![]() |
هل يؤكل المالُ بعينـه؟
لما تمهّدت بلاد اليمن لتوران شاه بن أيوب (وهو أخو السلطان صلاح الدين)، واستقامت له أمورُها، كرِهَ المقام بها لأنها بلاد مجدبة. فكتب إلى صلاح الدين يستقيل منها، ويسأله الإذن له في العـَوْد إلى الشام، ويشكو حالَه. فأرسل إليه أخوه رسولاً مضمونُ رسالتِهِ ترغيبُه في الإقامة، وأن اليمن كثيرة الأموال ومملكة كبيرة. فلما سمع توران شاه الرسالة، قال لمتولـّي خزانته: احضر لنا ألف دينار. فأحضرها في كيس. فقال لأستاذ داره، والرسول حاضر عنده: أرسـِل هذا الكيس إلى السوق يشترون لنا بما فيه قطعة ثلج. فقال أستاذ الدار: يا مولانا، هذه بلاد اليمن، من أين يكون فيها ثلج؟! فقال: دعهم يشترون بها طبق مشمش لوزي. فقال: من أين يوجد هذا النوع ههنا؟ فجعل يعدّد عليه جميع أنواع فواكه دمشق، وأستاذ الدار يـُظْهـِر التعجب من كلامه، وكلما قال له عن نوع، يقول له: ومن أين يوجد هذا ههنا؟! فلما استوفى الكلام إلى آخره، قال توران شاه للرسول: ليت شعري ماذا أصنع بهذه الأموال إذا لم أنتفع بها؟ هل يؤكل المالُ بعينه؟ أم فائدته أن يتوصل به الإنسان إلى بلوغ أغراضه؟ فعاد الرسول إلى صلاح الدين، وأخبره بما جرى، فأذِن له في المجيء. من كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلكان. |
هلاّ وَسـِعـَك مـا وَسـِعـَهم؟
كان القاضي أحمد بن أبي دواد من رءوس المعتزلة، وكان معظـَّمـاً عند المأمون، يقبل شفاعتـَه ويـُصغي إلى كلامه. وهو الذي دسَّ للمأمون القول بخلـْق القرآن، وحسـّنه عنده، وصيـّره يعتقده حقـّا مبينـاً، إلى أن أجمع رأيه على الدعاء له، وامتحان العلماء فيه. ثم سار المعتصم فالواثق سيرة المأمون في هذه الفتنة. ويـُروى أن الخليفة الواثق أُتـِيَ إليه بشيخ مقيـّد يقول بقدم القرآن ليمتحنه. فلما أُدخل قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين. فقال الواثق: لا سلـَّم الله عليك. قال الشيخ: يا أمير المؤمنين، بئس ما أدّبك به مؤدبك. قال الله تعالي: (وإذا حـُيـِّيتم بتحيـَّة فحيُّوا بأحسنَ منها أو رُدُّوها). والله ما حيـَّيتني بها ولا بأحسن منها. فقال ابن أبي دواد: يا أمير المؤمنين، هذا رجل متكلم. قال الواثق: كـَلـِّمـْه. فقال: يا شيخ، ما تقول في القرآن: مخلوق هو أو غير مخلوق؟ قال الشيخ: أنا أسألك قبل: فقال له: سـَلْ. قال الشيخ: ما تقول في القرآن؟ فقال: مخلوق. قال الشيخ: هذا شيء عـَلـِمـَه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعليّ، أم شيء لم يعلموه؟ قال ابن أبي دواد: شيء لم يعلموه. فقال: سبحان الله! شيء لم يعلمه النبي ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا عليّ، عـَلـِمـْتـَه أنت؟! فخجل ابن أبي دواد، وقال: أَقـِلـْني. قال: والمسألة بحالها؟ قال: نعم. قال: ما تقول في القرآن. قال: مخلوق. قال: هذا شيء عـَلـِمه النبي والخلفاء الراشدون أم لم يعلموه؟ قال: علـِمـُوه. قال: هل دعوا الناس إليه كما دعوتهم أنت أو سكتوا؟ قال: بل سكتوا. قال الشيخ: فهلاّ وَسـِعـَكَ ما وَسـِعـَهم من السكوت؟! فقام الواثق ودخل مجلس الخـَلوة واستلقى على قفاه، ووضع إحدى رجليه على الأخرى وهو يقول: هذا شيء لم يعلمه النبي ولا الخلفاء الراشدون، علمته أنت؟ سبحان الله، هذا شيء علمه النبي والخلفاء الراشدون ولم يدعوا الناس إليه، أفلا وسعك ما وسعهم؟! ثم دعا الحاجب، وأمره أن يرفع عن الشيخ قيوده، ويـُعطيـَه أربعمائة دينار. وسقط من عينه ابن أبي دواد، ولم يمتحن بعد ذلك أحداً. من كتاب "تاريخ بغداد" للخطـيب البغدادي |
وافَـقَ شَـنٌّ طَبَقَـة
كان رجلٌ من دهاة العرب وعقلائهم يقال له شَنٌّ. فقال: لأطوفَنَّ حتى أجد امرأةً مثلي فأتزوجها. فبينما هو في بعض مسيره إذأوفقه رجلٌّ في الطريق. فسأله شن: أين تريد؟ فقال موضع كذا، (يريد القرية التي يقصد لها شن ). فرافقه فلما أخذا في مسيرهما، قال له شن: أتحملني أم أحملك؟ فقال له الرجل: يا جاهل، أنا راكب وأنت راكب فكيف أحملك أو تحملني؟! فسكت عنه شن. وسارا، حتى إذا قربا من القرية، إذا هما بزرع قد استحصد فقال له شن: أترى هذا الزرع أُكل أم لا؟ فقال له الرجل: يا جاهل، ترى نبتًا مستحصدًا، فتقول أتراه أُكل أم لا؟! فسكت عنه شن. وسارا، حتى إذا دخلا القرية لقيتهما جنازة فقال شن: أترى صاحب هذا النّعْش حيًا أم ميتًا؟ فقال له الرجل: ما رأيتُ أجهل منك! ترى جنازة فتسأل عنها أمّيت صاحبها أم حيّ فمضى معه. وكانت للرجل ابنة يقال لها طَبَقَةُ. فلما دخل عليها أبوها سألته عن ضيفه فأخبرها بمرافقته إياه، وشكا إليها جهله وحدثها بحديثه. فقالت: يا أبتِ، ما هذا بجاهل. أمّا قوله: أتحملني أم أحملك فأراد: أتحدثني أم أحدِّثك حتى نقطع طريقنا. وأما قوله: أترى هذا الزرع أُكل أم لا، فإنما أراد أباعه أهله فأكلوا ثمنه أم لا. وأما قوله: أترى صاحب هذا النّعْش حيا أم ميتا، فأراد هل ترك عَقِبًا يحيا بهم ذِكْرُه أم لا. فخرج الرجل فقعد مع شنّ، فحادثه ساعة، ثم قال له: أتحبّ أن أفسر لك ما سألتني عنه؟ قال: نعم. ففسره. فقال شنّ: ما هذا من كلامك، فأخبِرْني مَنْ صاحبه. فقال: ابنة لي. فخطبها إليه، فزوّجه إيّاها وحملها إلى أهله. فلما رأوهما قالوا: وافق شَنٌّ طبقة! فذهبت مثلاً. من كتاب "الفاخر" للمفضل بن سلمة. |
والـدة شهيــد
قال أبو بكر الصديق: كنت يوماً أطوف بالمدينة، وأنا خليفة رسول الله، فرأيت في درب من دروبها الضيقة كوخاً، ما رأيت أحداً يدخل فيه، ولا يخرج منه، أياماً طوالاً، فأردت أن أعرف أصحابه، فطرقت يوماً بابه، واستأذنت، فسمعت من داخله صوتاً ضعيفاً، يأذن لي بالدخول فدخلت، فما وجدت به من الأحياء غير امرأة عجوز، بلغت أرذل العمر، ودُرت بعيني في جوانبه، فما وجدت فيه ما يؤكل، أو يـُشرب، فتقطع قلبي من الحزن، وسالت دموعي، ورأيت العجوز لا تتحرك من مكانها، فسألتها عن مرضها، فقالت: إنني يا بني مقعدة، لا أستطيع نهوضاً من مكاني، فزادت حسرتي عليها، ثم سألتها وأين أهلك؟ قالت: لا أعرف في الدنيا غير الله، الله وحده، وهو الباقي لي، كان لي ولد وحيد، مات وهو يجاهد في سبيل الله، ومن يوم أن ذهب، ما انفتح بابي لإنسان، ولا دخل عليّ طعام ولا شراب، حتى رأيتك اليوم بعد أشهر من وفاة ولدي، قلت: وكيف بقيت بلا طعام ولا شراب؟ قالت: ترك ولدي بقية من التمر، وجرَّة من الماء، فصرت آكل في اليوم تمرتين أو ثلاثاً، وأشرب قطرتين أو ثلاثاً من الماء، واعتقدت أن حياتي لن تطول إلى أن ينفد التمر والماء جميعاً. فلما سمعت قصتها بكيت كثيراً، وصليت كثيراً، واستغفرت ربي طويلاً، وجعلت نفسي أن أعودها كل يوم مرات، أحمل طعامها على يدي، وشرابها على كتفي، وصرت أخدمها خدمة الخادم المخلص لسيدته حتى قـُضي أجلها. |
وَجـَبَ الحـدُّ عليــه
كان عندنا في بلدنا بإشبيلية رجلٌ يبيع الخبز اسمه جمعة. وكان أطراف الناس يتحاكمون إليه. جاء إليه رجلان يومـاً، فقال أحدهما: يا جمعة، إن هذا الرجل زنى بامرأتي. فقال: ومن أين علمتَ ذلك؟ قال: يزعم أنه رأى امرأتي في منامه فنكحها. قال جمعة للخصم: كذلك كان؟ فقال الخصم: نعم. فقال جمعة: وجب الحدّ عليه. اذهبوا به إلى الشمس، فإذا امتدّ ظلـُّه في الأرض فاجلدوا ظلـَّه مائة جلدة! من كتاب "محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار" لابن عربـي |
ودائـع بنـي أميـة
رُفع إلى الخليفة المنصور أن رجلاً عنده ودائع وأموال لبني أميَّة. فأمر بإحضاره، فلما أُدخل إليه قال له المنصور: قد رُفع إلينا خبرُ الودائع والأموال التي عندك لبني أميّة. فأخرجها إلينا. فقال: يا أمير المؤمنين، أَوارث أنت لبني أميّة؟ قال: لا. قال: أَفَأَوْصوا لك بأموالهم؟ قال: لا. قال: فما سؤالك عما في يدي من ذلك؟ فأطرق المنصور ساعة، ثم رفع رأسه وقال: إن بني أميـَّة ظلموا المسلمين فيها، وأنا وكيل المسلمين في حقـِّهم، وأريد أن آخذ ما ظلموا فيه المسلمين فأجعله في بيت مالهم. فقال: تحتاج يا أمير المؤمنين إلى إقامة البيِّنة العادلة على أن ما في يدي لبني أمية. مما خانوا وظلموا فيه دون غيره، فقد كان لبني أمية أموال غير أموال المسلمين. فقال المنصور: صدقت. ما يجب عليك شيء. ثم قال له: هل لك من حاجة؟ قال: تجمع بيني وبين مـَن سعى بي إليك. فواللّه ما لبني أمية في يدي مال ولا وديعة، ولكني لما مثلت بين يديك، وسألتني عما سألتني عنه، علمتُ أنه ما يُنجيني منك إلا هذا القول. فلما جمع المنصور بينه وبين من سعى به، عَرَفـَه، وقال: هذا غلامي، سرق ثلاثة آلاف دينار من مالي وهرب مني، وخاف من طلبي له فسعى بي عند أمير المؤمنين. فشدَّ المنصور على الغلام وخوّفه حتى أقرَّ بكل ما ذكره الرجل. فقال المنصور للشيخ: نسألك أن تصفح عنه. قال: قد صفحت عنه، وأعتقته، ووهبت له الثلاثة آلاف التي أخذها، وثلاثة آلاف أخرى ثم انصرف. فكان المنصور يتعجب منه كلما ذكره ويقول: ما رأيتُ مثلَ هذا الشيخ قط. من كتاب "المستجاد من فعلات الأجواد" للتنوخي. |
وشايـة حاســد
حقد شيخ أشيب على أحد المقربين من فخر الملك - فوشى به عنده في مقال رفعه، فوقـَّع فخر الملك على المقال بما يأتي: السعاية قبيحة وإن كانت صحيحة، فإن كنت أجريتها مجرى النصح. فخسرانك فيها أكثر من الربح، ومعاذ الله أن نقبل من مهتوك في مستور، ولولا أنك في خفارة شيبك لقابلتك بما يشبه مقالك، ويردع أمثالك، فاكتم هذا العيب واتق من يعلم الغيب، والسلام على من لا سلام عليه. |
وشايـة حاقــد
كان محمد المنصور بن أبي عامر المعافري، من ملوك العرب بالأندلس، وكان خطيباً بليغاً، تـُوُفـِّيَ سنة ثلاثمائة وأربعة وتسعين هجرية. قال يوماً لأبي عمر يوسف الرمادي، الشاعر المشهور، كيف ترى حالك معي؟ فقال الرمادي، فوق قدري ودون قدرك، فأطرق الملك كالغضبان، فانسلَّ الرمادي، وقد ندم على ما بدر منه، وكان في المجلس من يحسده على مكانته من الخليفة، فوجد فرصة قال: وصل الله لمولانا الظفر والسعد، إن هذا الصـِّنف، صنفُ زور وهذيان، لا يشكرون نعمة، ولا يرعون إلاًّ ولا ذمة، كلاب من غلب، وأصحاب من أخـْصب، وأعداء من أجـْدب، وحسبك منهم أن الله جل جلاله يقول فيهم "والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون" والابتعاد منهم أولى من الاقتراب، وقد قيل فيهم، ما ظنك بقوم، الصدق يستحسن إلا منهم. فرفع الملك رأسه وكان محاميَ أهل الأدب والشعر، وقد أسودَّ وجهه وظهر فيه الغضب المفرط ثم قال في المجلس: ما بال أقوام يشيرون في شيء لم يـُستشاروا فيه، ويسيئون الأدب بالحكم فيما لا يدرون، أيـُرضي أم يـُسخط؛ وأنت أيها المنبعث للشر دون أن يـُبعث، قد علمنا غرضك في أهل الأدب والشعر عامة، وحسدك لهم، لأن الناس كما قال القائل: من رأى النـاس له فضـلاً عليهـم حســدوه وعرفنا غرضك في هذا الرجل خاصة، ولسنا إن شاء الله نبلغ أحداً غرضه في أحد، ولو بلغنا في جانبكم، وإنك ضربت في حديد بارد، وأخطأت وجه الصواب، فزدت بذلك احتقاراً وصغاراً، وإني ما أطرقت من كلام الرمادي إنكاراً عليه بل رأيت كلاماً يجل عن الأقدار الجليلة، وتعجـَّبت من تهدِّيه بسرعة، واستنباطه على قلة من الإحسان الغامر، ما لا يستنبطه غيره بالكثير، والله لو حكمته في بيت المال، لرأيت أنها لا ترجح ما تكلم به ذرة، وإياكم أن يعود أحد منكم إلى الكلام في شخص، قبل أن يؤخذ رأيه فيه، ولا تحكموا علينا في أوليائنا ولو أبصرتم منا التغير عليهم، فإنا لا نتغير عليهم، بغضاً لهم وانحرافاً عنهم، بل تأديباً وإنكاراً، فإنا من نريد إبعاده لم نـُظهر له التغير، بل ننبذه مرة واحدة، فإن التغير يكون لمن يـُراد استبقاؤه، ولو كنت مائل السمع لكل واحد منكم في صاحبه، لتفرقتم أيدي سبا، وجونبت مجانبة الأجرب، وإني قد أطلعتكم على ما في ضميري، فلا تعدلوا عن مرضاتي، فتجنبوا سخطي بما جنيتموه على أنفسكم، ثم ردَّ الرماديَّ ووصله في حديث طويل. |
وصيـة حكيم لابنــه
قال حكيم لابنه: يا بني إني موصيك بوصية، فإن لم تحفظ وصيتي عني لم تحفظها عن غيري: اتق الله ما استطعت، وإن قدرت أن تكون اليوم خيراً منك أمس وغداً خيراً منك اليوم فافعل، وإياك والطمع فإنه فقر حاضر، وإياك وما يعتذر منه، فإنك لن تعتذر من خير أبداً، وإذا قمت إلى صلاتك فصلّ صلاة مودع، وأنت ترى ألا تصلي بعدها. |
وصية عبد الله بن الحسين
قال عبد الله بن الحسين لابنه محمد: يا بُني، احذر الجاهل وإن كان لك ناصحاً كما تحذر العاقل إذا كان لك عدواً، ويوشك الجاهل أن تُورِّطك مَشُورتُه في بعض اغترارك فيسبق إليك مكر العاقل. وإياك ومعاداة الرجال، فإنك لا تَعْدمَنَّ منها مكرَ حَليم عاقل، أو معاندة جاهل. |
الساعة الآن 04:56 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |