![]() |
وعــد الله
ورد عن عبد الواحد بن زيد، رضي الله عنه، أنه قال: خرجنا إلى الجهاد، فقرأ رجل "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم، بأن لهم الجنة، يقاتلون في سبيل الله، فيـَقتلون ويـُقتلون، وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن، ومن أوفى بعهده من الله، فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم" فقام غلام وقال: قد بعت نفسي ومالي لله بأن لي الجنة، فلما وصلنا إلى بلاد الروم، وإذا به يقول، واشوقاه إلى العيناء المرضية، فقلنا: لعله أصيب في عقله، ثم سألته عن العيناء فقال: كنت نائماً، فقيل لي، اذهب إلى العيناء، فرأيت روضة خضراء، فيها نهر من ماء غير آسن، عليه حور كالأقمار، فقلن لي، أهلاً وسهلاً بزوج العيناء، فقلت: أفيكن العيناء؟ فقلن: لا، نحن خدمها، امض أمامك، فرأيت نهراً من لبن لم يتغير طعمه عليه حور كالكواكب، فقلن لي: أهلاً وسهلاً بزوج العيناء فقلت: أهي فيكن؟ فقلن: لا، نحن خدمها، امض أمامك، فرأيت خيمة بيضاء، على بابها جارية، ما رأيت أحسن منها، فضحكت وقالت: أيتها العيناء، قد جاء زوجك، فدخلتُ الخيمة، فرأيت العيناء على سرير من ذهب، مكلل بالدر والياقوت، فقالت: مرحباً يا ولي الله، أبشر فإنك في هذه الليلة ضيفاً تفطر عندنا، ثم استيقظت. قال عبد الواحد: فقاتل الغلام في ذلك اليوم حتى قتل. |
وعـظ النفــس
كان من بين الذين يحضرون الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم، رجل اشتهر بسرقة المال، والاعتداء على الأنفس والأعراض، وفي ذات يوم سمع الرسول صلوات الله عليه يقول: "من ترك شيئاً في الحرام ناله في الحلال" فصادف ذلك القول من نفسه موضع القلب، واعتزم أمـْراً، فلما أقبل الليل بسمائه القاتمة، تسلل كما تعود، في غفلة من الناس، إلى بيت امرأة مؤمنة، مات عنها زوجها، وتعيش وحدها، وأخذ يجوس خلال غرفات الدار، فرأى في واحدة منها طعاماً مجهزاً، ولما همَّ أن يتناوله، تذكر قول الرسول: "من ترك شيئاً في الحرام ناله في الحلال" فامتنع عنه وهو يشتهيه، ورأى في غرفة أخرى كيساً من الذهب النـُّضار، فلما همّ بأخذه، تذكر قول الرسول كذلك، فتركه، ورأى في مكان آخر امرأة ذات جمال وفتنة، مستغرقة في نوم عميق، فوسوس إليه الشيطان بقربها، ولكنه تذكر قول الرسول أيضاً، فخرج من البيت دون أن يصيب شيئاً. ثم ذهب ليؤدي صلاة الفجر في مسجد الرسول كعادته، وبعد الصلاة، انزوى في أحد أركان المسجد، مفكراً فيما كان منه، وفي تلك اللحظة، أتت المرأة لتقص على النبي قصة هذا السارق، الذي لم يخنها، وهي تعجب من ذلك، فابتسم الرسول صلوات الله عليه، وقال لها: "أوحيدة أنت تعيشين؟" قالت: نعم، لقد مات زوجي، فأشار الرسول إلى الرجل القابع في الركن وقال له: "أمتزوج أنت؟" قال: لا، ماتت زوجتي منذ حين، فقال له: وهذه المرأة مات عنها زوجها، فهل لكما أن تتزاوجا؟ فلم يجيبا حياء، فزوجهما الرسول، وهنا بكى الرجل، وقصَّ على الرسول قصته، وأيدته المرأة فيما قال، وما تنفس الصبح حتى عادا إلى بيتهما زوجين. وتناول الرجل نفس الطعام الذي تركه، وتملك الذهب، وتمتع بالمرأة، ولكن في الحلال. |
وفـــاء قال الأصمعي: دخلت بعض مقابر الأعراب، ومعي صاحب لي. فإذا جارية على قبر، كأنها على تمثال، وعليها من الحـُلـِي والحـُلل ما لم أر مثله، وهي تبكي بعين غزيرة، وصوت شجي، فالتفتُّ إلى صاحبي فقلت: هل رأيت أعجب من هذه؟ قال: لا والله، ولا أحسبني أراه، ثم قلت لها: يا هذه، أراك حزينة، وما عليك زي الحزن، فأنشأت تقول: رهينـــة هـذا القـبر يــا فتيـان كمـا كنـت أستحييه حين يراني مخافـة يـوم أن يسـوء لساني فــإن تسألانـي فيمَ حزنـي فإنني وإنـي لأسـتحييه والتــرب بيننــا أهابك إجلالا وإن كنت في الثرى ثم اندفعت في البكاء وجعلت تقول: بــالا ويكـثر فـي الدنيا مواساتي كـأنني لسـت من أهل المصيبات أن تســرَّ بـه مـن بعض هيآتـي عجيبـة الـزي تبكي بين أمــوات يـا صاحب القبر يا من كان ينعم بي قـد زرت قـبرك في حَلي وفـي حُلـل أردت آتيـك فيمـــا كـنت أعرضــــه فمـن رآنـــي رأى عـبري مولـَّهــة
|
وفـاء أعـرابي حدّث قُتيبة بن مسلم قال: أُتِي الحجاج بن يوسف بقوم كانوا قد خرجوا عليه، فأمر بقتلهم وبقي منهم واحد، فأقيمت الصلاة، فقال لي الحجاج: ليكن عندك الليلة وتأتي به إلينا غداً لأقتله. فخرجتُ والرجل معي، فلما صرنا في الطريق قال الرجل لي: هل لك في خير؟ قلت: وما هو؟ قال: إن عندي ودائع للناس، وإن صاحبك لقاتلي، فهل لك أن تُخْلي سبيلي لأودّع أهلي وأعطي كلَّ ذي حق حقّه، وأوصي بما عليّ ولي، والله تعالى كفيل لي أن أرجع إليك بُكْرَة. فتعجّبتُ من قوله وضحكت، فأعاد عليّ القولَ وقال: يا هذا، الله كفيل أن أعود إليك. وما زال يلحّ إلى أن قلت: اذهب! فلما توارى عني كأنني انتبهت، فقلت: ما صنعتُ بنفسي؟! ثم أتيت أهلي فباتوا بأطول ليلة. فلما أصبحنا إذا برجل يقرع الباب، فخرجت فإذا به. فقلت: رجعتَ؟! قال: جعلتُ الله كفيلاً ولا أرجع! فانطلقت، فلما بصر بي الحجاج قال: أين الأسير؟ قلت: بالباب، أصلح الله الأمير. فأحضرتُه وقصصتُ على الحجاجِ القصة، فجعل يردّد نظره فيه، ثم قال: وهبتُه لك. فانصرفتُ به. فلما خرج من الدار قلت له: اذهب أين شئتَ. فرفع بصره إلى السماء وقال: اللهم لك الحمد. فما شكرني ولا قال لي أحسنتَ ولا أسأت. فلما انصرف قلت في نفسي: مجنونٌ ورب الكعبة! فلما كان في اليوم الثاني جاءني وقال: يا هذا، جزاك الله عني أفضل الجزاء. والله ما ذهب عني أمس ما صنعتَ ولكني كرهتُ أن أشْرِكَ في حمد الله أحدا!
من كتاب "الكشكول" لبهاء الدين العاملي. |
وفـاء أعـرابي
حدّث قُتيبة بن مسلم قال: أُتِي الحجاج بن يوسف بقوم كانوا قد خرجوا عليه، فأمر بقتلهم وبقي منهم واحد، فأقيمت الصلاة، فقال لي الحجاج: ليكن عندك الليلة وتأتي به إلينا غداً لأقتله. فخرجتُ والرجل معي، فلما صرنا في الطريق قال الرجل لي: هل لك في خير؟ قلت: وما هو؟ قال: إن عندي ودائع للناس، وإن صاحبك لقاتلي، فهل لك أن تُخْلي سبيلي لأودّع أهلي وأعطي كلَّ ذي حق حقّه، وأوصي بما عليّ ولي، والله تعالى كفيل لي أن أرجع إليك بُكْرَة. فتعجّبتُ من قوله وضحكت، فأعاد عليّ القولَ وقال: يا هذا، الله كفيل أن أعود إليك. وما زال يلحّ إلى أن قلت: اذهب! فلما توارى عني كأنني انتبهت، فقلت: ما صنعتُ بنفسي؟! ثم أتيت أهلي فباتوا بأطول ليلة. فلما أصبحنا إذا برجل يقرع الباب، فخرجت فإذا به. فقلت: رجعتَ؟! قال: جعلتُ الله كفيلاً ولا أرجع! فانطلقت، فلما بصر بي الحجاج قال: أين الأسير؟ قلت: بالباب، أصلح الله الأمير. فأحضرتُه وقصصتُ على الحجاجِ القصة، فجعل يردّد نظره فيه، ثم قال: وهبتُه لك. فانصرفتُ به. فلما خرج من الدار قلت له: اذهب أين شئتَ. فرفع بصره إلى السماء وقال: اللهم لك الحمد. فما شكرني ولا قال لي أحسنتَ ولا أسأت. فلما انصرف قلت في نفسي: مجنونٌ ورب الكعبة! فلما كان في اليوم الثاني جاءني وقال: يا هذا، جزاك الله عني أفضل الجزاء. والله ما ذهب عني أمس ما صنعتَ ولكني كرهتُ أن أشْرِكَ في حمد الله أحدا! من كتاب "الكشكول" لبهاء الدين العاملي. |
وفـاء زوجــة
عن رجل من بني أسد قال: أضللت إبلاً لي، فخرجت في طلبهن، فهبطت وادياً، وإذا أنا بفتاة، أعشى نورُ وجهها نورَ بصري، فقالت لي: يا فتى، مالي أراك مولـَّها (ساهي القلب ذاهل العقل) فقلت: أضللت إبلاً لي فأنا في طلبها، فقالت: أفأدلك على من هي عنده وإن شاء أعطاكها؟ قلت: نعم، ولك أفضلهن، قالت: الذي أعطاكهن أخذها، وإن شاء ردهن، فسله عن طريق اليقين، لا من طريق الاختيار، فأعجبني ما رأيت من جمالها وحسن كمالها، فقلت: ألك بعل؟ قالت: قد كان، ودُعـِيَ فأجاب، فأعيد إلى ما خـُلق منه، قلت فما بالك في بعل تـُؤمن بوائقه (شروره) ولا تـُذم خلائقه؟ فرفعت رأسها وتنفست وقالت: كنا كغصنيـن فـي أصـل غذاؤهمـا ماء الجداول فـي روضـات جنات فاجتثّ خيرهمـا من جنـب صاحبه دهــر يكِــرُّ بترْحــات وفرْحــات وكان عـاهدنـي إن خـاننـي زمـن ألاَّ يُضـاجـع أنثــى بعـد مثْـواتـي وكـنت عاهدتــه إن خانـه زمـــن ألا أبــوء ببعـــل طـول مَحْيـاتـي فلـم نـزل هكـذا والـوصل شـيمتنـا حـتى تـوفـى قريبـاً مـذ سِـنيـات فاقبض عِنانك عمَّـن ليس يردعـه عـن الوفــاء خِـلاف بالتحيـــات |
ولايـة القضـاء(1)
أكره الخليفة المهدي شريك النخعي على ولاية القضاء، وأقعد معه جماعة من الشُّرط يحفظونه. ثم طاب المنصب للشيخ فقعد من نفسه دون شُروط. فبلغ سفيان الثوري أنه قعد من نفسه فجاء فتراءى له. فلما رأى الثوريّ قام إليه فعظَّمه وأكرمه. ثم قال: يا أبا عبد الله، هل لك من حاجة؟ قال: نعم، مسألة. قال: أوَ ليس عندك من العلم ما يجزئك؟ قال سفيان: أحببت أن أذكرك بها؟ قال: قل. قال: ما تقول في امرأة جاءت فجلست عند باب رجل فاحتملها فَفَجَرَ بها. لمن تحدُّ منهما؟ قال شريك: الرجل دونها لأنها مغصوبة. قال: فإنه لما كان من الغد، جاءت فتزيّنت وتبخّرت وجلست على ذلك الباب، ففتح الرجل فرآها، فاحتملها ففجر بها. لمن تحدُّ؟ قال: أحدّهما جميعا لأنها جاءت من نفسها وقد علمت الخبر بالأمس. فقال سفيان: وأنت، كان عندك حين كان الشُّرط يحفظونك، اليوم أيُّ عذر لك؟ قال شريك: يا أبا عبد الله، أكلّمك! قال: ما كان الله ليراني أكلمك أو تتوب. ووثب فلم يكلمه حتى مات. وكان إذا ذكره قال: أي رجل كان لو لم يفسدوه! من كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلكان. |
ولايـة القضـاء(2)
كان إسماعيل بن إسحاق من علماء أهل الدنيا، ومن سادة الفُضلاء وعقلائهم، وكان مؤاخياً لابن أبي ورد الصوفي. فلما ولي إسماعيلُ القضاء، هجره ابن أبي الورد. ثم إنه اضطر إلى أن دخل عليه في شهادة، فضرب ابن ابي الورد على كتف إسماعيل القاضي وقال: يا إسماعيل، عِلْمٌ أَجْلَسَكَ هذا المجلس، كان الجهلُ خيراً منه! فوضع إسماعيل رداءه على وجهه وبكى. من كتاب "قوت القلوب" لأبي طالب المكيّ. |
ويـل للمكـذِّبين
غضب هارون الرشيد على ثمامة بن أشرس المعتزلي، دفعه إلى سلام الأبرش، وأمره أن يضيّق عليه، وأن يدخله بيتاً ويطين عليه ويترك فيه ثقباً ففعل دون ذلك، وكان يدسّ إليه الطعام فجلس سلام عشيةً وهو يقرأ في المصحف، فقرأ ويل يومئذٍ للمكذَّبين فقال ثمامة: إنما هو (المكذِّبين). وجعل يشرح ويقول : (المكذَّبون) هم الرُّسُل، و(المكذِّبون) هم الكفار فقال سلام: قد قيل لي إنك زنديق ولم أُصدِّق! ثم ضيّق عليه أشدّ الضيق. ثم رضي الرشيد عن ثمامة فجالسه. فقال له يوماً: أخبرني عن أسوأ الناس حالاً. قال ثمامة: عاقل يجري عليه حكم جاهل. فظهر الغضب في وجه الرشيد فقال ثمامة: يا أمير المؤمنين، ما أحسبني وقعتُ بحيث أردت. قال : لا واللّه، فاشرح. فحدّثه بحديث سلام، فضحك الرشيد حتى استلقى. من كتاب "أخبار الحمقى والمغفلين" لابن الجوزي |
يا سـلام سلـِّم، الحائـط بيتكلـم!
في شهر رجب من سنة سبعمائة وواحد وثمانين هجرية، اتفقت حادثة مستغربة: وهي أن رجلاً يـُعرف بابن الفيشي دخل إلى منزله بالقرب من الجامع الأزهر، فسمع صوتـاً من جدار بيته يقول له: اتـَّقِ الله وعاشر زوجتـَك بالمعروف! فظنَّ أن هذا من الجان، فإنه لم ير شيئـاً. وحدّث أصحابه بذلك، فصاروا معه إلى بيته، فسمعوا عما بدا لهم، فأجابهم المتلكم من غير أن يروا شيئـاً. فغلب على ظنهم أن هذا من الجان، وأشاعوه في الناس، فارتجـَّت القاهرة ومصر، وأقبل الناس من كل جهة إلى بيت ابن الفيشي لسماع كلام الحائط، وصاروا يحادثون الحائط ويحادثهم. فكثر بين الناس قولهم: يا سلام سلـِّم، الحائط بيتكلم! وكاد الناس أن يفتتنوا بهذا، وجلبوا إلى ذلك الجدار من المال شيئـاً كثيراً. فركب محتسب القاهرة محمود العجمي إلى بيت ابن الفيشي هذا ليختبر ما يقال، ووَكـَّلَ بابن الفيشي أحدَ أعوانه. ووقف عند الحائط وحدّثه فحادثه. فأمر بهدم الحائط. فلما هـُدم لم ير شيئـاً. فعاد إلى بيته وقد كثر تعجـّبه. وازدادت فتنة الناس بالحائط. وبعث المحتسب من يكشف له الخبر: هل انقطع الكلام بعد تخريب الحائط؟ فوجده الرجلُ يتكلم كما كان قبل خرابه. فتحيـّر من ذلك. وكان هذا المحتسب شهمـاً جريئـاً، قد مارس الأمور، وحلب الدهر أشطـُره. وكان لا يتحرك حركة إلا حـُمد عليها، ولا باشر جهة وَقـْفٍ إلا عـَمـُر خرابـُه، وإذا باشر حسبة القاهرة رخصت الأسعار، فإذا عـُزِل ارتفعت، فتقف العامة وتطلب إعادته ليـُمـْن إقباله. فلما عاد قاصده إليه، وأخبره بأن الكلام مستمرّ، قام من فوره ومعه عدة من أصحابه حتى جلسوا عند الجدار، وأخذوا في قراءة شيء من القرآن. ثم طلب صاحب البيت وقال له: قل لهذا المتكلم، القاضي العجمي يسلم عليك. فقال: يا سيدي، الشيخ القاضي يسلم عليك. فقال الجدار: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته. فقال المحتسب: قل له، إلى متى هذا الفساد؟ فأجابه: إلى أن يريد الله تعالى. فقال: قل له، هذا الذي تفعله فتنة للناس، وما هو جيد. فأجابه: ما بقي بعد هذا الكلام. وسكت، وهم يقولون له: يا سيدي الشيخ! فلم يكلمهم بعدها. وكان في صوته غلظة يوحي بأنه ليس بكلام إنس. فلما أيس الشيخ العجمي من مكالمته، قام عنه وقد اشتدت فتنة الناس بالحائط حتى كادوا يتخذوه معبوداً لهم. وغلوا فيه كعادتهم، وزعموا له ما شاءوا من تـُرَّهاتهم، وحمل إليه الأمراء والأعيان المأكل وغيره، والمحتسب يدبـّر في كشف الحيلة. ثم ركب المحتسب يومـاً إلى دار ابن الفيشي، وقبض عليه وعلى امرأته، وعاد بهما إلى داره. وما زال يستدرجهما حتى اعترفت المرأة بأنها هي التي كانت تتكلم، وأن الذي دعاها إلى ذلك أن زوجها كان يسيء عشرتها، فاحتالت عليه بهذه الحيلة لتوهمه بأن الجان توصيه بها. فتمت حيلتها عليه، وانفعل لها، فأعلمته بما كان منها، فرأى زوجها أن تستمر على ذلك لينالا به جاهـاً ومالاً، فوافـَقـَتـْه. فركب المحتسب إلى الأمير الكبير وأعلمه بقول المرأة، فضرب الأمير الكبير ابن الفيشي بالمقارع، وضرب المرأة بالعصيّ نحوًا من ستمائة ضربة، وأمر بهما فسـُمِّرا على جملين، وشُهـِّرا بالقاهرة. فكان يومـاً شنيعـاً، عظم فيه بكاء الناس على المرأة، وكثـُر دعاؤهم على المحتسب! من كتاب "السلوك لمعرفة دول الملوك" للمقريزي. |
الساعة الآن 01:17 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |