتج لذلك بما رواه ابن لهيعة عن عقبة بن عامر الجهني قال‏:‏ يا رسول الله ممن نحن قال أنتم من قضاعة بن مالك‏.‏ وقال عمرو بن مرة وهو من الصحابة‏:‏ نحن بنو الشيخ العجاز الأزهري قضاعة بن مالك بن حمير النسب المعروف غير المنكر وقال زهير‏:‏ قضاعية وأختها مضرية‏.‏ فجعلهما أخوين وقال أنهما من حمير بن معد بن عدنان وقال بن عبد البر وعليه الأكثرون‏:‏ ويروي عن ابن عباس وابن عمرو وجبير بن مطعم وهو اختيار الزبير بن بكار وابن مصعب الزبير وابن هشام‏.‏ قال السهيلي‏:‏ والصحيح أن أم قضاعة وهي عبكرة مات عنها مالك بن حمير وهي حامل بقضاعة فتزوجها معد وولدت قضاعة فتكنى به ونسب إليه وهو قول الزبير‏.‏ وفي كتب الحكماء الأقدمين من يونان مثل بطليموس وهروشيوش ذكر القضاعيين والخبر عن حروبهم فلا يعلم أهم أوائل قضاعة هؤلاء وأسلافهم أو غيرهم‏.‏ وربما يشهد للقول بأنهم من عدنان وأن بلادهم لا تتصل ببلاد اليمن وإنما هي ببلاد الشام وبلاد بني عدنان والنسب البعيد يحيل الظنون ولا يرجع فيه إلى يقين‏.‏ ولنبدأ بقحطان وبطونها‏:‏ لما أن الملك الأقدم للعرب كان في نسب سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ومنه تشعب بطون حمير بن سبأ وكهلان بن سبأ‏.‏ وينفرد بنو حمير بالملك وكان منهم التبابعة أهل الدولة المشهورة وغيرهم كما نذكر‏.‏ فلنبدأ بذكر حمير أولاً من القحطانية ونذكر بعدهم قضاعة لانتسابهم في المشهور إلى حمير ثم نتبعهم بذكر كهلان إخوان حمير من القضاعية ثم نرجع إلى ذكر عدنان‏.‏


الخبر عن حمير من القحطانية وبطونها وتفرع شعوبها
قد تقدم لنا ذكر الشعوب من حمير الذين كان لهم الملك قبل التبابعة فلا حاجة لنا إلى إعادة ذكرهم‏.‏ وتقدم لنا أن حمير بن سبأ كان له من الولد تسعة وهم‏:‏ الهميسع ومالك وزيد وعريب وواثل ومشروح ومعد يكرب وأوسع ومرة‏.‏ فبنو مرة دخلوا إلى حضرموت‏.‏ وكان من حمير أبين بن زهير بن الغوث بن أبين بن الهميسع بن حمير‏.‏ وإليهم تنسب عدن أبين ومنهم بنو الأملوك وبنو عبد شمس وهما إبنا وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير وعريب وأبين أخوان ومن بني عبد شمس بنو شرعب بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس وقد تقدم قول من ذهب إلى أن جشم وعبد شمس أخوان وهما ابنا واثل والصحيح ما ذكرناه هنا فلترجع‏.‏ وبنو خيران وشعبان وهما ابنا عمرو أخي شرعب بن قيس وزيد الجمهور بن سهل أخي خيران وشعبان‏.‏ ورابعهم حسان القيل بن عمرو وقد مر ذكره‏.‏ ومن زيد الجمهور ذو رعين واسمه يريم بن زيد بن سهل وإليه ينسب عبد كلال الذي تقدم ذكره في ملوك التبابعة‏.‏ والحارث وعريب ابنا عبد كلال بن عريب بن يشرح بن مدان بن ذي رعين وهما اللذان كتب لهما النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ومنهم كعب بن زيد الجمهور ويلقب كعب الظلم وأبناء سبا الأصغر بن كعب وإليه ينتهي نسب ملوك التبابعة‏.‏ ومن زيد الجمهور بنو حضور بن عدي بن مالك بن زيد وقد مر ذكرهم‏.‏ وتقول اليمن أن منهم كان شعيب بن ذي مهدم النبي الذي قتله قومه فغزاهم بختنصر فقتلهم‏.‏ وقيل بل هو من حضور بن قحطان الذي اسمه في التوراة يقطن ومنهم أيضاً بنو ميثم وبنو حالة ابني سعد بن عوف بن عدي بن مالك أخي ذي رعين‏.‏ وعوف هذا أخو حضور وأخوه أحاظة وميثم بنو حراز بن سعد‏.‏ فمن ميثم كعب الأحبار وقد مر ذكره‏.‏ وهو كعب بن ماتع بن هلسوع بن ذي هجري بن ميثم‏.‏ ومن أحاظة رهط ذي الكلاع وهو ومن عمرو بن سعد الخبائر والسحول بنو سوادة بن عمرو بن الغوث بن سعد يحصب وذو أصبح أبرهة بن الصباح وكان من ملوك اليمن لعهد الإسلام وقد مر ذكره ونسبه‏.‏ ومنهم مالك بن أنس إمام دار الهجرة وكبير فقهاء السلف وهو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر وهو نافع بن عمرو بن الحرث بن عثمان بن خثيل بن عمرو بن الحارث وهو ذو أصبح وأبناء يحيى ومحمد وأعمامه أويس وأبو سهل والربيع وكانوا خلفاء لبني تيم من قريش ومن زيد الجمهور مرثد بن علس بن ذي جدن بن الحرث بن زيد وهو الذي استجاشه امرؤ القيس على بني أسد قاتلي أبيه‏.‏ ومن بني سبا الأصغر الأوزاع وهم بنو مرثد بن زيد بن شدد بن زرعة بن سبأ الأصغر‏.‏ ومن إخوان هؤلاء الأوزاع بنو يعفر الذين استبدوا بملك اليمن كما يأتي عند ذكر ملوك اليمن في الدولة العباسية‏.‏ وهو يعفر بن عبد الرحمن بن كريب بن عثمان بن الوضاح بن إبراهيم بن مانع بن عون بن تدرص بن عامر بن ذي مغار البطين بن ذي مرايش بن مالك بن زيد بن غوث بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن شدد بن زرعة‏.‏ وكان آخر ملوك بني يعفر هؤلاء باليمن أبو حسان أسعد بن أبي يعفر إبراهيم بن محمد بن يعفر ملك أبو إبراهيم صنعاء وبنى قلعة كحلان باليمن‏.‏ وورث ملكه بنوه من بعده إلى أن غلب عليهم الصليحيون من همدان بدعوة العبيديين من الشيعة كما نذكر في أخبارهم‏.‏ ومن زيد الجمهور ملوك التبابعة وملوك حمير من ولد صيفي بن سبا الأصغر بن كعب بن زيد‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ فمن ولد صيفي هذا تبع وهو تبان وهو أيضاً أسعد أبو كرب بن كليكرب وهو تبع بن زيد وهو تبع بن عمرو وهو تبع ذو الأذعار بن أبرهة وهو تبع ذو المنار بن الرايش بن قيس بن صيفي‏.‏ قال‏:‏ فولد تبع أسعد أبو كرب حسان ذو معاهر وتبع زرعة وهو ذو نواس الذي تهود وهود أهل اليمن ويسمى يوسف وقتل أهل نجران من النصارى‏.‏ وعمرو بن سعد وهو موثبان‏.‏ قال‏:‏ ومن هؤلاء التبابعة شمر يرعش بن ياسر ينعم بن عمرو ذي الأذعار وأفريقش بن قيس بن صيفي وبلقيس بنت إيلي أشرح بن ذي جدن بن إيلي أشرح بن الحرث بن قيس بن صيفي‏.‏ قال‏:‏ وفي أنساب التبابعة تخليط واختلاف ولا يصح منها ومن أخبارهم إلا القليل‏.‏ ومن زيد الجمهور ذو يزن بن عامر بن أسلم بن زيد‏.‏ وقال ابن حزم‏:‏ إن عامر هو ذو يزن قال ومن ولده سيف بن النعمان بن عفير بن زرعة بن عفير بن الحرث بن النعمان بن قيس بن عبيد بن سيف بن ذي يزن الذي استجاش كسرى على الحبشة وأدخل الفرس إلى اليمن‏.‏ هذه بطون حمير وأنسابها وديارهم باليمن من صنعاء إلى ظفار إلى عدن‏.‏ وأخبار دولهم قد تقدمت‏.‏ ونلحق بالكلام في أنساب حمير بن سبأ أنساب حضرموت وجرهم وما ذكره النسابون من شعوبهما‏:‏ فإنهم يذكرونهما مع حمير لأن حضرموت وجرهم إخوة سبأ كما وقع في التوراة وقد ذكرناه ولم يبق من ولد قحان بعد سبأ معروف العقب غير هذين‏.‏ فأما حضرموت فقد تقدم ذكرهم في العرب البائدة ومن كان منهم من الملوك يومئذ ونبهنا هنالك أن منهم بقية في الأجيال المتأخرة اندرجوا في غيرهم فلذلك ذكرناهم في هذه الطبقة الثالثة‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ ويقال إن حضرموت هو ابن يقطن أخي قحطان والله أعلم‏.‏ وكان فيهم رياسة إلى الإسلام‏.‏ منهم وائل بن حجر له صحبة وهو وائل بن حجر بن سعيد بن مسروق بن وائل بن النعمان بن ربيعة بن الحارث بن عوف بن سعد بن عوف بن عدي بن شرحبيل بن الحرث بن مالك بن مرة بن حمير بن زيد بن لابي بن مالك بن قدامة بن أعجب بن مالك ابن لابي بن قحطان‏.‏ وابنه علقمة بن وائل‏.‏ وسقط عنده بين حجر أبي وائل وسعيد بن مسروق أب اسمه سعد وهو ابن سعيد‏.‏ ثم قال ابن حزم‏:‏ ويذكر بنو خلدون الأشبيليون فيقال‏:‏ إنهم من ولد الجبار بن علقمة بن وائل منهم علي المنذر بن محمد وابنه بقرمونة وأشبيلية اللذين قتلهما إبراهيم بن حجاج اللخمي غيلةً وهما ابنا عثمان أبي بكر بن خالد بن عثمان أبي بكر بن مخلوف المعروف بخلدون الداخل المشرق‏.‏ وقال غيره في خلدون الأول‏:‏ إنه ابن عمرو بن خلدون‏.‏ وقال ابن حزم في خلدون أنه ابن عثمان بن هانيء بن الخطاب بن كريب بن معد يكرب بن الحرث بن وائل بن حجر‏.‏ وقال غيره خلدون بن مسلم بن عمر بن الخطاب بن هانيء بن كريب بن معد يكرب بن الحرث بن وائل‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ والصدف من بني حضرموت وهو الصدف بن أسلم بن زيد بن مالك بن زيد بن حضرموت الأكبر‏.‏ قال ومن حضرموت العلاء بن الحضرمي الذي ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم البحرين وأبو بكر وعمر من بعده إلى أن توفي سنة إحدى وعشرين وهو العلاء بن عبد الله بن عبدة بن حماد بن مالك حليف بني أمية بن عبد شمس وأخوه ميمون بن الحضرمي بن الصدف‏.‏ فيقال عبد الله بن حماد بن أكبر بن ربيعة بن مالك بن أكبر بن غريب بن مالك بن الخزرج بن الصدف‏.‏ قال وأخت العلاء الصعبة بنت الحضرمي أم طلحة بن عبد الله‏.‏ وأما جرهم فقال ابن سعيد‏:‏ إنهم أمتان أمة على عهد عاد وأمة من ولد جرهم بن قحطان‏.‏ ولما ملك يعرب بن قحطان اليمن ملك أخوه جرهم الحجاز ثم ملك من بعده ابنه عبد ياليل بن جرهم ثم ابنه جرشم بن عبد ياليل ثم ملك من بعده ابنه عبد المدان بن جرشم ثم ابنه نفيلة بن عبد المدان‏.‏ ثم ابنه عبد المسيح بن نفيلة ثم ابنه مضاض بن عبد المسيح ثم ابنه عمرو بن مضاض ثم أخوه الحرث بن مضاض ثم ابنه عمرو بن الحرث ثم أخوه بشر بن الحرث ثم مضاض بن عمرو بن مضاض‏.‏ قال وهذه الأمة الثانية هم الذين بعث إليهم إسماعيل وتزوج فيهم‏.‏


الخبر عن قضاعة وبطونها والإلمام ببعض الملك الذي كان فيها
قد تقدم آنفاً ذكر الخلاف الذي في قضاعة هل هم لحمير أو لعدنان ونقلنا الحجاج لكلا المذهبين وأتينا بذكر أنسابهم تالية حمير ترجيحاً للقول بأنهم منهم وعلى هذا فقيل هو قضاعة بن مالك بن حمير‏.‏ وقال ابن الكلبي‏:‏ قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير‏.‏ وكان قضاعة فيما قال ابن سعيد ملكاً على بلاد الشحر وصارت بعده لابنه الحاف ثم لابنه مالك‏.‏ ولم يذكر ابن حزم في ولد الحاف مالكاً‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ وكانت بين قضاعة وبين واثل بن حمير حروب‏.‏ ثم استقل ببلاد الشحر مهرة بن حيدان بن الحاف بن قضاعة وعرفت به‏.‏ قال وملك بنو قضاعة أيضاً نجران ثم غلبهم عليها بنو الحرث بن كعب بن الأزد وساروا إلى الحجاز فدخلوا في قبائل معد ومن هنا غلط من نسبهم إلى معد‏.‏ ولنذكر الآن تشعب البطون من قضاعة‏:‏ أتفق النسابون على أن قضاعة لم يكن له من الولد إلا الحاف ومنه سائر بطونهم وللحافي ثلاثة من الولد عمر وعمران وأسلم بضم اللام قاله ابن حزم‏.‏ فمن عمرو بن الحاف حيدان وبلى وبهرا‏.‏ فمن حيدان مهرة ومن بلى جماعة من مشاهير الصحابة‏:‏ منهم كعب بن عجرة وخديج بن سلامة وسهل بن رافع وأبو بردة ابن نيار‏.‏ ومن بهرا جماعة من الصحابة أيضاً منهم المقداد بن عمرو وينسب إلى الأسود ابن عبد يغوث بن وهب خال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخي أمه وتبناه فنسب إليه‏.‏ ويقال إن خالد بن برمك مولى بني بهرا‏.‏ ومن أسلم سعد هذيم وجهينة ونهد بنو زيد بن ليث بن سود بن أسلم‏.‏ فجهينة ما بين الينبع ويثرب إلى الآن في متسع من برية الحجاز وفي شماليهم إلى عقبة أيلة مواطن بلى وكلاهما على العدوة الشرقية من بحر القلزم وأجاز منهم أمم إلى العدوة الغربية وانتشروا ما بين صعيد مصر وبلاد الحبشة وكثروا هنالك سائر الأمم وغلبوا على بلاد النوبة وفرقوا كلمتهم وأزالوا ملكهم‏.‏ وحاربوا الحبشة فارهقوهم إلى هذا العهد‏.‏ ومن سعد هذيم بنو عذرة المشهورون بين العرب في المحبة‏.‏ كان منهم جميل بن عبد الله بن معمر وصاحبته بثينة بنت حبابا‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ كان لأبيها صحبة‏.‏ ومنهم عروة بن حزام وصاحبته عفرا‏.‏ ومن بني عذرة كان رزاح بن ربيعة أخو قصي بن كلاب لأمه وهو الذي استظهر قصي به وبقومه على بني سعد بن زيد بن قناة ابن عم تميم فغلبهم على الاجازة بالناس من عرفة وكانت مفتاح رياسته ومن عمران بن الحافي بنو سليح وهو عمرو بن حلوان بن عمران‏.‏ ومن بني سليح الضجاعم بنو ضجعم بن سعد بن سليح كانوا ملوكاً بالشام للروم قبل غسان‏.‏ ومن بني عمران بن الحاف بنو جرم بن زبان بن حلوان بن عمران بطن كبير وفيهم كثير من الصحابة ومواطنهم ما بين غزة وجبال الشراة من الشام‏.‏ وجبال الشراة من جبال الكرك‏.‏ ومن تغلب بن حلوان بنو أسد وبنو النمر وبنو كلب قبائل ضخمة كلهم بنو وبرة بن تغلب‏.‏ فمن النمر خشين بن النمر ومن بني أسد بن وبرة تنوخ وهم فهم بن تيم اللات بن أسد منهم مالك بن زهير بن عمرو بن عمرو بن فهم وعليه تنخت تنوخ‏.‏ وعلى عهد أبيه مالك بن فهم كما مر وكانوا حلفاء لبني حزم‏.‏ فتنوخ على ثلاثة أبطن‏:‏ بطن اسمه فهم وهم هؤلاء وبطن اسمه نزر وهم ليس نزاز لهم بوالد لكنهم من بطون قضاعة كلها‏.‏ ومن بني تيم اللات ومن غيرهم بطون ثلاث يقال لهم الأحلاف من جميع قبائل العرب من كندة ولخم وجذام وعبد القيس‏.‏ ومن بني أسد بن وبرة بنو القين واسمه النعمان بن جسر بن شيع اللات بن أسد‏.‏ ومن بني كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بنو كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب‏.‏ قبيلة ضخمة فيها ثلاثة بطون‏:‏ بنو عدي وبنو زهير وبنو عليم‏.‏ وبنو جناب بن هبل بن عبد الله بن كنانة بطون ضخمة ومنهم عبيدة بن هبيل شاعر قديم ويقول نبكي الديار كما بكى ابن حرام‏.‏ وقد قيل‏:‏ إنه من بكر بن وائل‏.‏ وقال هشام بن السائب الكلبي‏:‏ إذا سئلوا بم بكى ابن حرام الديار‏.‏ انشدوا خمسة أبيات من كلمات امرؤ القيس المشهورة‏:‏ قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل‏.‏ ويقولون إن بقيتها لامرىء القيس بن حجر‏.‏ وهذا امرؤ القيس بن حرام شاعر قديم دثر شعره لأنه لم يكن للعرب كتاب لبدأتها وإنما بقي من أشعارهم ما ذكره رواة الإسلام وقيدوه من رواية الكتاب من محفوظ الرجال‏.‏ ومن بني عدي بنو حصين بن ضمضم بن عدي كانت منهم نائلة بنت الفرافصة بني الأحوص بن عمرو بن ثعلبة بن الحرث بن حصن امرأة عثمان بن عفان ومنهم أبو الخطار الحسام بن ضرار بن سلامان بن جشم بن ربيعة بن حصن أمير الأندلس ومنسبة بن شحيم بن منجاش بن مزغور بن منجاش بن هذيم بن عدي بن زهير وابن ابنه حسان بن مالك بن بحدل الذي قام بمروان يوم مرج راهط‏.‏ وكانت رياسة الإسلام في كلب لبني بحدل هؤلاء ومن عقبهم بنو منقذ ملوك شيزر‏.‏ ومن بني زهير بن جناب حنظلة بن صفوان بن توبل بن بشر بن حنظلة بن علقمة بن شراحيل بن هرير بن أبي جابر بن زهير ولي أفريقية لهشام‏.‏ ومن عليم بن جناب بنو معقل وربما يقال إن عرب المعقل الذين بالمغرب الأقصى لهذا العهد وفي زمانه ينتسبون فيهم‏.‏ ومن بطون كلب بن عوف بن بكر بن عوف بن كعب بن عوف بن عامر بن عوف دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد بن امرىء القيس بن الخزرج بن عامر بن بكر بن عامر بن عوف صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أتاه جبريل عليه السلام في صورته‏.‏ ومنصور بن جهور بن حفر بن عمرو بن خالد بن حارثة بن العبيد بن عامر بن عوف القائم مع يزيد بن الوليد وولاه الكوفة‏.‏ وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبدود بن عوف سبي أبوه زيد في الجاهلية وصار إلى خديجة فوهبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وجاءه أبوه وخيره النبي صلى الله عليه وسلم فاختاره على أبيه وأهله وأقام في كفالة النبي صلى الله عليه وسلم ثم أعتقه‏.‏ وربي ابنه أسامة في بيته ومع مواليه وأخباره مشهورة‏.‏ ومن بني كلب ثم من بني كنانة بن بكر بن عوف النسابة بن الكلبي وهوأبو المنذر هشام بن محمد بن السائب بن بشر بن عمرو بن الحرث بن عبد العزى بن امرىء القيس‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ هكذا ذكره ابن الكلبي في نسبه‏.‏ وأرى امرأ القيس هذا هو عامر بن النعمان بن عامر ابن عبدود بن عوف بن كنانة بن غزرة وقدمن بقية نسبه‏.‏ وكان لقضاعة هؤلاء ملك ما بين الشام والحجاز إلى العراق في أيلة وجبال الكرك إلى مشارف الشام واستعملهم الروم على باب بادية العرب هنالك‏.‏ وكان أول الملك فيهم في تنوخ وتتابعت فيهم فيما ذكر المسعودي ثلاثة ملوك‏:‏ النعمان بن عمرو ثم ابنه عمرو بن النعمان ثم ابنه الحواري بن عمرو‏.‏ ثم غلبهم على أمرهم سليح من بطون قضاعة وكانت رياستهم في ضجعم بن معد منهم‏.‏ وقارن ذلك استيلاء طيطش من القياصرة على الشام فولاهم ملوكاً على العرب من قبله يجيبون له من ساحتهم إلى أن ولي منهم زيادة بن هبولة بن عمرو بن عوف بن ضجعم‏.‏ وخرجت غسان من اليمن فغلبوهم على أمرهم وصار ملك العرب بالشام لبني جفنة وانقرض ملك الضجاعم حسبما نذكر‏.‏ وقال ابن سعيد‏:‏ سار زيادة بن هبولة بن أبقى السيف منهم بعد غسان إلى الحجاز فقتله حجر‏.‏ آكل المرار الكندي كان على الحجاز من قبل التبابعة وأفنى بقيتهم فلم ينج منهم إلا القليل قال‏:‏ ومن الناس من يطلق تنوخ على الضجاعمة ودوس الذين تنخوا بالبحرين أي أقاموا قال‏:‏ وكان لبني العبيد بن الأبرص بن عمر بن أشجع بن سليح ملك يتوارثونه بالحضر آثاره باقية في برية سنجار وكان آخرهم الضيزن بن معاوية بن العبيد المعروف عند الجرامقة بالساطرون‏.‏ وقصته مع سابور ذي الجنود من الأكاسرة معروفة‏.‏ قال‏:‏ وكان لقضاعة ملك آخر في كلب بن وبرة يتداولونه مع السكون من كندة فكانت لكلب دومة الجندل وتبوك ودخلوا في دين النصرانية وجاء الإسلام والدولة في دومة الجندل لأكيدر بن عبد الملك بن السكون ويقال أنه كندي من ذرية الملوك الذين ولاهم التبابعة على كلب فأسره خالد بن الوليد وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فصالح على دومة وكان في أول من ملكها دجانة بن قنافة بن عدي بن زهير بن جناب‏.‏ قال‏:‏ وبقيت بنو كلب الآن في خلق عظيم على خليج القسطنطينية منهم مسلمون ومنهم متنصرون‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ وجميع قبائل العرب راجعة إلى أب واحد حاش ثلاث قبائل‏:‏ وهي تنوخ والعتقي وغسان‏.‏ فأما تنوخ فقد ذكرناهم وأما العتقي فهم من حجر حمير ومن حجر من ذي رعين ومن سعد العشيرة ومن كنانة بن خزيمة ومنهم زبيد بن الحرث العتقي من حجر حمير وهو مولى عبد الرحمن بن القاسم وخالد بن جنادة المصري صاحب مالك بن أنس وهو مولى زبيد لاحظ الشكل المذكور من أسفل‏.‏ وأما غسان فإنهم من بني أب لا يدخل بعضهم في هذا النسب ويدخل فيهم من غيرهم وسموا العتقا لأنهم اجتمعوا ليفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فظفر بهم فأعتقهم وكانوا جماعة من بطون شتى وسموا تنوخ لأن التنوخ الإقامة فتحالفوا على الإقامة بموضعهم بالشام وهم من بطون شتى‏.‏ وأما غسان فإنهم أيضاً طوائف

ميارى 4 - 8 - 2010 01:52 AM

الخبر عن بطون كهلان
من القحطانية وشعوبهم واتصال بعضها مع بعض وانقضائها هؤلاء بنو كهلان بن سبا بن يشجب بن يعرب بن قحطان إخوة بني حميربن سبا‏.‏ وتداولوا معهم الملك أول أمرهم ثم انفرد بنو حمير به وبقيت بطون بني كهلان تحت ملكتهم باليمن‏.‏ ثم لما تقلص ملك حمير بقيت الرياسة على العرب البادية لبني كهلان لما كانوا بادين لم يأخذ ترف الحضارة منهم ولا أدركهم الهرم الذي أودى بحمير‏.‏ إنما كانوا أحياء ناجعة في البادية والرؤساء والأمراء في العرب إنما كانوا منهم‏.‏ وكان لكندة من بطونهم ملك باليمن والحجاز‏.‏ ثم خرجت الأزد من شعوبهم أيضاً من اليمن مع مزيقيا وافترقوا بالشام‏.‏ وكان لهم ملك بالشام في بني جفنة وملك بيثرب في الأوس والخزرج وملك بالعراق في بني فهم‏.‏ ثم خرجت لخم وطيء من شعوبهم أيضاً من اليمن‏.‏ وكان لهم ملك بالحيرة في آل المنذر حسبما نذكر ذلك كله‏.‏ وأما شعوبهم فهي كلها تسعة من زيد بن كهلان في مالك بن زيد وعريب بن زيد‏.‏ فمن مالك بطون همدان وديارهم لم تزل باليمن في شرقيه وهم بنو أوسلة وهو همدان بن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة بن الجبار بن مالك بن زيد بن نوف بن همدان‏.‏ ومن شعوب حاشد بنو يام بن أصغى بن مانع بن مالك بن جشم بن حاشد ومنهم طلحة بن مصرف‏.‏ ولما جاء الله بالإسلام افترق كثير من همدان في ممالكه وبقي منهم من بقي باليمن وكانوا شيعة لعلي كرم الله وجهه ورضي عنه عندما شجر بين الصحابة وهو المنشد فيهم متمثلاً‏.‏ فلو كنت بوباً على باب جنة لقلت لهمدان ادخلوا بسلام ولم يزل التشيع دينهم أيام الإسلام كلها ومنهم كان علي بن محمد الصليحي من بني يام القائم بدعوة العبيديين باليمن في حصن حرار من بني يام وهو من بطونهم وهو من بني يام من بطون حاشد‏.‏ فاستولى عليه وورث ملكه لبنيه حسبما نذكره في أخبارهم وكانت بعد ذلك وقبله دولة بني الرسى أيام الزيدية بصعدة فكانت على يدهم وبمظاهرتهم ولم يزل التشيع دينهم لهذا العهد‏.‏ وقال البيهقي‏:‏ وتفرقوا في الإسلام فلم تبق لهم قبيلة وبرية إلا باليمن وهم أعظم قبائله وهم عصبة المعطي من الزيدية القائمين بدعوته باليمن وملكوا جملة من حصون اليمن باليمن ولهم بها إقليم بكيل وإقليم حاشد من بطونهم‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ ومن همدان بنو الزريع وهم أصحاب الدعوة والملك في عدن والحيرة وهم زيدية وإخوة همدان الهان بن مالك بن زيد بن أوسلة ومن مالك بن زيد أيضاً الأزد وهو أزد بن الغوث بن نبت بن مالك وخثعم وبجيلة ابنا أنمار بن وقد يقال أنمار هو ابن نزار بن معد وليس بصحيح‏.‏ فأما الأزد فبطن عظيم متسع وشعوب كثيرة‏.‏ فمنهم بنو دوس من بني نصر بن الأزد وهو دوس بن عدنان بالثاء المثلثة ابن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحرث بن كعب بن مالك بن نصر بن الأزد بطن كبير‏.‏ ومنهم كان جذيمة بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس وديارهيم بنواحي عمان‏.‏ وكان بعد دوس وجديمة ملك بعمان في إخوانهم بني نصر بن زهران بن كعب‏.‏ كان منهم قبيل الإسلام المستكبر بن مسعود بن الجرار بن عبد الله بن مغولة بن شمس بن عمرو بن غنم بن غالب بن عثمان بن نصر بن زهران‏.‏ والذي أدرك الإسلام منهم جيفر بن الجلندي بن كركر بن المستكبر وأخوه عبد الله ملك عمان‏.‏ كتب إليهما النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا‏.‏ واستعمل على نواحيهما عمرو بن العاص‏.‏ ومن الأزد ثم من بني مازن بن الأزد بنوعمرو مزيقيا بن عامر ويلقب ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرىء القيس البهلول بن ثعلبة بن مازن بن الأزد‏.‏ وعمرو هذا وآباؤه كانوا ملوكاً على بادية كهلان باليمن مع حمير واستفحل لهم الملك من بعدهم وكانت أرض سبأ باليمن لذلك العهد من أرفه البلاد وأخصبها وكانت مدافع للسيول المنحدرة بين جبلين هنالك فضرب بينهما سد بالصخر والقار يحبس سيول العيون والأمطار حتى يصرفوه من خروق في ذلك السد على مقدار ما يحتاجون إليه في سقيهم ومكث كذلك ما شاء الله أيام حمير‏.‏ فلما تقلص ملكهم وانحل نظام دولتهم وتغلب بادية كهلان على أرض سبا وانطلقت عليها الأيدي بالعيث والفساد وذهب الحفظة القائمون بأمر السد نذروا بخرابه‏.‏ وكان الذي نذر به عمرو مزيقيا ملكهم لما رأى من اختلال أحواله‏.‏ ويقال أن أخاه عمران الكاهن أخبره ويقال طريفة الكاهنة‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ طريفة الكاهنة امرأة عمرو بن عامر وهي طريفة بنت الخير الحميرية لعهده‏.‏ وقال ابن هشام‏:‏ عن أبي زيد الأنصاري أنه رأى جرذاً تحفر السد فعلم أنه لا بقاء للسد مع ذلك فأجمع النقلة من اليمن‏.‏ وكاد قومه بأن أمر أصغر بنيه أن يلطمه إذا أغلظ له ففعل‏.‏ فقال لا أقيم في بلد يلطمني فيها أصغر ولدي وعرض أمواله فقال أشراف اليمن اغتنموا غضبة عمرو فاشتروا أمواله وانتقل في ولده وولد ولده‏.‏ فقال الأزد لا نتخلف عن عمرو فتجشموا للرحلة وباعوا أموالهم وخرجوا معه‏.‏ وكان رؤساؤهم في رحلتهم بنو عمرو مزيقيا ومن إليهم من بني مازن ففصل الأزد من بلادهم باليمن إلى الحجاز‏.‏ قال السهيلي‏:‏ كان فصولهم على عهد حسان بن تبان أسعد من ملوك التبابعة ولعهده كان خراب السد‏.‏ ولما فصل الأزد من اليمن كان أول نزولهم ببلاد عك ما بين زبيد وزمع‏.‏ وقتلوا ملك عك من الأزد ثم افترقوا إلى البلاد ونزل بنو نصر بن الأزد بالشراة وعمان‏.‏ ونزل بنو ثعلبة بن عمرو مزيقيا بيثرب‏.‏ وأقام بنو حارثة بن عمرو بمر الظهران بمكة‏.‏ وهم فيما يقال خزاعة‏.‏ ومروا على ماء يقال له غسان بين زبيد وزمع‏.‏ فكل من شرب منه من بني مزيقيا شفي به‏.‏ والذين شربوا منه بنو مالك وبنو الحرث وبنو جفنة وبنو كعب فكلهم يسمون غسان‏.‏ وبنو ثعلبة العتقاء لم يشربوا منه فلم يسموا به‏.‏ فمن ولد جفنة ملوك الشام الذين يأتي ذكرهم ودولتهم بالشام‏.‏ ومن ولد ثعلبة العتقاء الأوس والخزرج ملوك يثرب في الجاهلية وسنذكرهم‏.‏ ومن بطن عمرو مزيقيا بنو أفصى بن حارثة بن عمرو‏.‏ ويقال أنه أفصى بن عامر بن قمعة بلا شك بن الياس ابن مضر‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ فإن كان أسلم بن أفصى منهم فمن بني أسلم بلا شك وبنو أبان وهو سعد بن عدي بن حارثة بن عمرو‏.‏ وبنو العتيك من الأزد عمران بن عمرو‏.‏ وأما بجيلة فبلادهم في سروات البحرين والحجاز إلى تبالة وقد افترقوا على الآفاق أيام الفتح فلم يبق منهم بمواطنهم إلا القليل‏.‏ ويقدم الحاج منهم على مكة في كل عام عليهم أثر الشظف ويعرفون من أهل الموسم بالسرو وأما حالهم لأول الفتح الإسلامي فمعروف ورجالاتهم مذكورة‏.‏ فمن بطون بجيلة قسر وهو مالك بن عبقر بن أنمار وهو أحمس بن الغوث بن أنمار‏.‏ وأما بنو عريب بن زيد بن كهلان فمنهم طيء والاشعريون ومذحج وبنو مرة وأربعتهم بنو أدد بن زيد بن يشجب بن عريب‏.‏ فأما الأشعريون فهم بنو أشعر وهو نبت بن أدد وبلادهم في ناحية الشمال من زبيد‏.‏ وكان لهم ظهور أول الإسلام ثم افترقوا في الفتوحات وكان لمن بقي منهم باليمن حروب مع ابن زياد لأول إمارته عليها أيام المأمون ثم ضعفوا عن ذلك وصاروا في عدد الرعايا‏.‏ وأما بنو طيء بن أدد فكانوا باليمن وخرجوا منه على أثر الأزد إلى الحجاز ونزلوا سميرا وفيد في جوار بني أسد ثم غلبوهم على أجا وسلمى وهما جبلان من بلادهم فاستقروا بهما وافترقوا لأول الإسلام في الفتوحات‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ ومنهم في بلادهم الآن أمم كثيرة ملأوا السهل والجبل حجازاً وشاماً وعراقاً يعني قبائل طيء هؤلاء وهم أصحاب الدولة في العرب لهذا العهد في العراق والشام وبمصر منهم سنبس والثعالب بطنان مشهوران‏.‏ فسنبس بن معاوية بن شبل بن عمرو بن الغوث بن طيء ومعهم بحتر بن ثعل‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ ومنهم زبيد بن معن بن عمرو بن عس بن سلامان بن ثعل‏.‏ وهم في برية سنجار‏.‏ والثعالب بنو ثعلبة بن رومان بن جندب بن خارجة بن سعد بن قطرة بن طيء وثعلبة بن جدعا بن ذهل بن رومان‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ ومنهم بنو لام بن ثعلبة منازلهم من المدينة إلى الجبلين وينزلون في أكثر أوقاتهم مدينة يثرب والثعالب الذين بصعيد مصر من ثعلب بن عمرو بن الغوث بن طيء‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ لام بن طريف بن عمرو بن ثمامة بن مالك بن جدعا ومن الثعالب بنو ثعلبة بن ذهل بن رومان‏.‏ وبجهة بنيامين والشام بنو صخر ومن بطونهم غزية المرهوب صولتهم بالشام والعراق‏.‏ وهم بنو غزية بن أفلث بن معبد بن عمرو بن عس بن سلامان بن ثعل‏.‏ وبنو غزية كثيرون وهم في طريق الحاج بين العراق ونجد‏.‏ وكانت الرياسة على طيء في الجاهلية لبني هني بن عمرو بن الغوث ابن طيء وهم رمليون وإخوتهم جبليون‏.‏ ومن ولده إياس بن قبيصة الذي أدال به كسرى أبرويز النعمان المنذز حين قتله وأنزل طيا بالحيرة مكان لخم قوم النعمان وولى على العرب منهم إياساً هذا‏.‏ وهو إياس بن قبيصة بن أبي يعفر بن النعمان بن حبيب بن الحرث بن الحويرث بن ربيعة بن مالك بن سعد بن هني فكانت لهم الرياسة إلى حين انقراض ملك الفرس‏.‏ ومن عقب إياس هذا بنو ربيعة بن علي بن مفرح بن بدر بن سالم بن قصة بن بدر بن سميع‏.‏ ومن ربيعة شعب آل مراد وشعب آل فضل‏.‏ وآل فضل شعبان آل علي وآل مهنا‏.‏ فعلي ومهنا ابنا فضل وفضل ومراد ابنا ربيعة وسميع الذين ينسبون إليه من عقب قبيصة بن أبي يعفر‏.‏ ويزعم كثير من جهلة البادية أنه الذي جاءت به العباسة أخت الرشيد من جعفر بن يحيى زعماً كاذباً لا أصل له‏.‏ وكانت الرياسة على طيء أيام العبيديين لبني المفرح ثم صارت لبني مراد بن ربيعة وكلهم ورثوا أرض غسان بالشام وملكهم على العرب‏.‏ ثم صارت الرياسة لبني علي وبني مهنا ابني فضل بن ربيعة اقتسموها مدة ثم انفرد بها لهذا العهد بنو مهنا الملوك على العرب إلى هذا العهد بمشارف الشام والعراق وبرية نجد‏.‏ وكان ظهورهم لأمر الدولة الأيوبية ومن بعدهم من ملوك الترك بمصر والشام ويأتي ذكرهم والله وارث الأرض ومن عليها‏.‏ وأما مذحج واسمه مالك بن زيد بن أدد بن زيد بن كهلان ومنهم مراد واسمه يخابر بن مذحج ومنهم سعد العشيرة بن مذجج بطن عظيم لهم شعوب كثيرة‏.‏ منهم جعفر بن سعد العشيرة وزبيد بن صعب بن سعد العشيرة‏.‏ ومن بطون مذحج النخع ورها ومسيلة وبنو الحرث بن كعب‏.‏ فأما النخع فهو جسر بن عمرو بن علة بن جلد بن مذحج ومسيلة بن عامر بن عمرو بن علة وأما رها فهو ابن منبه بن حرب بن علة‏.‏ وبقي من مذحج وبرية ينجعون مع أحياء طيء في جملة أيام بني مهنا مع العرب بالشام زمن أحلافهم وأكثرهم من زبيد‏.‏ وأما بنو الحرث فالحرث أبوهم ابن كعب بن علة وديارهم بنواحي نجران يجاورون بها ذهل بن مزيقيا من الأزد وبني حارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد وكان نجران قبلهم لجرهم ومنهم كان ملكها الأفعى الكاهن الذي حكم بين ولد نزار بن معد لما تنافروا إليه بعد موت نزار واسمه الغلس بن غمر ماء بن همدان بن مالك بن منتاب بن زيد بن واثل بن حمير‏.‏ وكان داعية لسليمان عليه السلام بعد أن كان والياً لبلقيس على نجران وبعثته إلى سليمان فصدق وآمن وأقام على دينه بعد موته‏.‏ ثم نزل نجران بنو الحرث بن كعب علة بن جلد بن مذحج فغلبوا عليها بني الأفعى‏.‏ ثم خرجت الأزد من اليمن فمروا بهم وكانت بينهم حروب‏.‏ وأقام من أقام في جوارهم من بني نصر بن الأزد وبني ذهل بن مزيقيا واقتسموا الرياسة فنجران معهم‏.‏ وكان من بني الحرث بن كعب هؤلاء المذحجيين بنو الزياد واسمه يزيد بن قطن بن زياد بن الحرث بن مالك بن كعب بن الحرث وهم بيت مذحج وملوك نجران‏.‏ وكانت رياستهم في عبد المدان بن الديان‏.‏ وانتهت قبيل البعثة إلى يزيد بن عبد المدان‏.‏ ووفد أخوه عبد الحجر بن عبد المدان على النبي صلى الله عليه وسلم على يد خالد بن الوليد وكان بن أخيهم زياد بن عبد الله بن عبد المدان خال السفاح وولاه نجران واليمامة‏.‏ وقال ابن سعيد‏:‏ ولم يزل الملك بنجران في بني عبد المدان ثم في بني أبي الجواد منهم وكان منهم في المائة السادسة عبد القيس بن أبي الجواد ثم صار الأمر لهذا العهد إلى الأعاجم شأن النواحي كلها بالمشرق‏.‏ ثم من بطون الحرث بن كعب بنو معقل وهو ربيعة بن الحرث بن كعب‏.‏ وقد يقال إن المعقل الذين هم بالمغرب الأقصى لهذا العهد إنما هم من هذا البطن وليسوا من معقل بن كعب القضاعيين ويؤيد هذا أن هؤلاء المعقل جميعاً ينتسبون إلى ربيعة وربيعة اسم معقل هذا كما رأيت والله تعالى أعلم‏.‏ وأما بنو مرة بن أدد إخوة طيء ومذحج والأشعريين فهم أبطم كثيرة وتنتهي كلها إلى الحرث بن مرة مثل خولان ومعافر ولخم وجذام وعاملة وكندة‏.‏ فأما معافر فهم بنو يعفر بن مالك بن الحرث بن مرة وافترقوا في الفتوحات وكان منهم المنصور بن أبي عامر صاحب هشام بالأندلس‏.‏ وأما خولان واسمه أفكل بن عمرو بن مالك وعمرو وأخو يعفر وبلادهم في جبال اليمن من شرقيه وافترقوا في الفتوحات وليس منهم اليوم وبرية إلا باليمن وهم لهذا العهد‏.‏ وهمدان أعظم قبائل العرب باليمن ولهم الغلب على أهله والكثير من حصونه‏.‏ وأما لخم واسمه مالك بن عدي بن الحرث بن مرة فبطن كبير متسع ذو شعوب وقبائل منهم الدار بن هانىء بن حبيب بن انمارة بن لخم ومن أكبرهم بنو نصر بن ربيعة بن عمرو بن الحرث بن مسعود بن مالك بن عمم بن انمارة بن لخم ويقال نمارة وهم رهط آل المنذر وحافده عمرو بن عدي بن نصر هو ابن أخت جذيمة الوضاح الذي أخذ بثأره من الزبا قاتلته‏.‏ وولي الملك على العرب للأكاسرة بعد خاله جذيمة وأنزلوه بالحيرة حسبما يأتي الخبر عن ملكه وملك بنيه‏.‏ ومن شعوب بني لخم هؤلاء كان بنو عباد ملوك أشبيلية ويأتي ذكرهم‏.‏ وأما جذام واسمه عمرو بن عدي أخو لخم بن عدي فبطن متسع له شعوب كثيرة مثل غطفان وأمصى وبنو حرام بن جذام وبنو ضبيب وبنو مخرمة وبنو بعجة وبنو نفاثة وديارهم حوالي أيلة من أول أعمال الحجاز إلى الينع من أطراف يثرب‏.‏ وكانت لهما رياسة في معان وما حولها من أرض الشام لبني النافرة من نفاثة ثم لفروة بن عمرو بن النافرة منهم وكان عاملاً للروم على قومه وعلى من كان حوالي معان من العرب وهو الذي بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه وأهدى له بغلة بيضاء‏.‏ وسمع بذلك قيصر فأغرى به الحارث بن أبي شمر الغساني ملك غسان فأخذه وصلبه بفلسطين‏.‏ وبقيتهم اليوم في مواطنهم الأولى في شعبين من شعوبهم يعرف أحدهما بنو عائد وهم ما بين بلبيس من أعمال مصر إلى عقبلة أيلة إلى الكرك من ناحية فلسطين وتعرف الثانية بنو عقبة وهم من الكرك إلى الأزلم من برية الحجاز‏.‏ وضمان السابلة ما بين مصر والمدينة النبوية إلى حدود غزة من الشام عليهم‏.‏ وغزة من مواطن جرم إحدى بطون قضاعة كما مر‏.‏ وبأفريقية لهذا العهد منهم وبرية كبيرة ينتجعون مع ذياب بن سليم بنواحي طرابلس‏.‏ وأما عاملة واسمه الحرث بن عدي وهم إخوة لخم وجذام وإنما سمي الحرث عاملة بأمه القضاعية وهم بطون متسع ومواطنهم ببرية الشام‏.‏ وأما كندة وإسمه ثور بن عفير بن عدي وعفير أخو لخم وجذام‏.‏ وتعرف كندة الملوك لأن الملك كان لهم على بادية الحجاز من بني عدنان كما نذكر‏.‏ وبلادهم بجبال اليمن مما يلي حضرموت ومنها دمون التي ذكرها امرؤ القيس في شعره‏.‏ وبطونهم العظيمة ثلاثة‏:‏ معاوية بن كندة ومنه الملوك بنو الحرث بن معاوية الأصغر بن ثور بن مرتع بن معاوية والسكون وسكسك وابنهما أشرش بن كندة‏.‏ ومن السكون بطن تجيب وهم بنو عدي وبنو سعد بن أشرش بن شبيب ابن السكون وتجيب اسم أمهما‏.‏ وكان للسكون ملك بدومة الجندل وكان عليها عبد المغيث بن أكيدر بن عبد الملك بن عبد الحق بن أعمى بن معاوية بة حلاوة بن أمامة بن شكامة بن شبيب بن السكون بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك خالد بن الوليد فجاء به أسيراً وحقن صلى الله عليه وسلم دمه وصالحه على الجزية ورده إلى موضعه‏.‏ ومن معاوية بن كندة بنو حجر بن الحرث الأصغر بن معاوية بن كندة منهم حجر آكل المرار بن عمرو بن معاوية وهو حجر أبو الملوك ابن كندة الذين يأتي ذكرهم‏.‏ والحرث الولادة أخو حجر وكان من عقبه الخارجين باليمن المسلمين طالب الحق وكان أباضياً وسيأتي ذكره‏.‏ ومنهم الأشعث بن قيس بن معدي كرب بن معاوية وجبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية بن الحرث الأكبر جاهلي إسلامي وابنه محمد بن الأشعث وابنه عبد الرحمن بن الأشعث القائم على عبد الملك والحجاج وهو مشهور‏.‏ وابن عمهم أيضاً ابن عدي وهو الأذمر بن عدي بن جبلة له صحبة فيما يقال وهو الذي قتله معاوية على الثورة بأخيه زياد وخبره معروف‏.‏ هذه قبائل اليمن من قحطان استوفينا ذكر بطونهم وأنسابهم ونرجع الآن إلى ذكر من كان الملك منهم بالشام والحجاز والعراق حسبما نقصه‏.‏ والله تعالى المعين بكرمه ومنه لارب غيره ولاخير إلا خيره‏.‏

ميارى 4 - 8 - 2010 01:53 AM

الخبر عن ملوك الحيرة من آل المنذرمن هذه الطبقة وكيف انساق الملك إليهم ممن قبلهم
وكيف صار إلى طيء من بعدهم أما أخبار العرب بالعراق في الجيل الأول وهم العرب العاربة فلم يصل إلينا تفاصيلها وشرح حالها إلا أن قوم عاد والعمالقة ملكوا العراق والمسند في بعض الأقوال أن الضحاك بن سنان منهم كما مر‏.‏ وأما في الجيل الثاني وهم العرب المستعربة فلم يكن لهم بهم مستبد وإنما كان ملكهم به بدوياً ورياستهم في أهل الظواعن‏.‏ وكان ملك العرب كما مر في التبابعة من أهل اليمن وكانت بينهم وبين فارس حروب وربما غلبوهم على العراق وملكوه أو بعضه كما مر‏.‏ لكن اليمن لم يغلبوا ثانياً على ما ملكوا منه وقد مر إيقاع بختنصر وإثخانه فيهم ما تقدم‏.‏ وكان في سواد العراق وأطراف الشام والجزيرة الأرمانيون من بني إرم بن سام ومن كان من بقية عساكر ابن تبع من جعفر طيء وكلب وتميم وغيرهم من جرهم ومن نزل معهم بعد ذلك من تنوخ ونمارة بن لخم وقنص بن معد ومن إليهم كما قدمنا ذكر ذلك‏.‏ وكان ما بين الحيرة والفرات إلى ناحية الأنبار موطن لهم وكانوا يسمون عرب الضاحية وكان أول من ملك منهم في زمن الطوائف مالك بن فهم بن تيم الله بن أسد بن وبرة بن ثعلبة بن حلوان بن قضاعة‏.‏ وكان منزله مما يلي الأنبار‏.‏ وملك من بعده أخوه عمرو بن فهم ثم ملك من بعدهما جذيمة الأبرش اثنتي عشرة سنة‏.‏ وقد تقدم أنه صهرهما وأن مالك بن زهير بن عمرو بن فهم زوجه أخته وصاروا حلفاء مع الأزد من قوم جذيمة‏.‏ ونسب جذيمة في الأزد إلى بني زهران ثم إلى دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران وهو جذيمة بن ملك بن فهم بن غنم بن دوس هكذا قال ابن الكلبي‏.‏ ويقال‏:‏ إنه من وبار بن أقيم بن لاوذ بن سام‏.‏ وكان بنو زهران من الأزد خرجوا قبل خروج مزيقيا من اليمن ونزلوا بالعراق وقيل ساروا من اليمن مع أولاد جفنة بن مزيقيا‏.‏ الطوائف ملك‏.‏ وكان مالك بن فهم هذا من ملوكهم وكان بشاطىء الفرات من الجانب الشرقي عمرو بن الظرب بن حسان بن أدينة من ولد السميدع بن هوثر من بقايا العمالقة‏.‏ كان عمرو بن الظرب على مشارف الشام والجزيرة وكان منزله بالمضيق بين الخابور وقرقيسا فكانت بينه وبين مالك بن فهم حروب هلك عمرو في بعضها وقامت بملكه من بعده ابنته الزباء بنت عمرو واسمها نائلة عند الطبري وميسون عند ابن دريد‏.‏ قال السهيلي‏:‏ ويقال إن الزباء الملكة كانت من ذرية السميدع بن هوثر من بني قطورا أهل مكة وهو السميدع بن مرثد بالثاء المثلثة ابن لاي بن قطور بن كركي بن عملاق وهي بنت عمرو بن أدينة بن الظرب بن حسان‏.‏ وبين حسان هذا والسميدع آباء كثيرة ليست بصحيحة لبعد زمن الزباء من زمن السميدع انتهى كلام السهيلي ولم تزل الحرب بين مالك بن فهم وبين الزباء بنت عمرو إلى أن ألجأها إلى أطراف مملكتها‏.‏ وكان يغير على ملوك الطوائف حتى غلبهم على كثير مما في أيديهم‏.‏ قال أبو عبيدة‏:‏ وهو أول ملك كان بالعراق من العرب وأول من نصب المجانيق وأوقد الشموع وملك ستين سنة‏.‏ ولما هلك قام بأمره من بعد جذيمة الوضاح ويقال له الأبرش وكان يكنى بأبي مالك وهو منادم الفرقدين‏.‏ قال أبو عبيدة‏:‏ كان جذيمة بعد عيسى بثلاثين سنة فملك أزمان الطوائف خمساً وسبعين سنة وأيام أردشير كلها خمس عشرة سنة وثماني سنين من أيام سابور‏.‏ وكان بينه وبيز الزباء سلم وحرب‏.‏ ولم تزل تحاول الثأر منه بأبيها حتى تحيلت عليه وأطمعته في نفسها فخطبها وأجابته‏.‏ وأجمع المسير إليها وأبى عليه وزيره قصير بن سعد فعصا ودخل إليها ولقيته بالجنود وأحس بالشر فنجا قصير ودخل جذيمة إلى قصرها فقطعت رواهشه وأجرت دمه إلى أن هلك في حكاية منقولة في كتب الإخباريين‏.‏ قال الطبري‏:‏ وكان جذيمة من أفضل ملوك العرب رأياً وأبعدهم مغاراً وأشدهم حزماً وأول من استجمع له الملك بأرض العراق وسرى بالجيوش‏.‏ وكان به برص فكنوا عنه بالوضاح إجلالاً له‏.‏ وكانت منازله بين الحيرة والأنبار وهيت ونواحيها وعين التمر وأطراف البر إلى العمق والقطقطانية وجفنة‏.‏ وكانت تجبى إليه الأموال وتفد إليه الوفود وغزا في بعض الأيام طسماً وجديساً في منازلهم باليمامة‏.‏ ووجد حسان بن تبع قد أغار عليهم فانكفأ هو راجعاً بمن معه وأتت خيول حسان على سرايا فأجاحوها وكان أكثر غزو جذيمة للعرب العاربة وكان قد تكهن وأدعى النبوة‏.‏ وكانت منازل إياد بعين أباغ سميت باسم رجل من العمالقة نزل بها‏.‏ وكان جذيمة كثيراً ما يغزوهم حتى طلبوا مسالمته‏.‏ وكان بينهم غلام من لخم من بني أختهم وكانوا أخوالاً له وهو عدي بن نصر بن ربيعة بن عمرو بن الحرث بن مسعود بن مالك بن عمرو بن نمارة بن لخم‏.‏ وكان له جمال وضرب وطلبه منهم جذيمة فامتنعوا من تسميمه إليه فألح عليهم الغزو وبعثت إياد من سرق لهم صنمين كانا عند جذيمة يدعو بهما ويستسقي بهما وعرفوه أن الصنمين عندهم وأنهم يردونهما بشريطة رفع الغزو عنهم فأجابهم إلى ذلك بشريطة أن يبعثوا مع الصنمين عدي بن نصر فكان ذلك‏.‏ ولما جاء عدي بن نصر استخلصه لنفسه وولاه شرابه وهويته رقاش أخته فراسلته فدافعها بالخشية من جذيمة فقالت له اخطبني منه إذا أخذت الخمر منه واشهد عليه القوم ففعل وأعرس بها من ليلته‏.‏ وأصبح مضرجاً بالخلوق وراب جذيمة شأنه ثم أعلم بما كان منه فعض على يديه آسفاً‏.‏ وهرب عدي فلم يظهر له أثر ثم سألها في أبيات شعر معروفة فأخبرته بما كان منه فعرف عذرها وكف‏.‏ وأقام عدي في أخواله إياد إلى أن هلك‏.‏ وولدت رقاش منه غلاماً وسمته عمرا وربي عند خاله جذيمة وكان يستظرفه‏.‏ ثم استهوته الجن فغاب وضرب له جذيمة في الآفاق إلى أن ردده عليه وافدان من العتقا ثم من قضاعة وهما مالك وعقيل ابنا فارج بن مالك بن العنس أهديا له طرفاً ومتاعاً ولقيا عمراً بطريقهما وقد ساءت حاله وسألاه فأخبرهما باسمه ونسبه فأصلحا من شأنه وجاآ به إلى جذيمة بالحيرة فسر به وسرت أمه‏.‏ وحكم الرجلين فطلبا منادمته فأسعفهما وكانا ينادمانه حتى ضرب المثل بهما وقيل ندماني جذيمة‏.‏ والقصة مبسوطة في كتب الإخباريين بأكثر من هذا‏.‏ قال الطبري‏:‏ وكان ملك العرب بأرض الحيرة ومشارف الشام عمرو بن ظرب بن حسان بن أدينة بن السميدع بن هوثر العملاقي فكانت بينه وبين جذيمة حرب قتل فيها عمرو بن الظرب وفضت جموعه‏.‏ وملكت بعده بنته الزبا واسمها نائلة وجنودها بقايا العمالقة من عاد الأولى ومن نهد وسليح ابني حلوان ومن كان معهم من قبائل قضاعة وكانت تسكن على شاطىء الفرات وقد بنت هنالك قصراً وتربع عند بطن المجافز وتصيف بتدمر‏.‏ ولما استحكم لها الملك أجمعت أخذ الثأر من جذيمة بأبيها فبعثت إليه توهمه الخطبة وأنها امرأة لا يليق بها الملك فيجمع ملكها إلى ملكه فطمع في ذلك ووافقه قومه وأبى عليه منهم قصير بن سعد بن عمرو بن جذيمة بن قيس بن أربى بن نمارة بن لخم وكان حازماً ناصحاً وحذره عاقبة ذلك فعصاه واستشار ابن أخته عمرو بن عدي فوافقه فاستخلفه على قومه وجعل على خيوله عمرو بن عبد الحق‏.‏ وسار هو على غربي الفرات إلى أن نزل رحبة مالك ابن طوق‏.‏ وأتته الرسل منها بالألطاف والهدايا ثم استقبلته الخيول‏.‏ فقال له قصير إن أحاطت بك الخيول فهو الغدر فاركب فرسك العصا وكانت لا تجارى‏.‏ فأحاطت به الخيول ودخل جذيمة على الزبا فقطعت رواهشه فسال دمه حتى نزل ومات‏.‏ وقدم قصير على عمرو بن عدي وقد اختلف عليه قومه ومال جماعة منهم إلى عمرو بن عبد الجن فأصلح أمرهم حتى انقادوا جميعاً لعمرو بن عدي‏.‏ وأشار عليه بطلب الثأر من الزبا بخاله جذيمة وكانت الكاهنة قد عرفتها بملكها وأعطتها علامات عمرو فحذرته وبعثت رجلاً من مصوراً يصور لها عمراً في جميع حالاته فسار إليه متنكراً واختلط بحشمه وجاء إليها بصورته فاستثبتته وتيقنت أن مهلكها منه‏.‏ واتخذت نفقاً في الأرض من مجلسها إلى حصن داخل مدينتها‏.‏ وعمد عمرو إلى قصير فجدع أنفه بمواطأة منه على ذلك فلحق بالزبا يشكو ما أصابه من عمرو وأنه إتهمه بمداخلة الزبا في أمر خاله جذيمة وما رأيت بعدما فعل بي أنكى له من أن أكون معك فأكرمته وقربته حتى إذا رضي منها من الوثوق به أشار عليها بالتجارة في طرق العراق وأمتعته فأعطته مالاً وحميراً‏.‏ وذهب إلى العراق ولقي عمرو بن عدي بالحيرة فجهزه بالطرف والأمتعة كيما يرضيها‏.‏ وأتاها بذلك فازدادت به وثوقاً وجهزته بأكثر من الأولى‏.‏ ثم عاد الثالثة وحمل بغاة الجند من أصحاب عمرو في الغرائر على الجمال وعمرو فيهم وتقدم فبشرها بالعير وبكثرة ما حمل إليها من الطرف فخرجت تنظر فانكرت ما رأته في الجمال من التكارد‏.‏ ثم دخلت العير المدينة فلما توسطت أنيخت وخرج الرجال وبادر عمرو إلى النفق فوقف عنده ووضع الرجال سيوفهم في أهل البلد وبادرت الزبا إلى النفق فوجدت عمراً قائماً عنده فلحمها بالسيف وماتت وأصاب ما أصاب من المدينة وانكفأ راجعاً‏.‏ قال الطبري‏:‏ وعمرو بن عدي أول من اتخذ الحيرة منزلاً من ملوك العرب وأول من تجده أهل الحيرة في كتبهم من ملوك العرب بالعراق وإليه ينسبون وهم ملوك آل نصر‏.‏ ولم يزل عمرو بن عدي ملكاً حتى مات وهو ابن مائة وعشرين سنة مستبداً منفرداً يغزوهم ويغنم‏.‏ وتفد عليه الوفود ولا يدين لملوك الطوائف ولا يدينون له حتى قدم أردشير بن بابك في أهل فارس‏.‏ قال الطبري‏:‏ وإنما ذكرنا في هذا الموضع أمر جذيمة وابن أخته عمرو بن عدي لما قدمناه عند ذكر ملوك اليمن وأنهما لم يكن لهم ملك مستفحل وإنما كانوا طوائف على المخاليف يغير كل واحد على صاحبه إذا استغفله ويرجع خوف الطلب‏.‏ حتى كان عمرو بن عدي فاتصل له ولعقبه الملك على من كان بنواحي العراق وبادية الحجاز بالعرب فاستعمله ملوك فارس على ذلك إلى آخر أمرهم‏.‏ وكان أمر آل نصر هؤلاء ومن كان من ولاة الفرس وعمالهم على العرب معروفاً مثبتاً عندهم في كنائسهم وأشعارهم‏.‏
وقال هشام بن الكلبي‏:‏ كنت أستخرج أخبار العرب وأنسابهم وأنساب آل نصر بن ربيعة ومبالغ أعمار من ولي منهم لآل كسرى وتاريخ نسبهم من كتبهم بالحيرة‏.‏ وأما ابن إسحق فذكر في آل نصر ومصيرهم إلى العراق أن ذلك كان بسبب الرؤيا التي رآها ربيعة بن نصر وعبرها الكاهنان شق وسطيح‏.‏ وفيها أن الحبشة يغلبون على ملكهم باليمن‏.‏ قال‏:‏ فجهز بنيه وأهل بيته إلى العراق بما يصلحهم وكتب لهم إلى ملك من ملوك فارس يقال له سابور بن خرازاد فأسكنهم الحيرة‏.‏ ومن بقية ربيعة بن نصر كان النعمان بن المنذر بن عمرو بن عدي بن ربيعة بن نصر‏.‏ وقد يقال أن المنذر من أعقاب ساطرون ملك الحضر من تنوخ قضاعة‏.‏ رواه ابن إسحق من علماء الكوفة ورواه عن جبير بن مطعم‏.‏ قال‏:‏ لما أتى عمر رضي الله عنه بسيف النعمان دعا بجبير بن مطعم وكان أنسب قريش لقريش والعرب تعلمه من أبي بكر رضي الله عنه فسلمه إياه‏.‏ ثم قال‏:‏ ممن كان النعمان يا جبير قال‏:‏ كان من أسلاف قنص بن معد‏.‏ قال السهيلي‏:‏ كان ولد قنص بن معد انتشروا بالحجاز فوقعت بينهم وبين بني أبيهم حرب وتضايق بالبلاد وأجدبت الأرض فساروا نحو سواد العراق وذلك في أيام ملوك الطوائف فقاتلهم الأردوانيون وبعض ملوك الطوائف وأجلوهم عن السواد وقتلوهم إلا أشلاء لحقت بقبائل العرب ودخلوا فيهم فانتسبوا إلهم‏.‏ قال الطبري‏:‏ حين سأله عمر عن النعمان قال‏:‏ كانت العرب تقول أن أشلاء قنص بن معد وهم من ولد عجم بن قنص إلا أن الناس صحفوا عجم وجعلوا مكانه لخم‏.‏ قال ابن إسحق‏:‏ وأما سائر العرب فيقولون النعمان بن المنذر رجل من لخم ربي بين ولد ربيعة بن نصر‏.‏ ولما هلك عمرو بن عدي ولي بعده على العرب وسائر من ببادية العراق والحجاز والجزيرة امرؤ القيس بن عمرو بن عدي ويقال له البدء وهو أول من تنصر من ملوك آل نصر وعمال الفرس وعاش فيما ذكر هشام بن الكلبي مائة وأربع عشرة سنة‏.‏ منها أيام سابور ثلاثاً وعشرين سنة وأيام هرمز بن سابور سنة واحدة وأيام بهرام بن هرمز ثلاث سنين وأيام بهرام بن بهرام ثماني عشرة سنة‏.‏ ومن أيام سابور سبعون سنة‏.‏ وهلك لعهده فولي مكانه ابنه عمرو بن امرىء القيس البدء فأقام في ملكه ثلاثين سنة بقية أيام سابور بن سابور‏.‏ ثم ولي مكانه أوس بن قلام العمليقي فيما قال هشام بن محمد وهو من بني عمرو بن عملاق‏.‏ فأقام في ولايته خمس سنين ثم سار به جحجبا بن عتيك بن لخم فقتله وولي مكانه‏.‏ ثم هلك في عهد بهرام بن سابور وولي من بعده امرؤ القيس بن عمرو خمساً وعشرين سنة وهلك أيام يزدجرد الأثيم‏.‏ فولي مكانه ابنه النعمان بن امرىء القيس وأمه شقيقة بنت ربيعة بن ذهل بن شيبان وهو صاحب الخورنق‏.‏ ويقال إن سبب بنائه إياه أن يزدجرد الأثيم دفع إليه ابنه بهرام جور ليربيه وأمره ببناء هذا الخورنق مسكناً له وأسكنه إياه‏.‏ ويقال‏:‏ إن الصانع الذي بناه كان اسمه سنمار وأنه لما فرغ من بنائه ألقاه من أعلاه فمات من أجل محاورة وقعت اختلف الناس في نقلها والله أعلم بصحتها‏.‏ وذهب ذلك مثلاً بين العرب في قبح الجزاء ووقع في أشعارهم منه كثير وكان النعمان هذا من أفحل ملوك آل نصر وكانت له سنانان إحداهما للعرب والأخرى للفرس‏.‏ وكان يغزو بهما بلاد العرب بالشام ويدوخها‏.‏ وأقام في ملكه ثلاثين سنة ثم زهد وترك الملك ولبس المسوح وذهب فلم يوجد له أثر‏.‏ قال الطبري‏:‏ وأما العلماء بأخبار الفرس فيقولون‏:‏ إن الذي تولى تربية بهرام هو المنذر بن النعمان بن امرىء القيس دفعه إليه يزدجرد الأثيم لإشارة كانت عنده فيه من المنجمين فأحسن تربيته وتأديبه وجاءه بمن يلقنه الخلال من العلوم والآداب والفروسية والنقابة حتى اشتمل على ذلك كله بما رضيه‏.‏ ثم رده إلى أبيه فأقام عنده قليلاً ولم يرض بحاله ووفد على أبيه وافد قيصر وهو أخوه قياودس فقصده بهرام أن يسأل له من أبيه الرجوع إلى بلاد العرب فرجع ونزل على المنذر ثم هلك يزدجرد فاجتمع أهل فارس وولوا عليهم شخصاً من ولد أردشير وعدلوا عن بهرام لمرباه بين العرب وخلوه عن آداب العجم‏.‏ وجهز المنذر العساكر لبهرام لطلب ملكه وقدم ابنه النعمان فحاصر مدينة الملك ثم جاء على أثره بعساكر العرب وبهرام معه‏.‏ فأذعن له فارس وأطاعوه واستوهب المنذر ذنوبهم من بهرام فعفا عنهم واجتمع أمره‏.‏ ورجع المنذر إلى بلاده وشغل باللهو وطمع فيه الملوك حوله وغزاه خاقان ملك الترك في خمسين ألفاً من العساكر‏.‏ وسار إليه بهرام فانتهى إلى أذربيجان ثم إلى أرمينية ثم ذهب يتصيد وخلف أخوه نرسي على العساكر فرماه أهل فارس بالجبن وأنه خار عن لقاء الترك فراسلوا خاقان في الصلح على ما يرضاه فرجع عنهم‏.‏ وانتهى الخبر بذلك إلى بهرام فسار في اتباعه وبيته فانفض بعسكره وقتله بيده‏.‏ واستولى بهرام على ما في العساكر من الأثقال والذراري وظفر بتاج خاقان وأكليله وسيفه بما كان فيه من الجواهر واليواقيت وأسر زوجته وغلب على ناحية من بلاده فولى عليها بعض مرازبته وأذن له في الجلوس على سرير الفضة وأغزى ما وراء النهر فدانوا بالجزية وانصرف إلى أذربيجان فجعل سيف خاقان وأكليله معلقاً ببيت النار وأخدمه خاتون امرأة خاقان‏.‏ ورفع الخراج عن الناس ثلاث سنين شكراً لله تعالى على النصر وتصدق بعشرين ألف ألف درهم مكررة مرتين‏.‏ وكتب بالخبر إلى النواحي‏.‏ وولى أخاه نرسي على خراسان واستوزر له بهرنرسي بن بدارة بن فرخزاد ووصل الطبري نسبه من هنا بعد أربعة فكان رابعهم أشك بن دارا وأغزى بهرام أرض الروم في أربعين ألفاً فانتهى إلى القسنطينية ورجع‏.‏ قال هشام بن الكلبي‏:‏ ثم جاء الحرث ابن عمرو بن حجر الكندي في جيش عظيم إلى بلاد معد والحيرة وقد ولاه تبع بن حسان بن تبع فسار إليه النعمان بن امرىء القيس بن الشقيقة وقاتله فقتل النعمان وعدة من أهل بيته وانهزم أصحابه وأفلت المنذر بن النعمان الأكبر وأمه ماء السماء امرأة من اليمن‏.‏ وتشتت ملك آل النعمان وملك الحرث بن عمرو ما كانوا يملكونه‏.‏ وقال غير هشام بن الكلبي إن النعمان الذي قتله الحرث هو ابن المنذر بن النعمان وأمه هند بنت زيد مناة بن زيد الله بن عمرو بن ربيعة بن ذهل بن شيبان وهو الذي أسرته فارس‏.‏ ملك عشرين سنة منها في أيام فيروز بن يزدجرد عشر سنين وأيام يلاوش بن يزدجرد أربع سنين وفي أيام قباذ بن فيروز ست سنين‏.‏ قال هشام بن محمد الكلبي‏:‏ ولما ملك الحرث بن عمرو ملك آل النعمان بعث إليه قباذ يطلب لقاءه وكان مضعفاً فجاءه الحرث وصالحه على أن لا يتجاوز بالعرب الفرات‏.‏ ثم استضعفه فأطلق العرب للغارة في نواحي السواد وراء الفرات فسأله اللقاء بابنه واعتذر إليه أشظاظ العرب وأنه لا يضبطهم إلا المال فاقطعه جانباً من السواد‏.‏ فبعث الحرث إلى ملك اليمن تبع يستنهضه بغزو فارس في بلادهم ويخبره بضعف ملكهم فجمع وسار حتى نزل الحيرة وبعث ابن أخيه شمراً ذا الجناح إلى قباذ فقاتله واتبعه إلى الري فقتله‏.‏ ثم سار شمر إلى خراسان وبعث تبع ابنه حسان إلى الصعد وأمرهما معاً أن يدوخا أرض الصين‏.‏ وبعث ابن أخيه يعفر إلى الروم فحاصر القسطنطينية حتى أعطوا الطاعة والأتاوة‏.‏ وتقدم إلى رومة فحاصرها‏.‏ ثم أصابهم الطاعون ووهنوا له فوثب عليهم الروم فقتلوهم جميعاً‏.‏ وتقدم شمر إلى سمرقند فحاصرها واستعمل الحيلة فيها فملكها‏.‏ ثم سار إلى الصين وهزم الترك ووجد أخاه غسان قد سبقه إلى الصين منذ ثلاث سنين فأقاما هنالك إحدى وعشرين سنة إلى أن هلك‏.‏ قال‏:‏ والصحيح المتفق عليه أنهما رجعا إلى بلادهما بما غنماه من الأموال والذخائر وصنوف الجواهر والطيوب‏.‏ وسارى حتى قدم مكة ونزل شعب حجاز وكانت وفاته باليمن بعد أن ملك مائة وعشرين سنة‏.‏ ولم يخرج أحد بعده من ملوك اليمن غازياً‏.‏ ويقال‏:‏ إنه دخل في دين اليهود للأحبار الذين خرجوا معه من يثرب‏.‏ وأما ابن إسحق فعنده أن الذي سار إلى المشرق من التبابعة تبع الأخير وهو تبان أسعد أبو كرب‏.‏ قال هشام بن محمد‏:‏ وولي أنوشروان بعد الحرث بن عمرو المنذر بن النعمان الذي أفلت يوم قتل أبوه ونزل الحيرة‏.‏ وأبوه هو النعمان الأكبر‏.‏ فلما قوي سلطان أنوشروان واشتد أمره بعث إلى المنذر فملكه الحيرة وما كان يليه الحرث بن عمرو آكل المرار فلم يزل كذلك حتى هلك‏.‏ قال‏:‏ وملك العرب من قبل الفرس بعد الأسود بن المنذر أخوه المنذر بن المنذر وأمه ماوية بنت النعمان سبع سنين‏.‏ ثم ملك بعده النعمان بن الأسود بن المنذر وأمه أم الملك أخت الحرث بن عمرو أربع سنين‏.‏ ثم استخلف أبو يعفر بن علقمة بن مالك بن عدي بن الذميل بن ثور بن أسد بن أربى بن نمارة بن لخم ثلاث سنين‏.‏ ثم ملك المنذر بن امرىء القيس وهو ذو القرنين لضفيرتين كانتا له من شعره وأمه ماء السماء بنت عوف بن جشم بن هلال بن ربيعة بن زيد مناة بن عامر بن الضبيب بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط‏.‏ فملك تسعاً وأربعين سنة‏.‏ ثم ملك ابنه عمرو بن المنذر وأمه هند بنت الحرث بن عمرو بن حجر آكل المرار ست عشرة سنة ولثمان سنين من ملكه كان عام الفيل الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ ثم ولى عمرو بن هند شقيقه قابوس أربع سنين سنة منها أيام أنوشروان وثلاثة أيام ابنه هرمز‏.‏ ثم ولى بعده أخوهما المنذر أربع سنين‏.‏ ثم ولى بعده النعمان بن المنذر وهو أبو قابوس اثنين وعشرين سنة منها ثمان سنين أيام هرمز وأربع عشرة أيام أبرويز‏.‏ وفي أيام النعمان هذا اضمحل ملك آل نصر بالجزيرة‏.‏ وعليه أنقرض‏.‏ وهو الذي قتله كسرى أبرويز وأبدل منه في الولاية على الحيرة والعرب باياس بن قبيصة الطائي‏.‏ ثم رد رياسة الحيرة لمرازبة فارس إلى أن جاء الإسلام وذهب ملك فارس‏.‏ وكان الذي دعا أبرويز إلى قتله سعاية زيد بن عدي العبادي فيه عند أبرويز بسبب أن النعمان قتل أباه عدي بن زيد‏.‏

ميارى 4 - 8 - 2010 01:54 AM

الخبر عن ذلك أن عدي بن زيد
كان من تراجمة أبرويز وكان سبب قتل النعمان أن أباه وهو زيد بن حماد بن أيوب ابن محروب بن عامر بن قبيصة بن امرىء القيس بن زيد مناة والد عدي هذا كان جميلاً شاعراً خطيباً وقارئاً كتاب الحرب والفرس وكانوا أهل بيت يكونون مع الأكاسرة ويقطعونهم القطائع على أن يترجموا عندهم عن العرب‏.‏ وكان المنذر بن المنذر لما ملك جعل ابنه النعمان في حجر عدي فأرضعه أهل بيته ورباه قوم من أشراف الحيرة ينسبون إلى لخم ويقال لهم بنو مرسي وكان للمنذر بن المنذر عشرة سوى النعمان يقال لهم الأشاهب لجمالهم وكان النعمان من بينهم أحمر أبرش قصيراً أمه سلمى بنت وائل بن عطية من أهل فدك كانت أمة للحرث بن حصن بن ضمضم بن عدي بن جناب بن كلب‏.‏ وكان قابوس بن المنذر الأكبر عم النعمان بعث إلى أنوشروان بعدي بن زيد وإخوته فكانوا في كتابه يترجمون له‏.‏ فلما مات المنذر أوصى على ولده إياس بن قبيصة الطائي وجعل أمره كله بيده فأقام على ذلك شهراً‏.‏ ونظر أنوشروان فيمن يملكه على العرب وشاور عدي بن زيد واستنصحه في بني المنذر فقال بقيتهم في بني المنذر بن المنذر فاستقدمهم كسرى وأنزلهم على عدي‏.‏ وكان هواه مع النعمان فجعل يرعى إخوته تفضيلهم عليه ويقول لهم‏:‏ إن أشار عليكم كسرى بالملك وبمن يكفوه أمر العرب تكفلوا بشأن ابن أخيكم النعمان وشمر للنعمان إن سأله كسرى عن شأن إخوته أن يتكفله ويقول‏:‏ إن عجزت عنهم فأنا عن سواهم أعجز‏.‏ وكان مع أخيه الأسود بن المنذر رجل من بني مرسي الذين ربوهم اسمه عدي بن أوس بن مرسي فنصحه في عدي أعلمه أنه يغشه فلم يقبل‏.‏ ووقف كسرى على مقالاتهم فمال إلى النعمان وملكه وتوجه بقيمة ستين ألف دينار ورجع إلى الحيرة ملكاً على العرب وعدي بن أوس في خدمته‏.‏ وقد أضمر السعايا بعدي بن زيد فكان يظهر الثناء عليه ويتواصى به مع أصحابه وأن يقولوا مثل قوله إلا أنه يستصغر النعمان ويزعم أنه ملكه وأنه عامله حتى آسفوه بذلك وبعث إليه في الزيارة فأتاه وحبسه‏.‏ ثم ندم وخشي عاقبة إطلاقه فجعل يمنيه‏.‏ ثم خرج النعمان إلى البحرين وخالفه جفنة ملك غسان إلى الحيرة وغار عليها ونال منها‏.‏ وكان عدي بن زيد كتب إلى أخيه عند كسرى يشعره بطلب الشفاعة من كسرى إلى النعمان فجاء الشفيع إلى الحيرة وبها خليفة النعمان وجاء إلى عدي فقال له أعطني الكتاب أبعثه أنا ولازمني أنت هنا لئلا اقتل‏.‏ وبعث أعداؤه من بني بقيلة إلى النعمان بأن رسول كسرى دخل عنده فبعث من قتله فلما وفد وافد كسرى في الشفاعة أظهر له الإجابة وأحسن له بأربعة آلاف دينار وجارية وأذن له أن يخرجه من محبسه‏.‏ فوجده قد مات منذ ليال‏.‏ فجاء إلى النعمان مثرباً‏.‏ فقال‏:‏ والله لقد تركته حياً‏.‏ فقال‏:‏ وكيف تدخل إليه وأنت رسول إلي فطرده فرجع إلى كسرى وأخبره بموته وطوى عنه ما كان من دخوله إليه‏.‏ ثم ندم النعمان على قتله ولقي يوماً وهو يتصيد ابنه زيداً فاعتذر إليه من أمر أبيه‏.‏ وجهزه إلى كسرى ليكون خليفة أبيه على ترجمة العرب فأعجب به كسرى وقربه وكان أسيراً عنده‏.‏ ثم أن كسرى أراد خطبة بنات العرب فأشار عليه عدي بالخطبة في بني منذر فقال له كسرى‏:‏ اذهب إليهم في ذلك فقال‏:‏ إنهم لا ينكحون العجم ويستريبون في ذلك فابعث معي من يفقه العربية فلعلي آتيك بغرضك‏.‏ فلما جاء إلى النعمان قال لزيد‏:‏ إما في عير السواد وفارس ما يغنيكم عن بناتنا وسألى الرسول عن العير فقال له زيد‏:‏ هي البقر‏.‏ ثم رجعا إلى كسرى بالخيبة‏.‏ وأغراه زيد فغضب كسرى وحقدها على النعمان‏.‏ ثم استقدمه بعد حين لبعض حاجاته وقال له‏:‏ لا بد من المشافهة لأن الكتاب لا يسعها ففطن فذهب إلى طيء وغيرهم من قبائل العرب ليمنعوه فأبوا وفرقوا من معاداة كسرى إلا بني رواحة بن سعد من بني عبس فإنهم أجابوه لو كانوا يغنون عنه فعذرهم وانصرف عنهم إلى بني شيبان بذي قار والرياسة فيهم لهانىء بن مسعود بن عامر بن الخطيب بن عمرو المزدلف ابن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان ولقيس بن خالد بن ذي الخدين وعلم أن هانئاً يمنعه وكان كسرى قد أقطعه‏.‏ فرجع إليه النعمان ماله ونعمه وحلقته وهي سلاح ألف فارس شاكه‏.‏ وسار إلى كسرى فلقيه زيد بن عدي بساباط وتبين الغدر فلما بلغ إلى كسرى قيده وأودعه السجن إلى أن هلك فيه بالطاعون ودعا ذلك إلى واقعة ذي قار بين العرب وفارس‏.‏ وذلك أن كسرى لما قتل النعمان استعمل إياس بن قبيصة الطائي على الحيرة مكان النعمان ليده التي أسلفها طيء عند كسرى يوم واقعة بهرام على أبرويز وطنب من النعمان فرسه ينجو عليها فأبى‏.‏ واعترضه حسان بن حنظلة بن جنة الطائي وهو ابن عم إياس بن قبيصة فأركبه فرسه ونجا عليه‏.‏ ومر في طريقه بإياس فأهدى له فرساً وجزوراً‏.‏ فرعى له أبرويز هذه الوسائل وقدم إياساً مكان النعمان وهو إياس بن قبيصة بن أبي عمير بن النعمان بن جنة‏.‏ فلما هلك النعمان بعث إياس إلى هانىء بن مسعود في حلقة النعمان ويقال كانت أربعمائة درع وقيل ثمانمائة فمنعها هانىء وغضب كسرى وأراد استئصال بكر بن وائل وأشار عليه النعمان بن زرعة من بني تغلب أن يمهل إلى فصل القيظ عند ورودهم مياه ذي قار‏.‏ فلما قاظوا ونزلوا تلك المياه جاءهم النعمان بن زرعة يخيرهم في الحرب أو إعطاء اليد فاختاروا الحرب‏.‏ اختاره حنظلة بن سنان العجلي وكانوا قد ولوه أمرهم وقال لهم إنما هو الموت قتلاً إن أعطيتم باليد أو عطشاً إن هربتم‏.‏ وربما لقيكم بنو تميم فقتلوكم‏.‏ ثم بعث كسرى إلى إياس بن قبيصة أن يسير إلى حربهم ويأخذ معه مسالح فارس وهم الجند الذين كانوا معه بالقطقطانية وبارق وتغلب وبعث إلى قيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن ذي الخدين وكان على طف شقران أن يوافي إياساً فجاءت الفرس معها الجنود والأفيال عليها الأساورة‏.‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بالمدينة فقال اليوم انتصف العرب من العجم ونصروا‏.‏ وحفظ ذلك اليوم فإذا هو يوم الوقعة‏.‏ ولما تواقف الفريقان جاء قيس بن مسعود إلى هانىء وأشار عليه أن يفرق سلاح النعمان على أصحابه ففعل‏.‏ واختلف هانىء بن مسعود وحنظلة بن ثعلبة بن سنان فأشار هانىء بركوب الفلاة وقطع حنظلة حزم الرجال وضرب على نفسه وآلى أن لا يفر ثم استقوا الماء لنصف شهر واقتتلوا وهرب العجم من العطش واتبعهم بكر بن وعجل فاصطف العجم وقاتلوا وصبروا وراسلت إياد بكر بن وائل‏:‏ إنا نفر عند اللقاء فصحبوهم واشتد القتال وقطعوا الآمال حتى سقطت الرجال إلى الأرض ثم حملوا عليهم‏.‏ واعترضهم يزيد بن حماد السكوني في قومه كان كميناً أمامهم فشدوا على إياس بن قبيصة ومن معه من العرب فولت إياد منهزمة‏.‏ وانهزمت الفرس وجاوزوا الماء في حر الظهيرة في يوم قائظ فهلكوا أجمعين قتلاً وعطشاً‏.‏ وأقام إياس في ولاية الحيرة مكان النعمان ومعه الهمرجان من مرازبة فارس تسع سنين‏.‏ وفي الثامنة منها كانت البعثة‏.‏ وولي بعده على الحيرة آخر من المرازبة اسمه زاذويه بن ماهان الهمذاني سبع عشرة سنة إلى أيام بوران بنت كسرى‏.‏ ثم ولي المنذر بن النعمان بن المنذر وتسميه العرب الغرور اذي قتل بالبحرين يوم أجداث‏.‏ ولما زحف المسلمون إلى العراق ونزل خالد بن الوليد الحيرة حاصرهم بقصورها فلما أشرفوا على الهلكة خرج إليهم إياس بن قبيصة في أشراف أهل الحيرة وأتقى من خالد والمسلمين بالجزية فقبلوا منه وصالحهم على مائة وستين ألف درهم‏.‏ وكتب لهم خالد بالعهد والأمان وكانت أول جزية بالعراق‏.‏ وكان فيهم هانىء بن قبيصة أخو إياس بن قبيصة بالقصر الأبيض وعدي بن عدي العبادي بن عبد القيس وزيد بن عدي بقصر العدسيين وأهل نصر بني عدس من قصور الحيرة وهو بنو عوان بن عبد المسيح بن كلب بن وبرة وأهل قصر بني بقيلة لأنه خرج على قومه في بردين أخضرين فقالوا‏:‏ يا حارث ما أنت إلا بقيلة خضراء وعبد المسيح هذا هو المعمر وهو الذي بعثه كسرى أبرويز إلى سطيح في شأن رؤيا المرزبان‏.‏ ولما صالح إياس بن قبيصة المسلمين وعقد لهم الجزية سخطت عليه الأكاسرة وعزلوه‏.‏ فكان ملكه تسع سنين ولسنة منها وثمانية أشهر كانت البعوث وولي حينئذ الخلافة عمر بن الخطاب‏.‏ وعقد لسعد بن أبي وقاص على حرب فارس‏.‏ فكان أول عمل يزدجرد أن أمر مرزبان الحيرة أن يبعث قابوس بن قابوس بن المنذر وأغراه بالعرب ووعده بملك آبائه‏.‏ وقال له ادع العرب وأنت على من أجابك كما كان آباؤك‏.‏ فنهض قابوس إلى القادسية ونزلها وكاتب بكر بن وائل بمثل ما كان للنعمان فكاتبهم مقاربةً ووعداً‏.‏ وانتهى الخبر إلى المثنى بن حارثة الشيباني عقب مهلك أخيه المثنى وقبل وصول سعد فأسرى من ذي قار وبيت قابوس بالقادسية ففض جمعه وقتله‏.‏ وكان آخر من بقي من ملوك آل نصر بن ربيعة وانقرض أمرهم مع زوال ملك فارس‏.‏ وقد كان المغيرة بن شعبة تزوج هنداً بنت النعمان وسعد بن أبي وقاص تزوج صدقة بنت النعمان وخبرهما معروف ذكره المسعودي وغيره‏.‏ وعدة ملوك إلى نصر عند هشام بن الكلبي عشرون ملكاً ومدتهم خمسمائة وعشرون سنة‏.‏ وعند المسعودي ثلاث وعشرون ملكاً ومدتهم ستمائة وعشرون سنة‏.‏ قال‏:‏ وقد قيل أن مدة عمران الحيرة إلى أن خربت عند بناء الكوفة خمسمائة سنة‏.‏ قال‏:‏ ولم يزل عمرانها يتناقص إلى أيام المعتضد ثم أقفرت‏.‏ وفيما نقله بعض الإخباريين أن خالداً بن الوليد قال لعبد المسيح‏:‏ أخبرني بما رأيت من الأيام قال نعم‏!‏ قال‏:‏ رأيت المرأة من الحيرة تضع مكتلها على رأسها ثم تخرج حتى تأتي الشام في قرى متصلة وبساتين ملتفة وقد أصبحت اليوم خراباً والله يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين‏.‏ هذا ترتيب الملك من ولد نصر بن ربيعة بن كعب بن عمرو بن عدي الأول منهم وهو الترتيب الذي ذكره الطبري عن ابن الكلبي وغيره وبين الناس فيه خلاف في ترتيب ملوكهم بعد اتفاقهم على أن الذي ملك بعد عمرو بن عدي ابنه امرؤ القيس ثم ابنه عمرو بن امرىء القيس وهو الثالث منهم‏.‏ قال علي بن عبد العزيز الجرجاني في أنسابه بعد ذكر عمرو هذا‏:‏ ثم ثار أوس بن قلام العملقي وملك فثار به جحجب بن عتيك اللخمي فقتله وملك‏.‏ ثم ملك من بعده امرؤ القيس البدء بن عمرو الثالث ثم ملك من بعده ابنه النعمان الأكبر ابن امرىء القيس بن الشقيقة وهو الذي ترك الملك وساح ثم ملك من بعده ابنه المنذر ثم ابنه الأسود بن المنذر ثم أخوه المنذر بن المنذر ثم النعمان بن الأسود بن المنذر ثم أبو يعفر بن علقمة بن مالك بن عدي بن الذميل بن ثور بن أسنش بن زبى بن نمارة بن لخم‏.‏ ثم ملك من بعده امرؤ القيس بن النعمان الأكبر ثم ابنه امرؤ القيس‏.‏ ثم كان أمر الحرث بن عدي الكندي حتى تصالحا وتزوج المنذر بنته هنداً فولدت له عمراً‏.‏ ثم ملك بعد المنذر عمرو بن هند ثم قابوس بن المنذر أخوه ثم المنذر بن المنذر أخو الآخر ثم ابنه النعمان بن المنذر‏.‏ وهكذا نسبه الجرجاني وهو موافق لترتيب الطبري إلا في الحرث بن عمرو الكندي فإن الطبري جعله بعد النعمان الأكبر بن امرىء القيس وابنه المنذر والجرجاني جعله بعد المنذر بن امرىء لقيس بن النعمان‏.‏ وبين هذا المنذر والمنذر بن النعمان الأكبر خمسة من ملوكهم فيهم أبو يعفر بن الذميل فالله أعلم بالصحيح من ذلك‏.‏ وأما المسعودي فخالف ترتيبهم فقال‏:‏ بعد النعمان الأكبر بن امرىء القيس وسماه قائد الفرس ملك خمساً وستين سنة‏.‏ ثم ملك ابنه المنذرخمساً وعشرين سنة وهذا مثل ترتيب الطبري والجرجاني ثم خالفهما وقال‏:‏ وملك النعمان بن المنذر الحيرة وهو الذي بنى الخورنق خمساً وثلاثين سنة وملك الأسود بن النعمان عشرين سنة وملك ابنه المنذر أربعين سنة وأمه ماء السماء من النمير بن قاسط من ربيعة وبها عرف وملك ابنه عمرو بن المنذر أربعاً وعشرين سنة‏.‏ ثم ملك بعده أخوه النعمان وأمه مامة وقتله كسرى وهو آخرهم‏.‏ هكذا ساق المسعودي نسق ملوكهم ونسبهم وهو مخالف لما ذكره الطبري والجرجاني‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ كان للمنذر بن ماء السماء من الولد المملكين عمرو والنعمان وكان عمرو لهند بنت الحرث آكل المرار‏.‏ قال‏:‏ وكان عمرو هذا من أعاظم ملوك الحيرة ويعرف بمحرق لأنه حرق مدينة الملهم عند اليمامة‏.‏ وكان يملك من قبل كسرى أنوشران‏.‏ ومن بعده ملك أخوه النعمان بن المنذر وأمه مامة وقتله كسرى أبرويز بن هرمز بن أنوشروان لموجدة وجدها بسعاية زيد بن عدي بن زيد العبادي‏.‏ وساق قصة مقتله وولاية إياس بن قبيصة الطائي من بعده وما وقع بعد ذلك من حرب ذي قار وغلب العرب فيها على العجم إلى آخرها‏.‏ فالله أعلم بالصحيح في ترتيب ملوكهم‏.‏ وقال ابن سعيله‏:‏ أول حديثهم في الملك أن بني نمارة كانوا جنداً للعمالقة بأطراف الشام والجزيرة وكانوا مع الزباء‏.‏ ولما قتلت جذيمة عمرو بن عدي منهم بثأره وكان ابن أخته حتى أدركه وقتلها وبنى الحيرة على فرع من الفرات في أرض العراق‏.‏ وقال صاحب تواريخ الأمم‏:‏ ملك مائة وثمانية وعشرين سنة أيام ملوك الطوائف وبعده امرؤ القيس بن عمرو ولما مات ولى أردشير بن سابور على الحيرة أوس بن قلام من العمالقة ثم كان ملك الحيرة فوليها امرؤ القيس بن عمرو بن امرىء القيس المعروف بمحرق‏.‏ قال‏:‏ وهو المذكور في قصيدة الأسود بن يعفر التي على روي الدال‏.‏ وبعده ابنه النعمان بن شقيقة وهي من بني شيبان وجعل معه كسرى والياً للفرس وهو باني الخورنق والسدير على مياه وملك بعده ابنه المنذر وهو الذي سعى لبهرام جور في الملك حتى تم له‏.‏ وملك أربعاً وأربعين سنة وملك بعده ابنه الأسود ثم أخوه المنذر بن المنذر ثم النعمان بن الأسود‏.‏ وغضب عليه كسرى وولى مكانه الذميل بن لخم من غير بيت الملك‏.‏ ثم عاد الملك إليهم فولي امرؤ القيس بن النعمان الأكبر وهو ابن الشقيقة وهو الذي غزا بكر بن وائل‏.‏ وملك بعده ابنه المنذر بن ماء السماء وهي أمه أخت كليب سيد وائل‏.‏ وطالبه قباذ باتباع مزدك على الزندقة فأبى وولى مكانه الحرث بن عمرو بن حجر الكندي ثم رده أنوشروان إلى ملك الحيرة‏.‏ وقتله الحرث الأعرج الغساني يوم حليمة كما يأتي‏.‏ وملك بعده ابنه عمرو بن هند وهي مامة عمة امرىء القيس بن حجر المعروف بمضرط الحجازة لشدة بأسه‏.‏ وهو محرق الثاني‏.‏ حرق بني دارم من تميم لأنهم قتلوا أخاه وحلف ليحرقن منهم مائة فحرقهم وملك ستة عشر سنة أيام أنوشروان‏.‏ فتك به في رواق بين الحيرة والفرات عمرو بن كلثوم سيد تغلب ونهبوا حياءه‏.‏ وملك بعده أخوه قابوس بن هند وكان أعرج وقتله بعض بني يشكر فولى أنوشروان على الحيرة بعض مرازبة الفرس فلم تستقم له طاعة العرب‏.‏ فولى عليهم المنذر بن المنذر بن ماء السماء فخرج إلى جهة الشام طالباً ثأر أبيه من الحرث الأعرج الغساني فقتله الحرث أيضاً يوم وملك بعده ابنه النعمان بن المنذر وكان ذميماً أشقر أبرش وهو أشهر ملوك الحيرة وعليه كثرت وفود العرب وطلبه بثأر أبيه‏.‏ وحرد من بني جفنة حتى أسر خلقاً كثيراً من أشرافهم وحمله عدي بن زيد على أن تنصر وترك دين آبائه‏.‏ وحبس عدياً فشفع كسرى فيه بسعاية أخ له كان عنده فقتله النعمان في محبسه‏.‏ ثم نشأ ابنه زيد بن عدي وصار ترجماناً لكسرى فأغراه بالنعمان وحضر مع كسرى أبرويز في وقعة بين الفرس والروم وانهزمت الفرس ونجا النعمان على فرسه التخوم بعد أن طلبه منه كسرى ينجو عليه فأعرض عنه‏.‏ ونزل له إياس بن قبيصة الطائي عن فرسه فنجا عليه ووفد عليه النعمان بعد ذلك فقتله وولى على الحيرة إياس بن قبيصة فلم تستقم له طاعة العرب وغضبوا لقتل النعمان وكان لهم على الفرس يوم ذي قار سنة ثلاث من البعثة‏.‏ ومات إياس وصارت الفرس يولون على الحيرة منهم إلى أن ملكها المسلمون‏.‏ وذكر البيهقي أن دين بني نصر كان عبادة الأوثان وأول من تنصر منهم النعمان بن الشقيقة وقيل بل النعمان الأخير‏.‏ وملكت العرب بتلك الجهات ابنه المنذر فقتله جيش أبي بكر رضي الله عنه وفي تواريخ الأمم أن جميع ملوك الحيرة من بني نصر وغيرهم خمسة وعشرون ملكاً في نحو ستمائة سنة والله أعلم‏.‏ وهذا الترتيب مساو لترتيب الطبري والجرجاني والله وارث الأرض


الساعة الآن 02:19 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى