منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   القرآن الكريم والأحاديث وسيرة الأنبياء والصحابة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=95)
-   -   التوبة والاستغفار (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=8743)

ميارى 29 - 7 - 2010 04:10 AM

التوبة والاستغفار 110
تقديم علاء بسيوني
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم. الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمتهوبركاته. موعد ولقاء جديد نخطو فيه سوياً خطوات على طريق الهداية. (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) هل معنى هذا الكلام المذكور على لسان الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم أنه ليس هناك اعتراف من القرآن بباقي النبوات والرسالات؟! وأن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وهي الرسالة الخاتمة هي الوحيدة الصحيحة؟! يعني ليس هناك يهود ولا نصارى؟! وليس هناك أتباع إبراهيم ولا يونس ولا لوط؟ هل هكذا يمكن أن نقول هناك تعارض في القرآن الكريم وأحطامه التي نستمدها من الآيات المختلفة؟! هناك بعض الناس العامة تقرأ قراءة متعجلة فيظهر لها لأول وهلة أن هناك معاني متضادة. الأسئلة التي تردنا تحاول أن تستشف هذه الأمور ونحن في حلقة اليوم سنتكلم عن معنى (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) خصوصاً أنه كثر الحديث في الآونة الأخيرة من وجهة نظر بعض الناس عن حتمية وجود صراع بين أصحاب الديانات والحضارات المختلفة أو من ناحية أخرى من دعاة حوار الحضارات والديانات والمؤتمرات التي تعقد للنقاش لمحاولة الوصول إلى مساحات وأرضيات من الاتفاق ونبذ الاختلاف. في بداية الحلقة أتمنى أن نتخلى نحن أيضاً عن الحساسية في المناقشات كما يسمح العالم كله بوجود نقاشات ولجان تحقيق علمية وشد وجذب ويكون هناك طرح علينا نحن أيضاً أن نتخلى عن هذه الحساسية لأنه ليس معنى أي كلام في آية الذي هو كلام الله تعالى عندما يتكلم عن اليهود أو النصارى أو يتكلم عن سلوك مذموم في أي إنسان، هذا الكلام هو كلام ربنا سبحانه وتعالى وليس كلامنا الخاص لأنه نسمع كثيراً بمجرد الكلام أو الإشارة عن الأمم الاسبقة نسمع من يتهمنا بازدراء الديانات أو الدعوة لتأجيج الصراع والفتنة الطائفية، بعض الناس تستخدم هذا الكلام للأسف ضد مصلحة الوطن لا لصالحه. أرحب بكم وأرحب بضيفي وضيفكم الكريم الدكتور محمد هداية.
(إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) وعدنا الناس أنها ستكون حلقة ساخنة على أساس ننزع اللبس الموجود عند بعض الآراء والمعتقدات كيف أن الله تعالى أنزل التوراة والإنجيل على موسى وعيسى عليهما السلام ثم يقول (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) في سورة آل عمران وقوله (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ (85) آل عمران) هل يعني أن الناس الذين آمنوا بعيسى عليه السلام وقالوا إنا نصارى لن يقبلهم الله تعالى؟ وهل يعني أن الذين آمنوا بموسى عليه السلام وقالوا إنا هدنا إليك وسمعوا كلام موسى وآمنوا برسالته وبالتوراة هؤلاء لن يدخلوا الجنة؟ ما هي القصة؟ وما هو الغموض الذي قد يبدو للقارئ المتعجل لآيات القرآن الكريم؟ عندي سؤالين من الحلقة السابقة من المشاهدين الذين يريدون أن يعرفوا لماذا لما ذكرنا قوله تعالى (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) آل عمران ) تكررت لا إله إلا هو مرتين في الآية؟ ولماذا خُتمت الآية بالعزيز الحكيم؟
د.هداية : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. ليس من قبيل الصدفة أن تختتم الآية (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ (19)) إلا أن تكون هذه الآية مترتبة على الشهادة لله تبارك وتعالى وهذه مسألة تحتاج إلى وعي. يجب أن نقف عند (شهد الله) وأي شيء يرتبط بالله تبارك وتعالى يجب أن نفهم أن الله تعالى أزلي فشهادة الله أنه لا إله إلا هو ليست لأمة محمد مثل آية (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) ليست لأمة محمد فقط، الدين عند الله الإسلام من عهد آدم عليه السلام أو إن شئت فقل من قبل آدم، المسألة مرتبطة بتوحيد الخلق يعني ساعة قال الله تبارك وتعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً (30) البقرة) هذه الشهادة كانت قد قيلت أم لا؟
المقدم: قيلت، وهو الواحد الأحد لا إله غيره قبل خلق آدم وقبل خلق السموات والأرض، هي حقيقة أزلية.
د. هداية: هي أزلية بأزلية الله تبارك وتعالى. الله تبارك وتعالى أزلي بذاته وصفاته، لما يقول هو الأول والآخر نأخذها بمفهومين الأول الذي قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء وسنأخذ طباق الاستغراق الذي تحدثنا عنه سابقاً " وما بين الإثنين، ما بين الأول والآخر، يعني هو كل شيء. كان يقال سابقاً هو الأول والآخر والظاهر والباطن ثم قلنا هو الأول فلا شيء قبله، الآخر فلا شيء بعده، الظاهر فلا شيء دونه، نأخذ كل هذه المعاني على مدار ليس كمثله شيء حتى لا نعمل حدوداً لله تبارك وتعالى فهو الأول دون ابتداء وهو الآخر دون انتهاء، هذا معنى آخر وما بينهما إذن هو كل شيء، هو الأول والآخر وما بينهما وهو الظاهر والباطن وما بينهما فهو كل شيء، كل هذه المعاني يجب أن تكون ثابتة وكل هذا الكلام بأزليته سبحانه وتعالى. ولذلك أؤكد أنه ساعة قال (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) هذا الخليفة سيؤخذ من ظهره الذرية على التوحيد الذي شهد الله له به قبل آدم وقبل السموات والأرض فهي مسألة أزلية. إذن هذه الشهادة ليست لأمة محمد فقط والتوحيد لم يُطلب من أمة محمد فقط، التوحيد طُلب مع قول الله تبارك وتعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات) وقلنا أن اللام هنا في (ليعبدون) هذه لام المطلوب، مطلوب العبادة على التوحيد ولذلك يجب أن نفهم أن الآية (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ) هذه شهادة أزلية قبل خلق آدم وقبل خلق السموات والأرض. ويتلوها المعنى (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) من عهد آدم.
المقدم: لماذا تكررت (لا إله إلا هو)؟
د. هداية: لأن التوحيد هو أساس العملية وهو أساس الشهادة وأساس الخلق والعبادة وأساس العمل وأساس كل شيء، وليس من قبيل الصدفة أن يقال (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء (48) النساء) يعني إذا جئت لله تعالى موحِّداً مع أي معاضي غفر لك، بالاستغفار تُقبل، حتى بدون توبة قد يغفر الله تعالى لك بمرجعية التوحيد، شيء واحد لا يغفر وهو الشرك. تكررت شهادة التوحيد في الآية لأن التوحيد هو الأساس والشهادة في التوحيد والجملة الاعتراضية (وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ) قد تقطع الكفهوم فالتكرار لترسيخ المفهوم في التوحيد ثم للتوصيف الذي سيأتي. وسأصيغ الكلام صياغة متصورة كالتي تتكلم فيها شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط وهو العزيز الحكيم لكن يجب أن نرسخ التويحد لأن العزة والحكمة مرتبطة بالتوصيف السابق فالعزّة تناسب الالوحدانية والحكمة تناسب قائماً بالقسط. لم يقل الغفور الرحيم مثلاً لأنه يتكلم عن التوحيد فلأنه الإله لواحد يقتضي العزة والقيام بالقسط وهو العدل يقتضي الحكمة، من الحكمة أن يكون قائماً بالقسط سبحانه وتعالى.
المقدم: ما دلالة دخول (قائماً بالقسط) مع التوحيد؟
د. هداية: التوحيد قابله في الحياة الشرك والكفر، الشرك ظلم عظيم فيجب أن يكون هناك عدل. لو تصورنا أن للإله ولد سيظلم البشرية به لأنه سيحابيه ولذلك (قل هو الله أحد) لو قلنا لماذا؟ لأنه الصمد، ماذا فعلت هذه؟ لو يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد وهي (كفوءاً) ليس كمثله شيء
المقدم: تأكيد أنه لا يلد ولم يولد لأنه صمد
د. هداية: الإله الحق لا ينبغي أن يشتهي مثل أي بشر فلو تصورنا أن لله الشرك أن يكون له ولد يحابيه وهذا ليس عدلاً.
المقدم: كأنك تجعل العقل البشري يضع الإله العظيم في إطار جسدي.
د. هداية: هذه معاني أخرى لكن نتكلم في العدل. إبني وإبنك لو عندك وظيفة معينة من تضع فيها؟ إبنك أو إبني؟ مهما كنت تحبني.
المقدم: هذا فيه كلام، لو كنت أتقي الله سأبحث من فيهم الأحق بالوظيفة.
د. هداية: أنت قلت لو كنت أتقي الله، يعني هناك إله لك فلا ينفع أن تشبه أنا كإله، لكن لو سألتني السؤال ساقول لك أوظف إبني طبعاً، سأحابي لإبني وهذا أمر طبيعي من الطبيعة البشرية. لما أثبت الله تعالى لنا أن كل واحد ملزم بعمله وليس بالإمكان المجاملة فقال (يوم يفر المرء ) أتى بالعلاقات التي يمكن أن تجاملها وتحابيها، هذه كلها لا تنفع. عندما تقبل أن لله تعالى إبناً ستقبل أن يكون له أب، لما نفى القرآن قال (لم يلد ولم يولد) المثلية منتفية (ليس كمثله شيء) التصور هذا مرفوض ولذلك كرر التوحيد (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
المقدم: الشهادة منفية وليس مثبتة، لماذا؟ كان يمكن أن يقال شهد الله أنه هو الإله الواحد الأحد، لماذا الشهادة منفية؟
د. هداية: تكلمنا في هذا سابقاً، لما تكلمنا (إياك نعبد) أخر الفعل حتى لا يكون هناك عطف وكذلك عندما تأتي الشهادة بالنفي يكون التصور مرفوض، لا إله إلا الله لم يقل الله الواحد لأن الطبيعة البشرية ستذهب في طريق الشرك أو الكفر أو النفاق، هذا سؤال من أصعب الإسئلة في الإجابة، نحن لم نأخذ الإجابة التي تشفي الغليل بالموضوع لماذا الشهادة منفية؟ استعرض أحوال الناس من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة كم عدد المؤمنين والمسلمين بالنسبة للغالبية العظمى؟ المولى عز وجل أثبتها لنا في سورة يوسف (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)) الإيمان الذي يعني التسليم بالتوحيد وبعدها بآيتين قال (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)) هذه الآية فيها توصيف خطير مؤمن ومشرك!
المقدم: دخل في هذا التوصيف الذي قال أن لله ولد، أو يذهب لفلان ليقضي له مصلحة والذي يستعين بالجن، هذا كله شرك، الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر لنا أن الذي يذهب إلى العراف وجلس عنده وصدّقه فقد كفر بما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم. السؤال الذي سألته أنت ليس صعباً إنما الإجابة عليه صعبة، انظر لعدد المؤمنين والمسلمين مقارنة بعدد المشركين والكفار والمنافقين! الإيمان عدد محدود جداً.
المقدم: ولذلك الجنة واسعة وجهنم ضيقة وفيها حشر أسال الله أن يعفو عنا.
د. هداية: جعلنا الله والمستمعين والمشاهدين من أهل الجنة إن شاء الله.
المقدم: اللهم آمين. فاصل ثم نتكلم في الآية (إن الدين عند الله الإسلام) تابعونا مرة أخرى في طريق الهداية.
-----------فاصل---------
المقدم: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)) كلمة الدين لم ترد مجموعة في القرآن وهذا يدل على أن الدين واحد وشرع واحد لكل الأنبياء والرسل.
د. هداية: الدين هنا (إن الدين عند الله الإسلام) تعني الشرع العام لله تبارك وتعالى من عهد (خلق) إلى أن يبعث، من يوم خلق آدم إلى يوم القيامة. وأريد أن أركز على كلمة الأديان السماوية المنتشرة بين الناس، من ضمن إسلامك أن تزعجك كلمة (الأديان). هل من قبيل الصدفة أن الآية هذه تأتي بعد شهادة التوحيد؟ الشهادة: شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو إن الدين عند الله الإسلام. هل هذه من ضمن الشهادة؟ أو تعقيب على الشهادة؟ هي مبنية على الشهادة.
المقدم: بما أنه إله واحد فإذن الشرع لا بد أن يكون واحداً.
د. هداية: لا يمكن أن يكون للإله الواحد أكثر من شرع، يمكن أن يكون له أكثر من منهج وأكثر من رسالة بحسب الأمّة واختبارها هذا مقبول لكن هذه الرسالة مبنية على الشرع العام ولهذا جاء في القرآن لنا نحن (شرع لكم من الدين)
المقدم: لما بعث محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن اختراعاً جديداً غير باقي الأنبياء والرسل.
د. هداية: (إن الدين عند الله الإسلام) ليس من عهد محمد صلى الله عليه وسلم وهذا ليس إلاسم محمد. الآية هذه في آل عمران هذا الإسلام شرع الله العام. كل أمة لها دين ومنهج وديانة يجب أن نفهم الفرق بينها. الذي يقول أن القرآن يناقض بعضه، أين اليهودية والنصرانية؟ التصور الذي عند معظم الناس أن الدين عند الله الإسلام هو إسلام محمد صلى الله عليه وسلم، هذا تصور فاشل لأن الله تعالى الدين عنده الإسلام. اليهودية ديانة وليست دينً، منهج موسى عليه السلام الذي هو متضمنه التوراة التي أنزلها الله تبارك وتعالى لرسالة اليهودية دينها الإسلام، اليهودية ديانة دينها الإسلام والنصرانية ديانة دينها الإسلام فلما اراد الله أن يختتم الديانات لأهل الأرض أطلق إسم الشرع العام على إسم الديانة الأخيرة لحكمة إلهية بالغة فصارت ديانة محمد صلى الله عليه وسلم الإسلام ودينه الإسلام. الحواريون لما قالوا لعيسى (قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ (52) آل عمران) ختموا قولهم (وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) نحن نصارى رسالة النصرانية رسالة عيسى عليه السلام، هو سألهم (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ). سالنا سابقاً الرجل الذي قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى رسول الله أو موسى رسول الله هذا توصيفه مسلم. هذا معنى (إن الدين الله الإسلام) يعني التوحيد الذي شهد الله تعالى به وقلنا هذه شهادة الذات للذات الذي أعقبها قول الحق (إن الدين عند الله الإسلام) فأي رسالة تسمى أية تسمية ستبنى على الشرع العام الذي هو الإسلام المبني على التوحيد. اليهودية ديانة دينها الإسلام ومبدأها التوحيد، الشرع العام لله تبارك وتعالى من عهد آدم إلى أن يوم القيامة الإسلام. ما معنى الإسلام هنا؟ التسليم لأي رسول أو نبي يأتي. التسليم لأي رسول ماذا يعني؟ الرسول يأتي برسالة أساسها توحيد هذا الإله الذي أرسله. الرسالة ستختلف من نبي لرسول من عهد آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم، هذه الاختلافات مبنية على أسس، الأساس الشرع العام الإسلام الذي هو تسليمك لهذا النبي أو الرسول. كلمة رسول تدل على أن هناك من أرسله. هذا الإله الذي أرسله بالحق المبدأ العام توحيده.
المقدم: لذلك في سورة الأعراف يذكر لنا المولى سبحانه وتعالى عن أنبياء مختلفين أرسلهم لأقوامهم كلهم يدعون لإله واحد، جاء كل الأنبياء والمرسلين بالدعوة لتوحيد الله الذي لا إله غيره.
د. هداية: كلهم جاؤوا برسالة لها مبدأ ولها شرع، الشرع العام الإسلام والمبدأ التوحيد
المقدم: وكل الأنبياء قالوا نفس الكلام.
د. هداية: أسئلة القبر لو دققنا فيها التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح هي نفسها للذين ماتوا على عهد عيسى وموسى وباقي الأنبياء بدليل من ربك؟ هل ينفع أن يكون الجواب مختلفاً في عهد عيسى عن عهد موسى عن عهد محمد؟! لا يمكن، من ربك" في كل العصور ولكل الأنبياء الإجابة ستكون الله ربي. ما دينك؟ لا يكون الجواب اليهودية عند أتباع موسى، لأن اليهودية ديانة وليست ديناً فالإجابة يجب أن تكون عند الجميع ديني الإسلام. ذكرنا سابقاً أن البطاقة الشخصية عندنا في مصر كتب عليها الديانة وليس الدين. الشخص الذي كتب البطاقة كان مصيباً في خطئه هو كتب ديانة ولو كتب الدين وكتب نصراني أو يهودي لكان خطأ. الذي شاع شاع خطأ كلمة الأديان السماوية كلمة خاطئة وقد شاعت بين الناس. يمكن أن نقول الرسالات السماوية أو الديانات السماوية لكن الأديان يرفضها المنطق المجرد لأن كلمة الأديان تعني أن لكل إله دين وبما أنه إله واحد فالدين يجب أن يكون واحداً. من الآية 19 إلى الآية 5 في سورة آل عمران توصيف للإسلام ثم يقول (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ (85)) لن يقبل منه كدين. لما تقول نحن أنصار الله تكون مسلماً (وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) لما قالوا نحن نصارى توصيفهم أنهم مسلمون. (إنا هدنا إليك) إذن هم مسلمون. طالما يكلمون رسولاً أرسله الله تبارك وتعالى الذي يدعوهم أنه لا إله إلا الله إذن هؤلاء مسلمون. والقرآن يخاطب أمة محمد صلى الله عليه وسلم على هذا الأساس فيقول (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ (13) الشورى) لم يختلف الدين عند نوح ولا إبراهيم ولا موسى ولا عيسى ولا موسى، الذي لم يختلف هو الدين لذلك جاء كلمة الدين مفردة فالدين واحد. لو تكررت هذه الآية عند كل الأنبياء والمرسلين سيكون الدين واحداً. ثم قال (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ) المشرك يميل إلى الشرك ويجعل مع الله شريكاً. (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) هذه الآية كأنه تعذر المشرك وتطلب الصبر عليه قليلاً، الرسل المذكورون في الآية يدعون جميعاً إلى التوحيد على شرع الله وهو الإسلام.
المقدم: طالما الموضوع واضح إلى هذه الدرجة، رب العالمين يقول (وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ (14) الشورى)هؤلاء عندهم علم فما هو الغبي الذي حصل؟ القرآن يتكلم أنه قبل أن يأتي موسى عليه السلام لم يكن هناك يهودية وإنما فرعون كان يقول للناس أنه إله ولما جاء موسى أسلم بعض بني إسرائيل ثم جاء عيسى عليه السلام (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ (6) الصف) اتبعه بعض بني إسرائيل وأسلموا وهناك آخرون كذبوا فاضطهدوا عيسى وصلبوه. الذين اسلموا لعيسى كيف نصفهم بمنطق العصر الحديث؟ هناك رأي يقول أن عيسى جاء بعد موسى وبنفس الرسالة مكملة لبعضها فآمن به بعض بني إسرائيل ورأي يقول أن الذين آمنوا بعيسى ارتدوا عن اليهودية وتركوا رسالة موسى وكذلك لما جاء محمد صلى الله عليه وسلم بعض الناس كذبت رسالته ونبوته وبقوا على يهوديتهم أو نصرانيتهم وقسم آمنوا به لأن الشرع الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم يتفق مع الشرع العام وما جاء به موسى وما جاء به عيسى ما الذي يجعل الناس هكذا؟ قسم يصدق ويؤمن وقسم لا يؤمن بالنبي الذي جاءهم ويعتبرونه خيانة للنبي الذي سبق؟ كيف نربط هذا السؤال بالآية (وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ)؟ هناك علم وهناك بغي.
---------فاصل----------
المقدم: لما يأتي كل نبي مبشراً بالذي سيأتي بعده، مبشراً برسالة الإسلام على أنها رسالة واحد رسالة كل الأنبياء وليست حكراً علينا نحن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم. ربنا سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم أن الذين أوتوا الكتاب اختلفوا بعدما أتاهم علم، هؤلاء عندهم علم لكن ذكر (بغياً بينهم) فكيف نفهم هذه الصياغة؟
د. هداية: هم اختلفوا بغياً، بغياً سبب الاختلاف، هم اختلفوا بغياً بينهم (بغياً) مفعول لأجله تجيب على سؤال لمَ اختلفوا؟ المفعول لأجله يصح أن يكون جواباً لـ (لِمَ؟) مثل لما أقول قمت احتراماً لوالدي، لِمَ قمت؟ احتراماً لوالدي. هم اختلفوا بغياً. أسأل سؤالاً قبل الإجابة: ما الذي كان بين يهود المدينة والرسول صلى الله عليه وسلم؟ الصراع كان على أن محمد صلى الله عليه نزع الرسالة من بني إسحق إلى بني إسماعيل وهم كانوا يظنون أن نبي آخر الزمان الذي وردت أوصافه في كتابهم سيبعث منهم. هم حرفوا كتابهم الذي كان يتضمن أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم. وعندما نسمع بشارة عيسى عليه السلام بـ (أحمد) يجب أن نعلم أنه سيكون نبياً عربياً لأن الأسماء لغاية عيسى كانت أعجمية فلما تسمع (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) توصيفه أفعل وكأني بعيسى عليه السلام يقول ومبشراً برسول يأتي من بعدي أحمد مني لرب الناس، لكن كلمة أحمد ومحمد أسماء عربية فهذا بيان أن النبي الخاتم سيأتي عربياً. أنت سألت سؤالاً مهماً جداً عن اليهود الذي رفضوا الإيمان بعيسى أو النصارى الذين رفضوا الإيمام بمحمد صلى الله عليه وسلم هل رفضوا الإيمان بهم على أساس التعصب؟ إذن كلمة بغياً صحيحة. الذين انتقلوا من اليهودية للنصرانية لماذا رفضوا محمد صلى الله عليه وسلم؟ ما الجديد؟ لماذا لم يعتبروا إيمانهم بمحمد مثل إيمانهم بعيسى؟ طالما انتقلوا من ديانة إلى ديانة فما المشكلة أن يؤمنوا بمحمد وينتقلوا من النصرانية إلى الإسلام؟ البغي بين الأمم (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) الشرك هنا نتيجة رفضهم الفكرة الأساسية للتوحيد والفكرة المنطقية للكون (قائماً بالقسط) ولذلك قال (لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) العزيز بالوحدانية الحكيم بقيامه بالقسط.
المقدم: ولهذا من المنطقي أن يقول بعد هذه الشهادة (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ).
د. هداية: هذه الآية ستأخذها مع الشهادة أو مع مناط الشهادة أو تقرير بعد الشهادة؟ أو هي قوام الرسالات بمبدأ التوحيد؟ قال (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ). الذي بعدها يبين العلّة (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ). (ِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) لو أنت مسلم حقيقي لماذا تختلف؟ لو أسلمت لموسى عليه السلام بما يرضي الله لماذا تختلف على عيسى؟ لو أسلمت لعيسى عليه السلام بما يرضي الله لماذا تختلف على محمد صلى الله عليه وسلم؟! هناك عهد مأخوذ على النبيين أنفسهم (وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (81) آل عمران) كل نبي يمهد للذي بعده وظهرت هذه المسألة واضحة مع عيسى عليه السلام (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ (6) الصف) أو شيء لم يُغفِل موسى وإنما قال (مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ) ونحن معه في هذا لأنني أنا كمسلم لن أقول محمد رسول الله إلا بعد أن أقول موسى رسول الله وعيسى رسول الله ومن قبل موسى لغاية آدم. منطق عيسى عليه السلام منطق واعي جداً لأنه ذكر موسى. في واقعنا في الحكومات لما تأتي الحكومة الجديدة تُظهر على أن الحكومة السابقة كانت فاشلة وأنها سياستها المتبعة كانت خطأ لكن هذا ليس دأب رسالات السماء، عيسى عليه السلام يقول (مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاة) كل ما جاء به موسى (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) لم يذكر الإنجيل لأنه ضمني إذا مان يؤيد النبي الذي قبله ويبشر بالذي سيأتي بعده وهو رسول الله يعني معه رسالة (الإنجيل) فالإنجيل وسط بين التوراة والقرآن. منطق الرسالات السماوية أن كل نبي أو رسول يمهد للذي بعده وهو يفعل هذا يؤيد الذي قبله. لما نسمع (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) كأن اختلافهم تعصباً لعيسى أو تعصباً لموسى وليس لله تعالى الذين أرسل الرسول، نسوا المبدأ الأساسي وضاعت فكرة التوحيد. (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) العلم الذي جاءهم ليس ذاتياً من عندهم هل موسى قال هذه التوراة من عندي أنا أكتبها وحدي؟ أو عيسى قال هذا الإنجيل من عندي؟ أو محمد صلى الله عليه وسلم قال هذا القرآن من عندي؟ صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين لم يدّعي واحد منهم الألوهية. قال تعالى في أمة محمد (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ (13) الشورى) أين أمة نوح هنا؟ لم تُذكر لأنك أنت كأمة محمد يجب أن تؤمن بكل الأنبياء وستشهد على كل من قصّر من الأمة. الذي يهمني كتابع من أتباع محمد صلى اله عليه وسلم أن أكون مطمئناً أن نوح رسول وأن إبراهيم رسول وأن موسى رسول وأن عيسى رسول وأن محمد صلى الله عليه وسلم رسول فيقول تعالى مخاطباً أمة محمد (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا) ما قال ما وصى به أمة نوح وإنما ما وصى به نوحاً، الأمة سمعت أو لم تسمع أنت ستشهد على هذه من خلال هذا الكتاب، لدينا مهمة نحن لم ننتبه لها. في آيات القرآن (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ (143) البقرة) هذه مهمة يجب أن نقوم بها من خلال القرآن، نقرأ القرآن ونشهد على الناس فيما قصّروا فيه فيجب أن نقرأ القرآن كله ونعرف بماذا قصّرت كل أمة.
المقدم: إذن من واجبي كمسلم أن اقرأ القصص القرآني وأفهم كل أمة فيم قصّرت لأن الآية تقول (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) فأنا لا أريد أن أكون أنا عندي علم من القرآن ثم أكون من الذين اختلفوا بغياً بينهم.
د. هداية: بغياً هذه لا تنفع معنا ولا كان يجب أن تنفع معهم لكنهم هم تعصبوا للنبي أو الرسول ونسوا الإله الذي ارسل الرسول.
المقدم: آخر رسالتين قبل محمد صلى الله عليه وسلم اليهودية والنصرانية المفترض بالمنطق البشري المجرد كما ذكرنا هناك من سلم لعيسى أنه نبي وقالوا هم أنصار الله وأسلموا فلماذا اليوم أحفادهم لا يعتبرونهم خونة لأنهم تركوا رسالة النبي الذي قبله وآمنوا به طالما الجدود فعلوا هذا لماذا يرفض الأحفاد أن يؤمنوا بمحمد عليه السلام بعد عيسى؟ إذن هنالك تعارض وتضاد في العقيدة ما بين أتباع موسى وبين أتباع عيسى وكل منهما يقول شيئاً الغريب في الأمر أنه تاريخياً تم ضم التوراة على الإنجيل وسمي الكتاب المقدس. اليهود يكذبوا ويقولوا أن عيسى عليه السلام ليس النبي ولذلك نحن صلبناه فاليهود إلى هذا اليوم ينتظرون المجيء الأول للمسيح والنصارى يقولون المسيح رُفع ثم قام وينتظرون المجيء الثاني للمسيح فاليهود يقولون لم يكن عيسى نبياً ولذلك قتلناه والنصارى يقولون هو نبي رُفع وسيعود ثانية، بينهما تعارض شديد ومع هذا جمعوا العهد القديم والعهد الجديد في كتاب واحد بفكر واحد.
د. هداية : القرآن حسم المسألة لأنه حكى لنا من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة والقرآن لما تكلم في تعاقب الرسالات من عهد آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم ضرب مثالاً في خمسة أنبياء وهذه آية مهمة في عقيدتنا نحن (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) قدّم محمد على إبراهيم وموسى وعيسى.
المقدم: عندي أسئلة في هذا الترتيب لماذا ذكر مع نوح الوصية ومع محمد صلى الله عليه وسلم الوحي؟
د. هداية: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) الذي حصل من الأتباع ليس كما ذكرته الآية. إيمانك بالرسول لا يتجزأ عن إيمانك بكل الأنبياء والرسل من قبله وليس من قبيل الصدفة ما ورد في أوائل سورة البقرة وأواخرها لأن إيماني أنا كمسلم لن يكتمل إلا بإيماني بكل الأنبياء والرسل (والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ (4) البقرة) القرآن يذكر لنا التجاوزات التي حصلت وكل قوم ينتصرون لمجدهم الشخصي لا بحثاً عن الحقيقة، لماذا لم يغفر الله الشرك؟ لأنه لما يشرك الإنسان يشرك بأمر على هواه
المقدم: الإنسان يكابر ولا يبحث عن الصح حتى يتبعه
د. هداية: لأن المنطق المجرد (إن الدين عند الله الإسلام) المنطق المجرد (شهد الله أنه لا إله إلا هو) بدليل اختيار الملائكة وأولو العلم في الاية لأن الملائكة عباد لا تعرف أن تعصي وأولو العلم العلم سند على خلاف (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) هؤلاء ليسواو أولي علم لأنهم رفضوا العلم لكن توصيف أولو العلم (وأولو العلم) أولو العلم حملة العلم هذه تذكرما بـ (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا (5) الجمعة) هذه مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم إرجع فصلي فإنك لم تصلي؟ صليت وما صليت، حُمِّلت ما حملت. يجب أن نقف عند كلمة أولو العلم ويجب أن نحاول أن نكون منهم لأن أولو العلم أقل توصيف عندهم أنهم هم الشهداء.
المقدم: (فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20) آل عمران).
د. هداية: عليك البلاغ هذه تستمر إلى يوم القيامة في أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
المقدم: "بلغوا عني ولو آية" صلى الله عليه وسلم. أشكرك يا دكتور وجزاك الله كل خير. يمكن من خلال التفسير والكلام في آيات القرآن الكريم خرجنا بمعنى واضح وهو أن ما يوجد من صراع بين الأتباع في الديانات المختلفة هي صنيعة البشر والكِبر بين البشر أما الحقيقة ةابتغاء الحقيقة لن يؤدي إلى إلا حقيقة واحدة أن البشرية كلها أخوة في المصدر وأخوة في المصير والمفترض أن تلجأ حوارات الديانات لا الأديان أن تؤدي هذه الحوارات إلى أرضيات اتفاق لدعوة السلام والحب والتعاون وليس صراع الثقافات والحضارات والرسالات. مستمرون معكم في هذا الإتجاه لعل بهذا الكلام يفتح الله تبارك وتعالى قلوباً مغلقة إن شاء الله نراكم بألف خير ونكمل المسيرة في طريق الهداية. سلام الله عليكم ورجمته وبركاته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 21/7/2009م

ميارى 29 - 7 - 2010 04:13 AM

التوبة والاستغفار 111
تقديم علاء بسيوني
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم. الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. موعد ولقاء جديد نخطو فيه سوياً خطوات على طريق الهداية. ونحن نتكلم عن التوبة كمفهوم علم وشامل وقفنا عند ملمح مهم في الآية 143 في سورة الأعراف في قصة موسى عليه السلام عندما ذهب للميقات الإلهي وكلّمه ربه دون واسطة ودون وسيط، فموسى كليم الله، هذا ربما جعل موسى يحاول أن يتمتع بجائزة أكبر وهي رؤية الله تبارك وتعالى طالما أنه حظي بالكلام مباشرة مع الله تبارك وتعالى، لما حصل هذا المشهد وتجلى المولى سبحانه وتعالى للجبل وجعله دكّاً موسى الذي رأى الجبل خرّ صعقاً، موسى صُعِق من رؤية الجبل الذي تجلى له الله سبحانه وتعالى لما أفاق قال (فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) لماذا التسبيح؟ والتوب هنا عن ماذا؟ هل عن معصية أو لمجرد طلب الرؤية؟ ولماذا قال وأنا أول المؤمنين وهو رسول؟ أسئلة مهمة جداً في صحيح العقيدة التي نبحث عنها وفي مسألة التوبة التي نتحدث عنها. أرحب بكم وأرحب بضيفي وضيفكم الكريم الدكتور محمد هداية.
(وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) الأعراف)
الآية التي بعدها رداً على كلام موسى (قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) رد عليه المولى تعالى (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ (144)) هل هذه الآية رد على كلام موسى؟ وكأن المولى تعالى يقول له ألا يكفيك أني اصطفيتك واخترتك فكن شاكراً على هذا ولا تطمع بالرؤية الدنيوية التي تستحيل على الجسد البشري؟
د.هداية : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. هذا كله وارد في الكلام لكن ألفت النظر إلى أهمية العقيدة والتوحيد بفرعيه الألوهية والربوبية في هذه الآية. ويجب أن نلاحظ أن هنالك حدوداً لكل مخلوق حتى النبي أو الرسول له حدّ ينبغي أن يقف عنده. وهذه النقطة التي لم ينتبه لها أحد في مسألة تفسير القرآن أو تأويل القرآن. في بعض الأحيان وأنت تعرض آية أقول لك لا أريد أن أتكلم فيها الآن لأني لا أريد أن يكون الناس غير مستعدين لها القرآن علمنا أن كل شيء يجب أن يكون له حدود وإذا أراد أحد أن يتجاوز مسألة الحدود في العلوم في مسألة التفسير إذا كان العامة يقرأون القرآن مرة في الشهر فيجب أن الذي يحاول أن يعلم علم التفسير أو علم التأويل أو العلم اللغوي يجب أن يقرأ القرآن ما لا يقل عن خمسة أجزاء في اليوم، لو قرأ أقل من ذلك لن يتمكن من مسألة الإحاطة بعلم التفسير أو التأويل. الشاهد في كلامي أن كل شيء له حدود، أنت كبشر لك حدود، النبي له حدود، الرسول له حدود، كل واحد له حدود وله حدود حتى في المقام نفسه، على سبيل المثال لما الرسول صلى الله عليه وسلم صلى صلاة القيام والصحابة رأوه وقلّدوه فنام وناموا عن صلاة الصبح لأنه صلى الله عليه وسلم لما كان ينطلق في عبادة القيام التي هي تختص بالرسالة والتي هي الليل كله هذا لا ينفع مع الصحابة. حتى صيام الوصال نحن صيامنا من الفجر للمغرب بينما الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم يومين وثلاثة وخمسة وسبعة على اختلاف الروايات ولما تكلموا معه في هذه المسألة قال هيأتي ليست كهيئتكم، الهيأة هنا هي مسألة التحمّل. هو بشر (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ (110) الكهف) وقال تعالى (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) المزمل) القول ثقيل إذن الجسم ينبغي أن يكون مهيأ، نحن كلنا بشر والرسول صلى الله عليه وسلم بشر لكنه بشر يوحى إليه فيجب أن تكون تركيبته فيها اختلاف في التحمل ولذلك قال "أبيت يطعمني ربي ويسقين" وليس كما يقول الناس أبيت عند ربي! أضافوا (عند) وجعلوا لله عندية! يجب أن ننتبه لألفاظ الحديث الصحيح "أبيت يطعمني ربي ويسقين" هذه هيئة الرسالة ولذلك قال تعالى (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا (7) الطلاق) ما آتاني الله يختلف عما آتى غيري آتاها من طاقة وتحمل تقابل الامتحان أو الابتلاء أو العمل.
المقدم: ولهذا أشد الناس ابتلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل
د. هداية: كلما يشتد ابتلاؤنا نحن نحزن لكن نحمد الله تبارك وتعالى أنه وضعنا في هذه المنزلة وهذا فضل الله تبارك وتعالى يؤتيه من يشاء. أذكر الشيخ الشعراوي رحمة الله عليه تعرض للهجوم ونحن كنا لا نتصور أن أحداً يهاجم الشيخ الشعراوي فكنا نشعر بحزن شديد أكثر منه هو ولكنه رحمه الله أخذ الأمر ببساطة وقال هل أنا أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم؟! قال الرسول صلى الله عليه وسلم اختلفت عليه قريش وأهله فهوّن علينا نحن الأمر. نحن نحزن لا من الهجوم وإنما من تعطيل المسيرة وتضييع الوقت في تفاهات لكن في النهاية هذا فضل من الله تبارك وتعالى نحمد الله عليه. لكن الآية تلفت النظر أن موسى عليه الصلاة والسلام طمع والنصّ يبين لنا عذر موسى (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا) المولى عز وجل هو الذي حدد الموعد له وحدد المكان وكلّمه مباشرة فهذا كله -إن صح التعبير-أعطى موسى عليه السلام بعض الطمع حت نتعلم نحن، هذا نبي وحصل له هكذا فماذا فعل موسى؟ يجب أن نتأسى بموسى في هذه المسألة ومحمد صلى الله عليه وسلم هو أسوتنا المطلقة
المقدم: وموضوع الاصطفاء هو موضوع إلهي ليس نحن الذين نحدد من هو الأفضل بين الأنبياء
د. هداية: مسألة قول الناس (يا أكرم خلق الله، يا أشرف خلق الله) أقول للناس أن يضبطوها لأن الله تعالى علّمنا (فلا تزكوا أنفسكم) ونحن يجب أن نعيش في وسطية الإسلام ونحن عندنا إفراط وتفريط.
المقدم: في ذكرى الإسراء والعروج الناس تركز على قدر النبي صلى الله عليه وسلم وقدر باقي الأنبياء ويعملون مقارنات بينهم ويقولون موسى عليه السلام طلب الإراءة أما الرسول صلى الله عليه وسلم رأى دون أن يطلب.
د. هداية: هذا الكلام لو قيل في توقيعه ليس فيه مشكلة لكن الناس تقوم بعمل مفاضلة بحيث أنك تشعر بالكره تجاه بعض الأنبياء الآخرين. سبق وقلنا للناس لا ينسحب كرهكم لليهود على موسى لأن العبض ينسحب كرهه لليهود على موسى دون أن يشعر فيجب أن نتوقف عند هذه النقطة فموسى رسول وخواتيم سورة البقرة وضعت كل شيء في نصابه (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ (285)) وكأني بالله تبارك وتعالى يلفت نظرنا إلى أن حبنا للرسول صلى الله عليه وسلم قد يؤدي إلى التفريق بين وبين باقي الرسل.
المقدم: الناس تقول هذا الكلام ليس حباً بالرسول صلى الله عليه وسلم فقط إنما يقولون هذا في القرآن الكريم أن موسى هو الذي طلب الإراءة بينما الرسول لم يطلب وإنما أٌسري به ليرى من آيات ربه.
د. هداية: هذا إن كان فضلاً في محمد صلى الله عليه وسلم فليس عيباً في موسى عليه السلام، هو فضل في الرسول.
المقدم: ويقولون أن موسى حُدد له موعد قبل أربعين يوماً من لقاء ربه بينما محمد صلى الله عليه وسلم أُسري به في ليلة واحدة. ويقولون موسى عليه السلام قيل له (إخلع نعليك) أما الرسول صلى الله عليه وسلم وصل لسدرة المنتهى ولم يخلع نعليه.
د. هداية: وفي حديث ينشره البعض عن ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل بنعله حتى يفضلوه على موسى عليه السلام وهذا من الأحاديث الموضوعة المرسلة. يقولون موسى قيل له إخلع نعليك ومحمد قيل له ادخل بنعلك، هذا حديث ضعيف وغريب وهو كلام خارج المنطق الإيماني.
المقدم: ربنا سبحانه وتعالى هو الذي يفضِّل
د. هداية: هو يفضل بعض الأنبياء والبعضية هنا في الدرجات في التفضيل ليس نبياً بعينه أو رسولاً بعينه. وكون الرسول صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين هذه قاعدة وأصل لا يمكن لأحد أن يتجاوزه. لكن أحياناً نسمع بعض الخُطب فيها مقارنات بين الأنبياء والرسل لا تليق.
--------فاصل--------
المقدم: كلمات موسى تحتاج إلى وقفة (سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) ما دلالة قوله سبحانك أول ما أفاق من الصعق؟
د. هداية: ذكرنا سابقاً أن (سبحان) هي مصدر التسبيح وأنت عندما يُطلب منك التسبيح تقول سبحان مثلاً لما قال (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96) الواقعة) قلنا سبحان ربي العظيم. فسبحان هي مصدر التسبيح الذي أطلقه الله تبارك وتعالى على ذاته وعلى نفسه ساعة قال (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى (1) الإسراء) وقلنا سابقاً أنه كان من الممكن أن يكون النص القرآني إن صح قولي هذا - سبح الذي أسرى، لكن حادثة الإسراء من الأحداث الكبيرة التي لن تستطيع أنت أن تسبح الله تعالى كما يجب فهو علّمك أن تقول (سبحان الذي أسرى). في الآية التي معنا موسى عليه السلام طلب الإراءة وهذا ليس تجاوزاً من موسى لأنه يجب أن نعرف الفرق بين طلب موسى حتى نكون منصفين وطلب بني إسرائيل لما قالوا (لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً (55) البقرة) أول خطأ في مقولة بني إسرائيل قولهم (لن نؤمن لك) الإيمان يجب أن يكون به وليس له، نحن نؤمن بك لله، نؤمن بك كرسول لله. ثم قولهم (حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً) هذا طلب في منتهى قلة الأدب.
المقدم: موسى طلب وبنو إسرائيل طلبوا فما الفرق بين الطلبين؟ ورد الفعل من الله تعالى هم أماتهم الله تعالى ثم أحياهم لكن موسى لم يمته الله تعالى وإنما هو خر صعقاً كأنه في حالة غيبوبة.
د. هداية: الغيبوبة هنا ليست عقاباً بينما الإماتة لبني إسرائيل كانت عقاباً. ما حصل لموسى هي حالة حدثت من تجلي الله للجبل. هذا تأثير جانبي وليس عقاباً بدليل أنه لما أخذت الصاعقة بني إسرائيل أخذتهم وهم ينظرون يعني هم طلبوا الطلب ونفّذوه كأنهم يقولون نحن سننظر ويجب أن يُنفّذ ويروا الله وكأنهم اصبحوا آلهة وليسوا بشراً! إنما موسى عليه السلام طلب في أدب النبوة (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ) وأرني هذه تحتاج لفهم
المقدم: كأن موسى يقول يا رب إفعل هذه المسألة الناقصة عندي والتي تجعلني ببشريتي قادر على الرؤية.
د. هداية: هذه قمة الإيمان أن موسى عليه السلام مؤمن أنه ببشريته لن يرى، الطبيعة البشرية لن تمكنه من رؤية الله ولما ردّ عليه المولى أيّد هذا المفهوم فقال (قَالَ لَن تَرَانِي) يعني لن تراني أنت الآن لكن يمكنك أن تراني بعد ذلك. يجب أن نفرّق بين كلمة (لَن تَرَانِي) أنت الآن وبين "لن أُرى". لن أُرى مطلقة لكن القرآن كلام الله ليس فيه تعارض ولا تناقض ولا زيادة ولا نقصان. قال (لَن تَرَانِي) في حين قال في موطن آخر (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) القيامة) هذا وقت آخر، هذا ليس في الدنيا وإنما في الآخرة حيث تكون الأجساد قد عُدّلت بما يتناسب مع الآخرة. فلما قال (لَن تَرَانِي) أجرى له التجربة التي تؤيد الرد الإلهي، كان يمكن أن يقول (لَن تَرَانِي) وينتهي الكلام والمولى عز وجل لا يُسأل عما يفعل لكن الآيات فيها مسألة عقيدية يقينية يجب أن يستوعبها الذي يقرأها.
المقدم: ومن هذا أهمية اللغة العربية وفهم مدلولاتها في القرآن الكريم. المعتزلة والأشعرية قالوا أن الله تعالى لا يُرى لا في الدنيا ولا في الآخرة.
د. هداية: عندنا مشكلتان إحداهما أن مسألة المعجم اللغوي لا تجد فيه معنى الكلمة وإنما أنت تضبط الكلمة فقط وعليك أن تجتهد داخل المعجم لتأتي بالمعنى. النقطة الثانية مسألة المعتزلة والأشاعرة هذه مشكلة في التفاسير وقد وجدت في بعض الكتب التي عُرضت عليّ قبل فترة يعتبرون أن الشيخ الغزالي معتزلة لأنه قال شيئاً قاله المعتزلة، الشيخ محمد الغزالي! الشيخ قال رأياً والمعتزلة هذا توصيف لناس معينين ولو قالوا مسألة منضبطة نأخذها وليس عندنا مشكلة فيها. الأشاعرة يستشهدزا دائماً بالزمخشري وهو معتزلة وهو إمام المعتزلة في التفسير وكتابه الكشّاف الذي يعتمدون عليه ويستشهدوا به صاحبة من المعتزلة! المهم عندنا أن تنضبط الكلمة في المعاني مع القرآن فقط، هذا الذي يهمنا.
المقدم: نعود لكلام موسى
د. هداية: لما قال تعالى (لَن تَرَانِي) قال بعدها (وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي) هذه تجربة عملية حتى نفهم لماذا جاءت كلمة (سبحان)، تجربة عملية للجبل وليس بموسى لأنه لا يقدر عليها.
المقدم: هي رسالة لموسى أنه سيريه تجربة مع الأقوى (الجبل) ليؤكد له أنه لن يرى الله
د. هداية: التجربة مع الجبل. لما سُئل علي بن أبي طالب عن أشد جنود الله قال أشد جنود الله الجبال الراسية والحديد يقطع الجبال والنار تُذيب الحديد والماء تطفئ النار والسحاب يحمل الماء والريح أو الهواء يقطع السحاب وابن آدم يغلب الرياح والسُكر يغلب ابن آدم والنوم يغلب السُكر والموت يغلب النوم. عشرة أشدهم الجبال الرواسي. ربنا تعالى يريد أن يُفهم موسى أن العيب ليس فيه شخصياً لو قال له "لن أُرى" كانت مشكلة لكنه قال (لن تراني) يولكن انظر إلى الجبل وهذه تجربة عملية إن استقر الجبل مكانه فسوف تراني (وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي)، كأنه تعالى ساوى بين موسى عليه السلام وبين الجبل (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا). (فَلَمَّا أَفَاقَ) أفاق نأخذها بكل معاني الكلمة أفاق من غيبوبة الصعق وأفاق من الغلطة الذي وقع فيها.
المقدم: لماذا هي غلطة؟
د. هداية: كلمة (سبحان) تبيّنها. كيف فهمنا (سبحان)؟ عندما تقول سبحان ربي العظيم يعني أنزهه تعالى التنزيه اللائق به الذي قد أكون لا أعرفه.
المقدم: عن أيّ ظن مني لحقيقة الإله قد تخالف الواقع.
د. هداية: وهذا الذي حصل فقال (سبحانك) يعني أنزّهك عن الذي تصورته أنا، موسى عليه السلام تصور أنه يستطيع أن يرى الله مع أنه صان الاحتمال وقال (أرني) يعني أرني أنت يا رب. (فَلَمَّا أَفَاقَ) أفاق من غيبوبة الصعق وأفاق من الغفلة التي أصابته بأنه طلب هذا الطلب. هذه من الكلمات التي نطلق عليها في اللغة التورية يعني لها معنى بعيد ومعنى قريب، المعنى القريب متصور لكن البعيد هو المطلوب. (فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ) أنزّهك عن أنني في لحظة عندما طلبت هذا الطلب كأنني دخلت في قوله تعالى (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ (74) الحج).
المقدم: هل يمكن أن يكون قصد موسى من قوله (سبحانك) سبحانك أني تخيلت أنا كإنسان ضعيف بإمكانياتي البشرية المحدودة أقدر أن أحيط بالخالق
د. هداية: وإن كان الله تعالى قد كلّمه، كأنه يعتذر عن الطمع الذي أصابه والمبررات فإن كان حصل منه ذلك قال (سبحانك) التي تصلح كل الخطأ على اختلاف أهل التفسير. سبحانك تجبر الكسر. والأجمل منها قول موسى (تُبْتُ إِلَيْكَ) لم يقل إني تبت وإنما قال (تُبْتُ إِلَيْكَ). ما معنى تبت؟ كأنه عندما طلب هذا الطلب ابتعد موسى عليه السلام. التوبة هي عبارة عن رجوع وعكس التوبة الخطأ الذي هو بُعد، أتوب يعني أرجع بدليل كلمة (تواب) في قوله تعالى (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) البقرة) التواب يعني الرجّاع يعني ربنا سبحانه وتعالى يرجعك يعني التوبة شرعها المولى ليرجعك بها إليه (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ (118) التوبة) تاب عليهم يعني أرجعهم، أعادهم، نبههم.
المقدم: ألا تكون هذه الإعادة وهذا التنبيه في بعض الأحيان مؤلمة؟ بعض الناس تحصل لهم ولا يفهموها إلا بعد فترة من الصدمة. قد يكون بعيداً عن منهج الله ومسلكه لو استمر على هذا سيكون من أهل النار لكن رب العالمني يرحمه ويبتليه بمرض أو موت أحد أبنائه أو خسارة أمواله أو ذهاب سلطانه فيحصل له أزمة قلبية ويجلس في البيت ثم يبدأ بالتقرب إلى الله تعالى ويقرأ القرآن وفجأة يصبح من الصالحين ولما تسأله عما أبدل حاله يقول وفاة إبني أو مرضي أو خسارتي. يعني كأن الذي ظهر له أنه شر في وقته كان خيراً له
د. هداية: هذا يفسره قوله تعالى (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ (118) التوبة) هذه الآية نزلت في الثلاثة الذي خُلِّفوا لكنه تؤخذ بعموم اللفظ أن الله تبارك وتعالى إذا رضي عن إنسان تاب عليه بمعنى أنه يهديه إلى التوبة فيجريها والتوبة أساسها رجوع لذلك إذا دققنا في ألفاظ موسى عليه السلام يظهر لنا كيف تتم العملية (سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) وفي قوله تعالى (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ (70) الفرقان). موسى عليه السلام فعل هذا تاب وأعلن إيمانه بعد التوبة. إذن يجب تجديد الإيمان بعد التوبة يعني يجب أن تكون التوبة ليست في الغرغرة ولا عند الموت وإنما يجب أن يكون بين التوبة والموت وقت كافي أثبت فيه التوبة بعمل ولذلك في الآية في سورة الفرقان قال تعالى (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا (70)). البعض يطالبنا بقوله سهِّلوا على الناس ويسّروا على الناس ولا يهم غذا مات الإنسان وهو كافر! نقول لهم الإسلام ليس هكذا، والدعوة ليست هكذا. الدعوة أن تضع الأمور في نصابها لا إفراط ولا تفريط. أنا أشرح آيات لم نقلها نحن وإنما ربنا الذي قالها ونحن نشرح النص الإلهي فقط. هل موسى عليه السلام يحتاج أن يقول (وأنا أول المؤمنين) وهو نبي؟ يجب أن نتوقف عند هذه النقطة. هنا الآيات مُلزِمة هي تعتبر غلطة ولأنه نبي تكون الغلطة أكبر ومع ذلك المولى تعالى يجريها في القرآن لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ دروساً من هذا كله. إبراهيم عليه السلام حطم الأصنام والرسول صلى الله عليه وسلم لم يحطم الأصنام ولكنه أمر عابد الصنم أن يحطمها لأن تحطيم الأصنام عند إبراهيم نجحت لفترة يسيرة جداً ولم تُثمر فاستفاد منها الرسول عليه الصلاة والسلام وقِس على هذه القضية كثير. فلم يقل موسى "سبحانك إني تبت إليك" لكنه قال (سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ) لم يحتج إلى ضمير ولا تأكيد ولا غيره. عجّل الرجوع إلى الله ولم يؤجله فترك الضمير والتأكيد (إني) وقال (وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) لم يقل وأنا مؤمن أو وأنا من المؤمنين. كلمة (أول) هنا ليس ترتيباً زمنياً يعني واحد اثنان ثلاثة. موسى قال (وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) ونحن عندما نقرأ نقول وأنا أول المؤمنين فكل واحد منا سيعتبر نفسه أول المؤمنين.
المقدم: هذه مثل قوله تعالى (قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81) الزخرف)
-------فاصل---------
المقدم: الحوار الذي دار بين موسى عليه السلام وربنا سبحانه وتعالى عندما طلب الإراءة وعرفنا ماذا قال موسى لما أفاق (سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) المولة سبحانه وتعالى رد عليه (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ (144) الأعراف) هل معنى الرد الإلهي هذا أنه ألا يكفيك يا موسى أني اخترتك على الناس أولاً برسالتي أنك رسول ولست بمنزلة البشر العاديين وثانياً أنك لست بمنزلة بعض الرسل الذين لم يكلمهم الله تعالى فإرضَ بما آتيتك وكن من الشاكرين.
د. هداية: ما قلته رد على موسى عليه السلام ورد على فكرنا لما قلنا أن موسى طمع. كأن المولى سبحانه وتعالى يريد أن يقول أن تكليم الله تعالى لموسى كان يكفي موسى لأنه سبحانه لم يكلم مباشرة أحداً من المرسلين غيره فهل الذين لم يكلمهم الله تعالى يريدوا أن يكلمهم الله أم أن المسألة أنني كعبد ينبغي أن أكون شاكراً وأن ما أعطانيه المولى تعالى هو عطاء والسلب أيضاً عطاء. المرض سلب وأحياناً المرض يعيد الإنسان للتوبة، هذا عطاء بالسلب ملفت للنظر وكان سبباً في توبة العبد، إذن هو نعمة. الشاطر من المؤمنين من يخرج من المحنة بمنحة.
المقدم: ما رأيك بالمقولة التي يرددها بعض الناس "اللهم اجعلني عبد إحسان لا عبد امتحان"؟
د. هداية: هذا كلام عبيط. ما معنى عبد إحسان وعبد امتحان؟
المقدم: يعني كأنه يطلب من المولى تعالى أن لا يمتحنه
د. هداية: هل هذا كلام يليق أن يقوله العبد لربه؟! الله تعالى لا يُسأل عما يفعل. أنت لا تطلب الإبتلاء ولا ترفضه. لازم معنى الآية أنك لست أنت المسؤول يا موسى لتقول أريد زيادة. ينبغي أن نعيش ونكون راضين قانعين شاكرين لما فرضه الله تعالى علينا. الوضع الذي وضعك الله تعالى فيه ليس لنا كلام فيه فهو سبحانه إله وكلمة إله في توحيد الألوهية والربوبية وهو حكيم خبير عليم مهيمن محيط. بعض الأحيان تحصل لك أشياء في حياتك لو تدبرتها يتوقف دماغك! ما الذي يجعلك تقابل فلاناً من الناس في الطريق؟ وما الذي دفعك لتذهب في طريق ما؟ من يمكنه أن يأتي بهذه؟! نحن بشر والله تعالى يدير الكون كله كون منتظم. اصطفاء موسى عليه السلام لبني إسرائيل فيه حكمة واصطفاء محمد عليه الصلاة والسلام ليكون خاتم النبيين وأن عيسى عليه السلام هو الذي يبشر به له حكمة. ولو أننا تدبرنا كل حكمة يمكننا استخراج حكم أخرى من كل حكمة. هذا كون منتظم. الآية هي في منهج متكامل. ضربنا قبل قليل مثالاً في قول موسى عليه السلام (سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) وفي الفرقان قال تعالى (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) القرآن يشرح بعضه بعضاً، الآيات منتظمة إنتظاماً بديعاً. قال موسى عليه السلام (وأنا أول المؤمنين) لأنه محتاج لها مثله مثل أي بشر، قد يكون احتياجه في هذا الموقف أكثر من احتياجي أنا لأنه هو نبي ورسول. هو قال (سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) قال تعالى (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ) هذا تخصيص لازم (يا موسى) لازم معناها إفاقة أخرى كما أقول لك إسمع أو إسمع يا علاء، هناك فرق بينهما
المقدم: وكل واحد يحب أن يسمع إسمه من الذي يخاطبه لأن هذا يدل على أن المخاطِب يعلم إسمي ويستخدمه.
د. هداية: (يا موسى) هنا إفاقة أخرى من الله تبارك وتعالى. (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ) هذه في حد ذاتها نعمة. وألفت النظر إلى أن الاصطفاء هنا هل هو اصطفاء إلهي لذاتية موسى؟
المقدم: هو اصطفاء إلهي بقدرة الله الذي قال له (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) طه)
د. هداية: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) لم تقل إلا لموسى. الإصطفاء ليس ذاتية في المصطفى إنما الفضل الأول والأخير لله رب العالمين. نوضحها في رسولنا صلى الله عليه وسلم عندما قال له (وَالضُّحَى ﴿١﴾ وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ﴿٢﴾ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ﴿٣﴾ وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى ﴿٤﴾ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴿٥﴾) قال (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى ﴿٦﴾ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى ﴿٧﴾ وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى ﴿٨﴾) وكلمة (يجدك) هنا بمعنى أوجدك. وجده يتيماً فلم يتركه إنما (فآوى) والناس لا تزال تقول أن الرسول يتيم، المولى تعالى أعطى الصفة وأزالها في حين أن الأمية قال (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ (157) الأعراف) هذه صفة مثبتة.
المقدم: لأن هناك سبب لاستمرار وجودها.
د. هداية: أمي ثابتة لكن يتيم فآوى، عائلاً فأغنى إذن هذه صفات وُجِد عليها الرسول وأزيلت فوراً بمدد من رب العالمين. إذن هل تكون الذاتية في محمد؟
المقدم: لا.
د. هداية: فما رأيك بالكلام المنتشر هذه الأيام أنه صلى الله عليه وسلم هو الذي يأخذ القرآن وهو الذي يضع القرآن وهذا نوع من أنواع التصوف! والكتب التي أتكلم عنها موجودة عندي وكتب فيها أن الرسول يأخذ القرآن من نفسه بذاتيه هو وهذا نوع من أنواع التصوف والحب للرسول وهذا ضرب من الخبل! لا نملك إلا أن نقول لا حول ولا قوة إلا بالله. الإصطفاء ليس ميزة في المصطفى أو فضل في المصطفى أو المختار أو المنتقى إنما الفضل في الله تبارك وتعالى ولذلك قال له (قَالَ يَا مُوسَى) إفاقة ثانية (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ) هذا فضل. اصطفاه على الناس برسالاته وبكلامه (بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي) هذا فيه أكثر من فضل. الإصطفاء بحد ذاته فضل، وأن يرسله الله تبارك وتعالى نبي ورسول هذا فضل، أن يكلمه الله تعالى مباشرة هذا فضل. فيريد أن يرد على موسى وعلينا ونحن نفكر ونقول ما الذي أطمع موسى؟ كان علينا أن نقول أن موسى ما كان ينبغي له أن يطمع بالفضل لأن الفضل المفروض أن تكون شاكراً له وعليه (فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ). ما معنى (فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ) ما لازم معناها؟
المقدم: يعني أُشعر بقيمة النعمة وفعّلها.
د. هداية: وارضَ بها واكتفي. (فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ) يعني اكتفي وارضى وأنت لست متضايقاً. هذا القصص وهذه الحالات ليست لأجل موسى وإنما لنا نحن وستجد هذه الحالات عندنا لكن في أمور أخرى، نحن لدينا نعم أخرى تركناها ونطلب أشياء أخرى، علينا أن نرضى ولذلك إرضَ بما قسم الله له تكن أغنى الناس. وقد يكون المتحدث إليه فقير جداً لكنه إذا رضي يكن أغنى الناس. أغنى الناس بماذا؟ أغنى الناس عن الناس أنك تغتني عن الناس لله تبراك وتعالى هذا يكفي.
المقدم: يبدو أن المدنية الحديثة أثّرت بشكل سلبي مريع على الناس أو على نسبة كبيرة من الناس لدرجة أنهم رأوا مع العولمة قصور العالم الغربي والعربي وهم يسكنون في بيوت متواضعة فكل واحد أصبح يتصور أن من حقه أن يعيش بهذه الطريقة.
د. هداية: هذا ابتلاء في حد ذاته. الذي ضيّع الناس هو الطمع وعدم الرضى والنظر لأعلى بينما علمنا الرسول عليه الصلاة أن إذا أردنا المقارنة فعلينا أن نقارن بمن هو أقل منك. وقد يقول البعض وهل هناك أقل مني؟! نقول له ق يكون اقل منك في الصحة أو في الأولاد أو في أي شيء آخر.
المقدم: المقياس سابقاً كان: من بات آمناً في داره معلفى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها، فماذا تريد بعد؟!
د. هداية: والذي ضيّع الناس هو عدم الرضى والتطلع إلى أمور تافهة أتفه مما يتصور ذات المتطلع لأنه يمكن فيروس لا يُرى يلخبط له الأمور.
المقدم: موضوع الإنجاب، كل الناس لما تتزوج يتوقعون أن الإنجاب حق مكتسب وأنه سينجب بالتأكيد أن المرأة طالما أنها زوجة فلا بد أن تكون أماً. لكن الله تعالى قال (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ (49) الشورى) فهي هبة من الله تعالى ويعترض البعض على إنجابه ذكراً أو أنثى أو عدم الإنجاب مطلقاً. وهناك كثير من الناس تركوا كل أنعم الله وما آتاهم الله من نسب ومكانة وصحة وتمسكوا بمسألة الإنجاب ويقولون حياتهم ليس لها قيمة ولا يمكنهم الاستمتاع بحياتهم وأنها بدون قيمة لأنه لم يرزق بولد.
د. هداية: وكأننا نفرض على الله سبحانه وتعالى عطاءاته. لازم معنى الآية (فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ) اكتفي بعطاء الله واضرى بما قسمه الله لك ورضاك يجب أن يلتزم الشكر (وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ)
المقدم: لأنني بجهلي قد أكون أريد الولد ولو أعطاني الله تعالى الولد قد يكون سبب شقائي
د. هداية: هذه حقائق أمامنا.
المقدم: أنا مؤمن وطائع أريد ولداً فيأتيني على كبر فأنشغل به عن ديني وعن الطاعة وأنشغل بالنعمة عن المنعِم فيكبر الولد ويصبح لديه طلبات وليس عندي مال يكفيه فاسرق لأعطيه أو أرتشي.
د. هداية: هذه الكلمات التي معنا (سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) ثم (فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ) موسى يقول سبحان تبت إليك والمولى عز وجل لم يسكت وإنما ما زال هنالك جوانب أخرى لا بد أن تكتمل في التوبة. هذه الاية عمدة مع آيات الفرقان ونحن نكمل آيات الفرقان وقبلها سنتوقف عند بعض آيات سورة النساء. يجب أن ننتبه إلى أن الذي يتوب يجب أن يقف مع نفسه ويسالها لماذا فعل هذه المعصية؟ حتى لا يكررها ثانية. لماذا فعلها؟ عدم رضى. الإسلام في الحدود مثل قتل النفس كان أمام قتل النفس نفس وقال في عباد الرحمن (وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ (68)) حتى تتوب إلى الله من القتل يجب أن تقدم نفسك في القصاص حتى تكون التوبة مقبولة. وسنتكلم في هذه النقطة باستفاضة لأنها في منتهى الخطورة فالبعض يظن أنه إذا قتل نفساً ثم تاب فقط تُقبل توبته.
المقدم: إذن تقديم النفس مقابل النفس التي قتلت هذا له سند شرعي؟
د. هداية: طبعاً. أن يعفو صاحب الدم فالقصاص هنا حق فهذه تحتاج أن نتوقف عندها.
المقدم: جزاكم الله كل خير. سنعود مرة ثانية لآيات سورة النساء (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)) حتى ننهي موضوع التوبة ونقول أن المتاب الذي سميناه مكان آمن نريد أن نكون في حضنه دائماً على لا نخرج من معية الله ومنهجه ونكون عند خروج الروح من الجسد من الذين يقال لهم يا ايتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية. يا رب نكون من أهل الجنة نحن وإياكم بإذن الله، نراكم على خير، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 13/10/2009م.

ميارى 29 - 7 - 2010 04:16 AM

التوبة والاستغفار 112
تقديم علاء بسيوني
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم. الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. موعد ولقاء جديد نخطو فيه سوياً خطوات على طريق الهداية. ونحن في رحلتنا في البحث عن حالة التوبة التي قطعنا فيها مشواراً طويلاً في حلقات زادت عن المائة نتكلم عن حالات وارتحالات في القرآن الكريم ووقفتنا اليوم مع آيات في سورة هود. ونسأل عن موضوع التوبة وموضوع الجنة والنار، كيف نفهم نحن هذا الموضوع؟ وماذا قيل لنا خلال السنوات الماضية من خلال الخطب والمنابر وموضوع الدخول والخروج من النار وأسئلة كثيرة سألها الناس في هذه النقطة بالتحديد وخصوصاً الخلاف بين مدرستين مدرسة تقول الناس فريقان إما فريق يدخل الجنة أو فريق يدخل النار أو الرأي الثاني الذي يقول أن كل إنسان بحسب السيئات التي عملها يدخل النار قليلاً ليكفر عن ذنوبه ويتطهر ثم يدخل الجنة بعد أن يدخل أهل الجنة الجنة. أين ضوابط هذا الكلام؟ وما هي أسسه وأحكامه وقواعده؟ هذا الذي سنحاول الإجابة عنه في هذه الحلقة وخصوصاً الأمور المرتبطة بالتوبة، هل ستتمكن من أن تتوب قبل الموت؟ ومتى تموت؟ هذا السؤال الذي لا يعرف إجابته أحد، الناس الذين يؤجلون ويقولون ربنا سيهدينا فيما بعد وادعو الله لنا أن يهدينا، فهل هؤلاء يضمنون أنهم سيعيشوا حتى يتوبوا؟ وهل التي تؤجل موضوع الحجاب إلى أن تتزوج هل هي تضمن أنها ستتزوج؟! أسئلة خطيرة جداً لأنها متعلقة بقضية أسميها قضية الفرصة الواحدة التي هي حياتك التي تعيشها مرة واحدة فقط. أرحب بكم وأرحب بضيفي وضيفكم الكريم فضيلة الدكتور محمد هداية.
نستمع إلى الآيات في سورة هود (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ﴿١٠٣﴾ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ ﴿١٠٤﴾ يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ﴿١٠٥﴾ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ﴿١٠٦﴾ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴿١٠٧﴾ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴿١٠٨﴾)
هناك وقفات كثيرة في هذه الآيات من سورة هود. هناك أسئلة متعلقة بموضوع المشيئة ودور الإستثناءات في الآيات. الآيات قسمت الناس إلى فريقين فريق في الجنة وفريق في النار وليس بينهما فريق وسط.
د. هداية: الفريق الثالث غير موجود، هذا في الوهم. الذي أرسل يسألنا عن هذا الموضوع أحد اثنين إما أنه يريد أن يؤكد الذي نقوله وآخر فرح بالاستثناء في الآية 107 بالنسبة لأهل النار.
المقدم: أول ملاحظة أنا الآيات قسمت الناس إلى فريقين شقي وسعيد، عندما يوصّف القرآن الفريقين يتكلم عن أهل النار يقول (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا) الفعل ليس مبنياً للمجهول بينما يتكلم عن أهل النار (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا) مبني للمجهول. هل الموضوع له علاقة أن الذين شقوا لم يبنى الفعل للمجهول وكأن المقصود أنهم هم الذي فعلوا هذا بأنفسهم لكن الذين سُعدوا هذا يؤكد كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم "لن يدخل أحد الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته". فهل بناء الضمائر واختلافها مهم وله إشارة؟.
د.هداية : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. هذه الآية سُئلنا فيها أسئلة من أكثر من سائل، بعضهم أرسل ليؤكد الفكرة التي قلناها لأنه فهم الآيات كلها مع بعض وهناك آخر قال الآية ذكرت في أهل النار (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ) وكأنه لم ير الآية التي بعدها في وصف أهل الجنة الذين ورد فيهم نفس الاستثناء (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ) لا ينفع أن يكون الشخص متصوراً شيئاً والشيطان يعمل له تلبيس فيها لدرجة أنه يعميه عن الآية التي بعدها، الآية التي بعدها فيها استثناء. وعندما تقرأ التفاسير فيها تجد أن بعض المفسرين فعلوا هذا وذهبوا في سكة الاستثاء في أهل النار فقط وغفلوا عن الاستثناء في أهل الجنة فهل سيخرج هؤلاء من الجنة؟! يجب أن نأخذ الآيات بمفهومها اللغوي المنضبط لأن الآيات ليس فيها مجاملة، آيات الجنة والنار في القرآن كله قسمت الناس إلى فريقين وهذه الآيات من ضمنهم والاستثناء موجود وهم داخوا في موضوع الاستثناء لأننا نحن لا نشغل العقل والقلب في مراد الله وإنما نشغله في مرادنا نحن وأهوائنا نحن.
المقدم: هل تقصد أنه في اختلافات التفاسير والاجتهادات في عالمنا المعاصر صار الهدف هو إثبات أننا أنا على صواب لا أن أبحث على الحقيقة في مراد الله؟
د. هداية: الله يفتح عليك. (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) المؤمنون) فرحون هنا لا تعني فرحانين وإنما تعني بلازم المعنى متعصبين لرأي ويريد أن يلوي عنق النص على هواه بعيداً عن مراد الله. لكن لو وضعت الآية واشتغلت بها باللغة العربية التي نزل بها القرآن إرضاء لله تبارك وتعالى وتحقيقاً لمراد الله ستصل. لكننا نحن لا نفعل هذا، نحن نسير بنعرة يهودية (قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ (104) المائدة) لا يهمنا من الذي قال وإنما يهمنا الحقيقة.
المقدم: واليهود قالوا أيضاً أنهم لن تمسهم النار إلا اياماً معدودة (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً (80) البقرة).
د. هداية: في عرض هذه الآيات هذه النعرة والفكرة فكرة يهويدة صرف والناس تسير وراءها بدون تفكير.
المقدم: والله تعالى رد على هذه الفكرة (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (80) البقرة)
د. هداية: (فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ) (أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) وهذه هي الحقيقة (أم) هنا تضع الأمر في نصابه. إذن الذي يتكلم في الدخول والخروج يتكلم على الله بما لا يعلم لأنه ليس من المنطق أن لا يعرض القرآن مسألة كهذه. ليس من المنطق أن تأتي يوم القيامة وتُفاجأ بشيء. لو الفكرة مقلوبة والاستثناء الذي داخوا فيه أن هناك خروج من الجنة فهل ينفع أن تُفاجأ بعد دخولك الجنة تمكث فيها قليلاً ثم تخرج منها؟ أين تذهب؟! المفهوم عند هؤلاء أن الذين يدخل النار يذهب إلى الجنة بعد أن يخرج منها، هذا بمفهومهم العبيط! فأين سيذهب الذي سيخرج من الجنة؟! هل من المنطق أن تدخله النار؟! سيقولون بالطبع لا. إذن أين سيذهب؟ والله تعالى قال (إلا ما شاء ربك) في الحالين؟! إذن هناك أمر غير مفهوم.
المقدم: مسألة الأفعال (شقوا) هؤلاء أهل النار هم الذين فعلوا هذا بأنفسهم، (سعدوا) الفعل مبني لما لم يسمى فاعله.
د. هداية: الفكرة اليهودية تقول أنك ستدخل النار قليلاً ثم تدخل الجنة هذه لا سند لها من القرآن ومناطها أن تستمر على المعاصي وتفعل ما تريد فأنت بهذه الفكرة تكون قد فعلت شيئاً نزل القرآن يقلبها فأفسدت المجتمع، الذي يبقى على المعصية مشكلته ليست في حد ذاته وإنما مشكلته أنه يفسد في الأرض ويقلب المجتمعات عبر العصور ولهذا أرسل الله الرسل. الفكرة هذه مناطها غير موجود في القرآن. وسبق أن سالنا هل يعقل أن المولى أن يبعث رسولاً يقول لك إفعل ما تشاء؟ بالطبع لا. إذن لماذا أرسل الرسول؟! الناس من غير منهج سيفعلوا ما يشاؤون. ما الذي يجعلهم يخرجوا مما يريدوه إلى الذي يريده الله تعالى؟ المناهج، الكتب، الرسل. الفكرة الأولى غذن تقول إفعل ما تشاء واستمر على المعصية وأنت ستدخل النار ثم تخرج منها إلى الجنة، الفكرة الثانية تقول هنا يقول لا، يجب أن تنتبه أنك لو أردت أن تكون من أهل الجنة تحتاج لتوبة فقط واستمرار على طاعة الله تبارك وتعالى. والرجل الذي سأل الرسول فقال له قل لي عن شيء أعمله لا اسأل أحداً بعدك فقال له الرسول "قل آمنت بالله ثم استقم" يعني قول يتبعه استقامة، فاستقم هنا تعني العمل، هذه ليست صعبة. قد تقول لكني سأبتعد عن المنكرات والموبقات والسرقة، أقول لك أن الفطرة السليمة لا تقبل بها وترفضها، هذا بعيداً عن المناهج. أنت فعلت ما فعلت والتوبة تدخلك الجنة لكت التوبة تحتاج إلى عمل صالح (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا (70) الفرقان) وهذه لها سند في القرآن وكل مناط الآيات مبني على هذه الفكرة.
لما نأتي إلى الفعل المبني للمعلوم والفعل المبني لما لم يسمى فاعله (لا أحب أن أقول مبني للمجهول) تجد أن الله تبارك وتعالى عمل هذا في كل أعمال أهل النار وأعمال أهل الجنة حتى يقول الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحديث "لن يدخل أحدكم الجنة بعمله" هذا الحديث مفهوم عند الناس خطأ، ما معنى " لن يدخل أحدكم الجنة بعمله "؟ بعمله البعيد عن المنهج ليس معنى هذا أنه يفسد في الأرض ويدخل الجنة! هنا كلمة عمله الأولى يبينها "إلا أن يتغمدني الله برحمته" فيهديني إلى العمل الصالح وسيكون عمله أيضاً، لكن عمله الأولى هو العمل من غير منهج. الناس فهمت الحديث أنه لا نعمل وإنما سندخل الجنة برحمة الله! يعتقدون أنهم يمكن أن يفسدوا في الأرض وربنا يدخلهم الجنة!
المقدم: تصديق هذا الحديث في القرآن الكريم أن أهل الجنة أول ما يدخلوا الجنة يقولون (وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ (43) الأعراف) هدانا للعمل الصالح الذي يدخلنا الجنة.
د. هداية: برحمته. كأنك تقول الحمد لله الذي هدانا برحمته لهذا العمل. لكن نحن عملنا، يجب أن نفهم الحديث في إطار القرآن والسُنة الصحيحة "لن يدخل أحدكم الجنة بعمله" يعني بعمله الذي من دماغه هو بعيداً عن المنهج. "قيل ولا أنت يا رسول الله؟ قال إلا أن يتغمدني الله برحمته" التغمد بالرحمة هنا يؤدي إلى أن يهديه للعمل الصالح فيعمل فيُقبل. إذن من رحمة الله أن يهديك للعمل الصالح التي هي (وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا) أي برحمته (وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ) من غير مناهج، من تلقاء أنفسنا أو جرياً وراء شهواتنا أو اتباعاً للهوى، لماذا؟
المقدم: نأخذ الإجابة بعد الفاصل.
----------فاصل------------
المقدم: موضوع الأفعال وموضوع لماذا؟
د. هداية: لأن القاعدة القرآنية هكذا. يجب أن نفهم الحديث بشكل صحيح لن يدخل أحدكم الجنة بعمله المجرد عن المنهج لأن المنهج له قاعدة (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (27) لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ (28) التكوير) إياك أن تعتقد أن مشيئتك ستكون مجردة عن مشيئة الله (وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)) إذن مشيئة الله رب العالمين أن يهديك برحمته لمنهج تطبقه فأنت في النهاية ستعمل. المشكلة أن الناس فهمت الحديث "لن يدخل أحدكم الجنة بعمله" يظنون أن الحديث يعني أنه مهما عملت فليس هناك فائدة، هذا كلام عبيط! إذا كان المفهوم صحيحاً فماذا يفترض بك أن تفعل في الدنيا؟! ساعة قال تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات) العبادة هنا عبارة عن عمل وليس نوماً والعمل على منهج الله. إذن لما قال الرسول عليه الصلاة والسلام لن يدخل أحدكم الجنة بعمله المقصود عمله المجرّد بهواه عن منهج الله. كما ذكرنا سابقاً أن العبودية علاقة بين طرفين المعبود سبحانه وتعالى والعابد وسألنا هل تمشي على مراد المعبود أو على مراد العابد؟
المقدم: على مراد المعبود.
د. هداية: لو سرت على مراد العابد هذا عمل العابد المجرد هذا لن يدخلك الجنة ولو سارت على مراد المعبود لن ينام العابد وإنما هي على مراد المعبود العابد سيعمل من خلال منهج المعبود سبحانه وتعالى لكن يجب أن يعمل. الإشكالية أننا نفهم الحديث بسرعة لكن على هوانا. وتجد أحدهم يقول هذا الرسول قال لن يدخل أحدكم الجنة بعمله! هل الرسول جاء ليقول لنا ناموا؟! وهل المنهج نزل ليقول لنا ناموا؟!
المقدم: هذا الكلام يُردّ عليه بمنتهى الوضوح على كل أصحاب التيارات الفكرية والأصوات التي نسمعها في الفضائيات ونقرأها في الصحف أنه لماذا يعلو صوت الدين؟ ولماذا تدخلون الدين في كل شيء؟
د. هداية: لأن المنهج يضبط كل شيء.
المقدم: لأن الله سبحانه وتعالى لما خلق الكون لم ينس شيئاً ولما خلق ابن آدم لم ينس شيئاً فطالما أن ابن آدم هذا من خلق الله وأنه سيعيش في هذا الكون الذي هو من خلق الله من المنطقي والمنطق المجرد أن يكون هناك ضوابط تحدد معيشة هذا الكائن في هذا الكون. في الجانب السياسي والحكم والشورى هناك قواعد، في الزواج هناك قواعد، في الطلاق قواعد، في الموت والميراث هناك قواعد، في الإنجاب هناك قواعد، في التجارة والمعاملات هناك قواعد.
د. هداية: الذي سبب المشكلة أن بعض الحكومات العربية اعتبرت أن جماعة مثل التكفير والهجرة أنها جماعة دينية وهذا حساب خطأ.
المقدم: ونحن أيضاً في وسائل الإعلام بعض الزملاء يخطئوا في هذا وكلما حدث حادثة يقولون الجماعات الإسلامية
د. هداية: الحكومات ارتاحت من المتدينين بشكل صحيح لأن هؤلاء ليس لهم علاقة بالحكم ولا الحكومة ولكن يشتغلون بما يرضي إلى الله. إنشقاق الجماعات الإسلامية جاء نتيجة أن بعض الناس تريد أن تطبق العنف وتقتل وتحرق، أنا رجل داعية إلى اله أنت لم تسمع كلامي فلماذا أقتلك؟ ما علاقتي أنا بعدم هدايتك؟ هذا بداية الإنشقاق. المصيبة أن بعض الحكومات اعتبرت التيارات الفاسدة أنها تيارات دينية لدرجة أننا نحن شجعنا الغرب في مسألة مكافحة الإرهاب لم يقف أحد وقال لهم أن الإرهاب يمنع الإجرام وأن كلمة الإرهاب مطلوبة ونحن استخدمناها خطأ وتركناهم يطلقونها. لما تطلق على الذي ضرب الأبراج في أميركا أنه إرهابي هذا هبل، هذا ليس إرهاباً وإنما إجرام. القرآن علمنا في الإرهاب (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ (60) الأنفال) الإرهاب هنا لتمنع الآخرين من الاعتداء عليك ولا أنت لا تعتدي. أنت تعمل القوة حتى يخاف العدو منك ردعاً، إذن لن نحارب ولن يكون هناك إجرام، لو طبقنا الإرهاب الذي هو (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ) ترهبون يعني تخيفوهم أن يقاتلوكم، إذن أنت بالإرهاب منعت الحرب. يجدك قوياً فيخاف أن يضربك. هذا مفهوم الإرهاب عندنا.
المقدم: إذن العمليات الإجرامية التي فيها قتل الأبرياء هذا إجرام
د. هداية: هذا إجرام وعنف مرفوض يرفضه الإسلام تماماً. نحن لما انشققنا منذ سنوات انشققنا لأنني أنا رجل أدعو إلى الله أعرض عليك الإسلام وأنت لا تريده فلماذا أقتلك؟ القرآن قال للرسول صلى الله عليه وسلم (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) النور) (لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ (22) الغاشية) (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ (125) النحل) ولو كان هناك جدال (وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (125) النحل) كل هذه آيات. فأنت لما تحسب الإجرام وتقول عليه إرهاب أنت أفسدت القضية اللغوية في الدين ولما تحسب جماعة تقتل وتحرق وتكسر وتقتل أطفال وأبرياء وتحسبها جماعة دينية هذا خطأ. الجماعة الدينية الصحيحة أنا أدعوك إلى الله فإذا لم تتبع فأنت حر وأنا أستمر في دعوتي ومنهجي وما علي إلا الإيضاح. الإشكالية حصلت هنا أنهم حسبوا الجماعات المجرمة التي أفسدت مظهر الإسلام ولم يصحح أحد هذه الفكرة للغرب، يجب تعديل الكلمة وأفهموهم ما معنى الإرهاب. ما يحصل ليس إرهاباً نحن لو أيدنا قتل الأبرياء والمدنيين يهود نصارى مسلمين هل نكون رجالاً ندعو إلى الله؟! أبداً، وتكون خرجت عن مراد الله في المنهج.
المقدم: علينا أن نفرق بين النيات أو الغفلة والنيات المبيتة ونظرية المؤامرة أحياناً هناك أناس لا تعرف شيئاً فأي شخص يتكلم بإسم الإسلام يقولون أن هذا هو مفهوم الجهاد وتطبيقه في الإسلام فالناس في الغرب تصدق فيقولون الإسلام شيء سيء للغاية
د. هداية: طبعاً، أنت ساكت وتؤيدهم في بعض إذاعاتك وقنواتك وتقول الجماعات الإسلامية المتطرفة. يجب أن لا يقال عنها إسلامية على الإطلاق إذا لجأت إلى الضرب والقتل
المقدم: سميها عصابات. هي خارج الإسلام. نقبض هذا في الغرب أفلام هوليوود الملئية بالعنف وتعرض لبعض العصابات الإجرامية الموجودة في كل الولايات الأميركية وعصابات الجنس والمخدرات أحياناً تجد مجرماً قاتلاً يفجر الأبرياء في بيوتهم ويقتل يصورونه وهو يلبس صليباً في عنقه هل هذا معناه أنهم يقولون هذه المسيحية تدعو إلى قتل الأبرياء.
د. هداية: لو كان نصرانياً أو يهودياً على ديانته، لو هو مؤمن بديانته لا يقتل لا يمكن أن تكون هناك ديانة أنزلها الله تبارك وتعالى تدعو للقتل أبداً ولذلك (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ (19) آل عمران) يعني الدين الذي حكم كل الديانات دين واحد فلا يمكن أن تختلف ديانة عن ديانة في الشرع العام.
المقدم: لا يمكن أن يقول لموسى إقتل ولا لعيسى أقتل
د. هداية: هذه القضية يجب أن تحسم فكراً. ندخل لموضوع الضمائر (شقوا) هم الذين شقوا و(الذين سعدوا) دخلوا الجنة، بنى الفعل هنا لما لم يسمى فاعله لأن الله أسعدهم بانه رحمهم بأن هداهم للمنهج.
المقدم: والباقون؟ لماذا لم يهدهم الله؟
د. هداية: (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً (10) البقرة) لا تحاسب الله على خبرته، فرّق بين العلم والخبرة وبين أنه أجبره على الطاعة. الناس تخلط المسائل. الذين سعدوا اتبعوا منهجاً فبني الفعل لما لم يسمى فاعله كأن المسألة أنهم هم الذين عملوا لكن بفضل الله تبارك وتعالى. والآخرون اتبعوا الهوى فنسب الضمير لهم، هنا قال شقوا وأولئك قال سُعدوا. شقوا بأنفسهم وبفكرهم أو بأهوائهم
المقدم: هل يمكن أن نقسم أصحاب القلوب المريضة إلى صنفين أو إلى صنف واحد؟
د. هداية: يمكن أن تقسمهم إلى أكثر من صنف.
المقدم: أقصد أنه قابل للعلاج أو حالة ميؤوس منها؟
د. هداية: الذين شقوا لو بقوا على شقائهم إلى ساعة الموت فهذا لا أمل فيه، لكن افترض أن ربنا هداه للتوبة (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ (118) التوبة) وهذا سر كلمة (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ (17) النساء)
المقدم: كأنها عهد والتزام
د. هداية: إرجع لأول العهد وأول الكون بدأ بتوبة (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) البقرة) لولا هذه التوبة ما تاب آدم إذن (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ) ستجد عظمة اللغة في حرف (على). في الحلقة القادمة سأبين لم أن هؤلاء فعلاً سُعدوا أن الله هداهم لتوبة نصوحة، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا (8) التحريم) هؤلاء آمنوا كأن آمنوا بداية، اعتبر الإسلام عشرين درجة والإيمان عشرين درجة والتقوى عشرين درجة والإحسان عشرين درجة وإسلام الوجه لله عشرين درجة، فالذي يقف على الدرجة الأولى غير الذي يقف على الدرجة العشرين الفرق بينهما أن الذي على الدرجة العشرين أقرب للدرجة الواحدة والعشرون وهو أقرب للإيمان والذي يقف على الدرجة الأولى من الإيمان ليس كالذي يقف على الدرجة العشرين من الإيمان لأن هذا الأخير أقرب للدرجة الأولى من التقوى وهكذا ولذلك قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ) هؤلاء مؤمنين (توبوا) يعني إرجعوا لأنهم ينقصهم ثلاث درجات. نحن عندنا الإيمان درجات: إسلام، إيمان، تقوى، إحسان، إسلام وجه، وأنت مؤمن ينقصك ثلاث درجات، لو أن المناهج كما صورها الناس إفعل ما تشاء لأنك ستدخل الجنة على أي حال، هذا لا يكون إلهاً! هل يكون هذا منهجاً؟! أنت مؤمن؟ نعم، إرتق إذن. يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ) لكن لما طلب من المؤمنين توبة طلبها نصوحة من لأن المؤمن يعرف أن يعمل التوبة النصوحة إنما المسلم أُطلب منه أي توبة حتى ترقيه ليكون في افيمان ولما يصبح في الإيمان تطلب منه توبة نصوحة. كأن القرآن يعلمك كيف تأتي بالناس ليسوا جميعاً مثل بعض، عندما تأتي بالناس من كفر وشرك وإلحاد لا ينفع أن تجعله إمام مسجد عندما يشتغل بالقرآن تؤهله.
المقدم: البعض قد يقول ربنا هو الذي قضى وجعل في قلوبنا مرض إذن نحن مرضى وليس على المريض حرج
د. هداية: هو قال (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً) المرض الي من عند المولى عز وجل هو زيادة، مرض عقوبة. هذه نقيسها على (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا (18) الإسراء) لما قال له (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا) حزن الرجل لكنه هو الذي طلب العاجلة فعجلنا لك فيها لم يعطيه الله تعالى إياها وإنما عجلها له لأنه هو الذي طلبها بدليل أنه قال (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا (19) الإسراء) إذن أنت تأخذ ما تريد والمسألة كلها في يدك أنت.
المقدم: بالنسبة لموضوع الأمراض (يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا (32) الأحزاب) أشعر أن هذا الكلام ينطبق في المجتمعات التي نعيش فيها. مثلاً الله تعالى عمل هذا النهي لزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وبالتالي لنساء المؤمنين كقدوة فتتكلم النساء باسلوب محترم خارج البيت ومع غير زوجها لا دلع ولا دلال ولا ألفاظ مزدوجة المعنى قد تفتح الشهوة بعض الناس متعلقة بهذا الموضوع ومتعلقين بدلع النساء وشهوته تحركه في هذا الجانب والمفترض أن زوجته تكفيه في هذا الموضوع. سؤالي الذي عنده مرض في هذه المسألة هل هذا مرض لا شفاء منه.
د. هداية: ليس هناك مرض لا شفاء منه، من رحمة الله تبارك وتعالى أن الأمراض العضوية والنفسية فيها شفاء إلا الذي أصرّ.
---------فاصل-----------
المقدم: مسألة المرض الموجود في القلوب إذا فرحت به سيعطيك ربنا المزيد من الأمراض أما لو شعرت أنك محتاج لربنا فمهما كانت الأزمة فإنها ستفرج ويعجبني القول "لا كرب وأنت رب" طالما هناك إله وربّ فالكرب يصغر ويتلاشى. نعود للآيات في سورة هود، الآيات قسمت الناس قسمين شقي وسعيد، أهل جنة وأهل نار
د. هداية: الشقي في النار والسعيد في الجنة. الذي يدخل الجنة ليس خارجاً منها والذي يدخل النار ليس خارجاً منها.
المقدم: أشعر كأن هناك استثناءان في الآية أو استثناء أو شرط (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (107)) كأن الخلد في النار مرتبط بديمومة السموات والأرض وهناك تبديل للسموات والأرض (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ (48) إبراهيم)
د. هداية: هذه هي القاعدة. نقطة النظام التي يجب أن نضعها في الشرح أن الدنيا قامت على أرض وسماء والآخرة ونار وجنة أرض للنار وسماء للنار وأرض للجنة وسماء للجنة. الديمومة هنا وهنا قائمة. هم خالدين فيها طالما هناك أرض وسماء أو ما بقيت الأرض والسماء أو ما دامت الأرض والسماء ودوام الأرض والسماء لبقاء الكون هذا أمر مقطوع به ليس فيه شك. (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ) قيلت في الجنة وفي النار.
المقدم: يعني كأن المعنى هم خالدين فيها خلود السموات والأرض
د. هداية: الذي هو أبدي. هذا تعبير عربي استخدمه القرآن. القرآن مسألة تحتاج لإنسان أعطاه الله تعالى الفطرة اللغوية أنك لما تسمع (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ) تبحث كيف استخدمته العرب. العرب استخدمتها للديمومة. العملية سترتبط بكنه الكون بمعنى لما أنت تقولها في الدنيا (ما دامت السموات والأرض) يعني أنت أقررت أن السموات والأرض ستنتهي بالقيامة لأن السموات والأرض الدنيوية مؤقتة. لما علاء يقول أنا في الدنيا سيحصل كذا ما دامت السموات والأرض، هذه سموات وأرض الدنيا التي هي حياة دنيا حياة مؤقتة. ولما يقول في الجنة ربطها (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ (64) العنكبوت) التي هي حياة ليس لها نهاية، إذن ديمومة الدنيا تنتهي بانتهاء الدنيا الأجل المؤقت الذي كتبه الله تعالى وديمومة الآخرة مفتوحة. فلو قلت "ما دامت السموات والأرض" في الدنيا تعني لغاية يوم القيامة ولو قلتها في الآخرة ليس لها نهاية.
المقدم: الذي حدّها الخلد الذي يعجز العقل البشري عن استيعابه.
د. هداية: ليس له نهاية. وهذه جاءت في الجنة والنار.
المقدم: إذن هذا ليس استثناء ولا شرطاً، هو يقول ما دامت السموات والأرض كأنه تشبيه أن الخلد هنا، ما دمنا نتكلم عن أهل النار (إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ) ويكمل الآية (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) المشيئة والإرادة (إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ) (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) لماذا ذكرت المشيئة والإرادة في نفس الآية؟
د. هداية : لأن هذه الحالة في حق أهل النار. بماذا يتميز أهل النار عن أهل الجنة؟ الجدال والمناقشة وعدم تسليم. لماذا دخلوا النار؟ هم لو قالوا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن عيسى رسول الله، وأن موسى رسول الله، لن يكون هناك مشكلة. المشكلة في الطرف الثاني الذين يجادلون ويناقشون برأيهم هم أن القرآن غير ملزم وأن الحديث كذا، لماذا تشددون على الناس؟ هذا يحتاج للمشئية والإرادة، محتاج إلى أن تذكره أن مشيئة الله لن يردها جدلك ولا إرادة الله يردها جدلك. لما قال (إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) قال إن الله لم يقل إن ربك أعطاه الربوبية والألوهية والألوهية يمكن أن توعيه، جدلك لن يمنع فعله سبحانه وتعالى
المقدم: هذا الذي كان يظن أن هذه ميزة، هذه ليست ميزة وإنما عيب
د. هداية: طبعاً. وذكر الإرادة والمشيئة مع بعض لأن سمات أهل النار تحتاج لقوة في الأداء وتذكير لكن الثاني لا يحتاج، هذا الثاني نأخذ مثلاً عليه أبو بكر الصديق لما ناقشوه في الأمور القوية قال أنا اصدقه في الأمور الأكبر من هذه، هذا لا يحتاج لفعال ولا مشيئة فجاء بالمشيئة فقط (إلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ).
المقدم: (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ) كأنه يريد أن يطمئن أهل الجنة أنهم دائمي الخلود ديمومة السموات والأرض. ما دام هناك جنة يعني فيها أرض نقف عليها.
د. هداية: وطالما هناك نار إذن هناك أرض نقف عليها وسماء، أرض تقل وسماء تظل في النار وفي الجنة.
المقدم: لأن هناك درجات في الجنة ودرجات في النار
د. هداية: طبعاً.
المقدم: إذن يطمئن أهل الجنة أنهم خالدين فيها ويطمئن أهل النار ايضاً أنهم خالدين فيها
د. هداية: هو يطمئنه ليوقفظه ربما يعود. الآية الأولى تخيف يمكن أن يأتي، هو يطمئن الذين في الجنة لكن يخوف الذي في النار يمكن أن يأتي لأن من عرف الله خافه. لما تقول (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) قد توقظه هذه الاية.
المقدم: لم يقل في الجنة شيئاً متعلقاً
د. هداية: لأن الذي في الجنة غير محتاج إنما قال (عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ). هم فهموا أن الاستثناء من الخلود. لو الاستثناء من الخلود ما كان قال (عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ). ما معنى (مَجْذُوذٍ)؟
المقدم: هذا تمييز مبين للنوع؟
د. هداية: نعم، هو يوقظه. كأنما استدرجه، الذي في النار فرحان بالإستثناء فقال له أن الاستثناء الذي عُمِل في النار عُمِل في الجنة لكن عطاء الجنة لن يُقطع فقس عليه عذاب النار، إذا قُطع عطاء الجنة سيقطع عطاء النار! إذن لماذا الاستثناء؟ هذه هي القضية. لا
المقدم: تقصد علم الصدور لا علم السطور.
د. هداية: والعلم هذا ليس فضلاً لنا وإنما هذا لله تبارك وتعالى لكن أنت تُقبِل على الله. واحد داخل مبيتاً النية على هوى وآخر داخل يقول يا رب ألهمني لصواب منهجك الذي تريده يا رب، أنا سأنقل لغيري ما تفتح علي به لكن الآخر داخل يشرح لك حتى يقول لك أرأيت؟ كلامي هو الصح! تفتح الكتب فتضحك لأنك تجد البعض قال (إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ) قال أن (ما) يعني (من) وركز في شرح النار ولما دخل على الآية التي بعدها في أهل الجنة لم يعلق على (إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ)! هذه مثل تلك هنا (ما) وهنا (ما) قال (ما) يعني (من) والاستثناء أنهم سيخرجوا من النار ويوضعوا في نهر إسمه الرحمة ويدخلوا الجنة وألفوا حكايات من دماغهم بينما لما مروا على الآية في أهل الجنة مروا عليها ولم يعلقوا. لو كان هذا يشتغل بما يرضي الله الآيتين لو تعمل مقارنة بينهما على الشاشة لترى الناس أن الاستثناء موجود في الآيتين، هنا (ما) وهناك (ما)، (إلا) هنا و (إلا) هناك، شاء هنا وشاء هنا، ربك هنا وربك هنا. إذن تحتاج إلى الفطرة اللغوية وتقول يا رب ألهمني مرادك في كتابك لأنني أنا لن أعرف أن أشتغل برأيي ولا أشتغل إذا تعصبت لرأي.
المقدم: طالما هناك استثناء في الموضعين في أهل الجنة وفي أهل النار.
د. هداية: (عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ) يطمئن أهل الجنة ويوقظ أهل النار لأن عندنا أمل أنه طالما هناك روح موجودة وطالما هناك زمن عمل، قلنا أن التوبة تحتاج بعدها إيمان وعمل، إذن التوبة لا تنفع الآن (حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ (18) النساء) كما قال لفرعون (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) يونس) لا يمكن أن ياتي الموت فتقول أنا تبت الآن!
المقدم: الذي يريد أن يبتليه الله تعالى بمرض، والمرض هذا ليس مرضاً يموت بعده مباشرة إنما مرض يأخذ وقتاً طويلاً، هذا الشخص كان يخطئ وجاءه المرض وجلوسه في المستشفى فسح له المجال أن يفكر ويراجع نفسه لأن البعض قد تشغله الحياة عن مراجعة نفسه فلما يكون على سرير المرض يبدأ بالتفكير ومراجعة نفسه فيقول لما يشفيني الله تعالى سأتوقف عن شرب الخمرة مثلاً وسأنتظم في الصلاة، وسأبدأ بعمل الخير ثم يشاء المولى أن يقبض الرجل ويموت قبل أن يعمل الذي تمناه، لم يفعل شيئاً بعد وإنما مجرد الندم وهو الشرط الأول في التوبة، لا آمن ولا عمل عملاً صالحاً.
د. هداية: لو قال هذا الكلام لي أو لك لا يمكننا نحن أن نحدد جزاء جنة أو جزاء نار لأننا لا نعرف شيئاً لكنه هو يتكلم مع العليم العلام علاّم الغيوب الذي قلنا أن علمه يجب أن نفهمه على أنه (ليس كمثله شيء) علم ما كان وما يكون وما سوف يكون وما لا يكون لو كان كيف كان يكون. يعني هذا الرجل لو خرج من المستشفى هل سيعمل كما قال أو أنه سيرجع إلى ما كان عليه؟ الأوحد الذي يعرفها هو رب العالمين هو الذي سيحاسبه فيها وهذه المسألة التي قالوها في توبة العاجز. انقسم العلماء فيها إلى فريقين فريق قال لا توبة للعاجز لأنه لم يعمل والفريق الآخر قالوا هو عاجز بالنسبة لنا لكن بالنسبة لعلم الله تبارك وتعالى هو الأوحد سبحانه وتعالى الذي يمكن أن يعلم ما لا يكون لو كان كيف كان يكون فيحاسبه بها.
المقدم: لماذا الاستثناء؟
د. هداية: السؤال ليس لماذا؟ ولكن من ماذا؟ نشرحها في الحلقة القادمة لأن هذه فيها قصة لغوية. السؤال الذي سألته يحصل كثيراً آناء الليل وأطراف النهار. هناك مرض يوقظ الغافل فما رأيك بالمرض الذي لا يوقظ صاحبه؟! هناك مرض يوقظ صاحبه يقول إن شاء الله لو خرجت من المستشفى سأفعل كذا وكذا وهناك مرض لا يوقظ صاحبه وهناك مرض صاحبه يقول وهو على سرير المرض إبدأوا بعمل كذا وكذا يعني إذن المولى عز وجل المثال الذي ضربته أنت يحصل آناء الليل وأطراف النهار بل إن القرآن طبقها تطبيقاً مبدعاً فقال (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) الروم) انتبه لكلمة (بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) لو قال كل الذي عملوا كان سيكون عدلاً، لو أن الفساد ظهر في البر والحبر بايدينا نحن وهذه النقطة هذا توصيف توقيعه (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ (11) الرعد) الناس تشتكي أن العيشة ضنك نقول لهم المسألة في أيديكم. لما قال (لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) قال (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (لعل) تعني غايتي من هذا ولا تعني أتمنى، المولى لا يتمنى لأن التمني يفيد الجهالة والجهالة تستحيل على الإله الحق. فكأن المولى يقول الذي قلته أنت الآن كأن ربنا يقول: هذه الحكاية تحصل غايتي في ذلك أن يرجع، ربنا لا يظلم وإنما يعيطك الفرصة تلو الفرصة فالذي يُقصر فلا يلومن إلا نفسه.
المقدم: جزاكم الله كل خير. أختم بكلمة فيها تلاعب في ألفاظ اللغة العربية، نعم نحن مدركون أن الرسالات والنبوات انتهت ببعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ولكن هناك نوعية أخرى من الرسل ما زالت مستمرة وهي هذه الآيات وهذا الأوبئة والمشاكل والفساد الذي نشتكي منه، يمكن أن نتصور أن توصيف هذا هو الرسل يرسلهم الله تعالى يوماً بعد يوم حتى تتحقق الآية (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) يعني لعلهم يتوبون ولعلهم يعرفوا أن المنهج هو الضمانة السليمة للرجوع إلى طريق الهداية. نراكم على خير إن شاء الله تعالى, سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 20/10/2009م

ميارى 29 - 7 - 2010 04:18 AM

التوبة والاستغفار 113
تقديم علاء بسيوني
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم. الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. موعد ولقاء جديد نخطو فيه سوياً خطوات على طريق الهداية. مسألة دخول النار والخروج منها هل هذا صحيح أم لا ففي الآيات التى شرحناها فى سورة هود من الآية (104) وحتى الآية (108) فيها استثنائين بالنسبة لدخول الجنة أو النار، هذان الاستثنائان من ماذا ؟ فهل الاستثناءات من الديمومة أم من الخلد أم لها معنى آخر؟ ولن أطيل فى المقدمة لنفرد الوقت في الشرح. أرحب بضيفي وضيفكم الكريم د. محمد هداية.
نتذكر الآيات معاً
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ﴿١٠٣﴾ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ ﴿١٠٤﴾ يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ﴿١٠٥﴾ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ﴿١٠٦﴾ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴿١٠٧﴾ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴿١٠٨﴾)
هناك استثناء مع أهل الجنة واستثناء مع أهل النار وقد اتفقنا أن (عطاء غير مجذوذ) يعني ليس مقطوعاً ولن ينتهي وبهذا يطمئن أهل الجنة أنهم فيها خالدون وفى نفس الوقت يقول لأهل النار أنهم خالدون فيها، الإستثناء (الا ما شاء ربك) هذه المشيئة متعلقة بماذا والاستثناء من ماذا ؟
د. هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. طبعاً الاستثناء من الديمومة هذا كلام مستحيل لأنه لو انطبق على أهل النار أنهم سيخرجوا لكان انطبق على أهل الجنة والخروج من الجنة شيء غير متصور ويصل إلى حد المستحيل. التركيب اللغوي فى الآية مبدع لكن أولا نحن ضد كلمة أن القرآن فيه كلمة ناقصة أو كلمة زائدة، أو كان من المفروض أن يقال كذا، كل هذا كلام غير وارد ولا يصح. نحن لو صغنا الآية بصياغة إنشائية بشرية لكنا قلنا (خالدين فيها ما دامت السموات والأرض) وهذه تؤدي إلى المعنى الذي نريده وهو أن الخلود أبدي، لو قيل (خالدين فيها ما دامت السموات والأرض) لأهل الجنة ولأهل النار لتحقق المراد لكن الدقة اللغوية فى القرآن مبدعة لما قال (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ). فهل الاستثناء من الديمومة؟ بالقطع لا. أولاً العملية كانت فى الدنيا تسير على أساس أرض دنيا وسماء دنيا وعندما تقوم الساعة ستتبدل (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) [ابراهيم:48] ولكي توجد حياة سواء فى الدنيا أو فى الآخرة لابد من وجود أرض وسماء ففي الدنيا أرض وسماء للكل وفي الآخرة أرض وسماء للجنة وأرض وسماء للنار .
المقدم: يعنى وعاء.
د هداية: بالضبط أرض تقل و سماء تظل. إذا تأملنا كيف تبدأ القصة نجد أن الآخرة تبدأ بنهاية الدنيا ففي الآيات (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا)[الفجر:21] و(إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ) [الانفطار:1] لكي تنتهى الدنيا لا بد للأرض أن تدك وللسماء أن تنفطر، يكون هناك أرض جديدة وسماء جديدة، أرض في الجنة وسماء في الجنة وأرض في النار وسماء في النار. السؤال هنا يكون هل الأرض والسماء فى الجنة والنار تبدأ مع بداية العذاب أم مع الحساب؟ المولى عز و جل ينشئء أرضاً وسماء الآخرة للجنة وأرض النار وسماءها مع بداية العذاب أم مع بداية الحساب؟
المقدم: منطقيا مع بداية الحساب
د هداية: والخلود عذاب أم حساب؟
المقدم: الخلود يكون فى العذاب
د هداية: إذن الاستثناء ففي المدة التي فيها الحساب وليس من الخلود. الدنيا تنتهي بدكّ الأرض وانفطار السماء ثم هناك أرض وسماء للجنة وأرض وسماء للنار فالأرض التى تظل و تقل أهل الجنة وأهل النار للعذاب أم للحساب أولاً؟
المقدم: للحساب أولاً
د. هداية: والخلود عذاب، إذن هناك مدة استثناء للحساب وهذه الدقة اللغوية. فهذا الاستثناء للمدة التي تُقضى فى الحساب. طالما قال (خالدين فيها ما دامت السموات والأرض) السموات والأرض دامت من أول الحساب والخلود للعذاب، إذن هذا الإستثناء كان لا بد منه للدقة اللغوية المدة التي تقضي فيها الحساب لأن الخلود فى الجنة يجب أن تخصم منه فترة الحساب والخلود فى النار يجب أن خصم منه فترة الحساب لأننا نحن نتكلم (ما دامت السموات والأرض). ما معنى (ما دامت)؟ يعني ما أُنشئت وامتدت. لما تبدأ تبدأ بالحساب والخلود عذاب إذن هناك مدة مستثناة. إذن الاستثناء من مدة الحساب وليس من ديمومة الخلود. الخلود من أول ما يدخل أهل النار النار إلى ما شاء الله ومن أول ما يدخل أهل الجنة الجنة، ديمومة أبدية. إذن هناك فترة استثنائية في المنطق اللغوي لأننا نتكلم عن أمرين- ما دامت السموات و الارض - يجب أن نتلكم عن إنشائها، إنشاؤها يبدأ بأول الحساب لا في أول العذاب والخلد في العذاب لا في الحساب إذن هناك مرحلة ما بين الحساب والعذاب لذلك كان يجب أن يستثني القرآن هذ الفترة لأن القرآن تعبير الله تبارك وتعالى وكلام الله تبارك وتعالى ونحن تعلمنا الدقة اللغوية من القرآن. ولولا وجود هذا الاستثناء لعاب النص عيب لن نتمكن نحن من تصحيحه ولكن هذا كلام الله تبارك وتعالى الذي لا يوجد فيه قصور ولا نقص ولا خطأ. وهناك آيات كثيرة جداً على تسق هذه الآيات لتعبير الدقة اللغوية في مسألة الديمومة والاستثناء. فالأرض والسماء تبدأ من أول الحساب أما الخلود فهو في العذاب لذلك فالاستثناء للفترة ما بين الحساب والعذاب حتى يكون الكلام دقيقاً. هم خالدين فيها ما دامت السموات والأرض لكن بداية إنشاء السموات والأرض كان للحساب والخلود يكون في العذاب. والأرض والسماء ستُقلّ كل واحد على حسب درجته فهي ما دامت السموات والأرض للعذاب وليس للحساب. إذن فالاستثناء ما بين الحساب والعذاب.
المقدم: فى الآيات نجد كلمة (عطاء غير مجذوذ)
د هداية: هذا يؤكد عدم وجود خروج لا من الجنة ولا من النار
المقدم: هذا الموضوع يسمى عادة فى القرآن جزاء (جَزَاء وِفَاقًا) [النبأ:26] أي جزاء ما عملتم وأحسنتم العمل الجنة، لماذا سمي هنا عطاء؟ وغير مجذوذ؟
د هداية: سمي جزاء مرات عديدة لكن هنا ذكرت عطاء لكي تناسب الفعل (سعدوا) فكما قلنا ان الفعل مبني لما لم يسمى فاعله والفاعل هو الله تبارك وتعالى أي أن إسعاد أهل الجنة بفضل من الله تبارك وتعالى وهذا الفضل يبدأ من التوبة. وفي الآية (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ) [ النساء :17] سنشرحها فيما بعد بطريقة تثبت أن التوبة تكون (من) و(إلى) الله.
المقدم: العطاء هنا لأنهم سُعدوا، ولأن هناك اطمئنان بالخلد
د. هداية: ونقيس عليها بالنسبة لأهل النار لكن بتخويف. اطمئنان في الجنة وتخويف في النار، والتخويف هذا فضل آخر من الله (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)
المقدم: فى الحديث عن أهل النار والعياذ بالله تقول الآية (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) فهل الزفير والشهيق هنا تأكيد أن العذاب سيكون عذاب بشر تعيش وليس كما يقول البعض أن العذاب في الآخرة هو عذاب نفسي أو تخيلي لكن ليس هناك جنة ونار فعلاً؟
د هداية: هم يقولون هذا ليريحوا أنفسهم. هذه من الأفكار التي بني عليها فكرة الخروج من النار. هم يريدوا أن يطمئنوا أنفسهم فيقولون مهما طال العذاب فى النار فسأخرج منه وأدخل الجنة فى النهاية وهذا كلام وهم ولا يصح ولم يذكر في القرآن.
المقدم: هل يمكن أن نقول أن هذه الآية رد عليهم؟ أم أن هذا توصيف أن الشهيق و الزفير شيء منطقي وطبيعي طالما هو حيّ لكن القرآن يذكره ليدلل على صعوبته أنهم سيكونون في النار والنار كما نعلم من الناحية العلمية تأكل الأكسجين الذي هو غذاء النار وحياة الإنسان فهل النار المتأججة في كل مكان ستجعل التنفس سيكون صعباً وسيكون الناس في النار لهم شهيق وزفير يُسمع وسيعاني الانسان منه لمجرد حتى أنه يتنفس، هل هذا هو المعنى الوحيد؟ هل هناك معاني أخرى؟ وهل هذا المعنى صحيح؟ سنجيب بعد الفاصل
--------فاصل----------
المقدم: السؤال الذى سألناه قبل الفاصل أنا عندي شهيق و زفير وهذا شيء منطقي لأي إنسان يعيش فهل ذكر هذا لتأكيد أنهم أحياء وأن العذاب حسي وواقعي وليس عذاباً تخيلياً أم في النار سيكون التنفس صعباً لأن النار تأكل الأكسجين؟
د. هداية: كل هذا صحيح لكن هناك نقطة أنت تبدأ شهيق أم زفير؟
المقدم : شهيق أولاً لكن فى الآية قدّم زفير على شهيق.
د هداية: وهذه طبيعة أهل النار زفير وشهيق بالعكس فالانسان عندما يولد مع بداية الحياة يكون الشهيق ليُدخل الأكسجين ثم يحصل زفير لكن في الآية قدّم زفير على شهيق وهذا يبين أن أهل النار حياتهم كلها تسير عكس الطبيعة. أي مثلما كانوا يسيرون عكس المنهج فى الدنيا فكتب عليهم العكس في الخلود. وهذه فيها ناحية علمية مهمة أن تبدأ بزفير نذكرها فيما بعد.
المقدم: هل زفير أهل النار ردّاً على زفير النار؟
د. هداية: هذا أمر. أنتم كنتم تسيرون عكس الناموس فستعذبوا عكس الطبيعة، طبيعة الدنيا أنه عندما يولد الإنسان يأخذ شهيقاً ليرتاح وعكسه مؤلم وهذا أمر علمي ولغوي صعب جداً. وهذا تلميح لهم كأن الفطرة السليمة لا تجعلكم من أهل النار لكن الناس التى كانت تكابر ولا تتوب هؤلاء ضد فطرة الله (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) [الروم: 30] كأن الفطرة السليمة كان يجب أن تجعلك في الجنة لكن أنت الذى فعلت ذلك عكس الناموس. ففي الآية (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا) [الملك :8] كلمة (سألهم خزنتها) مع كل فوج لكل فوج هي للفوج وتأنيب للداخل كأنها عرض مستمر. (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) وهذه الآية تحتاج حلقات للشرح! تكاد هذا فعل مقاربة وليس فعل وقوع أي أن شدة العذاب هذا كله وهي تكاد، لم يقع التميز، لم يحدث. فالمسألة صعبة وحل القضية كلها في التوبة التي تجعلك تعيش مرتاحاً وسعيداً ومنضبط فالناس إما شقي وإما سعيد ليس لهما ثالث.
المقدم : كأنها تحقيق سؤال الملك عند نفخ الروح فى الجنين.
د هداية : هي كذلك و(شقي وسعيد) الناس تحسبها في الدنيا وهي ليست كذلك. فالذي شقي في الدنيا فالدنيا لا بد أن تنتهي وكذلك الذي سُعِد فى الدنيا قال (يا ليتني قدمت لحياتي) حتى السعادة المؤقتة لا تساوي عنده شيئاً. ولو تأملت الآية ستجد شقي وسعيد أين النوع الثالث بحسب فكرة بعض الناس؟! لا يوجد، لم يقل شقي ثم سعيد، الشقي سيبقى شقياً والسعيد سيبقى سعيداً. لذلك أتى بالتعبيرات متساوية فى الآيتين (ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك) كأنه يقول أفيقوا يا جماعة. وليؤكدها لأهل الجنة أن بقاءهم مؤكد ويؤكدها لأهل النار قال عطاء غير مجذوذ لن ينقطع حتى يسعدهم وترك الاولى وقال (إن الله فعال لما يريد) كأنه يقول لهم إرجعوا فعندما يقول المولى شي يجب أن يحصل فارجع. على أهل الجنة تكون فضل من الله ولأهل النار وصلوا بأفعالهم إلى أن ختم الله على قلوبهم (خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ ) [البقرة:7]
المقدم : نوعية العذاب فى النار وموضوع قلب الفطرة عكس الشهيق والزفير لأنك سرت عكس الطبيعة وقلبت منهج الله فبالتالي العذاب هكذا وهذا ذكرني بقوم لوط الذين قلبوا فطرة الله السوية فلما أراد الله أن يعاقبهم فى الدنيا قلبهم (فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا) [هود :82]
د هداية : هي نفس الفكرة. العذاب يسير هكذا عكس النمط وعكس الطبيعة وعكس الفطرة لأنهم عكسوا فعليهم أن يتحمّلوا وفي الحديث ( وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة ... وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار ...) يمكن أن يبدأ أحدهم بعمل أهل الجنة وينتهي في النار ويمكن أن يبدأ بعمل أهل النار وينتهي في الجنة، يبين أن مسألة شقى وسعيد مفتوحة ممكن أن يكون شخص من الاشقياء ثم يأتي قبل الموت يعمل بعمل أهل الجنة فيكون من السعداء والعكس ولهذا لا تطمئن أبداً الا ساعة الموت (يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي) لأنك لو اطمأنيت تنام. وذكر فى سورة الفجر (فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا) و (كلا) إجابة للفريقين أي أنه لا الفقر دليل ابتلاء ولا الغنى والنعمة دليل كرم، كلاهما ابتلاء وهناك فقراء نجحوا وهناك أغنياء نجحوا. أهل الجنة قليلون جداً وهذا يجعلك تتمسك بدوام الأعمال الصالحات فمجاهدتنا للشيطان دائمة ومستمرة لأن هدفه أن نموت على معصية ويجب عليّ أن لا أمكّنه من ذلك فلا أقع في المعصية بفضل الله تعالى وليس بشطارتي أنا. وكل الأدعية النبوية توضح هذ الفكرة فأنت عندما تنهي الصلاة ماذا تقول؟ أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، هذا لتقصيرنا ثم تقول (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) فحسن العبادة ليس مني لكن فضل من الله وعطاء وعون (إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله) وهذا لا يكون إلا من الله لذلك نقول (اللهم أعني) وقبلها نقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والاكرام، ذكري لله يحتاج إلى عون منه كأني ممكن أعمل شيئاً لا يليق بمقام الله فاطلب العون منه مثل الحمد لله كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك.
المقدم : هل هناك أشخاص تغفل عن أهمية أن تكون من الشاكرين؟
د هداية : طبعاً
المقدم : وكيف أشكر؟ باللسان فقط أم اللسان و العمل ؟
د هداية : باللسان والعمل، ليس هناك شيء باللسان فقط. القول فقط هذ مرحلة وهمية غير موجودة في أي شيء في المنهج فالآية تقول (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ) [فصلت:30] [الاحقاف:13] وانتهت الآية؟!
المقدم : لا (ثُمَّ اسْتَقَامُوا).
د هداية : والحديث "قل آمنت بالله ثم استقم"
الاستقامة هى العمل كما فى الحديث لذلك فهذا الحديث مبنية على قاعدة قرآنية و كل حديث صحيح لابد ان يكون مبنياً على قاعدة قرآنية وله أصل في القرآن. ومسألة القول فقط هذه وهمية وغير منضبطة .
المقدم : الآية التالية بعد الآيات فى سورة هود فيها نقلة (فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاء مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ) (109) ما علاقتها بما قبلها؟ ولماذا قال هنا غير منقوص؟ .
د هداية : هذه تساوي (غير مجذوذ) وتبين أن الذي دخل النار دخلها لأنه لم يسمع كلام الرسول صلى الله عليه وسلم. وكما قال في الآية السابقة غير مجذوذ وهنا قال غير منقوص كأنه يرد على مسألة الخروج من النار لأنه لو هناك خروج سيكون العذاب ناقصاً لكنه عذاب كامل أي غير منقوص. أما فى الاية السابقة قال غير مجذوذ لأنه في النعيم الرجل من أهل الجنة طبيعته قانع وراضي حتى فى الدنيا كان كذلك فعندما يكون في نعيم الجنة أقل النعيم سيرضيه والنعيم عالي جداً فلم تأتي كلمة نقص أبداً وإنما ذكر القطع لماذا القطع؟ فرق بين القطع والنقص. غير مجذوذ لأنك ممكن تمل من كثرة النعيم ولا تشعر بلذته لأنه لا ينقطع فالمولى عز وجل يطمئن أهل الجنة كأنه يقول للرجل من أهل الجنة إطمئن فلن تمل وستشعر بالنعيم مهما استمر. مثال: علاء يعطيني ملعقة عسل كل يوم فيأتي شخص يقول لي لماذا لا تشكر علاء؟ فأقول له لماذا أشكره؟ لكن عندما قطع العسل فى يوم وأعطاني ملعقة ملح شعرت بنعمة العسل وسأشكره عليه دائماً لأني ذقت الاثنين وهذا لا يوجد فى الجنة لن ينقطع النعيم ورغم ذلك ستشعر به ولن تمل وستتمتع بالنعيم.
لكن مع أهل النار قال منقوص أجابهم عليها مرتين مرة في سورة السجدة لأنهم يريدون أن يخرجوا كما توهموا فى الدنيا وكأنها حقيقة يطالبون بها (كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا) [السجدة :20] على الرغم من أنهم هم الذين شهدوا أن هؤلاء هم الذين خدعونا (كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا). فأنا أقول لم تقل هذه الآية إلا رداً على اعتقادهم الفاسد أنهم سيخرجوا من النار. لذلك قال لهم (غير منقوص) أي إذا كنت متصوراً أنك ستخرج وينقص العذاب لا لن ينقص العذاب ولن تخرج من النار.
المقدم : أرى ملمح هنا أنه من كثرة تكرارهم المحاولات للخروج ستضاءل آمالهم بالخروج وييأسوا منه فطلبوا شيئاً آخر تخفيف يوم واحد من العذاب (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ) [غافر :49]
د هداية : بعد أن ننتهي من آيات التوبة أريد أن نستعرض هذه الآيات، تخيل طبيعة أهل النار أنهم يسلموا بعد فوات الأوان فعندما سلموا بأصل الفكرة وأنه لا خروج من النار بحثوا عن حل آخر - يوماً من العذاب أو أي شيء. والقرآن يرد على كل النعرات الخارجة عن إلف الطبيعة في الإنذار والتبليغ. فهل الرسول جاء ليقول إفعلوا ما تشاؤون، لماذا جاء إذن؟! تستطيع أن تقول أنهم لووا عنق الحق والحقيقة على هواهم.
المقدم : بعد الفاصل ستحدث باذن الله عن الفرق بين نعيم الدنيا ونعيم الخلود؟
---------- فاصل ----------
المقدم : ما الفرق بين نعيم الدنيا ونعيم الآخرة؟ عندما تحدث الدكتور عن دخول الشك للإنسان أنه لا يحس بالنعم في الجنة لأنه قد يعتاد عليه ولا يتمتع به جاء القول أن هذه النعمة لن تنقطع ولا الاستمتاع بها والإحساس بها. لكن أحياناً نرى أشخاصاً في الدنيا عندهم من النعم الكثير وعندهم ابتلاء واحد فيقول لم أعد قادراً على الاستمتاع بأي نعيم فى الدنيا فهل عندما يأخذ منك المولى شيئاً هو ملكه أصلاً تعترض وتحزن وتتوقف عن القدرة على الاستمتاع بنعم الله الباقية ولا ترضى؟! بماذا نصف هذا؟
د هداية : هذا المثال بالنسبة للدنيا شيء طبيعي لأن الانسان لا يشبع والرسول عليه الصلاة والسلام وصف هذا فقال لو كان لابن آدم وادياً من ذهب لأراد ثانياً وهذه حقيقة لكن في الآخرة الرجل الذي لم يقنع في الدنيا هذا ليس من أهل الجنة لأن طبيعة أهل الجنة الرضى، القليل بالنسبة لهم كثير.
المقدم: (لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ) [الأعراف :46]
د هداية : فهذا الرجل إذا كان من أهل التقوى وأهل الإنسان يقول كل نعيم سوى الجنة حقير. فهو يرى الرجل المنعم في الدنيا لا شيء بالنسبة له ولا ينظر إليه ولا يفكر فيه وهذا يطمئنه المولى عز و جل أن النعيم فى الجنة غير مجذوذ عطاء لا ينقطع. أما الرجل الآخر مهما تنعم عليه في الدنيا لكن مهما أنعمت عليه فهو غير راضي رغم أنه أساساً في نعيم والقرآن وصَّف هذا (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) [طه :124] و أهل اللغة فسروا الضنك وهو فى النعيم أي وهو منعم وعنده كل شيء لكنه غير سعيد وفي ضنك، هذا توصيفه. لذلك عندما قال (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) [التكاثر :8] المفروض أن أقل شىء يرضيك وتعتبره من أنواع النعيم ولا تسرف فيه حتى لا تكون من أهل النار والعياذ بالله الذي مهما تعطيه ليس راضياً. على العكس أهل الجنة وهم في الدنيا أقل شيء يرضيهم ويسعدهم.
المقدم: عندما نتحدث عن النعيم المتعلق بالدنيا كنعمة المال مثلاً يقول البعض نسمعكم تقولوا اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا واجعلها يا ربنا فى أيدينا ولا تجعلها فى قلوبنا. كلام جميل لكن كيف نطبقه ؟
د هداية : بالتزهد، أتزهّد
المقدم: و ما الفرق بينها وبين أزهد؟
د هداية : الزهد كلمة غير مضبوطة لغوياً لا يصح ان تقول فلان زاهد لكن قل فلان متزهد لأن الزهد نفسه لا ينتهي عند أحد. أنا لا أزهد وإنما أتزهد مثل الصبر ينتهي عند بدايته وهذا المتزهد يعني مواصل لمرحلة التزهد. يقول كل نعيم سوى الجنة حقير وكل عذاب سوى النار هينن لا يهمه في الدنيا إذا أصابه ابتلاء فيه حرمان أو فيه عقاب فهو موافق عليه في الدنيا لأنه سينتهي أما عذاب الآخرة فليس له نهاية.
المقدم: لو قلت للناس من باب التزهد لا تسكن في فيللا كبيرة مع قدرتك عليها لكن اسكن في شقة فيها كل ما تحتاجه
د. هداية: أكمل له الجملة وقل له أنت أمامك منزل بمليون ومنزل بنصف مليون وأنت معك مليون فتشتريه الذي بنصف مليون وتخرج النصف الآخر صدقة وتسعد أسر كثيرة، هكذا يجب أن يكون هدفنا أننا نعيش في الدنيا رصيد للآخرة.
يا من بدنياه انشغل وغرّه طول الأجل
الموت يأتى بغتة والقبر صندوق العمل
يعني مثل الذي عنده حصّالة، لو كنا واعين كلما جئت لتعمل عملاً لنفسك تقسمه على ثلاثة أربعة خذ لنفسك جزءاً وتخرج الباقي صدقة كأنك تضع في الحصّالة.
المقدم: لو طبق الناس هذا في كل تصرفاتهم في شراء سيارة أو بيت أو غيرها يشتري ما قيمته أقل ويخرج الباقي صدقة.
د. هداية: أنا هكذا أضع شيئاً في المقابل لكن عليّ أن أضعه بقناعة. هذا يذكرنا بحادثة توزيع الشاة مع السيدة عائشة رضي الله عنها ورسول الله صلى الله عليه وسلم، الشاة أربعة أرباع أخرجت منها ثلاثة أرباع للصدقة وأبقت ربعاً واحداً السيدة عائشة اعتقدت أن الثلاثة أرباع قد نفذت ولم يبق الا ما أكلوه لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لها أن الذى بقى هو ما أخرجوه لوجه الله والذي أبقوهم لهم حُسب عليهم وليس لهم.
ولذلك فإن فهمك للقرآن إما حجة لك وإما عليك متى يكون لك؟ لو عملت بما فيه. ومتى يكون عليك؟ لو عملت عكس ما فيه أو لم تعمل بما فيه. قناعة أهل الجنة في الدنيا أنهم لا يريدون شيئاً في الدنيا هذه القناعة جاءت من قوله تعالى (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) [التكاثر:5] هذه الآية تبدو سهلة لكنها ليست كذلك فقد تكلمنا من قبل عن (علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين) والأشخاص الذين هم في أعلى مراتب الجنة هم فىيعلم اليقين والمثال على هؤلاء دائماً يكون أبو بكر الصديق رضى الله عنه كان يصدق الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يقوله.
ونحن ندقق في الحديث وأول ما نطمئن أنه صحيح نعمل به. لو عاصرنا الرسول صلى الله عليه وسلم لكانت المسألة أسهل. لا نستطيع أن نقول أو نتمنى أن نكون فى عصر غير عصرنا فكل عصر له ميزة وعيب فلا يمكن أن نتمنى أن نكون فى عصر الرسول فقد نكون لسنا أهلاً لهذا العصر فنحمد الله أننا في عصرنا هذا وليس من المسلم الواعي أن يفرض على الله شيئاً، رب العالمين لم يضيعنا فقال في السابقين (ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ(13) و قليل من الآخرين (14)) [ الواقعة] ومع أهل اليمين قال ثلة من الأولين وثلة من الأخرين فنحن نستطيع أن نكون مع الرسول والصحابة بالعمل وليس بالنوم .
المقدم: لكن فى بعض الأحيان أقول لنفسى أتمنى لو كنت عايش فى عصر الرسول والصحابة .
د هداية : ضع أمامك من يقول أنت تريد أن تجعلنا نعيش فى عصر النبي! هذا يتمنى والآخر يرفض فنحن منقسمين ما بين الإفراط والتفريط ونحن يجب أن نكون بينهما.
المقدم: مسألة التمني لأني أحب أن أكون مع الرسول عليه الصلاة والسلام الشخصية العظيمة لكن أعود وأقول لنفسي أن هذا لن يحدث لأنه واقع وثانياً هذا يتنافى مع عقيدتي كمسلم حق
د هداية : ومسلِّم لمراد الله فيك
المقدم: واعلم أن المولى عز وجل لم يخلق شيئاً صدفة وإنما خلق كل إنسان في عصره المحدد له لغاية ولهدف معين وسيؤديه طوال حياته وسيقبض عند انتهائه.
د هداية: هنا حكمة إلهية عالية والشطارة أن أسير على مراد الله لا إفراط ولا تفريط وأعيش على المقولة (كل نعيم سوى الجنة حقير وكل عذاب سوى النار هين) فالحرام سهل جداً والعيش فى الحلال صعب جداً لكن أنا أريدها وأريد الجزاء وسأجاهد وأعمل وهنا يأتي تلبيس ابليس أنه يريدك أن تكون من أهل النار الذين لا قنعوا في الدنيا بعطاء الله ولا رضوا بمنهج الله ولا بقرآن الله ولا بتوراة الله ولا بإنجيل الله على مختلف العصور. ففي كل عصر يوجد أهل الجنة وأهل النار وتأتي عند أهل الجنة وتجد السابقين والمقربين وأهل اليمين وكل مرحلة والمولى عمل حساب الكل في الكل (أي كل أصناف الناس في كل العصور). نحن نتكلم في التوبة منذ حلقات عديدة ونحن كل مرة نأخذ توصيف وملمح وتوقيع وفكرة على أمل أن نأتي فى آخر حلقة فى التوبة الكل يتوب ليست توبة قول واستغفار فقط لكن التوبة التي ليس بعدها خطأ ولا زلّة. وللرد على من يقول أنه لا يوجد بشر لا يخطيء نقول لا (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ) [ النجم :32] هذا الذي نريده، نريد فى النهاية بإتمام عملية التوبة بعدها اجتناب لكبائر الإثم والفواحش.
المقدم: مشوار الحياة صعب وفي النهاية نستعين بالله وبمنهج الله الذي يخرجنا من الظلمات الى النور. التوبة على الله فسيدنا آدم عليه السلام لم يعرف التوبة الا عندما علمه المولى عز وجل وتلقى كلمات من ربه وتقبل منه هذه التوبة لتكون درساً لنا حتى نفاعل عملية التوبة بشكل مستمر ونداوم عليها حتى نكون في معية الله. جزاكم الله خيراً ونكمل فى الحلقة القادمة بإذن الله مسألة التوبة كعملية مستديمة ومفاعلة ليست مجرد كلمات تقال باللسان فمن المنطقي أن نقع خلال المشوار فى الدنيا لكن ليس من المنطقي ان ننسى ان نذكر الله عز وجل وتطلب منه العون لتكون في النور لا في الظلمات. نراكم على خير. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته .
بُثّت الحلقة بتاريخ 27/10/2009م

ميارى 29 - 7 - 2010 04:19 AM

طريق الهداية ( التوبة و الاستغفار 114)
المقدم : بسم الله الرحمن الرحيم ، الاحبه الكرام ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية . تحدثنا عن التوبة وقلنا أن التوبة أساسا عملية شرعها المولى سبحانه وتعالى لأبى البشر آدم عليه السلام لكي يعلمه كيف يتوب وكيف يكون في معية الله ، فعندما نقرأ (إنما التوبة على الله) نفهم أننا سنتكلم عن إلزام - هل نقدر نسميه إلزام على الله وهو لا يلزمه شيئ سبحانه وتعالى أم نسميه عقد أو ميثاق أو اتفاق ؟ ما هو أقرب وصف صحيح ؟ - وماذا يعلمنا هذا ؟ لأن أحيانا كثيرة الإنسان ذهنه ينصرف إلى أنه هو الذى عمل ولا يقول وفقني الله أو هداني الله وينسى فضل الله عليه على الأقل في مسألة الهداية والمعونة . وعملية التوبة كما قلنا عملية متكاملة وهل هى ميثاق أو إلزام أو عقد بيننا و بين المولى عز وجل ؟ وإذا كان عقد ما هى شروطه وأشراطه ومسئولياته؟ وهل يمكن أن نعرف بنوده ؟ وكيف نستفيد منها ؟ أسئلة كثيرة .. وفي سورة النساء كلام عن التوبة نسمع معا الآيات (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً(17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا(18) .
المقدم : الأسئلة في الآيات متعلقة بـ(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ)على الله تفيد الإلزام لكن هل مع الله تعطي نفس المعنى أم معنى العطية أو المنة الإلهية ؟
د.هداية :قلنا من قبل أن بعض حروف الجر فى القرآن تحل محل بعضها و يمكن باستخدام حرف أن نعطى معنى حرف أوإثنين أوثلاثة ، مثال ذلك فى القرآن واضح جداً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ (9) الجمعة) (من) هنا تعطى معنى (فى) لكن ميزتها أنها تعمل من و في ولو كان المولى سبحانه و تعالى قال فى يوم الجمعة مثلا و لله المثل الأعلى لما كانت تعطى معنى من فحرف من يعطى معنى من و في ، فما معنى من يوم الجمعة ؟ يعنى إذا جاءك يوم الثلاثاء شخص يطلب منك موعد يوم الجمعة الساعة الواحدة ترفض وتقول آسف عندي صلاة كما لو كنت سعيت لها من قبلها وليس فيها رغم أن الصلاة فى يوم الجمعة فأنت ترفض موعد الجمعة من قبلها ، وهذا معنى هذه الآية. إذا لاحظت أول توقيع للتوبة فيه منتهى الإبداع اللغوي قال المولى (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة:37] أى أن التوبة تكون أساسا من فضل الله فآدم و أولاده من بعده لن نعرف التوبة إلا أن يكون علمنا الله إياها وسترى كيف أن(على ) تعمل في أكثر من حرف .
المقدم : ورد إلى ذهنى ملمح كيف أن البشرية في أولها و تخطئ ؟
د هداية : يجب أن تخطئ . المقدم : ولا يتركها بل يعلمها يحدث بعد ذلك الخلاف بين ولدي آدم واحد يقتل الآخر و لايعرف كيف يدفنه ثم يرسل الله له غرابا يعلمه. د هداية : كلها تسير بفضل الله تبارك و تعالى. هنا كيف تتم التوبة؟ يقول المولى عن نفسه فى القرآن (غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [غافر:3] التوب عبارة عن ماذا ؟ هى جمع توبة، فهى تجمع توبات وتوبة والأصل توب وليس توبات ، مثل العزم جمع عزمة فقال المولى (قابل التوب) لكي لا تستحي أنت ، و قال (غافر) بمعنى يستر لماذا؟ لأنه هو الذي سيبدلها لحسنات فيما بعد وتأمل الحديث القدسى ( أذنب عبدى ذنباً فعلم عبدى أن له رباً يغفر الذنب و يأخذ بالذنب..ثم أذنب عبدى ذنباً فعلم أن له رباً يغفر ... ) وحتى لا يضحك عليك الشيطان حينما تقدم على التوبة مرة بعد مرة بعد مرة و يقول لك إن الله لن يقبل توبتك هو كل مراده أنك لا تتوب . أنت سألت سؤال فى البداية أن (على) تعطى معنى الإلزام بعض المفسرين لا تقول إلزام الله لا يلزمه شئ من أين أتينا بهذا الكلام ؟ من أصل اللغة فى القرآن، و المولى عزوجل في آية أخرى قال (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) [هود:6] كأن الله تعالى يقول أنا ملزم برزقكم الله لا يلزمه شئ لايوجد أحد من خلق الله يلزم الله بشئ لكنه ساعة يلزم نفسه أنا أقول اللهم لك الحمد بدليل أننا نكون نائمين و مطمئنين على رزقنا بعد هذه الآية، } لو ركب ابن آدم الريح فراراً من رزقه لركب الرزق البرق حتى يقع في فم بن آدم { لأن الذي كتبه لا يبدل لديه القول.
المقدم : البعض يفهم موضوع الرزق بطريقة خاطئة ، واحد لايعمل ويعتمد على أن رزقه سيأتيه دون تعب وآخر يعرف أنه لن يأخذ إلا ما كتب له و رغم ذلك يهلك نفسه سعيا وراء الرزق!
د هداية : ماذا فعل الحكيم بين الإثنين ؟ قديما كان هناك حكيماً أى عنده كل شئ مضبوط و كان رجل ثري جداً و كان عنده ابن تافه كلما يقول له يا بني إعمل يقول له ابنه ولماذا أعمل ؟ نحن لا نحتاج للمال و عندنا مال كثير فأراد أن يعلمه أن حتى الحيوان يسعى، فأخذه في رحلة صيد فوجدا أسداً انقض على فريسة و أكل منها ما أكل و ألقى ما تبقى منها ثم خرج ثعلب أعمى ونبش حتى وجد الفريسة و أكل منها فأراد الولد أن يتفلسف على أبوه و قال له أنت تقول لى إعمل وهذا الأسد أجهد نفسه في السعي و حتى الثعلب الأعمى وجد رزقه دون تعب أو سعى، وهذه الفكرة خاطئة فمعنى كلامنا أنك تتطمئن على الرزق ولاتنام عن السعي ، فرد عليه أبوه إنما أردتك أسداً تأكل من سعيه الثعالب لا ثعلباً يأكل فتات الأسود . لما تسمع (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا) أنت تسعى وأنت مطمئن لكن لاتنام عن السعي فالذي إطمأن و لم يسع ففي النار.
المقدم : ولكن هناك آخر سعى وهو ليس مطمئن !
د هداية : هذا في النار أيضاً ، فالقرآن وضع لنا كل شئ في نصابه ، فالآية هنا تخدمنا مرتين (وَمَا مِن دَآبَّةٍ) تدب على الأرض، لماذا قال المولى (فى الأرض) و لم يقل على؟ لأن (فى) تعطي معنى الدواب الفوقية فوق الأرض ، و الدواب التحتية التي هي تحت الأرض ، تحت الثرى فحرف (في) هنا يعطي معنى حرفين (على) و (في) لو كان قال على الأرض لا يمكن تعطي معنى (فى) لكن (في) تعمل (على) و (في) . وهنا كذلك تمت عملية التوبة بمعصية آدم ثم وقف لا يدري ماذا يفعل(ندم) فتاب الله عليه . المقدم : هل الكلمات التى تلقاها بناءاً على قوله هو وحواء (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف :23] ؟ ونكمل بعد الفاصل .
--------فاصل----------
المقدم : هل تلقى آدم الكلمات بناءاً على قول آدم و حواء و إحساسهم بالندم وأنهم ظلموا أنفسهم وطلبوا المغفرة هل هذا له علاقة بالتلقى ؟
د هداية : فريق من المفسرين قالوا أن هذه هي الكلمات التي تلقاها (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا) و فريق آخر قال أنهم عندما قالوها أعطاهم المولى الكلمات ولافرق عندنا لكن الفرق الحقيقي (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ) تاب عليه أى أن توبته ستقبل إذا هداني الله للتوبة إذن سيقبل توبتي طالما أنه شرع التوبة سيقبلها طالما أنك فطنت لقول أستغفر الله تبت إلى الله إذن ستُقبل إن شاء الله . لكن لابد من مواصلة التوبة بالعمل ولا أعود ثانية . تخيل أن شخصا خلَّص كل الأخطاء هذا يكون أيضاً متاباً و نطمئن عليه أنه أقلع عن السرقة و الكذب و الزنا .. فبذلك نكون نحن ارتحنا و أمن المجتمع منه . كيف تتم إنما التوبة على الله (على ) كيف تتم ؟ قلنا آدم عصي ولم يعرف كيف يتوب فأعطاه الله كلمات و تاب عليه ساعة تتم عملية التوبة تكون(من) و(إلى) التي تجمعها (على) إذن آدم يأخذ الكلمات من الله و يتوب إلى الله ، (من) لم تأت فى القرآن أبداً إلا في (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ) إذن (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ) (على) هنا تطمئنا . هل نقدر نقول أن الله ألزم نفسه بالتوبة ؟ أنا شخصياً أقولها و أتأدب أثناء قولها و أقول الحمد لله أن الله كتب على نفسه الرحمة ، كتب على نفسه التوبة ، فعندما يقول (إنما التوبة على الله ) تتم من آدم إلى الله . ويفسر حرف (على) أن التوبة تكون من فضل الله فيتوب المتلقى إلى الله تبارك وتعالى. إذن اشتغلت كم حرف؟ ثلاثة (على) في التوصيف و (من) و (إلى) في التوقيع . في الإعراب نحذف إنما ونسميها الكافة و المكفوفة يعني (ما) تبطل عمل (إنَّ) الإعرابي و ليس البلاغي ، (إنَّ) تنصب المبتدأ لكن ما تبطل عملها الإعرابي لكن يبقى التأثير البلاغي أو يكون تأثيرها البلاغي أقوى بمعنى نفترض أننا صغنا هذه الآية صياغة إنشائية بالمبتدأ والخبر مثل (الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ)[البقرة:147]،[آل عمران:60] لماذا لم يقل إنما الحق من ربك ؟ و هنا لماذا لم يقل التوبة على الله ،أو التوبة من الله ،أو التوبة إلى الله ؟! إذن كل صياغة إلهية لها معنى محدد فلو قلتها بإنشائي سأقول التوبةُ على الله للذين يعملون السوء بجهالة . والتوبة مرفوعة كمثيلها بعد (إنما) فما فائدة (إنما) ؟ الحصر و القصر وهذا ما يجعلني أقول نعم (على) للإلزام والقصر هنا له غاية و حكمة ومعنى و أداء بلاغي منقطع النظير فى كل آيات القرآن . إذن (على) ظهرت بمعنى الإلزام هنا و اشتغلت (من) و(إلى) بإنما .
المقدم : هنا أعطت معنى الإلزام . هل يوجد جانب آخر يعطي معنى العقد؟ و أنه يوجد شروط متبادلة ؟
د هداية :توقيعها .
المقدم : التى هي السوء بجهالة ؟
د هداية : هذه هي بنود العقد فالعقد أساسه طرفين (من) و(إلى) يعنى على فى التوقيع العقدي هذا أنت تريد أن تقول أن التوبة عقد بيني و بين المولى عز وجل التوبة على الله بعد (إنما) قصرتها عليها أصبحت على تشتغل إلزام مع توقيعها (من) و (إلى) المسألة أصبحت عقد له بنود وهذه البنود في الحقيقة ميسرة جداً من المفسرين قالوا أن الجهالة شرطوها بجهل .
المقدم : ونحن فرقنا بين الإثنين !
د هداية : لايمكن أن تكون جهل لو فسرنا بالمنطق على سبيل المثال أي شخص من الموجودين في الأستوديو الأن يستطيع أن يفهم القانون الجنائي كما يفهمه أهل القانون الجنائي ؟
المقدم : لا.
د هداية : إذا ارتكب واحد منهم جريمة قتل هل نقول له أنت تأخذ براءة لأنك لم تكن تعرف ؟
المقدم : لا.
د هداية : فهذا جهل ، هذا جاهل بالقانون الجنائي لكن لا تعفيه من العقوبة ، و الذى يفهم القانون الجنائي كما ينبغي هل نزيد عليه العقوبة فأنت لا تستطيع أن تزيد من العقوبة إلا بنص ، كأن القاضي عندما يجد أمامه إثنين ارتكبوا نفس الجريمة واحد لا يفهم القانون الجنائي و الآخر يفهم لايرى أن يخفف العقوبة على الفاهم . ما الفرق بين الإثنين ؟ الفرق أن الأول ارتكب الجريمة بجهل و الآخر لأنه يعرف أنا أسميها أنه عمل بجهالة ، إذن الجهالة هنا أنت تعرف أما الجهل أنت لا تعرف .
المقدم : المفروض أن كل الناس تعرف أن السرقة حرام و الذي يزني يعرف أن الزنا حرام ، والذي يشرب الخمر يعرف أنها حرام ؟
د هداية : بدليل أنه يختبئ من الناس وعندما تقبض عليه يهرب إذن يعرف أنه يوجد عقوبة فهو يعرف كل شئ هذه اسمها الجهالة . إذن لو وصفت الجهالة هى السفه والحمق رغم إني اعرف أن لها عقوبة و أن الله سميع و أن الله بصير و أفعلها هذه جهالة وفرق كبير بين الجهل و الجهالة لو رحمني الله مع الجهالة يكون أرحم أم لا ؟! لو رحمني مع الجهل تكون هذه رحمة عادية لكن لو رحمني مع الجهالة إذن هو إله رحمن أكبر من رحيم فالمولى يقول (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ) هذه رحمة عالية جداً رغم أنه يقول (بجهالة) لو كان قال بجهل لكانت التوبة للذي لا يعرف فقط .
المقدم : إذن من رحمة ربنا انه وسعها !
د هداية : وسعها جداً أي أنه لو جاهل أخطأ تُقبل وإذا أخطأ عالم تُقبل، لكن لوقال (للذين يعملون السوء بجهل ) لكانت تسعر النار بهذا العالم الذي أخطأ – لا- من رحمة الله تبارك وتعالى أعفى الجاهل والنص نص أخذ المسافة البينية بين الجهل والجهالة وأطلق الجهالة .
المقدم : الجهالة لها شرط (ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ) ؟
د هداية : هذا هو الشرط أنك لو أخرتها لن نقول أنها لن تقبل .
المقدم : لكنك تقامر .
د هداية : تقامر بالمستقبل ياليتني قدمت لحياتي (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) [الفجر:24] انت تقامر بحياة أبدية لماذا ؟ هل لأجل لذة ؟ اللذة تمت و انتهت وأنت ندمت، لماذا لاتتوب ؟ لماذا تؤجل التوبة ؟ أنت لماذا تؤجل الصلاة؟ و أنتِ لماذا تؤجلي الحجاب؟ و أنت لماذا تؤجل الصوم؟
المقدم : على أساس أنهم يطمعوا أن يعيشوا أكثر.
د هداية : وهذا تلبيس إبليس لأنه لا يوجد مخلوق لله يستطيع أن يقول لايزال عندى وقت. وقلناها من قبل لو أنت تضمن حياتك للغد اعمل ما تشاء اليوم . وساعة يضمن المرء هذا فإن هذا يعتبر أول الكفر بالله لأن إذا قلت أني أملك في يدي كفرت بالله لابد أن أسلِّم بأن الغيب بيد الله تبارك وتعالى وأنا لا أملك إلا الحاضر فأنا لا أضمن حياتي بعد أن تنتهي هذه الحلقة . وأذكرك بما قلناه سابقا أن زمن الآن هذا وهم ينتهي زمن الآن وأنت تنطق حرف الألف من (الآن ) فإذا أردت أن تجعل زمن لـ(الآن )يجب أن تأتي بشخص ويقول و يكرر الآن الآن ...إذن فأنت لا تملك الحاضر فكيف تقول غدا .(هلك المسوفون) متنه سليم وأنا استشهد بهذا الحديث رغم ضعفه ، مثلا عندما تتكلم مع طالب لا يذاكر وتنصحه وتقول له ذاكر فيقول لك سأبدأ من يوم السبت و اليوم يكون الأحد لأنه لن يعمل فإذا كان لديه نية لقام في نفس الوقت (الآن) لذلك المولى كيف حكم هذه المسألة ؟
المقدم : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ)
د هداية : سأوضح لك الفرق بين الآن في هذه الآية والآية السابقة لها فهذه (الآن) ترفض أما (الآن) الأولى تقبل فكلمة (مِن قَرِيبٍ) هذه تعني الآن، إذن إذا تبت الآن مقبولة ،أما الثاني الذي قال (إِنِّي تُبْتُ الآنَ) مرفوضة. المقدم : فالفرق هو خروج الروح و انتظار الجزاء . ونكمل بعد الفاصل .
---------- فاصل ----------
المقدم : ما الفرق بين التوبتين شخص يريد أن يتوب والله يقول من قريب لكن الذي لم يتب وشعر أنه ندم في الآية (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ)هل معنى كفار أي لم يؤمن بالمنهج أصلا أم أنه يمكن أن يكون آمن ثم كفر بما آمن به بعدم تطبيق المنهج ؟ لأن كلمة كفار هذه عند بعض الناس تستحضر معنى كفار قريش ؟
د هداية : تقصد كفر عقيدة ؟
المقدم: نعم.
د هداية : كثير من الناس يقولون لنا لا تعقدوا الدين وخففوا عن الناس وكل هذه المعاني تفهت الناس و أخرجتها خارج المعاني الحقيقية لكلمات القرآن بمعنى نحن عندنا في الإسلام أربع فقهاء بأربع مذاهب (الحنفي و المالكي و الشافعي و الحنبلي) شخص يقول أنا سآخذ السهل عن كل واحد وآخر يقول أنا آخذ الأحوط عند كل واحد و أنا سأسألك سؤالا و لا تجاملني ،أيهما أكثر أمناً؟ المقدم: الأحوط. د هداية : إذن اتضح المعنى فعندما أقول كفر عقيدة وغير عقيدة هذا أحوط .وصف الرجل الذي يعمل بجهالة إذا عشنا التجربة هو يعلم أن السرقة حرام ،ويعلم حد السرقة ورغم ذلك سرق أنت حتى الآن تستطيع أن تقول عليها جهالة لكنه بعد السرقة يسر الله له أن يسمع درس عن السرقة وأنها حرام فهل الجهالة تكون مستمرة ؟! الجهالة إذا تأملنا توصيف القرآن فيها هو لحظة .
المقدم: أي لحظة المعصية.
د هداية : لأن الجهالة غير متصور أنها مدة زمنية لأنها لو مدة زمنية يجب أن يفيق هذا العاصي .
المقدم: هي لحظتها .
د هداية : بدليل نفترض أن شخص ذهب ليسرق وبستر المولى مرت سيارة الشرطة فخاف وانتبه ووقف هل إذا فعلها ثانية أسميها جهالة أيضاً؟ لا، فهذا اصرار على المعصية ليست جهالة حتى الجهالة لها توصيف هو الذي فيه لذة معصية أو شهوة لكن بعد ما انتهت لذة المعصية والشهوة وتفعلها ثانية فأنت مصر على المعصية وهذا سأعرض له في حلقة أخرى.
المقدم: نجد هذا حتى في القانون الوضعي يوجد مثلا قتل مع سبق الإصرار و الترصد !
د هداية : هذه هي ( َلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) [آل عمران :135] هذا هو المقصد ،المرحلة الزمنية لابد أن تدرس مع مرحلة الجهالة لأن مرحلة الجهالة هذه غير متصور أنها تستمر سبع ساعات مثلا ولا ثلاثة ،الجهالة لحظة الشهوة فقط عندما يريد المال أويريد الزنا هذه اللحظة فقط .مثلا شخص أطلق الرصاص على شخص آخر و لم يمت هذا الشخص فحتى هذه اللحظة جهالة لكن عندما ينتظر ثلاث ساعات و يذهب إليه ثانية فهذه ليست جهالة . هومصر على المعصية وهذا سأعرض له إن شاء الله مع وقع آخر من القرآن و الحديث لكي يفهمه الناس . إذن عندما يقول المولى عز وجل (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ) من قريب تعمل مع الجهالة ،لماذا؟ لأن الجهالة فعلا حمق و ليست جهل و متوقع عندما تفيق منها تتوب لأنك أساسا ستكون غير راضٍ عن الذي فعلته لكن عندما قال (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ) هذا يبين الفرق بين السوء والسيئات ، السوء جاءت مع الجهالة ،لماذا؟
المقدم: سوء لأنه مرة واحدة !
د هداية: وجاءت مع عدم الجهالة ..
المقدم: وهو نفي التوبة !
د هداية: جاءت سيئات وهذه منطقية لأنه لايمكن أن يكون بجهالة وأفعل كل هذا ، ممكن أسرق في يوم وأقتل في الثاني لكن في سبع ساعات أسرق وأقتل لا فهذا رجل مفسد في الأرض ومُصِر على المعاصي إذن كلمة (إنما..على ) لها وقع غير مفهوم في الآيات غائب عن الناس وهو أن التوبة التي ألزم الله بها نفسه في الآيات إن صح التعبير تكون في مرحلة الجهالة . المقدم: في الأية 18 من سورة النساء تبين أنه مستمر في السيئات طوال مشوار حياته ! د هداية: وقال الولى عز وجل هنا (حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) ولم يقل جاء مثل الآية في سورة المؤمنون (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ)[المؤمنون:99] المقدم: لماذا؟وما الفرق بين جاء وحضر؟ د هداية: كأن هنا حضر بمعنى جالس سيأخذ وقت غير جاء تعطي معنى الفجأة.
المقدم: هنا لا يعطي الفجأة ؟
د هداية: كأنه يقول أن الأبعد هذا مستمر في السيئات حتى آخر رمق أي ليس له توبة ورغم ذلك تجرأ و قال إني تبت الآن أي يعرف أنه هناك توبة ولم يقل ماذا أفعل فإذا كان قال ماذا أفعل كانت تكون منطقية لكنه يعرف بوجود توبة ويعرف بوجود إله ويعرف أن التوبة إليه . لو تأملنا مفردات الآية( 17) ومفردات الآية (18) نجد أمور غير مفهومة في التوبة وفي القضاء بالتوبة وفي الحكم بالتوبة ورغم ذلك لا أحد يستطيع أن يمنع شخص من أن يقول تبت إلى الله ، لكن هذه مقررات لابد أن نفهمها . والتوبة بين القصر والإلزام لكي يطمئننا المولى عز وجل كأنه سبحانه وتعالى يقول اعتبرها إلزام عليَّ فقط عليك أن تتوب وستُفبل . أصبحت التوبة مثل الرزق .
المقدم: أنت مطمئن أن رزقك سيصلك .
د هداية: و مطمئن أن توبتك ستُقبل (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا) وهنا يقول (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ) لكن قال الشروط أو البنود التي تحدثت عنها (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ) وإذا قلت جهالة بمعنى سفه وحماقة فمن باب أولى أن يدخل الجاهل أيضاً تحتها فهي شملت العالِم وطمأنت الكل ويجب أن نتحرك للتوبة ونفهم مضمون الآية ومناطها وتوصيفها وتوقيعها .
المقدم: (فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً) كان من المتوقع أن تختتم الآية بتوكيد المعنى أوصفة لها علاقة بما في الآيات مثل غفوراً رحيماً أوتواباً لماذا قال عليما حكيماً ؟
د هداية: لأن (على ) قالت هذا قالت أنه تواب طالما ألزم نفسه إن صح التعبير يكون تواب ، إذن ما الذي يبقى ليؤكد الاطمئنان ؟ أنه عليم حكيم لو لم يقل عليم حكيم لجاء شخص وقال أنه ليس عالم بحالي أو أني سأُفاجأ يوم القيامة أنه لا يعلم ! لا فهو ساعة شرع التوبة بالطريقة التي تجعلك غير مصدق هذا لأنه عليم حكيم .والسؤال هنا هل العلم يسبق الحكمة أم أن الحكمة تسبق العلم ؟ عموماً.
المقدم: بمنطق البشري الإنسان يظل يتعلم ويتعلم حتى يصبح عنده حكمة ويكون حكيم .
د هداية: إذن الحكمة تأتي للإنسان من علمه ، هذا للبشر لكن المولى عز وجل علمه سبحانه وتعالى ذاتي غير مكتسب والحكمة ذاتية غير مكتسبة . بهاتين الصفتين –عليماً حكيماً – يضمن لك المولى عز وجل صيانة ، احتمال ممكن إبليس يقول لك أنك ستُفاجأ يوم القيامة أن الله لم يقبل توبتك. كان من الممكن أن يحدث هذا إذا قال تواب فقط لكنه عليم حكيم سميع بصير خبير ساعة تسمع صفة من صفات الله تجمع لك كل الصفات التي حتى غير موجودة في الآية لأن صفاته ذاتية لا تنفك عن بعضها مثل الأية (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الإسراء :1] بالله عليك هل سميع لا يكون خبير ؟! فالصفة لو انطبقت في حق البشر الحكمة تتولد عن العلم لكن فى حق المولى عز وجل لا يصح الجهة منفكة في المثال فهو عليم بذاته لا اكتساباً وحكيم بذاته لا اكتساباً . ويتضح معنى علم الله في حديث السيدة عائشة رضي الله عنها في المجادلة قالت (تبارك سمع الله ) أي أنها كانت بجانب النبي صلى الله عليه وسلم ولم تسمع (وسمعها الله من فوق السبع الطباق ) رغم أنه من المفسرين من رد هذا الكلام على السيدة عائشة وقالوا هل السيدة عائشة تقارن سمعها بسمع الله تبارك وتعالى ؟ أنا أقبل هذا الكلام على أساس أنه ثناء على الله فهي سعيدة بعظمة سمع الله ، و السمع يشمل كل صفات الإحاطة فعندما يقول عليم حكيم يزيد عندك الاطمئنان لأي تلبيس من إبليس في مسألة أنك بعد ما فعلت كل هذه الذنوب وتريد أن يغفر الله لك فالمولى علمنا (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ)[آل عمران : 133 ] (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ)[الحديد:21] سارعوا وسابقوا ماذا غير الموت ! فالمسارعة والمسابقة بين الأجل المحتوم وأنت تقول سوف !!
المقدم: أريد ان أختم الحديث بقولة عن الحجاج بي يوسف الثقفي وهو يلتقط أنفاسه الأخيرة وبين ما يسمعه ممن حوله عن تعذيب الله له فيقول مخاطباً ربه (إنهم يظنون إنك لن تغفر لي) !
د هداية: المقولة طبعاً تبين خبث صاحبها والإحاطة لله . هل هي توبة مدعاة أوصحيحة فأمره إلى الله .
المقدم: لذلك عندما سُئل أحدهم قال (أظنه قد غفر له) ؟
د هداية: وأصيغها لك صياغة جميلة جدا لو أنه قد تاب إلى الله صادقاً توبة نصوحاً بإذن الله يقبل لكن لابد أن أقول بإذن الله لا يمكن أن أقطع لذلك من ضمن شرح (إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ ) في سورة هود صيانة احتمال لمشيئة الله .
المقدم: سارعوا وسابقوا لأن سهم الأجل قد انطلق من يوم مولدك لذلك فإن التوبة من قريب . و نراكم على خير . وسلام الله عليكم و رحمته و بركاته .

ميارى 29 - 7 - 2010 04:20 AM

طريق الهداية ( التوبة و الاستغفار 115)
المقدم : بسم الله الرحمن الرحيم ، الاحبه الكرام ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية ، تحدثنا عن التوبة وعندما يرسل المولى عز وجل رسلا وهذه الرسل تبين لنا الطريق الصحيح وضوابطه وحدوده فمهم جداً أن يكون الذي يسير في هذه الطريق يعرف هذه الحدود ومن أهم المعاني التي تكلمنا فيها في طريق الهداية وقضينا فيها حلقات طويلة جداً - مسألة التوبة - و يمكن كثير من الناس تتعجب لماذا استغرقنا كل هذا الوقت في هذا الموضوع؟ لأن هذا الموضوع عبارة عن مشوار حياة الإنسان وأهم شيئ في حياته هو حياته والحياة الحقيقية هي الحياة الآخرة والموصل لهذه الحياة هو مشوار طريقك في الدنيا ، فطبيعي أن يتخبط الإنسان ،سيحاول ويعمل معصية ويذنب لكن لم تنتهي المسألة ، فالمولى فتح باب التوبة . وهنا يجب أن نوضح أننا نحاول أن ننقذ الناس من التخبط لأن كثير من الناس تعتقد أن المسألة مجرد كلمة (تبت إلى الله) ويكون هو أول من يفاجأ بعدها أنه عاد لنفس الذنب لأنه في الحقيقة لم يتب حالة التوبة المستديمة ومعايشة حالة الإفاقة إلى الله .. مشوار طويل نخطو فيه معاًفي طريق الهداية. أريد أن أقول ملحوظة قبل أن نبدأ لها علاقة بموضوعنا عن حالة الكسل الشديد التي يصف بها المراقبون حال الأمة الإسلامية ،الآن أصبحنا أمة مستهلكة لا تنتج بينما كل الأمم الأخرى تعمل وتنتج فانا كنت في رحلة في الصين في مجتمع فيه مليار وثلاثمائة مليون نسمة، كانوا منذ 50 عاما لايجدون الأكل ونتيجة للعمل أصبحوا الآن أكثر التزاما وأكثر انتاجية وعملا فنقول سبحان الله هؤلاء الناس في منظومة عمل ونحن لانفعل إلا الشراء والإستهلاك. فشعرت بالمهانة كيف أن هؤلاء الناس يقدسون العمل ونحن في كسل وتأخر للأسف الشديد. وأهم ما خرجت به من الرحلة أن العمل عبادة .
دهداية : ونحن مقصرين نسأل الله السلامة .
المقدم : نعود ثانية لموضوع التوبة ونلخص للناس.
دهداية : أهم شيئ توصيف الألفاظ في الآيات على أساس أن الحلقات الأخيرة يكون فيها كيفية التوبة بالطريقة العملية أيضاً - ليس بالطريقة القولية - لأننا كنا قد تكلمنا أن الأمة واقفة عند حد القول في أشياء كثيرة منها التوبة فنركز على هذا .
المقدم : هناك أكثر من وقفة في سورة النساء آية (17-18) ،نسمع معا الآيات (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً(17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) . نسأل في ( إنما )و (على) ونبدأ بكلمة على الله لأنها تعطي معنى الإلزام هل هناك ما يلزم الله كنوع من الإجبار والمولى عزوجل غني عن هذه الأوصاف والصفات (على الله ) هل تعطي هذا المعنى أم فيها نوع من رسالة اطمئنان لمن يسمع القرآن الكريم ؟
دهداية : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. . كنا قد اشتغلنا هذه الآيات وقلنا أنه هناك أكثر من فريق من أهل اللغة اختلفوا في أنه هل ألزم الله نفسه؟ يصح أن تقول هكذا أم لا؟ أنا لم أقل، الآية هي التي قالت. وقلنا ان (ما) تدخل على (إن) تبطل عملها اللغوي لكن يبقى العمل البلاغي. (إنما) هنا لها وقع تأثير بياني يعني كأن التوبة إذا رجعنا بالذاكرة لعهد آدم عليه السلام، أو نرجع في القرآن كيف بدأت الدنيا؟ سنجد (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ) لأن آدم ساعة عصى الله تبارك وتعالى لم يعرف كيف يتوب فعندما تسمع (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ) تعرف أن الكلمات جاءت له من الله .
المقدم : يعني عملية التوبة هي لله ؟
د هداية : هي لله وإذا لم يهدني الله للتوبة حتى بعد ان شرعها فهي تظل تعمل في حق الله تبارك وتعالى. ليس إلزام بمعنى إجبار وإنما ألزم الله تبارك وتعالى بها نفسه تفضلاً وإحساناً إلينا ، رحمة بنا ،نسميها هكذا. التوبة مثل الهداية فقلنا أن الهداية هدايتان : هداية الدلالة وهداية المعونة ،وسنجد ان القرآن أثبت ونفى عن الرسول الهداية فمرة قال (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)[القصص:56] نفى عنه الهداية، إذا صغنا الآية صياغة بشرية معناها أن محمداً (صلى الله عليه وسلم) لا يهدي حتى من أحب ، المعنى اللغوي هنا متجاوز ببعض الكلمات المحذوفة التي تتضح من السياق . يعني يريد المولى عز وجل أن يقول له (صلى الله عليه وسلم) أنك حتى لو تحب فلان (عمه مثلا) حبك هذا لن يكون في سبيل هدايته، لن يساعده، لن يدخل في مسألة هل أبوطالب يسلم أم لا؟ لكن (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء) . لذلك عندما يقول شخص أن الله عز وجل نفى عنه (صلى الله عليه وسلم) الهداية أقول أنها جملة ناقصة بمعنى أنه نفى عنه هداية المعونة لأنه بعد ذلك سيقول (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [الشورى:52] فالناس الذين لا يقرأون القرآن كله يسأل في الآية الأولى ونقول له الثانية فيزداد في عدم الفهم، لذا نقول ان الهداية هدايتان ، هداية معونة من الله تبارك وتعالى وهداية دلالة للرسول) التي تضمنها قول الحق تبارك وتعالى عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) (مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ)[المائدة:99] و البلاغ يتضمن هداية الدلالة أى أبلغك وأدلك أن الطريق من هنا.
المقدم : هذا هو الطريق.
د هداية : علاء يسمع كلامي أم يعمل تفكيره أم يسمع كلام شخص آخر؟ هذا لا دخل له بالمُدل ليس للرسول (صلى الله عليه وسلم) دخل به .عليه أن ينقل المنهج ، و علاء يقبل المنهج أم لا هذه هداية المعونة . هل المولى راضي عن علاء فكتب له أم لم يكتب له الهداية ؟ كذلك التوبة .
المقدم : هذا يحل مشكلة حدثت منذ فترة بين إثنين عاملين في مجال الدعوة بدون ذكر أسماء عندما فوجئنا ان أحد الدعاة في بعض القنوات يهاجم أحد الدعاة الآخرين باعتبار أنه أخطأ في حق المصطفى (صلى الله عليه وسلم) عندما وصفه مرة أنه فشل في عمله . يعني هو كان يريد أن يوصل رسالة للشباب بمعنى لا تيأس و كان هدفه و نيته سليمة لكن اللفظ لم يكن منضبط واستدل أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كثيراً في مشوار دعوته رحلات لم تكلل بالنجاح مثلاً في رحلة الطائف فشل في أن يقنع الناس .
د هداية : رحلة الطائف لم تفشل فهو نجح في مهمته وهي الإبلاغ فهي نجحت كدلالة (مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ).
المقدم : كان عليه الإبلاغ وليست وظيفته أن يضمن النجاح الكامل في كل رحلة .
د هداية :والآية الثانية تبين أكثر (لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ ) [الغاشية:22] أنت مُدلّ فقط عليك البلاغ (صلى الله عليه وسلم) لأن المسألة كمنطق إذا خيرت أنت كمسلم أنها تكون في يد بشر رسول أم في يد إله حق؟ لابد أن تكون في يد إله حق ، أنا بذكائي بفهمي بوعيي أقول هذا، ومناطها بالنسبة للتوبة قلنا أن الهداية هدايتان و التوبة أيضاً توبتان وهاتين التوبتين إذا قلنا مثلا أن هناك توبة معونة التي هي من الله على سبيل المثال ، لمن سيعطيها ؟ هذا فضل أنه ساعة ألزم نفسه هذا فضل من الله على عباده.
المقدم : هناك وقفة سنتحدث فيها بعد الفاصل عن مسألة التسليم لمن تُعطى التوبة ولمن لا تُعطى؟ وما المواصفات التي تحدد أن هذا سيقبل منه أم لا؟ أم ستنطبق عليه الآية رقم (18) (حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ)
--------فاصل----------
المقدم : بعض الناس لا يفكر في التوبة أصلاً لكن الذي يريد أن يتوب سيقف أمام القضية التي قلناها قبل الفاصل ، ويسأل نفسه هل أنا من الناس الذين سيتوب الله عليهم أم لا ؟ هل أنا من الناس الذين سيعينهم المولى ليفكروا في التوبة ؟ لأنه يوجد بعض الناس مهما تفعل من سيئات لا تفكر في التوبة أبدا و مسألة أن تعيش في معية الله لا تشغلهم ولا تهمهم.
د هداية : المواصفات تبدأ من الإسلام ولن تأتي فجأة .وإنما كيف أسلم الواحد منا كيف آمن؟ كيف تلقى؟ فالذي يرضى بالقول ويصدقه هذا مؤكد توبته لا تكون منضبطة لذلك يرجع لأنه يصدق } من قال لا إله إلا الله دخل الجنة{ الحديث صحيح لكن المعنى أني أقول لا إله إلا الله و أفعل ما أشاء . المسألة أن الرسول يطمئن المخطئ لكن لا يقول له إزني وكثير من الناس سعداء جداً بالإضافة (رغم أنف أبي ذر) الذي سأل (وإن زنا ؟ وإن سرق؟) ، فقد حرفوا حديثا و الذي يقوله والذي يسمعه الإثنين يصدقوه ، الحديث الصحيح } أيكون المؤمن جبانا؟ قال:نعم ... أيكون المؤمن بخيلا؟ قال: نعم ) تسمعها (أيسرق المؤمن؟ أيزني المؤمن؟ ولا أدري من أين جاؤا بهذه الرواية؟ فهي ليست موجودة حتى في الموضوع ، وعندهم في هذه الرواية الشفوية (أيكون المؤمن زانيا؟ قال: نعم) أيقول نعم الصبح ويرجم الزاني بالليل؟ الرواية ليست منطقية لماذا رد الرسول بنعم عندما سئل (أيكون المؤمن بخيلا ؟ أيكون المؤمن جبانا؟) قال :نعم إنما الكذب قال: لا فالذي يرفض الكذب هل يقبل الزنا؟ هل يقبل السرقة؟
المقدم : وهذا يؤكده الحديث } لا يزني المؤمن حين يزني وهو مؤمن {
د هداية : هذا الحديث فيه بلاغة غالية عالية انظر إلى التركيب اللغوي من الرسول يعني عندما تقف حتى عند المؤمن تكون (لا يزني المؤمن) ، فالمؤمن لا يزني والنتيجة من الجملة كاملة لا يزني المؤمن حين يزني وهو مؤمن يريد أن يقول لنا أنه ساعة زنى أوسرق لا يكون مؤمن و النتيجة تكون لا يزني المؤمن ، لا يسرق المؤمن.
المقدم : وهذا السر في آية (إلا من تاب وآمن) ؟
د هداية : لأنه ساعة أذنب أصبح غير مؤمن فهو يحتاج إيمان آخر (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا)[الفرقان:70] وفي سورة النحل قال (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ) [النحل:119] هناك ألفاظ تأتي مكان بعضها في القرآن يعني الإصلاح أتى مكان العمل الصالح في الفرقان ،فالإصلاح هنا عبارة عن أنه يستقيم . فالرجل الذي سأل الرسول (صلى الله عليه وسلم) فأجابه (قل آمنت بالله ثم استقم) وفي هذا التعبير البلاغي من الرسول (صلى الله عليه وسلم) هل (قل) هنا تقف عند حد القول ؟ لا ، لأن أنا لفتت الأنظار أن المنافق أكثر الناس قولا فقط ، فالحديث الذي أقول دائما انتبهوا إلى معانيه ( من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ) لو طبق حرفيا يكون المنافق في الجنة لأن المنافق قال .
المقدم : لكنه لم يعمل .
د هداية : فكلمة قال هنا لا تقف عند حد القول ، تأمل ساعة نزل الوحي ما هي أول آية ما هو أول لفظ قرآني ؟
المقدم : (إقرأ).
دهداية: هل الكلمة هنا بالمعنى المجرد لفعل الأمر ؟ يعني إذا قلت الآن للأستاذ المصور إقرأ سيفتح الكتاب ويقرأ نفذ أمرك ، لكن (إقرأ) هنا ما معناها ؟ أقرأ، وتعلم، وبلِّغ، أين معنى بلِّغ في إقرأ ؟
المقدم : هنا نلاحظ أنه قال إقرأ بشيئ (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) [العلق:1].
د هداية : هذه لا تعطي معنى بلِّغ حتى نكون منصفين .إنما إقرأ تعطي معنى بلغ بأنها رسالة ومنهج ليس لمحمد فقط فالمولى ،تبارك وتعالى ساعة قال له إقرأ متى قال له بلِّغ ؟ بعد أكثر من سورة ، هل هو(صلى الله عليه وسلم) بلَّغ من أول أمر بلِّغ أم من أول أمر إقرأ؟
المقدم : من أول بلِّغ .
د هداية : لا، من أول إقرأ فإقرأ هذه لم تنزل بعدها أي آية إلا بعدما تعلموها هو (صلى الله عليه وسلم) تحرك بالرسالة من إقرأ ،عندما قال له إقرأ أخذ لازم المعنى ولم يأخذ المعنى المجرد لفعل الأمر .
المقدم : سأقول لك المعنى المفهوم عند الناس أن هناك مرحلتين (إقرأ) وهذه مرحلة النبوة وإبلاغ أنه نبي ،وأن هناك إله ،وأن هناك خبر يأتيه من السماء .المرحلة الثانية بالنسبة للرسول (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ(1) قُمْ فَأَنذِرْ(2)) تكليف للرسول.
د هداية : هل إقرأ كانت تعني إقرأ فقط ؟ (يا أيها المدثر) و(يا أيها المزمل) توضح أن إقرأ كان لها معنى آخر بمعنى (قم فأنذر) فهذا هو المنهج من البداية لابد أن يبلِّغ إقرأ لا تقف عند القراءة ،كذلك الفعل قال لايقف عند القول .عندما قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) ليس معناها من قالها لسانا وانفك العمل عن القول سيدخل الجنة أيضاً ،فالبعض يريد أن يكون معناها أن الذي قالها مهما فعل يدخل الجنة فيكون بذلك المنافق في الجنة لأنه أكثر من المؤمن في القول ،المؤمن يعمل أما المنافق يتكلم ،إلى جانب أنهم عملوا شيئ آخر ألعن من مجرد القول (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ) [البقرة:14] بالمؤمنين وبالرسول (صلى الله عليه وسلم) ،وتصدى المولى لنا وللرسول (اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [البقرة:15] فيما يكون الإستهزاء من عند المولى عز وجل؟ (يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ) هذا هو استهزاء الله تبارك وتعالى بهم أنهم يتصوروا أنهم ضحكوا على المؤمنين والمؤمنين يصدقون الظاهر وهم يدبروا لهم من الخلف ومن الظلام دون علم المؤمنين فقال المولى(يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ) يوم القيامة الخدع الحقيقي لهم ،الخداع هذا هو التظاهر إعتقدوا كذلك لكن يوم القيامة هذا هو الحق .عندما قال القرآن إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار هل متصور أنهم يخرجون من النار ويدخلون الجنة؟
المقدم : لا.
د هداية : إذا فُهم الحديث (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) بهذا المعنى المغلوط يكون المنافق في الجنة لأنه قال وهذه هي المشكلة،سأسألك سؤالاً هل المنافق قال لا إله إلا الله أم لم يقل ؟
المقدم : نعم قال.
د هداية : فكلام الرسول في هذا الحديث يريد أن يقول أن قال ليست مجرد قول ،وساعة أجاب السائل (قل آمنت بالله) وضحها له بعدها (ثم استقم).
المقدم : هل هذا يحدد المواصفات ؟
د هداية : نعم ،ولذلك أنا استعرضت هذا لأنه من أين تأتي التوبة؟! نجد الإشكالية حتى عند الناس الذين عرضوا للتوبة أنهم أدخلوا معاني التوبة في طريقة التوبة والحقيقة أنواع التوبة غير معاني التوبة مثلاً يوجد توبة عادية ويوجد توبة نصوح ، والبعض قال توبة صحيحة وتوبة أصح وقالوا أن النصوح هي الأصح ،هناك توبة لم ينتبه إليها أحد هي التوبة القولية (تبت إلى الله ) خرجت من اللسان ،ووجدت قول عند الرازي يقول (التوبة التي تقبل هي التي احترق القلب على فعل المعصية فيها ) انظر للفظ احتراق القلب الذي هو الندم ،يريد أن يقول أنه شعر بوجع في القلب من شدة الندم ،فهو ندم لدرجة احتراق القلب .
المقدم : ذكرني هذ بمنظر منذ سنوات طويلة في رمي الجمرات لشخص إخترق الصفوف حتى وصل للشاهد الذي يرجم كرمز للشيطان والمعصية وكان يرتدي حذاء أو خف وبدأ يضرب به الحجر وكأنه يضرب الشيطان وإنهال عليه بالشتائم واللوم ،فهل هذا الرجل لا يفهم والذي يستحق الضرب هو نفسه تطبيقا لإحتراق القلب هذا؟
د هداية : أنا بإذن الله سأعرض هذا بالتفصيل في آخر ثلاث حلقات ،لأن هذا بسبب ما قلته في المقدمة وهو الرجوع .هذا الرجل إذا رجع بعد ما فعله من معاصي يصبح من الذي يستحق الضرب ؟ هو ،لأن إبليس مجرد عمله أنه يوسوس فقط لا يأخذك ويرغمك وهو نفسه قال هذا والقرآن قال لنا هذا هو لم يجبر أحد .
المقدم : (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) [الحشر:16] ، و الآية الأخرى (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي) [إبراهيم:22]
د هداية : والإستجابة في هذه الآية يلزمها شرح .نعود للشخص الذي فعل هذا كان هذا الفعل يقبل منه وكان المولى يأمرنا به بدلاً من الرجم إذا لم نرجع بعدها إنما المشكلة أننا نرجع .ونقطة أخرى المولى أمرنا بالرجم بحَجَرة أم بحصوة ؟
المقدم : بحصوة.
د هداية : وليس بحذاء أو خف فهو بهذا فعل مثل إبليس دون أن ينتبه بأنه عصى أمر الله بلازم معنى رد الأمر ، كمسألة الهداية هدايتان والتوبة توبتان أيضاً إبليس يعرض أنت تستجيب أم لا هذه مشكلتك أنت.
المقدم : بعد الفاصل نريد أن نطلب من الحجاج المسافرين هذه الأيام أنك مسافر لتؤدي الفريضة ونتكلم عن التوبة وعلاقتها بالحج وهل أنا ذاهب لأعود من الذنوب كيوم ولدتني أمي ؟ أم انا ذاهب لأداء فريضة إمتثالا لأمر الله؟
---------- فاصل ----------
المقدم : لماذا يسافر الحجاج للحج؟ هل لأن القرآن أمرنا بحج البيت؟ أم أنه أذنب ذنوبا كبيرة وذاهب ليغسل هذه الذنوب عند الكعبة ويقف بعرفة ويدعو الله؟ وما علاقة الحج بالتوبة؟
د هداية : نحن عندنا أركان الإسلام خمسة وفي حديث توقيعه في منتهى الإبداع من رسول الله (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة والعمرة إلى العمرة ورمضان إلى رمضان...) كلمة الصلوات الخمس لا يتضح معناها إلا بعد والجمعة إلى الجمعة.
المقدم: يعني من الصلاة إلى الصلاة.
د هداية : المعنى هنا يشتغل بلازم المعنى في المعنى الثاني فكلام الرسول (صلى الله عليه وسلم) أخذ من بلاغة القرآن فالمولى قال (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) [النجم:5] ولم يقل (أقرأه شديد القوى) فالأحاديث الموضوعة تجد كلامها تافه ولا يصح أن يقولها الرسول .(الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة) هذا البيان يساوي بيان القرآن ومن علمه هذا؟ (علمه شديد القوى ) وكذلك(الرَّحْمَنُ(1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ(2)) ولم يقل أقرأ القرآن ؟فعندما تكون الصلوات :الظهر ، العصر ، المغرب ، العشاء، الفجر ، ثم الظهر هذا لحكمة كأن من الظهر للعصر لو حدث شيئ لمم العصر يغفرها تلقائي ،يغفرها تلقائي تحتاج لشرح.
المقدم:بعض الناس لا تدرك هذا.
د هداية : لذلك السؤال هنا ماذا قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن الحج ؟ هل قال والحج إلى الحج؟ المقدم: لا ، هو ذكره مرة واحدة وقال الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة .
د هداية: ليس معنى أني أذنبت أن أذهب للحج لأتوب فبهذا نكون متبعين الهوى وليس الرسول (صلى الله عليه وسلم) هل الرسول عندما قال هذا الحديث سأله أحد أم هو وحي إلهي وعلم إلهي للرسول (صلى الله عليه وسلم) ؟! ما الحكمة من تفريق الصلاة؟ أنها يمكن أن تصلحك من وقت لآخر وعلى مدار يوم وبعدها الجمعة إلى الجمعة والعمرة إلى العمرة ورمضان إلى رمضان .
المقدم: تكرار؟
د هداية: العبادات التي تكرر يصح بينها الإصلاح ،لذلك عند دخول رمضان كل عام كنا نقول للناس اجعلوا رمضان هذا الأول ليكون والذي بعده (الثاني) رمضان إلى رمضان،فإذا طلبت منك أن يكون رمضان هذا الثاني يمكن أن تقول أنك لم تكن تعلم ولم ينضبط رمضان الماضي فأقول لك اجعل رمضان الحالي منضبط واجتنب الكبائر حتى رمضان المقبل فيكون بذلك رمضان الثاني مكفر لما بين الإثنين من اللمم و الأشياء الصغيرة التي لم تنتبه إليها ،لأن الشرط في الحديث قال (إذا إجتنبت الكبائر) .قيمة هذا الكلام هنا أن الكبائر تحتاج لتوبة.
المقدم: ولا تحتاج لحج .
د هداية: ولا لعمرة إلا إذا كانت مع توبة،يجب أن أفكر.
المقدم: لأن بعض الناس تظن أن المولى لن يسمعها ولن يقبل منها إلا في الكعبة .
د هداية: إذن السؤال هل المولى عز وجل ظلم الفقير الذي لا يستطيع أن يؤدي العمرة ؟أو قال له ليس لك توبة ،توبتك لابد أن تكون معها عمرة ؟! عندما قال (صلى الله عليه وسلم) (إذا إجتنبت الكبائر ) يعلمنا ضمنياً أن الكبائر لا تحتاج مال ،لأن الحج يحتاج مال وكذلك العمرة بدليل أنه تبارك وتعالى عندما فرض الحج جعله مع الاستطاعة .والإمام الشافعي الذي اعتبر العمرة فرض (يعني مرة في العمر ) جعلها أيضاً مع الاستطاعة ،لم يجبر أحد مثلها مثل الحج ، يعني إذا استطعت العمرة لا تنتظر وسارع بتأديتها،هذا رأي الشافعي. نعود لكلام الرسول (صلى الله عليه وسلم) وهو يقول (إذا إجتنبت الكبائر ) فمثلاً إرتكبت كبيرة هل لابد أن يكون معي مال لأداء العمرة؟ لا، التوبة لا تحتاج لمال.
المقدم: لكن لابد أن أكون جدياً في التوبة؟
د هداية: نعم ،أي التوبتان إذن؟ فإذا وقعت ثانية إذن أنت لم تتب.مثل(إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) [العنكبوت :45] والذي يصلي ويأتي الفحشاء والمنكر؟
المقدم: لم يكن يصلي حقاً.
د هداية: بالضبط ليس أكثر من هذا .
المقدم: ليس معناها أن الصلاة لم تؤدي وظيفتها .
د هداية: لا، القرآن حق والصلاة فاعلة هذا لابد أن تنهى عن الفحشاء و المنكر، إذن فمن يجد نفسه يصلي ويأتي الفحشاء والمنكر لا يحتاج أن يذهب إلى طبيب وهذا من عظمة المنهج وإنما هو طبيب نفسه لابد أن يقف ويقول صلاتي غير منضبطة ، لا أتهم الصلاة ولا أتهم المنهج بل أتهم نفسي شاهدي في الحديث أنه عندما جاء للحج قال (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) .
المقدم:ولم يقل والحج إلى الحج .
د هداية: بدليل أنه يوجد بعض الناس لم تحج ومتبعة للمنهج أفضل من الذي يحج كل عام يخاف ربه ولا يقع في الكبائر ولم يحج لأن الحج فريضة أنت تذهب لأداء فريضة لا تذهب لتتوب وإلا فما وضع الذي فعل نفس الذنب الذي فعلته أنا ولا يستطيع الحج ؟! هل ظلمه المولى؟ لا أنت الذي لا تفهم أنها فريضة وعلى الاستطاعة. لكن انتبه لقول الرسول (والحج المبرور) لم يقل الحج إلى الحج والجملة تحمل معاني كثيرة جداً قال (والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) والحج المبرور هذا لا يأتي صدفة ولا يأتي فجأة ولا يأتي بعد ركن فأنت لابد وأنت ذاهب للحج ان تنوي البر .فنجد مثلا شخص بعد رجوعه من رحلة الحج وهو في مطار جدة يسُب الدين فصاحبه يقول له (أنت لحقت؟) فيرد عليه(سوف أعود للحج العام القادم )هذا غباء مركب ،فهذه الجملة التي قالها فيها شرك وكفر وعدم إيمان وبلطجة واستهانه هل يضمن عمره للعام المقبل؟ فهو جعل نفسه إله. ممكن يرد علينا البعض ويقولوا أنه ممكن أن يكون قد عاش وذهب للحج ، أقول أن هذه ليست المشكلة إنما المشكلة في القول والإعتقاد فيه فالمولى عز وجل علَّم الرسول(صلى الله عليه وسلم) قبل المؤمنين (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ) [الكهف] قولاً وعقيدة بداخلك يعني وأنت تقول إن شاء الله مسبقة في عقيدتك قبل قولك.ويوجد قول لعائشة مبدع يبين أنه قبل القول باللسان يجب أن يصدق القلب ليس في التوبة فقط وإنما في العقيدة ككل .
المقدم: تقصد (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:23]
د هداية: لأن (على ) قالت هذا قالت أنه تواب طالما ألزم نفسه إن صح التعبير يكون تواب ، إذن ما الذي يبقى ليؤكد الاطمئنان ؟ أنه عليم حكيم لو لم يقل عليم حكيم لجاء شخص وقال أنه ليس عالم بحالي أو أني سأُفاجأ يوم القيامة أنه لا يعلم ! لا فهو ساعة شرع التوبة بالطريقة التي تجعلك غير مصدق هذا لأنه عليم حكيم .والسؤال هنا هل العلم يسبق الحكمة أم أن الحكمة تسبق العلم ؟ عموماً.
المقدم: بالمنطق البشري الإنسان يظل يتعلم ويتعلم حتى يصبح عنده حكمة ويكون حكيم .
د هداية: لا لكن ادعوا لي لأن الحديث الذي وجدته هذا عندي فيه مشكلة في التحقيق لكن الكلام خطير .الفكرة أن المسألة لا تقف عند الأفعال والأقوال حتى العمل لابد أن يكون له جذور في العقيدة .هنا الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يقل والحج إلى الحج لكن قال شيئ آخر أجمل من عمرة إلى عمرة ورمضان إلى رمضان قال (والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) ومبرور معناها أنه لابد ساعة نوى الحج أن ينوي البر بمعنى أنه ساعة توفر له المال الذي سيحج به بدأ يفكر في أن يسأل عن كيفية الحج ولا يكتفي بالمعلومات التي يعرفها لأن ممكن نتيجة كلامه مع شخص آخر يجد نتيجة أحلى مما عنده لأنه خائف.
المقدم: لا يريد أن تضيع الفرصة.
د هداية: لماذا ؟ لأنك أسميتها فرصة وليس (سوف أعود العام المقبل) أو سأذهب لأغسل الذنوب ، كل هذا الكلام يجعلك تقلق على الشخص نفسه تشعر أنه لا يفهم شيئ .أريد أن أستخلص شيئين أولا أن التوبة النصوح لا تتعلق بالذنب فقط ، مثلا التوبة النصوح عن السرقة لا تتعلق بعدم السرقة فقط وإنما عدم السرقة وعدم القتل وعدم الزنا .
المقدم: لأن التوبة رجوع لمنهج الله .
د هداية:بالضبط المنهج كامل لا يجزأ مثلا رجل يقول أنا تبت عن السرقة وتقابله بعدها يقول لك أنا لم أسرق لكني قتلت ،لكني أخذت رشوة فهذا الرجل لم يتب في الحقيقة . المقدم: مثل ما كان يقال زمان هذا رجل (بتاع ربنا) . د هداية: بتاع ربنا قلناها زمان أي متابا ( فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) [الفرقان:71] . جائتنا أسئلة أيضا في مسألة (على) نحن قلنا (من) و(إلى) وسأتركها للحلقة القادمة. النقطة الثانية أن الحج ليس مسألة أنا عليَّ ذنوب فأذهب للحج لتكفيرها بدليل أن من سنن الحج أن ترد المظالم وتطلب من الذي ظلمته أن يسامحك ،إذن الحج لا يغفر هذا .
المقدم: وإذا لم أرد وذهبت للحج كما أنا؟
د هداية: بهذا ستفعل شيئ آخر فالناس معتقدة أن الحج يفغر لك ومن السنة للسنة مثل العمرة هذا خطأ ، الرسول لم يقل هذا يا جماعة أنت بهذا تأخذوا الدين هوى فلو كان هذا صحيح لكان قال والحج إلى الحج ،سأسألك سؤالاً كم مرة حج الرسول؟
المقدم: مرة واحدة .
د هداية: لكنه عمل أربع مرات عمرة إذن العمرة وارد أنها تتكرر وهذه سُنة (خذوا عني مناسككم) ونأخذها فى العمرة والحج هو(صلى الله عليه وسلم) كرر العمرة ولكنه حج مرة واحدة لكي يتعلم المسلم أنه عندما يحج مرة هذه سُنة لكن اسمع هذا السؤال من بعض الناس (لكني أشتاق؟) أقول له إعمل عمرة
المقدم: تصدق على شخص غير قادر ليحج.
د هداية: ليست إلزاما لكن تصدق على أرامل على أيتام ، عالج ،علِّم ، عندنا الأمة مثلما قلت في المقدمة افتح مصانع لكن أذهب للحج بهدف أن تغفر ذنوبي لا فهذه نقطة مهمة .
المقدم: جزاك الله كل خير .. تظل عملية التوبة هي محور حياة كل واحد منا أثناء المشوار نخطئ محتاجين نعرف كيف نرجع ولا تكفي النية وإن كانت مهمة لكن أنا ممكن أنوي أن أكون إنسان خيِّر لكني لم أعمل عمل خير فأصبحت النية لا قيمة لها كذلك التوبة لايكفي أن أنوي لابد أن أعرف كيف أتوب وهذا هو ما نفعله في طريق الهداية . إن كان في العمر بقية إن شاء الله نستكمل المسيرة في الحلقة القادمة ، و نراكم على خير و سلام الله عليكم و رحمته و بركاته.

ميارى 29 - 7 - 2010 04:21 AM

التوبة و الاستغفار 116
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الاحبة الكرام، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية. ونحن نسير في مشوار الحياة كما قلنا نتخبط ونقع، والمشكلة أن بعض الناس لا تعرف كيف تتوب، أو يغيب عنها أن التوبة كما قلنا في الحلقة السابقة هي رجوع عن كل شئ ليس معناها أن الرجل يقلع عن أخذ الرشوة أو عن السرقة لأنها أشياء عيب، ولا مانع لديه من أن يشرب الخمر أويشاهد بعض المشاهد المحرمة . فالتوبة رجوع وسنتكلم في هذا الموضوع اليوم مع فضيلة الدكتور محمد. هداية. تعليقا على الكلام الذي قلناه في الحلقة السابقة سأل كثير من الناس وخصوصا في موضوع الحج وقالوا ما المشكلة في أن أذهب للحج وأدعو الله أن يغفر لي ذنوبي هناك؟ وكلنا يعلم المعنى الذي اشتهر عند الناس أن الدعاء عند الكعبة أوعند باب الملتزم شيء مختلف هذا كله يجعل فهم الناس يذهب إلى أن إجابة الدعاء هي الأقرب، وأنني ذاهب لأغسل الذنوب فما المانع ؟
د. هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد، المانع المنهج، المانع العلم، المانع لو قلبنا الفكرة لو أن الذي أخطأ لكي تقبل توبته لابد أن يحج كيف يكون الحال وقتها ؟!
المقدم: كان الفقير يضيع وكذلك المريض .
د. هداية: لكن هذا منهج إلهي لايوجد ربط بين المعصية والحج، وهذا على وجه العموم لا تربط التوبة عن معصية أنك لا بد أن تذهب لتتوب في مكة . ولكي ننهي جدلاً لا فائدة منه نقلب الفكرة كما قلنا لو أن الله تبارك وتعالى - حاشاه - أمر بهذا، وإذا فكرنا سنفهم أن مقلوب الفكرة غير مقبول، لو أن المولى قال لتتوب لابد أن تكون في مكة، سواء حج أوعمرة فالعمرة أيضا تكلفتها عالية بإختلاف المستويات المهم لابد أن تتوب في مكة كيف يكون الحال وقتها ؟! لكان ضاع الفقير ولأصبحت الجنة جنة أغنياء مثلما قلنا سابقاً ,ولكان هذا الدين على الهوى، ولذلك هذا الكلام كلام هوى وليس كلام مناهج . والذي يسأل تجده يقو ل (أنا كنت راجع من الحج ذنوبي كلها مغفورة) كيف عرفت أنت هذا ؟! فإذا كنت راجع بهذا الحال كما تزعم والله لن تخطئ مرة ثانية، (أقصد الكبائر) .
المقدم: وتخاف أن تقول هذا.
د. هداية: بالضبط، انظر لعظمة المنهج وجمال الآية (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي ) [البقرة:186] فإني في مكة؟ فإني في المدينة؟ فإني في عرفة؟ فإني في مِنى؟ حاشاه، أستغفر الله العظيم حتى من المثال لكن إسمع (فَإِنِّي قَرِيبٌ) ممن ؟! من السائل. لأن ممكن السائل يكون في أمريكا، والسائل في أندونيسيا، والسائل في اليابان . (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) إسمع تكملة الآية (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) أجيب دعوة من ؟ الداعِ إذن أثبت أنه دعا، فما معنى إذا دعانِ ؟! ماهو الشرط هنا ؟! التوحيد أى إذا دعانِ موحداً .
المقدم: وبالطريقة السليمة .
د. هداية: وبالعقيدة السليمة، الشرط أن أكون أسأله هو عز وجل إذا كانت العقيدة بفطرة سليمة، بالفطرة الإيمانية انتبه معي إلى عدد الحلقات التي أنهيناها بفضل الله حتى الآن ؟ (116) حلقة وأقول أننا نحتاج مثلهم لنوفِّي التوبة، والناس لا تصدق هذا . يوجد كم كتاب في التوبة ؟! وكم مفسر تحدث في التوبة ؟! لكن يوجد جوانب في التوية لم تقال بعد . وأنا لا أبالغ، فأنت قلت في المقدمة نقطة كنا قلناها الحلقة السابقة -الذي يتوب عن الرشوة لكنه مازال يشرب الخمر مثلا، فالتوبة ليست هكذا . إذا انتبهت معي للفظ الذي تقف عليه أنت (على) ماذا يحقق هذا الحرف ؟ تخيل لوكنا سرنا على هوى الناس الذين سألونا هل إنما التوبة على الله أم من الله ؟!
المقدم: ( على الله ) لأن (على) تشتغل (من وعلى وإلى) مثلما قلنا .
د. هداية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا) [التحريم:8] أنا سأتوب إلى الله، وهو سبحانه بـ( على ) يقبلها، لأنه لو كان قال إنما التوبة من الله (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ) لكن عندما يصيغ توصيفها توبة قال على الله لأنه لو قال من الله يكون تشريع فقط بدون قبول، لكن على أعطت معنى التشريع والقبول . (على ) تعطي معنى أن التوبة من الله بدليل (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ) من أين أخذ الكلمات ؟ من الله، فأصبحت التوبة هنا من الله . لكن لو القرآن صاغها (إنما التوبة من الله) يكون المعنى هنا أن الله شرع لنا التوبة أين قبولها ؟! قبولها في ( على ) تعطيك الإثنين، فهي من الله كتشريع، كهداية، وإلى الله منك أنت كعبد . فكرة مني أنا إلى الله هذه تذكرنا بما قلناه زمان عندما سألتك من ماذا كان يتوب الرسول ؟!
المقدم: (يأيها الناس توبوا إلى الله فإني أستغفره)
د. هداية: (يأيها الناس استغفروا ربكم وتوبوا إليه فإني أستغفره وأتوب إليه في اليوم أكثر من 70 مرة )ومائة مرة ) حديثين ماذا كانت نيته (صلى الله عليه وسلم) في التوبة ؟! قلنا أنها توبة من توبة، أوتوبة عن توبة يعني هو (صلى الله عليه وسلم) أكيد لا يرتكب جريمة حتى بالعصمة الإلهية، لكن رغم ذلك الثابت أنه كان يتوب مائة مرة في اليوم نجد شخص يقول هذا على سبيل المبالغة ؟ حتى إذا كان يتوب 10 فقط أو أى عدد كان يتوب من ماذا ؟! إذن التوبة توبتان .كما قلنا أن الهداية هدايتان (هداية دلاله وهداية معونة ) والذي يتلقى الهداية (المتلقي) هو أن الله يهديه، لكن التوبة طالما أن التوبة على الله إذن فهي تضمنت أنها كتشريع من الله وكقبول على الله وقلنا أن موضوع الإلزام هذا يكون من باب التفضل، هو ألزم نفسه على سبيل الفضل والرحمة واالإحسان إلينا . لو إنتبهت أنه هو سبحانه وتعالى جل في علاه عليم خبير إذن فهو يعلم أننا لابد أن نخطئ فهذه رحمة . لكن عندما تأخذ أنت التوبة كتشريع (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا) التوبة معروف أنها تأتي من الكبائر أو من الذنوب، والصغائر ؟! بالإستغفار (وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ) [هود: 3] يعني هناك استغفار وهناك توبة وسأضرب لك مثالا : سأفترض فرض جدلي أن هذا الرجل استقام (قل آمنت بالله ثم استقم ) فاستقام، يعمل كل مايرضي الله، يؤدي العبادات كلها، لايرتكب كبائر، ومنتبه جداً للصغائر (اللمم) . سأقول لك لايمكن أن يكون أحسن من الرسول (صلى الله عليه وسلم) والثابت أنه (صلى الله عليه وسلم) كان يتوب إذن يجب أن نسمي التوبة الثانية فالتوبة الأولي هي توبة الإنابة (من الذنوب) والذي لايرتكب الذنوب له توبة إستجابة لأنك لو انتبهت لكلمة (متابا) والتي قلنا عنها أوشبهناها بالمكان الآمن الذي إذا ذهبت إليه تتمسك به ولا تتركه، لأنك لو لاحظت التعبير القرآني (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ) بمعنى أنك سترجع، ستنيب من الذنوب لأنك عدت وحتى لو لاحظت مادة (توب) في اللغة (التاء، والواو، والباء) بمعنى الرجوع، إذن هو رجع وأناب وفي الفرقان نجد هذا الإحتمال الجدلي فقال (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) [71] أي دخل المكان الآمن لا يرتكب كبائر ويحافظ على اللمم لصيانة الإحتمال . لقد تاب وهو الآن في المتاب ماذا عليه أن يفعل ؟! توبة استجابة .
المقدم: كما أمر المولى .
د. هداية: بالضبط تنفيذ الأوامر تعتبر توبة لكن ليست توبة إنابة . إذن لابد أن نقسم التوبة إلى توبة إنابة (من المعاصي كلها) وتوبة استجابة (وهذه توبة الرسول (صلى الله عليه وسلم)) لكن طبعا الرسول لم يتب توبة إنابة فمثال الرسول أو أي نبي لايقاس عليه، لكن أنت عندما تتوب توبة إنابة لابد وأن تظل تائب توبة استجابة . فتوبة الاستجابة تحمي من الغلطات التي تجعلني أتوب توبة إنابة مرة ثانية .
المقدم: أي أنك وصلت لمرحلة معينة من الطاعة فلا تنزل للمستوى الأقل .
د. هداية: المستوى الذي يوصلك ويستدرجك لمعصية كالمثال الذي قلته في أول الحلقة الرجل الذي أقلع عن أخذ الرشوة لكن لايزال يشرب الخمر هذا الرجل لن يفعل شئ هل قلل النارمثلا ؟!
المقدم: هذا لم يتب .
د. هداية: إذن توبة الإنابة الصادقة لابد من شئ بعدها يجعلك لا ترتكب المعاصي مرة ثانية وتضطر لتوبة إنابة ثانية .
المقدم: سيظل السؤال دائما هل قبلت توبتي أم لم تقبل ؟! وكذلك الحاج دائما يسأل نفسه هل قبل الحج أم لم يقبل فهل يوجد علامات للقبول ؟ وماهي ؟
د. هداية: أني لا أقع في المعاصي، أني إذا تبت توبة إنابة من عمل لاأقع في غيره لأن هناك شروط لتوبة الإنابة الصادقة بدليل أن القرآن اختار لها لفظ نصوح .
المقدم: اللفظ (نصوح) وشروط التوبة الصادقة وعلامات قبولها سنتكلم عنها لكن بعد الفاصل .
--------فاصل---------
المقدم: قلنا أن التوبة صنفان توبة من المعاصي نعود فيها إلى الله وتوبة أخرى (استجابة) عندما نرجع لابد منها حتى لا نعود للمعاصى مرة ثانية .كيف أعرف أن توبتي قبلت وكيف أعرف أن الحج كان مبرورا؟ وفي موضوع الدعاء فضيلتك قلت (إذا دعانِ) فيها وقفة وفي آية أخرى (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) [النمل:62] . وما علاقة الإضطرار بإجابة الدعوة ؟ وفي آية أخرى (إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ)[الأعراف:56] هل رحمة ربنا قريبة من المحسنين فقط وليست قريبة من الغافلين والمقصرين ؟ .وكذلك الرجل الذي يحج ليغسل الذنوب وينسى أن الحج فريضة واجبة عليه لماذا تركز على الحج فقط ؟ والمفترض أن كل العبادات تكفر الذنوب، وحديث الرسول صريح في موضوع الصلاة فقال (صلى الله عليه وسلم) (الصلوات الخمس) وليست الصلاة فقط بل الوضوء أيضاً مع كل قطرة مياة تُغسل الذنوب . د. هداية: وهذه هي الحكمة من الوضوء . المقدم: طهارة وليس نظافة .
د. هداية: وأنا ضربت المثال هكذا لو أنت نظيف مائة بالمائة، وأنهيت الإستحمام، وانقطع الماء قبل أن تتوضأ ماذا ستفعل ؟! ستتيمم بالتراب، وهذا ليس منطق . المقدم: لأنها رمزية للطهارة وليس النظافة .
د. هداية: ليس المقصود منه النظافة . التيمم هذا يلفت نظر المؤمن أن الوضوء الذي هو بالماء ليس نظافة . بالمثال الذي ذكرناه هذا شئ غير منطقي لماذا ؟! لكي يعمل إفاقة . وأنت تتوضأ بالماء تعرف أنها ليست نظافة، فتأخذ الجانب الحسي فيها ...
المقدم: أنه يغسل ذنوبه قبل أن يقف بين يدي الله .
د. هداية: بالضبط هو يتطهر إن الله يحب التوابين ويحب الطاهرين ؟! الطاهرين ؟! الطاهرين ؟! أم المتطهرين ؟! (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)[البقرة:222] يعني يريدك أنت أن تعمل عمل الطهارة هذا تكون متطهر ليس طاهر .والآية التي تقول (لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) [الواقعة:79] هؤلاء هم الملائكة ليس نحن .بعض الشيوخ والدعاة يشرحوها على أنها الطاهر لكن هذه الآية ليس المقصود بها نحن وإنما الملائكة، والذي شرحها بطريقة صحيحة هم أهل اللغة.
المقدم: هذا يدخلنا في السؤال أثناء الحيض للمرأة هل تمس المصحف أم لا ؟
د. هداية: نحن كنا شرحناها ومسألة إرتداء القفاز هذا درب من الهبل وليس منطقي، الذي أريد أن أقوله أن القضية ليست صعبة ولا ساذجة . فالدين سهل جداً، الدين يسر فعلاً، لكن يسر على مراد المشرع ليس على هوى العابد، فهذه الأسئلة مهمة جداً تبين اللغبطة التي وقعنا فيها، فأول سؤال سألته هو دخول الحج على المعاصي على غفر الذنوب (مثل/ الذي حج وجاء من الحج فأخطأ فيقول أريد أن أذهب للحج مرة ثانية ) وما دخل الحج بالذنوب ؟! متى يقبل هذا السؤال ؟ إذا قلت أنا أريد أن أحج مرة ثانية لأن الحجة الأولى لم أكن منضبط فيها، تجاوزت فيها، ليس لها علاقة بالتوبة إطلاقاً لأني قلت إقلب الفكرة ستفهم . لو كان شرط التوبة الذهاب لمكة لكانت مشكلة . لكن انظر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ)، (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي ) وسؤالك هنا (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) فهذه الآية نزلت لحسم الموضوع بالنسبة للأخذ بالأسباب (مثال/ طالب أخذ الكتب وضعها في المكتبة وجاء ليلة الإمتحان جلس من الفجر للفجر يدعوا الله أن ينجح، فهل سينجح ؟! هذا الدعاء مردود عليه لأنه لم يأخذ بأسباب يسرها الله له . والمثال الآخر/ طالب أخذ الكتب وذاكر واجتهد وجاء قبل الإمتحان بعشرة أيام مثلا ومرِض بالحمي وأهل الطب قالوا أنه يحتاج شهر علاج لو دعا يشفيه الشافي سبحانه وتعالى جل في علاه في يوم بل في ثانية ) لماذا ؟! لأنه مضطر انقطعت به الأسباب بعد أن أخذ بأسباب مناط الدعاء، فهو يدعو الله أن ينجح والنجاح يتطلب المذاكرة، هو ذاكر لكن طرأ شئ أعاقه غير داخل في الأسباب .
المقدم: ليس تقصير منه .
د. هداية: لا ليس تقصير .
المقدم: كثيراً ما نجد أن العقلية الغربية لا تفهم هذا فيقول لماذا أدعو ؟ وأين البركة ؟ أين التيسير ؟ أنا عندي كتاب أذاكره جيداً وأؤدى الإمتحان فيه وأنجح . الله ليس له دخل بالموضوع.
د. هداية: حدثت مرة مع شخص مرٍض كما قلنا في المثال فبدأ يفهم انقطاع الأسباب فالكلام الذي قاله هذا الشخص نصفه في المسألة صحيح هو أخذ بالأسباب لكن حدث شئ خارج عن إرادتك فهنا تدعو الله .
المقدم: يعني المنطقة التي تستطيع أن تعمل فيها، د. هداية: لابد أن تعمل فيها والمنطقة التي ليس لك دخل هنا تكون مضطر (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) كأن الصياغة أن الإجابة هنا على الله، لماذا ؟ لأنه يعلم أن هذا العبد أخذ بالأسباب وانقطاع الأسباب هذا كان مسألة ابتلاء، وماذا سيفعل العبد ؟! لكي تتحقق (إذا دعانِ) هذا الذي مرِضِ هل سيقول الطبيب أم سيأخذ بسبب الطبيب مع اللجوء إلى المولى عز وجل ؟ما معنى المضطر هنا ؟ أي أخذ بالأسباب المتاحة ولما ضاقت واضطرته الظروف وألجأته دعا الله ... نعود للحرف (على) قلنا أنه يعمل (من وإلى) في حق الله تبارك وتعالى يعني التوبة تشريعها من الله والإتجاه بها يكون إلى الله أولا (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ) وثانياً (تُوبُوا إِلَى اللَّهِ) إذن التوبة تشريع من الله وعندما نتوب نتوب إلى الله والرجوع إلى الله هذا نوعان إما إنابة أواستجابة، الإنابة عندما تفعلها تدخل في مرحلة الإستجابة . لماذا قلنا استجابة ؟ للذي قلته عن الرجل الذي أقلع عن الرشوة ولايزال يشرب الخمر هذا إذا قرأ المنهج واستجاب في السرقة سينيب، واستجاب في شرب الخمر سينيب ... وكل توبة إنابة تحتاج لتوبة استجابة .كأن الاستجابة تطهير للمعاصي وإذا ضربنا المثال الثاني (هو أناب وبدون معاصي ) لابد أيضا أن يستجيب للصلاة والصوم ... إذن الإستجابة تؤمنك . والرسول (صلى الله عليه وسلم) أخذ نفسه مثال لها لكي يفعلها كل الناس وقال (يأيها الناس استغفروا ربكم وتوبوا إليه فإني أستغفره وأتوب إليه في اليوم أكثر من 70 مرة ) . عندما يسلِّم الرسول في الصلاة ماذا كان يقول (صلى الله عليه وسلم) ؟ أستغفر الله، لذلك العلماء قالوا يستغفر من التقصير الذي في الصلاة. الرسول (صلى الله عليه وسلم) في الاستجابة يريدك أن تعمل العمل مائة بالمائة بحيث إذا صليت تستغفر عن التقصير الذي بداخل الصلاة لكي تكون الدرجة كاملة مثلا أنت صلاتك تأخذ 60% فالمولى يعطيك ال 40% الباقية بالإستغفار أنت تستغفر عن أشياء يعلم الله أنها فرضت عليك من إبليس أثناء الصلاة، فعند التسليم يقول أستغفر الله وبين السجدتين يقول رب اغفر لي رب اغفر لي، رغم أنك في قلب الطاعة معنى هذا أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) يريدك في درجة أعلى داخل الاستجابة نفسها فهذا الرجل الذي يصلي توصيفه أنه تائب، تأمل في آية سورة التوبة (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)[112] كيف جاء هذا التوصيف ؟ يوجد مشكلة لغوية عند بعض الناس الذين تعرضوا للتوبة ماذا نسمي الشخص الذي يتوب كثيراً ؟ تواب، والمولى من أسمائه التواب فبعضهم قال باذل التوبة وقابل التوبة كلاهما (تائب) فقلنا لا هذا خطأ ومن هذا المثال يتضح أن لغة القرآن أعلى من اللغة العربية وتصحح لك الأخطاء. فالمولى قال عني وعنك وعن كل الناس (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) يعني التوابين مفردها تواب وفي القرآن أيضاً (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) أيكون العبد تواب والمولى عز وجل أيضا تواب ؟! وسأترك هذه ولن أجيب عنها الآن لكن السؤال هنا كم مرة جاءت كلمة التائب في القرآن ؟! مرة واحدة (التائبات والتائبون) ومفردها تائب لكن المولى عز وجل في القرآن كله لم يقال عنه تائب .
المقدم: هذا يبين مدى الدقة اللغوية للقرآن ولم يترك شئ للصدفة.
د. هداية: أبدا. يعنى المولى عز وجل قال عنا توابين وعن نفسه تواب، والواحد منا نقول تاب إلى الله والمولى قال عن نفسه (ثم تاب عليكم) لكن تائب لم يقلها على ذاته سبحانه وتعالى جل شأنه .
المقدم: لأن المولى حق واحد لا يحيد ولا يرجع ولا يذهب إلى مدى فيعود مرة أخرى إليه .
د. هداية: شخص يسأل لماذا لا يصح أن نقول تائب رغم أنه تاب (فعل ماض) ؟! لأن تائب (حال) لاتصح مع المولى سبحانه وتعالى .تأمل الآية (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ) .
المقدم: أي أنه هو أساسا تواب من قبل خلق آدم والبشرية كلها .
د. هداية: هذه العملية له سبحانه وتعالى جل في علاه من قبل آدم فلا تأتي في حقه تائب أبدا . لكن لكي نفهمها يأتي شخص ويسأل لماذا هو تواب ؟
المقدم: نجيب بعد الفاصل .
--------فاصل---------
المقدم: الوصف التائبون العابدون السائحون موجود في سورة التوبة نسمع الآيات معا ثم نشرحها (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(111) التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112))
د. هداية: أولا (إن الله اشترى )ماذا اشترى ؟! النفس والمال، وهل النفس والمال ملك للمؤمنين ؟!
المقدم: لا، هم ملك لله سبحانه وتعالى، لكن كيف يشتري الله شئ وهو يملكه؟
د. هداية: انظر للعظمة الإلهية في التوقيع اللغوي والبياني للقرآن، وفي هذه الآية بالتحديد بعض المفسرين عندما شرحوها ضربوا أمثلة غريبة لا تصح، بعضهم قال مثل الوصي على اليتيم عندما يبيع بصفته البائع ويشتري بصفته وصي عليه يشتري له، لكن هذا شئ أنا أملكه وأريد أن أعطيه له فبهذا الإشكالية لاتزال موجودة .لماذا قال المولى أنه اشترى من علاء مثلا والكافر لم يشتري منه ؟! لأن الكافر لم يبع فلم يسميها المولى عملية بيع وشراء . الفكرة ببساطة أنه عز وجل أعطى للإثنين أحدهما باع فالمولى اشترى منه هي ليست ملكه لكن الفضل له هنا - وهذا بفضل الله عليه أيضا - أنه باع والكافر لم يبع، والجبان لم يبع، وممكن أن يدخل الشيطان في الأمر والآية تحتمل معان كثيرة . لكن الفضل هنا في البيع وقلنا زمان في هذه الآية أن الله اشترى من الذي باع هذا هو الذكاء أن أبيع لله لماذا ؟! (بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ) ماهو الثمن ؟!
المقدم: الجنة
د. هداية: فالجنة سلعة في الحديث (ألا إن سلعة الله هي الغالية ألا إن سلعة الله هي الجنة)
المقدم: سلعة اشتريها بالنفس والمال .
د. هداية: أصبحت الجنة هنا ثمن .نجد في عملية البيع والشراء مثلا أنت تبيع أرض والمشتري يدفع لك مال هنا يكون الثمن وسيلة، بالنسبة للمشتري - وسيلة شراء هذه الأرض المال - لكن بالنسبة للبائع غاية لكن بمجرد الحصول عليها تحولت معه إلى وسيلة لكي يشتري بها شئ آخر، لكن هنا الجنة عندما تأخذها لن تتركها فأصبحت ثمن يستحق أنك تتعب من أجله. وانظر كأنه يغريك (بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ) يريد أن يقول لك أن هؤلاء هم الأذكياء والعظمة اللغوية في (فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ) ليس بعتم به كأن البيعة هنا ماذا ؟!
المقدم: كأنها مبايعة وليست بيع عادي .
د. هداية: نعم ليست بيع عادي، ما معنى المبايعة ؟ أولا هناك عظمة لغوية في (فاستبشروا) البُشرى في اللغة مأخوذة من (البَشرة) وعندما يسمع شخص خبر جيد تجد بشرته تتلألأ وتزداد نضارة، هنا فاستبشروا أي افرحوا والفرحة تظهر على بشرتكم في الوجه. مثل الشخص الذي يضحك أو الفرحة تظهر على ملامح وجهه . (فاستبشروا ببيعكم )وهذه البيعة شئ يجعل الشخص فرِح، أما (بايعتم ) مثلاً/ شخص يكون مُرَشَّح في الإنتخابات ويقول لمن حوله بايعوني فعندما أبايع شخص أي أعطيه صوتي على عقد بيني وبينه كأن الذي يبيع بايع يعني أسلم وآمن أي دخل في صفقة العبودية .
المقدم: وطبق بأن ضحى بنفسه فعلا وليس كلاما.
د. هداية: بالضبط، إذن العملية كلها فعل وليس قول . فكان من الممكن بدلا من بايعتم أن يقول أي لفظ من ألفاظ البيع مثل ابتعتم أو بعتوه أو شروه مثلما قال (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) [يوسف:20] شروه بمعنى باعوه لكنها هنا ليست بيعة عادية وإنما مبايعة أولا هذا فضل من الله أن اعتبرني مالك وأنا مؤتمن على النفس والمال وهذا لكي يعاقب الكافر على أنه لم يبع . سؤال عقيدة هنا لماذا لم يبع الكافر ؟! بخلاً أم كفراً ؟
المقدم: بخلا ً.
د. هداية: إذن بايع تكون صحيحة لأن هذه الصفقة تمت بعقد العبودية والإيمان والإحسان والإسلام . عندما باع المؤمن هذا لأنه بايع أي أسلم .
المقدم: دخل في الصفقة وطبق بنود العقد .
د. هداية: ولذلك قال بأن لهم الجنة، الثمن مضمون لأن المشتري هو الله والآية صيغت صياغة مبدعة بتصديرها ب(إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى) فهو المالك الحقيقي سبحانه وتعالى وأقولها دائما فاتحة الكتاب ترتيبها ليس صدفة أن يلفت نظرك في أول الكتاب (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) أنه يملك زمن فما بالك بالعقار والأرض والجنة فنحن نقولها كل يوم ولا ننتبه إليها (مالك يوم) ويوم هذا زمن، من يملك الزمن ؟
المقدم: خالق الزمن .
د. هداية: وهل صدفة أن تأتي في الفاتحة لكي ينبهك أنك تفوض له الأمر في ملك الزمن فما بالك بالمكان .
المقدم: والزمان هذا له علاقة بعمرك الذي هو رصيدك، الذي هو امتحانك، الذي هو متعلق بمكان وهو الدنيا ولأن مكانك وزمانك في الدنيا يحددوا مكانك وزمانك في المستقبل
د. هداية: كالذي يقول ياليتني قدمت لحياتي ساعة الموت .
المقدم: وفي الزمان (يوم القيامة) يحاسب المرء على الزمان والمكان الأول إما بمكان أفضل أو أسوأ .
د. هداية: فعندما تقولها مالك يوم الدين بترتيبها في أول الكتاب فهي في ترتيب النزول الخامسة - يعني كقرآن الخامسة، وككتاب الأولى - يمكن مرة تنتبه وينتقل في الآية (112) إلى أوصاف البائع وصدرها بالتائبون وهنا وقفة لماذا لم يقل التوابون ؟! رغم أنه قال (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) وقلنا أن التواب هذا لابد أن بيدأ بتوبة إنابة ثم يتبعها بإذن الله توبات استجابة لماذا قال التائبون، ولفظ مفرد في القرآن كله ؟! ولم يأت بالمفرد منه وإنما التائبات والتائبون وليس تائب، وأيضا كما قلنا أنها لم تأت في حق المولى ؛ لأنه لا يصف حالة البائع وإنما يصف حاله .فهو يصف الذين باعوا . جاءت جمع أولا لتبين لك أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش وحده لابد أن يكون في جماعة، ولاحظ أنت الفرق بين صلاة الفرد وصلاة الجماعة، وكذلك الحج والعمرة لابد من الجماعة لاتجد شخص يذهب للحج بمفرده. يعني الأعمال تحتاج لجماعة، فكما قال رسول (صلى الله عليه وسلم) (الشيطان ذئب الإنسان والذئب لا يأكل من الغنم إلا الشاردة) فأنت الجماعة تحميك من سيطرة الشيطان عليك . وثانيا قال التائبون رغم أنه من وجه نظر البعض التوابون تكون أفضل، لكن لغةً التائبون أفضل ؛لأنه يتحدث عن الذين باعوا وهم باعوا أنفسهم وهذه المسألة تحتاج شرح طويل والوقت كاد أن ينتهي لكني سأسألك سؤالا من بداية الآية (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم ) هل فيها معني التوبة ؟! المقدم: لا . د. هداية: بل كلها توبة .
المقدم: وسنكمل بإذن الله في الحلقة المقبلة لكي نعرف أن التوبة حياة يعيشها الإنسان ليست غلطة وكلمتين ثم ينتهي الموضوع .
د. هداية: تستطيع أن تقول أنها حالات متعاقبة من الإنسان، هي حالة دائمة ولذلك قال التائبون وسأوضها في المرة القادمة بإذن الله هي ليست صدفة أن تبدأ الدنيا غلطة وتوبة، فحياتك مبنية على هذا. الذي يقرأ القرآن بذكاء ووعي يفرح جدا بهذا أن المسألة التي كانت تزعجنا زمان وأننا خرجنا من الجنة كما كان يُشرح لنا فهذه مسألة عظيمة جداً لأنه بهذا شرعت التوبة؛ لأنه لولا التوبة لكانت مشكلة وهذا كله بفضل الله .
المقدم: جزاك الله خيرا. وسنكمل معا مشوار التوبة والتي سنسميها منذ هذه اللحظة بـ(الحالة الدائمة) والتي لها شروط ولها أوصاف معينة ونذَّكر دائما بأن الزمان والمكان هما رصيدك الذي ستدخل به إما جنة وإما نار .ونراكم على خير وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته
بُثّت الحلقة بتاريخ 24/11/2009م وطبعتها الأخت نسمة عبد الحميد جزاها الله خيراً وتم تنقيحها

ميارى 29 - 7 - 2010 04:23 AM

طريق الهداية
التوبة و الاستغفار 117
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الاحبة الكرام، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية. طريق الهداية وطريق التوبة مفروش بكل الترحاب والوعود بالقبول من المولى سبحانه وتعالى لكن بشرط إذا دعان، إذا تاب، إذا رجع، إذا عمل هذه الحالة من حالات الإنابة وفق الشروط وليس كلمات تقال باللسان مثلما نقول دائماً. كيف نفعل هذا؟ وما الأوصاف الموجودة في القرآن للتائبين؟ وما الفرق بين التائب والتواب؟ وفي هذا المشوار نحاول أن نعيش كلنا هذه الحالة من التوبة. الحلقة السابقة كنا في سورة التوبة واشتغلنا تقريباً نصف الحلقة في آية واحدة وهي الآية(111). الآن الآية (112) (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) وقلنا أن البشرى جاءت مرتين الأولى (فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به) وهنا (وبشر المؤمنين). عندما تحدثنا عن عملية التوبة وقلنا أن المولى لم يأتِ في حقه أبدا وصف التائب، هو تاب عن الناس، هو تواب سبحانه وتعالى لكن ليس تائب. وقلنا أن ألفاظ القرآن الكريم محددة وواضحة.
د هداية: محددة وواضحة وتخدم المعنى الذي نتكلم فيه يعني كلمة التائبون قلنا تخدم هذا المعنى فقط في الآية (111). وتلقي ظلال على الآيات الأخرى مثل (إن الله يحب التوابين) وهكذا.
المقدم: قلنا الآية (112) كأنها توصف من الذي مضى العقد ومن الذي باع؟ التائبون العابدون الحامدون وسنبدأ بالسؤال المنطقي لماذا قال التائبون و لم يقل التوابون ؟!
د هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد ، كنا قد اتفقنا أن ننتبه جيداً. ستلاحظ أنت في المفاهيم التي استقرت عندنا بعد تدبر القرآن لأنك معي منذ فترة طويلة ولعل الله أن يفتح لنا التوصيف. ففي هذه الآية من المستحيل أن يقال التوابون أنا شخصياً - عن نفسي - كنت سأقف لو كان قال سبحانه وتعالى التوابون في هذه الآية، لا تصح أبداً بعد قوله إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم فالمؤمن الذي باع لايصح أن يكون تواب في هذه الأية، لكن لكي لا تُفهم بطريقة خاطئة، رغم أن المولى سبحانه وتعالى قال (إن الله يحب التوابين) ويسأل شخص هنا لماذا جاءت تواب؟ سأرد بالنقطتين الذين تحدثنا فيهما لماذا لم تأت التائب في حق الله ؟! لآنها منطق، الله لايصح أن يعمل الحالة إنما يقبل. فهو يقبل من علاء فقط أم من المسلمين والمؤمنين والمحسنين ؟
المقدم: كلهم .
د هداية: إذن يكون تواب. في حين أنه قال ثم تاب عليهم يعني وجههم للتوبة، فجاءت تاب بالفعل الماضي أي الهداية والإرشاد للتوبة .سأسألك سؤالاً منطقياً والمثال عليك أنت مثلاً/ كان عندك قطعة أرض وقمت ببيعها لأي شخص هل يحق لك بعد ذلك أن تتصرف فيها بأى شكل أو تقوم ببيعها مرة أخرى؟
المقدم: لا فهي أصبحت ليست ملكي.
د هداية: فلو أنت جلست تصف لي محاسن هذه الأرض وتأتي في النهاية وتقول لي أنك بعتها فبماذا سأرد عليك ؟! سأقول لك أنت بعتها فلماذا تتكلم عنها؟! أصبح ليس من حقك أن تتكلم فيها. المؤمن الذي باع نفسه هل ممكن أن يعمل كبيرة ؟
المقدم: لا هو أنهي هذه المرحلة وتعداها.
د هداية: لا أُترك هذه الآن، أنا لا أتكلم في المناط أنا أتكلم في الواقع. الذي يفعل الكبيرة ماذا يفعل ؟! السارق، الزاني، القاتل، يأخذ لذة نسميها لذة معصية، لذة وقتية حسب التوصيفات، وعندما تتحدث معه يقدم لك مبررات ويقول غصب عني وقعت أليس كذلك؟! لكن المؤمن باع يعني باع نفسه لايصح أن يعمل لذة معصية للنفس لأنه باعها.
المقدم: أصبحت ليست ملكه .
د هداية: مثل الأرض أنت بعت هل تقول مثلا أريد سماد للأرض ؟! كيف وأنت بعتها فالذي باع نفسه لايوجد عنده احتمالات معاصي لا يكون تواب. التواب يعني يرجع. في سورة الفرقان قال (إلا من تاب) تاب هنا جاءت مع ثلاثة احتمالات قال (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ) قلنا أنها جاءت بالنفي (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) متابا معناها أنه ذهب ولم يرجع مرة ثانية دخل المتاب ولم يرجع. وما توصيفه هنا ؟
المقدم: تائب مرة واحدة وليس يتوب ويرجع ويتوب ويرجع ...
د هداية: بالضبط هذا تائب .فالذي باع نفسه لايكون تواب أبداً هو تائب فقط.
المقدم: ولذلك ليس ممكنا أن يقول المولى في هذه الآية التوابون بدلاً من التائبون.
د هداية: بالضبط التوابون تخدم معنى آخر في الآية الأخرى معناها توبة إنابة واحدة والباقي توبات استجابة.
المقدم: سبحان الله لو جلس كاتب يكتب مقالاً أو كتاب هل من الممكن أن يقف عند كل كلمة ويفكر في كل لفظة يكتبها بهذه الطريقة ؟! هكذا لن ينتهي من كتابة كتابه أبداً. يعني عند المولى سبحانه وتعالى كل شئ محسوب وكل كلمة منضبطة جداً.
د هداية: فكل كلمة هنا هي توقيع للبيع. الذي باع نفسه هو تائب عابد حامد سائح ، وسائح هنا سواء في سبيل الله أو الصائم يوجد اختلاف بين العلماء فيها وأنا حاسم كل هذه الخلافات في التفسير لا يوجد خلافات في التفسير إن شاء الله. هنا نجد السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ، وهنا قال المفسرون نقطة جميلة جدا في الواوين في نهاية الآية، عندما قال التائبون لم يقل والعابدون لماذا ؟ لأن التائب هو العابد هو الحامد هو السائح هو الراكع هو الساجد هو الآمر والناهي يعني الآمرون والناهون هذا توصيف واحد أما الواو الأخيرة هي (واو الثمانية).
المقدم: (والحافظون لحدود الله)
د هداية: يوجد في اللغة ما نسميه (واو الثمانية) وهناك من وافق عليها وهناك من لم يوافق، ولن أتطرق لهذا الموضوع الآن. لكن اعتبر الواو الأخيرة هذه كما نجد حتى في اللغات الأنجلو ساكسونية واللاتينية عندما نعدد شئ نقول كذا، كذا، كذا، كذا وكذا (نضيف الواو في النهاية)، اعتبروها هكذا لأن موضوع واو الثمانية سيدخلنا في اشكالية وفلان رفض وفلان قبل. القرآن كله لا يوجد فيه هذا فالذي باع نفسه تجده تائب ليس تواب، تجده عابد بلا شك؛ لأنه باعها لم يعد يملك منها شئ، لم يعد يملك نفس يعمل لها لذة في المعاصي أو في الآثام؛ ولكي أتكلم كلام متكامل هو يعمل لها لذة في الحلال. والرسول (صلى الله عليه وسلم) قالها. حتى أن الصحابة إندهشوا أن الرجل وهو مع زوجته يأخذ حسنة، فقال لهم الرسول لو زنا يأخذ سيئة إذن لو مع زوجته يأخذ حسنة. تأمل هذا الكلام - وأدعو الله أن يسامحني على الألفاظ - هذا ذكاء من الرسول (صلى الله عليه وسلم) في التلقي. انتبه معي للقاعدة (الغُرم بالغُرم). فالرسول (صلى الله عليه وسلم) يريد أن يُفهِّم المسلم أنك تستطيع أن تلذ نفسك أيضاً وتأخذ حسنة إذا أشبعت اللذة في الحلال. انظر لعظمة الأداء عند الرسول، أداءه (صلى الله عليه وسلم) في البلاغة البيانية في الحديث الشريف يكون من القرآن.
المقدم: هذا إلى جانب أنني أشعر أيضاً أن الموضوع فيه بلاغة نفسية واجتماعية وسيكولوجية
د هداية: بالضبط فالمؤمن الذي باع لم يعد لديه نفس يملكها، هي معه لكن لله بيعت مثل عندما أنت بعت لي الأرض وجاء شخص آخر وطلب منك أن يزرع الأرض فتقول له انتظر حتى أسأل المالك فأنا أترك الأرض لك وأقول لك ازرعها، لكنك لابد أن تسألني لأنني أصبحت المالك - ولله المثل الأعلى - هي لاتزال عندك لكن ليست ملكك. فالذي باع هذا لا يملك نفس ليلذها في الحرام هو تائب. وهو عابد ،كان من الممكن أن يقول العَبَّادون.
المقدم: أو العُبَّاد .
د هداية: لكنه عابد فكل هذه الصفات جاءت بالمنهج للمالك لأنه اشترى .فالمولى عز وجل - المالك الحقيقي - عندما يشتري مني فهو بذلك جعل لي قيمة فأنا لست مالك لكي أبيع ورغم ذلك لأني بعت له اعتبرني بائع. والكافر رفض أن يبيع فإعتبره مالك ويرفض البيع رغم أنه ليس بمالك وإعتبر المؤمن الذي باع مالك وهو ليس بمالك أيضاً. ويريد أن يكافئه فقال (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى) ماذا اشترى ؟ النفس والمال ،وهذه الأشياء ليست ملكنا لكن لأني بعتها أصبحت تائب، عابد، حامد، سائح، راكع، ساجد، كل هذه مناهج كل هذه أشياء أنت تقوم بها من خلال منهج المالك إن صح التعبير المشتري ؛لأن المشتري قال سأتركها لك.
المقدم: أو ممكن نقول لفظ يجُبّْ هذا (الواهب).
د هداية: سبحانه وتعالى قال لك سأتركها لك على سبيل الأمانة هي عندك لكن ليست ملكك تتصرف فيها وفق منهجه فهو يريدك تائب، عابد، حامد، سائح، راكع، ساجد، أمر، ناهي وحافظ (وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ) التي هي في الحقيقة تعني ماذا؟!
المقدم: كل التوصيفات السابقة.
د هداية: بالضبط ولذلك قال (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) لم يقل المتقين ولا المحسنين ولكن ذكر درجة من درجات الإيمان هي الأشمل لأننا قلنا أن درجات الإيمان هي [الإسلام - الإيمان - التقوى - الإحسان - إسلام الوجه لله - عباد الرحمن] وعندما نسير من 1 إلى 6 نجد الدائرة تضيق، فمثلاً عدد المسلمين أكثر من المؤمنين أكثر من المتقين أكثر من المحسنين أكثر من مسلمي الوجه لله أكثر من عباد الرحمن . وهنا لم يقل المسلمين ولا عباد الرحمن وإنما ذكر درجة أو صفة تؤدي معنى التائب الذي هو عابد فهذا ليس مسلم فقط وإنما مؤمن . لماذا لم يقل المحسنين ؟! كانت ستضيق وسيقل العدد فالمولى سبحانه وتعالى يريد أن يفتح الصفة ويفتح العدد .
المقدم: يريد أن يضع مواصفات تُشجع .
د هداية: نعم تُشجع للبيع. أذكر عندما كنا نلقي الدروس قامت أخت فاضلة وقالت نحن بعنا فقلت لها لا تتسرعوا لأننا سنأتي في منطقة التوبة - لأننا قلنا أن التوبة متعلقة بكل عمل - سنجد أن البائع وُصف بالتائب وليس التواب كأن الذي باع لا يقع في كبيرة .
المقدم: لأنه باع وأنهى المسألة .
د هداية: الذي باع نفسه لله لا يقع في كبيرة (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) [النجم:32] وعمل صيانة إحتمال (إِلَّا اللَّمَمَ) وبعد اللمم قال (إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) حذرك من اللمم أيضاً، فالذي باع نفسه حتى المعاصي العادية يبعد عنها لأنه يعتبر نفسه باع والثمن مضمون وسهل وجميل وهو راضي به.
المقدم: سنقف هذه الوقفة وأسأل في بقية الأوصاف. لازال المشوار طويل والموضوع كما نسميه حالة التوبة وسنتابع بعد الفاصل.
--------فاصل---------
المقدم: نعود مرة ثانية لسورة النساء ونسأل في (الجهالة) لأن كثير من الناس وقفوا على هذا المعنى وقالوا أن الجهالة تعني الجهل وكلها ألفاظ قريبة من بعض، وآخرون قالوا يوجد فرق فما هو المعنى الحقيقي وما هو تطبيقاته ؟ لكي أستفيد من الآية يجب أن أعرف كيف تنطبق عليَّا فهل الجهالة معناها أن الشخص الذي يرتكب المعصية لا يعرف أنها غلطة ؟ أم يعرف ومع ذلك يفعلها لكن لا يعرف عقوبتها أو هل سيعاقب أم لا أو هل سيغفر الله لي أم لا ؟ يعني السؤال بطريقة أخرى هل المولى بكلمة الجهالة ضيق مفهوم التوبة ؟
د هداية: بل وسع المفهوم . أولا نحن متفقين منذ وقت طويل من 2001 تقريبا أنه لايوجد صُدف. الصياغة القرآنية صياغة محددة ، عندما يقول بجهالة فهي بالتأكيد ودون مناقشة تختلف عن الجهل . ما معنى الجهل ؟ الجهل يعني (لا أعرف)، الجهالة يعني أعرف ورغم ذلك أفعل مثال/ السارق عندما يسرق لا يسرق أمام الناس وإنما يحتال عليك ليسرقك دون أن تشعر، لماذا؟
المقدم: لأنه يعرف أنه مخطئ.
د هداية: وعندما يأخذ المسروقات ويجد ناس تجري ، أو يسمع صوت سيارة الشرطة سيجري هو الآخر لأنه خائف ويعرف أن ما فعله له عقوبة فإذا كان لا يعرف أن لها عقوبة سيقف أما الضابط ولن يخاف منه . فالجهالة معناها أنه يعرف ومع ذلك يفعل لأن الجهالة عند أهل اللغة هي السفه والحماقة، فهو يعرف . فأنت ذكرت في سؤالك شئ مهم جداً في الجهالة أنه يعرف أن هناك عقوبة لكنه لا يتصور خطورتها أنها نار خالداً فيها .فساعة يوسوس الشيطان للذة معينة ينسيك العقوبة هو يعرفها لكن ينساها ساعة الوقوع في المعصية . انتبه جيداً للفظ الذي سأقوله (جاءت الجهالة في توصيف توقيع التوبة) وسأشرحها. مثلاً تاجر المخدرات يعلم أن هناك عقوبة للإتجار في المخدرات ويعرف أن هناك عقوبة لتعاطي المخدرات ،ساعة يُقبض عليه في إتجار يقول ويتمنى أن يعتبروها تعاطي فهل هذا يفهم أم لا يفهم؟
المقدم: يفهم.
د هداية: فهو يقول (لو تمشي تعاطي تكون أفضل من إتجار).
المقدم: تكون عقوبتها أهون.
د هداية: ولو قلنا أن هذا الرجل مدمن سيدخلوه المستشفى ولن يحبسوه فهو يعرف القانون الجنائي جيداً ورغم ذلك يتاجر فهذه هي الجهالة وهذا هو السفه، أنه يفعل الجريمة ويحتال حتى لا يأخذ العقوبة. عندما تطبق هذه في الآخرة اسمع الآية (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ) قلنا أن (إنما) للحصر و القصر .يعني المولى يتوب على الذي عمل السوء بجهالة غير ذلك لا بدليل قوله (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ) أصبحت التوبة لمن؟ للذي يعمل السوء بجهالة ويتوب بسرعة. السؤال هنا هل آدم عليه السلام تنطبق عليه الآية؟! أنه عمل السوء بجهالة ثم تاب من قريب لذلك المولى قبل توبته وهذه هي القاعدة العامة في التوبة؟ ما توصيف آدم عليه السلام ساعة أكل من الشجرة؟
المقدم: أنا عندي توصيف لغلطة آدم في القرآن أنها نسيان مع قلة عزم (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا) [طه:115]
د هداية: أنت قمت بحل المشكلة التي كنت خائف منها (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا) تبين أنه يعرف.
المقدم: الجهالة.
د هداية: نسي يعني كان يعرف وقلة العزم سبب في النسيان. هل يمكن أن أنسى شئ أنا لا أعرفه؟ النسيان دليل على أنه يعرف لكن نسى. لماذا اخترت آدم علي السلام؟! رغم أن المثال صعب في التصور لكنه مبدع في شئ آخر. قبل الآية التي تحدثت عن غلطة آدم قال عز وجل (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [البقرة:31] أكيد في هذه الأسماء كلمة (توبة) وانتبه جيداً لكلمة (عَلَّمَ) فعندما قال له اسم التوبة أكيد شرح له معناها فهو علَّمه الأسماء فلم يقل ذكر لآدم بل قال (علَّم آدم) يعني عندما ذكر له كلمة شجر علَّمه ما هو وإذا سألت كيف هذا؟ الكيفية لله سبحانه وتعالى فهو القدير ويقدر في ثانية يعلِّمه كما علَّم من؟ محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي كان ...
المقدم: أميا لا يقرأ ولا يكتب ولا يحسب.
د هداية: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا) تبين أنه من المؤكد أن تكون كلمة توبة من ضمن الأسماء فأكيد عندما قال له المولى عز وجل التوبة سأله آدم عليه السلام ما هي التوبة ؟ فشرح له التوبة ولذلك قال (نسي) فهو أكيد نسي أنه عندما يأكل من هذه الشجرة سيعاقب وإلا فماذا نسي؟
المقدم: من الجائز أن يكون نسي الأمر الإلهي كله بعدم الأكل من الشجرة ؟
د هداية: لا. لو كان نسي الأمر الإلهي لكانت رفعت عنه العقوبة، لكنه نسي الجزاء ولم نجد له عزماً على ماذا ؟ على أنه ينفذ الأمر.
المقدم: عندي ملمح لكي نيسر الأمر على الناس ونبصرهم بأسلحة الشيطان.
د هداية: وسنفرد لأسلحة الشيطان حلقة كاملة بإذن الله.
المقدم: كيف تدخَّل الشيطان في أول غلطة للبشرية ؟ وسوس لهما بأن المولى عز وجل منعهم من الأكل من هذه الشجرة لكي لا يكونا ملكين أو لكي لا يكونا خالدين (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى) [طه:120] من هذين الملمحين كيف آخذ ضعف النفس البشرية؟
د هداية: بأن أقول له كُلْ أنت من الشجرة فإبليس نفسه عنده مشكلة في الخلد.
المقدم: مثله مثل كل المخلوقات.
د هداية: التدبر يحميك من الإنقياد لوساوس الشيطان، عندما تُعرض عليَّا المعصية أبحثها، قال المولى عز وجل (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) [النساء:76] لكنه ينجح في أن ينسيك وأول شئ يجعلك تنساه هو أن تتدبر الأمر فدائما المعصية تأتي بسرعة أنه يخطفك - أو اللفظ الذي تقوله أنت (الكعبلة)- بدليل بعض المعاصي عندما تناقشها مع نفسك تنجو منها، فأي معصية تعرض عليك وناقشتها لا تقع فيها .
المقدم: قال لي شخص هذا الكلام في موضوع خاص بالتجارة عندما عُرضت عليه صفقة ليأخذها فوافق بسرعة دون تفكير لكنه سبحان الله تراجع فورا وقال انتظر حتى أسأل .
د هداية: انتهى الأمر إذا كان في الصفقة شئ يخالف الشرع لن يقبلها .
المقدم: هو عندما شك في الأمر قرر أن ينتظر حتى يسأل هل فيها شبهة أم لا؟ فبمجرد أن يتدبر الإنسان لن يقع في المعاصي.
د هداية: لن يقع لذلك اسمع الآية لتعرف كيف وقَّعتها (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ) قلنا إنما التوبة على الله الألفاظ فيها حصر وقصر وتحديد، وأنت تسأل نفسك هل هذه تنطبق على آدم عليه السلام ؟! فالمولى عز وجل قبِل من آدم بل وأيضا هو سبحانه الذي أعطي له الكلمات إذن فآدم عملها بجهالة . كنت ضربت لك مثالا من قبل - وإن كان ليس من حقي أن أقول هذا الكلام - كانت الغلطة تُقبل لو كان المولى عز وجل منع آدم من كل الشجر إلا واحدة.
المقدم: كان من الممكن أن يملّْ من الشجرة الواحدة.
د هداية: لكن المسألة عكس ذلك ،تأكل من كل الشجر إلا واحدة فالمعصية هنا غير منطقية إلا في الجهالة. بدليل أنت عندك ألف شجرة أو مائة شجرة وأعطيك كل الكمية إلا واحدة وأنا لا أعلم قيمة الكمية لكن أبين لك كم هي كبيرة وأنت مُنعت من واحدة فقط. تأمل ماذا يفعل المولى معنا في المعصية ، فهل قال لاتأكل من الشجرة أم قال ولا تقربا ؟
المقدم: (وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ) [البقرة:35] [الأعراف:19]
د هداية: مثل قوله (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) [الإسراء:32] لأن مقدماته ...
المقدم: ستؤدي للكعبلة.
د هداية: بالضبط ستجعلك تقع فيها. الحديث الذي يقول (العين تزني وزناها النظر ...) وهذا الحديث به أكثر من معنى لكن لانجد له سند ونحن نشتغل عليه منذ أعوام لأننا لو وجدنا السند لهذا الحديث سيكون هناك أمور لابد أن تحسم مع الإنسان، لكن هنا أبين لك منهج الله في النهي عن المعصية فإذا قال له لا تأكل من الشجرة كنا قلنا أنه عندما اقترب منها أكل لكنه قال له لا تقترب ورغم ذلك ماذا كانت النتيجة؟ أنه أكل بالفعل، إذن هو اقترب وجلس وأكل، هنا النقطة التي يجب أن يُدرس منها الموضوع .
المقدم: هل الموضوع له علاقة بالأرقام، بالنسبة والتناسب أم هو في النهاية أمر إلهي؟ بمعني قلنا أن الموضوع كان يُقبل لو كان النهي عن الأكل من كل الشجر إلا واحدة.
د هداية: طالما أن المولى لم يقل هذا فهذا من رحمة الله لكنه يبين أنه لايوجد مبرر لهذه المعصية.
المقدم: لكن هل الأمر الإلهي لآدم وحواء بعدم الإقتراب من هذه الشجرة كان أولا: بمنطق الأمر بالنسبة لأدم وحواء أنه سبحانه وتعالى ترك لهما كل الشجر يأكلوا منه فلابد أن تمتنعوا عن هذه الشجرة الوحيدة؟ ثانيا:ً هل أعطي لهم المولى تبرير للنهي أم كان هذا إختبار طاعة مجرد؟ فحسب معلوماتنا من القرآن الكريم الأمر الإلهي لآدم وحواء لم يتضمن تحذير من أن هذه الشجرة لها أضرار بدنية مثلاً .فهل هذا كله ليبين لنا أن هذا كلة إختبار للطاعة؟ ونجيب بعد الفاصل إن شاء الله.
--------فاصل---------
المقدم: قلنا أن الأمر الإلهي لم يتضمن مبررات فهل هذا كان رسالة لآدم ولنسل آدم من بعده أن انتبه أنك تتكلم مع خالق والخالق لا يُناقش ؟
د هداية: هي بالضبط النقطة الأخيرة، فالمثال مع آدم عليه السلام يبين نقطة خطيرة جداً والتي يحاول المسلمون فعلها الآن ويُبنى عليها أمور في الدين وهي أنهم يحاولوا أن يبرروا الأمور التي أُمِرنا بها. الله تبارك وتعالى لا يحتاج إلى من يبرر نواهيه، إنما يحتاج المسلم إلى من يدبر له أمر الله تبارك وتعالى بالنهي أو بالفعل. وهذا شئ يحزنني أن يأتي بعض الدعاة يقول لماذا حرَّم الله بعض الأشياء ؟ ويعطيك مبررات ، فأنا لست في حاجة إلى هذا. تجد مثلا شخص يقول فلان أقلع عن شرب الخمر عندما قال له الطبيب إذا شربت كأس واحد سيحدث لك كذا أو كذا، فبهذا هو لن يأخذ أجر التوبة لأنه لماذا أقلع ؟! في الحلقات الأخيرة في عملية التوبة إذا لم تكن التوبة خالصة لوجه الله لن تُقبل، وأنا لا أقبل النعرة التي تقول أنتم تتشددوا ولا آخذ بها، لماذا ؟ لأنه سبحانه وتعالى يقول (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ) ثم قال لمن (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ) أي يتوبون إلى الله فهو ترك العمل لله وليس للطبيب أو خوفا على صحته وحياته فالكلام واضح يعني شخص أقلع عن التدخين عندما أصيب بمرض خطير (السرطان) هو لم ينته عن هذا الفعل لله.
المقدم: لم ينته طاعة لله.
د هداية: لا. وإذا سألني شخص عن هذه الحالة ما مصيره ؟ مصيره إلى الله لا أستطيع أن أقول له لن تُقبل، فأنا لست بواب جنة ونار مثلما اتفقنا من قبل. لكن أنا أوضح وأشرح لا لهذا الشخص الذي في المثال وإنما للناس لكي لا يكونوا مثله، لأنه إذا تحقق هذا المثال فمصيره إلى الله لكن أنا أخاف على شخص تضطره الصحة لترك المعصية فهو لم يتركها لله .
المقدم: فيكون قد امتنع لكنه لم يأخذ الأجر .
د هداية: إطلاقاً بالعكس إذا سألتني فهو يستحق العقوبة .
المقدم: هذا يجعلنا ندخل في مشاكل إذا تناقشنا مع غير المسلمين، فمثلاً أنا كنت في الصين منذ فترة قريبة وكنا نعاني هناك حتى نجد مطعم يقدم أكل حلال ليس به لحم خنزير أو يذبح حسب الشريعة. والصينين يأكلوا كل شئ ومتميزين في الطبخ وما إلى ذلك. وكانت تستفزني أشياء وأكلات غريبة أريد أن أجربها منها مثلاً البط الصيني وهي أكلة مشهورة جداً لكنهم يقوموا بكسر رقبته ولا يذبحوه فلا نستطيع أن نأكله، كذلك لحم الخنزير فهم يأكلونه بكثرة لدرجة أن مرة وجدنا بوفيه داخل فندق حتى الخبز مرشوش عليه قشور مستخرجة من أمعاء الخنازير. وعندما تقول لهم أن الإسلام يحرِّم لحم الخنزير فيسألوا لماذا وما المنطق ؟ ونحن نأكله ولم يحدث لنا شئ ؟
د هداية: إذن هذا يبين لك أن هذا أمر إلهي، يعني هو لم يحرِّمه لأنه خطر على الصحة بدليل أنه يوجد ناس تشرب الخمر ولم يحدث لها شئ من غير المسلمين.
المقدم: لكن بعد فترة يؤثر على الكبد .
د هداية: أنا ليس لي دخل في هذا، أنا لا أشربها ليس لأنها تؤثر بعد فترة وإنما لأن هذا أمر إلهي سواء مرضت أو لا. انتبه جيدا أنا إذا امتنعت عن الأكل الحرام خوفاً من أن أصاب بالمرض أو أن أكون مثل فلان أصبحت غير مسلم .
المقدم: ما رأيك في المنهج الذي يقول أنا أمتنع عن الحرام طاعة لله فقط لكن العلم الحديث مثلاً أثبت ضرورة مسألة الذبح فقرأت الأبحاث من باب الفضول.
د هداية: وأن الذبح أفضل على الدم المنتشر في خلايا الذبيحة .
المقدم: ففي النهاية أن المولى عز وجل لا يأمر بشئ فيه ضرر للإنسان بل يريد مصلحته. هذا العلم تم إكتشافه في القرن الواحد والعشرين قبل إكتشافه كنت أنفذ أوامر الله وبعد إكتشافه لازلت أنفذها ليس خوفا من الدودة الشريطية مثلاً التي تنتج عن أكل لحم الخنزير لكني أنفذها طاعة لله.
د هداية: بدليل أني أعلم أنه يوجد ناس تأكلها ولم يحدث لها شئ وأنا لا أمتنع ليس خوفا من حدوث شئ لي لكني أمتنع طاعة لله. وهذه هي النقطة التي أتحدث فيها وهي جزئية العقيدة في التوبة التي كنا تحدثنا فيها منذ حلقة أو إثنين أنك وأنت تائب عن الرشوة لا تسرق لأنك تبت ورجعت، فهل يصح بعدما أصبحت في معية الله أن تسرق؟ لذلك أنا قلت أن التوبة غير مفهومة بدليل أنه يوجد ناس تنتهي عن عمل وتبدأ عمل آخر هذه ليست توبة. ما معنى التوبة؟ قال تعالى (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ) هو ذاهب لله وقلنا أن توقيع هذه الآية (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى) عندما اشترى المولى عز وجل وأنا بعت لم يعد عندي نفس أعمل لها لذة فأصبحت تائب وليس تواب، فالتعبير القرآني لابد أن يوقفني عند هذه الحدود. سأضيف نقطة هنا عندما أراد المولى عز وجل أن يصون إحتمال الذين باعوا بعد قوله (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ) قال (وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ) يعني الذي باع لا يرتكب عمل فيه حد لذلك قال التائب ولم يقل التواب لأنه إذا فعل هذه لا يكون باع لابد أن يتوب ويبيع أم يبيع ويتوب ؟!! لابد أن نفكر. يتوب أولا ثم يبيع لأنه إذا باع فهو تائب ذهب إلى الله ولن يعود للمعصية. لذلك الذي يتوب لا يتوب عن عمل.
المقدم: يتوب عن مجمل أعمال.
د هداية: بالضبط عن الفترة الماضية لا يذكر أعمال ،تذكر عندما قلت نحن ليس عندنا موضوع الإعتراف لا تقول ماذا فعلت فمهما كان الذي فعلته لوكان مثل زبد البحر بقولك تبت إلى الله بقلبك وعقيدتك صادقا قَبِل الله تبارك وتعالى بإذن الله والشطارة أنك عندما تتوب اليوم قلنا نغتسل ونصلي ونتوب عن ماذا عن عمل ؟! إثنين ؟! ثلاثة ؟! أم عن فترة ؟!
المقدم: عن فترة كنت بعيد فيها عن ربنا .
د هداية: بالضبط كلمة بعيد كلمة جميلة لأنني إذا كنت قريب لن أقع في المعاصي وإذا بعت لن أقع في المعاصي. انتبه جيدا أن الآيات (إن الله اشترى) جاءت في سورة التوبة وهذه ليست صدفة يعني لابد أن نربط هنا بين (إن الله اشترى) وأن الذي باع يكون تائب لأن السورة اسمها التوبة (العملية كلها) .
المقدم: لذلك أنا أشعر أنه إذا كان الإنسان قريب لا يخطئ وقريب هذه تعطيك إحساس معين، مثال/ أنت طالب في مدرسة أو جامعة وتعلم أن الغش حرام وإذا رآك الأستاذ المراقب أو الناظر ستكون مشكلة وأنت تجلس في أول صف أمام المراقب ومتأكد أنه يراك جيدا هل تفكر حتى إذا كان عندك كتاب في الدرج أن تنظر فيه وتغش .
د هداية: مستحيل.
المقدم: لأنك قريب من المراقب ولله المثل الأعلى أنت ترى الأستاذ المراقب لكن لا ترى الرقيب المطلق سبحانه وتعالى جل في علاه رأي العين.
د هداية: بالضبط أنت لا تراقب الله فيك. وهذا عيب المعصية أنك تستحي من الناس ولا تستحي من الرقيب أريد أن أركز على صفة الرقيب - وياحبذا لو وضعنا شاشة في الحلقات الأخيرة من التوبة مكتوب عليها الرقيب - فأنا أتوب من عمل عملته ونسيت الرقيب أريد أن أُعمل صفة الرقيب معي 24 ساعة في اليوم مثل فكرة أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يتوب 100 مرة، هو إذا كان ممكن يقول بعدد كل دقيقة لكان قال هو يعطيك هذا الرقم (100) على أنها كثيرة. وانتبه إلى أن هذه ليست توبات إنابة فكلها توبات إستجابة هو لم يفعل شئ لكنه ينفذ المنهج، فهو تائب ليس تواب فتواب هذه نريد أن نتجاوزها بالتائبون التي هي في سورة التوبة. يعني لفظ التائبون هنا ليس صدفة وإنما لا يصح أي لفظ آخر غيره في هذا الموضع لأن هذا الرجل باع، فنحن نريد أن نبيع لا ندعي أننا بعنا أو نتوهم أننا بعنا، فيوجد كثير من المسلين ليسوا سيئي النية لكنهم لا ينتبهوا لما يقعوا فيه، فأنا لا أتهم أحدا فأنا أتهم نفسي أولا قبل أي شخص. نعم يوجد حسن نية لكن حسن النية لا يُدخل الجنة ولذلك الآيات فيها نوع من أنواع التحذير أم لا ؟! لو انتبهت للألفاظ في الأيات يريد أن يلفت نظرك أنك يمكن بحسن نية أن تقع في بعض الأخطاء .
المقدم: ممكن أن نخصص جزء في الحلقة القادمة عن أسلحة الشيطان التي يدخل بها للإنسان .
د هداية: جميل ممكن أن نبدأ بها .
المقدم: أولا مداخله، ثانيا أسلحته التي هي من ضمنها النسيان أنه ينسيك فيوقعك في الجهالة، أو التبرير مثل موضوع الرشوة عندما تسأله لماذا ترتشي يبرر لك بأن المعايش صعبة والمرتب لا يكفي ،فنجد سلاح التبرير هذا الشيطان يستخدمه لأن الناس تعلم أن هذا الفعل حرام وله عقوبة لكن تقول الضرورات تبيح المحظورات.
د هداية: سأقول لك نقطة واحدة قبل أن نبدأ في هذا ما هي أعذار الذي يخطئ؟ عندما تسأله لماذا أخطأت بماذا سيرد عليك؟ أو ما هي أعذار الرد على المعصية؟ إذا أخذت الأعذار وناقشتها ستعرف مداخل إبليس.
المقدم: جزاكم الله كل خير يا دكتور . وأذكِّر حضراتكم مرة أخرى بأن حالة القرب من الله ستمنعك من كل الأخطاء التي نتحدث عنها .القريب سيستحي ، القريب نفسه لن تطاوعه على المعصية ، القريب سيكون مشغول بشئ آخر وأعتقد أن أجمل معني ممكن أختم به الحلقة أن القريب يكفي أنه مستمتع بلذة القرب ولا يمكن يفكر في اي لذة أخرى لأن لذة القرب من الله لا تدانيها ولا ترقى لمرتبتها أي لذة أخرى في الدنيا. اللهم اجعلنا من القريبين في الدنيا والآخرة. ونراكم على خير وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 1/12/2009 م

ميارى 29 - 7 - 2010 04:24 AM

طريق الهداية
التوبة و الاستغفار 118
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الاحبة الكرام، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية. سنقف عند (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) وسنقف عند الصيغة في اللغة العربية في التوابين، وإذا عملنا مقارنة بين التوابين والتائبين سنجد في اللغة في المعنى التوابين أقوى لأن التواب معناها هو كثير التوبة، كثير الخطأ وكثير الرجوع. (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) ولم يقل يحب التائبين والتائب هذا يتوب مرة واحدة الإشكالية هنا هل التواب أى الذي يخطئ كثيرا ويتوب المولى يحبه أكثر من التائب الذي لا يخطئ ؟! فالموضوع يحتاج تأمل منطقي . هذه الآية هى آخر الآية [222] من سورة [البقرة] والسؤال يطرح نفسه هل معقول الذي تاب مرة واحدة ولا يخطئ يكون غير مُقرَّب عند المولى عز وجل ويكون المُقرَّب الذي يحبه المولى هو كثير الخطأ كثير التوبة ؟! وكذلك وجود هذه الكلمات في نهاية آية تتكلم عن المحيض شئ يحتاج وقفة، فنسمع الأيات معا ثم نسمع الأسئلة (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) ) نبدأ بـ (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) قلنا أن التوابين تأتي من المفاعلة والمداومة على عملية التوبة وهذا يعطي معنى الذي يخطئ كثيرا ويتوب كثيرا فهل المولى عز وجل يفضل الذي يخطئ كثيرا عن الذي لا يخطئ .
د هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد ، اتفقنا من قبل أن كل كلمة في القرآن لابد وأن تفهم في إطار الآية التي ذكرت فيها يعني لا أستطيع أن آخذ هذه الكلمة وحدها وأخرجها خارج الآية وأقول (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) وبهذا تكون التوابون أفضل من التائبون مثلا في آية (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ) التي كنا شرحناها من حوالي حلقتين. قلنا (التائب) كلمة جاءت في القرآن مجموعة (التائبون والتائبات) ولم تأت أبدا عن المولى عز وجل وجل وإنما جاءت عن البشر وقلنا التائبون تختلف عن التوابون لأن التائبون يفعل الغلطة مرة واحدة ثم يتوب إلى الله تبارك وتعالى فصنف بأنه تائب من تاب أو اسم فاعل من تاب إنما التواب جاءت على المولى عز وجل وجاءت على البشر وقلنا تواب يعني كثير الرجوع إلى الله تبارك وتعالى لكن لابد أن نحدد مفهوم كثرة التوبة في قول الحق تبارك وتعالى (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) المفهوم السائد عند كثير من الناس أن الله يحب كثير الرجوع إليه من المعاصي ، الآية لا تقول هذا. الآية تقول (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) وكأنك لو أردت أن تفهم معنى التوابين افهم معنى المتطهرين . عندما يطهر الإنسان من جنابة يكون اسمه طاهر وعندما يطهر من طُهر يكون متطهر ، المتطهرين يطهروا من حالة طهر ليسوا طاهرين بل متطهرين مثلما قلت أنت فيها مفاعلة ، والتطهر يشرح التواب أو المتطهرين تشرح التوابين . وقلنا منذ حلقة أو حلقتين لماذا قال (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) التوبة) ولم يقل التوابون ؟! قلنا لأن الذي باع نفسه لم يعد يملك نفساً يعمل لها لذة معصية إذن فهذا يكفيه..
المقدم: عودة واحدة.
د هداية: عودة واحدة أو توبة واحدة واسمه في هذه الحالة تائب لكن في آية (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) هؤلاء يتوبون من توبة مثلما قلنا يجب أن نفرق بين نوعين من التوبة توبة الإنابة التي يوصف منها التائب وتوبة استجابة التي يوصف منها التواب التي هي توبة من توبة من توبة وهو لم يرتكب معاصي ، أما لو ارتكب معصية فيحتاج لتوبة إنابة ليكون تائب وهذا التائب عندما يتوب وهو تائب يكون تواب إذن (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) تفهم مع المتطهرين . والمتطهرين غير الطاهرين فلو أن التطهر من جنابة أو من حدث نسميه (يطهر)، أما لو فعلها من طُهر فهو (يتطهر)
المقدم: الوضوء على الوضوء نور على نور
د هداية: فهذا الوضوء من وضوء الرسول عندما أراد أن يقول أن التوبة الصادقة ترجعك من الذنوب بدون أي ذنب بمعنى تعيدك للحالة التي كنت عليها قبل ارتكاب المعصية قالالتواب من الذنب كمن لا ذنب له أم (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) ؟!
المقدم: قال التائب.
د هداية: لماذا ؟! لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) استوعب لغة القرآن . وأكررها كثيرا لكي نعرف من أين تعلم الرسول (صلى الله عليه وسلم)؟ (الرَّحْمَنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ) وعندما تكلم في حق الرسول (صلى الله عليه وسلم) على وجه الخصوص قال تعالى (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) [النجم:5] فالمسألة ليست مسألة أقرأه أو أوحى له فقط بل علَّمه ، فلما تعلم الرسول (صلى الله عليه وسلم) لغة المولى في قرآنه أصبحت الأحاديث الصحيحة تدل على أن القائل هو الرسول فعلا . فالرسول (صلى الله عليه وسلم) حل الإشكالية التي وقفت أنت عندها بأن الرجوع من حالة المعصية لا يكون تواب بل تائب مرة واحدة ويكون في مرحلة التوبة وعندما يرجع للمولى هنا يكون تواب . إذن كثرة التوبة هنا ليست عن معاصي بل عن توبة .
المقدم: عن رجوع وإنابة للمولى عز وجل .
د هداية: هنا نقسم التوبة: التوبة من معصية نسميها توبة إنابة، والتوبة عن توبة أو من حال رضا أو من حال طاعة نسميها توبة استجابة، وهي التي تكلم فيها الرسول عن نفسه (صلى الله عليه وسلم) محدثا كل الناس (يأيها الناس) - وكأنه يفتح باب الإسلام لغير المسلمين - (استغفروا ربكم وتوبوا إليه) وهذا ما جعلنا نقول أن المسلم أو الكافر إذا قال "اشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمداً رسول الله" يكون تاب إلى الله .
المقدم: عمل حالة رجوع كان يسير في طريق الضلال ورجع .
د هداية: وهذا أنا أعتبره - إن صح قولي عن رسول الله - هذا ذكاء في أقوال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أو في طريقة عرض الرسول (صلى الله عليه وسلم) . قال (يأيها الناس) - لم يقل يأيها الذين أسلموا أو آمنوا - (استغفروا ربكم وتوبوا إليه) طبعا الناس فيم الصالح والطالح ؛ بالنسبة للصالح تكون توبة استجابة وبالنسبة للطالح تكون توبة انابة بالإسلام مثلاً أو بالإيمان أو بالتقوى كل حالة على حده (يأيها الناس استغفروا ربكم وتوبوا إليه فإني استغفره وأتوب إليه في اليوم مائة مرة) وسألنا سابقا من ماذا يتوب الرسول (صلى الله عليه وسلم) ؟! فالرسول (صلى الله عليه وسلم) عُصم من الذنوب والخطايا والمعاصي وكذا وكذا لكنه يحب أن يعود إلى الله ويحب أن يرجع إلى الله . السؤال الذي سألته أنت لماذا جاءت (التوابين) مع آية المحيض ؟! هذه - إن صح تعبيري - فرصة أن تفهم معنى التوبة . المحيض والإغتسال والطهر من المحيض هذا تطهر ..
المقدم: بدني
د هداية: مادي بدني واضح وأي شخص يستوعبه ، لكن لم ينتبه أحد أن التوبة فيها طهارة حسية ، معنوية ، كأن العاصي طالما أنه في مرحلة الذنب يكون مثل من ؟!
المقدم: مثل المرأة الحائض أو الدم الفاسد .
د هداية: بالضبط دم فاسد أو حالة نجاسة منطق الحس في التوبة أو التوبة الحسية لا يفهمها إلا الذي يفهم لغة القرآن . ويفهم لماذا اختار الله تبارك وتعالى أوشاءت إرادته وذهبت إرادته إلى هذا المعنى في هذه الآية . فلو كنت عرضت عليك الآية بدون إن الله يحب التوابين كنت ستكتفي أنت مع المحيض بـ (إن الله يحب المتطهرين)
المقدم: يعني كانت بمنطقنا نحن نقبلها هكذا أن الطهارة تعني إغتسال بسبب موضوع الدم الفاسد
د هداية: لأن متطهر هنا تناسب هذه المسألة . فلماذا أدخل الله (التوابين) ؟! لكي يلفت نظرك أن التوبة التي لم تعرض هنا وجاءت في آيات كثيرة جدا مثلا عند توبة آدم (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ) [البقرة:37] لا يوجد هنا طهارة ولا ماء ولا اغتسال ، فعندما عرضت بهذه الطريق لم يتضح منطق التوبة الحسية ، يعني وأنت عاصي كأنك نجس وهذه الفكرة ظهرت في أية أخرى عندما قال المولى عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) [التوبة:28] لايدخل المسجد الحرام رغم أنه يمكن أن يكون هذا المشرك مغتسل ومتعطر لكن الشرك جعل عنده نجاسة حسية . وهذا مانقول عليه آية تلفت نظر لآية مثلما قلنا أن مسألة التيمم غير منطقية في النظافة.
المقدم: بمنطقنا نحن .
د هداية: فأنا مثلاً مغتسل ومتطيب وحتى على وضوء لكني من الناس الذين أخذوا الآية بظاهرها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ) [المائدة:6] إذا كنت تريد أن تصلي فتوضأ ، والمياه انقطعت أتيمم بالتراب لو رأى شخص هذا المشهد سيقول هذا الرجل مجنون لأنه يأخذ تراب ويمسح به ، لكن التيمم يلفت نظرنا لقيمة الوضوء لأن كثرة الوضوء بالماء جعلنا نعتقد أنه نظافة وهو ليس نظافة . فالنظافة مسألة بديهية لأن المسلم أو المؤمن لابد أن يكون نظيفاً ، لكن المولى عز وجل يلفت نظرنا إلى أين نذهب عندما نذهب لنصلي ؟ أنت تتطهر حسيا قبل الوقوف بين يدي الله .
المقدم: لابد أن تشعر بحالة طُهر حسية.
د هداية: يريدك أن تعيش هذه الحالة حتى لو خالفت إلف المعتاد في المسألة بالتيمم . والتيمم هذا حالة نادرة فنادرا ما تنقطع المياه لكنه موجود حتى في كتب الفقه ليلفت نظرك أن المسألة ليست نظافة بل طهارة . كذلك آية (إن الله يحب التوابين) فرصة لتفهم أن التوبة ليست فقط مسألة مادية بل وحسية .
المقدم: لازالت لدينا أسئلة كثيرة رغم أنه لايزال عندنا مناطق لا يوجد بها مياه نظيفة أو لا يوجد بها مياه أصلا فأعان الله الجميع لتصل المياه إلى هذه المناطق ، ونكمل بعد الفاصل .
--------فاصل---------
المقدم: في الآية (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) جاءت في نهاية الآية (122) من سورة البقرة والتي في مطلعها يتحدث المولى عز وجل عن المحيض . الناس سألت عن المحيض فقال المولى لرسوله (قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ) الوقفة عند كلمة أذي فكثير من النساء تسأل لماذا كتب المولى عز وجل هذا الأذى على بنات حواء ، فنحن لا نعترض على قدر الله لكن منطقيا هل هناك سبب لهذا الأذي ؟ ولماذا سماه المولى عز وجل أذى ؟ ولماذا يجب على الرجل أن يمتنع عن معاشرة زوجته تماما في هذه الفترة ؟ ونسمع بعض التفسيرات أن هذه عقوبة إلهية لبنات حواء لأنها هي التي زيَّنت لآدم الأكل من الشجرة وأن الشيطان دخل لآدم عن طريق حواء فالمولى عاقبها بآلآم الولادة والمخاض ثم مسألة الدم الفاسد الذي يمنعهم من الإستمتاع برمضان كاملاً و من الإستمتاع بالصلاة أثناء فترة المحيض ، فما صحة هذا الكلام ؟!
د هداية: كل هذه الآراء درب من الخبل والذي يتكلم بها أصيب بهذا الخبل لأن باستقراء القرآن تتضح الحقيقة الإلهية التي لاتحتاج لإسرائيليات في التفسير ولا تحتاج لهذه القصص . عنما نتكلم عن آدم وحواء هما اثنان ، وسوسة الشيطان عندما عرضت في القرآن أبداً لم تأت فوسوس أليها الشيطان، لم ينفرد إبليس بوسوسة لحواء على حده أبداً وإنما القرآن عرض مرة فوسوس إليه (يعني آدم) ومرة اخرى لهما .
المقدم: في بعض التفاسير التهمة لحواء وللحيَّة وأن هذه الحية فتحت فمها وأدخلت الشيطان الجنة .
د هداية: إقرأ السطر الذي يسبق هذا الكلام ؛ أن الشيطان دخل في بطن الحيَّة لكي لا يراه الله فهذا درب من الخبل ، فإذا سمعت من أحد الشيوخ هذا الكلام فهذا لا يستحق أن يكون شيخا ، لأنه إذا استوعب هذا الكلام فهو إذن لا يقرأ ولا يستعرض القرآن ، إذا أحضرنا شخصاً لم يسمع هذا الكلام واستعرضنا له القرآن سيفهم تلقائياً أنه أبدا لم يوسوس الشيطان لحواء على حده وهذا باستعراض القرآن وكذلك قال تعالى في القرآن (فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا) [طه:121] الإثنين معا .
المقدم: وعندما ندما (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:23]
د هداية: وإذا أخذتها بعرض القرآن أيضا ؛ وسوس (إليه) مرة و(لهما) بعد ذلك لذلك قال (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ) كأن آدم عليه السلام هو المسئول عن عملية التوبة لأنه كان واجباً عليه أن يرجع حواء لو كانت قالت ولكنها لم تقل وكل هذا الكلام ظلم لحواء . نحن نريد أن نقرأ القرآن فبإستقراء القرآن وإستعراضه هذه قصة إسرائيلية تُرد من بابها ، لماذا ؟! هم يقولون أن حواء خلقت من ضلع آدم لأنه كان وحده في الجنة فإستوحش ثم نام واستيقظ وجدها إلى جانبه فتزوجها وخلقت من ضلعه ، وهذا كلام اليهود . القرآن يقول (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) [البقرة:35] وقلنا اسكن يعني ادخل ، فأنا أصدق القرآن أم اليهود ؟!!!! فالقرآن واضح .
المقدم: الذي يستفزني في هذه التفاسير تجده يعرض الحوار كأنه كان يسمعه أو قام بتسجيله ثم تفريغه ووضع كلام على لسان المولى سبحانه وتعالى عندما قال لآدم أنت كنت منعم في الجنة وبسبب هذه المعصية ستنزل وتشقى في الحياة ، وبالنسبة لحواء ستعاني في الحمل والولادة .
د هداية: أنت تقول أن هذا نتيجة أنهم أكلوا ؟! تأمل أول إخبار عن آدم في القرآن ستجد في الآية (30) هل قال المولى إني جاعل في الجنة خليفة ؟! لا بل قال (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) ، إذن هو خلقه للأرض .
المقدم: من قبل أن يخلقه .
د هداية: بالضبط هو فقط يخبر عنه أنه مخلوق للأرض . وكذلك فكرة أن الجنة في السماء هذا وهم لأن هذه الآية ترد كل هذه التفاسير (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) إذن أين ستكون الجنة ؟ في الأرض . والشئ الذي يغيب عنهم أن كلمة جنة أول استخدام للقرآن فيها للأرض بستان في الأرض (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ) [القلم:17] أصحاب الجنة كانوا في الأرض . اللغة العربية واضحة وضوح الشمس في كبد السماء ، كلمة جنة يعني بستان مكان ظليل مغلق يظل بالشجر.
المقدم: ويخفي من بداخله .
د هداية: إذن هي للأرض واستعيرت لجنة الخلد لكى تفهم وتستوعب ما معنى جنة لكن جنة الخلد فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ... فكلمة جنة للأرض وليس للسماء لذلك (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّة) قلنا زمان أن هذه جنة التدريب لأن مسألة المعصية هذه تحتاج لتدريب على التوبة فلإنسان جبل على المعصية لكن كيف يعود ويرجع ؟ ولذلك أنا أسأل دائما السؤال هل عندما عصى آدم عرف كيف يتوب ؟! لا لم يعرف ولذلك الآية واضحة وجاءت في سورة البقرة وهي (87) نزولاً و (2) كتاباً لماذا ؟ لكي نقرأها ونعرف كيف سارت المسألة قال (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ) كأن المولى أراد وشاء من قبل خلق آدم أن تسير المسألة بهذه الطريقة .
المقدم: ولكي نتعلم نحن معنى التوبة بعد ذلك .
د هداية: لكي تعرف أن المولى عز وجل يحب من ؟! لا يمكن أن أقول يحب الذي لا يخطئ لأن الحياة بدأت بمعصية بغلطة لكن المولى يحب التوابين والتوابين تُشرح في إطار التوابين و المتطهرين ، فالتوابين ليس معناه كثيري الخطأ وإنما معناها الذين تابوا مرة عن المعصية ونحن قلناها سابقاً أن الذي يتوب عن معصية يتوب عن جميع المعاصي يرجع لله تبارك وتعالى فلا يرتكب معاصي . وهل يوجد شخص لا يرتكب معاصي ؟! نعم (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) [النجم:32] (ألا اللمم) هذه صيانة احتمال أنني ابن آدم يعني كأن القرآن يقول لك أنك تستطيع أن تجتنب الكبائر .
المقدم: لكن الخطأ الذي أقع فيه ولست مخططا له هذا شئ وارد . ونحن نسمع الآن أن ما يفعله الشباب و البنات ليلا في الشوارع هذا من اللمم ولا مانع من حدوثه .
د هداية: هذا تطاول على النص . الآية شارحة (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) إذا سألت أي شخص سيعرف أن اللمم غير الكبائر يعني طالما قال إلا اللمم وقال كبائر الإثم والفواحش إذن اللمم ليس من كبائر الإثم والفواحش بينما هو أقل من كل هذا وكلمة لمم طالما قلنا أقل فهي تختلف من شخص لآخر لكن لا يمكن ترقى لدرجة الفاحشة أو الكبيرة .
المقدم: وما يفعله الشباب والبنات هذا ليس من الفاحشة ؟!!
د هداية: بالتأكيد هذا حرام وفاحشة .
المقدم: والرسول (صلى الله عليه وسلم) قال أن العينان تزنيان وزناهما النظر .
د هداية: وفي نهاية الحديث (والفرج يصدق هذا أو يكذبه) إذن كيف يكون اللمم بعد استعراض الحديث والآية ؟ أنه يتخيل ويشتهي لكن يمنع نفسه فبهذا يكون اجتنب الكبيرة والفاحشة ، لكنه إذا بدأ في فعل هذا أصبحت كبيرة ، والشعراء تكلموا في هذا نظرة فإبتسامة فموعد فلقاء .. طالما سرنا في هذا الطريق ستنتج بلوى . إذن اللمم أنه مجرد تخيل ثم اجتناب فعندما يتخيل ويقاوم يكون تواب لأنه عند التخيل رجع إلى الله فلا يكون تائب لأن تائب تمثل الإنابة من المعصية وتواب ؟! يرجع بدون أن يرتكب فاحشة أو كبيرة أو معصية بدليل أنه عندما استعرض الصفات في حق عباد الرحمن جاءت بالنفي فلم يقل (الذين يزنون ، الذين يقتلون ، الذين يشركون) وإنما قال (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ) نفي عنهم الصفة وصان احتمال أن يفعلها هم أو غيرهم ، قال (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)) (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا (70)) [الفرقان] وقلنا أن العمل الصالح يجعله لا يقع في المعصية مرة أخرى . ما هو هذا العمل الصالح ؟! قلنا أن الذي وقع في المعصية لأنه كان لديه وقت فراغ فلابد أن تملأ هذا الوقت بالعمل الصالح فبهذا العمل الصالح يشغل وقت الفراغ الذي يدفع الإنسان للمعصية . انظر لعظمة القرآن في الرد على كل صغيرة وكبيرة تخطر على ذهنك مثلاً/ الرجل الذي يشرب الخمر كل يوم وجلست معه وأقنعته ثم تاب بالفعل من الذكاء أن تسغل له وقته الذي كان يقضيه في شرب الخمر لأنه تعود على هذا العمل في هذا الوقت فلابد أن تدبر له عمل يقوم به ليشغل هذا الوقت . هذا هو السر في أن مع التوبة يأتي ذكر العمل الصالح (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا) أو (تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ) . يريد أن يقول لك أن الوقت لابد أن يشغل بعمل صالح بدلا من أن يفعل عمل غير صالح . فباستعراض القرآن والأحاديث تجد أن كل كلمة تحل مشكلة أوتحل سؤال أو أي شئ يخطر على ذهنك .
المقدم: بمناسبة المثال عن الخمر وجدت تنبيه على إحدى القنوات - وهذا يبين أهمية الإعلام وهو أداة مؤثرة للغاية - هذا التنبيه ألقى الضوء على الناس التي اعتادت شرب الخمر الخفيف الذي لا يسكر وبدون كثرة الكلام - وأحيانا عبقرية الصورة تكون أفضل من مليون كلمة - شخص يدخل منزله ويتناول كأس من الخمر وفجأة دخلت أداة نار على الكأس فأشعلت فيه النار ثم جاء الشعار إذا كنت أنت كمخلوق تتحمل النار على خفيف اشرب على خفيف . أسئلة كثيرة ولكن بعد الفاصل .
--------فاصل---------
المقدم: نريد أن نتكلم في شرح كلمة (أذى) فالمولى عز وجل قال عن المحيض أنه أذى وأعتقد أننا فنَّدنا قبل الفاصل قصة أن المولى عز وجل يعاقب حواء بهذا . فلماذا أذى واعتزال ؟ وخصوصا تتكرر هذه الأسئلة في رمضان
د هداية: أريد أن أؤكد على نقطة أن الدنيا ليست دار عقاب إنما دار إبتلاء وهذا المحيض ابتلاء للنساء في الطاعة لله تبارك وتعالى . أولا لابد أن تفهم كل النساء أن الذي ابتلى هو الله تبارك وتعالى ، وابتلى هنا يعني امتحن .
المقدم: لاتعني مصيبة .
د هداية: لا فهذه إرادة الله تبارك وتعالى . والنساء اللاتي يأتين في رمضان ولا يأكلن أثناء الحيض وفقط يشربن قليل من الماء قبل الإفطار هذا خاطئ فأنت غير صائمة في هذه الأيام ، لاتجاهري بالفطر نعم لكن كلي واشربي أنت مفطرة وهذه طاعة في حد ذاتها وهذا بتلاء وامتحان الذي أمر بالصوم الله و الذي أمرك بالفطر في هذه الحالة الله ليست عقاب ولا يمكن أن تكون الدنيا دار عقاب.
المقدم: يوجد رأي آخر يقول أن المولى عندما يريد أن يتفضل على عبد من العباد ويكون أخطأ في عمره بعض الأخطاء فيكفر عنه المولى هذه الأخطاء ببعض المشاكل التي تصيبه في آخر عمره لكي يلقى المولى عز وجل بدون ذنوب ولا يُعذب فأحيانا يكون هناك عقوبة في الدنيا تكفر عن سيئات الإنسان مثل الحديث (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم ، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)
د هداية: هذا ليس عقاب بالعكس هذا تكفير فعندما يكفر المولى عز وجل سيئاتي هل هو بذلك يعاقبني ؟! بل هو سبحانه وتعالى يكرمني . هذا لا يوصف عقاب أبدا . العقاب أنك تعمل لي شيئا لا يلقى هوى عندي فالذي تقوله أنت الآن وانت تقوله يلقى هوى عندي .
المقدم: من الجائز ألا يلقى هوى في الدنيا لكن في الآخرة .
د هداية: طالما أني أتدبر وأنت تتكلم تمنيت أن أكون أنا هكذا فمن يكره أن يلقى الله كيوم ولدته أمه ؟! إلا شخص معتوه لذلك فكثرة الإبتلاءات أو الأمراض إذا كانت تكفر فأنت ترضى يعني بمجرد أنك تستوعب أن هذا الإبتلاء تكفير تشعر بماذا ؟ برضى من الذي يجزع بالله عليك ؟
المقدم: قليل الإيمان .
د هداية: الذي لا يفهم
المقدم: لذلك نجد في الأثر المرأة التي تزوجت ثم بعد 40 يوما طلبت الطلاق من زوجها لأنه لا يصاب بأي جرح أو أذى فقالت إذن هو ليس من الناس الذين يحبهم الله
د هداية: على فكرة أنا ضد فكرة الأثر عموما ففي مرة من المرات كنا في مسجد وقام أحد الأشخاص وقال كلمة ذكر فيها 7 من أمثال جاء في الأثر كلما أراد أن يخرج نفسه من ورطة في القصة يقول جاء في الأثر لأنها ليس لها تخريج . نعود مرة أخرى للآية فالآية تتحدث عن إجابة سؤال
المقدم: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ)
د هداية: هذه صياغة لغوية بيانية بالمجاز هم يسألوا عن ماذا ؟!
المقدم: يسألوا عن العلاقة أثناء فترة المحيض لا يسألوا عن المحيض نفسه .
د هداية: بالضبط فهم لم يسألوا الرسول (صلى الله عليه وسلم) ما المحيض ؟ قال المولى عز وجل (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ) أكمل الإجابة وأنت تعرف كنه السؤال .
المقدم: (قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ)
د هداية: ( فاعتزلوا ) إذن هم يسألوا نباشر أم لا في المحيض.
المقدم: وقد يكون المعنى أن هذا الأذى لك كرجل إذا باشرت .
د هداية: هى كذلك بالضبط ليس لها معنى آخر . ويسأل شخص الآن يقول لماذا صاغها بهذه الطريقة ؟! لكي يبين لك أن السائل في عهد الرسول كان يسأل بأدب كان لا يجاهر بقلة الأدب مثلما يحدث الآن في كثير من الأحيان ثم يقولون لا حياء في الدين وهذا لا يصح فالدين كله حياء لكن أنت تريد أن تقول لا حرج في العلم . هذه الآية ترد على قليلي الحياء الذين يتحدثون في بعض البرامج ويقولوا لا حرج ولا حياء في الدين ، انظر إلى السؤال من الصحابة للرسول (صلى الله عليه وسلم) و الإجابة كأن لرسول فهم واستوعب .
المقدم: فالآية والتي تليها تبين كيف يكون الكلام في مثل هذه المواضيع
د هداية: نعم لا حرج في العلم لكن الأسئلة تكون بهذه الطريقة . إسمع السؤال والإجابة لتعرف الأدب من الصحابة في حضرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وكيف أجاب (صلى الله عليه وسلم) إجابة شافية حتى لا يضطر أحد أن يوضح السؤال (وَيَسْأَلُونَكَ) هذه فعل مضارع .
المقدم: تقصد أنه حتى اليوم ستجد أن الناس تسأل .
د هداية: لابد أن تكون هكذا . الرد جاء من الرسول أم من المولى عز وجل للرسول للصحابة ؟ (قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ) إذن السؤال كان من الممكن أن يكون مثلما قلت هل نباشر أم لا ؟ لكن لا ، قف ، فأنت تسأل الرسول وتسأل في شرع وستسمع تشريع .
المقدم: (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ) انظر للأدب .
د هداية: انظر للتمثيل فأنا كبشر لو حاولت أن أصيغها لك صياغة بلاغية انشائية لن تكون هكذا أبدا (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ) اسمع التي تليها (فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ) ولم يقل نساؤكم مرة ثانية لم يكررها وإنما سار بالمثال لكي لا يأت بالمرأة مرة ثانية في هذه النقطة كل هذا يعلمك الأدب .
المقدم: (وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ) .
د هداية: ما معناها ؟!
المقدم: آداب العلاقة .
د هداية: لكن نعود مرة أخرى (قُلْ هُوَ أَذًى) لم يقل المحيض أذى ، لكن الموضوع الذي تسألوا فيه هو الذي أذى. قلنا زمان أن (هو ، والهاء) تحل مشاكل الشأن والقصة هنا يوجد شأن يُسأل عنه ، موضوع معين . جاءت الإجابة عنه (قُلْ هُوَ أَذًى) المحيض ليس أذى لكنه هنا يكون ابتلاء للرجل لأنه لو باشرها أثناء المحيض فكلاهما يأثم ، ويوجد حديث وهو صحيح أن الذي يأتي المرأة في المحيض فقد كفر بما أنزله الله على محمد (صلى الله عليه وسلم) لأن هذا قرآن وهذه آية ولذلك الحديث باقي لنا فيه إثنان من الرجال وسيخرج حديث صحيح بنسبة مائة بالمائة .
المقدم: عندي سؤالين الأول في (فاعتزلوا) هل من ضمن الغايات الإلهية - فالمولى عز وجل لا نعلم مافي نفسه - أن يكون هذا نوع من التدريب ؟ بمعنى أن المولى أباح لنا هذه الشهوة في الحلال ولكن كأنه يريد أن يلفت انتباهنا أنه قد تأتي بعض الفترات في كل شهر قد يكون في هذه الفترة بالتحديد الرجل له شهوة ولكن لكي يتدرب الزوج والزوجة أن هناك تحكم في الشهوات .
د هداية: سأسألك أنا سؤالا لماذا هذا التحكم ؟
المقدم: لكي لا تفعل هذا في الحرام .
د هداية: لأنك إذا سافرت مثلا لمدة 7 أيام أو 10 أيام بدون زوجتك وأباح البعض الزواج العرفي والسري والمسيار لكن لا تخيل أن زوجتك في المحيض وهذا هو التدريب ، مثل الصيام فنحن نمتنع عن الحلال في الصيام لماذا ؟ هذا تدريب لبعد رمضان عندما يُعرض عليَّا الحرام أتحكم في نفسي مثلما منعت نفسي من الحلال في رمضان . كذلك فترة المحيض هذه للتدريب ، ويسأل شخص أن الزوجة سيأتي عليها سن وينقطع الطمث ؟ نقول له أن الزوج أيضا يكون كبر في السن وأصبحت المسألة متكافئة إذن هذه مسائل تدريبية من الله تبارك وتعالى ، مثل السفر ولا يوسوس لك الشيطان ويقول هذا حقك وشهوتك ، فشهوتك هذه ليست مطلقة وإنما هي مقيدة حتى مع زوجتك . (فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ) وهذه تتفاوت لأن هذه مسألة على مراد الله تبارك وتعالى .
المقدم: لماذا قال (فاعتزلوا) (ولا تقربوهن) ؟ فالإعتزال كان يكفي وما الفرق بين الإعتزال وعدم القرب ؟
د هداية: لو لم يقل ولا تقربوهن كان من الممكن الإعتزال مع المباشرة انتبه للحديث (كنا نعزل على عهد رسول الله) فممكن أن يعزل الرجل بالعازل الطبى مثلا فالقرآن صان احتمال سنوات وإلى يوم القيامة وعند كل حضارة وعند كل علم . إذن لا تقربوا تشرح ما نوع الإعتزال بالتحديد من عهد رسول الله إلى يوم القيامة حتى لو أُخترع العازل الطبي فلا تقربوهن تمنعك .
المقدم: حتى لا يعتقد الناس أن الإعتزال هذا لأن الدم الفاسد يؤذيك كرجل فطالما تم إبعاد هذا الدم فلا مانع من المباشرة.
د هداية: وشئ آخر أنه كان بعض الناس يعتقد أن وقت الحيض يأتيها في دبرها فقال المولى عز وجل لا تقربوهن وشرح المسألة في كنه المرأة للرجل أنها حرث ، لا تباشر إلا في المكان الذي يأتي منه أولاد (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) كل هذا يشرح المسألة كلها على استحياء وبأدب ولذلك نحن نلتزم بالنص القرآني .
المقدم: عندي أسئلة كثيرة للحلقة القادمة وخصوصا أننا نتكلم في قضية خطيرة مثل قضية التوبة . ونتمنى على الله أن تأتينا الوفاة ونحن في حالة توبة ورجوع وطاعة مستمرة لله سبحانه وتعالى ونراكم على خير بإذن الله تعالى وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته
بُثّت الحلقة بتاريخ 8/12/2009 م

ميارى 29 - 7 - 2010 04:26 AM

طريق الهداية
التوبة و الاستغفار 119
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الاحبة الكرام، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية. عندما تحدثنا عن موضوع التوبة انقسم الذهن إلى فريقين أو نوعين النوع الأول الذي يتوب عن معصية وهذا اسمه تائب والنوع الثاني وهو التواب كثير العودة وكثير التوبة إلى الله سبحانه وتعالى وقلنا أن هناك صنف لا يخطئ بفضل الله لكنه في توبة استجابة إلى الله لأن المولى شرع التوبة فهو يتوب من توبة وعن توبة في حالة مستديمة للرجوع إلى كنف المولى سبحانه وتعالى ومنهجة وشريعته . هل يوجد نوع ثالث ؟ هل يوجد شئ اسمه توبة المنزلة ؟ ماهي توبة المنزلة ؟ وما هي توبة الطاعة ؟ يوجد أحيانا ناس تسير في مستوى معين من الطاعة كأنه مثلا يعتاد لفترة طويلة أن يقوم الليل بعدد معين من الركعات، أو يقرأ ورد معين من القرآن فتأتي بعض الظروف من كسل أو تعب أو انشغال فينقطع عن هذا العمل، فهو لم ينقطع عن فريضة لكنه كان اجتهاد سُنَّة وانقطع عنه لسبب أو لآخر وهذا الإجتهاد كان يضعه في منزلة قريبة من رضوان الله. فهل نستطيع أن نقول أن من ضمن منازل التوبة أن يكون الإنسان على هذه الحالة ثم ينقطع فبالتالي يبعد ثم يعود لمنزلة القرب ويبدأ في استئناف العمل ؟ وهل نعتبر هذه توبة عن تقصيره في طاعة افترضها أو استنها على نفسه؟
د هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد ، طبعا هي بلا شك من أنواع التوبة وقلنا أن هناك فرق بين توبة الإنابة وتوبة الاستجابة. إذا فعلت توبة الاستجابة في طاعة معينة كالمثال الذي طرحته الرجل الذي انتظم لمدة شهرين قيام الليل وبدأ بركعتين ثم ثمانية وأحيانا يكونوا 12 ثم فجأة توقف، أصبح يصلي العشاء فالسنة والشفع والوتر وفقط، عندما يعود مرة أخرى فهذه تكون توبة استجابة، توبة للذي كان عليه من الطاعات وهذه التي تكلم عنها القرآن في توصيف عباد الرحمن بعد ما قال (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) قال (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) وهذا هو المثال هو تاب عن المعصية أي تاب وعاد إلى الله .
المقدم: وهذه تكون توبة الإنابة.
د هداية: التي قلنا عنها التائبون (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [التوبة:112] عندما تاب هذه التوبة أصبح تائب، ثم بدأ في الطاعات وكل مرة يفعلها بعد ذلك إرضاءً لله تبارك وتعالى لكي يكون في معية الله اسمه تواب، وعندما توقف عن طاعة من الطاعات التي كان تقرب بها إلى الله تبارك وتعالى يكون ابتعد، هو لم يفعل معصية كما في المثال بفضل الله لكنه توقف عن طاعة وهذه الطاعة جعلته في معية الله وعندما توقف ابتعد لم يرجع لكن ابتعد. وعندما يستأنف فعل هذه الطاعة التي كان قد توقف عنها يكون اقترب بمعنى تاب .
المقدم: توبة منزلة.
د هداية: توبة منزلة أو توبة طاعة أو توبة استجابة كما تشاء فالعلماء وصفوها بكل ذلك. الشاهد أن القرآن يؤيد الفكرة التي افترضتها فلو انتبهت في الآيتين [70-71] من سورة الفرقان في الآية الأولى قال (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا) وفي الثانية قال (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا) لم يقل آمن لماذا؟ لأن التوبة الثانية ليست توبة انابة وإنما توبة استجابة ؛لأنها إذا كانت توبة إنابة كان لابد من الإيمان معها لأنه عند إرتكاب فاحشة أو كبيرة يكون خرج من الإيمان أو خرج الإيمان منه، شرطها مع التوبة أنه يجدد الإيمان. التوبة الثانية في سورة الفرقان اقتصر على العمل الصالح فقط قال (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا) .
المقدم: ما الذي يجعل الإنسان يفتر ؟ هل هذا ضعف إيمان أم عدم قدرة على الصبر ؟ فأحيانا يقول الفقهاء أن من أصعب أنواع الصبر هو الصبر على دوام الطاعة ليس الصبر عن المعاصي وكذلك (إن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل). وقيل أن المولى سبحانه وتعالى إذا كان العبد يعمل عمل يرضي الله واستبدله بعمل آخر يغضب الله لابد أن يبدل المولى عز وجل حاله في الدنيا .
د هداية: هو عز وجل إذا بدَّل حاله يكون خير فهذه تلفت النظر فالذي لا يحبه المولى لا يبدل أحواله.
المقدم: مثل قول (إن الله إذا غضب على عبدِ رزقه من حرام وإذا اشتد غضبه عليه بارك له فيه).
د هداية: هذه المسألة أيضاً كنا تحدثنا فيها في حلقات التوبة (إياك واعتياد الفعل أو الرتابة في الفعل) تجد الرجل كل يوم يصلي الفروض كلها في جماعة وساعة يطمئن لهذا ينقطع عن صلاة الجماعة. إياك أن تطمئن إلى الفعل.
المقدم: إلى مستوى طاعة أنت تفعله.
د هداية: لذلك عندما تكلمنا عن النفس المطمئنة قلنا أن النفس إذا اطمئنت في الدنيا تضيع لابد أن يكون الاطمئنان هذا ساعة الموت لكن تظل طول عمرك غير راض عن حالك تريد أن تزيد من الطاعة (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16]
المقدم: والاستطاعة مفتوحة كلٌ حسب قدرته.
د هداية: وقلنا زمان أن بعض العلماء قال قال عن هذه الآية أفضل من آية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران:102] لأن فيها تخفيف ، وبعض أهل اللغة قالوا ليس تخفيف وإنما منزلة أخرى. (اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) من منا يعرف حق التقى ؟! فعندما أذهب للمولى عز وجل أقول له أنا اعتقدت أن هذا هو حق التقى، لكن عندما قال (مَا اسْتَطَعْتُمْ) فتحها لكل واحد .
المقدم: لكي تجتهد.
د هداية: نجد النفس الطائعة كلما يعمل يكون غير راض عن عمله مثلا/ يقول أنا صليت 8 ركعات اليوم سأجتهد وأجعلهم 10 .
المقدم: يعني السر أنه لا يرضى أبدا .
د هداية: لذلك قال عز وجل (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً) كأني بهذه النفس لم تطمئن إلا ساعة الموت. السؤال هنا كيف أصل أنا إلى هذا المستوى ؟! بالصحبة الصالحة بالجماعة انتبه لحديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) الصحيح (الشيطان ذئب الإنسان كالذئب من الغنم) الرسول (صلى الله عليه وسلم) ضرب المثال ولله المثل الأعلى قال الذئب يأكل القاصية أو الناحية من الغنم. فعندما تصلي في بيتك فأنت بذلك تكون نهب للشيطان، ولذلك الرجل صلاته في المسجد لكن يصلي في بيته بعذر إذا كان مريض أو لا يقدر على الخروج والذهاب للمسجد لذلك قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) (إلزموا الجماعات) لماذا ؟! لأن الشيطان لا يقدر عليك وأنت في جماعة ؛لأن الشيطان مثله كمثل الذئب لا يهجم الذئب أبدا على قطيع ماشية .
المقدم: وإنما يبحث عن الشاردة.
د هداية: لأنه لن يدافع عنها أحد فهي بمفردها. تأمل عظمة تمثيل الرسول (صلى الله عليه وسلم) للشيطان بالذئب، فإذا تأملنا المشهد سنجد مدى تنمر الذئب للحظة التي تجنح فيها واحدة من الغنم تجده يخطفها ويجري لن يدافع عنها أحد ولا هي ستستطيع أن تدافع عن نفسها، إنما إذا كانت وسط القطيع لن يستطيع الذئب أن يقترب منهم لأن معهم الراعي يحرسهم فالشيطان هكذا بالنسبة للإنسان . ولذلك المثال الذي تقوله أنت إذا انقطعت عن الطاعة ستعود لكن لابد أن تبحث لماذا انقطعت؟ مثل إذا أردت أن تضع روشتة للتوبة لابد أن تسأل أولا لماذا عصيت أو ابتعدت؟ لأنك إذا لم تشخص لن تستطيع أن تعالج. لابد أن أعرف لماذا نزلت وإذا لم أعرف لن أستطيع الصعود. وليس من قبيل الصدفة أن أول معصية (معصية آدم) لم يستطع أن يعود، كيف تاب آدم وأبنائه بعد ذلك ؟ من المرة الأولى التي علمها المولى عز وجل لآدم (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة:37]
المقدم: هل هذا الموقف يتكرر يعني المولى عز وجل يرسل رسالة لبعض الناس تجعلها تفيق وتريد أن تعود وتتوب والبعض الآخر لا؟ فما هو المعيار؟
د هداية: رضا الله عز وجل (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة:118] فالذي لا يتوب الله عليه لن يتوب. عندما سألتني كيف أعرف أن توبتي قبلت أم لم تقبل؟ قلت لك أنك طالما فطنت أن تقول تبت إلى الله إذن فالمولى هداك للتوبة إذن سيقبلها .
المقدم: وماهي معايير رضا المولى عز وجل ؟ كيف يكون الرجل من الذين رضي عنهم المولى عز وجل فسهل له طريق التوبة. سأضرب لك مثال تطبيقي/ شخص ولد في منطقة عشوائية لا يوجد لديه إمكانيات ولم يحصل على التعليم الكافي ولا يوجد ثقافة دينية كافية وليس لديه وظيفة والأحوال كلها سيئة للغاية بمعني لا يوجد ظروف معيشية جيدة تؤهله أن يكون إنسان ملتزم فامتهن السرقة وأصبح في صحيفته الجنائية 30 سابقة وبحكم القضاء الذي نتعامل به نحن أصبح اسمه مسجل خطر، فعندما تسأل مدير شركة ليجد لهذا الشخص وظيفة عنده يرفض أن يوظفه لأنه مسجل خطر وله 30 سابقة والمجتمع كله سيلفظة وبالتالى لن يبق أمامه سوى طريق الحرام ولا يوجد أمامه أي بدائل أخرى للعمل الحلال فهل من حقه أن يقول هنا أن المولى قضى عليه بهذا؟
د هداية: هذا يرجعنا مرة أخرى لسؤال القضاء والقدر، إذا كان كل الناس في هذا المجتمع يسرقون نستطيع أن نقول أن كلامه صحيح وهذا مستحيل، بمعنى لو كان كل الذي ولد مشرك ظل مشرك وكل الكافر ظل كافر، وكل اليهودي ظل يهودي، وكل النصراني ظل نصراني، كل المسلم ظل مسلم فيوجد مثلا مسلم تنصر وتهود والعكس إذن هي ليست قاعدة لا تستطيع أن تقول المولى عز وجل كتب عليَّ هذا، فالمولى كتب كل شئ لكن لم يكرهك على الإيمان ولم يكرهك على الطاعة، ولم يكرهك على الكفر (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) [الكهف:29] المشيئة هنا تعود لمن ؟
المقدم: للإنسان .
د هداية: ويقول المولى عز وجل في محكم التنزيل (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ * لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [التكوير:27-29] هل هذه مسألة ستلغي فيها مشيئتك ؟ وما يدريك أنت بمشيئة المولى عز وجل ؟ فمشيئتك تتحرك لكن عندما تصل للإيمان تقول (وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ) [الأعراف:43] هذا هو الذكاء والطاعة الإيمانية .
المقدم: يعني ما هو المعيار الحقيقي ؟
د هداية: المعيار الحقيقي أنه (سبق في علم الله). وهذه ليس لها حدود أن علاء لا يصح إلا أن يكون علاء، وكهين لا يصح إلا أن يكون كهين، وشارون لا يصح إلا أن يكون شارون، لكن هل هو منع محمد أن يكون جورج أو جورج أن يكون محمد ؟ لم يمنع سبحانه وتعالى فمثلا هو ولد محمد أو أحمد وأصبح جورج أو كهين هذه حريته. الله تبارك وتعالى لم يكره أحد على عبادته، وأنا ضربت لك مثالا زمان إذا دخل أحد وهو يلوي ذراع شخص ويقول له: قل لا إله إلا الله سنقول له هذا لا يلزمنا ولا هذا التصرف من الدين في شئ بدليل قول المولى عز وجل في محكم الكتاب (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) [البقرة:256] مامعنى الدين ؟ يعني الشرع والإعتقاد لا يصح أنا أن أجبر علاء ليعتقد. إذا قرأنا القرآن بتفكير وبتدبر سنجد أن المولى عز وجل قال (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) إذن المسألة ليست إجبار في العقيدة.
المقدم: وهذا يبين أيضا أنه لا إجبار في التوبة، فكما أطلق المولى عز وجل حرية الإعتقاد كذلك في موضوع التوبة فمن الناس من يفضل أن يظل في طريق الحرام ومنهم من يريد التوبة سنربط الخيوط ببعض تابعونا بعد الفاصل.
--------فاصل---------
د هداية: لابد أن أوصف كيف أتوب، وهذا التفسير مهم جداً فالنعرة التي يقولها البعض عندما تقول له تب إلى الله أو اعمل عمل صالح فيرد ويقول: المولى لم يأذن لى بعد. كأنه ينتظر أن ينزل له ملك ويأخذ يده ويوضئه ويجعله يصلي أو يجعلها ترتدي الحجاب هذه النعرة ليست واقعية ورد عليها القرآن لكن للذي يريد أن يقرأ، فلابد للإنسان أن يتدبر. مثلا تجد كثير من الناس يعترض على خلاف الشيوخ على الفضائيات ويريدون توحيد الشيوخ على كلمة واحدة يعني الذي يقول هذا لا يريد حتى أن يجهد نفسه في أن يشاهد كل الشيوخ ليختار شيخ بل يريد المعلومة جاهزة. ومثلما قلنا في رمضان عندما تسأل الرجل لماذا أنت ذاهب لتصلي التراويح ؟ ليقول آمين لأن هذا الإمام صوته جميل ودعائه جميل، فهذا الإمام لو دعا عليهم سيقولوا آمين أيضاً فهو ليس ذاهب ليفكر وليس عنده استعداد للتفكير وإنما هو ذاهب ليقول آمين. فهذا الذي يريد توحيد الفكر وتوحيد الرأي يريد أن ينام ولا يجهد نفسه.
المقدم: هل الموضوع فيه نوع من الكسل ؟
د هداية: نعم الذي يرد ويقول سأتوب عندما يهديني المولى عز وجل هذا كسل .
المقدم: أنا أتحدث بالنسبة للإعلام وفوضى الفتاوى .
د هداية: أنا لا أتكلم في فوضى الفتاوى لكن أتكلم في ما هو الحل لها؟ فهذه الفتاوى لن تنتهي أنا الذي لابد أن أجتهد، أشاهد هذا ولا أشاهد ذلك مثلما كنا نقول زمان كان الرجل يقوم من مكانه لكي يغير القناة واليوم هو في يده جهاز التحكم عن بعد (الريموت) وهذا ميزة وعيب في نفس الوقت فعليك أن تستغلها بطريقة صحيحة فالذي تجد كلامه خطأ غيِّر القناة لك مطلق الحرية في هذا. الجنة ليست سبيل جاهز سنحرك الناس إليه، لابد أن تختار أنت وتذهب إليه. القرآن عندما نزل على الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال نزل به الروح الأمين على عقلك أم على قلبك؟ (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ) [الشعراء:193-194] يعني أين يكون مناط التلقي والتدبر والتعقل ؟!
المقدم: في القلب.
د هداية: والرسول (صلى الله عليه وسلم) قال (التقوى هاهنا وأشار لقلبه لم يشير إلى عقله) المولى عز وجل عندما انفطرت نفس الرسول على أن الناس لكي تُسلم قال له (طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) [الشعراء:1-4] يعني إذا أراد المولى عز وجل سينزل آية
المقدم: يعني برهان
د هداية: بالضبط فظلت ماذا ؟ أعناقهم، لم يقل قلوبهم
المقدم: لماذا لم يقل قلوبهم ؟
د هداية: لأن هذه لابد أن تأتي منك أنت أنا لا أجبرك عليها فإذا أراد المولى سيجعل الأعناق تخضع ولم يقل القلوب لأن هذا المثال لن يحدث لأن المولى يريد الإسلام يأتي من القلب ليس بالإجبار. أريدك أن تُسمع هذه الآيات من سورة الشعراء للمشاهدين وسأسالك سؤالا لتعرف لماذا لم يقل قلوبهم
(طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ)
المقدم: مبدئيا عندي سؤال في اللغة في كلمة (خاضعين) كان المنطقي أن تكون فظلت أعناقهم لها خاضعة لماذا جعلها خاضعين ؟
د هداية: لأن المهم ليس خضوع العنق لكن خضوع صاحب العنق، حالتهم أنه سيجعلهم خاضعين لكن خاضعين بأعناقهم ليس بقلبهم هذا إجبار والإسلام ليس إجبار يريد أن يقول أن المولى لو يريد وهذا لن يتم لأن الإرادة الإلهية شاءت أن يأتي الإيمان منك أنت وإذا أتيت مجبرا لن تُقبل. وأنت قلتها في المقدمة التوبة مثل هذا لابد أن تأتي منك أنت.
المقدم: مثلما فعل آدم .
د هداية: قف هنا، عندما عصى آدم المولى عز وجل كان يريد أن يتوب فأعطى له الكلمات (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) بدليل أنه لم يتأخر، وعندما سنتكلم في الأعذار سأبين لك الفرق بين شخص يريد أن يتوب وآخر لا يريد، لكن انتبه لهذه النقطة لأن فيها إشكالية تغيب عن كثير من الناس من الذين يتوهموا موضوع الحج عن الغير وأن القرآن ينفع الميت. مثال/ أنت عندما تقول لبيك عن فلان وعلاء عندما يذهب للحج أو العمرة أو أي عمل فهو يذهب قلب أم قالب؟؟!!
المقدم: الإثنين
د هداية: لا إختار واحدة من الإثنين.
المقدم: يوجد أعمال لا تتم إلا إذا كان قلبك حاضر والقالب حاضر كما هو الحال في عرفة مثلاً.
د هداية: أنا أقول أنك هناك بالفعل وتقول لبيك اللهم لبيك قلبا أم قالباً؟
المقدم: قلباً.
د هداية: بدليل أن الرجل يمكن أن يجلس على كرسي متحرك و شخص يحركه يعني القالب مضطرب القالب مريض لكن القلب ؟! مثلاً/ شخصين وصلوا عرفة واحد مريض والآخر صحيح هل المريض قلبه يتأثر لأنه مريض أم القلبين متساويين؟
المقدم: القلبين متساويين .
د هداية: لو هو عنده تخلف عقلي هل عليه حج؟
المقدم: لا.
د هداية: لماذا لأن القلب هنا هو المريض فليس عليه حج وكذلك الصلاة فتأتي لنا أسئلة كهذه يقول شخص والدي كبر في السن ولا يتذكر جيدا فنقول له لا تجعله يصلي ولا يصوم ولا يحج لأن التكليف رفع إذن التكليف للقلب أم للقالب ؟
المقدم: للقلب.
د هداية: وعندما أقول أنا لبيك عن شبرمة أين شبرمة هذا ؟ أو لبيك عن فلان أين قلب فلان هذا؟ ولذلك أنا عملت كتاب لكنه لم ينزل بعد هل يعبد الله بالإنابة ؟ الله لا يعبد بالإنابة ولا بالتوكيل. العبادة لابد أن تأتي من القلب.
المقدم: سيرد البعض ويقول وإذا كان هناك ظرف استثنائي من القاعدة الذي هو عدم الإستطاعة؟
د هداية: أنت قلتها بنفسك واسمع الآية (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ) [آل عمران:97] والغير مستطيع ؟!
المقدم: ليس عليه تكليف.
د هداية: هذا درب من الخبل، هؤلاء الناس لم يفهموا ما معنى تكليف إلهي. الله أرحم من أن يكلف غير القادر. مثلاً/ سيحج عن فلان ويقول لبيك عن فلان وماذا يقول المولى لفلان (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا) [الطلاق:7] هل يوجد سؤال مفترض أن يسأل المولى عز وجل علاء عن فلان يوم القيامة ؟
المقدم: لا .
د هداية: بالله عليك وأجب أنت عن هذا السؤال لو يوم القيامة سُئلت لماذا لم يحج والدك؟ ماذا ستجيب أنت ؟
المقدم: بعض الناس ستدافع .
د هداية: أنا أتكلم عن الإجابة المنطقية القرآنية. ستقول أنت لم تكلفني بوالدي إسأله.
المقدم: إذا كان الرجل غير مكلف بزوجته.
د هداية: إسألها، أحيانا يأخذ الرجل زوجته للحج وهي لا تريد وهذه الحالة عرضت علينا هذا العام .
المقدم: في هذه الحالة لم تكتب لها حجة.
د هداية: فالمسألة ليست قالب وليست إجبار.
المقدم: والعكس الذي يتمنى أن يذهب للحج وتأتي له عزومة ويذهب فعلا فيشكك البعض في صحة الحج لأنه لم يدفع من ماله الخاص.
د هداية: مثال آخر شخص قدم جواز سفره وجهز المال لكنه لم يطلع في القرعة فماذا يكون وضعه؟ هذا حج بنص حديث الرسول (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) لم يقل وإنما لكل امرىء ما عمل قال وإنما لكل ارىء ما نوى يعني في هذا المثال نقول له أنت حججت حتى تقدم في القرعة العام القادم وتذهب، افرض أنه مات بين السنتين ؟ هو حج بنص حديث الرسول حج. فالذي يتكلم هو الرسول (صلى الله عليه وسلم) الذي تعلم القرآن وتعلم القاعدة القرآنية البيانية اللغوية المجازية فقال إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى وشرحها شرحا لا أجد أعظم من هذا الشرح قال (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى) دنيا ؟ لا لم يكررها قال (فهجرته إلى ما هاجر إليه) وهل يوجد بيان أو بلاغة أو فصاحة بعد هذا ؟! قال مثلما تنوي كُتب لك.
المقدم: وقد تتشابه على المتابع.
د هداية: أو تقول أنت عكس باطنك، يعني أن تعلن عكس باطنك ما الذي يكتب الذي قلته؟ لا.
المقدم: أنا أقصد أن المتابع تتشابه عليه الأفعال يعني يجد فلان مثلا هاجر من مكان لمكان وبعد فترة تزوج وعمل تجارة لكنه كان مهاجراً إلى الله وإلى منهج الله ولما استقر تزوج وعمل تجارة.
د هداية: كيف يحاسبه المولى بالظاهر ؟! لا والمولى عز وجل يقول في هذه النقطة بالتحديد (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر:19] هذه الكلمة تجعل الناس قبل أن تعمل أي عمل تقف، في حين أنه قال أيضا (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) [الانفطار:10-12] يعلمون ما تفعلون يعني ظاهر العمل، الملك لا يعرف إلا ظاهر العمل مثلا فلان حج فلان صام لكن كيف حج ولماذا وماذا كانت نيته؟! (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) و الصدور التي هي القلب.
المقدم: يعني الإنسان ممكن يلمح كأنه ينظر نظرة ولا يعرف هذه النظرة إلى أين تذهب .
د هداية: وأكمل أيضا وما نوع العمل الذي سيبنى على هذه النظرة ؟ هي نظرة في لا شئ كما تقول لكن عندما نظر هذه النظرة فيما كان يفكر ؟ هل نوى عمل خير أم شر ؟ نوى يصلي، نوى يعود إلى الله ؟ هذه مسألة لا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى. ومن الغباء بمكان أن يسألك شخص فيما كنت تفكر أثناء هذه النظرة لأنه ليس من حقي.
المقدم: لكن عز وجل يعلمها. عندي أسئلة كثيرة منها ما يتعلق بالأعذار ومنها ما سيربط الخيوط ببعض تابعونا بعد الفاصل
--------فاصل---------
المقدم: السؤال عن موضوع التوبة وهل الهداية من عند المولى أم من عند الإنسان ويوجد بعض الناس تسأل هذا السؤال لأن أحيانا الظروف البيئية لا تساعد على التوبة فهل هذا يعتبر غضب من المولى ؟
د هداية: لو الظروف البيئية نفسها بدا الناس فيها وانتهوا كما هم كان الكلام يكون مضبوط وهذا مستحيل ونحن رأينا بأعيننا وفي أماكن نزلناها بنفسنا رأينا من داخل أسوأ البيئات يخرج علماء. إذا كنت أنت تسألني عن التوصيف اللغوي فالهداية هدايتنان الدلالة والمعونة والتوبة توبتان الهداية والمعونة. سنضرب المثال ببعثة الرسول (صلى الله عليه وسلم) في قريش كان يوجد أبو جهل وأبو لهب وكان يوجد أبو بكر الصديق وخديجة بنت خويلد يعني في وسط الأزمة ظهر الصديق وهو من قريش وأبو لهب عم الرسول لكن كان بينه وبين الرسول عداء وأبو طالب كان عم الرسول أيضا ورغم ذلك الإثنين لم يسلموا (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [القصص:56] بمعنى أنه كل بيئة وكل عصر وكل زمن وكل فئة فيها وفيها. كل هذا يرجع إلى ماذا ؟ للإرادة الإلهية طبعاً، مثل القضاء والقدر فهل تريد أنت شئ يتم في ملك الله ليس على إرادته ؟ هكذا يكون إيمانك ناقص .
المقدم: أحيانا نجد العقل البشري يفكر فأنت تسكن مثلا في عمارة في منطقة راقية والعمارة لها حارس، وفي أغلب الأحيان يأتي الحارس بزوجته وأولاده ليسكنوا معه في غرفة مثلا أعطاها له صاحب العمارة وهذا الحارس راتبه بسيط فتجده دائما مشغول بطلبات السكان إلى جانب الحراسة، لذلك تجد أن أولاده لا ينالوا الاهتمام والرعاية الكافيين، وأحيانا لا يدخلوا المدرسة بل ويذهبوا للعمل وهم في سن صغيرة ليساعدوا والدهم فتقول لنفسك مثلا أنك ستأخذ ولد من أولاد الحارس - لنفرض أن لديه ولدين - وتنفق عليه مثل أولادك وتعلمه مثل أولادك وبعد التخرج من الجامعة كيف سيكون حال هذين الأخوين ؟
د هداية: سأجيبك عن هذا السؤال وسأضيف عليه جزء لكن سأجيب أولاً. شاءت إرادة الله أن هذا يتعلم وهذا لا يتعلم فجعل علاء مثلا يختار هذا الولد ويترك أخوه. في نفس المثال إذا كنت أخذت الإثنين واحد منهم كان سيكمل تعليمه والآخر كان سوف يتسرب من التعليم وأقسم بالله العظيم هذا حصل، أدخلنا الإثنين المدرسة واحد منهم المولى عز وجل رضي عنه وأكمل دراسته والآخرهرب من المدرسة وقال لا تدفع المصاريف فأنا لا أريد. المسألة في الإسلام ليست بالماديات، فأحيانا تجد شخص مادياته قليلة أو الحارس مثلا يصلي الفروض في جماعة وسكان العمارة أو صاحب العمارة لا يفعل ذلك فالمسألة في الإسلام حسمها الرسول بالتقوى (لا فرق بين عربي على أعجمي إلا بالتقوى) لا بالمال ولا الجاه ولا السلطان فكما قلت في المثال الحارس يصلي في جماعة والسكان نائمين والمثال الذي ضربته أنت لماذا حبب الله فلان في هذا الولد ولم يحببه في الآخر ؟ هذه إرادة الله ونحن إذا لم نرجع الأمر في النهاية لإرادة الله فلن نكون مؤمنين ؛لأن من صفات الإيمان الإيمان بالغيب، ما معنى الإيمان بالغيب ؟ لو دققت في المعنى من ضمن التفاسير فيها الإسلام والتسليم لإرادة الغيب المطلق وهو الله .
المقدم: حتى الآن يوجد ناس تسأل هذا السؤال (إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) .
د هداية: هو سبحانه وتعالى عندما ضرب مثال لن يحدث قال أعناقهم لم يقل قلوبهم لأن القلوب المولى يريدها محررة، تأتي له طائعة، منصاعة بإرادتها ؛لأنه هو سبحانه وتعالى الذي قال (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) .
المقدم: أنا أقصد أن الناس تسأل نحن لم نرى المولى عز وجل ولم نرى الملائكة لماذا ؟ كان من الممكن أن ينزل المولى برهان أو رأينا الملائكة أو رأينا الله وقال لنا أنا ربكم، ولن يكون هناك ملحدين ولا مكذبين لوجود الله .
د هداية: هو سبحانه وتعالى جل في علاه بالفعل عمل الماديات في عصر من العصور، المائدة نزلت من السماء ماذا فعلوا؟ اليهود أكلوا ما يريدون ماذا فعلوا ؟ فالماديات حصلت، والقرآن ضرب لنا الأمثلة كلها، هل في عصر الماديات عندما حدثت الماديات والأسئلة رجعوا إلى الله ؟! عندما نزلت المائدة هل آمنوا ؟! المولى عندما أجرى هذه التجارب لكي يكون إيماننا نحن - أمة الغيب من محمد (صلى الله عليه وسلم) وإلى قيام الساعة - منطلق من أن الماديات لم تأت بنتائج، فالإيمان بالغيب بفضل الله والحمد لله لو عملت إحصاء بين العصور ستجد عصر الإيمان بالغيب أعلى .
المقدم: يعني الطلبات التي طلبها هؤلاء الناس ليؤمنوا كانت ليس فيها يقين .
د هداية: لا لم يكن السؤال لليقين وإنما للجدال على أنه لن يحدث. مثل الذي يعجزك بطلبه حتى لا تستطيع أن تفعله .
المقدم: لذلك جاءت الصياغة القرآنية على لسان الحواريين عندما قالوا لعيسى عليه السلام هل يستطيع ربك (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [المائدة:112] يعني هل يقدر الإٌله بتاعك أنت ؟
د هداية: بالضبط فالسؤال للتعجيز ليس لليقين لأنه لو كان لليقين لما سألوا، فهل كل الناس سألت الماديات ؟! لا المؤمن لم يسأل، المؤمن من بني إسرائيل الذي آمن لموسى إيمان حقيقي مسلم، والذي آمن لعيس إيمان حقيقي مسلم، والذي آمن لمحمد كذلك لا هذا ولا ذاك سأل عن الماديات .
المقدم: لذلك جاء كلامهم (وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا) [المائدة:113]
د هداية: بالضبط لكن انظر إلى السؤال هل ربك يقدر ؟ هذه قلة أدب. لماذا لم يسأل علاء المؤمن بالغيب ؟ لأنه يعلم أنه يستطيع ويقدر أنه قادر قدير مقتدر وعيب عليَّ أن أختبر إلهي لا يصح لأن إيماني به أعلى من أن يرد على فكري طرف السؤال .
المقدم: لذلك عندما جاء الشيطان للمسيح عليه السلام وكان واقفا على تل عالي وقال له طالما أنك تؤمن أن كل شئ بقدر الله فألق بنفسك لو مكتوب لك أن تموت ستموت فقال له المسيح إن الرب يمتحن العبد وليس العبد يمتحن الرب .
د هداية: خذ مناط هذه القصة إن صحت وتأمل كيف بدأ الله القرآن ؟ ونحن متفقين أنه لا يوجد صدف فهل صدفة أو عبث حاشاه أنه عندما يبدأ الكتاب يبدأه بالسورة رقم 87نزول ؟ لا. ويكون أولها (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) وعندما يوصفهم يوجد مليون وصف للمتقين داخل الكتاب لكن هل هذا صدفة أو عبث أن أول توصيف للتقوى (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْب) ولو سألت ماهو الإيمان بالغيب ؟ سنأخذ فيها 150 حلقة لأن الإيمان بالغيب سيجمع كل هذه الماديات لأنه ليس محتاجا لها. ما هو إيمان علاء بالغيب ؟ إفعل أفعل، لا تفعل لا أفعل لا أناقش مناط السؤال بالفعل أو بالنهي مثلما تحدثا في (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ) هل وجدت واحد من الصحابة يسأل لماذا هو أذى؟ لا لم يحدث لأنهم فهموا أن هذا ساعة العلاقة أذى وليس المحيض نفسه، فهموا مناط السؤال والإجابة ونفذوا وليس فقط في هذا (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ) (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ) (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ) (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ) (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ) (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ) كل الأسئلة، فالذي سأل بنية السؤال أخذ الإجابة كاملة أما الذي سأل ليختبر الرسول أو يختبر المولى عز وجل فهذه قلة أدب فمهما تجيبه لن يؤمن .
المقدم: طالما أن الإسلام دين عقل فتكلمنا عن مسألة المحيض ودور حواء في غواية آدم .
د هداية: هذا الدور ليس موجودا .
المقدم: ونحن برَّأناها والإسلام برَّأها لماذا ينتشر عند الغرب أن الإسلام يظلم المرأة وهي مجرد شئ مغطى بالنقاب، يعني مثلا في الأزمة التي حدثت في سويسرا عن المآذن لو انتبهت للملصقات التي كانت يروجها حزب اليمين المتطرف الذي كان يدعو للإستفتاء .
د هداية: الذي كسب .
المقدم: الذي نجح فالنسبة كانت 57% هذا يعطي نتيجة أن أكثر من نصف المجتمع غير موافق على كبت حرية الناس، لكن الملصقات كانت فيها المآذن ومصورة كأنها صواريخ وهو بذلك لم يسب بل وصف هناك فرق فالمئذنة بدلا من أن تكون منارة للإشعاع الديني والثقافي والعقائدي أصبحت منارة إرهابية للعنف ووضع معها صور المرأة المنقبة على أساس أنها شئ منغلق ترفض أن تنفتح على الحضارة الإنسانية، فلماذا يرى الغرب هذا الجانب فقط أن الإسلام يهمش المرأة أو يضعها في النقاب ولا يرى الجانب المستنير ؟ هل نحن مقصرين بشكل أو بآخر ؟
د هداية: بلا شك نحن مقصرين ، وهم يرون هذا لأن المسلم يعرض هذا ، الإسلام يُعرض هناك هكذا. أنا زمان سألتك هل الرجل الذي سب الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يقصده هو أم نحن ؟ فهو لا يعرفه لكنه سبنا نحن لكن جائت في شخص الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فهو يسب الذي نسب لنفسه تفجير البرجين وهذا ليس من الإسلام في شئ ونحن قلناها وقتها والناس استغربت ردنا هذا ليس من الإسلام في شئ أن أقتل يهودي مسالم أو نصراني مسالم أو مسلم مسالم لماذا ؟
المقدم: بعض الناس ترد وتقول لأنهم يقتلوا الأبرياء في فلسطين والعراق ويقتلة النساء والأطفال، رغم أن هذه القضية محسومة في القرآن فالمولى قال إذا فعلتوا هذا (إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ) .
د هداية: فإن كانت حرب إذن جيش لجيش إنما أضرب ناس عزل في مبنى مدني وأقول أنا بطل أين البطولة ؟ بالإضافة إلى إننا لا نستطيع أن نُعَرِّف الإرهاب فالذي يحدث هذا ليس إرهاب بل إجرام فنحن لا نعرف أن نعرض ديننا، لذلك أنا لست قلقا من موضوع 57% في سويسرا لأنها ليست الغالبية .
المقدم: لكن الدستور سيتغير بناء عليها .
د هداية: طالما أن هناك تقصير فلابد أن تتحمل لابد أن يكون التغيير من عندنا نحن (بيدي لا بيدي عمرو) لابد أن أعرض الإسلام صح وبقوة وبنزاهة وأعرض قرآن .
المقدم: وقت الحلقة انتهى وبالنسبة لهذه النقطة فعلا نحن كلنا مقصرين ولا نتهم إلا أنفسنا، فأغلبية خطابنا في الإعلام خطاب الذات، ليس عندنا القدرة لإختراق أدوات الإعلام الغربية حتى نكون مشاركين كأصحاب فكرة ورأى للنقاش وهذه المآذن التي منعت في سويسرا قبل أن تمنع هي كلها فيها أربع مآذن مساجد أخرى بدون مآذن لكن كنت أتمنى أن تفلح هذه المآذن وتكون منارات اشعاع ثقافي تشرح صورة الإسلام لأن من الواضح أن صورة الإسلام الآن أنه مخيف. ويوجد هاجس نطلق عليه الهاجس الديمجرافي أن المسلمين يتزايدوا في أوروبا وسيأتي في يوم من الأيام أن أوروبا تكون فيها الغالبية مسلمة فبالتالي تنتهي الحضارة الأوروبية والمسيحية الموجودة في أوروبا وهذا هو الهدف الذي من أجله يمنعوا الناس من الهجرة لأن الإسلام بالنسبة لهم بعبع وسيظل الوضع كما هو عليه حتى نحاول تصحيح الصورة التي عليها الإسلام، ونراكم على خير سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
بُثّت الحلقة بتاريخ 15/12/2009م


الساعة الآن 12:19 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى