منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   كتاب تاريخ ابن خلدون (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=8921)

ميارى 4 - 8 - 2010 01:54 AM

الخبر عن ملوك كندة من هذه الطبقة ومبدأ أمرهم وتصاريف أحوالهم
قال الطبري عن هشام بن محمد الكلبي‏:‏ كان يخدم ملوك حمير أبناء الأشراف من حمير وغيرهم‏.‏ وكان ممن يخدم حسن بن تبع عمرو بن حجر سيد كندة لوقته‏.‏ وأبوه حجر هو الذي تسميه العرب آكل المرار وهو حجر بن عمرو بن معاوية بن الحرث الأصغر ابن معاوية بن الحرث الأكبر ابن معاوية بن كندة وكان أخاه حسان بن تبع لأمه‏.‏ فلما دوخ حسان بلاد العرب وسار في الحجاز وهم بالانصراف ولى على معد بن عدنان كلها أخاه حجر بن عمرو هذا وهو آكل المرار‏.‏ فدانوا له وسار فيهم أحسن سيرة‏.‏ ثم هلك وملك من بعده ابنه عمرو المقصور‏.‏ قال الطبري عن هشام‏:‏ ولما سار حسان إلى جديس خلفه على بعض أمور ملكه في حمير فلما قتل حسان وولي بعده أخوه عمرو بن تبع وكان ذا رأي ونبل فأراد أن يكرم عمرو بن حجر بما نقصه من ابن أخيه حسان فزوجه بنت أخيه حسان بن تبع‏.‏ وتكلمت حمير في ذلك وكان عندهم من الأحداث التي ابتلوا بها أن لا يتزوج في ذلك البيت أحد من العرب سواهم‏.‏ فولدت بنت حسان لعمرو بن حجر الحرث بن عمرو‏.‏ وملك بعد عمرو بن تبع عبد بن متون أصغر أولاد حسان‏.‏ واستهوت الجن منهم تبع بن حسان فولوا عبد كلال مخافة أن يطمع في ملكهم أحد من بيت الملك‏.‏ فولي عبد كلال لسرو رحمه وكان على دين النصرانية الأولى وكان ذلك يسوء قومه‏.‏ ودعا إليه رجل من غسان قدم عليه من الشام‏.‏ ووثب حمير بالغساني فقتلوه‏.‏ ثم رجع تبع بن حسان من استهواء الجن وهوأعلم الناس بنجم وأعقل من يعلم في زمانه وأكثرهم حديثاً عما كان ويكون‏.‏ فملك على حمير وهابته حمير والغرب وبعث بابن أخته الحرث بن عمرو بن حجر الكندي في جيش عظيم إلى بلاد معد والحيرة وما والاها فسار إلى النعمان بن امرىء القيس بن الشقيقة فقاتله فقتل النعمان وعدة من أهل بيته وهزم أصحابه‏.‏ وأفلت المنذر بن النعمان الأكبر وأمه ماء السماء إمرآة من النمير بن قاسط وذهب ملك آل النعمان وملك الحرث بن عمرو وما كانوا يملكون‏.‏
وفي كتاب الأغاني قال‏:‏ لما ملك قباذ وكان ضعيف الملك توثبت العرب على المنذر الأكبر ابن ماء السماء وهو ذو القرنين بن النعمان بن الشقيقة فأخرجوه‏.‏ وإنما سمي ذا القرنين لذؤابتين كانتا له فخرج هارباً منهم حتى مات في إياد وترك ابنه المنذر الأصغر فيهم وكان أنكى ولده وجاءوا بالحرث بن عمرو بن حجر آكل المرار فملكوه على بكر وحشدوا له وقاتلوا معه وظهر على من قاتله من العرب‏.‏ وأبى قباذ أن يمد المنذر بجيش‏.‏ فلما رأى ذلك كتب إلى الحرث بن عمرو‏:‏ إني في غير قومي وأنت أحق من ضمني وأنا متحول إليك فحوله وزوجه ابنته هنداً‏.‏ وقال غير هشام بن محمد‏:‏ إن الحرث بن عمرو لما ولي على العرب بعد أبيه اشتدت وطأته وعظم بأسه ونازع ملوك الحيرة وعليهم يومئذ المنذر بن امرىء القيس وبين لهم إذ ولي كسرى قباذ بعد أبيه فيروز بن يزدجرد وكان زنديقاً على رأي ماني‏.‏ فدعا المنذر إلى رأيه فأبى عليه وأجابه الحرث بن عمرو فملكه على العرب وأنزله بالحيرة‏.‏ ثم هلك قباذ وولي ابنه أنوشروان فرد ملك الحيرة إلى المنذر وصالحه الحرث على أن له ما وراء نهر السوادة فاقتسما ملك العرب‏.‏ وفرق الحرث ولده في معد فملك حجراً على بني أسد وشرحبيل على بني سعد والرباب وسلمة على بكر وتغلب ومعد يكرب على قيس وكنانة‏.‏ ويقال بل كان سلمة على حنظلة وتغلب وشرحبيل على سعد والرباب وبكر‏.‏ وكان قيس بن الحرث سيارة أي قوم نزل بهم فهو ملكهم‏.‏ وفي كتاب الأغاني‏:‏ إنه ملك ابنه شرحبيل على بكر وائل وحنظلة على بني أسد وطوائف من بني عمرو بن تميم والرباب وغلفا وهو معد يكرب على قيس وسلمة بن الحرث على بني تغلب والنمر بن قاسط والنمر بن زيد مناة‏.‏ فأما شرحبيل فإنه فسد ما بينه وبين أخيه سلمة واقتتلوا بالكلاب ما بين البصرة والكوفة على سبع من اليمامة وعلى تغلب السفاح وهو سلمة بن خالد بن كعب بن زهير ابن تميم بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب‏.‏ وسبق إلى الكلاب سفيان بن مجاشع بن دارم من أصحاب سلمة في تغلب مع إخوته لأمه‏.‏ ثم ورد سلمة وأصحابه فاقتتلوا عامة يومهم وخذلت بنو حنظلة وعمرو بن تميم والرباب بكر بن وائل وانصرفت بنو سعد واتباعها عن تغلب وصبر بنو بكر وتغلب ليس معهم غيرهم إلى الليل‏.‏ ونادى منادي سلمة في ذلك اليوم من يقتل شرحبيل ولقاتله مائة من الإبل فقتل شرحبيل في ذلك اليوم قتله عصيم بن النعمان بن مالك بن غياث بن سعد بن زهير بن بكر بن حبيب التغلبي‏.‏ وبلغ الخبر إلى أخيه معد يكرب فاشتد جزعه وحزنه على أخيه وزاد ذلك حتى اعتراه منه وسواس هلك به‏.‏ وكان معتزلاً عن الحرث ومنع بنو سعد بن زيد مناة عيال شرحبيل وبعثوا بهم إلى قومهم فعل ذلك عوف بن شحنة بن الحرث بن عطارد بن عوف بن سعد بن كعب‏.‏ وأما سلمة فإنه فلج فمات‏.‏ وأما حجر بن الحرث فلم يزل أميراً على بني أسد إلى أن بعث رسله في بعض الأيام لطلب الأتاوة من بني أسد فمنعوها وضربوا الرسل‏.‏ وكان حجر بتهامة فبلغه الخبر فسار إليهم في ربيعة وقيس وكنانة فاستباحهم وقتل أشرافهم وسرواتهم وحبس عبيداً بن الأبرص في جمع منهم فاستعطفه بشعر بعث به إليه فسرحه وأصحابه وأوفدهم فلما بلغوا إليه هجموا عليه ببيته فقتلوه‏.‏ وتولى قتله علباء بن الحرث الكاهلي كان حجر قتل أباه‏.‏ وبلغ الخبر امرأ القيس فحلف أن لا يقرب لذة حتى يدرك بثأره من بني أسد‏.‏ وسار صريخاً إلى بني بكر وتغلب فنصروه وأقبل بهم فأجفل بنو أسد‏.‏ وسار إلى المنذر بن امرىء القيس ملك الحيرة وأوقع امرؤ القيس في كنانة فاثخن فيهم‏.‏ ثم سار في اتباع بني أسد إلى أن أعيا ولم يظفر منهم بشيء ورجعت عنه بكر وتغلب‏.‏ فثار إلى مؤثر الخير بن ذي جدن من ملوك حمير صريخاً بنصره بخمسمائة رجل من حمير بجمع من العرب سواهم‏.‏ وجمع المنذر لامرىء القيس ومن معه وأمده كسرى أنوشروان بجيش من الأساورة والتقوا فانهزم أمرؤ القيس وفرت حمير ومن كان معه ونجا بدمه‏.‏ وما زال يتنقل في القبائل والمنذر في طلبه‏.‏ وسار إلى قيصر صريخاً فأمده ثم سعى به الطماح عند قيصر أنه يشبب ببنته فبعث إليه بحلة مسمومة كان فيها هلاكه ودفن بأنقرة‏.‏ قال الجرجاني‏:‏ ولا يعلم لكندة بعد هؤلاء ملوك اجتمع لهم أمرها وأطيع فيها سوى أنهم قد كان لهم رياسة ونباهة وفيهم سؤدد حتى كانت العرب تسميهم كندة الملوك‏.‏ وكانت الرياسة يوم جبلة على العساكر لهم‏.‏ فكان حسان بن عمرو بن الجور على تميم ومعاوية بن شرحبيل بن حصن على بني عامر‏.‏ والجور هو معاوية بن حجر آكل المرار أخو الملك المقصور عمرو بن حجر‏.‏ والله وارث الأرض ومن عليها‏.‏ وفي كتاب الأغاني‏:‏ أن امرأ القيس لما سار إلى الشام نزل على السموأل بن عاديا بالأبلق بعد إيقاعه ببني كنانة على أنهم بنو أسد وتفرق عنه أصحابه كراهة لفعله واحتاج إلى الهرب فطلبه المنذر بن ماء السماء وبعث في طلبه جموعاً من إياد وبهرا وتنوخ وجيوشاً من الأساورة أمده بهم أنوشروان وخذلته حمير وتفرقوا عنه‏.‏ فالتجأ إلى السموأل ومعه أدراع خمسة مسماة كانت لبني آكل المرار يتوارثونها ومعه بنته هند وابن عمه يزيد بن الحرث بن معاوية بن الحرث ومال وسلاح كان بقي معه والربيع بن ضبع بن نزارة‏.‏ وأشار عليه الربيع بمدح السموأل فمدحه ونزل به فضرب لابنته قبة وأنزل القوم في مجلس له براح فمكثوا ما شاء الله‏.‏ وسأله امرؤ القيس أن يكتب له إلى الحرث بن أبي شمر يوصله إلى قيصر ففعل واستصحب رجلاً يدله على الفريق وأودع ابنته وماله وأدراعه السموأل وخلف ابن عمه يزيد بن الحرث مع ابنته هند ونزل الحرث بن ظالم غازياً على الأبلق‏.‏ ويقال الحرث بن أبي شمر ويقال ابن المنذر‏.‏ وبعث الحرث بن ظالم ابنه يتصيد ويهدده بقتله فأبى من إخفار ذمته وقتل ابنه فضرب به المثل في الوفاء بذلك‏.‏ وأما نسب السموأل فقال ابن خليفة عن محمد بن سالم البيكندي عن الطوسي عن ابن حبيب‏:‏ إنه السموأل بن عريض بن عاديا بن حيا ويقال إن الناس يدرجون عريضاً في النسب ونسبه عمرو بن شبة ولم يذكر عريضاً‏.‏ وقال عبد الله بن سعد عن دارم بن عقال‏:‏ من ولد السموأل بن عاديا بن رفاعة بن ثعلبة بن كعب بن عمرو بن عامر مزيقيا وهذا عند محال‏.‏ لأن الأعشى أدرك سريح بن السموأل وأدرك الإسلام وعمرو مزيقيا قديم لا يجوز أن يكون بينه وبين السموأل ثلاثة آباء ولا عشرة‏.‏ وقد قيل إن أمه من غسان وكلهم قالوا هو صاحب الحصن المعروف بالأبلق بتيما المشهور بالزباء وقيل من ولد الكوهن بن هارون‏.‏ وكان هذا الحصن لجده عاديا واحتفر فيه أروية عذبة وتنزل به العرب فتصيبها وتمتار من حصنه وتقيم هنالك سوقاً اه كلام الأغاني‏.‏ وقال ابن سعيد‏:‏ كندة لقب لثور بن عفير بن الحرث بن مرة بن أدد بن يشجب بن عبيد الله بن زيد بن كهلان وبلادهم في شرقي اليمن‏.‏ ومدينة ملكهم دمون‏.‏ وتوالى الملك منهم في بني معاوية بن عنزة‏.‏ وكان التبابعة يصاهرونهم ويولونهم على بني معد بن عدنان بالحجاز‏.‏ فأول من ولي منهم حجر آكل المرار بن عمرو بن معاوية الأكبر ولاه تبع بن كرب الذي كسا الكعبة‏.‏ وولى بعده ابنه عمرو بن حجر ثم ابنه الحرث المقصور وهو الذي أبى أن يتزندق مع قباذ ملك الفرس فقتل في بني كلب ونهب ماله وكان قد ولى أولاده على بني معد فقتل أكثرهم وكان على بني أسد منهم حجر بن الحرث فجار عليهم فقتلوه وتجرد للطلب بثأره ابنه امرؤ القيس‏.‏ وسار إلى قيصر فأغراه به الطماح الأسدي‏.‏ وقال‏:‏ إنه يتغزل ببنات الملوك فألبسه حلةً مسمومة تقطع بها‏.‏ وقال صاحب التواريخ‏:‏ إن الملك انتقل بعدهم إلى بني جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين واشتهر منهم قيس بن معد يكرب بن جبلة ومنهم الأعشى وابنته العمردة من مردة الإنس ولها في قتال المسلمين أخبار في الردة وأسلم أخوها الأشعث ثم ارتد بعد الوفاة واعتصم بالحبر ففتحه جيش أبي بكر رضي الله عنه وجيء به إليه أسيرأ فمن عليه وزوجه أخته وخرج من نسله بنو الأشعث المذكورون في الدولة الأموية‏.‏ ومن بطون كندة السكون والسكاسك‏.‏ وللسكاسك مجالات شرقي اليمن متميزة وهم معروفون بالسحر والكهانة ومنهم تجب بطن كبير كان منهم بالأندلس بنو صمادح وبنو ذي النون وبنو الأفطس من ملوك الطوائف‏.‏ والله تعالى وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين لا رب غيره‏.‏ ملوك غسان وكيف انساق الملك إليه ممن قبلهم أول ملك كان للعرب بالشام فيما علمناه للعمالقة ثم لبني إرم بن سام ويعرفون بالأرمانيين‏.‏ وقد ذكرنا خلاف الناس في العمالقة الذين كانوا بالشام هل هم من ولد عمليق بن لاوذ بن سام أو من ولد عماليق بن أليفاز بن عيصو‏.‏ وأن المشهور المتعارف أنهم من عمليق بن لاوذ‏.‏ كان بنو إرم يومئذ بادية في نواحي الشام والعراق وقد ذكروا في التوراة وكان لهم مع ملوك الطوائف حروب كما تقدمت الاشارة إلى ذلك كله من قبل‏.‏ وكان آخر هؤلاء العمالقة ملك السميدع بن هوثر وهو الذي قتله يوشع بن نون حين تغلب بنو إسرائيل على الشام وبقي في عقبه ملك في بني الظرب بن حسان من بني عاملة العماليق‏.‏ وكان آخرهم ملكا الزبا بنت عمرو بن السميدع‏.‏ وكانت قضاعة مجاورين لهم في ديارهم بالجزيرة وغلبوا العمالقة لما فشل ريحهم‏.‏ فلما هلكت الزبا وانقرض أمر بني الظرب بن حسان ملك أمر العرب تنوخ من بطون قضاعة‏.‏ وهم تنوخ بن مالك بن فهم بن تيم الله بن الأسود بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة‏.‏ وقد تقدم ذكر نزولهم بالحيرة والأنبار ومجاورتهم للارمانيين‏.‏ فملك من تنوخ ثلاثة ملوك فيما ذكر المسعودي‏:‏ النعمان بن عمرو ثم ابنه عمرو بن النعمان ثم أخوه الحوار بن عمرو‏.‏ وكانوا مملكين من قبل الروم‏.‏ ثم تلاشى أمر تنوخ واضمحل وغلبت سليح من بطون قضاعة ثم الضجاعم منهم من ولد ضجعم بن سعد بن سليح واسمه عمرو بن حلوان بن عمران بن الحاف فتنصروا وملكتهم الروم على العرب وأقاموا على ذلك مدة‏.‏ وكان نزولهم ببلاد مؤاب من أرض البلقاء‏.‏ ويقال‏:‏ إن الذي ولى سليخ على نواحي الشام هو قيصر طيطش ابن قيصر ماهان‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ كان لبني سليح دولتان في بني ضجعم وبني العبيد فأما بنو ضجعم فملكوا إلى أن جاءهم غسان فسلبوهم ملكهم وكان آخرهم زياد بن الهبولة سار بمن أبقى السيف منهم إلى الحجاز فقتله والي الحجاز للتبابعة حجر آكل المرار‏.‏ قال ومن النسابين من يطلق تنوخ على بني ضجعم ودوس الذين تنخوا بالبحرين أي أقاموا ثم سار الضجاعم إلى برية الشام ودوس إلى برية العراق‏.‏ قال وأما بنو العبيد بن الأبرص بن عمرو بن أشجع بن سليح فتوارثوا الملك بالحضر الذي آثاره باقية في برية سنجار‏.‏ والمشهور منهم الضيزن بن معاوية بن العبيد المعروف عند الجرامقة بالساطرون وقصته مع سابور معروفة اه‏.‏ كلام ابن سعيد‏.‏ ثم استحالت صبغة الرياسة عن العرب لحمير وصارت إلى كهلان إلى بلاد الحجاز‏.‏ ولما فصلت الأزد من اليمن كان نزولهم ببلاد عك ما بين زبيد وزمع فحاربوهم وقتلوا ملك عك‏.‏ قتله ثعلبة بن عمرو مزيقيا‏.‏ قال بعض أهل اليمن‏:‏ عك بن عدنان بن عبد الله بن أدد قال الدارقطني‏:‏ عك بن عبد الله بن عدثان بالثاء المثلثة وضم العين ولا خلاف أنه بنونين كما لم يختلف في دوس بن عدثان قبيلة من الأزد أنه بالثاء المثلثة‏.‏ ثم نزلوا بالظهران وقاتلوا جرهم بمكة ثم افترقوا في البلاد‏.‏ فنزل بنو نصر بن الأزد الشراة وعمان ونزل بنو ثعلبة بن عمرو مزيقيا بيثرب وأقام بنو حارثة بن عمرو بمر الظهران بمكة وهم يقال لهم خزاعة‏.‏ وقال المسعودي‏:‏ سار عمرو مزيقيا حتى إذا كان بالشراة بمكة أقام هنالك بنو نصر بن الأزد وعمران الكاهن وعدي بن حارثة بن عمرو بالأزد حتى نزلوا بين بلاد الأشعريين وعك على ماء يقال له غسان بين واديين يقال لهما زبيد وزمع فشربوا من ذلك الماء فسموا غسان‏.‏ وكانت بينهم وبين معد حروب إلى أن ظفرت بهم معد فأخرجوهم إلى الشراة وهو جبل الأزد الذين هم به وهم على تخوم الشام ما بينه وبين الجبال مما يلي أعمال دمشق والأردن‏.‏ قال ابن الكلبي‏:‏ ولد عمرو بن عامر مزيقيا جفنة ومنه الملوك والحرث وهو محرق أول من عاقب بالنار وثعلبة وهو العنقا وحارثة وأبا حارثة ومالكاً وكعبأ ووداعة وهو في همدان‏.‏ وعوفا وذهل وائل ودفع ذهل إلى نجران ومنه أسقف وعبيدة وذهلاً وقيساً‏.‏ درج هؤلاء الثلاثة وعمران بن عمرو فلم يشرب أبو حارثة ولا عمران ولا وائل ماء غسان فليس يقال لهم غسان‏.‏ وبقي من أولاد مزيقيا ستة شربوا منه فهم غسان وهم‏:‏ جفنة وحارثة وثعلبة ومالك وكعب وعوف‏.‏ ويقال‏:‏ إن ثعلبة وعوفاً لم يشربا منه‏.‏ ولما نزلت غسان الشام جاوروا الضجاعم وقومهم من سليح ورئيس غسان يومئذ ثعلبة بن عمرو بن المجالد بن الحرث بن عمرو بن عدي بن عمرو بن مازن بن الأزد‏.‏ ورئيس الضجاعم يومئذ داود اللثق بن هبولة بن عمرو بن عوف بن ضجعم‏.‏ وكانت الضجاعة هؤلاء ملوكاً على العرب عمالاً للروم كما قلناه يجمعون ممن نزل بساحتهم لقيصر‏.‏ فغلبتهم غسان على ما بأيديهم من رياسة العرب لما كانت صبغة رياستهم الحميرية قد استحالت وعادت إلى كهلان وبطونها وعرفت الرياسة منها باليمن قبل فصولهم‏.‏ وربما كانوا أولى عدة وقوة وإنما العزة للكاثر‏.‏ وكانت غسان لأول نزولها بالشام طالبها ملوك الضجاعة بالأتاوة فمانعتهم غسان فاقتتلوا فكانت الدائرة على غسان وأقرت بالصغار وأدت الأتاوة حتى نشأ جذع بن عمرو بن المجالد بن الحرث بن عمرو بن المجالد بن الحرث بن عمرو بن عدي بن عمرو بن مازن بن الأزد‏.‏ ورجال سليح من ولد رئيسهم داود اللثق وهو سبطة بن المنذر بن داود ويقال بل قتلة‏.‏ فالتقوا فغلبهم غسان وأقاد بهم وتفردوا بملك الشام وذلك عند فساد كان بين الروم وفارس فخاف ملك الروم أن يعينوا عليه فارساً‏.‏ فكتب إليهم واستدناهم‏.‏ ورئيسهم يومئذ ثعلبة بن عمرو أخو جذع بن عمرو وكتبوا بينهم الكتاب على أنه إن دهمهم أمر من العرب أمدهم بأربعين ألفاً من الروم وإن دهمه أمر أمدته غسان بعشرين ألفاً‏.‏ وثبت ملكهم على ذلك وتوارثوه‏.‏ أول من ملك منهم ثعلبة بن عمرو فلم يزل ملكها إلى أن هلك وولي مكانه منهم ثعلبة بن عمرو مزيقيا‏.‏ قال الجرجاني‏:‏ وبعد ثعلبة بن عمرو ابنه الحرث بن ثعلبة يقال أنه ابن مارية‏.‏ ثم بعده ابنه المنذر بن الحرث ثم ابنه النعمان بن المنذر بن الحرث ثم أبو بشر بن الحرث بن جبلة بن الحرث بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة‏.‏ هكذا نسبه بعض النساب والصحيح أنه ابن عوف بن الحرث بن عوف بن عمرو بن عدي بن عمرو بن مازن ثم الحرث الأعرج بن أبي شمر ثم عمرو بن الحرث الأعرج ثم المنذر بن الحرث الأعرج ثم الأيهم بن جبلة بن الحرث بن جبلة بن الحرث بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة ثم ابنه جبلة‏.‏ وقال المسعودي‏:‏ أول من ملك منهم الحرث بن عمرو مزيقيا ثم بعده الحرث بن ثعلبة بن جفنة وهو ابن مارية ذات القرطين وبعده النعمان بن الحرث بن جفنة بن الحرث ثم أبو شمر بن الحارث بن ثعلبة بن جفنة بن الحارث‏.‏ ثم ملك بعده أخوه المنذر بن الحارث ثم أخوه جبلة بن الحارث ثم بعده عوف بن أبي شمر ثم بعده الحارث بن أبي شمر‏.‏ وعلى عهده كانت البعثة وكتب له النبي صلى الله عليه وسلم فيمن كتب إليه من ملوك تهامة والحجاز واليمن‏.‏ وبعث إليه شجاع بن وهب الأسدي يدعوه إلى الإسلام ويرغبه في الدين كذا عند ابن إسحق‏.‏ وكان النعمان بن المنذر على عهد الحارث بن أبي شمر هذا وكانا يتنازعان في الرياسة ومذاهب المدح وكانت شعراء العرب تفد عليهما مثل الأعشى وحسان بن ثابت وغيرهما‏.‏ ومن شعر حسان رضي الله تعالى عنه في مدح أبناء جفنة‏:‏ لله در عصابة نادمتهم يوماً بجلق في الزمان الأول أولاد جفنة حول قبر أبيهم قبر ابن مارية الكريم المفضل يغشون حتى ما تهر كلابهم لا يسألون عن السواد المقبل ثم ملك بعد الحارث بن أبي شمر ابنه النعمان ثم ملك بعده جبلة بن الأيهم بن جبلة‏.‏ وجبلة جده هو الذي ملك بعد أخويه شمر والمنذر‏.‏ وقال ابن سعيد‏:‏ أول من ملك من غسان بالشام وأذهب ملك الضجاعم جفنة بن مزيقيا‏.‏ ونقل عن صاحب تواريخ الأمم‏:‏ لما ملك جفنة بنى جلق وهي دمشق وملك خمساً وأربعين سنة‏.‏ واتصل الملك في بنيه إلى أن كان منهم الحارث الأعرج ابن أبي شمر وأمه مارية ذات القرطين من بني جفنة بنت الهانىء المذكورة في شعر حسان بأرض البلقاء ومعان‏.‏ قال ابن قتيبة‏:‏ وهو الذي سار إليه المنذر بن ماء السماء من ملوك الحيرة في مائة ألف فبعث إليه الحارث مائة من قبائل العرب فيهم لبيد الشاعر وهو غلام‏.‏ فأظهروا أنهم رسل في الصلح حتى إذا أحاطوا برواق المنذر فتكوا به وقتلوا جميع من كان معه في الرواق وركبوا خيولهم‏.‏ فمنهم من نجا ومنهم من قتل‏.‏ وحملت غسان على عسكر المنذر وقد اختبطوا فهزموهم‏.‏ وكانت حليمة بنت الحارث تحرض الناس وهم منهزمون على القتال فسمي يوم حليمة‏.‏ ويقال إن النجوم ظهرت فيه بالنهار من كرة العجاج‏.‏ ثم توالى الملك في ولد الحارث الأعرج إلى أن ملك منهم جفنة بن المنذر بن الحارث الأعرج وهو محرق لأنه حرق الحيرة دار ملك آل النعمان وكان جوالاً في الآفاق وملك ثلاثين سنة‏.‏ ثم كان ثالثه في الملك النعمان بن عمرو بن المنذر الذي بنى قصر السويدا وقصر حارث عند صيدا وهو مذكور في شعر النابغة‏.‏ ولم يكن أبوه ملكا وإنما كان يغزو بالجيش‏.‏ ثم ملك جبلة بن النعمان وكان منزله بصفين وهو صاحب عين أباغ يوم كانت له الهزيمة فيه على المنذر ابن المنذر ابن ماء السماء وقتل المنذر في ذلك اليوم‏.‏ ثم اتصل الملك في تسعة منهم بعده وكان العاشر أبو كرب النعمان بن الحارث الذي رثاه النابغة‏.‏ وكان منزله بالجولان من جهة دمشق‏.‏ ثم ملك الأيهم بن جبلة‏.‏ بن الحارث وكان له رأي في الإفساد بين القبائل حتى أفنى بعضهم بعضاً‏.‏ فعل ذلك ببني جسر وعاملة وغيرهم‏.‏ وكان منزله بتدمر‏.‏ وملك بعده منهم خمسة فكان السادس منهم ابنه جبلة بن الأيهم وهو آخر ملوكهم اه‏.‏ كلام ابن سعيد‏.‏ واستفحل ملك جبلة هذا وجاء الله بالإسلام وهو على ملكه‏.‏ ولما افتتح المسلمون الشام أسلم جبلة وهاجر إلى المدينة‏.‏ واستشرف أهل المدينة لمقدمه حتى تطاول النساء من خدورهن لرؤيته لكرم وفادته‏.‏ وأحسن عمر رضي الله نزوله وأكرم وفادته وأجله بأرفع رتب المهاجرين‏.‏ ثم غلب عليه الشقاء ولطم رجلاً من المسلمين من فزارة وطيء فضل أزاره وهو يسحبه في الأرض ونابذه إلى عمر رضي الله عنه في القصاص فأخذته العزة بالإثم فقال له عمر رضي الله عنه لا بد أن أقيده منك‏.‏ فقال له‏:‏ إذن أرجع عن دينكم هذا الذي يقاد فيه للسوقة من الملوك‏.‏ فقال له عمر رضي الله عنه إذن أضرب عنقك‏!‏ فقال أمهلني الليلة حتى أرى رأيي‏!‏ واحتمل رواحله وأسرى‏.‏ فتجاوز الدروب إلى قيصر ولم يزل بالقسطنطينية حتى مات سنة عشرين من الهجرة‏.‏ وفيما تذكره الثقات أنه ندم ولم يزل باكياً على فعلته تلك‏.‏ وكان فيما يقال يبعث بالجوائز إلى حسان بن ثابت لما كان منه في مدح قومه ومدحه في الجاهلية‏.‏ وعند ابن هشام‏:‏ أن شجاع بن وهب إنما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبلة‏.‏ قال المسعودي‏:‏ جميع ملوك غسان بالشام أحد عشر ملكاً‏.‏ وقال أن النعمان والمنذر أخوة جبلة وأبي شمر وكلهم بنو الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة ملكوا كلهم‏.‏ قال‏:‏ وقد ملك الروم على الشام من غير آل جفنة مثل الحارث الأعرج وهو أبو شمر بن عمرو بن الحارث بن عوف وعوف هذا جد ثعلبة بن عامر قاتل داود اللثق‏.‏ وملكوا عليهم أيضا أبا جبيلة بن عبد الله بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج بن ثعلبة بن مزيقيا وهو أبو جبيلة الذي استصرخه مالك بن العجلان على يهود يثرب حسبما نذكر بعد‏.‏ وقال ابن سعيد‏:‏ عن صاحب تواريخ الأمم‏:‏ إن جميع ملوك بني جفنة اثنان وثلاثون ومدتهم ستمائة سنة ولم يبق لغسان بالشام قائمة‏.‏ وورث أرضهم بها قبيلة طيء‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ وأمراؤهم بنو مرا‏.‏ وأما الآن فأمراؤهم بنو مهنا وهما معاً لربيعة بن علي بن مفرج بن بدر بن سالم بن علي بن سالم بن قصة بن بدر بن سميع‏.‏ وقامت غسان بعد منصرفها من الشام بأرض القسطنطينية حتى انقرض ملك القياصرة فتجهزوا إلى جبل شركس وهو ما بين بحر طبرستان وبحر نيطش الذي يمده خليج القسطنطينية‏.‏ وفي هذا الجبل باب الأبواب وفيه من شعوب الترك المتنصرة الشركس واركس واللاص وكسا ومعهم اخلاط من الفرس ويونان‏.‏ والشركس غالبون على جميعهم‏.‏ فانحازت قبائل غسان إلى هذا الجبل عند انقراض القياصرة والروم وتحالفوا معهم واختلطوا بهم ودخلت أنساب بعضهم في بعض حتى ليزعم كثير من الشركس أنهم من نسب غسان‏.‏ ولله حكمة بالغة في خلقه‏.‏ والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين لا انقضاء لملكه ولا رب غيره‏.‏

ميارى 4 - 8 - 2010 01:55 AM

الخبر عن الأوس والخزرج أبناء قبيلة من هذه الطبقة ملوك يثرب دار الهجرة
وذكر أوليتهم والإلمام بشأن نصرتهم وكيف انقرض أمرهم قد ذكرنا فيما تقدم شأن يثرب وأنها من بناء يثرب بن فانية بن مهلهل بن إرم بن عبيل بن عوض وعبيل أخو عاد‏.‏ وفيما ذكر السهيلي أن يثرب ابن قائد بن عبيد بن مهلاييل بن عوص بن عمليق بن لاوذ بن إرم وهذا أصح وأوجه‏.‏ وقد ذكرنا كيف صار أمر هؤلاء لإخوانهم جاسم من الأمم العمالقة وأن ملكهم كان يسمى الأرقم وكيف تغلب بنو إسرائيل عليه وقتلوه وملكوا الحجاز دونه كله من أيدي العمالقة‏.‏ ويظهر من ذلك أن الحجاز لعهدهم كان آهلاً بالعمران وجميع مياهه‏.‏ يشهد بذلك أن داود على السلام لما خلع بنو إسرائيل طاعته وخرجوا عليه بابنه أشبوشت فر مع سبط يهوذا إلى خيبر وملك ابنه الشام وأقام هو وسبط يهوذا بخيبر سبع سنين في ملكه حتى قتل ابنه وعاد إلى الشام‏.‏ فيظهر من هذا أن عمرانه كان متصلاً بيثرب ويجاوزها إلى خيبر‏.‏ وقد ذكرنا هنالك كيف أقام من بني إسرائيل من أقام بالحجاز وكيف تبعتهم يهود خيبر وبنو قريظة‏.‏ قال المسعودي‏:‏ وكانت الحجاز إذ ذاك أشجر بلاد الله وأكثرها ماءً فنزلوا بلاد يثرب واتخذوا بها الأموال وبنوا الآطام والمنازل في كل موطن وملكوا أمر أنفسهم وانضافت إليهم قبائل من العرب نزلوا معهم واتخذوا الأطم والبيوت وأمرهم راجع إلى ملوك المقدس من عقب سليمان عليه السلام‏.‏ قال شاعر بني نعيف‏:‏ ولو نطقت يوماً قباء لخبرت بأنا نزلنا قبل عاد وتبع وآطامنا عادية مشمخرة تلوح فتنعى من يعادي ويمنع فلما خرج مزيقيا من اليمن وملك غسان بالشام ثم هلك وملك ابنه ثعلب العنقاء ثم هلك ثعلبة العنقاء‏.‏ وولي أمرهم بعد ثعلبة عمرو ابن أخيه جفنة سخط مكانه ابنه حارثة فأجمع الرحلة إلى يثرب وأقام بنو جفنة بن عمرو ومن انضاف إليهم بالشام‏.‏ ونزل حارثة يثرب على يهود خيبر وسألهم الحلف والجوار على الأمان والمنعة فأعطوه من ذلك ما سأل‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ وملك اليمن يومئذ شريب بن كعب فكانوا باديةً لهم إلى أن انعكس الأمر بالكثرة والغلبة‏.‏ وفي كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني قال‏:‏ بنو قريظة وبنو النضير الكاهنان من ولد الكوهن بن هارون عليه السلام كانوا بنواحي يثرب بعد موسى عليه السلام وقبل تفرق الأزد من اليمن بسيل العرم ونزول الأوس والخزرج يثرب وذلك بعد الفجار ونقل ذلك عن علي بن سليمان الأخفش‏.‏ يسنده إلى العماري قال‏:‏ ساكنو المدينة العماليق وكانوا أهل عدوان وبغي وتفرقوا في البلاد‏.‏ وكان بالمدينة منهم بنو نعيف وبنو سعد وبنو الأزرق وبنو نظرون‏.‏ وملك الحجاز منهم الأرقم ما بين تيما إلى فدك وكان ملوك المدينة ولهم بها نخل وزرع‏.‏ وكان موسى عليه السلام قد بعث الجنود إلى الجبابرة يغزونهم وبعث إلى العماليقة جيشاً من بني إسرائيل وأمرهم أن لا يستبقوا أحداً فأبقوا ابناً للأرقم ضنوا به على القتل‏.‏ فلما رجعوا بعد وفاة موسى عليه السلام وأخبروا بني إسرائيل بشأنه فقالوا هذه معصية لا تدخلوا علينا الشام فرجعوا إلى بلاد العمالقة ونزلوا المدينة وكان هذا أولية سكنى اليهود بيثرب‏.‏ وانتشروا في نواحيها واتخذوا بها الآطام والأموال والمزارع ولبثوا زمانا‏.‏ وظهر الروم على بني إسرائيل بالشام وقتلوهم وسبوا‏.‏ فخرج بنو النضير وبنو قريظة وبنو يهدل هاربين إلى الحجاز وتبعهم الروم فهلكوا عطشاً في المفازة بين الشام والحجاز‏.‏ وسمي الموضع ثمر الروم‏.‏ ولما قدم هؤلاء الثلاثة المدينة نزلوا العالية فوجدوها وابيةً وارتادوا‏.‏ ونزل بنو النضير مما يلي البهجان وبنو قريظة وبنو يهدل على نهر وز‏.‏ وكان ممن سكن المدينة من اليهود حين نزلها الأوس والخزرج بنو الشقمة وبنو ثعلبة وبنو زرعة وبنو قينقاع وبنو يزيد وبنو النضير وبنو قريظة وبنو يهدل وبنو عوف وبنو عصص‏.‏ وكان بنو يزيد من بلي وبنو نعيف من بلي وبنو الشقمة من غسان‏.‏ وكان يقال لبني قريظة وبني النضير الكاهنان كما مر‏.‏ فلما كان سيل العرم وخرجت الأزد نزلت أزد شنوءة الشام بالسراة وخزاعة بطوى‏.‏ ونزلت غسان بصرى وأرض الشام ونزلت أزد عمان الطائف ونزلت الأوس والخزرج يثرب‏.‏ نزلوا في ضرار‏.‏ بعضهم بالضاحية وبعضهم بالقرى مع أهلها ولم يكونوا أهل نعم وشاء لأن المدينة كانت ليست بلاد مرعى ولا نخل لهم ولا زرع إلا الأعذاق اليسيرة والمزرعة يستخرجها من الموات والأموال لليهود فلبثوا حيناً‏.‏ ثم وفد مالك بن عجلان إلى أبي جبيلة الغساني وهو يومئذ ملك غسان فسأله فأخبره عن ضيق معاشهم فقال‏:‏ ما بالكم لم تغلبوهم حين غلبنا أهل بلدنا‏.‏ ووعده أنه يسير إليهم فينصرهم‏.‏ فرجع مالك وأخبرهم أن الملك آبا جبيلة يزورهم فأعدوا له نزلاً فأقبل ونزل بذي حرض وبعث إلى الأوس والخزرج بقدومه وخشي أن يتحصن منه اليهود في الآطام فاتخذ حائراً وبعث إليهم فجاءوه في خواصهم وحشمهم وأذن لهم في دخول الحائر وأمر جنوده فقتلوهم رجلاً رجلاً إلى أن أتوا عليهم‏.‏ وقال الأوس والخزرج إن لم تغلبوا على البلاد بعد قتل هؤلاء فلأحرقنكم ورجع إلى الشام فأقاموا في عداوة مع اليهود‏.‏
ثم أجمع مالك بن العجلان وصنع لهم طعاماً ودعاهم فامتنعوا لغدرة أبي جبيلة فاعتذر لهم مالك عنها وأنه لا يقصد نحو ذلك فأجابوه وجاءوا إليه فغدرهم وقتل منهم سبعة وثمانين من رؤسائهم‏.‏ وفطن الباقون فرجعوا وصورت اليهود بالحجاز مالك بن العجلان في كنائسهم وبيعهم وكانوا يلعنونه كلما دخلوا‏.‏ ولما قتلهم مالك ذلوا وخافوا وتركوا مشي بعضهم إلى بعض في الفتنة كما كانوا يفعلون من قبل‏.‏ وكان كل قوم من اليهود قد لجأوا إلى بطن من الأوس والخزرج يستنصرون بهم ويكونون لهم أحلافاً اه كلام الأغاني‏.‏ وكان لحارثة بن ثعلبة ولدان أحدهما أوس والآخر خزرج وأمهما قيلة بنت الأرقم بن عمرو بن جفنة وقيل بنت كاهن بن عذرة من قضاعة‏.‏ فأقاموا كذلك زماز حتى أثروا وامتنعوا في جانبهم وكثر نسلهم وشعوبهم‏.‏ فكان بنو الأوس كلهم لمالك بن الأوس منهم خطمة بن جشم بن مالك‏.‏ وثعلبة ولوذان وعوف كلهم بنو عمرو بن عوف بن مالك‏.‏ ومن بني عوف بن عمرو حنش ومالك وكلفة كلهم بنو عوف ومن مالك بن عوف معاوية وزيد‏.‏ فمن زيد عبيد وضبيعة وأمية‏.‏ ومن كلفة بن عوف جحجباً بن كلفة‏.‏ ومن مالك بن الأوس أيضا الحارث وكعب ابنا الخزرج بن عمرو بن مالك‏.‏ فمن كعب بنو ظفر ومن الحارث بن الخزرج حارثة وجشم‏.‏ ومن جشم بنو عبد الأشهل‏.‏ ومن مالك بن الأوس أيضا بنو سعد وبنو عامر ابنا مرة بن مالك فبنو سعد الجعادرة‏.‏ ومن بني عامر عطية وأمية ووائل كلهم بنو زيد بن قيس بن عامر‏.‏ ومن مالك وأما الخزرج فخمسة بطون من كعب وعمرو وعوف وجشم والحارث‏.‏ فمز كعب بن الخزر بنو ساعدة بن كعب ومن عمرو بن الخزرج بنو النجار وهم تيم الله بن ثعلبة بن عمرو وهم شعوب كثيرة‏:‏ بنو مالك وبنو عدي وبنو مازن وبنو دينار كلهم بنو النجار‏.‏ ومن مالك بن النجار مبدول واسمه عامر وغانم وعمرو‏.‏ ومن عمرو عدي ومعاوية ومن عوف بن الخزرج بنو سالم والقواقل وهما عوف بن عمرو بن عوف والقواقل ثعلبة ومرضخة بنو قوقل بن عوف‏.‏ ومن سالم بن عوف بنو العجلان بن زيد بن عصم بن سالم وبنو سالم بن عوف‏.‏ ومن جشم بن الخزرج بنو غضب بن جشم وتزيد بن جشم‏.‏ فمن غضب بن جشم بنو بياضة وبنو زريق ابنا عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب‏.‏ ومن تزيد بن جشم بنو سلمة بن سعد بن علي بن راشد بن ساردة بن تزيد‏.‏ ومن الحارث بن الخزرج بنو خدرة وبنو حرام ابنا عوف بن الحارث بن الخزرج‏.‏ فهذه بطون الخزرج فلما انتشر بيثرب هذان الحيان من الأوس والخزرج وكثروا يهود خافوهم على أنفسهم فنقضوا الحلف الذي عقدوه لهم وكانت العزة يومئذ بيثرب لليهود‏.‏ قال قيس بن الحطيم‏:‏ كنا إذا رابنا قوم بمظلمة شدت لنا الكاهنان الخيل واعتزموا بنوا الرهون وواسونا بأنفسهم بنوا الصريخ فقد عفوا وقد كرموا ثم نتج فيهم بعد حين مالك بن العجلان وقد ذكر نسب العجلان‏.‏ فعظم شأن مالك وسوده الحيان‏.‏ فلما نقض يهود الحلف واقعهم وأصاب منهم ولحق بأبي جبيلة ملك غسان بالشام وقيل بعث إليه الرنق بن زيد بن امرىء القيس فقدم عليه فأنشده‏:‏ أقسمت أطعم من رزق قطرةً حتى تكثر للنجاة رحيل حتى ألاقي معشرأ أنى لهم خل ومالهم لنا مبذول أرض لنا تدعى قبائل سالم ويجيب فيها مالك وسلول قوم أولو عز وعزة غيرهم إن الغريب ولو يعز ذليل فأعجبه وخرج في نصرتهم‏.‏ وأبو جبيلة هو ابن عبد الله بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج‏.‏ كان حبيب بن عبد حارثة وأخوه غانم ابنا الجشمي ساروا مع غسان إلى الشام وفارقوا الخزرج‏.‏ ولما خرج أبو جبيلة إلى يثرب لنصرة الأوس والخزرج لقيه أبناء قيلة وأخبروه أن يهود علموا بقصده فتحصنوا في آطامهم فوري عن قصده باليمن وخرجوا إليه‏.‏ فدعاهم إلى صنيع أعده لرؤسائهم ثم استلحمهم‏.‏ فعزت الأوس والخزرج من يومئذ وتفرقوا في عالية يثرب وسافلتها يتبوأون منها حيث شاءوا وملكت أمرها على يهود فذلت اليهود وقل عددهم وعلت قدم أبناء قيلة عليهم‏.‏ فلم يكن لهم امتناع إلا بحصونهم وتفرقهم أحزاباً على وفي كتاب ابن إسحق‏:‏ إن تبعاً أبا كرب غزا المشرق فمر بالمدينة وخلف بين أظهرهم ابناً له فقتل غيلة‏.‏ فلما رجع أجمع على تخريبها واستئصال أهلها فجمع هذا الحي من الأنصار رئيسهم عمرو بن ظلة وظلة أمه وأبوه معاوية بن عمرو‏.‏ قال ابن إسحق‏:‏ وقد كان رجل من بني عدي بن النجار يقال له أحمر نزل بهم تبع‏.‏ وقال إنما التمر لمن أبره فزاد ذلك تبعاً حنقاً عليهم فاقتتلوا‏.‏ وقال ابن قتيبة في هذه الحكاية إن الذي عدا على التبعي هو مالك بن العجلان‏.‏ وأنكره السهيلي وفرق بين القصتين بأن عمرو بن ظلة كان لعهد تبع ومالك بن العجلان لعهد أبي جبيلة واستبعد ما بين الزمانين‏.‏ ولم يزل هذان الحيان قد غلبوا اليهود على يثرب‏.‏ وكان الاعتزاز والمنعة تعرف لهم في ذلك‏.‏ ويدخل في حلفهم من جاورهم من قبائل مضر وكانت بينهم في الحيين فتن وحروب ويستصرخ كل بمن دخل في حلفه من العرب واليهود‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ ورحل عمرو بن الإطنابة من الخزرج إلى النعمان بن المنذر ملك الحيرة فملكه على الحيرة واتصلت الرياسة في الخزرج والحرب بينهم وبين الأوس ومن أشهر الوقائع التي كانت بينهم يوم بعاث قبل المبعث‏.‏ كان على الخزرج فيه عمرو بن النعمان بن صلاة بن عمرو بن أمية بن عامر بن بياضة‏.‏ وكان على الأوس يومئذ حضير الكتائب ابن سماك بن عتيك بن امرىء القيس بن زيد بن عبد الأشهل‏.‏ وكان حلفاء الخزرج يومئذ أشج من غطفان وجهينة من قضاعة‏.‏ وخلفاء الأوس مزينة من أحياء طلحة بن إياس وقريظة والنضير من يهود وكان الغلب صدر النهار للخزرج‏.‏ ثم نزل حضير وحلف لا أركب أو أقتل‏.‏ فتراجعت الأوس وحلفاؤها وانهزم الخزرج‏.‏ وقتل عمرو بن النعمان رئيسهم‏.‏ وكان آخر الأيام بينهم وصبحهم الإسلام وقد سئموا الحرب وكرهوا الفتنة فأجمعوا على أن يتوجوا عبد الله بن أبي بن سلول‏.‏ ثم اجتمع أهل العقبة منهم بالنبي صلى الله عليه وسلم بمكة ودعاهم إلى نصرة الإسلام فجاءوا إلى قومهم بالخبر كما نذكر وأجابوا واجتمعوا على نصرته‏.‏ ورئيس الخزرج سعد بن عبادة والأوس بن معاذ‏.‏ قالت عائشة‏:‏ كان يوم بعاث يوماً قدمه الله لرسوله ولما بلغهم خبر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وما جاء به من الدين وكيف أعرض قومه عنه وكذبوه وآذوه وكان بينهم وبين قريش إخاء قديم وصهر فبعث أبو قيس بن الأسلت من بني مرة بن مالك بن الأوس ثم من بني وائل منهم واسمه صيفي بن عامر بن شحم بن وائل وكان يحبهم لمكان صهره فيهم‏.‏ فكتب إليهم قصيدة يعظم لهم فيها الحرمة ويذكر فضلهم وحلمهم وينهاهم عن الحرب ويأمرهم بالكف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويذكرهم بما رفع الله عنهم من أمر الفيل وأولها‏:‏ تناهز خمساً وثلاثين بيتاً ذكرها ابن إسحق في كتاب السير فكان ذلك أول ما ألقح بينهم من الخير والإيمان‏.‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يئس من إسلام قومه يعرض نفسه على وفود العرب وحجاجهم أيام الموسم أن يقوموا بدين الإسلام وبنصره حتى يبلغ ما جاء به من عند الله وقريش يصدونهم عنه ويرمونه بالجنون والشعر والسحر كما نطق به القرآن‏.‏ وبينما هو في بعض المواسم عند العقبة لقي رهطاً من الخزرج ست نفر اثنان من بني غانم بن مالك وهما أسعد بن زرارة بن عدي بن عبيد الله بن ثعلبة بن غانم وعوف بن الحرث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غانم وهو ابن عفراء‏.‏ ومن بني زريق بن سواد بن مالك بن غانم وهو ابن عفراء‏.‏ ومن بني زريق بن عامر رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق‏.‏ ومن بني غانم بن كعب بن سلمة بن سعد بن عبد الله بن عمرو بن الحرث بن ثعلبة بن الحرث بن حرام بن كعب بن غانم كعب بن رئاب بن غانم وقطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن غانم بن سواد بن غانم وعقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن حرام بن كعب بن غانم‏.‏ فلما لقيهم قال لهم‏:‏ من أنتم قالوا نفر من الخزرج قال‏:‏ أمن موالي يهود قالوا نعم‏!‏ فقال ألا تجلسون أكلمكم فجلسوا معه فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن‏.‏ فقال بعضهم لبعض‏:‏ تعلموا والله أنه النبي الذي تعدكم يهود به فلا يسبقنكم إليه‏.‏ فأجابوه فيما دعاهم وصدقوه وآمنوا به وأرجأوا الأمر في نصرته إلى لقاء قومهم‏.‏ وقدموا المدينة فذكروا لقومهم شأن النبي صلى الله عليه وسلم ودعوهم إلى الإسلام‏.‏ ففشا فيهم‏.‏ فلم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ ثم وافى الموسم في العام المقبل اثنا عشر منهم فوافوه بالعقبة وهي العقبة الأولى‏.‏ وهم أسعد بن زرارة وعوف بن الحرث وأخوه معاذ إبنا عفراء ورافع بن مالك بن العجلان وعقبة بن عامر من الستة الأولى وستة آخرون منهم من بني غانم بن عوف بن القواقل‏.‏ منهم عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غانم‏.‏ ومن بني زريق ذكوان بن عبد القيس بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق والعباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان‏.‏ هؤلاء التسعة من الخزرج‏.‏ وأبو عبد الرحمن بن زيد بن ثعلبة بن خزيمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة من بني عصية من بلي إحدى بطون قضاعة حليف لهم‏.‏ ومن الأوس رجلان الهيثم بن التيهان واسمه مالك بن التيهان بن مالك بن عتيك بن امرىء القيس بن زيد بن عبد الأشهل وعويم بن ساعدة من بني عمرو بن عوف‏.‏ فبايعوه على الإسلام بيعة النساء وذلك قبل أن يفترض الحرب‏.‏ ومعناه أنه حينئذ لم يؤمر بالجهاد وكانت البيعة على الإسلام فقط كما وقع في بيعة النساء على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن‏:‏ الأية‏.‏ وقال لهم فإن وفيتم فلكم الجنة وإن غشيتم من ذلك شيئاً فأخذتم بحده في الدنيا فهو كفارة له‏.‏ وإن سترتم عليه في الدنيا إلى يوم القيامة فأمركم إلى الله إن شاء عذب وإن شاء غفر‏.‏ وبعث معهم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي يقريهم القرآن ويعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين‏.‏ فكان يصلي بهم وكان منزله على أسعد بن زرارة وغلب الإسلام في الخزرج وفشا فيهم وبلغ المسلمون من أهل يثرب أربعين رجلاً فجمعوا‏.‏ ثم أسلم من الأوس سعد بن معاذ بن النعمان بن امرىء القيس بن زيد بن عبد الأشهل وابن عمه أسيد بن حضير الكتائب وهما سيدا بني عبد الأشهل‏.‏ وأوعب الإسلام بني عبد الأشهل وأخذ من كل بطن من الأوس ما عدا بني أمية بن زيد وخطمة ووائل وواقف وهي أوس أمه من الأوس من بني حارثة‏.‏ ووقف بهم عن الإسلام أبو قيس بن الأسلت يرى رأيه حتى مضى صدر من الإسلام ولم يبق دار من دور أبناء قيلة إلا وفيها رجال ونساء مسلمون‏.‏ ثم رجع مصعب إلى مكة‏.‏ وقدم المسلمون من أهل المدينة معه فواعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق فبايعوه وكانوا ثلثمائة وسبعين رجلاً وامرأتين بايعوه على الإسلام وأن يمنعوه ممن أراده بسوء ولو كان دون ذلك القتل‏.‏ وأخذ عليهم النقباء اثني عشر تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس وأسلم ليلتئذ عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر بن عبد الله وكان أول من بايع البراء بن معرور من بني تزيد بن جشم من الخزرج وصرخ الشيطان بمكانهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وتنطست قريش الخبر فوجدوه قد كان فخرجوا في طلب القوم وأدركوا سعد بن عبادة وأخذوه وربطوه حتى أطلقه جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل والحرث بن حرب بن أمية بن عبد شمس لجوار كان له عليهما ببلده‏.‏ فلما قدم المسلمون المدينة أظهروا الإسلام ثم كانت بيعة الحرب حتى أذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في القتال فبايعوه على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وأثرته عليهم وأن لا ينازعوا الأمر أهله وأن يقوموا بالحق أينما كانوا ولا يخافوا في الله لومة لائم‏.‏ ولما تمت بيعة العقبة وأذن الله لنبيه في الحرب أمر المهاجرين الذين كانوا يؤذون بمكة أن يلحقوا بإخوانهم من الأنصار بالمدينة فخرجوا أرسالاً وأقام هو بمكة ينتظر الإذن في الهجرة‏.‏ فهاجر من المسلمين كثير سماهم ابن إسحق وغيره‏.‏ وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه في من هاجر هو وأخوه زيد وطلحة بن عبيد الله وحمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة وأنيسة وأبو كبشة موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وعثمان بن عفان رضي الله عنهم‏.‏ ثم أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فهاجر وصحبه أبو بكر رضي الله عنه فقدم المدينة ونزل في الأوس على كلثوم بن مطعم بن امرىء القيس بن الحرث بن زيد بن عبيد بن مالك بن عوف‏.‏ وسيد الخزرج يومئذ عبد الله بن أبي بن سلول‏.‏ وأبي هو ابن مالك بن الحرث بن عبيد واسم أم عبيد سلول‏.‏ وعبيد هو ابن مالك بن سالم بن غانم بن عوف بن غانم بن مالك بن النجار‏.‏ وقد نظموا له الخرز ليملكوه على الحيين فغلب على أمره واجتمعت أبناء قيلة كلهم على الإسلام فضغن لذلك لكنه أظهر أن يكون له اسم منه‏.‏ فأعطى الصفقة وطوى على النفاق كما يذكر بعد‏.‏ وسيد الأوس يومئذ أبو عامر بن عبد عمرو بن صيفي بن النعمان أحد بني ضبيعة بن زيد‏.‏ فخرج إلى مكة هارباً من الإسلام حين رأى اجتماع قومه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بغضاً في الدين‏.‏ ولما فتحت مكة فر إلى الطائف ولما فتح الطائف فر إلى الشام فمات هنالك‏.‏ ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي أيوب الأنصاري حتى ابتنى مساكنه ومسجده ثم انتقل إلى بيته‏.‏ وتلاحق به المهاجرون واستوعب الإسلام سائر الأوس والخزرج وسموا الأنصار يومئذ بما نصروا من دينه‏.‏ وخطبهم النبي صلى الله عليه وسلم وذكرهم وكتب بين المهاجرين والأنصار كتاباً وادع فيه يهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم واشترط عليهم وشرط لهم كما يفيده كتاب ابن إسحق فلينظر هنالك‏.‏ ثم كانت الحرب بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قومه فغزاهم وغزوه وكانت حروبهم سجالاً ثم كان الظهور والظفر لرسول الله صلى الله عليه وسلم آخراً كما نذكر في سيرته صلى الله عليه وسلم وصبر الأنصار في المواطن كلها واستشهد من أشرافهم ورجالاتهم كثير هلكوا في سبيل الله وجهاد عدوه‏.‏ ونقض أثناء ذلك اليهود الذين بيثرب على المهاجرين والأنصار ما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم وظاهروا عليه‏.‏ فأذن الله لنبيه صلى الله عليه وسلم فيهم وحاصرهم طائفة بعد أخرى‏.‏ وأما بنو قينقاع فإنهم تثاوروا مع المسلمين بسيوفهم وقتلوا مسلماً‏.‏ وأما بنو النضير وقريظة فمنهم من قتله الله وأجلاه‏.‏ فأما بنو النضير فكان من شأنهم بعد أحد وبعد بئر معونة جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية العامريين اللذين قتلهما عمرو بن أمية بن القرى‏.‏ ولم يكن علم بعقدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حسبما نذكره فهموا بقتل رسول صلى الله عليه وسلم حين جاءهم لذلك خديعة منهم ومكراً فحاصرهم حتى نزلوا على الجلاء وأن يحملوا ما استقلت به الإبل من أموالهم إلا الحلقة‏.‏ وافترقوا في خيبر وبني قريظة‏.‏ وأما بنو قريظة فظاهروا قريشاً في غزوة الخندق فلما فرج الله كما نذكره حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً وعشرين ليلة حتى نزلوا على حكمه وكلمته وشفع الأوس فيهم وقالوا تهبهم لنا كما وهبت بني قينقاع للخزرج‏.‏ فرد حكمهم إلى سعد بن معاذ وكان جريحاً في المسجد وأثبت في غزوة الخندق‏.‏ فجاء وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بم تحكم في هؤلاء بعد أن استحلف الأوس أنهم راضون بحكمه فقال يا رسول الله تضرب الأعناق وتسبي الأموال والذرية‏.‏ فقال‏:‏ حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة فقتلوا عن آخرهم وهم ما بين الستمائة والتسعمائة‏.‏ ثم خرج إلى خيبر بعد الحديبية سنة ست فحاصرهم وافتتحها عنوة وضرب رقاب اليهود وسبى نساءهم وكان في السبي صفية بنت حيي بن أخطب وكان أبوها قتل مع بني قريظة وكانت تحت كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وقتله محمد بن مسلمة غزاه من المدينة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ستة نفر فبيته‏.‏ فلما افتتحت خيبر اصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه وقسم الغنائم في الناس من القمح والتمر وكان عدد السهام التي قسمت عليها أموال خيبر ألف سهم وثمانمائة سهم برجالهم وخيلهم الرجال ألف وأربعمائة والخيل مائتان‏.‏ وكانت أرضهم الشق ونطاة والكتيبة‏.‏ فحصلت الكتيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والخمس ففرقها على قرابته ونسائه ومن وصلهم من المسلمين‏.‏ وأعمل أهل خيبر على ولما كان فتح مكة سنة ثمان وغزوة حنين على أثرها وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم فيمن كان يستألفه على الإسلام من قريش وسواهم وجد الأنصار في أنفسهم وقالوا‏:‏ سيوفنا تقطر من دمائهم وغنائمنا تقسم فيهم‏.‏ مع أنهم كانوا ظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فتح بلاده وجمع على الدين قومه أنه سيقيم بأرضه وله غنية عنهم‏.‏ وسمعوا ذلك من بعض المنافقين وبلغ ذلك كله رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمعهم وقال يا معشر الأنصار‏:‏ ما الذي بلغكم عني فصدقوه الحديث‏.‏ فقال ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله وعالةً فأغناكم الله ومتفرقين فجمعكم الله فقالوا الله ورسوله أمن‏.‏ فقال لو شئتم لقلتم جئتنا طريداً فآويناك ومكذباً فصدقناك‏.‏ ولكن والله إني لأعطي رجالاً استألفهم على الدين وغيرهم أحب إلي‏.‏ ألا ترضون أن ينقلب الناس بالشاء والبعير وتنقلبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم أما والذي نفسي بيده لولا الهجرة لكنت أمرأً من الأنصار‏.‏ الناس دثار وأنتم شعار‏.‏ ولو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار‏!‏ ففرحوا بذلك ورجعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يثرب فلم يزل بين أظهرهم إلى أن قبضه الله إليه‏.‏ ولما كان يوم وفاته صلى الله عليه وسلم اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة بن كعب ودعت الخزرج إلى بيعة سعد بن عبادة وقالوا لقريش‏:‏ منا أمير ومنكم أمير ضنا بالأمر أو بعضه فيهم لما كان من قيامهم بنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وامتنع المهاجرون واحتجوا عليهم بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بالأنصار في الخطبة ولم يخطب بعدها‏.‏ قال‏:‏ أوصيكم بالأنصار أنهم كرشي وعيبتي وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم فأوصيكم بأن تحسنوا إلى محسنهم وتتجاوزوا عن مسيئهم‏.‏ فلو كانت الإمارة لكم لكانت ولم تكن الوصية بكم‏.‏ فحجوهم فقام بشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس بن زيد بن مالك بن الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحرث بن الخزرج فبايع لأبي بكر واتبعه الناس‏.‏ فقل حباب بن المنذر بن الجموح بن حرام بن كعب بن غانم بن سلمة بن سعد‏:‏ يا بشير أنفست بها ابن عمك يعني الإمارة‏.‏ قال لا والله ولكني كرهت أن أنازع الحق قوما جعله الله لهم‏.‏ فلما رأى الأوس ما صنع بشير بن سعد وكانوا لا يريدون الأمر للخزرج قاموا فبايعوا أبا بكر‏.‏ ووجد سعد فتخلف عن البيعة ولحق بالشام إلى أن هلك وقتله الجن فيما يزعمون وينشدون من شعر الجن‏:‏ نحن قتلنا سيد الخززج سعد بن عباده ضربناه بسهم فلم تخط فؤاده وكان لابنه قيس من بعده غناء في الأيام وأثر في فتوحات الإسلام‏.‏ وكان له انحياش إلى علي في حروبه مع معاوية وهو القائل لمعاوية بعد مهلك علي رضي الله عنه وقد عرض به معاوية في تشيعه فقال‏:‏ والآن ماذا يا معاوية‏.‏ والله إن القلوب التي أبغضناك بها لفي صدورنا وأن السيوف التي قاتلناك بها لعلى عواتقنا‏.‏ وكان أجود العرب وأعظمهم جثماناً‏.‏ يقال‏:‏ إنه كان إذا ركب تخط رجلاه الأرض‏.‏ ولما ولي يزيد بن معاوية وظهر من عسفه وجوره وادالته الباطل من الحق ما هو معروف امتعضوا للدين وبايعوا لعبد الله بن الزبير حين خرجوا بمكة‏.‏ واجتمعوا على حنظلة بن عبد الله الغسيل ابن أبي عامر بن عبد عمرو بن صيفي بن النعمان بن مالك بن صيفي بن أمية بن ضبيعة بن زيد‏.‏ وعقد ابن الزبير لعبد الله بن مطيع بن إياس على المهاجرين معهم‏.‏ وسرح يزيد إليهم مسلم بن عقبة المري وهو عقبة بن رباح بن أسعد بن ربيعة بن عامر بن مرة بن عوف بن سعد بن دينار بن بغيض بن ريث بن غطفان فيمن فرض عليه من بعوث الشام والمهاجرين فالتقوا بالحرة حرة بني زهرة وكانت الدبرة على الأنصار واستلحمهم جنود يزيد‏.‏ ويقال‏:‏ إنه قتل في ذلك اليوم من المهاجرين والأنصار سبعون بدرياً‏.‏ وهلك عبد الله بن حنظلة يومئذ فيمن هلك‏.‏ وكانت إحدى الكبر التي أتاها يزيد‏.‏ واستفحل ملك الإسلام من بعد ذلك واتسعت دولة العرب وافترقت قبائل المهاجرين والأنصار في قاصية الثغور بالعراق والشام والأندلس وأفريقية والمغرب حاميةً ومرابطين‏.‏ فافترق الحي أجمع من أبناء قيلة وافترقت وأقفرت منهم يثرب ودرسوا فيمن درس من الأمم‏.‏ وتلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم‏.‏ والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين لا خالق سواه ولا معبود إلا إياه ولا خير إلا خيره ولا رب غيره وهو نعم المولى ونعم النصير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين‏.‏

ميارى 4 - 8 - 2010 01:59 AM

الخبر عن بني عدنان وانسابهم وشعوبهم وما كان لهم من الدول والملك في الإسلام واولية ذلك ومصايره
قد تقدم لنا أن نسب عدنان إلى إسماعيل عليه السلام باتفاق من النسابين وأن الآباء بينه وبين إسماعيل غير معروفة‏.‏ وتنقلب في غالب الأمر مخلطة مختلفة بالقلة والكثرة في العمر حسبما ذكرناه‏.‏ فأما نسبته إليه فصحيحة في الغالب ونسب النبي صلى الله عليه وسلم منها إلى عدنان صحيح باتفاق من النسابين‏.‏ وأما بين عدنان وإسماعيل فبين الناس فيه اختلاف كثير‏.‏ فقيل من ولد نابت بن إسماعيل وهو عدنان بن أدد المقدم ابن ناحور بن تنوخ بن يعرب بن يشجب بن نابت قاله البيهقي‏.‏ وقيل من ولد قيذار بن إسماعيل وهو عدنان بن أدد بن اليسع بن الهميسع بن سلامان بن نبت بن حمل بن قيذار‏.‏ قاله الجرجاني علي بن عبد العزيز النسابة‏.‏ وقيل عدنان بن يشجب بن أيوب بن قيذار‏.‏ ويقال إن قصي بن كلاب كان يومي شعره بالإنتساب إلى قيذار‏.‏
ونقل القرطبي عن هشام بن محمد‏:‏ فيما بين عدنان وقيذار نحواً من أربعين أباً‏.‏ وقال سمعت رجلاً من أهل تدمر من مسلمة يهود وممن قرأ كتبهم يذكر نسب معد بن عدنان إلى إسماعيل من كتاب إرمياء النبي عليه السلام وهو يقرب من هذا النسب في العدد والأسماء إلا قليلاً‏.‏ ولعل الخلاف أنما جاء من قبل اللغة لأن الأسماء ترجمت من العبرانية‏.‏ ونقل القرطي عن الزبير بن بكار بسنده إلى ابن شهاب‏:‏ فيما بين عدنان وقيذار قريباً من ذلك العدد ونقل عن بعض النسابين أنه حفظ لمعد بن عدنان أربعين أباً إلى إسماعيل‏.‏ وأنه قابل ذلك بما عند أهل الكتاب في نفسه فوجده موافقاً‏.‏ وأنما خالف في بعض الأسماء‏.‏ قال‏:‏ واستمليته فأملاه علي ونقله الطبري إلى آخره‏.‏ ومن النسابين من بعد بين عدنان وإسماعيل عشرين أو خمسة عشر ونحو ذلك‏.‏ وفي الصحيح عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ معد بن عدنان بن أدد بن زيد بن برا بن أعراق الثرى‏.‏ قالت أم سلمة‏:‏ وزيد هو الهميسع وبرا هو نبت أو نابت وأعراق الثرى هو إسماعيل وقد تقدم هذا أول الكتاب‏.‏ وأن السهيلي رد تفسير أم سلمة وقال‏:‏ ليس المراد بالحديث عد الآباء بين معد وإسماعيل وإنما معناه معنى قوله في الحديث الآخر‏:‏ أنتم بنو آدم وآدم من التراب‏.‏ وعضد ذلك باتفاق النسابين على بعد المدة بين عدنان وإسماعيل بحيث يستحيل في العادة أن يكون بينهما أربعة آباء أو خمسة أو عشرة إذ المدة أطول من هذا كله بكثير‏.‏ وكان لعدنان من الولد على ما قال الطبري ستة‏:‏ الربب وهو عك وعرق وبه سميت عرق اليمن وأد وأبي الضحاك وعبق وأمهم مهدد‏.‏ قال هشام بن محمد‏:‏ هي من جديس وقيل من طسم وقيل من الطواسيم من نسل لفشان بن إبراهيم‏.‏ قال الطبري‏:‏ ولما قتل أهل حضورا شعيب بن مهدم نبيهم أوحى الله إلى إرميا وأبرخيا من أنبياء بني إسرائيل بأن يأمرا بختنصر يغزو العرب ويعلماه أن الله سلطه عليهم وأن يحتملا معد بن عدنان إلى أرضهم ويستقذاه من الهلكة لما أراده من شأن النبوة المحمدية في عقبه كما مر ذلك من قبل‏.‏ فحملاه على البراق ابن اثنتي عشرة سنة وخلصا به إلى حران‏.‏ فأقام عندهما وعلماه علم كتابهما‏.‏ وسار بختنصر إلى العرب فلقيه عدنان فيمن اجتمع إليه من حضور أو غيرهم بذات عرق فهزمهم بختنصر وقتلهم أجمعين ورجع إلى بابل بالغنائم والسبي وألقاها بالأنبار‏.‏ ومات عدنان عقب ذلك وبقيت بلاد العرب خراباً حقباً من الدهر‏.‏ حتى إذا هلك بختنصر خرج معد في أنبياء بني إسرائيل إلى مكة فحجوا وحج معهم ووجد أخويه وعمومته من بني عدنان قد لحقوا بطوائف اليمن وتزوجوا فيهم وتعطف عليهم أهل اليمن بولادة جرهم فرجعهم إلى بلادهم‏.‏ وسأل عمن بقي من أولاد الحرث بن مضاض الجرهمي فقيل له جرهم بن جلهة فتزوج ابنته معانة وولدت له نزار بن معد‏.‏ وأما مواطن بني عدنان هؤلاء فهي مختصة بنجد وكلها بادية رحالة إلا قريشاً بمكة ونجد هو مرتع من جانبي الحجاز وطوله مسيرة شهر من أول السروات التي تلي اليمن إلى آخرها المطلة على أرض الشام مع طول تهامة‏.‏ وأوله في أرض الحجاز من جهة العراق العذيب مما يلي الكوفة وهو ماء لبني تميم‏.‏ وإذا دخلت في أرض الحجاز فقد أنجدت‏.‏ وأوله من جهة تهامة الحجاز حضن ولذلك يقال انجد من رأى حضناً‏.‏ قال السهيلي‏:‏ وهو جبل متصل بجبل الطائف الذي أعلى نجد تبيض فيه النسور‏.‏ قال‏:‏ وسكانه بنو جشم بن بكر وهو أول حدود نجد‏.‏ وأرض تهامة من الحجاز في قرب نجد مما يلي بحر القلزم في سمت مكة والمدينة وتيما وأيلة وفي شرقها بينها وبين جبل نجد غير بعيد‏.‏ منها العوالي وهي ما ارتفع عن هذه الأرض ثم تعلو عن السروات ثم ترتفع إلى نجد وهي أعلاها‏.‏ والعوالي والسروات بلاد تفصل بين تهامة ونجد متصلة من اليمن إلى الشام كسروات الخيل تخرج من نجد منفصلة من تهامة داخلة في بلاد أهل الوبر‏.‏ وفي شرقي هذا الجبل برية نجد ما بينه وبين العراق متصلة باليمامة وعمان والبحرين إلى البصرة‏.‏ وفي هذه البرية مشاتي للعرب تشتو بها منهم خلق أحياء لا يحصيهم إلا خالقهم‏.‏ قال السهيلي‏:‏ واختص بنجد من العرب بنو عدنان لم تزاحمهم فيه قحطان إلا طيء من كهلان فيما بين الجبلين سلمى وأجأ وافترق أيضاً من عدنان في تهامة والحجاز ثم في العراق والجزيرة ثم افترقوا بعد الإسلام على الأوطان‏.‏ وأما شعوبهم فمن عدنان عك ومعد فمواطن عك في نواحي زبيد ويقال عك بن الديث بالدال غير منقوطة والثاء مثلثة ابن عدنان‏.‏ يقال إن عكا هذا هو ابن عدثان بالثاء المثلثة ابن عبد الله من بطون الأزد ومن عك بن عدنان بنو عايق بن الشاهد بن علقمة بن عك بطن متسع كان منهم في الإسلام رؤساء وأمراء‏.‏ وأما معد فهو البطن العظيم ومنه تناسل عقب عدنان كلهم وهو الذي تقدم الخبر عنه بأن إرمياء النبي من بني إسرائيل أوحى المحه إليه أن يأمر يختنصر بالإنتقام من العرب وأن يحمل معداً على البراق أن تصيبه النقمة لأنه مستخرج من صلبه نبياً كريماً خاتماً للرسل فكان كذلك‏.‏ ومن ولده إياد ونزار ويقال وقنص وانمار‏.‏ فأما قنص فكانت له الإمارة بعد أبيه على العرب وأراد إخراج أخيه نزار من الحرم فأخرجوه أهل مكة وقدموا عليه نزارأ‏.‏ ولما احتضر قسم ماله بين ولديه فجعل لربيعة الفرس ولضر القبة الحمراء ولأنمار الحمار ولإياد عند من جعله من ولد الحلمة والعصا‏.‏ ثم تحاكموا في هذا الميراث إلى أفعى نجران في قصة معروفة ليست من غرض الكتاب‏.‏ وأما إياد فتشعبوا بطونا كثيرة وتكاثر بنو إسماعيل وانفرد بنو مضر بن نزار برياسة الحرم وخرج بنو إياد إلى العراق ومضى أنمار إلى السروات بعد بنيه في اليمانية وهم خثعم وبجيلة‏.‏ ونزلوا آبار يافه وكان لهم في بلاد الأكاسرة آثار مشهورة إلى أن تابع لهم الأكاسرة الغزو وأبادوهم‏.‏ وأعظم ما باد منهم سابور ذو الأكتاف هو الذي استلحمهم وأفناهم‏.‏ وأما نزار فمنه البطنان العظيمان ربيعة ومضر ويقال‏:‏ إي إياداً يرجعون إلى نزار وكذلك أنمار‏.‏ فأما ربيعة فديارهم ما بين الجزيرة والعراق وهم ضبيعة وأسد ابنا ربيعة‏.‏ ومن أسد عنزة وجديلة ابنا أسد فعنزة بلادهم في عين التمر في برية العراق على ثلاثة مراحل من الأنبار‏.‏ ثم انتقلوا عنها إلى جهات خيبر فهم هنالك‏.‏ وورثتت بلادهم غزية من طيء الذين لهم الكثرة والإمارة بالعراق لهذا العهد‏.‏ ومن عنزة هؤلاء بأفريقية حي قليل مع رياح من بني هلال بن عامر‏.‏ ومنهم أحياء مع طيء ينتجعون ويشتون في برية نجد‏.‏ وأما جديلة فمنهم عبد القيس وهنب ابنا أفصى بن دعمي بن جديلة‏.‏ فأما عبد القيس وكانت مواطنهم بتهامة ثم خرجوا إلى البحرين وهي بلاد واسعة على بحر فارس من غربيه وتتصل باليمامة من شرقيها والبصره من شماليها وبعمان من جنوبها وتعرف ببلاد هجر‏.‏ ومنها القطيف وهجر والعسير وجزيرة أوال والأحسا‏.‏ وهجر هي باب اليمن من العراق‏.‏ وكانت أيام الأكاسرة من أعمال الفرس وممالكهم‏.‏ وكان بها بشر كثير من بكر بن وائل وتميم في باديتها‏.‏ فلما نزل معهم بنو عبد القيس زاحموهم في ديارهم تلك وقاسموهم في الموطن ووفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وأسلموا‏.‏ ووفد منهم المنذر بن عائد بن المنذر بن الحارث بن النعمان بن زياد بن نصر بن عمرو بن عوف بن جذيمة بن عوف بن انمار بن عمرو بن وديعة بن بكر‏.‏ وذكروا أنه سيدهم وقائدهم إلى الإسلام فكانت له صحبة ومكانة من النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ووفد أيضاً الجارود بن عمرو بن حنش بن المعلى بن زيد بن حارثة بن معاوية بن ثعلبة بن جذيمة‏.‏ وثعلبة أخو عوف بن جذيمة وفد في عبد القيس سنة تسع مع المنذر بن ساوي من بني تميم وسيأتي ذكره‏.‏ وكان نصرانياً فأسلم وكانت له أيضاً صحبة ومكانة‏.‏ وكان عبد القيس هؤلاء من أهل الرفق بعد الوفاة‏.‏ وأمروا عليهم المنذر بن النعمان الذي قتل كسرى أباه فبعث إليهم أبو بكر بن العلا بن الحضرمي في فتح البحرين وقتل المنذر‏.‏ ولم تزل رياسة عبد القيس في بني الجارود أولاً ثم في ابنه المنذر وولاه عمر على البحرين ثم ولاه على إصطخر ثم عبد الله بن زياد ولاه على الهند‏.‏ ثم ابنه حكيم بن المنذر‏.‏ وتردد على ولاية البحرين قبل ولاية العراق‏.‏ وأما هنب بن أفضى فمنهم النمر ووائل ابنا قاسط بن هنب‏.‏ فأما بنو النمر بن قاسط فبلادهم رأس العين ومنهم صهيب بن سنان بن مالك بن عبد عمرو بن عقيل بن عامر بن جندلة بن جذيمة بن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس مناة بن النمر بن قاسط صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم المشهور وينسب إلى الروم‏.‏ وكان سنان أبوه استعمله كسرى على الأبلة وكان لبني النمر بن قاسط شأن في الردة مذكور‏.‏ ومنهم ابن القرية المشهور بالفصاحة أيام الحجاج ومنصور بن النمر الشاعر مادح الرشيد‏.‏ وأما بنو وائل فبطن عظيم متسع أشهرهم بنو تغلب وبنو بكر بن وائل وهما اللذان كانت بينهما الحروب المشهورة التي طالت فيما يقال أربعين سنة‏.‏ فلبني تغلب شهرة وكثرة وكانت بلادهم بالجزيرة الفراتية بجهات سنجار ونصيبين وتعرف بديار ربيعة‏.‏ وكانت النصرانية غالبة عليهم لمجاورة الروم‏.‏ ومن بني تغلب عمرو بن كلثوم الشاعر‏.‏ وهو عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غانم بن تغلب وأمه هند بنت مهلهل‏.‏ ومن ولده مالك بن طوق بن مالك بن عتاب بن زافر بن شريح بن عبد الله بن عمرو بن كلثوم وإليه تنسب رحبة مالك بن طوق على الفرات‏.‏ وعاصم بن النعمان عم عمرو بن كلثوم هو الذي قتل شرحبيل بن الحرث الملك آكل المرار يوم الكلاب‏.‏ ومن بني تغلب كليب ومهلهل ابنا ربيعة بن الحرث بن زهير بن جشم‏.‏ وكان كليب سيد بني تغلب وهو الذي قتله جساس بن مرة بن ذهل بن شيبان وكان متزوجاً بأخته فرعت ناقة البسوس في حمى كليب فرماها بسهم فأثبتها‏.‏ وقتله جساس لأن البسوس كانت جارته فقام أخو كليب وهو مهلهل بن الحرث كمن برياسة تغلب وطلب بكر بن وائل بثأر كليب فاتصلت الحرب بينهم أربعين سنة وأخبارها معروفة‏.‏ وطال عمر مهلهل وتغرب إلى اليمن فقتله عبدان له في طريقه‏.‏ وبنو شعبة الذين بالطائف لهذا العهد من ولد شعبة بن مهلهل‏.‏ ومن تغلب الوليد بن طريف بن عامر الخارجي وهو من بني صيفي بن حي بن عمرو بن بكر بن حبيب وهو الذي رثته أخته ليلى بقولها‏:‏ أيا شجر الخابور مالك مورقاً كأنك لم تجزع على ابن طريف فتى لا يريد العز إلا من التقى ولا المال إلا من قناً وسيوف خفيف على ظهر الجواد إلى الوغى وليس على أعدائه بخفيف فلو كان هذا الموت يقبل فديةً فديناه من ساداتنا بألوف ومنهم بنو حمدان ملوك الموصل والجزيرة أيام المتقي ومن بعده من خلفاء العباسيين وسيأتي ذكرهم في أخبار بني العباس وهم بنو حمدان من بني عدي بن أسامة بن غانم بن تغلب كان منهم سيف الدولة الملك المشهور‏.‏ وأما بكر بن وائل ففيهم الشهرة والعدد فمنهم يشكر بن بكر بن وائل‏.‏ وبنو عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل ومنهم بنو حنيفة وبنو عجل ابني لجيم بن صعب ففي بني حنيفة بطون متعددة أكثرهم بنو الدول بن حنيفة فيهم البيت والعدد ومواطنهم باليمامة وهي من أوطان الحجاز كما هي نجران من اليمن‏.‏ والشرقي منها يوالي البحري وبني تميم والغرب يوالي أطراف اليمن والحجاز والجنوب نجران والشمالي أرض نجد وطول اليمامة عشرون مرحلة وهي على أربعة أيام من مكة بلاد نخل وزرع وقاعدتها حجر بالفتح وبها بلد اسمه اليمامة ويسمى أيضاً جو باسم الزرقا‏.‏ وكانت مقراً للملوك قبل بني حنيفة‏.‏ واتخذ بنو حنيفة بعدها بلد حجر وبقي كذلك في الإسلام‏.‏ وكانت مواطن اليمامة لبني همدان بن يعفر بن السكسك بن وائل بن حمير غلبوا على من كان بها من طسم وجديس‏.‏ وكان آخر ملوكهم بها فيما ذكره الطبري قرط بن يعفر‏.‏ ثم هلك فغلب عليها بعده طسم وجديس‏.‏ وكانت منهم الزرقا أخت رياح بن مرة بن طسم كما تقدم في أخبارهم‏.‏ ثم استولى على اليمامة آخراً بنو حنيفة وغلبوا عليها طسمأ وجديساً‏.‏ وكان ملكها منهم هوذة بن علي بن ثمامة بن عمرو بن عبد العزى بن سحيم بن مرة ابن الدول بن حنيفة وتوجه كسرى وابن عمه عمرو بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن عبد العزى قاتل المنذر ابن ماء السماء يوم عين أباغ‏.‏ وكان منهم ثمامة بن أثال بن النعمان بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن الدول بن حنيفة ملك اليمامة عند المبعث وثبت عند الردة‏.‏ ومنهم الخارجي نافع بن الأزرق بن قيس بن صبرة بن ذهل بن الدول بن حنيفة وإليه تنسب الأزارقة ومنهم محلم بن سبيع بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن الدول بن حنيفة صاحب مسيلمة الكذاب وهو‏:‏ من بني عدي بن حنيفة‏.‏ وهو مسيلمة بن ثمامة بن كثير بن حبيب بن الحرث بن عبد الحرث بن عدي‏.‏ وأخبار مسلمة في الردة معروفة وسيأتي الخبر عنها‏.‏ وأما بنو عجل بن لجيم بن صعب وهم الذين هزموا الفرس بمؤتة يوم في قار كما مر فمنازلهم من اليمامة إلى البصرة وقد دثروا وخلفهم اليوم في تلك البلاد بنو عامر المنتفق بن عقيل بن عامر وكان منهم بنو أبي دلف العجلي‏.‏ كانت لهم دولة بعراق العجم يأتي ذكرها‏.‏ وأما عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل فمنهم تيم الله وقيس ابنا ثعلبة بن عكابة وشيبان بن ذهل بن ثعلبة بطون ثلاثة عظيمة وأوسعها وأكثرها شعوبأ بنو شيبان‏.‏ وكانت لهم كثرة في صدر الإسلام شرقي دجلة في جهات الموصل‏.‏ وأكثر أئمة الخوارج في ربيعة منهم وسيدهم في الجاهلية مرة بن ذهل بن شيبان كان له أولاد عشرة نسلوا عشرة قبائل أشهرهم همام وجساس وسادهما بعد أبيه‏.‏ وقال ابن حزم‏:‏ تفرع من هام ثمانية وعشرون بطناً‏.‏ وأما جساس فقتل كليبا زوج أخته وهو سيد تغلب حين قتل ناقة البسوس جارته‏.‏ وأقام ابن كليب عند بني شيبان إلى أن كبر وعقل أن جساساً خاله هو الذي قتل أباه قتله ورجع إلى تغلب‏.‏ فمن ولد جساس بنو الشيخ كانت لهم رياسة بآمد وانتقطعت على يد المعتضد‏.‏ ومن بني شيبان هانىء بن مسعود الذي منع حلقة النعمان من أبرويز لما كانت وديعة عنده‏.‏ وكان سبب ذلك يوم ذي قار‏.‏ وهو هانىء بن مسعود بن عامر بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان‏.‏ ومنهم الضحاك بن قيس الخارجي الذي بويع أيام مروان بن محمد على مذهب الصفرية وملك الكوفة وغيرها وبايعه بالخلافة جماعة من بني أمية‏.‏ منهم سليمان بن هشام بن عبد الملك وعبد الله بن عمر بن عبد العزيز‏.‏ وقتله آخراً مروان بن محمد وهو الضحاك بن قيس بن الحصين بن عبد الله بن ثعلبة بن زيد مناة بن أبي عمرو بن عوف بن ربيعة بن محلم بن ذهل بن شيبان وسيأتي الإلمام بخبره‏.‏ ومنهم المثنى بن حارثة الذي فتح سواد العراق أيام أبي بكر وعمر وأخوه المعنى بن حارثة‏.‏ منهم عمران بن حظان من أعلام الخوارج وهذا انقضاء الكلام في ربيعة بن نزار والله المعين‏.‏ مضر بن نزار وأما مضر بن نزار وكانوا أهل الكثرة والغلب بالحجاز من سائر بني عدنان وكانت لهم رياسة بمكة فيجمعهم فخذان عظيمان وهما خندف وقيس لأنه كان له من الولد اثنان الياس وقيس عيلان عبد حضنة قيس فنسب إليه وقيل هو فرس‏.‏ وقد قيل أن عيلان هو ابن مضر واسمه الياس وأن له ابنين قيس ودهم وليس ذلك بصحيح‏.‏ وكان لالياس ثلاثة من الولد مدركة وطابخة وقمعة لأمرأة من قضاعة تسمى خندف فانتسب بنو الياس كلهم إليها‏.‏ وانقسمت مضر إلى خندف وقيس عيلان‏.‏ فأما قيس فتشعبت إلى ثلاث بطون من كعب وعمرو وسعد بنيه الثلاثة‏.‏ فمن عمرو بنو فهم وبنو عدوان ابني عمرو بن قيس وعدوان بطن متسع وكانت منازلهم الطائف من أرض نجد نزلها بعد إياد العمالقة ثم غلبتهم عليها ثفيف فخرجوا إلى تهامة‏.‏ وكان منهم عامر بن الظرب بن عمرو بن عباد بن يشكر بن عدوان حكم العرب في الجاهلية‏.‏ وكان منهم أيضاً أبو سيارة الذي يدفع بالناس في الموسم وعميلة بن الأعزل بن خالد بن سعد بن الحرث بن رايش بن زيد بن عدوان‏.‏ وبأفريقية لهذا العهد منهم أحياء بادية بالقفر يظعنون مع بني سليم تارة ومع رياح بن هلال بن عامر أخرى‏.‏ ومن بني فهم بن عمرو فيما ذكر البيهقي بنو طرود بن فهم بطن متسع كانوا بأرض نجد وكان منهم الأعشى وليس منهم الآن بها أحد‏.‏ وبأفريقية لهذا العهد حي يظعنون مع سليم ورياح‏.‏ وانقضى الكلام في بني عمرو بن قيس‏.‏ وأما سعد بن قيس فمنهم غني وباهلة وغطفان ومرة‏.‏ فأما غني فهم بنو عمرو بن أعصر بن سعد وأما باهلة فمنهم بنو مالك أعصر بن سعد صاحب خراسان المشهور‏.‏ ومنهم أيضاً الأصمعي راوية العرب المشهور وهو عبد الملك بن علي بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع بن مطر بن رياح بن عمرو بن عبد شمس بن أعيا بن سعد بن عبد غانم بن قتيبة بن معن بن مالك‏.‏ وأما بنو غطفان بن سعد‏:‏ فبطن عظيم متسع كثير الشعوب والبطون ومنازلهم بنجد مما يلي وادي القرى وجبلي طيء‏.‏ ثم افترقوا في الفتوحات الإسلامية واستولت عليها قبائل طيء وليس منهم اليوم عمودة رجالة في قطر من الأقطار إلا ما كان لفزارة ورواحة في جوار هيب ببلاد برقة وبنو غطفان بطون ثلاثة‏:‏ منهم أشجع بن ريث بن غطفان وعبس بن بغيض بن ريث بن غطفان وذبيان‏.‏ فأما اشجع فكانوا عرب المدينة يثرب وكان سيدهم معقل بن سنان من الصحابة وكان منهم نعيم بن مسعود بن أنيف بن ثعلبة بن قند بن خلاوة بن سبيع بن أشجع الذي شتت جموع الأحزاب عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخرين مذكورين منهم وليس لهذا العهد منهم بنجد أحد إلا بقايا حوالي المدينة النبوية وبالمغرب الأقصى‏.‏ منهم حي عظيم الآن يظعنون مع عرب المعقل بجهات سجلماسة ووادي ملوية ولهم عدد وذكر‏.‏ وأما بنو عبس فبيتهم في بني عدة بن قطيعة كان منهم الربيع بن زياد وزير النعمان ثم إخوتهم بنو الحرث بن قطيعة كان منهم زهير بن جذيمة بن رواحة بن ربيعة بن آزر بن الحرث سيدهم وكانت له السيادة على غطفان أجمع‏.‏ وله بنون أربعة منهم قيس ساد بعده على عبس وابنه زهير هو صاحب حرب داحس والغبرا‏:‏ فرسين كانت إحداها وهي داحس لقيس والأخرى وهي الغبرا لحذيفة بن بدر سيد فزارة فأجرياهما وتشاحا في الحكم بالسبق فتشاجرا وتحاربا وقتل قيس حذيفة ودامت الحرب بين عبس وفزارة وأخوة قيس بن زهير الحرث وشاس ومالك وقتل مالك في تلك الحرب‏.‏ وكان منهم الصحابي المشهور خذيفة بن اليماني بن حسل بن جابر بن ربيعة بن جروة بن الحرث بن قطيعة‏.‏ ومن عبس بن جابر بنو غالب بن قطيعة‏.‏ ثم عنترة بن معاوية بن شداد بن مراد بن مخزوم بن مالك بن غالب الفارس المشهور وأحد الشعراء الستة في الجاهلية‏.‏ وكان بعده من أهل نسبه وقرابته الحطيئة الشاعر المشهور واسمه جرول بن أوس بن جؤية بن مخزوم‏.‏ وليس بنجد لهذا العهد أحد من بني عبس‏.‏ وفي أحياء زغبة من بني هلال لهذا العهد أحياء ينتسبون إلى عبس فما أدري من عبس هؤلاء أم هو عبس آخر من زغبة نسبوا إليه‏.‏ وأما ذبيان بن بغيض‏:‏ فلهم بطون ثلاثة‏:‏ مرة وثعلبة وفزارة‏.‏ فأما فزارة فهم خمسة شعوب‏:‏ عدي وسعد وشمخ ومازن وظالم‏.‏ وفي بدر بن عدي كانت رياستهم في الجاهلية وكانوا يرأسون جميع غطفان‏.‏ ومن قيس وإخوتهم بنو ثعلبة بن عدي كان منهم حنيفة بن بدر بن جؤية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة الذي راهن قيس بن زهير العبسي على جري داحس والغبرا وكانت بسبب ذلك الحرب المعروفة‏.‏ ومن ولده عيينة بن حصن بن حنيفة الذي قاد الأحزاب إلى المدينة وأغار على المدينة لأول بيعة أبي بكر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميه الأحمق المطاع‏.‏ ومنهم أيضأ الصحابي المشهور سمرة بن جندب بن هلال بن خديج بن مرة بن خرق بن عمرو بن جابر بن خشين في الرأسين بن لاي بن عصيم بن شمخ بن فزارة‏.‏ ومن بني سعد بن فزارة يزيد بن عمرو بن هبيرة بن معية بن سكين بن خديج بن بغيض بن مالك بن سعد بن عدي بن فزارة ولي العراقين هو وأبوه أيام يزيد بن عبد الملك ومروان بن محمد وهو الذي قتله المنصور بعد أن عاهده‏.‏ ومن بني مازن بن فزارة هرم بن قطبة أدرك الإسلام وأسلم إلى آخرين يطول ذكرهم ولم يبق بنجد منهم أحد‏.‏ وقال ابن سعيد‏:‏ إن أبرق الحنان وأبانا من وادي القرى من معالم بلادهم وأن جيرانهم من طيء مولدها لهذا العهد وأن بأرض برقة منهم إلى طرابلس قبائل رواحة وهيب وفزان‏.‏ قلت‏:‏ وبأفريقية والمغرب لهذا العهد أحياء كثيرة اختلطوا مع أهله فمنهم مع المعقل بالمغرب الأقصى أحياء كثيرة لهم عدد وذكر بالمعقل إلى الإستظهار بهم حاجة‏.‏ ومنهم مع بني سليم بن منصور بأفريقية طائفة أخرى أحلاف لأولاد أبي الليل من شعوب بني سليم يستظهرون بهم في مواقف حروبهم ويولونهم على ما يتولونه للسلطان من أمور باديتهم نيابةً عنهم شأن الوزراء في الدول‏.‏ وكان من أشهرهم معن بن معاطن وزير حمزة بن عمر بن أبي الليل أمير الكعوب بعده حسبما نذكره في أخبارهم وربما يزعم بنو مرين أمراء الزاب لهذا العهد أنهم منهم وينتسبون إلى مازن بن فزارة وليس ذلك بصحيح‏.‏ وهو نسب مصون يتقرب به إليهم بعض البدو من فزارة هؤلاء طمعأ فيما بأيديهم لمكانهم من ولاية الزاب والإنفراد بجبايته ومصانعة الناس بوفرها فيلهجونهم بذلك ترفعاً على أهل نسبهم بالحقيقة من الأثابج كما يذكر لكونه تحت أيديهم وأما بنو مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان فمنهم هرم بن سنان بن غيظ بن مرة وهو سيدهم في الجاهلية الذي مدحه زهير بن أبي سلمى‏.‏ ومنهم أيضأ الفاتك وهو الحرث بن ظالم بن جذيمة بن يربوع بن غيظ‏.‏ فتك بخالد بن جعفر بن كلاب وشرحبيل بن الأسود بن المنذر وحصل ابن الحرث في يد النعمان بن المنذر فقتله‏.‏ وشاعره في الجاهلية النابغة زياد بن عمرو الذبياني أحد الشعراء الستة‏.‏ ومنهم أيضاً مسلم بن عقبة بن رياح بن سعد بن ربيعة بن عامر بن مالك بن يربوع قائد يزيد بن معاوية صاحب يوم الحرة على أهل المدينة إلى آخرين يطول ذكرهم‏.‏ وهذا آخر الكلام في بني غطفان وبلادهم بنجد مما يلي وادي القرى‏.‏ وبها من المعالم أبنى والحاجر والهباءة وأبرق الحنان‏.‏ وتفرقوا على بلاد الإسلام في الفتوحات ولم يبق لهم في تلك البلاد ذكر ونزلت بها قبائل طيء‏.‏ وبانقضاء ذكرهم انقضى بنو سعد بن قيس‏.‏ وأما خصفة بن قيس‏:‏ فتفرع منهم بطنان عظيمان وهما بنو سليم بن منصور وهوازن بن منصور‏.‏ ولهوازن بطون كثيرة يأتي ذكرها‏.‏ ويلحق بهذين البطنين بنو مازن بن منصور وعددهم قليل وكان منهم عتبة بن غزوان بن جابر بن وهب بن نشيب بن وهب بن زيد بن مالك بن عبد عوف بن الحرث بن مازن الصحابي المشهور الذي بنى البصرة لعمر بن الخطاب وإليه ينسب العتبيون الذين سادوا بخراسان‏.‏ ويلحق أيضا بنو محارب بن خصفة‏.‏ فأما بنو سليم فشعوبهم كثيرة منهم بنو ذكوان بن رفاعة بن الحارث بن رجا بن الحارث بن بهثة بن سليم وإخوتهم بنو عبس بن رفاعة الذين منهم عباس بن مرداس بن أبي عامر بن حارثة بن عبد عبس الصحابي المشهور الذي أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين في المؤلفة قلوبهم‏.‏ ثم زاده حين غضب استقلالاً لعطائه وأنشد الأبيات المعروفة في السير‏.‏ وكان أبوه مرداس تزوج الخنساء وولدت منه‏.‏ ومن بني سليم أيضاً بنو ثعلبة بن بهثة بن سليم‏.‏ كان منهم عبيد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي الأعور والي أفريقية وجد أبو الأعور من قواد ماوية واسمه عمرو بن سفيان بن عبد شمس بن سعد بن قائف بن الأوقص بن مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة والرود بن خالد بن حذيفة بن عمرو بن خلف بن مازن بن مالك بن ثعلبة وكان على بني سليم يوم الفتح‏.‏ وعمرو بن عتبة بن منقذ بن عامر بن خالد كان صديقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية‏.‏ وأسلم ثلاث أبو بكر وبلال فكان يقول كنت يومئذ ربع الإسلام‏.‏ ومن بني سليم أيضاً بنو علي بن مالك بن امرىء القيس بن بهثة وبنو عصية بن خفاف بن امرىء القيس وهما اللذان لعنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بئر معونة وقتلهم إياهم‏.‏ ومن شعوب عصية الشريد واسمه عمرو بن يقظة بن عصية‏.‏ وقال ابن سعيد‏:‏ الشريد بن رياح بن ثعلبة بن عصية الذين كانت منهم الخنساء وأخواها صخر ومعاوية ابنا عمرو بن الحرث بن الشريد والشريد بيت سليم في الجاهلية‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ كان عمرو بن الشريد يمسك بيده ابنيه صخراً ومعاوية في الموسم فيقول أنا أبو خيري مضر ومن أنكر فليعتبر فلا ينكر أحد‏.‏ وابنته الخنساء الشاعرة وقد تقدم ذكرها وحضرت بأولادها حروب القادسية‏.‏ وبنو الشريد لهذا العصر في جملة بني سليم في أفريقية ولهم شوكة وصولة ومنهم إخوة عصية بن خفاف الذين كان منهم الخفاف كبير أهل الردة الذي أحرقه أبو بكر بالنار واسمه إياس بن عبد الله بن أليل بن سلمة بن عميرة‏.‏ ومن بني سليم أيضاً‏:‏ بنو بهز بن امرىء القيس بن بهثة كان منهم الحجاج بن علاط بن خالد بن نديرة بن حبتربن هلال بن عبد ظفر بن سعد بن عمرو بن تميم بن بهز الصحابي المشهور وابنه نصر بن حجاج الذي نفاه عمر عن المدينة إلى آخرين من سليم يطول ذكرهم‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ ومن بني سليم بنو زغبة بن مالك بن بهثة كانوا بين الحرمين ثم انتقلوا إلى المغرب فسكنوا بأفريقية في جوار إخوتهم بني ذياب بن مالك ثم صاروا في جوار بني كعب‏.‏ ومن بني سليم بنو ذياب بن مالك ومنازلهم ما بين قابس وبرقة يجاورون مواطن يعهب‏.‏ وبجهة المدينة خلق منهم يؤذون الحاج ويقطعون الطريق‏.‏ وبنو سليمان بن ذياب في جهة فزان وودان ورؤساء ذياب لهذا العهد الجواري ما بين طرابلس وقابس وبيتهم بنو صابر والمحامد بنواحي فاس وبيتهم في بني رصاب بن محمود وسيأتي ذكرهم‏.‏
ومن بني سليم بنو عوف بن بهثة‏:‏ ما بين قابس وبلد العناب من أفريقية وجرما هم مرداس وعلاق فأما مرداس فرياستهم في بني جامع لهذا العهد وأما علاق فكان رئيسهم الأول في دخولهم أفريقية رافع بن حماد ومن أعقابه بنو كعب رؤساء سليم لهذا العهد بأفريقية‏.‏ ومن بني سليم بنو يعهب بن بهثة إخوة بني عوف بن بهثة وهم ما بين السدرة من برقة إلى العدوة الكبيرة‏.‏ ثم الصغيرة من حدود الإسكندرية‏.‏ فأول ما يلي الغرب منهم بنو أحمد لهم أجدابية وجهاتها وهم عدد يرهبهم الحاج ويرجعون إلى شماخ‏.‏ وقبائل شماخ لها عدد وأسماء متمايزة ولها العز في بيت لكونها جازت المحصب من بلاد برقة مثل المرج وطلميثا ودرنا‏.‏ وفي المشرق عن بني أحمد إلى العقبة الكبيرة وأما الصغيرة فسال ومحارب والرياسة في هذين القبيلتين لبني عزاز وهبيب بخلاف سائر سليم لأنها استولت على إقليم طويل خربت مدنه ولم يبق فيه مملكة ولا ولاية إلا لأشياخها وتحت أيديهم خلق من البرابرة واليهود زراعاً وتجاراً‏.‏ وأما رواحة وفزارة اللذين في بلاد هبيب فهم من غطفان وهذا آخر الكلام في بني سليم بن منصور وكانت بلادهم في عالية نجد بالغرب وخيبر ومنها حرة بني سليم وحرة النار بين وادي القرى وتيماً وليس لهم الآن عدد ولا بقية في بلادهم وبأفريقية منهم خلق عظيم كما يأتي ذكره في أخبارهم عند ذكر الطبقة الرابعة من العرب‏.‏ وأما هوازن بن منصور‏:‏ ففيهم بطون كثيرة يجمعهم ثلاثة أجرام كلهم لبكر بن هوازن وهم بنو سعد بن بكر وبنو معاوية بن بكر وبنو منبه بن بكر‏.‏ فأما بنو سعد بن بكر وهم أظآر النبي صلى الله عليه وسلم أرضعته منهم حليمة بنت أبي ذؤيب بن عبد الله بن الحرث بن سحنة بن ناصرة بن عصية بن نصر بن أسعد وبنوها عبد الله وأنيسة والشيما بنو الحرث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملاذ بن ناصرة‏.‏ وحصلت الشيما في سبي هوزان فأكرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وردها إلى قومها وكان فيها أثر عضة عضها إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تحمله‏.‏ فأما بنو منبة بن بكر فمنهم ثقيف وهم بنو قسي بن منبه بطن عظيم متسع منهم بنو جهم بن ثقيف كان منهم عثمان بن عبد الله بن ربيعة بن حبيب بن الحرث بن مالك بن حطيط صاحب لوائهم يوم حنين وقتل يومئذ كافراً وكان من ولده أمير الأندلس لسليمان بن عبد الملك وهو الحر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان‏.‏ ومنهم بنو عوف بن ثقيف ويعرفون بالأحلاف‏.‏ فمنهم بنو سعد بن عوف كان منهم عتبان بن مالك بن كعب بن عمرون بن سعد بن عوف الذي وضعته ثقيف رهينة عند أبي مكسورة وأخوه معتب‏.‏ كان من بنيه عروه بن مسعود بن معتب الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه داعيأ إلى الإسلام فقتلوه وهو أحد عظيمي القريتين ومن بنيه أيضأ الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب صاحب العراقين لعبد الملك وابنه الوليد‏.‏ ومنهم يوسف بن عمر بن محمد بن عبد الحكم والي العراقين لهشام بن عبد الملك والوليد بن يزيد وكثير من قومه كانوا ولاة بالعراق والشام واليمن ومكة‏.‏ ومن بني معتب أيضأ غيلان بن مسلمة بن معتب كانت له وفادة على كسرى‏.‏ ومنهم بنو غيرة بن عوف الذين منهم الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب بن علاج بن أبي سلمة بن عبد العزى بن غيرة بن عوف بن ثقيف‏.‏ والحرث بن كلدة بن عمرو بن علاج طبيب العرب وأبو عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف بن غيرة الصحابي المقتول يوم الجسر من أيام القادسية وابنه المختار بن أبي عبيد الذي ادعى النبوة بالكوفة وكان عاملأ عليها لعبد الله بن الزبير فانتقض عليه ودعا لمحمد بن الحنفية ثم ادعى النبوة‏.‏ ومنهم أبو محجن بن حبيب بن عمرو بن عمير في آخرين يطول ذكرهم‏.‏ ومواطن ثقفيت كانت بالطائف وهي مدينة من أرض نجد قريباً من مكة‏.‏ ثم جلس في شرقها وشمالها وهي على قبة الجبل كانت تسمى واج وبوج‏.‏ وكانت في الجاهلية للعمالقة ثم نزلتها ثمود قبل وادي القرى‏.‏ ومن ثم يقال أن ثقيفاً كانت من بقايا ثمود ويقال‏:‏ أن الذي سكنها بعد العمالقة عدوان وغلبهم عليها ثقيف وهي الآن دارهم كذا ذكره السهيلي‏.‏ ويقال‏:‏ أنهم موال لهوازن ويقال أنهم من إياد‏.‏ ومن أعمال الطائف سوق عكاظ والعرج‏.‏ وعكاظ حجر بين اليمن والحجاز وكانت سوقها في الجاهلية يوماً في السنة يقصدها العرب من الأقطار فكانت لهم موسماً‏.‏ وأما بنو معاوية بن بكر بن هوازن ففيهم بطون كثيرة‏:‏ منهم بنو نصر بن معاوية الذين منهم مالك بن سعد بن عوف بن سعد بن ربيعة بن يربوع بن واثلة بن دهمان بن نصر قائد المشركين يوم حنين وأسلم وحسن إسلامه‏.‏ ومنهم بنو جشم بن معاوية ومن جشم غزية رهط بن دريد الصمة ومواطنهم بالسروات وهي بلاد تفصل بين تهامة ونجد متصلة من اليمن إلى الشام كسروات الجبل وسروات جشم متصلة بسروات هذيل‏.‏ وانتقل معظمهم إلى الغرب وهم الآن به كما يأتي ذكره في الطبقة الرابعة من العرب ولم يبق بالسروات منهم إلا من ليس له صولة‏.‏ ومنهم بنو سلول ومنهم بنو مرة بن صعصعة بن معاوية‏.‏ وإنما عرفرا بأمهم سلول‏.‏ وكانوا في الغرب كثيراً وفي الغرب منهم كثير لهذا العهد‏.‏ ومنهم فيما يزعم العرب بنو يزيد أهل وطن حمزة غربي بجاية وبعض أحياء بجيل عياض‏.‏ كما نذكر منهم بنو عامر بن صعصعة بن معاوية جرم كبير من أجرام العرب لهم بطون أربعة‏:‏ نمير وربيعة وهلال وسوأة فأما نمير بن عامر فهم إحدى جمرات العرب وكانت لهم كثرة وعزة في الجاهلية والإسلام ودخلوا إلى الجزيرة الفراتية وملكوا حرار وغيرها واستلحمهم بنو العباس أيام المعتز فهلكوا ودثروا‏.‏ وأما سوأة بن عامر فشعوبهم في رباب من سمرة بن سوأة فمنهم جابر بن سمرة بن جنادة بن جندب بن رباب الصحابي المشهور ومن بطون رباب هؤلاء بأفريقية حي ينجعون مع رياح بن هلال ويعرفون بهذا النسب كما يأتي في أخبار هلال من الطبقة الرابعة‏.‏ وأما هلال بن عامر فبطون كثيرة كانوا في الجاهلية بنجد ثم ساروا إلى ديار المصرية في حروب القرامطة‏.‏ ثم ساروا إلى أفريقيا أجازهم الوزير البارزي في خلافة المستنصر العبيدي لحرب المعز بن باديس‏.‏ فملك عليه ضواحي أفريقية ثم زاحمهم بنو سليم فساروا إلى الغرب ما بين بونة وقسنطينة إلى البحر المحيط‏.‏ وكان لهلال خمسة من الولد‏:‏ شعبة وناشرة ونهيك وعبد مناف وعبد الله وبطونهم كلها ترجع إلى هؤلاء الخمسة‏.‏ فكان من بني عبد مناف زينب أم المؤمنين بنت خزيمة بن الحرث بن عبد الله بن عمرو بن عبد الله بن عبد مناف وكان من بني عبد الله ميمونة أم المؤمنين بنت الحرث بن حزن بن بحير بن هرم بن رويبة بن عبد الله‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ ومن بطون بني هلال بنو قرة وبنو نعجة الذين بين مصر وأفريقية وبنو حرب الذين بالحجاز وبنو رياح الذين أفسدوا أفريقية‏.‏ وقال ابن سعيد‏:‏ وجيل بني هلال مشهور بالشام وقد صار عربه حرائر وفيه قلعة صرخد مشهورة‏.‏ قال‏:‏ وقبائلهم في العرب ترجع لهذا العهد إلى أثبج ورياح وزغبة وقارع‏.‏ فأما الأثبج فمنهم سراح بجهة برقة وعياض بجبل القلعة المسمى لهم ولغيرهم‏.‏ وأما رياح فبلادهم بنواحي قسنطينة والسلم والزاب‏.‏ ومنهم عتبة بنواحي بجاية ومنهم بالغرب الأقصى خلق كثير كما يأتي في أخبارهم‏.‏ وأما زغبة فإنهم في بلاد زناتة خلق كثير‏.‏ وأما قارع فإنهم في الغرب الأقصى مع المعقل وقرة وجشم‏.‏ وبنو قرة كانت منازلهم ببرقة وكانت رياستهم أيام الحاكم العبيدي لما مضى ابن مقرب ولما بايعوا لأبي ركوة من بني أمية بالأندلس وقتله الحاكم سلط عليهم العرب والجيوش فأفنوهم‏.‏ وانتقل جلهم إلى المغرب الأقصى فهم مع جشم هنالك كما يأتي ذكره ويأتي الكلام في نسب هلال وشعوبهم ومواطنهم بالمغرب الأوسط وأفريقية عند الكلام عليهم في الطبقة الرابعة‏.‏ وأما بنو ربيعة بن عامر فبطون كثيرة وعامتها ترجع إلى ثلاثة من بنيه وهم عامر وكلاب وكعب وبلادهم بأرض نجد الموالية لتهامة بالمدينة وأرض الشام‏.‏ ثم دخلوا إلى الشام وافترق منهم على ممالك الإسلام فلم يبق منهم بنجد أحد‏.‏ فمن عامر بن ربيعة بنو التكما وهو ربيعة بن عامر بن ربيعة الذي اشترك ابنه حندج مع خالد بن جعفر بن كلاب في قتل زهير بن جذيمة العبسي وبنو ذي السهمين معاوية بن عامر بن ربيعة وهو ذو الحجر عوف بن عامر بن ربيعة وبنو فارس الضحيا عمرو بن عامر بن ربيعة منهما خداش بن زهير بن عمرو من فرسان الجاهلية وشعرائها وأما بنو كلاب بن ربيعة فمنهم بنو الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب وبنو ربيعة المجنون بن عبد الله بن أبي بكر بن كلاب وبنو عمرو بن كلاب‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ يقال إن منهم بني صالح بن مرداس أمراء حلب‏.‏ ومن بني كلاب بنو رواس واسمه الحرث بن كلاب وبنو الضباب واسمه معاوية بن كلاب الذين منهم شهر بن ذي الجوش بن الأعور بن معاوية قاتل الحسين بن علي‏.‏ ومن عقبه كان الصهيل بن حاتم بن شمر وزير عبد الرحمن بن يوسف الفهري بالأندلس‏.‏ وبنو جعفر بن كلاب الذين منهم عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر وعمه أبو عامر بن مالك ملاعب الأسنة وربيعة بن مالك وتبع المعتبرين وأبوه لبيد بن ربيعة شاعر معروف مشهور‏.‏ وكانت بلاد بني كلاب حمى ضرية والربذة في جهات المدينة وفدك والعوالي‏.‏ وحمى ضرية هي حمى كليب وائل نباته النضر تسمن عليه الخيل والإبل‏.‏ وحمى الربذة هو الذي أخرج عليه عثمان أبا ذر رضي الله عنهما‏.‏ ثم انتقل بنو كلاب إلى الشام فكان لهم في الجزيرة الفراتية صيت وملك وملكوا حلب وكثيراً من مدن الشام‏.‏ تولى ذلك منهم بنو صالح بن مرادس ثم ضعفوا فهم الآن تحت خفارة العرب المشهورين بالشام وهنالك بالإمارة من طيء‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ وكان لهم في الإسلام دولة باليمامة‏.‏ ومن بني كعب بن ربيعة بطون كثيرة منهم الحريش بن كعب بطن كان منهم مطرف بن عبد الله بن الشخير بن عوف بن وقدان بن الحريش الصحابي المشهور‏.‏ ويقال‏:‏ إن منهم ليلى التي شبب بها قيس بن عبد الله بن عمرو بن عدس بن ربيعة بن جعدة الشاعر مادح النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن الحشرج بن الأشهب بن ورد بن عمرو بن ربيعة بن جعدة الذي غلب على ناب فارس أيام الزبير وعم أمه زياد بن الأشهب الذي وفد على علي ليصلح بينه وبين معاوية ومالك بن عبد الله بن جعدة الذي أجار قيس بن زهير العبسي‏.‏ وبنو قشير بن كعب منهم مرة بن هبيرة بن عامر بن مسلمة الخير بن قشير وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فولاه صدقات قومه‏.‏ وكلثوم بن عياض بن رصوح بن الأعور بن قشير الذي ولي أفريقية وابن أخيه بلخ بن بشر‏.‏ ومن بني قشير بخراسان أعيان‏.‏ منهم أبو القاسم القشيري صاحب الرسالة ومنهم عريسة الأندلس بنو رشيق ملكها منهم عبد الرحمن بن رشيق وأخرج منها ابن عمارة‏.‏ ومنهم الصمة بن عبد الله من شعراء الحماسة وبنو العجلان بن عبد الله بن كعب وشاعرهم تميم بن مقبل‏.‏ وبنو عقيل بن كعب وهم بطون كثيرة منهم بنو المنتفق بن عامر بن عقيل‏.‏ ومن أعقاب بني المنتفق هؤلاء العرب المعروفون في الغرب بالخلط‏.‏ قال علي بن عبد العزيز الجرجاني‏:‏ الخلط بنو عوف وبنو معاوية ابنا المنتفق بن عامر بن عقيل انتهى‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ ومنازل المنتفق الآجام التي بين البصرة والكوفة والإمارة منهم في بني معروف‏.‏ قلت والخلط لهذا العهد في أعداد جشم بالمغرب ومن بني عقيل بن كعب بنو عبادة بن عقيل منهم الأخيل واسمه كعب بن الرحال بن معاوية بن عبادة ومن عقبه ليلى الأخيلة بنت حذيفة بن سداد بن الأخيل‏.‏ وذكر ابن قتيبة أن قيس بن الملوح المجنون منهم وبنو عباد هؤلاء لهذا العهد فيما قال ابن سعيد بالجزيرة الفراتية فيما يلي العراق‏.‏ ولهم عدد وذكر وغلب منهم على الموصل وحلب في أواسط المائة الخامسة قريش بن بدران بن مقلد فملكها هو وابنه مسلم بن قريش من بعده ويسمى شرف الدولة‏.‏ وتوالى الملك في عقب مسلم بن قريش منهم إلى أن انقرضوا‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ ومنهم لهذا العهد بقية بين الحازر والزاب يقال لهم عرب شرف الدولة‏.‏ ولهم إحسان من صاحب الموصل وهم في تجمل وعز إلا أن عددهم قليل نحو مائة فارس‏.‏ ومن بني عقيل بن كعب خفاجة بن عمرو بن عقيل وانتقلوا في قرب من هذه العصور إلى العراق والجزيرة ولهم ببادية العراق دولة‏.‏ ومن بني عامر بن عقيل بن عامر بن عوف بن مالك بن عوف وهم إخوة بني المنتفق وهم ساكنون بجهات البصرة وقد ملكوا البحرين بعد بني أبي الحسن ملكوها من تغلب‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ وملكوا أرض اليمامة من بني كلاب وكان ملكهم لعهد الخمسين من المائة السابعة عصفور وبنوه وقد انقضى الكلام في بطون قيس عيلان‏.‏ والله المعين لا رب غيره ولا خير إلا خيره وهو نعم المولى ونعم النصير وهو حسبي ونعم الوكيل واسأله الستر الجميل آمين‏.‏ بطون خندف وأما بطون خندف بن الياس بن نصر‏:‏ ولد الياس مدركة وطابخة وقمعة وأمهم امرأة من قضاعة اسمها خندف فانتسب ولد الياس كلهم إليها‏.‏ فمن بطون قمعة أسلم وخزاعة‏.‏ فأسلم بنو أفصى بن عامر بن قمعة وخزاعة بن عمرو بن عامر بن لحي وهو ربيعة بن عامر بن قمعة واسمه حارثة‏.‏ وعمرو بن لحي هو أول من غير دين إسماعيل وعبد الأوثان وأمر العرب بعبادتها‏.‏ وفيه قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار يعني أحشاءه‏.‏ ومواطنهم بأنحاء مكة في مر الظهران وما يليه وكانوا حلفاء لقريش‏.‏ ودخلوا عام الحديبية في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فغزا قريشاً وغلبهم على أمرهم وافتتح مكة وكان عام الفتح‏.‏ وقد يقال‏:‏ إن خزاعة هؤلاء من غسان وأنهم بنو حارثة بن عمرو مزيقيا وأنهم أقاموا بمر الظهران حين سارت غسان إلى الشام وتخزعوا عنهم فسموا خزاعة وليس ذلك بصحيح كما ذكر‏.‏ وكانت لخزاعة ولاية البيت قبل قريش في بني كعب بن عمرو بن لحي وانتهت إلى حليل بن حبشية بن سلول وهو الذي أوصى بها لقصي بن كلاب حين زوجه ابنته حبى بنت حليل‏.‏ ويقال‏:‏ إن أبا غبشان بن حليل واسمه المحترش باع الكعبة من قصي بزق خمر وفيه جرى المثل المعروف‏.‏ يقال‏:‏ أخسر صفقة من أبي غبشان‏.‏ ومن ولد حليل بن حبشية كان كرز بن علقمة بن هلال بن حريبة بن عبد فهم بن حليل الذي قفا أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إلى الغار ورأى عليه نسج العنكبوت وعش اليمامة ببيضها فرخوا عنه‏.‏ ولخزاعة هؤلاء بطون كثيرة‏:‏ منهم بنو المصطلق بن سعد بن عمرو بن لحي وبنو كعب بن عمرو‏.‏ ومنهم عمران بن الحصين صحابي وسليمان بن صرد أمير التوابين القائمين بثار الحسين ومالك بن الهيثم من نقباء بني العباس وبنو عدي بن عمرو‏.‏ ومنهم جويوية بنت الحارث أم المؤمنين وبنو مليح بن عمرو‏.‏ ومنهم طلحة الطلحات وكثير الشاعر صاحب عزه وهو ابن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر بن عويمر بن مخلد بن سبيع بن خثعمة بن سعد بن مليح‏.‏ وبنو عوف بن عمرو ومنهم العباد أهل الحيرة وهم بنو جهينة بن عوف‏.‏ ومن إخوة خزاعة بنو أسلم بن أفصى بن عامر بن قمعة وبنو مالك بن أفصى وماثان بن أفصى‏.‏ فمن أسلم سلمة بن الأكوع الصحابي ودعبل وبنو الشيص الشاعران ومحمد بن الأشعث قائد بني العباس‏.‏ ومنهم مالك بن سليمان بن كثير من دعاة بني العباس قتله أبو مسلم‏.‏ وأما طابخة فلهم بطون كثيرة أشهرها ضبة والرباب ومزينة وتميم وبطون صغار إخوة لتميم منهم صوفة ومحارب‏.‏ فأما بنو تميم بن مر فهم بنو تميم بن مر بن أد بن طابخة‏.‏ وكانت منازلهم بأرض نجد دائرة من هنالك على البصرة واليمامة وانتشرت إلى العذيب من أرض الكوفة وقد تفرقوا لهذا العهد في الحواضر ولم تبق منهم باقية‏.‏ وورث منازلهم الحيان العظيمان بالمشرق لهذا العهد غزية من طيء وخفاجة من بني عقيل بن كعب‏.‏ ولميم بطون كثيرة منهم الحارث بن تميم وفيهم ينسب المسيب بن شريك الفقيه وهم قليل‏.‏ وبنو العنبر الني بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقات وزفر الفقيه بن ذهيل بن قيس بن مسلم بن قيس بن مكمل بن ذهل بن ذويب بن جذيمة بن عمرو بن جيجور بن جندب بن العنبر صاحب أبي حنيفة والناسك الفاضل عامر بن عبد قيس بن ثابت بن بشامة بن حذيفة بن معاوية بن الجون بن كعب بن جندب وربيعة بن رفيع بن سلمة بن محلم بن صلاة بن عبدة بن عدي بن جندب‏.‏ وبنو الهجيج بن عمرو بن تميم وبنو أسيد بن عمير‏.‏ وكان منهم أبو هالة هند بن زرارة بن النباش بن عدي بن نمير بن أسيد الصحابي المشهور‏.‏ وحنضلة بن الربيع بن صيفي بن رياح بن الحرث بن مخاشن بن معاوية بن شريف بن جروة بن أسيد كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم والحليم المشهور أكثم بن صيفي بن رياح ويحيى بن أكثم قاضي المأمون من ولد صيفي بن رياح‏.‏ وبنو مالك بن عمرو بن تميم منهم النضر بن شميل بن خرشة بن يزيد بن كلثوم بن عبدة بن زهير بن عروة بن جميل بن حجر بن خزاعي بن مازن بن مالك النحوي المحدث‏.‏ وسلم بن أخوز بن أربد بن مخزر بن لاي بن مهل بن ضباب بن حجبة بن كابية بن حرقوص بن مازن بن مالك صاحب الشرطة لنصر بن سيار وقاتل يحيى بن زيد بن زين العابدين وإخوة هلال بن أخوز قاقل آل المهلب وقطري بن الفجاءة‏.‏ واسم الفجاءة جعونة بن يزيد بن زياد بن جنز بن كابية بن حرقوص الخارجي الأزرقي سلم عليه بالخلافة عشرين سنة‏.‏ ومالك بن الريب بن جوط بن قرط بن حسيل بن ربيعة بن كنانة بن حرقوص صاحب القصيدة المشهورة نعى بها نفسه وبعث بها إلى قومه وهو في خراسان في دعاني الهوى من أهل ودي ورفقتي بذي الشيطين فالتفت ورائيا يقولون لا تبعد وهم يدفنونني وأين مكان البعد إلا مكانيا وبنو عمرو بن العلاء بن عمار بن عدنان بن عبيد الله بن الحصى بن الحرث بن جلهم بن خزاعي بن مازن بن مالك‏.‏ وبنو الحرث بن عمرو بن تميم وهم الحبطات‏.‏ منهم عباد بن الحصين بن يزيد بن أوس بن سيف بن عدم بن جبلدة بن قيار بن سعد بن الحرث وهو الملقب بالحبط لعظم بطنه‏.‏ وبنو امرىء القيس بن زيد مناة بن تميم وكان منهم زيد بن عد بن زيد بن أيوب بن مخوف بن عامر بن عطية بن امرىء القيس صاحب النعمان بن المنذر بالحيرة الذي سعى به إلى كسرى حتى قتله‏.‏ ومقاتل بن حسان بن ثعلبة بن أوس بن إبراهيم بن أيوب بن مخوف صاحب قصر بني مقاتل بن منصور بالحيرة‏.‏ ولاهز بن قريط بن سري بن الكاهن بن زيد بن عصية من دعاة بني العباس الذي قتله أبو مسلم لنذارته لنصر بن سيار‏.‏ وبنو سعد بن زيد مناة بن تميم منهم الأبناء كان منهم رؤبة بن العجاج بن رؤبة بن لبيد بن صخر بن كنيف بن عمير بن حي بن ربيعة بن سعد بن مالك بن سعد‏.‏ وعبدة بن الطيب الشاعر وبنو منقر بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة‏.‏ كان منهم قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقات قومه وكان من ولده مية صاحبة ذي الرمة بنت مقاتل بن طلبة بن قيس بن عاصم‏.‏ ومن بني منقر عمرو بن الأهتم صحابي وبنو مرة بن عبيد بن مقاعس‏.‏ منهم الأحنف بن قيس بن معاوية بن حصين بن حفص بن عبادة بن النزال بن مرة وأبو بكر الأبهري المالكي وهو محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح بن عمرو بن حفص بن عمرو بن مصعب بن الزبير بن سعد بن كعب بن عبادة بن النزال‏.‏ وبنو صريم بن مقاعس منهم عبد الله بن أباض رئيس الأباضية من الخوارج‏.‏ وعبد الله بن صفار رئيس الصفرية‏.‏ والبرك بن عبد الله الذي اشترط بقتل معاوية وضربه فجرحه‏.‏ وبنو عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة منهم ثم من بني بهدلة بن عوف الزبرقان واسمه الحصين بن بدر بن امرىء القيس بن خلف بن بهدلة وأويس ابن أخيه حنظلة الذي أسر هوذة بن علي الحنفي‏.‏ ومن بني عطارد بن عوف كرب بن صفوان بن شحمة بن عطارد الذي كان يجيز بأهل الموسم في الجاهلية‏.‏ ومن بني قريع بن عوف بن كعب جعفر الملقب أنف الناقة وكان ولده يغضبون منها إلى أن مدحهم الحطيئة بقوله‏:‏ قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ومن يسوي بأنف الناقة الناقة الذنبا وبنو الحرث الأعرج بن كعب بن سعد بن زيد مناة كان منهم زهرة بن جؤية بن عبد الله بن قتادة بن مرثد بن معاوية بن قطن بن مالك بن أرتم بن جشم بن الحرث الذي أبلى في القادسية وقتل الجالنوس أمير الفرس وقتله هو بعد ذلك أصحاب شبيب الخارجي مع عتاب بن ورقاء‏.‏ وبنو مالك بن سعد بن زيد مناة كان منهم الأغلب بن سالم بن عقال بن خفافة بن عبادة بن عبد الله بن محرث بن سعد بن حرام بن سعد بن مالك أبو الولاة بافريقية لبني العباس‏.‏ وبنو ربيعة بن مالك بن زيد مناة كان منهم عروة بن جرير بن عامر بن عبد بن كعب بن ربيعة أول خارجي قال‏:‏ لا حكم إلا لله يوم صفين‏.‏ ويعرف بأن أباه نسبه إلى أمه‏.‏ ومن بني حنظلة بن مالك البراجم وهم بنو عمرو‏.‏ والظلم وغالب وكلبة وقيس كلهم بنو حنظلة‏.‏ كان منهم ضابىء بن الحرث بن أرطأة بن شهاب بن عبيد بن جندال بن قيس‏.‏ وابن عمير بن ضابىء الذي قتله الحجاج‏.‏ وبنو ثعلبة بن يربوع بن حنظلة وبنو الحرث بن يربوع منهم الزبير بن الماحور أمير الخوارج وأخوه عثمان وعلي وهم بنو بشير بن يزيد الملقب بالماحور بن الحارث بن ساحق بن الحرث بن سليط بن يربوع وكلهم أمراء الأزارقة‏.‏ وبنو كليب بن يربوع كان منهم جرير الشاعر ابن عطية بن الخطفي وهو حذيفة بن بدر بن سلم بن عوف بن كليب‏.‏ وبنو العنبر بن يربوع منهم كانت سجاح المتنبئة بنت أويس بن جوين بن سامة بن عنبر‏.‏ وبنو رياح كان منهم شبث بن ربعي بن حصين بن عميم بن ربيعة بن زيد بن رياح‏.‏ كان منهم رياح أسلم ثم سار مع الخوارج ثم رجع عنهم تائباً‏.‏ ومعقل بن قيس أوفده عمار بن ياسر على أيام عمر بفتح تستر‏.‏ وعتاب بن ورقاء بن الحارث بن عمرو بن همام بن رياح أمير أصبهان وقتله شبيب الخارجي‏.‏ وبنو طهية بن مالك وهم بنو أبي سود وعوف ابني مالك‏.‏ وبنو دارم بن مالك بن حنظلة كان منهم ثم من بني نهشل بن دارم بن حازم بن خزيمة بن عبد الله بن حنظلة نضلة بن حدثان بن مطلق بن أصحر بن نهشل صاحب الشرطة لبني العباس‏.‏ ومن بني مجاشع بن دارم الأقرع بن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع والفرزدق بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال والحتات بن يزيد بن علقمة الذي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين معاوية بن أبي سفيان‏.‏ ومن بني عبد الله بن دارم المنذر بن ساوى بن عبد الله بن زيد بن عبد مناة بن دارم صاحب هجر‏.‏ ومن بني غرس بن زيد بن دارم حاجب بن زرارة غرس وابنه عطارد وبنوهم‏.‏ كان فيهم رؤساء وأمراء وانقضى الكلام في تميم‏.‏ وأما بنو مزينة وهم بنو مر بن أد بن طابخة بن الياس واسم ولده عثمان وأوس وأمهما مزينة فسمي جميع ولدهما بها‏.‏ فكان منهم زهير بن‏.‏ أبي سلمى وهو ربيعة ابن أبي رياح بن قرة بن الحرث بن مازن بن خلاوة بن ثعلبة بن ثور بن هرمة بن لاظم بن عثمان أحد الشعراء الستة‏.‏ وابناه بجبر وكعب الذي مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ والنعمان بن مقرن بن عامر بن صبح بن هجيم بن نصر بن حبشية بن كعب بن عفراء بن ثور بن هرمة‏.‏ وأخوه سويد الذي قتل يوم نهاوند‏.‏ ومعقل بن يسار بن عبد الله بن معير بن حراق بن لأبي بن كعب بن عبد ثور الصحابي المشهور‏.‏ وأما الرباب وهم بنو عبد مناة بن أد بن طابخة فمن بنيه تميم وعدي وعوف وثور وسموا الرباب لأنهم غمسوا في الرب أيديهم في حلف على بني ضبة‏.‏ وبلادهم جوار بني تميم بالدهنا وفي أشعارهم ذكر حزوى وعالج من معالهما وتفرقوا لهذا العهد ولم يبق منهم أحد هنالك‏.‏ وكان من بني تميم بن عبد مناة المستورد بن علقمة بن الفريس بن صبارى بن نشبة بن ربيع بن عمرو بن عبد الله بن لؤي بن عمرو بن الحرث بن تميم الخارجي قتله معقل بن قيس الرياحي في إمارة المغيرة بن شعبة‏.‏ وابن باخمة ورد بن مجالد بن علقمة حضر مع عبد الرحمن بن ملجم في قتل علي وقتل قطام بنت بحنة بن عدي بن عامر بن عوف بن ثعلبة بن سعد بن ذهل بن تميم التي تزوجها عبد الرحمن بن ملجم ومهرها قتل علي فيما قيل حيث يقول‏:‏ ثلاثة آلاف وعبد وقينة وضرب علي بالحسام المصمم وكانت خارجية وقتل أبوها شحمة وعمها الأخضر يوم النهروان‏.‏ ومن بني عدي بن عبد مناة ذي الرمة الشاعر‏.‏ وهو غيلان بن عقبة بن بهس بن مسعود بن حارثة بن عمرو بن ربيعة بن ساعدة بن كعب بن عوف بن ثعلبة بن ربيعة بن ملكان بن عدي‏.‏ ومن بني ثور بن عبد مناة ويسمى أطمل سفيان الثوري وهو سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبد الله بن منقر بن نصر بن الحارث بن ثعلبة بن عامر بن ملكان بن ثور وأخواه عمرو والمبارك والربيع بن خثيم الفقيه‏.‏ وأما ضبة مهم بنو ضبة بن أد وكانت ديارهم جوار بني تميم اخوتهم بالناحية الشمالية التهامية من نجد ثم انتقلوا في الإسلام إلى العراق بجهة النعمانية وبها قتلوا المثنى الشاعر‏.‏ فمنهم ضرار بن عمرو بن مالك بن زيد بن كعب بن بجالة بن ذهل بن مالك بن بكر بن أسعد بن ضبة سيد بني ضبة في الجاهلية‏.‏ وبقيت سيادتهم في بنيه‏.‏ وكان له ثمانية عشر ولدأ ذكراً شهدوا معه يوم القريتين وابنه حصين كان مع عائشة يوم الجمل‏.‏ ومن ولده القاضي أبو شبرمة عبد الله بن شبرمة بن الطفيل بن حسان بن المنذر بن ضرار بن عنبسة بن إسحق بن شمر بن عبس بن عنبسة بن شعبة بن المختبر بن عامر بن العباب بن حسل بن بجالة المذكور في قواد بني العباس ولي مصر أيام المتوكل‏.‏ ويقال إن الديلم من بني باسل بن ضبة بن أد والله أعلم‏.‏ وأما صوفة‏:‏ فهم بنو الغوث بن مر بن أد كانوا يجيزون بالحاج في الموسم لا يجوز أحد حتى يجوزوا ثم انقرضوا عن آخرهم في الجاهلية‏.‏ وورث ذلك آل صفوان بن شحمة من بني سعد بن زيد مناة بن تميم وقد مر ذكر ذلك وانقضى بنو طابخة بن الياس‏.‏ وأما مدركة بن الياس‏:‏ فهم بطون كثيرة أعظمها هذيل والقارة وأسد وكنانة وقريش‏.‏ فأما هذيل فهم بنو هذيل بن مدركة وديارهم بالسروات وسراتهم متصلة بجبل غزوان المتصل بالطاثف‏.‏ ولهم أماكن ومياه في أسفلها من جهات نجد وتهامة بين مكة والمدينة ومنها الرجيع وبئر معونة وهم بطنان سعد بن هذيل ولحيان بن هذيل‏.‏ فمن بني سعد بن هذيل أبو بكر الشاعر والحطيئة فيما يقال وعبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ فار بن مخزوم بن صاهلة بن الحارث بن تميم بن سعد الصحابي المشهور وأخواه عتبة وعميس وبنوه عبد الرحمن وعتبة والمسعودي المؤرخ ابن عتبة وهو علي بن الحسين بن علي بن عبد الله بن زيد بن عتبة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود‏.‏ ومن عتبة أخوه عتبة بن عبد الله بن زيد بن عتبة فقيه المدينة وقد افترقوا في الإسلام على الممالك ولم يبق لهم حي يطرف‏.‏ وبأفريقية منهم قبيلة بنواحي باجة يعسكرون مع جند السلطان ويؤدون المغرم‏.‏ وأما بنو أسد فمنهم بنو أسد بن خزيمة بن مدركة بطن كبير متسع ذو بطون وبلادهم فيما يلي الكرخ من أرض نجد وفي مجاورة طيء‏.‏ ويقال‏:‏ إن بلاد طيء كانت لبني أسد‏.‏ فلما خرجوا من اليمن غلبوهم على أجا وسلمى وجاءوا واصطلحوا وتجاوروا لبني أسد والتغلبية وواقصة وغاضرة‏.‏ ولهم من المنازل المسماة في الأشعار غاضرة والنعف‏.‏ وقد تفرقوا من بلاد الحجاز على الأقطار ولم يبق لهم حي وبلادهم الآن في ذكر ابن سعيد لطيء وبني عقيل الأمراء كانوا بأرض العراق والجزيرة وكانوا في الدولة السلجوقية قد عظم أمرهم وملكوا الحلة وجهاتها وكان بها منهم الملوك بنو مرين الذي ألف الهباري بهم أرجوزته المعروفة به في السياسة‏.‏ ثم اضمحل ملكهم بعد ذلك وورث بلادهم بالعراق خفاجة‏.‏
وكانت بنو أسد بطوناً كثيرة كان منها بنو كاهل قاتل حجر بن عمرو الملك والد امرىء القيس وبنو غنم بن دودان بن أسد‏:‏ منهم عبيد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غنم الذي أسلم ثم تنصر ومات نصرانياً وأخته زينب أم المؤمنين رضي الله عنها‏.‏ وعكاشة بن محصن بن حدثان بن قيس بن مرة بن كثير الصحابي المشهور‏.‏ وبنو ثعلبة بن دودان بن أسد منهم الكميت الشاعر ابن زيد بن الأخنس بن ربيعة بن امرىء القيس بن الحرث بن عمرو بن مالك بن سعد بن ثعلبة وضرار بن الأزور وهو مالك بن أويس بن خزيمة بن ربيعة بن مالك بن ثعلبة الصحابي قاتل مالك بن نويرة والحضرمي بن عامر بن مجمع بن موالة بن همام وبنو عمرو بن قعيد بن الحارث بن ثعلبة بن دودان‏:‏ منهم الطماح بن قيس بن طريف بن عمرو بن قعيد الذي سعى عند قيصر في هلاك امرىء القيس وطليحة بن خويلد بن نوفل بن نضلة بن الأشتر بن جحوان بن فقعس بن طريف بن عمرو الذي كان كاهناً وادعى النبوة ثم أسلم‏.‏ وفي بني أسد بطون يطول ذكرها‏.‏ وأما القارة وعكل فهم بنو الهون بن خزيمة بن مدركة بن الياس إخوة بني أسد وكانوا حلفاء لبني زهرة من قريش‏.‏ وأما كنانة فهم كنانة بن خزيمة بن مدركة إخوة بني أسد وديارهم بجهات مكة وفيهم بطون كثيرة وأشرفها قريش وهم بنو النضر بن كنانة وسيأتي ذكرهم‏.‏ ثم بنو عبد مناة بن كنانة وبنو مالك بن كنانة‏.‏ فمن بني عبد مناة بنو بكر وبنو مرة وبنو الحارث وبنو عامر‏.‏ فمن بني بكر بنو ليث بن بكر منهم بنو الملوح بن يعمر وهو الشداخ بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث‏.‏ ومنهم الصعب بن جثامة بن قيس بن الشداخ الصحابي المشهور والشاعر عروة بن أدينة بن يحيى بن مالك بن الحرث بن عبد الله بن الشداخ‏.‏ ومنهم بنو شجع بن عامر بن ليث بن بكر ومنهم أبو واقد الليثي الصحابي وهو الحرث بن عوف بن أسيد بن جابر بن عديدة بن عبد مناه بن شجع وبنو سعد بن ليث بن بكر منهم أبو الطفيل عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو بن جابر بن خميس بن عدي بن سعد آخر من بقي ممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ مات سنة سبع ومائة‏.‏ وواثلة بن الأسقع بن عبد العزى بن عبد يا ليل بن ناشب بن عبدة بن سعد الصحابي المشهور‏.‏ وبنو جذع بن بكر بن ليث بن بكر‏:‏ منهم أمير خراسان نصر بن سيار بن رافع بن عدي بن ربيعة بن عامر بن عوف بن جندع‏.‏ ورافع بن الليث بن نصر القائم بسمرقند أيام الرشيد بدعوة بني أمية‏.‏ ثم استأمن إلى المأمون‏.‏ ومن بني عبد مناف بنو عريج بن بكر بن عبد مناف وبنو الديل بن بكر‏:‏ منهم الأسود بن رزق بن يعمر بن نافثة بن عدي بن الديل الذي كان بسببه فتح مكة‏.‏ وسارية بن زنيم بن عمرو بن عبد الله بن جابر بن محية بن عبد بن عدي بن الديل الذي ناداه عمر فيما اشتهر من المدينة وهو بالعراق يقاتل‏.‏ وأبو الأسود واضع النحو وهو ظالم بن عمرو بن سفيان بن عمرو بن جندب بن يعمر بن حليس بن نافثة بن علي‏.‏ وبنو ضمرة بن بكر‏:‏ منهم عامرة بن مخشى بن خويلد بن عبد بن نهم بن يعمر بن عوف بن جري بن ضمرة الذي وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه‏.‏ وعمرو بن أمية بن خويلد بن عبد الله بن إياس بن عبيد بن ناشرة بن كعب بن جري الصحابي والبراض بن قيس بن رافع بن قيس بن جري الفاتك قاتل عروة الرحال بن عتبة بن جعفر بن كلاب وكان بسببها حرب الفجار‏.‏ ومن ضمرة غفار بن مليل بن ضمرة بطن كان منهم أبو ذر الغفاري الصحابي وهو جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار وصاحبه كثير الشاعر الذي تشبب بعزة بنت جميل بن حفص بن إياس بن عبد العزى بن حاجب غافر بن غفار‏.‏ ومنهم كلثوم بن الحصين بن خالد بن معيسير بن بدر بن خميس بن غفار‏.‏ واستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة في غزوة الفتح‏.‏ وبنو مدلج بن مرة بن عبد مناة‏:‏ منهم شراقة بن مالك بن جعشم بن مالك بن عمرو بن مالك بن تميم بن مدلج الذي اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم بجعالة قريش ليرده فظهرت فيه الآية وصرفه الله تعالى عنه‏.‏ ومجزز المدلجي الذي سر النبي صلى الله عليه وسلم يقيافته في أسامة وزيد وهو مجزز بن الأعور بن جعد بن معاذ بن عتوارة بن عمرو بن مدلج‏.‏ وبنو عامر بن عبد مناة منهم بنو مساحق بن الأفرم بن جذيمة بن عامر الذين قتلهم خالد بن الوليد بالغميصا ووداهم النبي صلى الله عليه وسلم وأنكر فعل خالد‏.‏ وبنو الحارث بن عبد مناة منهم الحليس بن علقمة بن عمرو بن الأوقح بن عامر بن جذيمة بن عوف بن الحرث الذي عقد حلف الأحابيش مع قريش وأخوه تيم الذي عقد حلف القارة معهم‏.‏ وبنو فراس بن مالك بن كنانة‏:‏ منهم فارس العرب ربيعة بن المكدم بن عامر بن خويلد بن جذيمة بن علقمة بن جذل الطعان بن فارس‏.‏ وبنو عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة‏:‏ منهم نسأة المشهور في الجاهلية‏.‏ قام الإسلام فيهم على جنادة بن أمية بن عوف بن قلع بن جذيمة بن فقيم بن علي بن عامر‏.‏ وكل من صارت إليه هذه المرتبة كان يسمى القلمس وأول من نسأ الشهور سمير بن ثعلبة بن الحارث وكان منهم الرماحس بن عبد العزيز بن الرماحس بن الرسارس بن واقد بن وهب بن هاجر بن عز بن وائلة بن الفاكه بن عمرو بن الحرث ولاه عبد الرحمن الداخل حين جاء إلى الأندلس على الجزيرة وشذونة وامتنع بها ثم زحف إليه ففر إلى العدوة وبها مات‏.‏ وكان له بالأندلس عقب ولهم في الدولة الأموية ذكر وولايات‏.‏ كان منها على الأساطيل فكان لهم فيها غناء‏.‏ وكانوا يغزون سواحل العبيديين بأفريقية فتعظم نكايتهم فيها‏.‏ وهو وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين لا رب غيره ولا خير إلا خيره ولا يرجى إلا إياه ولا معبود سواه وهو نعم المولى ونعم النصير وأسأله الستر الجميل ولا حولا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم‏.‏ صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين‏.‏ والحمد لله رب العالمين حمداً كثيرأ والله ولي التوفيق‏.‏ قريش وأما قريش وهم ولد النضر بن كنانة بن فهر بن مالك بن النضر والنضر هو الذي يسمى قريشاً‏.‏ قيل للتقرش وهو التجارة وقيل تصغير قرش وهو الحوت الكبير المفترس دواب البحر‏.‏ وأنما انتسبوا إلى فهر لأن عقب النضر منحصر فيه لم يعقب من بني النضر غيره‏.‏ فهذا وجه القول بأن قريشأ من بني فهر بن مالك أعني انحصار نسبهم فيه‏.‏ وأما الذي اسمه قريش فهو النضر فولد فهر غالب والحارث ومحارب فبنو محارب بن فهر من قريش الظواهر منهم الضحاك بن قيس بن خالد بن وهب بن ثعلبة بن واثلة بن عمرو بن شيبان بن محارب صاحب مرج واهط قاتل فيه مروان بن الحكم حين بويع له بالخلافة وقتل‏.‏ وضرار بن الخطاب بن مرداس بن كثير بن عمرو آكل السقف بن حبيب بن عمرو بن شيبان الفارس المشهور في الصحابة وأبوه الخطاب بن مرداس سيد الظواهر في الجاهلية وكان يأخذ المرباع منهم وحضر حروب الفجار وابنه من فرسان الإسلام وشعرائه‏.‏ وعبد الملك بن قطي بن نهشل بن عمرو بن عبد الله بن وهب بن سعد بن عمرو آكل السقف‏.‏ شهد يوم الحرة وعاش حتى ولي الأندلس وصلبه أصحاب بلخ بن بشر القشيري‏.‏ وكرز بن جابر بن حسل بن لاحب بن حبيب بن عمرو بن شيبان قتل يوم الفتح وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وسار بنو الحرث بن فهر من الظواهر‏.‏ منهم أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن وهب بن ضبة بن الحرث من العشيرة وأمير المسلمين بالشام عند الفتح‏.‏ وعقبة بن نافع بن عبد قيس بن لقيط بن عامر بن أمية بن ضرب بن الحرث فاتح أفريقية ومؤسس القيروان بها‏.‏ ومن عقبه عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة والي أفريقية أبوه حبيب بن عقبة هو قاتل عبد العزيز بن موسى بن نصير‏.‏ ويوسف بن عبد الرحمن بن أبي عبيدة صاحب الأندلس وعليه دخل عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك فقتله ووليها هو وبنوه من بعده‏.‏ وأما غالب بن فهر‏:‏ وهو في عمود النسب الكريم فولد تيم الأدرم وولدين فبنو تيم الأدرم من الظواهر وهم بادية كان منهم ابن خطل الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله يوم الفتح فقتل وهو متعلق باستار الكعبة‏.‏ وهو هلال بن عبد الله بن عبد مناة بن أسعد بن جابر ابن كبير بن تيم الأدرم‏.‏ وأما لؤي بن غالب‏:‏ في عمود النسب الكريم فولد كعباً وعامراً وبطوناً أخرى يختلف في نسبها إلى لؤي خزيمة وسامة وسعد وجشم وهو الحارث وعوف وهم من قريش الظواهر على أقل فمنهم خزيمة بن لؤي وبنو سامة بن لؤي‏.‏ ويقال ليس بنو سامة من قريش وهم بعمان‏.‏ ويقال‏:‏ إن منهم بني سامان ملوك ما وراء النهر‏.‏ فأمما بنو عامر بن لؤي فهم شقير حسل بن عامر ومعيص بن عامر فمن بني معيص بشر بن أرطأة وهو عويمر ضمران بن الحليس بن يسار بن نزار بن معيص بن عامر وهو أحد قواد معاوية ومكرز بن حفص بن الأحنف بن علقمة بن عبد الحارث بن منقذ بن عمرو بن معيص من سادات قريش الذي أجار أبا جندل بن سهيل فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وهو عمرو بن قيس بن زايدة بن جندب الأصم ابن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد معيص وهو ابن خال خديجة وأمه أم كلثوم عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة بن عامر بن مخزوم‏.‏ ومن بني حسل‏:‏ عامر بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث بن حبيب بن خزيمة بن مالك بن حسل بن عامر أمير المسلمين في فتح إفريقية أيام عثمان وولي مصر وكان كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى مكة ثم جاء تائباً وحسنت حاله وقصته معروفة‏.‏ وحويطب بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل له صحبة‏.‏ وعبد عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك صاحب الحديبية وأخوه السكران وابنه أبو جندل سهيل واسمه العاصي وهو الذي جاء في قيوده يوم صلح الحديبية إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرده وقصته معروفة‏.‏ وزمعة بن قيس بن عبد شمس وابنه عبد بن زمعة وبنته سودة بنت زمعة أم المؤمنين وكانت زوجة السكران ابن عمها ثم تزوجها بعده رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وأما كعب بن لوي وهو في عمود النسب الكريم فولده مرة وهصيص وعدي وهم قريش البطاح أي بطائح مكة‏.‏ فمن ابن كعب هصيص بن كعب بن لؤي بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب منهم العاصي بن وائل بن هشام بن سعيد بن سهم وابناه عمرو وهشام ابنا العاصي‏.‏ وعبد الرحمن بن معيص بن أبي وداعة وهو الحارث بن سعيد بن سعد بن سهم قارىء أهل مكة واسماعيل بن جامع بن عبد المطلب بن أبي وداعة مفتي مكة ونبيه ومنبه ابنا الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم قتلا يوم بدر كافرين والقيا في القليب‏.‏ وقتل يومئذ العاصي بن منبه‏.‏ وكان له ذو الفقار سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وعبد الله بن الزبعرى بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم كان يؤذي بشعره ثم أسلم وحسن إسلامه‏.‏ وحذافة بن قيس أبو الأخنس وخنيس‏.‏ وكان خنيس على حفصة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن حذافة من مهاجرة الحبشة وهو الذي مضى بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى‏.‏ وبنو جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب‏.‏ كان منهم أمية بن خلف بن وهب بن حذافة قتل يوم بدر وأخوه أبي قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد بيده وابنه صفوان بن أمية أسلم يوم الفتح وابنه عبد الله بن صفوان قتل مع الزبير وعثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة وإخوته قدامة والسائب وعبد الله مهاجرون بدريون وبنو عدي بن كعب‏:‏ منهم زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي‏.‏ رفض الأوثان في الجاهلية والتزم الحنيفية ملة إبراهيم إلى أن قتل بقرية من قرى البلقاء قتله لخم أو جذام وابنه سعيد بن زيد أحد العشرة المشهود لهم بالجنة‏.‏ وعمر بن الخطاب أمير المؤمنين وابنه عبد الله وعاصم وعبيد الله وغيرهم وخارجة بن حذافة بن غانم بن عامر بن عبيد الله بن عويج بن عدي بن كعب الذي قتله الحروري بمصر يظنه عمرو بن العاصي‏.‏ وقال أردت عمراً وأراد الله خارجة فطارت مثلاً‏.‏ أبو الجهم بن حذيفة بن غانم صاحب النفل يوم حنينن ومطيع بن الأسود بن حارثة بن نضلة بن عوف بن عبيد بن عويج صحابي‏.‏ وابنه عبد الله بن مطيع كان على المهاجرين يوم الحرة قتل مع ابن الزبير مكة‏.‏ وأما مرة بن كعب‏:‏ وهو من عمود النسب الكريم فكان له من الولد كلاب وتيم ويقظة‏.‏ فأما تيم بن مرة فمنهم عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم يد قريش في الجاهلية وتنسب إليه الدار المشهورة يومئذ بمكة‏.‏ ومنهم أبو بكر الصديق اسمه عبد الله بن أبي قحافة وهو عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب وابناه عبد الرحمن ومحمد‏.‏ وطلحة بن عبد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب قتل يوم الجمل وابنه محمد السجاد وأعقابهم كثيرة‏.‏ وبنو يقظة بن مرة منهم بن مخزوم بن يقظة بن مرة‏.‏ فمنهم صيفي بن أبي رفاعة وهو أمية عائذ بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم قتل هو وأخوه ببدر كافراً والأرقم بن أبي الأرقم واسمه عبد مناف بن أبي جندب واسمه أسد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم صحابي بدري كان يجتمع بداره النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون سرا قبل أن يفشو الإسلام وأبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم من قدماء المهاجرين كان زوج أم سلمة قبل النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ والفاكه بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم واسمه أبو قيس قتل يوم بدر كافراً وأبو جهل بن هشام بن المغيرة واسمه عمرو قتل يومئذ كافراً وابنه عكرمة صحابي‏.‏ والحارث بن هشام بن المغيرة أسلم وحسن إسلامه وله عقب كثير مشهورون‏.‏ وأبو أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة قتل يوم بدر كافراً وبنته أم سلمة أم المؤمنين وهشام بن أبي حذيفة من مهاجرة الحبشة وعبد الله ابن أبي ربيعة وهو عمرو بن المغيرة من الصحابة من ولده الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المعروف بالقباع والوليد بن المغيرة مات بمكة كافراً وابنه خالد بن الوليد سيف الله صاحب الفتوحات الإسلامية‏.‏ وسعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم تابعي وأبوه المسيب من أهل بيعة الرضوان‏.‏ وأما كلاب بن مرة‏:‏ من عمود النسب الكريم فولد له قصي وزهرة فبنو زهرة بن كلاب منهم آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة أم النبي صلى الله عليه وسلم وابن أخيها عبد الله بن الأرقم ابن عبد يغوث بن وهب‏.‏ وسعد بن أبي وقاص واسمه مالك بن وهب بن عبد مناف أمير المسلمين في فتح العراق‏.‏ وهاشم ابن أخيه عتبة في الأمراء يومئذ وابنه عمر بن سعد الذي بعثه عبيد الله بن زياد لقتال الحسين وقتله المختار بن أبي عبيد وأخوه محمد بن سعد قتله الحجاج بن أبي الأشعث والمسور بن مخرمة بن نوفل بن وهب صحابي وأبوه من المؤلفة قلوبهم وعبد الله بن عوف بن عبد عوف بن الحرث بن زهرة وابنه سلمة وله عقب كثير‏.‏ وأما قصي بن كلاب من عمود النسب الكريم وهو الذي جمع أمر قريش وأثل مجدهم فولد له عبد مناف وعبد الدار وعبد العزى‏.‏ فبنو عبد الدار كان منهم النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار أسر يوم بدر مع المشركين‏.‏ ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ومر بالصفراء أمر به فضرب عنقه هنالك‏.‏ ومصعب بن عمرو بن هاشم بن عبد مناف صحابي بدري استشهد يوم أحد وكان صاحب اللواء‏.‏ ومن عقبه كان عامر بن وهب القائم بسرقسطة من الأندلس بدعوة أبي جعفر المنصور وقتله يوسف بن عبد الرحمن الفهري أمير الأندلس قبل عبد الرحمن الداخل‏.‏ ومنهم أبو السنابل بن بعكك بن السباق بن عبد الدار الذي دفع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح مفتاح الكعبة وقيل إنما دفعه إلى أخيه شيبة‏.‏ وصارت حجابة البيت إلى بني شيبة بن طلحة من يومئذ‏.‏ وبنو عبد العزى بن قصي منهم أبو البختري العاصي بن هاشم بن الحارث بن أسعد بن عبد العزى أراد التملك على قريش من قبل قيصر فمنعوه فرجع عنهم إلى الشام وسجن من وجد بها من قريش‏.‏ وكان في جملتهم أبو أحيحة سعيد بن العاصي فدست قريش إلى عمرو بن جفنة الغساني‏.‏ فسم عثمان بن الحويرث ومات بالشام‏.‏ وهبار بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى كان من عقبه عمر بن عبد العزيز بن المنذر بن الزبير بن عبد الرحمن بن هبار صاحب السند وليها في ابتداء الفتنة إثر قتل المتوكل وتداول أولاده ملكها إلى أن انقطع أمرهم على يد محمود بن سبكتكين صاحب غزنة وما دون النهر من خراسان وكانت قاعدتهم المنصورة‏.‏ وكان جده المنذر بن الربيع قد قام بقرقيسيا أيام السفاح فأسر وصلب‏.‏ واسماعيل بن هبار قتله مصعب بن عبد الرحمن غيلة وهبار كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ثم ابنه عوف أسلم فمدحه وحسن إسلامه‏.‏ وعبد الله بن زمعة بن الأسود له صحبة‏.‏ وتزوج زينب بنت أبي سلمة من أم سلمة أم المؤمنين وخديجة أم المؤمنين بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى والزبير بن العوام بن خويلد أحد العشرة وابناه عبد الله ومصعب وحكيم بن حزام بن خويلد عاش ستين سنة في الإسلام وباع داره الندوة من معاوية بمائة ألف وابنه هشام بن حكيم‏.‏ وأما عبد مناف وهو صاحب الشوكة في قريش وسنام الشرف وهو في عمود النسب الكريم فولد له عبد شمس وهاشم والمطلب ونوفل‏.‏ وكان بنو هاشم وبنو عبد شمس متقاسمين رياسة بني عبد مناف والبقية أحلاف لهم‏.‏ فبنو المطلب أحلاف لبني هاشم وبنو نوفل أحلاف لبني عبد شمس‏.‏ فأما بنو عبد شمس فمنهم العبلات وهم بنو أمية الأصغر وبنته الثريا صاحبة عمر بن أبي ربيعة وهي سيدة القريض المغني وبنو ربيعة بن عبد شمس‏:‏ منهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة‏.‏ ومن عتبة ابنه الوليد وقتل يوم بدر كافراً وأبو حذيفة صحابي وهو مولى سالم قتل يوم اليمامة‏.‏ وهند بنت عتبة أم معاوية رضي الله عنها‏.‏ وبنو عبد العزى صهر النبي وكانت له منها أمامة تزوجها علي بعد فاطمة رضي الله عنهما‏.‏ وبنو أمية الأكبر بن عبد شمس‏:‏ منهم سعيد بن أبي أحيحة العاصي بن أمية مات كافراً وابنه خالد بن سعيد قتل يوم اليرموك وسعيد بن العاصي بن سعيد قديم الإسلام ولي صنعاء واستشهد في فتح الشام وابنه سعيد قتل يوم اليرموك وسعيد بن العاصي بن سعيد بن العاصي بن أمية ولي الكوفة لعثمان‏.‏ وابنه عمرو الأشدق القائم على عبد الملك وقتله‏.‏ وأمير المؤمنين عثمان بن عفان بن العاصي بن أمية‏.‏ ومروان بن الحكم بن أبي العاصي وأعقابه الخلفاء الأولون في الإسلام والملوك بالأندلس معروفون يأتي ذكرهم عند أخبار دولهم‏.‏ وأبو سفيان بن حرب بن أمية‏:‏ وأبناؤه معاوية أمير المؤمنين ويزيد وحنظلة وعتبة وأم حبيبة أم المؤمنين‏.‏ وعقب معاوية بين الخلفاء والإسلام بين معروف يذكر عند ذكرهم‏.‏ وعتاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة اذ فتحها فلم يزل عليها إلى أن مات يوم ورود الخبر بموت أبي بكر الصديق‏.‏ ومنهم بنو أبي الشوارب القضاة ببغداد من عهد المتوكل إلى المقتدر‏.‏ وهم بنو أبي عثمان بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العاص وعقبة بن أبي معيط واسمه أبان بن عمرو بن أمية قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر صبراً‏.‏ وابنه الوليد صحابي ولي الكوفة وهو الذي حد على الخمر بين يدي عثمان وابنه أبو قطيفة الشاعر‏.‏ ومن عقبة بن أبي معيط المعيطي الذي بويع بدانية من شرق الأندلس‏.‏ بايع له ملكها مجاهد زمن الفتنة بعد المائة الرابعة في آخر الدولة الأموية‏.‏ وهو عبد الله بن عبد الله بن عبيد الله بن الوليد بن محمد بن يوسف بن عبد الله بن عبد العزيز بن خالد بن عثمان بن عبد الله بن عبد العزيز بن خالد بن عقبة بن أبي معيط‏.‏ وبنو نوفل بن عبد مناف‏:‏ منهم جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل الصحابي المشهور‏.‏ وأبو مطعم هو الذي نوه به النبي صلى الله عليه وسلم يوم الطائف ومات قبل بدر‏.‏ وطعيمة بن عدي قتل يوم بدر كافراً ومولاه وحشي هو الذي قتل يوم أحد حمزة بن عبد المطلب‏.‏ وبنو المطلب بن عبد مناف‏:‏ منهم قيس بن مخرمة بن المطلب صحابي وابنه عبد الله بن قيس مولى يسار جد محمد بن اسحق بن يسار صاحب المغازي‏.‏ ومسطح وهو عوف بن أثاثة بن عباد بن المطلب أحد من تكلم بالإفك وهو ابن خالة أبي بكر الصديق‏.‏ وركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب كان م أشد الرجال‏.‏ وصارعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرعه وكانت آية من آياته والسائب بن عبد يزيد كان يشبه رسول صلى الله عليه وسلم وأسر يوم بدر‏:‏ ومن عقبه الشافعي محمد بن إدريس بن العباس بن عثما بن شافع بن السائب‏.‏ وأما بنو هاشم بن عبد مناف فسيدهم عبد المطلب بن هاشم ولم يذكر من عقبه إلا عقب عبد المطلب هذا‏.‏ وكان بنوه عشرة‏:‏ عبد الله أبو النبي صلى الله عليه وسلم وهو أصغرهم وحمزة والعباس وأبو طالب والزبير والمقوم ويقال اسمه الغيداق وضرار وحجل وأبو لهب وقثم والزبير لا عقب لهما وعقب حمزة انقرض فيما قال ابن حزم‏.‏ ومن عقب أبي لهب ابنه عتبة صحابي‏.‏ وأما عقب العباس وأبي طالب فأكثر من أن يحصر والبيت والشرف من بني العباس في عبد الله بن العباس‏.‏ ومن بني أبي طالب في علي أمير المؤمنين وبعده أخوه جعفر رضي الله عنهم أجمعين‏.‏ وسنذكر من مشاهيرهم عند ذكر أخبارهم ودولهم ما فيه كفاية إن شاء الله تعالى‏.‏ هذا آخر الكلام في أنساب قريش وانقضى بتمامها الكلام في أنساب مضر وعدنان‏.‏ فلنرجع الآن إلى أخبار قريش وسائر مضر وما كان لهم من الدول الإسلامية‏.‏ والله المستعان لا رب غيره ولا خير إلا خيره ولا معبود سواه ولا يرجى إلا إياه‏.‏ وهو حسبي ونعم الوكيل وأسأله الستر الجميل‏.‏

ميارى 4 - 8 - 2010 02:06 AM

الخبر عن قريش من هذه الطبقة وملكهم بمكة وأولية أمرهم وكيف صار الملك إليهم فيها ممن قبلهم من الأمم السابقة
قد ذكروا عند الطبقة الأولى أن الحجاز وأكناف العرب كانت ديار العمالقة من ولد عمليق بن لاوذ وأنهم كان لهم ملك هنالك‏.‏ وكانت جرهم أيضأ من تلك الطبقة من ولد يقطن بن شالخ بن أرفخشذ‏.‏ وكانت ديارهم اليمن مع إخوانهم حضرموت‏.‏ وأصاب اليمن يومئذ قحط ففروا نحو تهامة يطلبون الماء والمرعى وعثروا في طريقهم بإسماعيل مع أمه هاجر عند زمزم‏.‏ وكان من شأنه وشأنهم معه ما ذكرناه عند ذكر إبراهيم عليه السلام‏.‏ ونزلوا على قطورا من بقية العمالقة وعليهم يومئذ السميدع بن هوثر بثاء مثلثة ابن لاوى بن ذكر بن عملاق أو عمليق‏.‏ واتصل خبر جرهم من ورائهم من قومهم باليمن وما أصابوا من النجعة بالحجاز فلحقوا بهم وعليهم مضاض بن عمرو بن سعيد بن الرقيب بن هنء بن نبت بن جرهم‏.‏ فنزلوا على مكة بقعيقعان‏.‏ وكانت قطورا أسفل مكة‏.‏ وكان مضاض يعشر من دخل مكة من أعلاها والسميدع من أسفلها‏.‏ هكذا عند ابن إسحق والمسعودي أن قطورا من العمالقة وعند غيرهما أن قطورا من بطون جرهم وليسوا من العمالقة‏.‏ ثم افترق أمر قطورا وجرهم وتنافسوا الملك واقتتلوا وغلبهم المضاض وقتل السميدع وانقضت العرب العاربة قال الشاعر‏:‏ مضى آل عملاق فلم يبق منهمو حقير ولاذ وعزة متشاوس عتوا فأدال الدهر منهم وحكمه على الناس هذا واغذ ومبايس ونشأ إسماعيل صلوات الله عليه بين جرهم وتكلم بلغتهم وتزوج منهم حرا بنت سعد بن عوف بن هنء نبت بن جرهم‏.‏ وهي المرأة التي أمره أبوه بتطليقها لما زاره ووجده غائباً‏.‏ فقال لها‏:‏ قولي لزوجك فليغير عتبته فطلقها وتزوج بنت أخيها مامة بنت مهلهل بن سعد بن عوف‏.‏ ذكر هاتين المرأتين الواقدي في كتاب انتقال النور‏.‏ وتزوج بعدهما السيدة بنت الحرث بن مضاض بن عمرو بن جرهم‏.‏ ولثلاثين سنة من عمر إسماعيل قدم أبوه الحجاز فأمر ببناء الكعبة البيت الحرام وكان الحجر زرباً لغنم اسماعيل فرفع قواعدها مع ابنه إسماعيل وصيرها خلوة لعبادته وجعلها حجاً للناس كما أمره الله وانصرف إلى الشام فقبض هنالك كما مر‏.‏ وبعث الله إسماعيل إلى العمالقة وجرهم وأهل اليمن فآمن بعض وكفر بعض إلى أن قبضه الله ودفن بالحجر مع أمه هاجر ويقال آجر‏.‏ وكان عمره فيما يقال مائة ثلاثين سنة وعهد بأمره لابنه قيذار‏.‏ ومعنى قيذار صاحب الإبل وذلك لأنه كان صاحب إبل أبيه إسماعيل كذا قال السهيلي‏.‏ وقال غيره معناه الملك‏.‏ ويقال إنما عهد لابنه نابت فقام ابنه بأمر البيت ووليها‏.‏ وكان ولده فيما ينقل أهل التوراة كما نقل اثني عشر‏:‏ قيذار قيايوت أدبئيل مبسام مشمع دوما مسا حدار ديما يطور ياقيس قدما‏.‏ أمهم السيدة بنت مضاض قاله السهيلي وهكذا وقعت أسماؤهم في الإسرائيليات‏.‏ والحروف خالفة للحروف العربية بعض الشيء باختلاف المخارج فلهذا يقع الخلاف بين العلماء في ضبط هذه الألفاظ‏.‏ وقد ضبط ابن إسحاق تيما منهم بالطاء والياء وضبطه الدارقطني بالضاد المعجمة والميم قبل الياء كأنها تأنيث آضم وذكر ابن إسحاق ديما‏.‏
وقال البكري‏:‏ به سميت دومة الجندل لأنه كان نزلها‏.‏ وذكر أن الطور بيطون ابن إسماعيل‏.‏ ثم هلك نابت بن إسماعيل وولي أمر البيت جده الحرث بن مضاض وقيل وليها مضاض بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن هنء بن نبت بن جرهم ثم ابنه الحرث بن عمرو‏.‏ ثم قسمت الولاية بين ولد إسماعيل بمكة وأخوالهم من جرهم ولاة البيت لا ينازعهم ولد إسماعيل إعظامأ للحرم أن يكون به بغي أو قتال‏.‏ ثم بغت جرهم في البيت ووافق بغيهم تفرق سبأ ونزول بني حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر أرض مكة‏.‏ فأرادوا المقام مع جرهم فمنعوهم واقتتلوا فغلبهم بنو حارثة وهم فيما قيل خزاعة وملكوا البيت عليهم ورئيسهم يومئذ عمرو بن لحي وشرد بقية جرهم‏.‏ ولحي هذا هو ربيعة بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو مزيقيا بن عامر وقيل إنما ثعلبة بن حارثة بن عامر‏.‏ وفي الحديث رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار يعني أحشاءه‏.‏ لأنه الذي بحر البحيرة وسيب السائبة وحمى الحامي وغير دين إسماعيل ودعا إلى عبادة الأوثان‏.‏ وفي طريق آخر رأيت عمرا بن عامر‏.‏ قال عياض المعروف في نسب أبي خزاعة‏.‏ هذا هو عمرو بن لحي بن قمعة بن الياس‏.‏ وأنما عامر اسم أبيه أخو قمعة وهو مدركة بن الياس‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ كان حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر خلف على أم لحي بعد أبيه قمعة‏.‏ ولحي تصغير‏.‏ واسمه ربيعة تبناه حارثة وانتسب إليه فالنسب صحيح بالوجهين‏.‏ وأسلم بن أفصى بن حارثة أخو خزاعة‏.‏ وعن ابن أسحق أن الذي أخرج جرهم من البيت ليست خزاعة وحدها وأنما تصدى للنكير عليهم خزاعة وكنانة‏.‏ وتولى كبره بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة وبنو غبشان بن عبد عمرو بن بوي بن ملكان بن أفصى بن حارثة فاجتمعو لحربهم واقتتلوا وغلبهم بنو بكر وبنو غبشان بن كنانة وخزاعة على البيت ونفوهم من مكة‏.‏ فخرج عمرو وقيل عامر بن الحرث بن مضاض الأصغر بمن معه من جرهم إلى اليمن بعد أن دفن حجر الركن وجميع أموال الكعبة بزمزم‏.‏ ثم اسفوا على ما فارقوا من أمر مكة وحزنوا حزناً شديداً‏.‏ وقال عمرو بن الحرث وقيل عامر‏:‏ كان لم يكن بين الحجون إلى الصف أنيس ولم يسمر بمكة سامر بلى نحن كنا أهلها فأزالنا صروف الليالي والجدود العواثر وكنا ولاة البيت من بعد نابت نطوف فما تحظى لدينا المكاثر ملكنا فعززنا فأعظم ملكنا فليس لحي عندنا ثم فاخر ألم تنكحوا من خير شخص علمته فأبناؤنا منا ونحن الأصاهر فإن تنثني الدنيا علينا بحالها فإن لها حالاً وفيها التشاجر فأخرجنا منها المليك بقدرة كذلك يا للناس تجري المقادر وبدلت منها أوجهاً لا أحبها قبائل منها حمير وبحائر وصرنا أحاديثاً وكنا بغبطة بذلك عصتنا السنون الغوابر فساحت دموع العين تبكي لبلدة بها حرم أم وفيها المشاعر ونبكي لبيب ليس يؤذى حمامة يظل بها أمناً وفيها العصافر وفيه وحوش لا ترام أنيسة إذا خرجت منه فليست تغادر ثم غلبت بنو حبشية على أمر البيت بقومهم من خزاعة واستقلوا بولايتها دون بني بكر عبد مناة وكان الذي يليها لآخر عهدهم عمرو بن الحرث وهو غبشان‏.‏ وذكر الزبير أن الذين أخرجوا جرهم من البيت من ولد إسماعيل هم إياد بن نزار‏.‏ ومن بعد ذلك وقعت الحرب بين مضر وإياد فأخرجتهم مضر‏.‏ ولما خرجت إياد قلعوا الحجر الأسود ودفنوه في بعض المواضع ورأت ذلك امرأة من خزاعة فأخبرت قومها فاشترطوا على مضر إن دلوهم عليه أن لهم ولاية البيت دونهم فوفوا لهم بذلك‏.‏ وصارت ولاية البيت لخزاعة إلى أن باعها أبو غبشان لقصي‏.‏ ويذكر أن من وليها منهم عمرو بن لحي ونصب الأصنام وخاطبه رجل من جرهم‏:‏ يا عمرو لا تظلم بم كة إنها بلد حرام سائل بعاد أين هم وكذاك تخترم الأنام وكانت ولاية البيت لخزاعة وكان لمضر ثلاث خصال‏:‏ الإجازة بالناس يوم عرفة لبني الغوث بن مرة إخوتهم وهو صوفة‏.‏ والإضافة بالناس غداة النحر من جمع إلى منىً لبني زيد بن عدي وانتهى ذلك منهم إلى أبي سيارة عميرة بن الأعزل بن خالد بن سعد بن الحرث بن كانس بن زيد فدفع من مزدلفة أربعين سنة على حمار ونسء الشهور الحرم كان لبني مالك بن كنانة‏.‏ وانتهى إلى القلمس كما مر‏.‏ وكان إذا أراد الناس الصدور من مكة قال‏:‏ اللهم إني أحللت أحد الصفرين ونسأت الآخر للعام المقبل‏.‏ قال عمرو بن قيس من بني فراس‏:‏ ونحن الناسئون على معد شهور الحل فجعلها حراما قال ابن اسحق‏:‏ فأقام بنو خزاعة وبنو كنانة على ذلك مدة الولاية لخزاعة دونهم كما قلناه‏.‏ وفي أثناء ذلك تشعبت بطون كنانة ومن مضر كلها وصاروا جرماً وبيوتات متفرقين في بطن قومهم من بني كنانة وكلهم إذ ذاك أحياء حلول بظواهرها‏.‏ وصارت قريش على فرقتين‏:‏ قريش البطاح وقريش الظواهر‏.‏ فقريش البطاح ولد قصي بن كلاب وسائر بني كعب بن لؤي‏.‏ وقريش الظواهر من سواهم‏.‏ وكانت خزاعة بادية لكنانة ثم صار بنو كنانة لقريش‏.‏ ثم صارت قريش الظواهر بادية لقريش البطاح وقريش الظواهر من كان على أقل من مرحلة ومن الضواحي من كان على أكثر من ذلك‏.‏ وصار من سوى قريش وكنانة من قبائل مضر في الضواحي أحياء بادية وظعوناً ناجعة من بطون قيس وخندف من أشجع وعبس وفزارة ومرة وسليم وسعد بن بكر وعامر بن صعصعة وثقيف‏.‏ ومن تميم والرباب وضبعي بني أسد وهذيل والقارة وغير هؤلاء من البطون الصغار وكان التقدم في مضر كلها لكنانة ثم لقريش والتقدم في قريش لبني لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر‏.‏ وكان سيدهم قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي‏.‏ كان له فيهم شرف وقرابة وثروة وولد وكان له في قضاعة ثم في بني عروة بن سعد بن زيد من بطونهم نسب ظئر ورحم كلالة كانوا من أجلها فيه شيعة‏.‏ وذلك بما كان ربيعة بن حرام بن عذرة قدم مكة قبل مهلك كلاب بن مرة وكان كلاب خلف قصياً في حجر أمه فاطمة بنت سعد بن باسل بن خثعمة الأسدي من اليمن فتزوجها ربيعة وقصي يومئذ فطيم فاحتملته إلى بلاد بني عذرة وتركت ابنها زهرة بن كلاب لأنه كان رجلاً بالغاً وولدت لربيعة بن حزام رزاح بن ربيعة ولما شب قصي وعرف نسبه رجع إلى قومه وكان الذي يلي أمر البيت لعهده من خزاعة حليل بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو فأصهر إلى قصي في ابنته حبى فأنكحه إياها فولدت له عبد الدار وعبد مناف وعبد العزى وعبد قصي‏.‏ ولما انتشر ولد قصي وكثر ماله وعظم شرفه هلك حليل فرأى قصي أنه أحق بالكعبة وبأمر مكة وخزاعة وبني بكر لشرفه في قريش‏.‏ ولما كثرت قريش سائر الناس واعتزت عليهم وقيل أوصي له بذلك حليل‏.‏ ولما بدا له ذلك مشى في رجالات قريش ودعاهم إلى ذلك فأجابوه وكتب إلى أخيه رزاخ في قومه عذرة مستجيشاً بهم فقدم مكة في إخوته من ولد ربيعة ومن تبعهم من قضاعة في جملة الحاج مجمعاً نصر قصي‏.‏ قال السهيلي‏:‏ وذكر غير ابن إسحق إن حليلأ كان يعطي مفاتيح البيت بنته حبى حين كبر وضعف فكانت بيدها وكان قصي ربما أخذها يفتح البيت للناس ويغلقه فلما هلك حليل أوصى بولاية البيت إلى قصي وأبت خزاعة أن يمضي ذلك لقصي فعند ذلك هاجت الحرب بينه وبين خزاعة وأرسل إلى رزاح أخيه يستنجده عليهم‏.‏ وقال‏:‏ الطبري لما أعطى حليل مفاتيح الكعبة لابنته حبى لما كبر وثقل قالت إجعل لرجل يقوم لك به فجعله إلى أبي غبشان سليمان بن عمرو بن لؤي بن ملكان بن قصي وكانت له ولاية الكعبة‏.‏ ويقال‏:‏ إن أبا غبشان هو ابن حليل باعه من قصي بزق خمر قيل فيه أخسر من صفقة أبي غبشان‏.‏ فكان من أول ما بدأوا به نقض ما كان لصوفة من إجازة الحاج وذلك أن بني سعد بن زيد مناة بن تميم كانوا يلون الإجازة للناس بالحج من عرفة ينفر الحاج لنفرهم ويرمون الجمار لرميهم ورثوا ذلك من بني الغوث بن مرة‏.‏ كانت أمه من جرهم وكانت لا تلد فنذرت إن ولدت أن تتصدق به على الكعبة عبدأ يخدمها فولدت الغوث وخلى أخواله من جرهم بينه وبين من نافسه بذلك‏.‏ فكان له ولولده وكان يقال لهم صوفة‏.‏ وقال السهيلي عن بعض الإخباريين‏:‏ إن ولاية الغوث بن مرة كانت من قبل ملوك كندة ولما انقرضوا ورث بالتعدد بنو سعد بن زيد مناة‏.‏ ولما جاء الإسلام كانت تلك الإجازة منهم لكرب بن صفوان بن حتات بن سحنة وقد مر ذكره في بطون تميم‏.‏ فلما كان العام الذي أجمع فيه قصي الإنفراد بولاية البيت وحضر إخوته من عفرة تعرض لبني سعد أصحاب صوفة في قومهم من قريش وكنانة وقضاعة عند الكعبة‏.‏ فلما وقفوا للإجازة قال لا نحن أولى بهذا منكم فتناجزا وغلبهم قصي على ما كان بأيديهم وعرفت خزاعة وبنو بكر عند ذلك أنه سيمنعهم من ولاية البيت كما منع الآخرين فانحازوا عنه وأجمعوا لحربه وتناجزوا وكثر القتل ثم صالحوه على أن يحكموا من أشراف العرب وتنافروا إلى يعمر بن عوف بن كعب بن عمرو بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة فقضى لقصي عليهم فولي قصي البيت وقر بمكة وجمع قريشاً من منازلهم بين كنانة إليها وقطعها أرباعأ بينهم‏.‏ فأنزل كل بطن منهم بمنزله الذي صبحهم به الإسلام وسمي بذلك مجمعاً قال الشاعر‏:‏ قصي لعمري كان يدعى مجمعاً به جمع الله القبائل من فهر فكان أول من أصاب من بني لؤي بن غالب ملكأ أطاع له به قومه فصار له لواء الحرب وحجابة البيت وتيمنت قريش برأيه فصرفوا مشورتهم إليه في قليل أمورهم وكثيرها فاتخذوا دار الندوة إزاء الكعبة في مشاوراتهم وجعل بابها إلى المسجد فكانت مجتمع الملاء من قريش في مشاوراتهم ومعاقدهم ثم تصدى لإطعام الحاج وسقايته لما رأى أنهم ضيف الله وزوار بيته‏.‏ وفرض على قريش خراجاً يؤدونه إليه زيادة على ذلك كانوا يردفونه به فحاز شرفهم كله‏.‏ وكانت الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء له‏.‏ ولما أسن قصي وكان بكره عبد الدار وكان ضعيفاً وكان أخوه عبد مناف شرف عليه في حياة أبيه فأوصى قصي لعبد الدار بما كان له من الحجابة واللواء والندوة والرفادة والسقاية يجبر له بذلك ما نقصه من شرف عبد مناف‏.‏ وكان أمره في قومه كالدين المتبع ولا يعدل عنه‏.‏ ثم هلك وقام بأمره في قومه بنوه من بعده وأقاموا على ذلك مدة وسلطان مكة لهم وأمر قريش جميعاً‏.‏ ثم نفس بنو عبد مناف على بني عبد الدار ما بأيديهم ونازعوهم فافترق أمر قريش وصاروا في مظاهرة بني قصي بعضهم على بعض فرقتين‏.‏ وكان بطون قريش قد إجتمعت لعهدها ذلك إثني عشر بطناً‏:‏ بنو الحرث بن فهر وبنو محارب بن لؤي وبنو عدي بن كعب وبنو سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب وبنو جمح بن عمرو بن هصيص وبنو تيم بن مرة وبنو مخزوم بن يقظة بن مرة وبنو زهرة بن كلاب وبنو أسد بن عبد العزى بن قصي وبنو عبد الدار وبنو عبد مناف بن قصي‏.‏ فأجمع بنو عبد مناف إنتزاع ما بأيدي عبد الدار مما جعل لهم قصي وقام بأمرهم عبد شمس أسن ولده واجتمع له من قريش بنو أسد بن عبد العزى وبنو زهرة وبنو تيم وبنو الحرث‏.‏ واعتزل بنو عامر وبنو المحارب الفريقين وصار الباقي من بطون قريش مع بني عبد الدار وهم بنو سهم وبنو جمح وبنو عدي وبنو مخزوم‏.‏ ثم عقد كل من الفريقين على أحلافه عقداً مؤكداً وأحضر بنو عبد مناف وحلف قومهم عند الكعبة جفنة مملوءة طيباً غمسوا فيها أيديهم تأكيدأ للحلف‏.‏ فسمي حلف المطيبين‏.‏ وأجمعوا للحرب وسووا بين القبائل وأن تبعث بعضها إلى بعض‏.‏ فبعث بنو عبد الدار لبني أسد وبنو جمح لبني زهرة وبنو مخزوم لبني تيم وبنو عدي لبني الحرث‏.‏ ثم تداعوا للصلح على أن يسلموا لبني عبد مناف السقاية والرفادة ويختص بنو عبد الدار بالحجابة واللواء فرضي الفريقان وتحاجز الناس‏.‏ وقال الطبري‏:‏ قيل ورثها من أبيه ثم بقام بأمر بني عبد مناف هاشم ليساره وقراره بمكة وتقلب أخيه عبد شمس في التجارة إلى الشام‏.‏ فأحسن هاشم ما شاء في إطعام الحاج وإكرام وفدهم‏.‏ ويقال‏:‏ إنه أول من أطعم الثريد الذي كان يطعم فهو ثريد قريش الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام‏.‏ والثريد لهذا العهد ثريد الخبز بعد أن يطبخ في المقلاوة والتنور‏.‏ وليس من طعام العرب إلا أن عندهم طعاماً يسمونه البازين يتناوله الثريد لغة وهو ثريد الخبز بعد أن يطبخ في الماء عجيناً رطباً إلى أن يتم نضجه ثم يدلكونه بالمغرفة حتى تتلاحم أجزاؤه وتتلازج‏.‏ وما أدري هل كان ذلك الطعام كذلك أولاً إلا أن لفظ الثريد يتناوله لغة‏.‏ ويقال‏:‏ إن هاشم بن عبد المطلب أول من سن الرحلتين في الشتاء والصيف للعرب ذكره بن إسحق وهو غير صحيح لأن الرحلتين من عوائد العرب في كل جيل لمراعي إبلهم ومصالحها لأن معاشهم فيها‏.‏ وهذا معنى العرب وحقيقتهم أنه الجيل الذي معاشهم في كسب الإبل والقيام عليها في ارتياد المرعى وانتجاع المياه والنتاج والتوليد وغير ذلك من مصالحها والفرار بها من أذى البرد عند التوليد إلى القفار ودفئها وطلب التلول في المصيف للحبوب وبرد الهواء‏.‏ وتكونت على ذلك طباعهم فلا بد لهم منها‏.‏ ظعنوا أو أقاموا وهو معنى العروبية‏.‏ وشعارها أن هاشماً لما هلك وكان مهلكه بغزة من أرض الشام تخلف عبد المطلب صغيراً بيثرب فأقام بأمره من بعده ابنه المطلب وكان ذا شرف وفضل وكانت قريش تسميه الفضل لسماحته وكان هاشم قدم يثرب فتزوج في بني عدي‏.‏ وكانت قبله عند أحيحة بن الجلاح بن الحريش بن جحجبا بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك سيد الأوس لعهده فولدت عمرو بن أحيحة وكانت لشرفها تشترط أمرها بيدها في عقد النكاح فولدت عبد المطلب فسمته شيبة وتركه هاشم عندها حتى كان غلامأ‏.‏ وهلك هاشم فخرج إليه أخوه المطلب فأسلمته إليه بعد تعسف واغتباط به فاحتمله ودخل مكة فردفه على بعيره فقالت قريش هذا عبد ابتاعه المطلب فسمي شيبة عبد المطلب من يومئذ‏.‏ ثم إن المطلب هلك بردمان من اليمن فقام بأمر بني هاشم بعده عبد المطلب بن هاشم وأقام الرفادة والسقاية للحاج على أحسن ما كان قومه يقيمونه بمكة من قبله وكانت له وفادة على ملوك اليمن من حمير والحبشة وقد قدمنا خبره مع ابن ذي يزن ومع ابرهة‏.‏ ولما أراد حفر زمزم‏:‏ للرؤيا التي رآها اعترضته قريش دون ذلك ثم حالوا بينه وبين ما أراد منها فنذر لئن ولد له عشرة من الولد ثم يبلغوا معه حتى يمنعوه لينحرن أحدهم قرباناً لله عند الكعبة فلما كملوا عشرة ضرب عليهم القداح عند هبل الصنم العظيم الذي كان في جوف الكعبة على البئر التي كانوا ينحرون فيها هدايا الكعبة فخرجت القداح على ابنه عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم وتحير في شأنه ومنعه قومه من ذلك‏.‏ وأشار بعضهم وهو المغيرة بن عبد الله بن مخزوم بسؤال العرافة التي كانت لهم بالمدينة على ذلك‏.‏ فألفوها بخيبر وسألوها فقالت قربوه وعشراً من الإبل وأجيلوا القداح فإن خرجت على الإبل فذلك وإلا فزيدوا في الإبل حتى تخرج عليها القداح وانحروها حينئذ فهي الفدية عنه‏.‏ وقد رضي إلهكم ففعلوا وبلغت الإبل مائة‏.‏ فنحرها عبد المطلب وكانت من كرامات الله به‏.‏ وعليه قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنا ابن الذبيحين يعني عبد الله أباه وإسماعيل بن إبراهيم جده اللذين قربا للذبح ثم فديا بذبح الأنعام‏.‏ ثم أن عبد المطلب زوج ابنه عبد الله بآمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة فدخل بها وحملت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبعثه عبد المطلب يمتار لهم تمراً فمات هنالك فلما أبطأ عليهم خبره بعث في أثره‏.‏ وقال الطبري عن الواقدي‏:‏ الصحيح إنه أقبل من الشام في حي لقريش فنزل بالمدينة ومرض بها ومات‏.‏ ثم أقام عبد المطلب في رياسة قريش بمكة والكون يصغي لملك العرب والعالم يتمخض بفصال النبوة إلى أن وضح نور الله من أفقهم وسرى خبر السماء إلى بيوتهم واختلفت الملائكة إلى أحيائهم وخرجت الخلافة في انصبائهم وصارت العزة لمضر ولسائر العرب بهم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وعاش عبد المطلب مائة وأربعين سنة وهو الذي احتفر زمزم‏.‏ قال السهيلي‏:‏ ولما حفر عبد المطلب زمزم استخرج منه تمثالي غزالين من ذهب وأسيافاً‏.‏ كذلك كان ساسان ملك الفرس أهداها إلى الكعبة وقيل سابور‏.‏ ودفنها الحرث بن مضاض في زمزم لما خرج بجرهم من مكة‏.‏ فاستخرجها عبد المطلب وضرب الغزالين حلية للكعبة فهو أول من ذهب حلية الكعبة بها وضرب من تلك الأسياف باب حديد وجعله للكعبة‏.‏ ويقال‏:‏ إن أول من كسى الكعبة واتخذ لها غلقاً تبع إلى أن جعل لها عبد المطلب هذا الباب‏.‏ ثم اتخذ عبد المطلب حوضاً لزمزم يسقي منه وحسده قومه على ذلك وكانوا يخربونه بالليل فلما غمه ذلك رأى في النوم قائلاً يقول‏:‏ قل لا أحلها لمغتسل وهي لشارب حل وبل فإذا قلتها فقد كفيتهم فكان بعد إذا أرادها أحد بمكروه رمى بداء في جسده ولما عملوا بذلك تناهوا عنه‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ أول من كسا البيت المسوح والخصف والأنطاع تبع الحميري‏.‏ ويروى أنه لما كساها انتقض البيت فزال ذلك عنه وفعل ذلك حين كساه الخصف فلما كساه الملاء والوصائل قبله وسكن‏.‏ وممن ذكر هذا الخبر قاسم بن ثابت في كتاب الدلائل‏.‏ وقال ابن إسحق أول من كسا الديباج الحجاج‏.‏ وقال الزبير بن بكار بن عبد الله بن الزبير أول من كساها ذلك‏.‏ وذكر جماعة منهم الدارقطني إن نتيلة بنت جناب أم العباس بن عبد المطلب كانت أضلت العباس صغيرأ فنذرت إن وجدته أن تكسو الكعبة وكانت من بيت مملكة فوفت بنذرها‏.‏ هذه أخبار قريش وملكهم بمكة‏.‏ وكانت ثقيف جيرانهم بالطائف يساجلونهم في مذاهب العروبية وينازعونهم في الشرف وكانوا من أوفر قبائل هوازن لأن ثقيفاً هو قسي بن منبه بن بكر بن هوازن‏.‏ وكانت الطائف قبلهم لعدوان الذين كان فيهم حكيم العرب عامر بن الظرب بن عمرو بن عباد بن يشكر بن بكر بن عدوان‏.‏ وكثر عددهم حتى قاربوا سبعين ألفاً‏.‏ ثم بغى بعضهم على بعض فهلكوا وقل عددهم‏.‏ وكان قسي بن منبه صهرأ لعامر بن الظرب وكان بنوه بينهم‏.‏ فلما قل عدد عدوان تغلب عليهم ثقيف وأخرجوهم من الطائف وملكوه إلى أن صبحهم الإسلام به على ما نذكره والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين والبقاء لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‏.‏ تم الجزء الثاني من تاريخ ابن خلدون حسب ترتيب المؤلف بسم الله الرحمن الرحيم أمر النبوة والهجرة أمر النبوة والهجرة في هذه الطبقة الثالثة وما كان من اجتماع العرب على الإسلام بعد الإباية والحرب لما استقر أمر قريش بمكة على ما استقر وافترقت قبائل مضر في أدنى مدن الشام والعراق وما دونهما من الحجاز فكانوا ظعوناً وأحياء‏.‏ وكان جميعهم بمسغبة وفي جهد من العيش بحرب بلادهم وحرب فارس والروم على تلول العراق والشام وأربابهما ينزلون حاميتهم بثغورهما ويجهزون كتائبهم بتخومهما ويولون على العرب من رجالاتهم وبيوت العصائب منهم من يسومهم القهر ويحملهم على الإنقياد حتى يؤتوا جباية السلطان الأعظم وإتاوة ملك العرب ويؤدوا ما عليهم من الدماء والطوائل ويسترهموا ابناءهم على السلم وكف العادية‏.‏ ومن انتجاع الأرباب وميرة الأقوات والعساكر من وراء ذلك توقع بمن منع الخراج وتستأصل من يروم الفساد‏.‏ وكان أمر مضر راجعاً في ذلك إلى ملوك كندة بني حجر آكل المرار منذ ولاه عليهم تبع حسان كما ذكرناه‏.‏ ولم يكن في العرب ملك إلا في آل المنذر بالحيرة للفرس وفي آل جهينة بالشام للروم وفي بني حجر هؤلاء على مضر والحجاز‏.‏ وكانت قبائل مضر مع ذلك بل وسائر العرب أهل بغي وإلحاد وقطع للأرحام وتنافس في الردى وإعراض عن ذكر الله‏.‏ فكانت عبادتهم الأوثان والحجرة وأكلهم العقارب والخنافس والحيات والجعلان وأشرف طعامهم أوبار الإبل إذا أمروها في الحرارة في الدم‏.‏ وأعظم عزهم وفادةً على آل المنذر وآل جهينة وبني جعفر ونجعة من ملوكهم‏.‏ وإنما كان تنافسهم الموءودة والسائبة والوصيلة والحامي‏.‏ فلما تأذن الله بظهورهم وآشرأبت إلى الشرف هوادي أيامهم وتم أمر الله في إعلاء أمرهم وهبت ريح دولتهم وملة الله فيهم تبدت تباشير الصباح من أمرهم وأونس الخير والرشد في خلالهم ويبدل الله بالطيب الخبيث من أحوالهم وشرهم‏.‏ واستبدلوا بالذل عزا وبالمآثم متاباً وبالشر خيرأ‏.‏ ثم بالضلالة هدئ وبالمسغبة شبعاً ورياً وإيالة وملكاً‏.‏ وإذا أراد الله أمرأ يسر أسبابه‏:‏ فكان لهم من العز والظهور قبل المبعث ما كان‏.‏ وأوقع بنو شيبان وسائر بكر بن وائل وعبس بن غطفان بطيء وهم يومئذ ولاة العرب بالحيرة وأميرها منهم قبيصة بن إياس ومعه الباهوت صاحب مسلحة كسرى‏.‏ فأوقعوا بهم الوقعة المشهورة بذي قار والتحمت عساكر الفرس وأخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفد حاجب بن زرارة من بني تميم على كسرى في طلب الإنتجاع والميرة بقومه في أباب العراق‏.‏ فطلب الأساورة منه الرهن على عادتهم فأعطاهم قوسه واستكبر عن استرهان ولده توقعوا منه عجزاً عما سواها وانتقلت خلال الخير من العجم ورجالات فارس فصارت أغلب في العرب حتى كان الواحد منهم هم بخلاله وشرفه وغلب الشر والسفسفة على أهل دول العجم وانظر فيما كتب عمر إلى أبي عبيدة بن المثنى حين وجهه إلى حرب فارس‏:‏ إنك تقدم على أرض المكر والخديعة والخيانة والحيرة تقدم على أقوام قد جرأوا على الشر فعلموه وتناسوا الخير فجهلوه فانظر كيف تكون اه‏.‏ وتنافست العرب في الخلال وتنازعوا في المجد والشرف حسبما هو مذكور في أيامهم وأخبارهم‏.‏ وكان حظ قريش من ذلك أوفر على نسبة حظهم من مبعثه وعلى ما كانوا ينتحلونه من هدى آبائهم‏.‏ وينظر ما وقع في حلف الفضول حيث اجتمع بنو هاشم وبنو المطلب وبنو أسد بن عبد العزى وبنو زهرة وبنو تميم فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه وكانوا من ظلمهم حتى ترد عليه مظلمته وسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول‏.‏ وفي الصحيح عن طلحة‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو دعي به في الإسلام لأجبت‏.‏ ثم ألقى الله في قلوبهم التماس الدين وإنكار ما عليهم قومهم من عبادة الأوثان حتى لقد اجتمع منهم ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى وعثمان بن الحويرث بن أسد وزيد بن عمرو بن نفيل من بني عدي بن كعب عم عمر بن الخطاب وعبيد الله بن جحش من بني أسد بن خزيمة وتلاوموا في عبادة الأحجار والأوثان وتواصوا بالنفر في البلدان بالتماس الحنيفية‏:‏ دين إبراهيم نبيهم‏.‏ فأما ورقة فاستحكم في النصرانية وابتغى من أهلها الكتب حتى علم من أهل الكتاب‏.‏ وأما عبيد الله بن جحش فأقام على ما هو عليه حتى جاء الإسلام فأسلم وهاجر إلى الحبشة فتنصر وهلك نصرانياً‏:‏ وكان يمر بالمهاجرين بأرض الحبشة فيقول‏:‏ فقحنا وصأصأتم أي أبصرنا وأنتم تلتمسون البصر‏.‏ مثلما يقال في الجرو إذا فتح عينيه فقح وإذا أراد ولم يقدر صأصأ‏.‏ وأما عثمان بن الحويرث فقدم على ملك الروم قيصر فتنصر وحسنت منزلته عنده وأما زيد بن عمر فما هم أن يدخل في دين ولا اتبع كتاباً‏.‏ واعتزل الأوثان والذبائح والميتة والدم ونهى عن قتل الموءودة وقال‏:‏ أعبد رب إبراهيم‏.‏ وصرح بعيب آلهتهم وكان يقول‏:‏ اللهم لو أني أعلم أي الوجوه أحب إليك لعبدتك ولكن لا أعلم ثم يسجد على راحته‏.‏ وقال ابنه سعيد وابن عمه عمر بن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر الله لزيد بن عمرو قال‏:‏ نعم‏!‏ إنه يبعث أمة واحدة‏.‏ ثم تحدث الكهان والحزاة قبل النبوة وإنها كائنة في العرب وأن ملكهم سيظهر‏.‏ وتحدث أهل الكتاب من اليهود والنصارى بما في التوراة والإنجيل من بعث محمد وأمته وظهرت كرامة الله بقريش ومكة في أصحاب الغيل أرهاصاً بين يدي مبعثه‏.‏ ثم ذهب ملك الحبشة من اليمن على يد ابن ذي يزن من بقية التبابعة‏.‏ ووفد عليه عبد المطلب يهنيه عند استرجاعه ملك قومه من أيدي الحبشة فبشره ابن ذي يزن بظهور نبي من العرب وأنه من ولده في قصة معروفة‏.‏ وتحين الأمر لنفسه كثير من رؤساء العرب يظنه فيه ونفروا إلى الرهبان والأحبار من أهل الكتاب يسألونهم ببلدتهم عن ذلك مثل أمية بن أبي الصلت الشقي وما وقع له في سفره إلى الشام مع أبي سفيان بن حرب وسؤاله الرهبان ومفاوضته أبا سفيان فيما وقف عليه من ذلك يظن أن الأمر له أو لأشرف قريش من بنى عبد مناف حتى تبين لهما خلاف ذلك في قصة معروفة‏.‏ ثم رجمت الشياطين عن استماع خبر السماء في أمره وأصغى الكون لاستماع أنبائه‏.‏

فسحة أمل 5 - 8 - 2010 12:43 AM

جهود جبارة يا مياري ..
بارك الله فيك وجزاك كل خير..
كل تقديري و احترامي

ميارى 6 - 8 - 2010 04:13 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فسحة أمل (المشاركة 63861)
جهود جبارة يا مياري ..
بارك الله فيك وجزاك كل خير..
كل تقديري و احترامي


فسحة العزيزة ، لم محبتي ومودتي وشكرا لكلماتك الطيبة

ميارى 6 - 8 - 2010 04:15 PM

المولد الكريم وبدء التوحيد
ثم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول لأربعين سنة من ملك كسرى أنوشروان وقيل لثماني وأربعين وثمانمائة واثنين وثمانين لذي القرنين‏.‏ وكان عبد الله أبوه غائباً بالشام وانصرف فهلك بالمدينة وولد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مهلكه بأشهر قلائل وقيل غير ذلك‏.‏ فكفله جده عبد المطلب بن هاشم وكفالة الله من ورائه‏.‏ والتمس له الرضعاء واسترضع في بني سعد أبي عبد من هوازن ثم في بني نصر بن سعد أرضعته منهم حليمة بنت أبي ذؤيب عبد الله بن الحرث بن شحنة بن رزاح بن ناظرة بن خصفة بن قيس وكان ظئره منهم الحارث بن عبد العزى وقد مر ذكرهما في بني عامر بن صعصعة‏.‏ وكان أهله يتوسمون فيه علامات الخير والكرامات من الله ولما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم شق الملكين بطنه واستخراج العلقة السوداء من قلبه وغسلهم حشاه وقلبه بالثلج ما كان‏.‏ وذلك لرابعة من مولده وهو خلف البيوت يرعى الغنم فرجع إلى البيت ممتقع اللون‏.‏ وظهرت حليمة على شأنه فخافت أن يكون أصابه شيء من اللمم فرجعته إلى أمه‏.‏ واسترابت آمنة برجعها إياه بعد حرصها على كفالته فأخبرتها الخبر فقالت‏:‏ كلا والله لست أخشى عليه‏.‏ وذكرت من دلائل كرامة الله له وبه كثيراً وأزارته أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة أخوال جده عبد المطلب من بني عدي بن النجار بالمدينة وكانوا أخوالاً لها وهلك عبد المطلب لثمان سنين من ولادته وعهد به إلى ابنه أبي طالب فأحسن ولايته وكفالته وكان شأنه في رضاعه وشبابه ومرباه وأحواله عجباً‏.‏ وتولى حفظه وكلاءته من مفارقة أحوال الجاهلية وعصمته من التلبس بشيء منها حتى لقد ثبت أنه مر بعرس مع شباب قريش فلما دخل على القوم أصابه غشي النوم فما أفاق حتى طلعت الشمس وافترقوا‏.‏ ووقع له ذلك أكثر من مرة‏.‏ وحمل الحجارة مع عمه العباس لبنيان الكعبة وهما صبيان فأشار عليه العباس بحملها في إزاره فوضعه على عاتقه وحمل الحجارة فيه وانكشف فلما حملها على عاتقه سقط مغشياً عليه ثم عاد فسقط فاشتمل إزاره وحمل الحجارة كما كان يحملها‏.‏ وكانت بركاته تظهر بقومه وأهل بيته ورضعائه في شؤونهم كلها‏.‏ وحمله عمه أبو طالب إلى الشام وهو إبن ثلاث عشرة سنة وقيل ابن سبع عشرة سنة فمروا ببحيرا الراهب عند بصرى فعاين الغمامة تظلله والشجر تسجد له فدعا القوم وأخبرهم بنبوته وبكثير من شأنه في قصة مشهورة‏.‏ ثم خرج ثانية إلى الشام تاجراً بمال خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى مع غلامها ميسرة ومروا بنسطور الراهب فرأى ملكين يظلانه من الشمس فأخبر ميسرة بشأنه فأخبر بذلك خديجة فعرضت نفسها عليه‏.‏ وجاء أبو طالب فخطبها إلى أبيها فزوجه وحضر الملاء من قريش وقام أبو طالب خطيباً فقال‏:‏ الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضيء معد وعنصر مضر وجعل لنا بيتأ محجوجاً وحرماً آمناً وجعلنا أمناء بيته وسواس حرمه وجعلنا الحكام على الناس‏.‏ وإن ابن أخي محمد بن عبد لله من قد علمتم قرابته وهو لا يوزن بأحد إلا رجح به‏.‏ فإن كان في المال قل فإن المال ظل زائل‏.‏ وقد خطب خديجة بنت خويلد وبذل لها من الصداق ما عاجله وآجله من مالي كذا وكذا وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل‏.‏ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ابن خمس وعشرين سنة وذلك بعد الفجار بخمس عشرة سنة‏.‏ وشهد بنيان الكعبة لخمس وثلاثين سنة من مولده حين أجمع كل قريش على هدمها وبنائها‏.‏ ولما انتهوا إلى الحجر تنازعوا أيهم يضعه وتداعوا للقتال‏.‏ وتحالف بنو عبد الدار على الموت ثم اجتمعوا وتشاوروا‏.‏ وقال أبو أمية حكموا أول من دخل من باب المسجد فتراضوا على ذلك‏.‏ ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا‏:‏ هذا الأمين وبذلك كانوا يسمونه فتراضوا به وحكموه‏.‏ فبسط ثوباً ووضع فيه الحجر وأعطى قريشاً طرف الثوب فرفعوه حتى أدنوه من مكانه ووضعه عليه السلام بيده وكانوا أربعة‏:‏ عتبة بن ربيعة بن عبد شمس والأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى وأبو حذيفة بن المغيرة بن عمر بن مخزوم وقيس بن عدي السهمي‏.‏ ثم استمروا على أكمل الزكاء والطهارة في أخلاقه‏.‏ وكان يعرف بالأمين‏.‏ وظهرت كرامة الله فيه وكان إذا أبعد في الخلاء لا يمر بحجر ولا شجر إلا ويسلم عليه‏.‏ بدء الوحي ثم بدأ بالرؤيا الصالحة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح‏.‏ ثم تحدث الناس بشأن ظهوره ونبوته ثم حببت إليه العبادة والخلوة بها فكان يتزود للانفراد حتى جاء الوحي بحراء لأربعين سنة من مولده وقيل لثلاث وأربعين‏.‏ وهي حالة يغيب فيها عن جلسائه وهو كائن معهم فأحياناً يتمثل له الملك رجلاً فيكلمه ويعي قوله وأحيانأ يلقى عليه القول ويصيبه أحوال الغيبة عن الحاضرين من الغط والعرق وتصيبه كما ورد في الصحيح من أخباره قال‏:‏ وهو أشد علي فيفصم عتي وقد وعيت ما قال‏.‏ وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول‏.‏ فأصابته تلك الحالة بغار حراء وألقى عليه‏:‏ ‏"‏ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ‏"‏‏.‏ وأخبر بذلك كما وقع في الصحيح وآمنت به خديجة وصدقته وحفظت عليه الشأن‏.‏ ثم خوطب في الصلاة وأراه جبريل طهرها‏.‏ ثم صلى به وأراه سائر أفعالها‏.‏ ثم كان شأن الإسراء من مكة إلى بيت المقدس من الأرض إلى السماء السابعة وإلى سدرة المنتهى وأوحى إليه ما أوحى‏.‏ ثم آمن به علي ابن عمه أبي الطالب وكان في كفالته من أزمة أصابت قريشاً وكفل العباس جعفراً أخاه‏.‏ فجعفر أسن عيال أبي طالب فأدركه الإسلام وهو في كفالته فآمن وكان يصلي معه في الشعاب مختفياً من أبيه حتى إذا ظهر عليهما أبو طالب دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ لا أستطيع فراق ديني ودين آبائي‏!‏ ولكن لا يخلص إليك شيء تكره ما بقيت‏.‏ وقال لعلي‏:‏ الزمه‏!‏ فإنه لا يدعو إلا الخير‏.‏ فكان أول من أسلم خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى ثم أبو بكر وعلي بن أبي طالب كما ذكرنا وزيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلال بن حمامة مولى أبي بكر ثم عمر بن عنبسة السلمي وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية‏.‏ ثم أسلم بعد ذلك قوم من قريش اختارهم الله لصحابته من سائر قومهم وشهد لكثير منهم بالجنة‏.‏ وكان أبو بكر محبباً سهلأ وكانت رجالات قريش تألفه فأسلم على يده من بني أمية عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية ومن عشيرة بني عمرو بن كعب بن سعد بن تيم طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو ومن بني زهرة بن قصي سعد بن أبي وقاص واسمه مالك بن ومن بني أسد بن عبد العزى الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد وهو ابن صفية عمة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ثم أسلم من بني الحرث بن فهر أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحرث‏.‏ ومن بني مخزوم ابن يقظة بن مرة بن كعب أبو سلمة عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم‏.‏ ومن بني جمح ابن عمر هصيص بن كعب عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح وأخوه قدامة‏.‏ ومن بني عدي سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد الله بن قرط بن رياح بن عدي وزوجته فاطمة أخت عمر بن الخطاب بن نفيل‏.‏ وأخوه زيد هو الذي رفض الأوثان في الجاهلية ودان بالتوحيد وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه يبعث يوم القيامة أمة وحده‏.‏ ثم أسلم عمير أخو سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحرث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة حليف بني زهرة كان يرعى غنم عقبة بن أبي معيط وكان سبب إسلامه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلب من غنمه شاةً حائلأ فعدت‏.‏ ثم أسلم جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب وامرأته أسماء بنت عميس بنت النعمان بن كعب بن ملك بن قحافة الخثعمي والسائب بن عثمان بن مظعون وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس واسمه مهشم وعامر بن فهيرة أزدي وفهيرة أمه مولاه أبي بكر‏.‏ وأفد بن عبد الله بن عبد مناف تميمي من حلفاء بني عدي‏.‏ وعمار بن ياسر عنسي من مذجح مولى لبني مخزوم وصهيب بن سنان من بني النمر بن قاسط حليف لبني جدعان‏.‏ ودخل الناس في الدين أرسالاً وفشا الإسلام وهم ينتجعون به ويذهبون إلى الشعاب فيصلون‏.‏ ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصدع لأمره ويدعو إلى دينه بعد ثلاث سنين من مبدأ الوحي فصعد على الصفا ونادى‏:‏ يا صباحاه‏!‏ فاجتمعت إليه قريش‏.‏ فقال‏:‏ لو أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدقونني قالوا‏:‏ بلي قال‏:‏ فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد‏.‏ ثم نزل قوله ‏"‏ وأنذر عشيرتك الأقربين ‏"‏‏.‏ وتردد إليه الوحي النذارة فجمع بني عبد المطلب وهم يومئذ أربعون على طعام صنعه لهم علي بن أبي طالب بأمره ودعاهم إلى الإسلام ورغبهم وحذرهم وسمعوا كلامه وافترقوا‏.‏ ثم إن قريشاً حين صدع وسب الآلهة وعابها نكروا ذلك منه ونابذوه واجمعوا على عداوته فقام أبو طالب دونه محامياً ومانعاً ومشت إليه رجال قريش يدعونه إلى النصفة‏:‏ عتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس وأبو البختري بن هشام بن الحرب بن أسد بن عبد العزى والأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى والوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وأبو جهل عمرو بن هشام بن المغيرة ابن أخي الوليد والعاص بن وائل بن هشام بن سعد بن سهم ونبيه ومنبه ابنا الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم بن الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة‏.‏ فكلموا أبا طالب وعادوه فردهم رداً جميلاً‏.‏ ثم عادوا إليه وسألوه النصفة فدعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته بمحضرهم وعرضوا عليه قولهم فتلا عليهم القرآن وأيأسهم من نفسه وقال لأبي طالب‏:‏ يا عماه لا أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه‏.‏ واستعبر وظن أن أبا طالب بدا له فيه مجاف فرق له أبو طالب وقال‏:‏ يا ابن أخي‏!‏ قل ما أحببت فو الله لا أسلمك أبداً‏.‏ هجرة الحبشة ثم افترق أمر قريش وتعاهد بنو هاشم وبنو المطلب مع أبي طالب على القيام دون النبي صلى الله عليه وسلم ووثب كل قبيلة على من أسلم منهم يعذبونهم ويفتنونهم واشتد عليهم العذاب فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى أرض الحبشة فراراً بدينهم وكان قريش يتعاهدونها بالتجارة فيحمدونها‏.‏ فخرج عثمان بن عفان وامرأته رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة مراغماً لأبيه وامرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو بن عامر بن لؤي والزبير بن العوام ومصعب بن عمير بن عبد شمس وأبو سبرة بن أبي هاشم بن عبد العزى العامري من بني عامر بن لؤي وسهيل بن بيضاء من بني الحرث بن فهر وعبد الله بن مسعود وعامر بن ربيعة العنزي حليف بني عدي وهو من عنز بن وائل ليس من عنزة وامرأته ليلى بنت أبي خيثمة‏.‏ فهؤلاء الأحد عشر رجلاً كانوا أول من هاجر إلى أرض الحبشة وتتابع المسلمون من بعد ذلك‏.‏ ولحق بهم جعفر بن أبي طالب وغيره من المسلمين‏.‏ وخرجت قريش في آثار الأولين إلى البحر فلم يدركوهم وقدموا إلى أرض الحبشة فكانوا بها وتتابع المسلمون في اللحاق بهم‏.‏ يقال‏:‏ إن المهاجرين إلى أرض الحبشة بلغوا ثلاثة وثمانين رجلا‏.‏ فلما رأت قريش النبي صلى الله عليه وسلم قد امتنع بعمه وعشيرته وأنهم لا يسلمونه طفقوا يرمونه عند الناس ممن يفد على مكة بالسحر والكهونة والجنون والشعر يرومون بذلك صدهم عن الدخول في دينه‏.‏ ثم انتدب جماعة منهم لمجاهرته صلى الله عليه وسلم بالعداوة والأذى منهم عمه أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب أحد المستهزئين وابن عمه أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وعقبة بن أبي معيط أحد المستهزئين وأبو سفيان من المستهزئين والحكم بن أبي العاص بن أمية من المستهزئين أيضاً‏.‏ والنضر بن الحرث من بني عبد الدار والأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى من المستهزئين وابنه زمعة وأبو البختري العاص بن هشام والأسود بن عبد يغوث وأبو جهل بن هشام وأخوهما العاص وعمهما الوليد وابن عمهم قيس بن الفاكه بن المغيرة وزهير بن أبي أمية بن المغيرة والعاص بن وائل السهمي وابنا عمه نبيه ومنبه ابنا الحجاج وأمية وأبي ابنا خلف بن جمح‏.‏ وأقاموا يستهزئون بالنبي صلى الله عليه وسلم ويتعرضون له بالاستهزاء والإذاية حتى لقد كان بعضهم ينال منه بيده‏.‏ وبلغ عمه حمزة يومأ أن أبا جهل بن هشام تعرض له يوما بمثل ذلك وكان قوي الشكيمة‏.‏ فلم يلبث أن جاء إلى المسجد وأبو جهل في نادي قريش حتى وقف على رأسه وضربه وشجه وقال له‏:‏ تشتم محمداً وأنا على دينه وثار رجال بني مخزوم إليه فصدهم أبو جهل وقال‏:‏ دعوه فإني سببت ابن أخيه سباً قبيحاً‏.‏ ومضى حمزة على إسلامه وعلمت قريش أن جانب المسلمين قد اعتز بحمزة فكفوا بعض الشر بمكانه فيهم‏.‏ ثم اجتمعوا وبعثوا عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة إلى النجاشي ليسلم إليهم من هاجر إلى أرضه من المسلمين فنكر النجاشي رسالتهما وردهما مقبوحين‏.‏ ثم أسلم عمر بن الخطاب وكان سببه إسلامه أنه بلغه أن أخته فاطمة أسلمت مع زوجها سعيد ابن عمه زيد وان خباب بن الأرت عندهما يعلمهما القرآن فجاء إليهما منكرأ وضرب أخته فشجها فلما رأت الدم قالت‏:‏ قد أسلمنا وتابعنا محمداً فافعل ما بدا لك‏!‏ وخرج إليه خباب من بعض زوايا البيت فذكره ووعظه وحضرته الانابة فقال له‏:‏ اقرأ علي من هذا القرآن‏!‏ فقرأ من سورة طه وأدركته الخشية فقال له‏:‏ كيف تصنعون إذا أردتم الإسلام‏.‏ فقالوا له‏:‏ وأروه الطهور ثم سأل عن مكان النبي صلى الله عليه وسلم فدل عليه فطرقهم في مكانهم وخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ مالك يا ابن الخطاب فقال‏:‏ يا رسول الله‏!‏ جئت مسلماً‏!‏ ثم تشهد شهادة الحق ودعاهم إلى الصلاة عند الكعبة فخرجوا وصلوا هنالك واعتز المسلمون بإسلامه‏.‏ وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه‏:‏ اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين يعنيه أو أبا جهل‏.‏ فلما رأت قريش فشو الإسلام وظهوره أهمهم ذلك فاجتمعوا وتعاهدوا على بني هاشم وبني المطلب الا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم وكتبوا بذلك صحيفة وضعوها في الكعبة‏.‏ وانحاز بنو هاشم وبنو المطلب كلهم كافرهم ومؤمنهم فصاروا في شعب أبي طالب محصورين متجنبين حاشا أبي لهب فإنه كان مع قريش على قومهم‏.‏ فبقوا كذلك ثلاث سنين لا يصل إليهم شيء ممن أرادوا صلتهم إلا سراً ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل على شأنه من الدعاء إلى الله والوحي عليه متتابع إلى أن قام في نقض الصحيفة رجال من قريش كان أحسنهم في ذلك أثراً هشام بن عمرو بن الحرث من بني حسن بن عامر بن لؤي لقي زهير بن أبي أمية بن المغيرة وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب فعيره بإسلامه أخواله إلى ما هم فيه فأجاب إلى نقض الصحيفة‏.‏ ثم مضى إلى مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف وذكر رحم هاشم والمطلب ثم إلى أبي البختري بن هشام وزمعة بن الأسود فأجابوا كلهم وقاموا في نقض الصحيفة‏.‏ وقد بلغهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصحيفة أكلت الأرضة كتابتها كلها حاشا أسماء الله‏.‏ فقاموا بأجمعهم فوجدوها كما قال فخروا ونقض حكمها‏.‏ ثم أجمع أبو بكر الهجرة وخرج لذلك فلقيه ابن الدغينة فرده‏.‏ ثم اتصل بالمهاجرين في أرض الحبشة خبر كاذب بأن قريشاً قد أسلموا فرجع قوم منهم إلى مكة‏:‏ منهم عثمان بن عفان وزوجته وأبو حذيفة وامرأته وعبد الله بن عتبة بن غزوان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف ومصعب بن عمير وأخوه والمقداد بن عمر وعبد الله بن مسعود وأبو سلمة بن عبد الأسد وامرأته أم المؤمنين وسلمة بن هشام بن المغيرة وعمار بن ياسر وبنو مظعون‏:‏ عبد الله وقدامة وعثمان وابنه السائب وخنيس بن حذافة وهشام بن العاص وعامر بن ربيعة وامرأته وعبد الله بن مخرمة من بني عامر بن لؤي وعبد الله بن سهل بن السكران بن عمرو وسعد بن خولة وأبو عبيدة بن الجراح وسهيل بن بيضاء وعمرو بن أبي سرح فوجدوا المسلمين بمكة على ما كانوا عليه مع قريش من الصبر على أذاهم ودخلوا إلى مكة بعضهم مختفياً وبعضهم بالجوار وأقاموا إلى أن كانت الهجرة إلى المدينة بعد أن مات بعضهم بمكة‏.‏ الأذى والاستهزاء ثم هلك أبو طالب وخديجة وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين فعظمت المصيبة وأقدم عليه سفهاء قريش بالإذاية والاستهزاء وإلقاء القاذورات في مصلاه فخرج إلى الطائف يدعوهم إلى الإسلام والنصرة والمعونة‏.‏ وجلس إلى عبد ياليل بن عمر بن عمير وأخويه مسعود وحبيب وهم يومئذ سادات ثقيف وأشرافهم وكلمهم فأساءوا الرد ويئس منهم فأوصاهم بالكتمان فلم يقبلوا وأغروا به سفهاءهم فاتبعوه حتى ألجأوه إلى حائط عتبة وشيبة ابني ربيعة فأوى إلى ظله حتى اطمأن ثم رفع طرفه إلى السماء يدعو‏:‏ اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين‏.‏ أنت رب المستضعفين أنت ربي إلى من تكلني‏!‏ إلى بغيض يتجهمني أو إلى عدو ملكته أمري‏.‏ إن لم يكن بها علي غضب فلا أبالي ولكن عافيتك أوسع لي‏.‏ أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك‏.‏ ولما انصرف من الطائف إلى مكة بات بنخلة وقام يصلي من جوف الليل فمر به نفر من الجن سمعوا القرآن ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة في جوار المطعم بن عدي بن نوفل بعد أن عرض ذلك على غيره من رؤساء قريش فاعتذروا بما قبله منهم‏.‏ ثم قدم عليه الطفيل بن عمرو الدوسي فأسلم ودعا قومه فأسلم بعضهم ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل الله له علامة للهداية فجعل لوجهه نوراً ثم دعا له فنقله إلى سوطه وكان يعرف بذي النور‏.‏ الإسراء قال ابن حزم‏:‏ ثم كان الاسراء إلى بيت المقدس ثم إلى السماوات ولقي من لقي من الأنبياء ورأى جنة المأوى وسدرة المنتهى في السماء السادسة وفرضت الصلاة في تلك الليلة‏.‏ وعند الطبري‏:‏ الاسراء وفرض الصلاة كان أول الوحي‏.‏ ثم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على وفود العرب في الموسم يأتيهم في منازلهم ليعرض عليهم الإسلام ويدعوهم إلى نصرة ويتلو عليهم القرآن‏.‏ وقريش مع ذلك يتعرضون لهم بالمقابح إن يقبلوا منهم وأكثرهم في ذلك أبو لهب‏.‏ وكان من الذين عرض عليهم في الموسم بنو عامر بن صعصعة بن مضر وبنو شيبان وبنو حنيفة من ربيعة وكندة من قحطان وكلب من قضاعة وغيرهم من قبائل العرب‏.‏ فكان منهم من يحسن الاستماع والعذر ومنهم من يعرض ويصرح بالإذاية ومنهم من يشترط الملك الذي ليس هو من سبيله‏.‏ فيرد صلى الله عليه وسلم الأمر إلى الله ولم يكن فيهم أقبح رداً من بني حنيفة وقد ذخر الله الخير في ذلك كله للأنصار‏.‏ فقدم سويد بن الصامت أخو بني عمرو بن عوف بن الأوس فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فلم يبعد ولم يجب وانصرف إلى المدينة فقتل في بعض حروبهم وذلك قبل بعاث‏.‏ ثم قدم بمكة أبو الحيسر أنس بن رافع في فتية من قومه من بني عبد الأشهل يطلبون الحلف فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فقال إياس بن معاذ منهم وكان شاباً حدثأ‏:‏ هذا والله خير مما جئنا له‏!‏ فانتهره أبو الحيسر فسكت‏.‏ ثم انصرفوا إلى بلادهم ولم يتم لهم الحلف ومات إياس فيقال انه مات مسلماً‏.‏ ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي عند العقبة في الموسم ستة نفر من الخزرج وهم‏:‏ أبو أمامة أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار وعوف بن الحرث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم وهو ابن عفراء ورافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زيد بن مالك بن غضبة بن جشم بن الخزرج وطبقة بن عامر بن حيدرة بن عمر بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن مراد بن يزيد بن جشم وعقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن خزام بن كعب بن غنم بن سلمة وجابر بن عبد الله بن رئاب بن النعمان بن سلمة بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام وكان من صنع الله لهم أن اليهود جيرانهم كانوا يقولون‏:‏ إن نبياً يبعث وقد أظل زمانه فقال بعضهم لبعض‏:‏ هذا والله النبي الذي تحدثكم به اليهود فلا يسبقونا إليه‏.‏ فآمنوا وأسلموا وقالوا إنا قد قدمنا بينهم حروباً فننصرف وندعوهم إلى ما دعوتنا إليه‏!‏ فعسى الله أن يجمع كلمتهم بك فلا يكون أحد أعز منك فانصرفوا إلى المدينة ودعوا إلى الإسلام حتى فشا فيهم‏.‏ ولم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ العقبة الأولى حتى إذا كان من العام القابل قدم مكة من الأنصار اثنا عشر رجلا‏:‏ منهم خمسة من الستة الذي ذكرنا وهم من عدي وجابر بن عبد الله فإنه لم يحضرها‏.‏ وسبعة من غيرهم وهم‏:‏ معاذ بن الحرث أخو عوف بن الحرث المذكور وقيل‏:‏ إنه ابن عفراء وذكوان ابن عبد قيس بن خالدة وخالد بن مخلد بن عامر بن زريق وعبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهد بن ثعلبة بن صرمة بن أصرم بن عمرو بن عبادة بن عصيبة من بني حبيب والعباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف هؤلاء عشرة من الخزرج‏.‏ ومن الأوس‏:‏ أبو الهيثم مالك بن التيهان وهو من بني عبد الأشهل بن جشم بن الحرث بن الخزرج بن عمر بن ملك بن أوس وعويم بن ساعدة من بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس بن حارثة فبايع هؤلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة على بيعة النساء وذلك قبل أن يفرض الحرب على الطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أن لا يشركوا بالله شيئاً ولا يسرقوا ولا يزنوا ولا يقتلوا أولادهم ولا يفتروا الكذب‏.‏ فلما حان انصرافهم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم ابن مكتوم ومصعب بن عمير يدعوهم إلى الإسلام ويعلم من أسلم منهم القرآن والشرائع‏.‏ فنزل بالمدينة علم أسعد بن زرارة وكان مصعب يؤمهم وأسلم على يديه خلق كثير من الأنصار‏.‏ وكان سعد بن معاذ وأسعد بن زرارة ابنا الخالة فجاء سعد بن معاذ وأسيد بن الحصين إلى سعد بن زرارة وكان جارأ لبني عبد الأشهل فأنكرا عليه فهداهما الله إلى الإسلام وأسلم بإسلامهما جميع بني عبد الأشهل في يوم واحد الرجال والنساء‏.‏ ولم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها المسلمون رجال ونساء حاشا بني أمية بن زيد وخطمة ووائل وواقف‏:‏ بطون من الأوس وكانوا في عوالي المدينة فأسلم منهم وكان قوم سيدهم أبو قيس صيفي بن الأسلت الشاعر فوقف بهم عن الإسلام حتى كانت الخندق فأسلموا كلهم‏.‏ العقبة الثانية ثم رجع مصعب المذكور بن عمير إلى مكة وخرج معه إلى الموسم جماعة ممن أسلم من الأنصار للقاء النبي صلى الله عليه وسلم في جملة قوم منهم لم يسلموا بعد‏.‏ فوافوا مكة وواعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق ووافوا ليلة ميعادهم إلى العقبة متسللين من رحالهم سراً عمن حضر من كفار قومهم وحضر معهم عبد الله بن حزام بن عمرو أبو جابر وأسلم تلك الليلة‏.‏ فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يمنعوه ما يمنعون وحضر العباس بن عبد المطلب وكان على دين قومه بعد‏.‏ وإنما توثق للنبي صلى الله عليه وسلم وكان للبراء بن معرور في تلك الأيام المقام المحمود في الإخلاص والتوثق لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أول من بايع‏.‏ وكانت عدة الذين بايعوا تلك الليلة ثلاثاً وسبعين رجلاً وامرأتين‏.‏ واختار منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم اثني عشر نقيباً يكونون على قومهم‏:‏ تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس‏.‏ وقال لهم‏:‏ انتم كفلاء على قومكم ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم وأنا كفيل على قومي‏.‏ فمن الخزرج من أهل العقبة الأولى أسعد بن زرارة ورافع بن مالك وعبادة بن الصامت‏.‏ ومن غيرهم سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امرىء القيس بن مالك وثعلبة بن كعب بن الخزرج وعبد الله بن رواحة بن امرىء القيس والبراء بن معرور بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة وعبد الله بن عمرو بن حزام أبو جابر وسعد بن عبادة بن ديلم بن حارثة بن لودان بن عبد ود بن يزيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة وثلاثة من الأوس وهم أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن رافع بن امرىء القيس بن زيد بن عبد الأشهل وسعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك بن الأوس ورفاعة بن عبد المنذر بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس‏.‏ فدعا قوم أبو الهيثم بن التيهان مكان رفاعة هذا والله أعلم‏.‏ ونمي الخبر إلى قريش فغدت الخلة منهم على الأنصار في رحالهم فعاتبوهم فأنكروا ذلك وحلفوا لهم‏.‏ وقال عبد الله بن أبي بن سلول‏:‏ ما كان قومي ليتفقوا على مثل هذا وأنا لا أعلمه‏!‏ فانصرفوا عنه وتفرق الناس من منى وعلمت قريش الخبر فخرجوا في طلبهم‏.‏ فأدركوا سعد بن عبادة فجاءوا به إلى مكة يضربونه ويجرونه بشعره حتى نادى بجبير بن مطعم والحرث بن أمية وكان يجيرهما ببلده فخلصاه مما كان فيه‏.‏ وقد كانت قريش قبل ذلك سمعوا صائحاً يصيح ليلاً على جبل أبي قبيس‏:‏ فإن يسلم السعدان يصبح محمد بمكة لا يخشى خلاف مخالف فقال أبو سفيان‏:‏ السعدان سعد بكر وسعد هذيم‏.‏ فلما كان في الليلة القابلة سمعوه يقول‏:‏ أيا سعد‏:‏ سعد الأوس كن أنت ناصراً ويا سعد سعد الخزرجي الغضارف أجيبا إلى داعي الهدى وتمنيا على الله في الفردوس منية عارف فإن ثواب الله للطالب الهدى جنان من الفردوس ذات رفارف فقال والله هذان‏:‏ سعد بن عبادة وسعد بن معاذ‏.‏ ولما فشا الإسلام بالمدينة وطفق أهلها يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة تعاقدت على أن يفتنوا المسلمين عن دينهم فأصابهم من ذلك جهد شديد‏.‏ ثم نزل قوله تعالى‏:‏ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله‏.‏ فلما تمت بيعة الأنصار على ما وصفناه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ممن هو بمكة من المسلمين بالهجرة إلى المدينة فخرجوا أرسالاً وأول من خرج أبو سلمة بن عبد الأسد ونزل في قبا ثم هاجر عامر بن ربيعة حليف بني عدي بامرأته ليلى بنت أبي خيثمة بن غانم‏.‏ ثم هاجر جميع بني جحش من بني أسد بن خزيمة ونزلوا بقبا على عكاشة بن محصن وجماعة من بني أسد حلفاء بني أمية كانت فيهم زينب بنت جحش أم المؤمنين وأختاها حمنة وأم حبيبة‏.‏ ثم هاجر عمر بن الخطاب وعباس بن أبي ربيعة في عشرين راكباً فنزلوا في العوالي في بني أمية بن زيد‏.‏ وكان يصلي لهم سالم مولى أبي حذيفة‏.‏ وجاء أبو جهل بن هشام فخادع عياش بن أبي ربيعة ورده إلى مكة فحبسوه حتى تخلص بعد حين‏.‏ ورجع وهاجر مع عمر أخوه زيد وسعيد ابن عمه زيد وصهره على بنته حفصة أم المؤمنين جحش بن حذافة السهمي وجماعة من حلفاء بني عدي نزلوا بقبا على رفاعة بن عبد المنذر من بني عوف بن عمرو‏.‏ ثم هاجر طلحة بن عبيد الله فنزل هو وصهيب بن سنان على حبيب بن أساف في بني الحرث بن الخزرج بالسلم وقيل بل نزل طلحة على أسعد بن زرارة‏.‏ ثم هاجر حمزة بن عبد المطلب ومعه زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحليفه أبو مرثد كناز بن حصن الغنوي فنزلوا في بني عمرو بن عوف بقبا على كلثوم بن الهدم ونزل جماعة من بني المطلب بن عبد مناف فيهم مسطح بن أثاثة ومعه خباب بن الأرت مولى عتبة بن غزوان في بني المسجلان بقبا‏.‏ ونزل عبد الرحمن بن عوف في رجال من المهاجرين على سعد بن الربيع في بني الحرث بن الخزرج‏.‏ ونزل الزبير بن العوام وأبو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى على المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح في دار بني جحجبا ونزل مصعب بن عمير على سعد بن معاذ في بني عبد الأشهل‏.‏ ونزل أبو حذيفة بن عتبة ومولاه سالم وعتبة بن غزوان المازني على عباد بن بشر من بني عبد الأشهل‏.‏ ولم يكن سالم عتيق أبي حذيفة وإنما اعتقته امرأة من الأوس كانت زوجاً لأبي حذيفة اسمها بثينة بنت معاذ فتبناه ونسب إليه‏.‏ ونزل عثمان بن عفان في بني النجار على أوس أخي حسان بن ثابت‏.‏ ولم يبق أحد من المسلمين بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أبو بكر وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما فإنهما أقاما بأمره وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظر أن يؤذن له في الهجرة‏.‏

ميارى 6 - 8 - 2010 04:18 PM

الهجرة
ولما علمت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صار له شيعة وأنصار من غيرهم وأنه مجمع على اللحاق بهم وأن أصحابه من المهاجرين سبقوه إليهم تشاوروا ما يصنعون في أمره‏.‏ واجتمعت لذلك مشيختهم في دار الندوة‏:‏ عتبة وشيبة وأبو سفيان من بني أمية طعيمة بن عدي وجبير بن مطعم والحارث بن عامر من بني نوفل والنضر بن الحارث من بني عبد الدار وأبو جهل من بني مخزوم ونبيه ومنبه ابنا الحجاج من بني سهم أمية بن خلف من بني جمح ومعهم من لا يعد من قريش فتشاوروا في حبسة وإخراجه عنهم‏.‏ ثم اتفقوا على أن يتخيروا من كل قبيلة منهم فتى شاباً جلدأ فيقتلونه جميعاً فيتفرق دمه في القبائل ولا يقدر بنو عبد مناف على حرب جميعهم‏.‏ واستعدوا لذلك من ليلتهم وجاء الوحي بذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ فلما رأى أرصدهم على باب منزله أمر علي بن أبي طالب أن ينام في فراشه ويتوشح ببرده‏.‏ ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم فطمس الله تعالى على أبصارهم ووضع على رؤوسهم تراباً وأقاموا طول ليلهم‏.‏ فلما أصبحوا خرج إليهم علي فعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نجا وتواعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر الصديق واستأجر عبد الله بن أريقط الدولي من بني بكر بن عبد مناف ليدل بهما إلى المدينة وينكب عن طريق العظمى وكان كافرا وحليفاً للعاص بن وائل وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من خوخة في ظهر دار أبي بكر ليلاً وأتيا الغار الذي في جبل ثور بأسفل مكة فدخلا فيه‏.‏ وكان عبد الله بن أبي بكر يأتيهما بالأخبار وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر وراعي غنمه يريح غنمه عليهما ليلاً فيأخذا حاجتهما من لبنها واسماء بنت أبي بكر تأتيهما بالطعام‏.‏ ونقض عامر بالغنم إثر عبد الله ولما فقدته قريش اتبعوه ومعهم القائف فقاف الأثر حتى وقف عند الغار وقال‏:‏ هنا انقطع الأثر وإذا بنسج العنكبوت على فم الغار فاطمأنوا إلى ذلك ورجعوا وجعلوا مائة ناقة لمن ردهما عليهم‏.‏ ثم أتاهما عبد الله بن أريقط بعد ثلاث براحلتيهما فركبا‏.‏ وأردف أبو بكر عامر بن فهيرة واتتهما أسماء بسفرة لهما وشقت نطاقها وربطت السفرة فسميت ذات النطاقين‏.‏ وحمل أبو بكر جميع ماله نحو ستة آلاف درهم ومروا بسراقة بن مالك بن جعشم فاتبعهم ليردهم‏.‏ ولما رأوه دعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فساخت قوائم فرسه في الأرض فنادى بالأمان وأن يقفوا له‏.‏ فطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب له كتابأ فكتبه أبو بكر بأمره وسلك الدليل من أسفل مكة على الساحل أسفل من عسفان وأمج وأجاز قديدأ إلى العرج ثم إلى قبا من عوالي المدينة‏.‏ ووردوها قريباً من الزوال يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول وخرج الأنصار يتلقونه وقد كانوا ونزل عليه السلام بقبا على سعد بن خيثمة وقيل على كلثوم الهدم‏.‏ ونزل أبو بكر بالسخ في بني الحرث بن خزرج على حبيب بن أسد وقيل على خارجة بن زيد‏.‏ ولحق بهم علي رضي الله عنه من مكة بعد أن رد الودائع للناس التي كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم فنزل معه بقبا‏.‏ وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم هنالك أياما ثم نهض لما أمر الله وأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد هنالك‏.‏ ورغب إليه رجال بني سليم أن يقيم عندهم وتبادروا إلى خطام ناقته اغتناماً لبركته‏.‏ فقال عليه السلام‏:‏ خلوا سبيلها فإنها مأمورة‏.‏ ثم مشى والأنصار حواليه إلى أن مر بدار بني بياضة فتبادر إليه رجالهم يبتدرون خطام الناقة‏.‏ فقال‏:‏ دعوها فإنها مأمورة‏.‏ ثم مر بدار بني ساعدة فتلقاه رجال وفيهم سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو ودعوه كذلك وقال لهم مثل ما قال للآخرين‏.‏ ثم إلى دار بني حارثة بن الخزرج فتلقاه سعد بن الربيع وخارجة بن زيد وعبد الله بن رواحة‏.‏ ثم مر ببني عدي بن النجار أخوال عبد المطلب ففعلوا وقال لهم مثل ذلك‏.‏ إلى أن أتى دار بني مالك بن النجار فبركت ناقته على باب مسجده اليوم وهو يومئذ لغلامين منهم في حجر معاذ بن عفراء اسمهما سهل وسهيل وفيه خرب ونخل وقبور للمشركين ومربد‏.‏ ولما بركت الناقة بقي على ظهرها ولم ينزل فقامت ومشت غير بعيد ولم يثنها‏.‏ ثم التفتت خلفها ورجعت إلى مكانها الأول فبركت واستقرت ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها‏.‏ وحمل أبو أيوب رحله إلى داره فنزل عليه وسأل عن المربد وأراد أن يتخذه مسجدا فاشتراه من بني النجار بعد أن وهبوه له فأبى من قبوله‏.‏ ثم أمر بالقبور فنبشت وبالنخل فقطعت وبنى المسجد باللبن وجعل عضادتيه الحجارة وسواريه جذوع النخل وسقفه الجريد وعمل فيه المسلمون حسبة لله عز وجل‏.‏ ثم وادع اليهود وكتب بينه وبينهم كتاب صلح وموادعة شرط فيه لهم وعليهم‏.‏ ثم مات أسعد بن زرارة وكان نقيباً لبني النجار فطلبوا إقامة نقيب مكانه‏.‏ فقال أنا نقيبكم ولم يخص بها منهم أحد دون أحد فكانت من مناقبهم‏.‏ ولما رجع عبد الله بن أريقط إلى مكة أخبر عبد الله بن أبي بكر بمكانه فخرج ومعه عائشة أخته وأمهما أم رومان ومعهم طلحة بن عبيد الله فقدموا المدينة وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة بنت أبي بكر وبنى بها في منزل أبي بكر بالسنح‏.‏ وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع إلى نباتة وزوجته سودة بنت زمعة فحملهما إليه من مكة‏.‏ وبلغ الخبر بموت أبي أحيحة والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل من مشيخة قريش‏.‏ ثم آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار فآخى بين جعفر بن أبي طالب وهو بالحبشة ومعاذ بن جبل وبين أبي بكر الصديق وخارجة بن زيد وبين عمر بن الخطاب وعثمان بن مالك من بني سهم وبين أبي عبيدة بن الجراح وسعد بن معاذ وبين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع وبين الزبير بن العوام وسلمة بن سلامة بن وفش وبين طلحة بن عبيد الله وكعب بن مالك وبين عثمان بن عفان وأوس بن ثابت أخي حسان وبين سعيد بن زيد وأبي بن كعب وبين مصعب بن عمير وأبي أيوب وبين أبي حذيفة بن عتبة وعباد بن بشر بن وقش من بني عبد الأشهل‏.‏ وبين عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان العنسي حليف بني عبد الأشهل وقيل بل ثابت بن قيس بن الشماس وبين أبي ذر الغفاري والمنذر بن عمرو من بني ساعدة وبين حاطب بن أبي بلتعة حليف بني أسد بن عبد العزى وعويم بن ساعدة من بني عمرو بن عوف وبين سلمان الفارسي وأبي الدرداء وعمير بن بلتعة من بني الحرث بن الخزرج و‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ وبين بلال بن حمامة وأبي رويحة الخثعمي‏.‏ ثم فرضت الزكاة ويقال وزيد في صلاة الحاضر ركعتين فصارت أربعاً بعد أن كانت ركعتين سفراً وحضراً‏.‏ ثم أسلم عبد الله بن سلام وكفر جمهور اليهود وظهر قوم من الأوس والخزرج منافقون يظهرون الإسلام مراعاة لقومهم من الأنصار ويصرون الكفر‏.‏ وكان رئيسهم‏:‏ من الخزرج عبد الله بن أبي بن سلول والجد بن قيس ومن الأوس الحرث بن سهيل بن الصامت وعباد بن حنيف ومربع بن قيظي وأخوه أوس من أهل مسجد الضرار‏.‏ وكان قرم من اليهود أيضأ تعوذوا بالإسلام وهم يبطنون الكفر منهم‏:‏ سعد بن خنيس وزيد بن اللطيت ورافع بن خزيمة ورفاعة بن زيد بن التابوت وكنانة ن حيورتا‏.‏ الغزوات غزوة الابواء ولما كان شهر صفر بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة خرج في مائتين من أصحابه يريد قريشاً وبني ضمرة واستعمل على المدينة سعد بن عبادة فبلغ ودان والابواء ولم يلقهم‏.‏ واعترضه مخشي بن عمرو سيد بني ضمرة بن عبد مناة بن كنانة وسأله موادعة قومه فعقد له ورجع إلى المدينة ولم يلق حرباً‏.‏ وهي أول غزاة غزاها بنفسه وتسمى بالابواء وبودان المكانان اللذان انتهى إليهما وهما متقاربان بنحو ستة أميال‏.‏ وكان صاحب اللواء فيها حمزة بن عبد المطلب‏.‏ ثم بلغه أن عيراً لقريش نحو ألفين وخمسمائة فيها أمية بن خلف ومائة رجل من قريش ذاهبة إلى مكة فخرج في ربيع الآخر لاعتراضها واستعمل على المدينة السائب بن عثمان بن مظعون‏.‏ وقال الطبري‏:‏ سعد بن معاذ فانتهى إلى بواط ولم يلقهم ورجع إلى المدينة‏.‏ غزوة العشيرة ثم خرج في جمادى الأولى غازيأ قريشاً واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد فسلك عن جانب من الطريق إلى أن لقي الطريق بصخيرات اليمام إلى العشيرة من بطن ينبع فأقام هنالك بقية جمادى الأولى وليلة من جمادى الثانية ووادع بني مدلج‏.‏ ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربأ‏.‏ غزوة بدر الأولى وأقام بعد العشيرة نحو عشر ليال ثم أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة فخرج في طلبه حتى بلغ ناحية بدر وفاته كرز فرجع إلى المدينة‏.‏ البعوث وفي هذه الغزوات كلها غزا بنفسه وبعث فيما بينها بعوثاً نذكرها وفيها‏:‏ بعث حمزة بن عبد المطلب بعد الابواء بعثه في ثلاثين راكباً من المهاجرين إلى سيف البحر فلقي أبا جهل في ثلثمائة ومنها بعث عبيدة بن الحرث بن عبد المطلب في ستين راكبأ وثمانين من المهاجرين فبلغ ثنية المرار ولقي بها جمعاً عظيماً من قريش كان عليهم عكرمة بن أبجهل وقيل مكرز بن حفص بن الأحنف ولم يكن بينهم قتال‏.‏ وكان مع الكفار يومئذ من المسلمين المقداد بن عمرو وعتبة بن غزوان خرجا مع الكفار ليجدا السبيل إلى اللحاق بالنبي صلى الله عليه وسلم فهربا إلى المسلمين وجاءا معهم‏.‏ وكان بعث حمزة وعبيدة متقاربين واختلف أيهما كان قبل إلا أنهما أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقال الطبري‏:‏ ان بعث حمزة كان قبل ودان في شوال لسبعة أشهر من الهجرة ومنها بعث سعد بن أبي وقاص في ثمانية رهط من المهاجرين لطلب كرز بن جابر حين أغار على سرح المدينة فبلغ المرار ورجع‏.‏ ومنها بعث عبد الله بن جحش إثر مرجعه من يبدر الأولى في شهر رجب بعثه بثمانية من المهاجرين وهم‏:‏ أبو حذيفة بن عتبة وعكاشة بن محصن بن أسد بن خزيمة وعتبة بن غزوان بن مازن بن منصور وسعد بن أبي وقاص وعامر بن ربيعة العنزي حليف بني عدي ووافد بن عبد الله بن زيد مناة بن تميم وخالد بن البكير بن سعد بن ليث وسهيل بن مضاض بن فهر بن مالك‏.‏ وكتب له كتاباً وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير بومين ولا يكره أحداً من أصحابه فلما قرأ الكتاب بعد يومين وجد فيه أن تمضي حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف وترصد بها قريشاً وتعلم لنا من أخبارهم‏.‏ فأخبر أصحابه وقال‏:‏ حتى ننزل نخلة بين مكة والطائف ومن أحب الشهادة فلينهض ولا أستكره أحداً‏.‏ فمضوا كلهم وأضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان في بعض الطريق بعيراً لهما كانا يتعقبانه فتخلفا في طلبه ونفر الباقون إلى نخلة‏.‏ فمرت بهم عير لقريش تحمل تجارة فيها عمرو بن الحضرمي وعثمان بن عبد الله بن المغيرة وأخوه نوفل والحكم بن كيسان مولاهم وذلك آخر يوم من رجب‏.‏ فتشاور المسلمون وتجرح بعضهم الشهر الحرام ثم اتفقوا واغتنموا الفرصة فيهم‏.‏ ‏.‏ فرمى واقد بن عبد الله عمرو بن الحضرمي فقتله وأسروا عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان وأفلت نوفل وقدموا بالعير والأسيرين وقد أخرجوا الخمس فعزلوه‏.‏ فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم فعلهم ذلك في الشهر الحرام فسقط في أيديهم ثم أنزل الله تعالى‏:‏ ‏"‏ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏"‏ الآية إلى قوله ‏"‏ حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعو ‏"‏ فسري عنهم وقبض النبي صلى الله عليه وسلم الخمس وقسم الغنيمة وحكي‏:‏ وقبل الفداء في الأسيرين وردهم الحكم بن كيسان منهما‏.‏ ورجع سعد وعتبة سالمين إلى المدينة‏.‏ وهذه أول غنيمة غنمت في الإسلام وأول غنيمة خمست في الإسلام‏.‏ وقتل عمرو بن الحضرمي هو الذي هاج وقعة بدر الثانية‏.‏ ثم صرفت القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة على رأس سبعة عشر شهراً من مقدمه المدينة‏.‏ خطب بذلك على المنبر وسمعه بعض الأنصار فقام فصلى ركعتين إلى الكعبة قاله ابن حزم‏.‏ وقيل على رأس ثمانية عشر شهراً وقيل ستة عشر ولم يقل غير ذلك‏.‏ غزوة بدر الثانية العظمى والكبرى فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة إلى رمضان في السنة الثانية ثم بلغه أن عيراً لقريش فيها أموال عظيمة مقبلة من الشام إلى مكة معها ثلاثون أو أربعون رجلاً من قريش عميدهم أبو سفيان ومعه عمرو بن العاص ومخرمة بن نوفل فندب عليه السلام المسلمين إلى هذه العير وأمر من كان ظهره حاضراً بالخروج‏.‏ ولم يحتفل في الحشد لأنه لم يظن قتالاً واتصل خروجه بأبي سفيان فاستأجر ضمضم بن عمار الغفاري وبعثه إلى أهل مكة يستنصرهم لعيرهم فنفروا وأرعبوا إلا يسيرأ منهم‏:‏ أبو لهب‏.‏ وخرج صلى الله عليه وسلم لثمان خلون من رمضان واستخلف على الصلاة عمرو بن أم مكتوم ورد أبا لبابة من الروحاء واستعمله على المدينة‏.‏ ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير ودفع إلى علي راية وإلى رجل من الأنصار أخرى‏.‏ يقال كانتا سوداوين‏.‏ وكان مع أصحابه صلى الله عليه وسلم يومئذ سبعون بعيراً يعتقبونها فقط‏.‏ وجعل على الساقة بقيس بن أبي صعصعة من بني النجار‏.‏ وراية الأنصار يومئذ مع سعد بن معاذ فسلكوا نقب المدينة مع سعد بن معاذ إلى ذي الحليفة ثم انتهوا إلى صخيرات تمام ثم إلى بئر الروحاء‏.‏ ثم رجعوا ذات اليمين عن الطريق إلى الصفراء‏.‏ وبعث عليه السلام قبلها بسبس بن عمرو الجهني حليف بني ساعدة وعدي بن أبي الزغباء الجهني حليف بني النجار إلى بدر يتجسسون أخبار أبي سفيان وغيره‏.‏ ثم تنكب عن الصفراء يميناً وخرج على وادي دقران فبلغة خروج قريش ونفيرهم فاستشار أصحابه‏.‏ فتكلم المهاجرون وأحسنوا وهو يريد ما يقوله الأنصار وفهموا ذلك‏.‏ فتكلم سعد بن معاذ وكان فيما قال‏:‏ لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك فسر بنا يا رسول الله على بركة الله فسر بذلك وقال‏:‏ سيروا وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين‏.‏ ثم ارتحلوا من دقران إلى قريب من بدر وبعث علياً والزبير وسعداً في نفر يلتمسون الخبر فأصابوا غلامين لقريش فأتوا بهما وهو عليه الصلاة والسلام قائم يصلي وقالوا‏:‏ نحن سقاة قريش‏!‏ فكذبوهما كراهيةً في الخبر ورجاء أن يكونا من العير للغنيمة وقلة المؤنة فجعلوا يضربونهما فيقولان‏:‏ نحن من العير‏.‏ فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنكر عليهم وقال للغلامين‏:‏ أخبراني أين قريش‏.‏ فأخبراه أنهم وراء الكثيب وإنهم ينحرون يوماً عشراً من الإبل ويوماً تسعاً‏.‏ فقال عليه السلام‏:‏ القوم بين التسعمائة والألف‏.‏ وقد كان بسبس وعدي الجهنيان مضيا يتجسسان الأخبار حتى نزلا بدراً وأناخا قرب الماء واستقيا في شن لهما ومجدي بن عمرو سيد جهينة بقربهما‏.‏ فسمع عدي جاريةً من جواري الحي تقول لصاحبتها‏:‏ العير تأتي غداً أو بعد غد فاعمل لهم واقضيك الذي لك‏.‏ وجاءت إلى مجدي بن عمرو فصدقها‏.‏ فرجع بسسس وعدي بالخبر وجاء أبو سفيان بعدهما يتجسس الخبر‏.‏ فقال لمجدي هل أحسست أحداً‏.‏ فقال‏:‏ راكبين أناخا فيما يلي هذا التل فاستقيا الماء ونهضا‏.‏ فأتى أبو سفيان مناخهما وفتت من أبعار رواحلهما فقال‏:‏ هذه والله علائف يثرب فرجع سريعاً وقد حفر وتنكب بالعير إلى طريق الساحل فنجا وأوصى إلى قريش بأنا قد نجونا بالعير فارجعوا‏!‏ فقال أبو جهل‏:‏ والله لا نرجع حتى نرد ماء بدر ونقيم به ثلاثأ وتهابنا العرب أبداً‏.‏ ورجع الأخنس بن شريق بجميع بني زهرة وكان حليفهم ومطاعاً فيهم وقال‏:‏ إنما خرجتم تمنعون أموالكم وقد نجت فرجعوا‏.‏ وكان بنو عدي لم ينفروا مع القوم فلم يشهد بدراً من قريش عدوي ولا زهري‏.‏ وسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً إلى ماء بدر وثبطهم عنه مطر نزل وبله مما يليهم وأصاب المسلمين دهس الوادي وأعانهم على السير‏.‏ فنزل عليه السلام على أدنى ماء من مياه بدر إلى المدينة فقال له الحباب بن المنذر بن عمرو بن الجموح‏:‏ آلله أنزلك بهذا المنزل فلا نتحول عنك أم قصدت الحرب والمكيدة فقال عليه السلام‏:‏ لا بل هو الرأي والحرب‏!‏ فقال يا رسول الله‏:‏ ليس هذا بمنزل وإنما تأتي أدنى ماء من القوم فننزله ونبني عليه حوضأ فنملؤه ونغور القلب كلها فنكون قد منعناهم الماء‏.‏ فاستحسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بنوا له عريشاً يكون فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتيه من ربه النصر يريهم مصارع القوم واحداً واحداً‏.‏ ولما نزل قريش مما يليهم بعثوا عمير بن وهب الجمحي يجذر لهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا ثلثماثة وبضعة عشر رجلا فيهم فارسان‏:‏ الزبير والمقداد‏.‏ فجذرهم وانصرف وخبرهم الخبر‏.‏ ورام حكيم بن حزام وعتبة بن ربيعة أن يرجعا بقريش ولا يكون الحرب فأبى أبو جهل وساعده المشركون وتواقفت الفئتان‏.‏ وعدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف بيده ورجع إلى العريش ومعه أبو بكر وحده وطفق يدعو ويلح وأبو بكر يقاوله ويقول في دعائه‏:‏ ‏"‏ اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض اللهم أنجز لي ما وعدتني ‏"‏‏.‏ وسعد بن معاذ وقوم معه من الأنصار على باب العريش يحمونه وأخفق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انتبه فقال‏:‏ أبشر يا أبا بكر فقد أتى نصر الله‏.‏ ثم خرج يحرض الناس ورمى في وجوه القوم بحفنة من حصى وهو يقول‏:‏ شاهت الوجوه‏.‏ ثم تزاحفوا فخرج عتبة وأخوه شيبة وابنه الوليد يطلبون البراز فخرج إليهم عبيدة بن الحرث وحمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب‏.‏ فقتل حمزة وعلي شيبة والوليد وضرب عتبة عبيدة فقطع رجله فمات‏.‏ وجاء حمزة وعلي إلى عتبة فقتلاه‏.‏ وقد كان برز إليهم عوف ومعوذ إبنا عفراء وعبد الله بني رواحة من الأنصار فأبوا إلا قومهم‏.‏ وجال القوم جولة فهزم المشركون وقتل منهم يومئذ سبعون رجلاً‏.‏ فمن مشاهيرهم‏:‏ عتبة وشيبة إبنا ربيعة والوليد بن عتبة وحنظلة بن سفيان بن حرب وإبنا سعيد بن العاص عبيدة والعاص والحرث بن عامر بن نوفل وإبن عمه طعيمة بن عدي وزمعة بن الأسود وإبنه الحرث وأخوه عقيل بن الأسود وابن عمه أبو البحتري بن هشام ونوفل بن خويلد بن أسد وأبو جهل بن هشام‏.‏ اشترك فيه معاذ ومعوذ إبنا عفراء وجده عبد الله بن مسعود وبه رمق فحز رأسه وأخوة العاص بن هشام وابن عمهما مسعود بن أمية وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة وابن عمه أبو قيس بن الفاكه ونبيه ومنبه ابنا الحجاج والعاص والحراث ابنا منبه وأمية بن خلف وابنه علي وعمير بن عثمان عم طلحة‏.‏ وأسر العباس بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحرث بن عبد المطلب والسائب بن عبد العزيز من بني المطلب وعمرو بن أبي سفيان بن حرب وأبو العاص بن الربيع وخالد بن أسيد بن أبي العيص وعدي بن الخيار من بني نوفل‏.‏ وعثمان بن عبد شمس ابن عم عتبة بن غزوان وأبو عزيز أخو مصعب بن عمير وخالد بن هشام بن المغيرة وابن عمه رفاعة بن أبي رفاعة وأمية بن أبي خذيفة بن المغيرة والوليد بن الوليد أخو خالد وعبد الله وعمرو ابنا أبي بن خلف وسهيل بن عمرو في آخرين مذكورين في كتب السير‏.‏ واستشهد من المسلمين‏:‏ من المهاجرين‏:‏ عبيدة بن الحارث بن المطلب عمير بن أبي وقاص وذو الشمالين عبد عمرو بن نضلة الخزاعي حليف بني زهرة وصفوان بن بيضاء من بني الحرث بن فهر ومهجع مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصابه سهم فقتله‏.‏ وعاقل بن البكير الليثي حليف بني عدي من الأنصار‏.‏ ثم من الأوس سعد بن خيثمة ومبشر بن عبد المنذر‏.‏ ومن الخزرج يزيد بن الحارث بن الخزرج وعمير بن الحمام بن بني سلمة سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحض على الجهاد ويرغب في الجنة وفي يده ثمرات يأكلهن‏.‏ فقال‏:‏ بخ بخ أما بيني وبين الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء ثم رمى بهن وقاتل حتى قتل‏.‏ ورافع بن المعلى من بني حبيب بن عبد حارثة وحارثة بن سراقة من بني النجار وعوف ومعوذ ابنا عفراء‏.‏ ثم انجلت قريش الحرب وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى المشركين فسحبوا إلى القليب وطم عليهم التراب‏.‏ وجعل على النفل عبد الله بن كعب بن عمرو بن مقدول بن عمر ابن غنم بن مازن بن النجار‏.‏ ثم انصرف إلى المدينة فلما نزل الصفراء قسم الغنائم كما أمرى الله وضرب عنق النضر بن كلدة من بني عبد الدار‏.‏ ثم نزل عرق الظبية فضرب عنق عقبة ابن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية وكان في الاسارى ومر إلى المدينة فدخلها لثمان بقين من رمضان‏.‏ غزوة الكرز وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه إلى المدينة إجتماع غطفان فخرج يريد بني سليم بعد سبع ليال من منصرفه واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري أو ابن أم مكتوم‏.‏ فبلغ ماء يقال له الكرز وأقام عليه ثلاثة أيام ثم انصرف ولم يلق حرباً‏.‏ وقيل أنه أصاب من نعمهم ورجع بالغنيمة وإنه بعث غالب بن عبد الله الليثي في سرية فنالوا منهم وانصرفوا بالغنيمة‏.‏ وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذي الحجة وفدى رسول صلى الله عليه وسلم في أكثر أسارى بدر‏.‏ غزوة السويق ثم إن أبا سفيان لما انصرف من بدر نذر أن يغزو المدينة فخرج في مائتي راكب حتى أتى بني النضير ليلاً فتوارى عنه حيي بن أخطب ولقيه سلام بن مشكم وقراه وأعلمة بخبر الناس‏.‏ ثم رجع ومر باطراف المدينة فحرق نخلاً وقتل رجلين في حرث لهما‏.‏ فنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون واستعمل على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر وبلغ الكرز وفاته أبو سفيان والمشركون وقد طرحوا سويقا من أزوادهم ليتحففوا فأخذها المسلمون‏.‏ فسميت لذلك غزوة السويق وكانت في ذي الحجة بعد بدر بشهرين‏.‏ ذي أمر ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر المحرم غازيا غطفان واستعمل على المدينة عثمان بن عفان رضي الله عنه فأقام بنجد صفر وانصرف ولم يلق حربا‏.‏ نجران‏:‏ ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر ربيع الأول يريد قريشاً واستخلف ابن أم مكتوم فبلغ نجران معدناً في الحجاز ولم يلق حرباً‏.‏ وأقام هناك إلى جمادى الثانية من السنة الثالثة وانصرف إلى المدينة‏.‏ قتل كعب بن الاشرف وكان كعب بن الاشرف رجلا من طيء وأمه من يهود بني النضير‏.‏ ولما أصيب أصحاب بدر وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة مبشرين إلى المدينة جعل يقول‏:‏ ويلكم أحق هذا وهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس وإن كان محمد أصاب هؤلاء فبطن الأرض خير من ظهرها‏.‏ ثم قدم مكة ونزل على المطلب بن أبي وداعة السهمي وعنده عاتكة بنت أشيد بن أبي العيص بن أمية‏.‏ فجعل يحرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وينشد الأشعار ويبكي على أصحاب القليب‏.‏ ثم رجع إلى المدينة فشبب بعاتكة ثم شبب بنساء المسلمين‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقتل كعب بن الأشرف فانتدب لذلك محمد بن مسلمة وملكان بن سلامة بن وقش وأبو نائلة من بني عبد الأشهل أخو كعب من الرضاعة وعباد بن بشر بن وقش بن بشر بن معاذ وأبو عبس بن جبر من بني حارثة‏.‏ وتقدم إليه ملكان بن سلامة وأظهر له انحرافاً عن النبي صلى الله عليه وسلم عن أذن منه وشكا إليه ضيق الحال‏.‏ ورام أن يبيعه وأصحابه طعاماً ويرهنون سلاحهم‏.‏ فأجاب إلى ذلك ورجع إلى أصحابه‏.‏ فخرجوا وشيعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الفرقد في ليله قمراء وأتوا كعباً فخرج إليهم من حصنه ومشوا غير بعيد ثم وضعوا عليه سيوفهم‏.‏ ووضع محمد بن مسلمة معولاً كان معه في ثنته فقتله‏.‏ وصاح عدو الله صيحة شديدة انذعر لها أهل الحصون التي حواليه وأوقدوا النيران ونجا القوم وقد جرح منهم الحرث بن أوس ببعض سيوفهم فنزفه الدم وتأخر‏.‏ ثم وافاهم بجرة العريض آخر الليل وأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي وأخبروه وتفل على جرع الحرث فبرىء‏.‏ وأذن للمسلمين في قتل اليهود لما بلغه أنهم خافوا من هذه الفعلة وأسلم حينئذ حويصة بن مسعود وقد كان أسلم قبله أخوه محيصة بسبب قتل بعضهم‏.‏

ميارى 6 - 8 - 2010 04:53 PM

غزوة بني قينقاع
وكان بنو قينقاع لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر وقف بسوق بني قينقاع في بعض الأيام فوعظهم وذكرهم ما يعرفون من أمره في كتابهم وحذرهم ما أصاب قريشاً من البطشة فأساءوا الرد وقالوا‏:‏ لا يغرنك أنك لقيت قوماً لا يعرفون الحرب فأصبحت منهم‏!‏ والله لئن حاربتنا لتعلمن أنا نحن الناس‏.‏ فانزل الله تعالى‏:‏ ‏"‏ وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء ‏"‏‏.‏ وقيل بل قتل مسلم يهوديًا بسوقهم في حق فثاروا على المسلمين ونقضوا العهد ونزلت الآية‏.‏ فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم واستعمل على المدينة بشير بن عبد المنذر وقيل أبا لبابة وكانوا في طرف المدينة في سبعمائة مقاتل منهم ثلاثمائة دارع‏.‏ ولم يكن لهم زرع ولا نخل إنما كانوا تجاراً وصاغة يعملون بأموالهم وهم قوم عبد الله بن سلام‏.‏ فحصرهم عليه السلام خمس عشرة ليلة لا يكلم أحداً منهم حتى نزلوا على حكمة فكتفهم ليقتلوا فشفع فيهم عبد الله بن أًبَي بن سلول وألح في الرغنة حتى حقن له رسول الله صلى الله عليه وسلم دماءهم‏.‏ ثم أمر بإجلائهم وأخذ ما كان لهم من سلاح وضياع‏.‏ وأمر عَبادة بن الصامت فمضى بهم إلى ظاهر ديارهم ولحقوا بخيبر‏.‏ وأخذ رسول الله الخمس من الغنائم وهو أول خمس أخذه ثم انصرف إلى المدينة وحضر الأضحى فصلى بالناس في الصحراء وذبح بيده شاتين ويقال أنهما أول أضحيته صلى الله عليه وسلم‏.‏ سريه زيد بن حارثة إلى قرده وكانت قريش من بعد بدر قد تخوَفوا من اعتراض المسلمين عِيرَهم في طريق الشام فصاروا يسلكون طريق العراق‏.‏ وخرج منهم تجار فيهم أبو سفيان بن حرب وصفوان بن أمية واستجاروا بفرات بن حيان بن بكر بن وائل فخرج بهم في الشتاء وسلك بهم على طريق العراق‏.‏ وانتهى خبر العير إلى النبي صلى الله عليه وسلم وما فيها من المال وآنية الفضة فبعث زيد بن حيان العِجْليّ أسيراً فتعوذ بالإسلام وأسلم‏.‏ وكان خمس هذه الغنيمة عشرين ألفأ‏.‏ قتل ابي الحقيق كان سلام بن أبي الحُقَيْقِ هذا من يهود خيبر وكنيته أبو رافع‏.‏ وكان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويُحَزًبُ عليهم الأحزاب مثلاً وقريباً من كعب بنِ الأشرف‏.‏ وكان الأوس والخزرج يتصاولان تصاول الفحلين في طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم والذَبّ عنه والنيل من أعدائه لا يفعل أحد القبيلتين شيئاً إلا فعل الآخرون مثله‏.‏ وكان الأوس قد قتلوا كعب بن الأشرف‏.‏ كما ذكرناه فاستأذن الخزرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل ابن أبي الحقيق نظير ابن الأشرف في الكفر والعداوة‏.‏ فأذن لهم فخرج إليهم من الخزرج ثم من بني سلمة ثمانية نفر منهم‏:‏ عبد الله بن عقيل ومُسْعر بن سِنان وأبو قَتَادةَ والحرث بن رَبَعي الخزاعي من حلفائهم في آخرين‏.‏ وأمر عليهم عبد الله بن عقيل ونهاهم أن يقتلوا وليداً أو إمرأة وخرجوا في منتصف جمادى الآخرة من سنة ثلاث فقدموا خيبر وأتوا دار ابن أبي الحقيق في علية له بعد أن انصرف عنه عميرة ونام وقد أغلقوا الأبواب بعد أن أتموا كلما عليهم ونادوه ليعرفوا مكانه بصوته‏.‏ ثم تعاوروه بسيوفهم حتى قتلوه وخرجوا من القصر وأقاموا ظاهرة حتى قام الناعي على سور القصر فاستيقنوا موته وذهبوا إلى رسول صلى الله عليه وسلم بالخبر‏.‏ وكان أحدهم قد سقط من دَرَج العلِّيه فأصابه كسر في ساقه فمسح عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فبرئت‏.‏ غزوة أحد وكانت قريش بعد واقعة بدر قد توامروا وطلبوا من أصحاب العير أن يعينوهم بالمال ليتجهزوا به لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعانوهم وخرجت قريش بأحابيشها وحلفائها‏.‏ وذلك في شوال من سنة ثلاث واحتملوا الظعن إلتماساً للحفيظة وأن لا يَفِروا وأقبلوا حتى نزلوا ذا الحُلَيْفَةِ قرب أُحُد ببطن السَبْخَةِ مقابل المدينة على شفير واد هناك‏.‏ وذلك في رابع شوال وكانوا في ثلاثة آلاف‏:‏ منهم سبعمائة دارع ومائتا فرس وقائدهم أبو سفيان ومعهم خمس عشرة إمرأة بالدفوف يبكين قتلى بدر‏.‏ وأشار صلى الله عليه وسلم على أصحابه بأن يتحصنوا بالمدينة ولا يخرجوا وإن جاءوا قاتلوهم على أفواه الأزِقَّةِ وافق ذلك على رأي عبد الله بن أُبي بن سلول وألحّ قوم من فضلاء المسلمين ممن أكرمه الله بالشهادة فلبس لامته وخرج‏.‏ وقدم أولئك الذين ألحوا عليه وقالوا‏:‏ يا رسول الله إن شئت فاقعد فقال‏:‏ ما ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يقاتل‏.‏ وخرج في ألف من أصحابه واستعمل ابن أم مكتوم على الصلاة ببقية المسلمين بالمدينة‏.‏ فلما صار بين المدينة وأُحُدٍ انخذل عنه عبد الله بن أُبَيّ في ثلث الناس مغاضباً لمخالفة رأيه في المقام‏.‏ وسلك رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم حَرةَ بني حارثة ومرّ بين الحوائط وأبو خَيْثَمَة من بني حارثة يدلّ به حتى نزل الشِعْبَ من أحد مستنداً إلى الجبل‏.‏ وقد سرحت قريش الظهر والكراع في زروع المسلمين وتهيَّأ للقتال في سبعمائة فيهم خمسون فارساً وخمسون رامياً‏.‏ وأمٌرَ على الرماة عبد اللّه بن جبير من بني عمرو بن عَوْف والأوس أخو خُوات ورتبهم خلف الجيش ينضحون بالنبل لئلا يأتوا المسلمين من خلفهم‏.‏ ودفع اللواء إلى مُصْعَبَ بن عُمَيْر من بني عبد الدار وأجاز يومئذ سَمُرَة بن جُنْدُبَ الفزاري ورافع بن خديج من بني حارثة في الرماة وكسِنَّاهُما خمسة عشر عامأ‏.‏ وردّ أسامة بن زيد وعبد اللّه بن عمر بن الخطاب‏.‏ ومن بني مالك بن النجار زيد بن ثابت وعمرو بن حرام ومن بني حارثة البَرّاء بن عازب وأسيد بن ظهير‏.‏ ورد عِرابَةَ بن أوس وزيد بن أرقم وأبا سعيد الخدْرِيّ وسن جميعهم يومئذ أربعة عشر عاماً‏.‏ وجعلت قريش على ميمنة الخيل خالد بن الوليد وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبي جهل‏.‏ وأعطى عليه السلام سيفه إلى أبي دجانة سماك بن خَرْشَةَ من بني ساعِدة وكان شجاعاً بطلاً يختال عند الحرب‏.‏ وكان مع قريش ذلك اليوم والد حنظلة غسيل الملائكة أبو عامر عبد الله عمرو بن صيفي بن مالك بن النعمان من ضُبَيْعَةَ وكان في الجاهلية قد ترهب وتنسك‏.‏ فلما جاء الإسلام غلب عليه الشقاء وفر إلى مكة في رجال من الأوس وشهد أُحُدَ مع الكفار‏.‏ وكان يعد قريش في انحراف الأوس إليه لِمَا أنه سيدهم فلم يصدق ظنه‏.‏ ولما ناداهم وعرفوه قالوا‏:‏ لا أنعم الله لك علينا يا فاسق‏!‏ فقاتل المسلمين قتالاً شديداً وأبلى يومئذ حمزةُ وطلحة وشيبةُ وأبو دجَانَة والنضر بن أنس بلاءً شديداً‏.‏ وأصيب جماعة من الأنصار مقبلين غير مدبرين واشتد القتال وانهزم قريش أولا فخلت الرماة عن مراكزهم‏.‏ وكرّ المشركون كرة وقد فقدوا متابعة الرماة فانكشف المسلمون واستشهد منهم من أكرمه الله ووصل العدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقاتل مصعب بن عُمَيْر صاحب اللواء دونه حتى قتل وجرح رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه وكسرت رباعيتُة اليمنى السفلى بحجر وهشمت البيضة في رأسه‏.‏ يقال إن الذي تولى ذلك عتبةُ بن أبي وقَّاص وعمرو بن قُمَيْئَةَ اللَيثي‏.‏ وشد حنظلة الغسيل على أبي سفيان ليقتله فاعترضه شداد بن الأسود الليثي من شعوب فقتله وكان جُنُباً‏.‏ فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الملائكة غسلته‏.‏ وأكبت الحجارة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سقط من بعض حفر هنالك فأخذ علي بيده واحتضنه طلحة حتى قام‏.‏ ومصّ الدم من جرحه مالك بن سنان الخدري والد أبي سعِيد ونشبت حَلْقَتان من حَلَقِ المِغْفَر في وجهه صلى الله عليه وسلم فانتزعهما أبو عبيدة بن الجَراح وعضَ عليهما فندرت ثنايتاه فصار أهتم‏.‏ ولحق المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم وكرّ دونه نفر من المسلمين فقتلوا كلهم‏.‏ وكان آخرهم عمار بن يزيد بن السكن‏.‏ ثم قاتل طلحة حتى أجْهَضَ المشركين وأبو دجانة يقي النبي صلى الله عليه وسلم بظهرة وتقع فيه النبل فلا يترك‏.‏ واصيبت عين قتادة بن النعمان من بني ظفر فرجع وهو على وجنته فردها عليه السلام بيده فصحت وكانت أحسن وانتهى النضرُ بن أنس إِلى جماعة من الصحابة وقد دهشوا وقالوا‏:‏ قتل رسول الله صلى الله عليه وسلمِ‏.‏ فقال‏:‏ فما تصنعون في الحياة بعده‏!‏ قوموا فموتوا على ما مات عليه ثم استقبل الناس وقاتل حتى قتل ووجد به سبعون ضربة‏.‏ وجرح يومئذ عبد الرحمن بن عوف عشرين جِرَاحَةً بعضها في رجله فعرج منها وقتل حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم قتله وحشي مولى جُبَيْرٍ بن مطعِم بن عدي وكان قد جاء له على ذلك بعتقه فرآه سبَّاع بن عبد العُزى فرماه بحربته من حيث لا يشعر فقتله‏.‏ ونادى الشيطان‏.‏ ألا إن محمداً قد قتل لأن عمرو بن قُمَيْئَة كان قد قتل مصعب بن عمير يظن أنه النبي صلى الله عليه وسلم وضربته أم عمارة نسيبة بنت كعب من بني مازِنَ ضربات فتوفي منها بدِرْعَيْه وخشع المسلمون لما أصابه ووهنوا لصريخ الشيطان‏.‏ ثم إن كعب بن مالك الشاعر من بني سلمة عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادى بأعلى صوته يبشر الناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له انصت‏:‏ فاجتمع عليه المسلمون ونهضوا معه نحو الشعب فيهم أبو بكر وعُمَرُ والزُبَيْرُ والحرث بن الصَفة الأنصاري وغيرهم‏.‏ وأدركه أُبَيُ بن خلف في الشعب فتناول صلى الله عليه وسلم الحربة من الحرث بن الصمة وطعنه بها في عنقه‏.‏ فكر أُبَيُ مُنهزماً وقال له المشركون‏:‏ ما بك من بأس‏!‏ فقال‏:‏ والله لو بصق علي لقتلني وكان صلى الله عليه وسلم قد توعده بالقتل فمات عدوّ الله بسرف مرجعهم إلى مكة‏.‏ ثم جاء علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالماء فغسل وجهه ونهض فاستوى على صخرة من الجبل وحانت الصلاة فصلى بهم قعوداً‏.‏ وغفر الله للمنهزمين من المسلمين ونزل‏:‏ ‏"‏ إن الذين تَوَلوا منكم يوم التقى الجمعانَ إنما استزلهم ‏"‏ الأية‏.‏ وكان منهم عثمان بن عفان وعثمان بن أبي عقبة الأنصاري واستشهد في ذلك اليوم حمزة كما ذكرنا وعبد الله بن جحش ومصعب بن عمير خمسة وستين معظمهم من الأنصار‏.‏ وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفنوا بدمائهم وثيابهم في مضاجعهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم‏.‏ وقتل من المشركين إثنان وعشرون منهم الوليد بن العاص بن هشام وأبو أمية بن أبي حُذَيْفَةَ بن المُغِيرَةَ وهشام بن أبي حذيفة بن المغيرة وأبو عزة عمرو بن عبد الله بن جمح‏.‏ وكان أُسِر َيوم بدر فمن عليه وأطلقه بلا فداء على أن لا يعين عليه فنقض العهد وأسر يوم أُحُد وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب عنقه صَبْراً‏.‏ وأُبَي بن خَلَف قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده‏.‏ وصعد أبو سفيان الجبل حتى أطل على رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه ونادى بأعلى صوته‏:‏ الحرب سجال‏!‏ يوم أُحُد بيوم بدر أعل هبل‏.‏ وانصرف وهو يقول‏:‏ موعدكم العام القابل‏.‏ فقال عليه السلام‏:‏ قولوا له هو بيننا وبينكم‏.‏ ثم صار المشركون إلى مكة ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة وكانت هند وصواحبتها قد جدّ عنه وبقرن عن كبده فلاكتها ولم تُسِغْها‏.‏ ويقال أنه لما رأى ذلك في حمزة قال‏:‏ لئن أظفرني الله بقريش لأمثلنّ بثلاثين منهم‏.‏ ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة‏.‏ ويقال‏:‏ أنه قال لعليّ‏:‏ لا يصيب المشركون منا مثلها حتى يفتح الله علينا‏.‏ غزوة حمراء الاسد ولما كان يوم أُحُد سادس عشر شوال وهو صبيحة يوم أُحد أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج لطلب العدوّ وأن لا يخرج إلا من حضر معه بالأمس‏.‏ وفسح لجابر بن عبد الله ممن سواهم فخرج وخرجوا على ما بهم من الجهد والجراح‏.‏ وصار عليه السلام متجلَداً مرهباً للعدوّ وانتهى إلى حمراء الأسد على ثمانية أميال من المدينة وقام بها ثلاثاً ومر به هناك معبد بن أبي معبد الخزاعي سائراً إلى مكة‏.‏ ولقي أبا سفيان وكفار قريش بالروحاء فاخبرهم بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم وكانوا يرومون الرجوع إلى المدينة ففت ذلك في أعضادهم وعادوا إلى مكة‏.‏ بعث الرجيع ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفر متم الثلاثة من الهجرة نفر من عَضَل والقارَةِ بني الهُونِ بن خُزَيْمَةَ إخوة بني أسَد‏.‏ فذكروا أن فيهم إسلاماً ورغبوا أن يبعث فيهم من يُفَقهُهُمْ في الدين‏.‏ فبعث معهم ستة رجال من أصحابه‏:‏ مَرْثِد بن أبي مَرْثِد الغَنَمِي وخالد بن البكير اللَيْثي وعاصِم بن ثابت بن أبيٍ الأفْلَح من بني عمرو بن عوف وحبيب بن عدِيّ من بني جَحْجَبا بن كَلْفَة وزَيْد بن الدُثنة بن بَياضَة بن عامر وعبد الله بن طارق حليف بني ظَفَر‏.‏ وأمرَ عليهم مرثداً منهم‏.‏ ونهضوا مع القوم حتىِ إذا كانوا بالرجيع وهو ماء لِهُذَيْل قريباً منِ عَسْفان غدروا بهم واستصرخوا هُذَيْلأ فغَشَوهم في رحالهم ففزعوا إلى القتال فأمنوهم وقالوا‏:‏ إنا نريد نصيب بكم فداء من أهل مكة‏.‏ فامتنع مرثد وخالد وعاصم من أمنهم وقاتلوا حتى قتلوا ورموا رأْس عاصم بسيوفهم ليبيعوه من سلافة بنت سعل بن شهيد وكانت نذرت أن تشرب فيه الخمر لما قتل ابنيها من بني عبد الدار يوم أُحُد فأرسل الله الدَبْر فَحَمتْ عاصماً منهم فتركوه إلى الليل فجاء إليه السيل فاحتمله‏.‏ وأما الآخرون فأسروهم وخرجوا بهم إلى مكة ولما كانوا بمر الظهران انتزع ابن طارق يده من القرآن وأخذ سيفه فرموه بالحجارة فمات وجاءوا بِخُبَيْبِ وزيد إلى مكة فباعوهما إلى قريش فقتلوهما صبراً‏.‏ غزوة بئر معونة وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفر هذا ملاعب الأسِنَة أبو براء عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة فدعاه إلى الإسلام فلم يسلم ولم يبعد وقال‏:‏ يا محمد‏!‏ لو بعثت رجالاً من أصحابك إلى أهل نجد يدعوهم إلى أمرك ورجوتَ أن يستجييوا لك‏!‏ فقال‏:‏ أني أخاف عليهم‏.‏ فقال أبو براء‏:‏ أنا لهم جار‏!‏ فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو من بني ساعدَةَ في أربعين من المسلمين وقيل في سبعين‏.‏ منهم الحرث بن الصِمَّةِ وحرام بن مَلْحان خال أنس وعامر بن فُهَيْرِه ونافع بن بُدَيْل بن ورقاء فنزلوا بئر معونة بين أرض بني عامر وحرّة بني سُلَيْم وبعثوا حرام بن ملحان بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن الطُّفَيْل فقتله ولم ينظر في كتابه‏.‏ واستعدى عليهم بني عامر فأبوا لجوار أبي براء إياهم فاستعدى بني سليم فنهضت منهم عَصِية ورعَل وذَكْوان وقتلوهم عن آخرهم‏.‏ وكان سرحهم إلى جانب منهم ومعهم المُنذِر بن أُحَيْحَةَ من بني الجلاح وعمرو بن أمية الضِمْرِي فنظرا إلى الطير تحوم على العسكر فأسرعا إلى أصحابهما فوجداهم في مضاجعهم‏.‏ فأما المنذر بن أحيحة فقاتل حتى قتل وأما عمرو بن أمية فجزّ عامر بن الطفيل ناصيته حين علم أنه من مُضَرَ لرقبة كانت عن أمه وذلك لعشرة بقين من صفر وكانت مع الرجيع في شهر واحد‏.‏ ولما رجع عمرو بن أمية لقي في طريقه رجلين من بني كلاب أو بني سُلَيْم فنزلا معه في ظلّ كان فيه معهما عهد من النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم به عمرو فانتسبا له في بني عامر أو سُلَيْم فعدا عليهما لما ناما وقتلهما‏.‏ وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فقال لقد قتلت قتيلين لأدينهما‏.‏ غزوة بني النضير ونهض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير مستعيناً بهم في ديّة هذين القتيلين فأجابوا وقعد عليه السلام مع أبي بكر وعمر وعليّ ونفر من أصحابه من جدرانهم وأراد بني النُضَيْر رجلاً منهم على الصعود إلى ظهر البيت ليلقي على النبي صلى الله عليه وسلم صخرة فانتدب لذلك عمرو بن جِحاش بن كَعْب منهم وأوحى الله بذلك إلى نبيه فقام ولم يشعر أحداً من أصحابه‏.‏ فاستبطأوه واتبعوه إلى المدينة فأخبرهم عن وحي الله بما أراد به يهود وأمر من أصحابه بالتهيؤ لحربه‏.‏ واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم ونهض في شهر ربيع الأول أول السنة الرابعة من الهجرة فتحصنوا منه بالحضون فحاصرهم ست ليال وأمر بقطع النخل وإحراقها‏.‏ ودسّ إليهم عبد اللّه بن أبيّ والمنافقون إِنا معكم قتلتم أو أخرجتم ففر وهم بذلك ثم خذلوهم كرهاً وأسلموهم‏.‏ وسأل عبد الله من النبي صلى الله عليه وسلم أن يكف عن دمائهم ويُجْليهِمْ بما حملت الإبل من أموالهم إِلا السلاح واحتمل إلى خيبر من أكابرهم حيي بن أخطب وابن أبي الحقيق فدانت لهم خيبر ومنهم من سار إلى الشام وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أموالهم بين المهاجرين الأولين خاصة وأعطى منها أبا دَجانَةَ وسهل بن حنيف كانا فقيرين‏.‏ وأسلم من بني النُضَيْر ِيامين بن غمَيْر بن جِحاش وسعيد بن وهب فأحرزا أموالهما بأسلامهما‏.‏ وفي هذه الغزاة‏.‏ نزلت سورة الحشر‏.‏ غزوة ذات الرقاع وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بني النُضَيُرِ إلى جمادى من السنة الرابعة ثم غزا نجداً يريد بني مُحارِبَ وبني ثَعْلَبَة من غَطَفَان‏.‏ واستعمل على المدينة أبا ذر الغِفَاريَ وقيل عُثْمانَ بن عَفٌان ونهض حتى نزل نجداً فلقي بها جمعأ من غطفان فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب إِلا أنهم خاف بعضهم بعضاً حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين صلاة الخوف فسميت ذات الرقاع لأن أقدامهم نقبت وكانوا يلقون عليها الخرق‏.‏ وقال الواقدي‏:‏ لأن الجبل الذي نزلوا به كان به سواد وبياض وحمرة رِقاعاً فسمي بذلك وزعم أنها كانت في المِحْرَنِ‏.‏ غزوة بدر الصغرى - الموعد كان أبو سفيان نادى يوم أحد كما قدمناه بموعد بدر من قابل وأجابوه بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فلما كان في شعبان من هذه السنة الرابعة خرج لميعاده واستعمل على المدينة عبد الله بن أبي بن سلول ونزل في بدر‏.‏ فأقام هناك ثمان ليال وخرج أبو سفيان في أهل مكَّة حتى نزل الظهْرَانَ وعَسْفانَ‏.‏ ثم بدا له في الرجوع واعتذر بأن العام عام جدب‏.‏ غزوة دومة الجندل خرج إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول من السنة الخامسة وخلَف على سباع بن عرفطة الغِفارِي‏.‏ وقد كان بلغه أن جمعاً تجمعوا بها فغزاهم ثم انصرفوا من طريقه قبل أن يبلغ دَوْمَةَ الجَنْدَل ولم يلقَ حرباً‏.‏ وفيها وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم حِصْن يرعى بأراضي المدينة لأن بلاده كانت أجدبت وكانت هذه قد أخصبت بسحابة وقعت فأذن له في رعيها‏.‏ غزوة الخندق كانت في شوال في السنة الخامسة والصحيح أنها في الرابعة‏.‏ كان ابن عمر يقول‏:‏ ردني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يوم أُحُدٍ وأنا ابن أربع عشرة سنة ثم أجازني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فليس بينهما إلا سنة واحدة وهو الصحيح فهي قبل دومة الجندل بلا شك‏.‏ وكان سببها أن نفراً من اليهود منهم سَلام بن أبي الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وسلام بن مُشْكِم وحييّ بن أخطب من بني النضير وهو ابن قيس وأبو عَمَارة من بني وائل لما انجلى بنو النضير إلى خيبر خرجوا إلى مكة يحزبون الأحزاب ويحرضون على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرغبون من اشرأب إلى ذلك فأجابهم أهل مكة إلى ذلك قم مضوا إلى غطفان وخرج بهم عيَيْنَةُ بن حصن أشجع وخرجت قريش وقائدها أبو سفيان بن حرب في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تبعهم من كنانة وغيرهم‏.‏ ولما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بحفر الخندق على المدينة وعمل فيه بيده والمسلمون معه ويقال‏:‏ إِن سلمان أشار به‏.‏ ثم أقبلت الأحزاب نزلوا بظاهر المدينة بجانب أحُد‏.‏ وخرج عليه السلام في ثلاثة آلاف من المسلمين وقيل في تسعمائة فقط وهو راجل بلا شك وخلف على المدينة ابن أم مكتوم فنزل بسطح سلع والخندق بينه وبين القوم وأمر بالنساء والذراري فجعلوا في الأطآم وكان بنو قريظة موادعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم حَيي وأغراهم فنقضوا العهد ومالوا مع الأحزاب وبلغ أمرهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ فبعث سعد بن معاذ وسعد بن عَبادة وخَوان بن جبير وعبد الله بن رُواحَةَ يستخبرون الأمر فوجدوهم مكاشفين بالغدر والنيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم فشاتمهم سعد بن معاذ وكانوا أحلافه وانصرفوا‏.‏ وكان صلى الله عليه وسلم قد أمرهم إن وجدوا الغدر حقاً أن يخبروه تعريضاً لئلا يفتّوا في أعضاد الناس‏.‏ فلما جاءوا إليه قالوا يا رسول الله عضل والغارة يريدون غدرهم بأصحاب الرجيع فعظم الأمر وأحيط بالمسلمين من كل جهة‏.‏ وهم بالفشل بنو حارثة وبنو سلمة معتذرين بأن بيوتهم عورة خارج المدينة ثم ثبتهم الله‏.‏ ودام الحصار على المسلمين قريبأ من شهر ولم تكن حرب‏.‏ ثم رجع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى عُيَيْنَةَ بن حصين والحرث بن عوف أن يرجعا ولهما ثلثا ثمار المدينة‏.‏ وشاور في ذلك سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فأبيا وقالا‏:‏ يا رسول اللّه‏!‏ أشيء أمرك اللّه به فلا بد منه أم شيء تحبه فنصنعه لك أم شيء تصنعه لنا‏.‏ فقال‏:‏ بل أصنعه لكم‏!‏ إني رأيت أن العرب رمتكم عن قوس واحدة‏.‏ فقال سعد بن معاذ‏:‏ قد كنا معهم على الشرك والأوثان ولا يطمعون منا بثمرة إلا شراءً وبيعاً فحين أكرمنا الله بالإسلام وأعزّنا بك نعطيهم أموالنا‏!‏ واللّه لا نعطيهم إلا السيف‏.‏ فطاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وتمادى الأمر وظهر فوارس من قريش إلى الخندق فيهم عكرمة بن أبي جهل وعمرو بن عبد ودّ من بني عمرو بن لؤيّ وضرار بن الخطاب من بني محارب‏.‏ فلما رأوا الخندق قالوا‏:‏ هذه مكيدة ما كانت العرب تعرفها‏.‏ ثم اقتحموا من مكان ضيق حتى جالت خيلهم بين الخندق وسلع ودعوا إلى البراز‏.‏ وقتل علي بن أبي طالب عمرو بن عبد ود ورجعوا إلى قومهم من حيث دخلوا‏.‏ ورمي في بعض تلك الأيام سعد بن معاذ بسهم‏:‏ فقطع عنه الأكحل يقال رماه حُبان بن قيس بن العرقة وقيل أبو أسامة الجشمي حليف بني مخزوم‏.‏ ويروى أنه لما أصيب جعل يدعو‏:‏ اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئأ فابقني لها فلا قوم أحب إلي أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك وأخرجوه‏.‏ وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها شهادة لي ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة‏.‏ ثم اشتدت الحال وأتى نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثَعْلَبَةَ بن قُنْفُذ بن هِلال بن خلاوَةَ بن أشجع بن رَيْتِ بن غطفان فقال‏:‏ يا رسول اللّه‏!‏ إِني أسلمت ولم يعلم قومي فمرني بما تشاء‏.‏ فقال‏:‏ إنما أنت رجل واحد فَتَنْخَدِلْ عنا إِن استطعت فإن الحرب خدعة‏.‏ فخرج نعيم فأتى بني قريظة وكان صديقهم في الجاهلية فنقم لهم في قريش وغطفان وإنهم إِن لم يكن الظفر لحقوا ببلادهم وتركوكم ولا تقدرون على التحول عن بلدكم ولا طاقة لكم بمحمد وأصحابه فاستوثقوا منهم برهن أبنائهم حتى يصابروا معكم‏.‏ ثم أتى أبا سفيان وقريشاً فقال لهم‏:‏ إن اليهود قد ندموا وراسلوا محمداً في المواعدة على أن يسترهنوا أبناءكم ويدفعوهم إِليه‏.‏ ثم أتى غطفان وقال لهم مثلما قال لقريش‏.‏ فأرسل أبو سفيان وغطفان إلى بني قُرَيْظَةَ في ليلة سبت إِنا لسنا بدار مقاه فأعدوا للقتال‏.‏ فاعتذر اليهود بالسبت وقالوا‏:‏ مع ذلك لا نقاتل حتى تعطونا رهناً فصدق القوم خبر نعيم ورعوا إليهم بالإباية من الرهن والحث على الخروج فصدق أيضاً بنو قريظة خبر نعيم وأبوا من القتال‏.‏ وأرسل الله على قريش وغطفان ريحاً عظيمة أكفأت قدورهم وآنيتهم وقلعت أبنيتهم وخيامهم‏.‏ وبعث عليه السلام حُذَيْفَةَ بن اليَمان عيناً فأتاه بخبر رحيلهم وأصبح وقد ذهب الأحزاب ورجع إلى المدينة‏.‏ غزوة بني قريظة ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أتاه جبريل بالنهوض إلى بني قريظة وذلك بعد صلاة الظهر من ذلك اليوم فأمر المسلمين أن لا يصلي أحد العصر إلا في بني قريظة‏.‏ وخرج وأعطى الراية علي بن أبي طالب‏.‏ واستخلف ابن أم مكتوم وحاصرهم صلى الله عليه وسلم خمساً وعشرين ليلة‏.‏ وعرض عليهم سيدهم كعب بن أسد إِحدى ثلاث‏:‏ إِما الإسلام وإما تبييت النبي صلى الله عليه وسلم ليلة السبت ليكون الناس آمنين منهم وإِما قتل الذراري والنساء ثم الإستمانة‏.‏ فأبوا كل ذلك وأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليهم أبا لُبابَةَ بن عبد المنذر بن عمرو بن عوف بما كانوا حلفاء الأوس فأرسله واجتمع إليه الرجال والنساء والصبيان فقالوا‏:‏ يا أبا لبابة ترى لنا أن ننزل على حكم محمد قال نعم‏!‏ وأشار بيده في حلقه إنه الذبح‏.‏ ثم رجع فندم وعلم أنه أذنب فانطلق على وجهه ولم يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وربط نفسه إلى عمود في المسجد ينتظر توبة الله عليه عاهد الله أن لا يدخل أرض بني قريظة مكاناً خان فيه ربه ونبيه‏.‏ وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ لو أتاني لاستغفرن له فأما بعد ما فعل فما أنا بالذي أطلقه حتى يتوب الله عليه فنزلت توبته‏.‏ فتولى عليه السلام إطلاقه بيده بعد أن قام مرتبطاً بالجذع ست ليال لا يحل إلا للصلاة‏.‏ ثم نزل بنو قريظة على حكم النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم بعضهم ليلة نزولهم وهم نفر أربعة من هُذَيْل إخوة قريظة والنضَيْر‏.‏ وفرَّ منهم عمرو بن سعد القُرَظِي ولم يكن دخل معهم في نقض العهد فلم يعلم أين وقع‏.‏ ولما نزل بنو قريظة على حكمه صلى الله عليه وسلم طلب الأوس أن يفعل فيهم فعل بالخزرج في بني النضير‏.‏ فقال لهم‏:‏ ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا بلى‏!‏ قال فذلك إلى سعد بن معاذ وكان جريحاً منذ يوم الخندق‏.‏ وقد أنزله رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيمة في المسجد ليعوده من قريب فأتى به على حمار فلما أقبل على المجلس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم‏:‏ قوموا إلى سيدكم‏!‏ ثم قالوا‏:‏ يا سعد‏!‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولاَك حكم مواليك‏.‏ فقال سعد‏:‏ عليكم بذلك عهد الله وميثاقه‏.‏ قالوا نعم‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ قال‏:‏ فإني أحكم فيهم أن يقتل الرجال وتسبى الذراري والنساء وتقسم الأموال‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة‏.‏ ثم أنه أمر بهم فأخرجوا إلى سوق المدينة وخندق لهم بها خنادق وضربت أعناقهم فيها وهم بين الستمائة والسبعمائة رجل‏.‏ وقتلت فيهم امرأة واحدة بنانة امرأة الحَكَم القُرَظِيّ وكانت طرحت على خِلال بن سُويد بن الصامِت رحى من فوق الحائط فقتله‏.‏ وأمر عليه السلام بقتل من أثبت منهم‏.‏ ووهب لثابت بن قيس بن الشماس ولد الزبير بن ياطا فاستحيا منهم عبد الرحمن بن الزبير كانت له صحبة‏.‏ وبعد أن كان ثابت استوهب من النبي صلى الله عليه وسلم الزبير وأهله وماله فوهبه ذلك فمر الزبير عليه يده وأبى إِلاَّ القتل مع قومه اغتباطاً بهم قبحه الله‏.‏ ووهب عليه السلام لأمّ المنذر بنت قيس من بني النجار رِفَاعَةَ بن سَمَوأل القُرَظِيّ فأسلم رفاعة وله صحبة‏.‏ وقسم صلى الله عليه وسلم أموال بني قريظة فأسهم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهماً‏.‏ وكانت خيل المسلمين يومئذ ستة وثلاثين فارساً‏.‏ ووقع في سهم النبي صلى الله عليه وسلم من سُبِيِّهِم ريحانة بنت عمرو بن خِناقَةَ من بني عمرو بن قُرَيْظَةَ فلم تزل في ملكه حتى مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فتح بني قريظة آخر ذي القعدة من السنة الرابعة‏.‏ ولما تم أمرهم أجيبت دعوة سعد بن معاذ فانفجر عرقه ومات فكان مِمَّن استشهد يوم الخندق في سبعة آخرين من الأنصار وأصيبت من المشركين يوم الخندق أربعة من قريش فيهم عمرو بن عبد ود وابنه حَسْل ونوفل بن عبد اللهّ بن مًرَيْرَة‏.‏ ولم تغز كفار قريش المسلمين منذ يوم الخندق‏.‏ ثم خرج رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم في جمادى الأولى من السنة الخامسة لستة أشهر من فتح بني قريظة فقصد بني لَحْيَان يطالب بثأر عاصم بن ثابت وخُبَيْب بن عَديّ وأهل الرجيع وذلك إِثر رجوعه من دومة الجندل فسلك على طريق الشام أولأ ثم أخذ ذات اليسار إلى صخيرات اليمام ثم رجع إلى طريق مكة وأجد السير حتى نزل منازل لبْنى بين أمج وعسفان فوجدهم قد حفروا وامتنعوا بالجبال‏.‏ وفاتتهم الغِرة فيهم فخرج في مائتي راكب إلى المدينة‏.‏

ميارى 6 - 8 - 2010 04:54 PM

غزوة الغابة وذي قرد
وبعد قفوله والمسلمين إلى المدينة بليال أغار عُيَيْنَةُ بن حِصن الفَزَارِي في بني عبد الله بن غَطَفَان فاستلحموا لِقاح النبي صلى الله عليه وسلم بالغابة وكان فيها رجل من بني غِفار وامرأته فقتلوا الرجل وحملوا المرأة ونزل بخن سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسْلَمِي وكان ناهضاً فعلاً ثنية الوداع وصاح بأعلى صوته نذيراً بهم‏.‏ ثم أتبعهم واستنقذ ما كان بأيديهم ولما وقعت الصيحة بالمدينة ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثرهم ولحق به المقداد بن الأسود وعباد بن بشر وسعد بن زيد من بني عبد الأشهل وعُكاشة بن محصن ومُحْرِز بن نَضْلَة الأسدِي وأبو قتادة من بني سلمة في جماعة من المهاجرين والأنصار‏.‏ وأمَر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد وانطلقوا في اتباعهمِ حتى أدركوهم فكانت بينهم جولة قتل فيها محرز بن نضلة قتله عبد الرحمن بن عُيَيْنة وكان أول من لحق بهم‏.‏ ثم ولى المشركون منهزمين وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يقال له ذو قَرَد فأقام عليه ليلة ويومين ونحر ناقة من لقاحه المسترجعة ثم قفل إلى المدينة‏.‏ غزوة بني المصطلق وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شعبان من هذه السنة السادسة ثم غزا بني المُصْطَلِق من خزاعة لما بلغه أنهم يجتمعون له وقائدهم الحرث بن أبي ضرار أبو جُويرِيَة أم المؤمنين فخرج إليهم واستخلف أبا ذر الغِفَاري وقيل نُمَيْلَة بن عبد الله اللَّيْثي ولقيهم بالمُرَيْسع من مياههم ما بين قديد والساحل فتزاحفوا وهزمهم اللهّ وقتل من قتل منهم وسُبِيَ النساءُ والذُريةُ وكانت منهم جُوَيْرِيَةُ بنت الحرث سيدهم ووقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبها وأدى عليه السلام عنها وأعتقها وتزوجها‏.‏ وأصيب في هذه الغزاة هشام بن صَبابَة الليْثييّ من بني لَيْثِ بن بكر قتله رجل من رهط عبادة بن الصامِت غلطاً يظنه من العدو‏.‏ وفي مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الغزاة وفيها قال عبد الله بن أُبي بن سلول‏:‏ لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ‏.‏ لمشاجرة وقعت بين جهجاه بن مسعود الغِفَاريّ أجير عُمَرَ بن الخطاب وبين سنان بن واقد الجُهَنَي حليف بني عوف بن الخزرج فتثاوروا وتباهوا فقال ما قال وسمع زيد بن أرقم مقالته وبلغها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ ونزلت سورة المنافقين وتبرأ منه إبنه عبد الله وقال‏:‏ يا رسول اللّه أنت واللّه الأعز وهو الأذل وإن شئت واللّه أخرجته‏.‏ ثم اعترض أباه عند المدينة وقال‏:‏ والله لا تدخل حتى يأذن لك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأذن له وحينئذ دخل وقال‏:‏ يا رسول اللّه بلغني أنك تريد قتل أبي وإني أخشى أن تأمر غيري فلا تدعني نفسي أن أقاتله وإن قتلته وقتلت مؤمناً بكافر ولكن مرني بذلك فأنا والله أحمل إليك رأسه‏.‏ فجزاه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً وأخبره أنه لا يصل إلى أبيه سوء‏.‏ وفيها قال أهل الإفك ما قالوا في شأن عائشة مما لا حاجة بنا إلى ذكره وهو معروف في كتب السير‏.‏ وقد أنزل اللّه القرآن الحكيم ببراءتهما وتشريفهما وقد وقع في الصحيح أن مراجعته وقعت في ذلك بين سعد بن عَبادة وسعد بن مَعاذ وهو وهم ينبغي التنبيه عليه لأن سعد بن معاذ مات بعد فتح بني قُرَيْظَةَ بلا شك داخل السنة الرابعة وغزوة بني المصطلق في شعبان من السنة السادسة بعد عشرين شهراً من موت سعد‏.‏ والملاحاة بين الرجلين كانت بعد غزوة بني المُصْطَلِق بأزيد من خمسين ليلة‏.‏ والذي ذكر ابن اسحق عن الزُّهْريّ عن عبيد الله بن عبد الله وغيره‏:‏ إن المقاول لسعد بن عَبادة إنما هو أُسَيْدُ بن الحُصَيْن ولما علم المسلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج جُوَيْرِيَةَ اعتقوا كل من كان في أيديهم من بني المُصْطَلِقِ أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلق بسببها مائة من أهل بيتها‏.‏ ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى بني المصطلق بعد إسلامهم بعامين الوليد بن عُقْبَةَ بن أبي مَعِيط لقبض صدقاتهم فخرِجوا يتلقونه فخافهم على نفسه ورجع وأخبر أنهم هموا بقتله‏.‏ فتشاور المسلمون في غزوهم ثم جاء وفدهم منكرين ما كان من رجوع الوليد قبل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك منهم ونزل قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق ‏"‏ الآية‏.‏ عمرة الحديبية ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في السادسة من ذي القعدة منها معتمراً بعد بني المصطلق بشهرين واستنفر الأعراب حوالي المدينَة فأبطأ أكثرهم فخرج بمن معه من المهاجرين والأنصار ومن اتبعه من العرب فيما بين الثلاثمائة بعد الألف إلى الخمسمائة وساق الهدي وأحرم من المدينة ليعلم الناس أنه لا يريد حرباً‏.‏ وبلغ ذلك قريشاً فأجمعوا على صده عن البيت وقتاله دونه وقدموا خالد بن الوليد في خيل إلى كراع الغَميم‏.‏ وورد خبرهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم بِعَسفَانَ فسلك على ثَنيةِ المرار حتى نزل الحُدَيْبِيةَ مِن أسفل مكة‏.‏ وجاء من ورائهم فكرّ خالد في خيله إلى مكة فلما جاء صلى الله عليه وسلم إلى مكة بركت ناقته‏.‏ فقال الناس خلأت فقال‏:‏ ما خلأت وما هو لها بِخُلق ولكن حبسها حابس الغيل ثم قال‏:‏ والذي نفسي بيده لا تدعوني قريش اليوم إلى خِطةٍ يسألوني فيها صلَةَ الرَحِم إلا أعطيتهم إياها‏.‏ ثم نزل واشتكى الناس فقد الماء فأعطاهم سهماً من كِنَانَتِهِ غرزوه في بعض القلوب من الوادي فجاش الماء حتى كفى جميع الجيش‏.‏ يقال نزل به البَراءُ بن عازِب ثم جرت السفراء بين رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش وبعث عُثمان بن عَفَّان بينهما رسولاً‏.‏ وشاع الخبر أنَّ المشركين قتلوه فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين وجلس تحت شجرة فبايعوه على الموت وأن لا يفروا وهي بيعة الرضوان‏.‏ وضرب عليه السلام بيسراه على يمينه وقال‏:‏ هذه عن عثمان‏.‏ ثم كان سهيل بن عمرو آخر من جاء من قريش فقاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً على أن ينصرف عامه ذلك ويأتي من قابل معتمراً ويدخل مكة وأصحابه بلا سلاح حاشا السيوف في القُرَب فيقيم بها ثلاثاً ولا يزيد وعلى أن يتصل الصلح عشرة أعوام يتداخل فيه الناس ويؤمن بعضهم بعضاً‏.‏ وعلى أن من هاجر من الكفار إلى المسلمين من رجل أو امرأه يرد إلى قومه ومن ارتد من المسلمين إليهم لم يردوه‏.‏ وعظم ذلك على المسلمين حتى تكلم فيه بعضهم وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم علم أن هذا الصلح سبب لأمن الناس وظهور الإسلام وأن الله يجعل فيه مَزَجاً للمسلمين وهو أعلم بما علَمه ربه‏.‏ وكتب الصحيفة علي وكتب في صدرها‏:‏ هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فأبى سهيل من ذلك وقال‏:‏ لو نعلم أنك رسول اللّه ما قاتلناك‏.‏ فأمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم علياً أن يمحوها فأبى وتناول هو الصحيفة بيده ومحا ذلك وكتب محمد بن عبد اللّه‏.‏ ولا يقع في ذهنك من أمر هذه الكتابة ريب فإنها قد ثبتت في الصحيح وما يعترض في الوهم من أن كتابته قادحة في المعجزة فهو باطل‏.‏ لأن هذه الكتابة إذا وقعت من غير معرفة بأوضاع الحروف ولا قوانين الخط وأشكالها بقيت الأمية على ما كانت عليه وكانت هذه الكتابة الخاصة من إحدى المعجزات انتهى‏.‏ ثم أتى أبو جندل بن سهيل يوسف في قيوده وكان قد اسلم فقال سهيل‏:‏ هذا أول ما نقاضي عليه‏.‏ فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيه وعظم ذلك على المسلمين‏.‏ وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أبا جندل أن الله سيجعل له فرجَاَ‏.‏ وبينما هم يكتبون الكتاب إذ جاءت سرية من جهة قريش قيل ما بين الثلاثين والأربعين يريدون الإيقاع بالمسلمين فأخذتهم خيول المسلمين وجاءوا بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقهم وإليهم ينسب العتيقيون ولما تم الصلح وكتابه أمر رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم أن ينحروا ويحلقوا فتوقفوا فغضب حتى شكى إلى زوجته أم سلمة فقالت‏:‏ يا رسول الله أخرج وانحر واحلق فإنهم متابعوك فخرج ونحر وحلق رأسه حينئذ خراش بن أُمًيّةَ الخُزاعي ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وما فتح من قبله فتح كان أعظم من هذا الفتح‏.‏ قال الزهري‏:‏ لما كان القتال حيث لا يلتقي الناس فلما كانت الهدنة ووضعت الحرب أوزارها وأمن الناس بعضهم بعضاً فالتقوا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة فلم يكلم أحد بالإسلام أحداً يفعل شيئاً إلا دخل فيه‏.‏ فلقد دخل في ذينك السنتين في الإسلام مثلما كان قبل ذلك أو أكثر‏.‏ ولما رجع صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لحقه أبو بصير عُتْبَة بن أُسَيْد بن حارثةَ هاربأ وكان قد أسلم وحبسه قومه بمكة وهو ثقفي من حلفاء بني زُهْرَةَ‏.‏ فبعث إليه الأزهِرُ بن عبد عَوْف عم عبد الرحمن بن عوف والأخنس بن شريف سيد بني زُهْرَةَ رجلاً من بني عامر بن لُؤي مع مولىً لهم‏.‏ فأسلمه النبي صلى الله عليه وسلم فاحتملاه‏.‏ فلما نزلوا بذي الحليفة أخذ أبو بصير السيف من أحد الرجلين ثم ضرب به العَامِرَيّ فقتله وفَرّ الآخرون‏.‏ وأتى أبو بصير إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله‏!‏ قد وفت ذمتك وأطلقني الله‏.‏ فقال عليه السلام‏:‏ وَيْلُمِّهِ‏.‏ مسعر حرب لو كان له رجال فبكى‏.‏ ففطن أبو بصير من لحن هذا القول أنه سيرده‏.‏ وخرج إلى سيف البحر عليه طريق قريش إلى الشام وانضاف إليه جمهور من يفرّ عن قريش ممَّن أراد الإسلام‏.‏ فآذوا قريشاً وقطعوا على رفاقهم وسابِلَتِهِم‏.‏ فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يضمهم بالمدينة‏.‏ ثم هاجرت أم كلثوم بنت عُقْبَةَ بن أبي مَعِيط‏.‏ وجاء فيها أخواها عَمَارَةَ والوليد فمنع الله من ردِّ النساء وفسخ ذلك الشرط المكتتب‏.‏ ثم نسخت براءةَ ذلك كلِّه وحرَّم الله حينئذ على المسلمين إمساك الكوافر في عصمتهم فانفسخ نكاحهن‏.‏ ارسال الرسل إلى الملوك قال ابن اسحاق‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين الحُدَيْبيًةِ ووفاته رجالاً من أصحابه إلى ملوك العرب والعجم دعاة إلى الله عز وجلّ‏.‏ فبعث سَلِيطَ بن عمرو بن عبد شمس بن عَبْدِ وِدّ أخا بني عامر بن لُؤَي إلى هَوْذَةَ بن عليٍّ صاحب اليمامة‏.‏ وبعث العلاء ابن الحَضْرَمِيّ إلى المنذر بن ساوى أخي بني عبد القَيْس صاحب البحرين وعمرو بن العاص إلى جيفر بن جَلَنْدَى بن عامر بن جلندى صاحب عُمان‏.‏ وبعث حاطِبَ بن أبي بَلْتَعَةَ إلى المُقَوْقَس صاحب الإسكندرية فأدىّ إليه كتاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأهدى المُقَوقس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع جوارٍ منهن مارِيَةُ أم إبراهيم ابنه‏.‏ وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم دِحْيَةَ بن خليفة الكَلْبيّ إلى قيصر وهو هِرَقْل ملك الروم فوصل إلى بُصْرى وبعثه صاحب بُصرى إلى هرقل‏.‏ وكان يرى في ملاحمهم أن ملك الختان قد ظهر وقرأ بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏ من محمد رسول اللهّ إلى هِرَقْل عظيم الروم‏!‏ السلام على من اتَّبَعَ الهُدى‏.‏ أما بعد اسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ اللهُ أجْرَكَ مَرَّتَيْن فإن تَوَلَيْتَ فإن عليك إثم الارِيسِييِّن‏.‏ وفي رواية‏:‏ إثم الأكَارين عليك تعيا بحمله‏.‏ فطلب من في مملكته من قوم النبي صلى الله عليه وسلم فأحضروا له من غزة وكان فيهم أبو سفيان فسأله كما وقع في الصحيح فأجابه وعلم أحواله وتفرس صحة أمره وعرض على الروم أتباعه فأبوا ونفروا فلاطفهم بالقول وأقصر‏.‏ ويروى عن ابن اسحق أنه عرض عليهم الجزية فأبوا فعرض عليهم أن يصالحوا بأرض سورية‏.‏ قالوا‏:‏ وهي أرض فِلَسْطين والأردن ودِمَشْقَ وحِمْصَ وما دون الدرب‏.‏ وما كان وراء الدرب فهو الشام‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ فأبوا قال ابن إسحاق‏:‏ وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب الأسَدِي أخا بني أسد بن خُزَيْمَةَ إلى المنذر بن الحرث بن شَمرِ الغَساني صاحب دمشق وكتب معه‏:‏ السلام على من اتَبَعَ الهدَى وآمن به أدعوك إلى أن تؤمن باللّه وحده لا شريك له يبقى لك ملكك‏.‏ فلما قرأ الكتاب قال‏:‏ من ينزع ملكي أنا سائر إليه‏!‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ باد ملكه‏.‏ قال‏:‏ وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أُميةَ الضمري إلى النجاشي في شأن بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى النجاشِيّ الأصْحَم الحبشة سلام عليك‏!‏ فإني أحمد إليك الله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم الطيبة البتول الحصينة فحملت بعيسى فخلقه من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده ونفخه وإِني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته تتبعني وتؤمن بالذي جاءني فإني رسول الله وقد بعثت إليك ابن عمي جعفراً ومعه نفر من المسلمين فإذا جاءوك فاقرهم ودع التَجَرّي وإني أدعوك وجنودك إلى اللّه فلقد بلَّغت ونصحت فاقبلوا نُصْحي والسلام على من اتبع الهدى‏.‏ فكتب إِليه النجاشي‏:‏ إلى محمد رسول اللّه من النجاشي الأصحم بن الحُرّ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ سلام عليك يا رسول اللّه ورحمة الله وبركاته‏.‏ أحمد اللّه الذي لا إِله إِلا هو الذي هدانا للإسلام أما بعد فقد بلغني كتابك يا رسول اللّه‏.‏ فيما ذكرت من أمر عيسى فوربّ السماء والأرض إن عيسى ما يزيد بالرأي على ما ذكرت أنه كما قلت وقد عرفنا ما بعثت به إِلينا وقد قربنا ابن عمك وأصحابه فأشهد إنك رسول اللّه صادقاً مصدقاً فقد بايعتك وبايعت ابن عمك واسلمت للّه ربّ العالمين‏.‏ وقد بعثت إليك بابني أرخا الأصحم فإني لا أملك إِلا نفسي‏.‏ وإِن شئت أن آتيك فعلت يا رسول اللّه فإني أشهد أن الذي تقول حق والسلام عليك فذكر أنه بعث ابنه في ستين من الحبشة في سفينة فغرقت بهم وقد جاء أنه أرسل إلى النجاشي ليزوّجه أم حُبَيْبَة وبعث إليه بالخطبة جاريته فأعطته أوضاحاً وفتحاً ووكلت خالد بن سعيد بن العاص فزوّجها ودفع النجاشي إلى خالد بن سعيد أربعمائة دينار لصداقها وجاءت إليها بها الجارية فأعطتها منها خمسين مثقالاً فردّت الجارية ذلك بأمر النجاشي‏.‏ وكانت الجارية صاحبة دُهْنِهِ وثيابه‏.‏ وبعث إليها نساء النجاشي بما عندهن من عودٍ وعَنبَر وأركبها في سفينتين مع بقية المهاجرين فلقوا النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر وبلع أبا سفيان تزويج أم حبيبة منه فقال‏:‏ ذلك الفحل الذي لا يقدع أنفه‏.‏ وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه السنة إلى كسرى وبعث بالكتاب عبد اللّه بن حُذَافَةَ السهمي وفيه‏:‏ بسم اللّه الرحمن الرحيم‏.‏ من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس‏!‏ سلام على من اتَّبَعَ الهُدى وآمن بالله ورسلِه‏.‏ أما بعد فإني رسول الله إلى الناس كافة لينذر من كان حياً‏.‏ أسلِم تسلم فإن أبيت فعليك إِثم المجوس‏.‏ فمزق كسرى كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مزَّق اللّه ملكه‏.‏ وفي رواية ابن اسحق بعد قوله وآمن باللّه ورسله وأشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له وأن محمدأ عبده ورسوله وأدعوك بدعاء اللّه فإني أنا رسول اللّه إلى الناس كافة لأنْذِر من كان حياً ويحق القول على الكافرين‏.‏ - فإن أبيت فإثم الأريسيين عليك قال‏:‏ ثم كتب كسرى إلى باذان وهو عامله على اليمن أن أبعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين من عندك جَلِدَيْن فليأتَياني به‏.‏ فبعث باذان قهرمانه بانَوَيْهِ وكان حاسباً كاتباً بكتاب فارس ومعه خرخسرة من الفرس وكتب إليه معهما أن ينصرف إلى كسرى وقال لقهرمانه إختبر الرجل وعرفني بأمره وأول ما قدما الطائف وسألا عنه فقيل هو بالمدينة‏.‏ وفرح من سمع بذلك من قريشٍ وكانوا بالطائف فقالوا‏:‏ قطب له كسرى وقد كُفِيتُمُوه وقَدِما علم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالمدينة فكلَّمه بانَوَيْه وقال‏:‏ إِنَّ شاهِنْشَاه قد كتب إلى الملك باذان أن يبعث إَليه من يأتيه بك وبعثني لتنطلق معي ويكتب معه إليك فينفعك وإِن أبيت فهو من علمت ويهلك قومك ويخرب بلادك‏.‏ وكانا قد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما فنهاهما رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقالا‏:‏ أمرنا به ربنا يعنون به كِسْرَى فقال لهما‏:‏ لكنّ ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقصّ شاربي لم أؤخرهما إلى غد‏.‏ وجاءه الوحي بأن اللّه يسلِّط على كسرى ابنه شيرويه فيقتله ليلة كذا من شهر كذا لعشر مضين من جمادى الأولى سنة سبع فدعاهما وأخبرهما فقالا‏:‏ هل تدري ما تقول يحزنانه عاقبة هذا القول فقال‏:‏ اذهبا وأخبراه بذلك عني وقولا له‏:‏ إِن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ ملك كسرى وإِنِ اسلمت أعطيتك ما تحت يدك وملكتك على قومك كل الأبناء وأعطى خرخسرة قطعةَ فيها ذهب وفضة كان بعض الملوك أهداها له‏.‏ فقد على باذان وأخبراه فقال‏:‏ ما هذا كلام ملك ما أرى الرجل إِلا نبياً كما يقول ونحن ننتظر مقالته فلم ينشب باذان أن قدم عليه كتاب شيرويه‏:‏ أما بعد فإني قد قتلت كسرى ولم أقتله إِلا غضباً لفارس لما كان استحل من قتل أشرافهم وتسخيرهم في ثغورهم‏.‏ فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممن قِبَلَكَ وأنظر الرجل الذي كان كسرى كتب فيه كثيراً إِليك فلا تهجه حتى يأتيك أمري فيه فلما بلغ باذان الكتاب وأسلمت الأبناء تسعة من فارس ممَّن كان منهم باليمن‏.‏ وكانت حِمْيَر ُتسمي خَرْخَسْرَةَ ذا المفخرة للمنطقة التي أعطاه إِياها النبي صلى الله عليه وسلم والمنطقة بلسانهم المفخرة وقد كان بانويه قال لباذان ما كلمت رجلاً قط أهيب عندي منه فقال‏:‏ هل معك شرط قال لا‏!‏ قال الواقدي‏:‏ وكتب إلى المقوقس عظيم القبط يدعوه إلى الإسلام فلم يسلم‏.‏ غزوة خيبر ثم خرج رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم من المدينة غازياً إلى خيبر في بقية المحًرّم آخر السنة السادسة وهو في ألف وأربعمائة راجل ومائتي فارس‏.‏ واستخلف نميلة بن عبد اللّه الليْثي وأعطى الراية لعلي بن أبي طالب وسلك عن الصَهْبَاء حتى نزل بواديها إلى الرجيع فحيل بينهم وبين عَطَفَان‏.‏ وقد كانوا أرادوا إمداد يهود خيبر فلما خرجوا لذلك قذف اللهّ في قلوبهم الرُّعْب لِحِسٍّ سمعوه من ورائهم فانصرفوا وأقاموا في أماكنهم‏.‏ وجعل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يفتح حصون خيبر حِصْناً حِصْناً فافتتح أولاً منها حصن ناعم وألقيت على محمود بن سلمة من أعلاه رحىً فقتله‏.‏ ثم افتتح القَمُوصُ حِصن ابن أبي الحُقَيْقِ وأصيبت منهم سبايا‏:‏ كانت منهن صَفِيَّةُ بنت حييَّ بن أخْطَبَ وكانت عروساً عند كنانة بن الربيع بن أبي الحُقَيْقِ فوهبها عليه السلام لِدِحْيَة الكلبِي ثم ابتاعها منه بسبعة أرؤس ووضعها عند أم سلمة حتى اعتدّت وأسلمت ثم اعتقها وتزوجها‏.‏ ثم فتح حصن الصعب بن معاذ ولم يكن بخيبر أكثر طعاماً وودكاً منه‏.‏ وآخر ما افتتح من حصونهم الوَطيحُ والسلالم حصرهما بضع عشرة ليلة ودفع إلى عليٍّ الراية في حصار بعض حصونه فافتتحه وكان أرمد فتفل في عينيه صلى الله عليه وسلم فبرأ‏.‏ وكان فتح بعض خيبر عنوة وبعضها وهو الأكثر صلحاً على الجلاء‏.‏ فقسمها صلى الله عليه وسلم وأقر اليهود على أن يعملوها بأموالهم وأنفسهم ولهم النصف من كل ما تُخْرِج من زرع أو تمر يقرهم على ذلك ما بدا له‏.‏ فبقوا على ذلك إلى آخر خلافة عُمَرَ فبلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي مات فيه‏:‏ لا يبقى دينان بأرض العرب فأمر بإجلائهم عن خيبر وغيرها من بلاد العرب‏.‏ وأخذ المسلمون ضياعهم من مغانم خيبر فتصرفوا فيها‏.‏ وكان متولي قسمتها بين أصحابها جابِرُ بن صَخْرٍ من بني سلمة وزيد بن سلمة من بني النجار‏.‏ واستشهد من المسلمين جماعة تنيف على العشرين من المهاجرين والأنصار منهم عامر بن الأكوع وغيره‏.‏ وفي الغزاة حرمت لحوم الحُمًرِ الأهلية فأكْفِئَت القدور وهي تفور بلحمها‏.‏ وفيها أهدت اليهود زينب بنت الحرث امرأة سلام بن مُشْكِمَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاة مصْلِيَةً وجعلت السُم في الذراع منها وكان أحب اللحم إليه فتناوله ولاك منه مضغة ثم لفظها وقال‏:‏ إن هذا العظم يخبرني أنه مسموم وأكل معه بشير بن البَرَّاء بن مَعْروُرٍ وازدرد لقمته فمات منها‏.‏ ثم دعا باليهودية فاعترفت ولم يقتلها لإسلامها حينئذ على ما قيل ويقال إنه دفعها إلى أولياء بشر فقتلوها‏.‏ قدوم مهاجرة الحبشة وكان مُهَاجِرَة الحَبَشَةِ قد جاء جماعة منهم إلى مكة قبل الهجرة حين سمعوا بإسلام قريش ثم هاجروا إِلى المدينة وجاء آخرون منهم قبل خيبر بسنتين ثم جاء بقيتهم إِثر فتح خيبر‏.‏ بعث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عمرو بن أُمَيَّةَ الضُّمْرِيِّ إِلى النَّجَاشيِّ في شأنهم ليقدمهم عليه فَقَدِم جعفر بن أبي طالب وامرأته أسماء بنت عمَيْسَ وبنوهما عبد اللهّ ومحمد وعون وخالدُ بن سعيد بن العاص بن أمية وامرأته أمينة بنت خَلَف وابنهما سعيد وأم خالد وعمرو بن سعيد بن العاص ومعَيْقِبً بن أبي فاطمة حليف أبي سعيد بن العاص وولِّي بيت المال لعمر وأبو موسى الأشعري حليف آل عُتْبَةَ بن ربيعة والأسود بن نوفل بن خُوَيْلِدَ ابن أخي خديجة وجهم بن قيس بن شُرْحَبِيلَ بن عبد الدار وابناه عمرو وخزَيْمَةَ والحرث بن خالد بن صخر من بني تميم وعثمان بن ربيعة بن أهبان من بني جمع ومَحْنِيَّة بن جَوْن الزُّبَيدِيّ حليف بني سهم وَليَ لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم الأخماس ومعمر بن عبد الله بن نضْلَهَ من بني عَدِيّ وأبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عامر بن لُؤَيّ وأبي عمرو مالك بن ربيعة بن قيس بن عبد شمس‏.‏ فكان هؤلاء آخر من بقي بأرض الحبشة ولما قدم جعفر على النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح خيبر قبلَ ما بين عينيه والتزمه وقال‏:‏ ما أدري بأيِّهما أنا أسَرّ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر‏.‏ ‏.‏ فتح فدك ووادي القرى ولما اتصل بأهل فدك شأن أهل خيبر بعثوا إِلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يسألونه الأمان على أن يتركوا الأموال فأجابهم إِلى ذلك فكانت خالصة لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم مما لم يوجف عليه بخَيل ولا ركاب فلم يقسمها ووضعها حيث أمره الله‏.‏ ثم انصرف عن خيبر إلى وادي القرى فافتتحهما عَنْوَةً وقسمهما وقتل بها غلامه مدغم قال فيه لما شهد له الناس بالجنة‏:‏ كلالة الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم قبل القسم لتشتعل عليه ناراً ثم رجع إلى المدينة في شهر صفر‏.‏ عمرة القضاء وأقام صلى الله عليه وسلم بعد خيبر إلى انقضاء شوال من السنة السابعة ثم خرج في ذي القعدة لقضاء العُمْرَة التي عاهده عليها قريش يوم الحُدَيْبيَّة وعقد لها الصلح وخرج ملأ قريش عن مكة عداوة لله ولرسوله وكرهاً في لقائه‏.‏ فقضى عمرته وتزوج بعد إِحْلاَلِهِ بَميْمُونة بنت الحرث من بني هِلال بن علي ابن خالة ابن عباس وخالد بن الوليد وأراد أن يبني بها وقد تمت الثلاثة التي عاهده قريش على المقام بها وأوصوا إليه بالخروج واعجلوه على ذلك فبنى بها بَسَرْفٍ‏.‏ غزوة جيش الامراء او غزوة مؤته وأقام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعد منصرفه من عمرة القضاء إلى جمادى الأول من السنة الثانية ثم بعث الأمراء إلى الشام‏.‏ وقد كان أسلم قبل ذلك عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة بن أبي طلحة وهم من كبراء قريش‏.‏ وقد كان عمرو بن العاص مضى عن قريش إلى النجاشيّ يطلبه في المهاجرن الذين عنده ولقي هنالك عمرو بن أُمَيَّة الضمْرِيّ وافد النبي صلى الله عليه وسلم فغضب النجاشي لما كلمه في ذلك فوفقه اللّه ورأى الحق فأسلم وكتم إسلامه‏.‏ ورجع إلى قريش ولقي خالد بن الوليد فأخبره فتفاوضا ثم هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلما‏.‏ وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالداً مع بعث الشام وأمرَ على الجيش مولاه زيد بن حارثَةَ وكانوا نحواً من ثلاثة آلاف‏.‏ وقال إن أصابه قَدَرٌ فالأمير جعفر بن أبي طالب فإن أصابه قدر فالأمير عبد اللّه بن رَواحَة فإن أصيب فليرتض المسلمون برجل من بينهم يجعلوه أميراً عليهم‏.‏ وشَيَّعَهُم صلى الله عليه وسلم وودعهم ونهضوا حتى انتهوا إلى مَعَانٍ من أرض الشام فأتاهم الخبر بأن هِرَقْل ملك الروم قد نزل مؤاب من أرض البَلْقَاء في مائة ألف من الروم ومائة ألف من نصارى العرب البادين هنالك من لَحْمٍ وَجُذَامٍ وقبائل قُضَاعَةَ من بَهْرا وبَلِيّ والقَيْس وعليهم مالك بن زَاحِلَةَ من بني اراشَةَ فأقام المسلمون في معان ليلتين يتشاورون في الكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتظار أمره ومدده‏.‏ ثم قال لهم عبد الله بن رَوَاحَةَ‏:‏ انتم إنما خرجتم تطلبون الشهادة وما نقاتل الناس بعدد ولا قوه إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا فهي إحدى الحُسْنَيَيْنِ إما ظهوره وإما شهادتنا فوافقوه ونهضوا إلى تخوم البلقاء فلقوا جموع هرقل عند قرب مؤتة ورتبوا المَيْمَنَةَ والميسرة واقتتلوا فقتل زيد بن حارثة ملاقياً بصدره الرماح والراية في يده‏.‏ فأخذها جعفر بن أبي طالب وعقر فرسه ثم قاتل حتى قطعت يمينه فأخذها بيسار فقطعت فقتل كذلك وكان ابن ثلاث وثلاثين سنة‏.‏ فأخذها عبد الله بن رواحة وتردد عن النزول بعض الشيء ثم صمم إلى العدو فقاتل حتى قتل‏.‏ فأخذ الراية ثابت بن أقرن من بني العجلان وناولها لخالد بن الوليد فانحاز بالمسلمين وأنذر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل هؤلاء الأمراء قبل ورود الخبر وفي يوم قتلهم‏.‏ واستشهد مع الأمراء جماعة من المسلمين يزيدون على العشرة أكرمهم الله بالشهادة‏.‏ ورجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأحزنه موت جعفر ولقيهم خارج المدينة وحمل عبد الله بن جعفر بين يديه على دابته وهو صبي وبكى عليه واستغفر له وقال‏:‏ أبدله الله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة فسمي ذا الجناحين‏.‏


الساعة الآن 05:17 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى