![]() |
طريق الهداية التوبة و الاستغفار 130 شرح آيات سورة الزمر (وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ) المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الاحبه الكرام، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية، مسألة الكذب على الله هي مسألة خطيرة جدا وقلنا أن معنى الكذب على الله ليس معناه أنني أكذب على المولى عز وجل عندما يسألني عن شيء فعلته أو لا يوم القيامة فهذا المعنى مستحيل أن يكون هو المقصود لأن المولى عز وجل يعلم كل شيء قبل أن يسأل، لكن المعنى المقصود هو أن يقول الإنسان أو يفتري على الله كلاماً غير الحقيقة. القرآن فيه كثير من الآيات التي تكلمت عن مسألة الكذب على الله عبر القرون المختلفة في التاريخ الإنساني كله. والتاريخ الإنساني إما مصدقين وصادقين من الصادقين ومعهم، وإما مكذبين. ونحن نسير في الحلقات بتؤده وروية لكي نوضح كل المعاني ونجيب على الأسئلة التي تصل إلينا منكم. عندي آيات كثيرة جدا (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ) وتكلمنا فيها، (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [هود:18] (هَؤُلَاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) [الكهف:15] (قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى) [طه:61] والإتهامات للرسول (صلى الله عليه وسلم) (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ) [المؤمنون:38] (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) [الجن:5] . كل هذا ينصب حول أن الإنسان إما مكذب بكنه الإله الحق، وإما يقول أنه لا يوجد إله ونحن أبناء الطبيعة، وإما يقول بأنه يوجد إله ومعه آلهة أخرى أو وسطاء نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى، في النهاية يفتروا على الله بغير الحق وعندي هنا سؤال فمن الممكن أن يسأل شخص أنه لا يوجد أحد من البشر يعرف حقيقة الإله الحق فهل معنى هذا أن الكل يفتري على الله بغير الحق ؟! د هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد، نحن لا نقول بل ننقل ما قاله الله تبارك وتعالى عن ذاته وقلت لك من قبل أنه لا يستطيع مخلوق لله أن يقول في الله الحق كل الحق حتى لو صادف قوله الحق لا يدري هو أنه صادف الحق، والذي قال هذا الكلام كان رجلاً غير مسلم . فنحن لا نقول على الله ما نعلمه نحن عن الله بل ما يقوله هو سبحانه عن نفسه، الرسول (صلى الله عليه وسلم) وكل الأنبياء والمرسلين يوصلون كلام الله وينقلون رسالة الله، ولذلك لو أن الرسالة من كلام المرسلين لما عبر عنها بالصدق لأن كل كلام البشر يحتمل الخطأ حتى لو كان البشر لا يقصد. ولذلك حرام على الأنبياء والمرسلين أن يتكلموا في التشريع إلا بوحي أو إلهام أي من عند الله تبارك وتعالى. مثلا هل كان موسى عليه السلام كما تبين في الآيات ذاهب بقوة من عند الله ومع ذلك خائف فما بالك لو كانت القوة من عنده ؟! لما ذهب. كيف يواجه السحرة وهو ثابت عنده أن الناس تقول على حبالهم ثعابين ؟! رغم أنه يكذبهم ويعلم أنهم على باطل لكنه لو واجههم لوضع احتمالاً عند جمهور الناس المتابعين للموقف أنه هو أيضا ساحر، لكن هو على يقين أن عصاه تحولت بالفعل إلى ثعبان ليس كباقي السحرة بأن يجعل المشاهد يراها ثعبان لكن يظل هو يراها حبلا. المقدم: وفي النهاية أيضا فرعون اتهمه بهذا وقال (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) [طه:71] [الشعراء:49] د هداية: هنا لا بد أن نتكلم في نقطة متى أتكلم الصدق؟ ومتى أتكلم الكذب؟ لكي يفهم الناس. أولاً ما الصدق؟ وأرجو أن ننتبه لهذا التعريف لأن بعض المفسرين أدخلوا في التعريف كلاماً من اعتقادهم. فالصدق مطابقة الأمر (الكلام) لضمير المتكلم والمخبر عنه، أي مطابقة كلامي لضميري وضمير المستمع. سأضرب لك مثالا لتعلم أن الضلال مستمر ليوم الدين، رجل يريد أن يكذب وفي نفس الوقت يعلم أولاده ألا يكذبوا وأن الكذب حرام فقال لزوجته إذا اتصل فلان اخبريه أني في الأسكندرية - وهو موجود في شقته في القاهرة - وشقته أربع غرف دخل غرفة منهم ووضع على بابها لافتة مكتوب عليها الإسكندرية، عندما سأله أولاده لماذا فعل هذا ؟! قال: لأن الكذب حرام يا أولاد. انتبه تعريف الصدق هو مطابقة الكلام لضمير المتكلم والمستمع والمخبر عنه أي لا بد أن يتطابق الكلام مع الواقع الذي حدث بالنسبة لضميري وضمير المستمع . وقيل أنه (إذا انخرم شرط - يعني تغيب شرط - أصبح صدقا غير تام) وأنا أقول لا يوجد صدق تام وصدق غير تام، الصدق صدق وإذا غاب شرط لم يكن صدقاً. وسأبين لك الخطأ في هذا التعريف من تعريف الكذب نفسه فما هو الكذب ؟! الكذب هو أن يغيب شرط من هذه الشروط كمثال الإسكندرية. الكلام إما صدق وإما كذب بدليل أنه عندما ذهبت قريش لأبي بكر تقول له أن محمدا (صلى الله عليه وسلم) يقول كلاما لا يُصدق فرد عليهم: إن كان قال لقد صدق، ما معنى (إن كان قال) أن هذا الكلام لا يُصدق لكن لو كان محمدا (صلى الله عليه وسلم) قاله لقد صدق، وهذا الرد يُخرس الألسنة فمعنى كلامه أن هذا الذي تكذبونه أنتم الذين قلتم عنه الصادق، ولذلك (وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ) [التكوير:22] كلمة (صاحبكم) هذه كلمة تأنيب لهم واختار هذه الكلمة لأنهم هم الذين كانوا يقولون عليه الصادق الأمين قبل الرسالة. المقدم: وكيف تقلب الحقيقة لدرجة أنهم يقولوا (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) [المؤمنون:38] د هداية: حتى لا تتعارض المصالح، إذا تعارضت المصالح انقلبت الحقائق. المقدم: تعارض المصالح يعني هوى، وطالما أن الهوى دخل في الأمر فجعلك تكذب على الله أو تخالف المنهج ونكمل بعد الفاصل. --------فاصل--------- المقدم: في الآية رقم[ 33] (وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) هل معنى الصياغة هنا أننا نتكلم عن الرسول وهو الذي جاء بالصدق وهو الذي صدق به أيضا هو وأتباعه، كل هذه المجموعة تكون هم المتقون؟! د هداية: الآيتان لا بد أن يوضعا أمام بعضهما، فبدون السؤال (فَمَنْ أَظْلَمُ) عندي: (كذب على الله وكذب بالصدق) نضع أمامها (جاء بالصدق وصدق به) في الأولى قال (كذب على الله) لماذا لم يقل في الثانية (صدق عن الله) هذا يبين أن الصدق لا يأتي من عندك أبدا. المقدم: لا بد أن يأتي من عند الله. هل يجوز أن يقال الحديث النبوي الشريف بالمعنى؟! د هداية: ركز جيدا في الصياغة (جاء بالصدق) لأن الصدق لا يكون إلا من عند الله، فإذا قلت جاء بالصدق من الله سأسألك هل يوجد صدق من غير الله ؟! فهذه ليس لها محل لأن الصدق من الله، ولذلك عندما عبر عن الرسالة لأنها من عند الله عبر عنها بالصدق. عندما نضع الآيتين أمام بعضهما يتضح أن الرسالات لا تأتي من أنبياء، لا يصح أن يأخذ النبي أو الرسول الرسالة ثم يقولها هو بمعناها، ولذلك البعض أجاز أن يقال الحديث النبوي الشريف بالمعنى والبعض رفض ونحن مع الرافضين. لكن هل وافق أحد أن القرآن يكون بالمعنى ؟! لا. ولماذا نحن نرفض أن يقال الحديث النبوي الشريف بالمعنى ؟! لأنني أقول إذا تكلم الصدِّيق أو عمر على سبيل المثال أو أي من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فيجوز في كلامهم أن تقوله بالمعنى فهم ليسو أنبياء، إنما نحن نقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي عندما تكلم حتى هو إما وحي أو إلهام . المقدم: لا يشرع من عندياته رغم علو قدره (صلى الله عليه وسلم) . د هداية: لأن رواية الحديث بكلام الرسول لها أهمية، ويثبت هذا أن الحديث الضعيف يخرج عند أهل اللغة بأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لا يصح أن يقول هذا الكلام وإذا سألته لماذا؟ يقول أن هذا الحديث فيه كلام عكس القرآن والرسول لا يقول هذا الكلام أبدا، أما الحديث الصحيح يتعامل معه كما لو كان يتعامل مع القرآن من بلاغة الصياغة . وأنا أقول متى تكلم الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالحديث الشريف الذي حُفظ وكان قد نهى عنه في أو الأمر ؟! هل تكلم به من أول يوم نزل عليه القرآن ؟! وركز جيدا في السؤال. المقدم: لا، بعد فترة من نزول الوحي. د هداية: لماذا ؟! ماذا حدث في هذه الفترة منذ نزول الوحي إلى أن تكلم بالحديث ؟! تعلم الصياغة فهذا الكتاب يحتاج لمئات الأعوام لأبين لك صياغته . المقدم: إذن هو انتظر حتى يأخذ الكتاب والحكمة. د هداية: الحكمة التي ستأتي له بالتعليم الذي هو كيفية استخدام مفردات اللغة، ووصلت معه (صلى الله عليه وسلم) لحد الفعل أن ينهاهم عن فعل أشياء . المقدم: وفي جميع الحالات هذا ليس من ذاتيته ولا من عندياته ولما يستجد أمر أو يسأل سؤالا كان يجيب بما يعرفه أو ينتظر وحي من الله عز وجل مثل قضية المرأة المجادلة التي جاءت تسأله (صلى الله عليه وسلم) في أن زوجها قال لها أنت كظهر أمي. د هداية: نعم قال لها (صلى الله عليه وسلم) (ما أراك إلا قد حرمت عليه) لأن التشريع كان هكذا حتى هذه اللحظة، ولذلك عندما أراد الله عز وجل أن يعدل التشريع، إسمع صدر الصياغة: قال (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) [المجادلة:1] بمعنى قد سمع الله مشكلتكم مع التشريع وهذا التشريع من الممكن أن يُعدل وهذا تعديله، لكن محمد (صلى الله عليه وسلم) لا يُعدِّل على ما من عند الله لأنه ليس إلهاً. النقطة الثانية ما الفرق بين أن أذهب إلى أي صحابي أو إلى الرسول لأسأل؟! فالصحابي بشر والنبي (صلى الله عليه وسلم) بشر رسول لأن حتى لو لم هناك تشريع سيحدث مثلما حدث مع خولة (المجادلة) فتم تعديل التشريع عند محمد (صلى الله عليه وسلم). المقدم: السيدة خولة كانت مشكلتها محلولة لكننا اليوم لا يعيش معنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) . د هداية: لكن القرآن موجود والسنة الصحيحة موجودة. المقدم: لكننا الآن نعيش في عصر مليء بالخلافات وخاصة مع انتشار الفضائيات وكثرة الجماعات السنية والصوفية د هداية: الإسلام هو الإسلام إسلام واحد لا يوجد إسلام سني أو إسلام سلفي أو إسلام وهابي - طبعا محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه رجل اجتهد وترك، وأنا أرى أنه لم يقصد أبدا أن يكون هناك ما يسمى بالوهابية، فالإمام مالك عندما تكلم في الفقه لم يتكلم ليُقال المالكية، فهؤلاء الناس بريئون من هذا الفكر الفاسد، فهل وجدت شيئا اسمه المالكية والشافعية في حياة مالك والشافعي، وكان الشافعي تلميذ مالك والإثنان يعيشان معا؟ وقبل الشافعي ومالك أين الأبو بكرية والعُمرية؟ - ولذلك أسأل الله أن يطهر العقائد من هذا الفكر الفاسد فأنا مسلم فقط. سألني مرة أحد الأشخاص من شيخك؟! فقلت له: محمد. فسألني محمد من؟! فقلت له محمد ابن عبد الله فلم يعرفه فقلت له ابن عبد المطلب ابن ابن ابن عبد مناف ابن آدم محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هذا شيخي. وتجد في عقد الزواج يقول المأذون على شرع الله وعلى سنة رسول الله وعلى مذهب فلان. أي مذهب ؟! وعُدِّل العقد وأضيفت الشروط في عقد الزواج ليصبح من حق المرأة أن تشترط شروطا في عقد الزواج وجدوا هذا عند الإمام أحمد ابن حنبل ولا زال المأذون يقول على مذهب الإمام أبي حنيفة لأنه لا يدري. وهم كانوا يزعمون أن الإمام أحمد متشدد وعندما يجدون شخصاً متشدداً يقولون عليه حنبلي، فلم يجدوا موضوع الشروط للمرأة في عقد الزواج إلا عند أحمد ولم يجدوها عند الشافعي الذي يقولون عنه متساهل. الشافعي رحمة الله عليه في رأيه أمور أصعب مما كان يقول به أحمد بكثير. المقدم: نعود مرة أخرى لمسألة أن الصدق لا يأتي إلا من عند الله عندي آية (فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) [يونس:32] د هداية: بالضبط إذا لم يقال الحق فلن تجد إلا الضلال لا يوجد حق إلا ربع أو إلا نص ولا يوجد حق تام، ولذلك عندما تكلم عن الكذب قال (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ) لكن عندما تكلم عن الصدق (وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ)، وأريد أوضح نقطة هنا (صدق به) هو وغيره لكن غيره لا يدخل معه في النقطة الأولى (جاء بالصدق) ليس بأيديهم أن يدخلوا في (جاء بالصدق) لكن بأيديهم أن يصدقوا به وهؤلاء هم الصادقين. الذي جاء بالصدق هو الصادق ولذلك قال مع الصادقين وليس من الصادقين لأن الصادقين هم الأنبياء والمرسلين والذين صدقوهم واتبعوهم سيكونون معهم. المقدم: عندي أسئلة كثيرة أخرى ولكن بعد الفاصل --------فاصل--------- المقدم: (كذب على الله وكذب بالصدق) وأمامها (جاء بالصدق وصدق به) ( أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) هل هذه المقابلة تجيب عن السؤال الذي سألنا منذ أكثر من حلقة أنه لا يوجد وسط في الموضوع إما أبيض أو أسود. د هداية: بالضبط إما متقون أو غير متقين التي هي (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ) لأن الذي كذب على الله أو كذب بالصدق توصيفه كافر. المقدم: هذه الكلمة أحيانا تؤذي البعض ويقولوا لا تقولوا كافر . د هداية: نحن لا نكفر أحدا نحن نشرح عن الله. المقدم: ولا نزدري أحدا. د هداية: الآخر ماذا يقول عني ؟! كافر. كافر بماذا ؟! بما عنده أيا كان باليهودية أو المسيحية التي يؤمن بها وهو أيضا كافر بما عندي. ونقطة أخرى ونحن نقولها والرسول (صلى الله عليه وسلم) علمنا أن نقول (آمنت بالله العظيم وكفرت بالجبت والطاغوت واستمسكت بالعروة الوثقى لا انفصام لها) إذا صغت جملة (كفرت بالجبت والطاغوت) جملة اسمية سأقول (أنا كافر) بماذا ؟! بما ليس من عند الله. من قال إن عزير ابن الله، إن عيسى ابن الله، أنا لا بد أن أكفر بهذا الكلام مع احترامي الكامل أن أصون له أن يعبد ما يشاء لأن ديني يعلمني (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) أعبد ما تشاء وتريدني أحرسك سأحرسك، وأحافظ عليك فهذا ديني لأني أنا أريده أن يسمعني وأنا أقول (آمنت بالله العظيم وكفرت بالجبت والطاغوت). وأصل كلمة كافر في اللغة تعني الفلاح فهو يستر البذرة تحت الأرض يكفرها (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ) [الحديد:20] ولا نحب أن نقول على الفلاح زارع لأن علماء اللغة قالوا إن الله قال (أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) [الواقعة:63-64] فالفلاح يسمى حارث، لأن حارث لغةً يمهد الأرض حتى يستر البذرة، وستر البذرة هذا الذي هو ستر العقيدة فالكافر يستر وجود الله، فالمعنى اللغوي يظل موجود والمعنى الإصطلاحي هو الذي ينتشر بعد العقيدة والإسلام ومحمد والحديث وأصبح تعريف الكافر ليس الفلاح . المقدم: وإنما الذي ستر العقيدة الذي هو كذب على الله وكذب بالصدق. د هداية: فإذا سألني شخص ما معنى الكافر ؟ سأقول له الكافر لغةً أي الحارث أما الكافر اصطلاحا أي الذي كفر بما أنزله الله على محمد المقدم: (أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) د هداية: (أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) في مقابل (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ) ولم يأت بها في صيغة سؤال لأن النتيجة هنا معروفة وهنا معروفة لكن نتيجة الكذب يريد أن يأتي بها عقيدةً أما في الثانية يريد أن يأتي بها مكافأةً. المقدم: (لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ) [الزمر:34] د هداية: هذه الآية تحتاج شرح لماذا (ما يشاءون) بالتحديد ؟! المقدم: المعنى الذي جاء عندي، لأن الإنسان في الدنيا يعيش عبدا لله وليس سيدا وقد تتدخل في مشيئته البشرية شهوات كثيرة تخالف المنهج. د هداية: (قد) هنا للتحقيق . المقدم: نعم ولكنه يردع النفس حتى لا تنساق وراء الحرام وبالتالي المشيئة مقيدة في الدنيا بمنهج الله فإذا فزت بالفوز العظيم ودخلت الجنة فتحت لك المشيئة لكي تشتهي ما تشاء . د هداية: تريد أن تقول أن المشيئة مقيدة في الدنيا بمشيئة الله، سأضيف نقطة (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ * لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [التكوير:27-29] لكن هنا لم يقيد (لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ). بمعنى أنه تعب واجتهد في الدنيا، بمعنى أنهم أوقفوا اختيارهم في الدنيا - أريد أن أفعل كذا ولكنني اخترت - إذن هناك شيء يحدث في الاختيار، لو عرض عليك أمرين الأول حلال والثاني حرام هل ستختار بين الإثنين أم أنك ستدرس الأول وتدرس الثاني ؟! فالأول حلال والفكر مطمئن له، أما الثاني بمجرد أن فكرت فيه وجدت نفسك تشتهيه وهو سهل جدا أسهل من الحلال، لكن هل انتبهت للتوصيف (المتقون) لم يقل المؤمنون مثلا فالمؤمنون أقل في الدرجة والمحسنون والمسلمون وجه أعلى فلماذا اختار المتقون من بين الخمس درجات (إسلام- إيمان- تقوى- إحسان- إسلام وجه لله) ؟! لأن هذا توصيف ما حدث في الموقف الذي قلناه فعندما عرض عليه الأمر الحرام لكي يريح فكره اتقى، في هذا الموقف تحديدا لا يصلح أن يكون مؤمناً أو مسلماً كان لا بد أن يتقي. المقدم: هذا هو السلاح الذي يصلح في هذا الموقف. د هداية: (أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) في الدنيا أم في الآخرة؟! جاء بتوصيفهم وهو يتكلم عن الأمرين اللذين هم فعلوهما (جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) في الدنيا (لَهُم مَّا يَشَاءونَ) في الآخرة . المقدم: وبعدها (ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ) فالتقوى كانت في الدنيا. د هداية: وتوصلك إلى الإحسان فلو كان تصرف بإيمان فقط لكان أمامه درجات فلما قال (ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ) كأن المتقي نال جزاء المحسن. المقدم: أو كأن المعنى يقول أن من لزم التقوى وصل لدرجة الإحسان. د هداية: وسألتك سؤالاً َمْن المكلَّف بالصيام المؤمن أم المسلم ؟! المقدم: المسلم د هداية: قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) [البقرة:183] لماذا قال الذين آمنوا ؟! يريد أن يقول أنك إذا كنت مسلماً واتقيت وصمت سترتقي وتكون مؤمناً، فلم ينادِ على المسلم رغم أنك لكي تكون مسلماً وتبني إسلامك لا بد أن تصوم، إنما قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) خفف بالنداء وهنا خفف بالنتيجة قال (أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) جاء بالفعل الذي فعلوه ساعتها أنه اختار وتعب وجاهد نفسه وجاهد الوسوسة والتزيين ورفض فعل الحرام أيا كان من سرقة أو زنا أو رشوة أو كذب. فالتقوى أن تبعد نفسك عن أي مكان فيه شبهة ولا تنصت لكلام الشيطان مثلا يوسوس ويقول أنك لو ذهبت للمكان الفلاني سترى أشياء محرمة وبالتالي ستغض بصرك هناك. المقدم: أو مثلا يقول لك اذهب لمرقص ومكان مليء بالمحرمات لتذكر الله هناك وبالتالي ستذكر الله في مكان لا يذكره فيه أحد!. د هداية: هذا نصب واحتيال، وبإذن الله سنخصص حلقات عن تلبيس إبليس. المقدم: نريد أن نبدأ الحلقة القادمة بإذن الله بمسألتين مهمين ونبدأ في تطبيق ما نقوله وكلها مسائل متعلقة بالتطبيق، وخاصة أننا اليوم أضفنا آليات جديدة للصدق وهي التقوى والإحسان كأن أرتدي بدلة واقية لأُفعِّل التقوى وهذه البدلة في النهاية ستوصلني أن أكون من المحسنين. د هداية: والذي يفعل ما تقوله أنت يكون حراً رغم أنه يظهر وكأنه أسير. سأضرب لك مثالا أنت جالس في غرفة وتسمع صوت طلقات نارية بالخارج فتخاف لكن إذا علمت أن جدران الغرفة عازلة للرصاص ستطمئن وتتصرف بحرية دون خوف داخل هذه الغرفة. كذلك هذا الرصاص بمثابة وسوسة النفس والشيطان و ... المقدم: كذلك في القرآن ما يؤيد هذا المعنى (لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) [سبأ:37] د هداية: و(أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا) [الفرقان:75] بما صبروا لأنه تعب وظهر كأنه أسير وصابر وآخر الفرقان هذا عملنا الأساسي ونبتعد ونعود له مرة أخرى. فهذه هي التقوى أي الوقاية. المقدم: جزاكم الله خيرا، ونراكم على خير وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 30/3/2010م و |
بارك الله فيك واثابك عنا كل خير
الموضوع كبير ولي عوده ان شاء الله قبل خروجي اضع شكري مرة اخرى |
طريق الهداية التوبة و الاستغفار 131 شرح آيات سورة الزمر ( لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الاحبه الكرام، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية، ونحن في سورة الزمر نسمع معا الآيات ونتكلم عن بعض القضايا الهامة ونربط الآيات ببعضها (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ * وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الزمر:32-35] من الواضح أن هناك مقابلة بين الكذب والصدق ومقابلة أيضا في الجزاء بالنسبة لكليهما، وكنا تكلمنا عن من هم الذين جاؤوا بالصدق ومن الذين صدقوا به ولماذا أولئك هم المتقون؟. د هداية: النقطة التي وقفنا عندها لكي نبدأ منها أننا كنا وقفنا عند كنه التقوى بالنسبة للعمل. المقدم: ونضيف سؤالاً وهو أشبه بالفوازير لكني لم أقصد هذه الطريقة، لكن هل التقوى هي غاية أم وسيلة؟ أم هل هي محطة أو درجة سأصل لها؟ وإذا كانت محطة ما هي المحطات التي تليها؟ وهل هي محطة نهائية أم أنني في كل مرة أصل فيها مع المولى عز وجل لدرجة من التقوى أعتبرها محطة انطلاق جديدة لدرجة أعلى؟ فهل هي نهاية المطاف أم أنها سلسلة من الإرتحالات لإنطلاقات جديدة ؟! د هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. من فترة طويلة دارت أسئلة كثيرة في هذا المجال عن هل التقوى غاية أم وسيلة؟ هل الإحسان غاية أم وسيلة؟ لكن عندما تعرف أنها درجات لا يمكن أن تكون التقوى غاية لأنها لو كانت غاية لن تنتقل أبداً للإحسان ولو جعلت الإحسان غاية لن تنقل لإسلام الوجه، لذلك فالذكي الذي يأخذ كل درجة وسيلة للوصول لدرجة أعلى. والذي يؤيد هذا الفكر أنه قال (أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُم مَّا يَشَاءونَ) ويأخذوا جزاء المحسنين (ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ)، كأن (لَهُم مَّا يَشَاءونَ) ليس جزاء التقوى إنما جزاء الإحسان، كأنك أخذت التقوى وسيلة للوصول للإحسان دون أن نقول مسألة درجة وأخرى. لو كان قال (أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ) لكان هذا جزاء التقوى لكنه قال (ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ) إذن فالتقوى وسيلة للوصول للإحسان. المقدم: أريد أن نوضح معنى الإحسان لأن الناس أحيانا تصل بفهمها للإحسان على أنه الصدقة مثل الدعاء الذي نسمعه (ربنا يجعل بيت المحسنين عمار) بمعنى أنك كلما أخرجت صدقات كلما أنعم الله عليك بتعمير دارك. وبهذا أختزل مفهوم الإحسان في الشخص الذي يتبرع بماله فقط، فكيف نوسع مفهوم الإحسان عند الناس؟! د هداية: أولاً الآيات هنا تبين أن العقيدة مسألة لا بد أن تفعلها أثناء حياتك، فالعقيدة ليست إختباراً في سؤال واحد وتنجح فيه وفقط بل أنت في الدنيا تعيش - ليس هناك وقفة لتستشعر النتيجة وتطمئن وتكمل - والإختبار الحقيقي هو أسئلة القبر، فلا بد أن تجدد العقيدة السليمة في كل عمل. وهذا هو السؤال الذي كنت تسأل فيه هل التقوى غاية أو وسيلة ؟! فكما قلنا عندما تؤمن نفسك بالوقاية ضد الرصاص - والرصاص هذا من وسوسة وشياطين إنس وشياطين جن - (راجع/ التوبة والإستغفار (130)) هذا في حد ذاته ليس غاية فالتقوى في حد ذاتها ليست غاية. وإنما التقوى وسيلة لأني لا زلت أعيش وتعرض عليَّ الذنوب يوميا فإذا نجحت اليوم في الهروب من الذنب لن يتركني الشيطان كل يوم وأنا مطالب أن أرد عليه سأنفذ الوسوسة أم لا؟ وأكبر دليل على أن المسألة لا تقف عند حد درجة أبدا هذه الآيات لأنها تعرض لمسألة الكذب والصدق في تلقي الرسالة من عهد آدم إلى يوم القيامة فمن الناس من صدق ومنهم من كذب والنتائج لن تظهر في الدنيا وإنما النتائج في الآخرة. فالدنيا عبارة عن امتحانات متتالية والذي ينجح مرة واثنين وثلاثة... يوضع في الدرجة التي تناسبه، لذلك هناك درجات مختلفة من إسلام إلى إيمان إلى تقوى إلى إحسان إلى اسلام وجه لله فأنت ترتقي الدرجة، والذي لا بد أن ننتبه له أنك من الممكن أن تكون في درجة الإحسان وتنزل مرة أخرى للإسلام بغلطة، فليس من قبيل الصدفة (لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا). فبالرغم من أنهم وصفوا بالإحسان إلا أن الله عز وجل سيكفر عنهم أسوأ الذي عملوا، فالمتصور أن المحسنين في الجنة إذا داوموا على الإحسان (لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا) وكلمة (أسوأ) في منتهى الخطورة فبالمنطق المجرد لا تأتي مع الإحسان أبدا لكنها معروضة هنا لهدف أنه من الممكن أن يحدث عرقلة في أي وقت آناء الليل وأطراف النهار . المقدم: ولماذا استخدم المولى عز وجل هنا أفعل التفضيل (أسوأ) لماذا لم يقل كل السيئات ؟! د هداية: هذا سؤال جيد جدا في هذه الآية، عندما عرضنا (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ) وقلنا أنك إذا سألت أي شخص عن عباد الرحمن سيؤكد أنهم أحسن فرقة وغير وارد أبدا أنهم يقعوا في عمل سيئ أو (أسوأ) فهؤلاء هم (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) [الفرقان:63-64] فأعمالهم كلها منضبطة، ولو كان المولى عز وجل تركها هكذا لما صان احتمال أن يقع عبد من عباد الرحمن في خطأ، إنما من رحمة هذا الرحمن أنه يقول والذين لا ولا ويعرض لأسوأ صفات - فيها توقيع لسورة الزمر (أسوأ) - كأن الفرقان توقيع الزمر، فأنت لا تتصور كلمة أسوأ مع المحسنين. وهل يوجد أسوأ من الشِرْك ؟! المقدم: لا د هداية: جاءت في الفرقان مع القتل والزنا، فإذا طلبت منك أن ترتب أسوأ المحتمل في العمل عموما وليس في فئة معينة أول شئ سيأتي في ذهنك (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا) [النساء:116] فالشِرْك منه يستطيع الشيطان أن يأخذ الإنسان لكل عمل سيئ، لأنه طالما أشرك أصبح القلب خاوياً، قال المولى عز وجل (مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء) [ابراهيم:43] معنى وأفئدتهم هواء ليس فيها عقيدة ولا إيمان ولا إحسان ولا تقوى فيجعله هذا يفعل أسوأ ما يخطر على بالك. (لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ) لام التعليل هنا ليكفر الله عنهم بالجزاء أم أنهم نتيجة التكفير أخذوا الجزاء؟! وانتبه الجزاء كان أعلى من الذي فعلوه فهم عملوا تقوى أعطاهم جزاء المحسن، وهذه قاعدة إلهية إذا أنت عملت عملاً صالحاً تأخذ جزاء أحسن منه، كلما تتقدم في مرحلة تأخذ جزاء أعلى منها كأنك تترقى، فهذا الإله يعلن سبحانه وتعالى أنه يكافئ المسلم والمؤمن والمتقي والمحسن ومسلم الوجه، وجاء بمثال المتقي أعطاه جزاء الإحسان. فالسؤال هل المولى عز وجل يكفر الذي فعلوه قبل الإحسان أم بعد الإحسان؟! هل التكفير بأن أعطاه جزاء المحسن أم أن جزاء المحسن سيجعله يكفِّر؟! المقدم: الإجابة على هذا السؤال المهم بعد الفاصل --------فاصل--------- المقدم: السؤال الذي طرحناه قبل الفاصل مهم جدا ونجيب عنه د هداية: أنا أرى أن درجة الإحسان بين الخمس درجات التي وضعناها في بداية شغلنا في العقيدة هي أفضل درجة بعدها لا يفعل أسوأ يعني (أسوأ) محتمل أن تكون قبلها. فحتى عندما تكون في مرحلة التقوى ممكن تقع في الخطأ . المقدم: رغم أنك مُؤَمَّن بوقاية. د هداية: نعم، وهنا لا بد أن نقف ونعرض كيف نقع في الذنب فلو شخصنا مرة واحدة صحيحة لماذا نقع من الممكن ألا أقع ثانيةً في الكبائر، فممكن للذي يستعرض هذه الآية يقول أنه طالما أننا في مرحلة تقوى وإحسان إذن من الممكن أن يقع في اللمم لكن لا يقع في الكبائر (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) [النجم:32] فالقرآن بينها أن هذا التوصيف ممكن أن يكون للمحسن لكن انتبه أنك مع التقوى ممكن تقع في الكبيرة، لذلك عندما صاغها في عباد الرحمن قال (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) [الفرقان:68] بالنفي ومع ذلك صان احتمال مبدع قال (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا). لا بد أن يكون تعريف المتقي والمحسن معنا طيلة المشوار عندما جاء جبريل عليه السلام للرسول (صلى الله عليه وسلم) في صورة شخص وسأله ما الإحسان؟ رد عليه وقال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، فالمحسن يعمل صفة الرقيب دائما فمتى يخطئ ؟ المقدم: عندما ينسى هذه الصفة. د هداية: بالضبط عندما يعطل صفة الرقيب ويعطل السياج الواقي المفترض إذن هناك وسيلة أخرى للشيطان يعملها معك وأنت في مرحلة الإحسان ونجاحه الحقيقي عندما ينسيك وأنت في مرحلة الإحسان وليس في التقوى. فأنت كعبد يجب أن تتذكر دائما أن هناك معركة بينك وبين إبليس لعنة الله عليه وجنوده شياطين إنس وشياطين جن آناء الليل وأطراف النهار، فأنت ناجح في الوقاية وفي الإحسان لكن انتبه جيدا لأنه من الممكن أن يستدرجك ولو قبل الموت. المقدم: سُئلت من قبل في القاعدة التي نعرفها (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [النجم:38] فكيف أكون طيلة عمري ملتزماً وقبل الموت تعرقلت في معصية ولم يتسنَ لي أن أتوب عنها؟ سواء كانت معصية صغيرة أو كبيرة ، فهل المولى عز وجل يهمل حساب 60 أو 70 عاما ويحاسبني على معصية يوم ؟! د هداية: المسألة ليست هكذا أبدا، هنا نرد بالآيتين (فأما من ثقلت وأما من خفت) (فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ) [القارعة:6-9] إذن هناك ميزان والسؤال المهم هو كيف كانت عقيدته عند الموت؟! إذا كانت عقيدة سليمة ستوزن أعماله أما إذا كانت الغلطة في العقيدة فلا يكون هناك ميزان للأعمال. فأول سؤال في القبر من ربك؟ وهذا سؤال عقيدة، ثم ما دينك؟ وهذا أيضا سؤال عقيدة، ما قولك... فأي مخلوق لله تبارك وتعالى يحدد مكانه إما في الجنة أو النار بالنسبة للعقيدة. المقدم: والعمل ؟! د هداية: ستقف يوم القيامة ويقول المولى عز وجل (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) [الإسراء:14] ويبدأ الميزان ويحدد الدرجة فأنت في الجنة لكن في أي درجة؟ العمل سيحدد وكذلك الذي يدخل النار عمله سيحدد درجته في النار. ولذلك في حديث البراء ابن عازب الأوحد الصحيح في هذا الباب الرسول (صلى الله عليه وسلم) قسم على قسمين قال (إذا كان العبد المؤمن في انقطاع من الدنيا وإقبال من الإخرة... وإذا كان العبد الكافر في انقطاع من الدنيا وإقبال من الإخرة...) النتائج في الأولى (أن صدق عبدي فألبسوه من الجنة وأفرشوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة) ليس لنا علاقة بالميزان لكنه في الجنة والميزان الذي سيحدد الدرجة في الجنة، وفي الثانية (أن كذب عبدي فأفرشوه من النار وافتحوا له بابا إلى النار) والعمل أيضا هو الذي سيحدد الدرجة. كأن الدنيا قسمت على اثنين عندما يتعرض علاء مثلا لوسوسة - ونحن شبهناها بالرصاص الخارجي - إذا أعمل التقوى فصعب الوصول له ومع ذلك إذا وصل - ووقع في الذنب - سيقسم هذا العمل على اثنين بحسب عقيدتك، ما عقيدتك فيه؟ هناك فرق كبير بين الذي أخطأ وهو يلوم نفسه على هذا الخطأ، والذي أخطأ وهو غير مبالٍ. المقدم: كنت في ندوة في الأسكندرية وأنا أسير في طريقي عائدا للمنزل وجدت فتاتين ويسير إلى جانبهما شابين داخل سيارة، فذهبت إلى الشابين - من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - وعرفتهما بنفسي، وسألتما عما كانا يفعلانه من معاكسة الفتيات فشعرا بالإحراج وكنت سأبدأ في نصحهما لكني وجدت معهما داخل السيارة (زجاجة خمر) فسلمت عليهما وتركتهما. وهنا نريد أن نقول لأولي الأمر في الدول الإسلامية أنه تحت دعاوى السياحة انتشرت المحلات التي تبيع الخمور، وهذا يعرض شبابنا للخطر ونعود بعدها ونشكوا من كثرة جرائم القتل والإغتصاب والسرقة، فأرجو أن نراجع أنفسنا في هذا الأمر لأنه خطير جدا؟ د هداية: الذي أريد أن أوضحه أن هذين الشابين شعرا بالإحراج عندما سألتهما فهذا معناه أن التوبة بالنسبة له ليست بعيدة أما الذي لا يشعر بالإحراج بعد الوقوع في الذنب معناه أن التوبة بالنسبة له ليست قريبة. فإذا ماتت العقيدة لن تبعث ثانية وسيستمر في هذا الطريق أما إذا كانت العقيدة سليمة فهذا يؤكد حقيقة التوبة في الإسلام أنها منهج حياة (يأيها الناس استغفروا ربكم وتوبوا إليه فإني أستغفره وأتوب إليه في اليوم مائة مرة) من هذا الحديث نفهم أن الذي لم يقع حتى في المعصية عليه أن يتوب أي يرجع لأنه طالما أنني في معية الله لن أقع لكن إذا ابتعدت! كأن التوبة تُقربك من الله وتحيي فيك العقيدة بقولك (أستغفر الله أستغفر الله... تبت إلى الله، ندمت على ما فعلت، رجعت إلى الله) هذه الألفاظ تحيي موات العقيدة وتحيي موات القلب، فبالتوبة الإنسان يعيش ولذلك لا بد أن ندرس جيدا مسألة كيف أقع في الذنب وماذا يحدث بعد الوقوع في الذنب لنعلم المسلم كيف يشخِّص خطأه. المقدم: وعندي سؤال يمكن أن نضيفه وهو كيف أعرف أنني أحسن العمل؟ وهل أستطيع أن أقيّم نفسي؟ وسنجيب بعد الفاصل --------فاصل--------- المقدم: ما هي الآلية التي أستطيع أن أعمل بها ؟! وكيف يتأكد المسلم أنه يحسن العمل ؟! د هداية: هذه هي مسألة التقييم وهي ذات أهمية قصوى من الآية (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف:103-104] وانتبه لكلمة أعمالا معناها أن لهم أعمال، وكذلك أفعل التفضيل في (الأخسرين) يعني هناك خاسر وأخسر، وكلمة سعيهم معناها أن لهم سعي لكن المصيبة وهم لا يشعرون (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) فهنا لا يوجد تقييم وهو متصور أنه على صواب. المقدم: نسأل الله أن يهدي كل مسلم فيوجد بعض الناس كلمة الدين عندهم لا تأتي إلا بالتطرف. د هداية: لكي نكون منصفين هذا التطرف لم يأت وليد الصدفة، فمن أسهم في إنشاء الجماعات المتطرفة؟ الدول والجماعات والشعوب، لسبب بسيط وهو كيف نحارب هذا التطرف ؟! كيف تطالب الناس بعدم التطرف وأنت كل أفعالك دافعة للتطرف ؟! المقدم: وهناك أيضا تطرف معاكس وهو الإنحلال والشذوذ والعربدة والعري... د هداية: معنى التطرف البعد عن الوسط إلى أي طرف المقدم: وكذلك الرجل الذي يُكفِّر المجتمع كله ويحل دمه وماله هذا متطرف. د هداية: هل تم معالجته ؟! المقدم: لا، لأن مواجهة هذا التطرف في الفترة الماضية كلها كانت مواجهة أمنية فقط . د هداية: مثال/ أنت منعت المخدرات بالقانون من متاجرة لحيازة لتعاطي، لكن هل عالجت المدمن ؟! ماذا فعل قانون المنع؟! المقدم: عمل سوق سوداء د هداية: والمخدرات موجودة بكل أنواعها بل أنك إذا وجدت شخصاً هرب من كمين الشرطة تجد الناس تساعده للهروب من الشرطة لأن هدفها الأساسي أن تبعده عن السلطة فأصبحت السلطة مكروهة لأنك لا تعالج. لم تطبق مثلا على مدمن أن تجعله يعترف بالإدمان في مقابل أن تودعه في مصحة لعلاج الإدمان. المقدم: معلوماتي المتواضعة أن هناك صندوق مكافحة الإدمان والتعاطي في مصر. د هداية: أين هو في الإعلان عنه في القانون؟ المدمن لا بد أن يهاجم ويحبس ولم نفترض أنه مريض في المقابل في أوروبا وأمريكا هناك نعرة تقول أن الشاذ مريض لا بد من علاجه وليس حبسه. وأنا أسأل المدمن أم الشاذ؟! المدمن أرحم وعلاجه أسهل ويحسن المجتمع أما الشاذ علاجه أصعب. المقدم: لكن ليس مستحيلاً د هداية: بالضبط، هناك فرق بين أن أساهم في تطرف أو أقضي عليه، فنحن لا نعالج المعالجة التي تمنع التطرف. التطرف يبدأ مجرد فكر - وينتهي إجرام واعتداء... فهذا الذي انتهى إليه ليس تطرفاً وإنما تحول إلى إجرام وتذكر عندما قلنا أن ما يحدث الآن ليس إرهابا (راجع/ حلقة التوبة والإستغفار (119) ) لكن السؤال هل عالجت الفكر من البداية. القرآن يعالج ويضع الأمور في نصابها ويعلمك كيف تقيم (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) كأنه يريد أن يقول انتبه فهذه الفئة تحتاج لتقويم. المقدم: هل ترى فضيلتك أن التربة في المجتمعات الإسلامية مهيأة لهذا التقويم لأن هناك الكثير ممن يقول أن المجتمع المسلم انقسم للعديد من الفئات بينهم خصومات ونزاعات ونسينا أخوة الإسلام والتناصح بين المسلمين. د هداية: قلنا أن الإسلام كرسالة خاتمة جاءت لأخوة البشرية كلها لذلك كل رسول سابق على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يقول (يا قوم) أما محمد (صلى الله عليه وسلم) يقول (يا أيها الناس) حتى في مسألة التوبة لم يطالب بها المسلم أو المؤمن أو المتقي، فالتوبة درجة عالية جدا ورغم ذلك قال (يا أيها الناس استغفروا ربكم وتوبوا إليه...) كأني بمحمد (صلى الله عليه وسلم) من هذا الحديث يجعل الإسلام توبة. المسلم توبته هي (تبت إلى الله ورجعت إلى الله)، وغير المسلم توبته الإسلام فهو (صلى الله عليه وسلم) لم يخاطب فقط بالقرآن الناس بل خاطب أيضا بحديثه وبكلامه وبدعوته، فهذا الحديث دعوة للتوبة ولكن التوبة تختلف من تائب إلى تائب، فمحمد (صلى الله عليه وسلم) لم يمل من دعوة الناس حتى بالحديث ليس بالقرآن فقط. أصبح الإسلام عند محمد أخذ عالمية الدعوة وأصبح ينادي الناس حتى بالحديث ولم يقتر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن الدعوة فعالمية الدعوة تدفعنا جميعا عند الوقوف على الغاية من الآية - وهي تقييم العمل - أن نقوِّم العمل، فبعد التقييم يأتي التقويم. أريد أن نبدأ الحلقة القادمة أننا عندما نقع في الخطأ نرجع أم لا ؟! كيف نقع ؟! وكيف نرجع وكيف لا نرجع ؟! وهذا يتضح من سورة سبأ في عمل إبليس وجنوده مع بني آدم، حتى مع المسلم والمتقي لم يسلم أبدا ويدخل لكل من المنطقة التي ينجح فيها، ولذلك هناك فرق بين النفس اللوامة ولن أقول النفس المطمئنة حتى يكون الكلام صحيحاً بل أقول والنفس التي تطمئن لعمل، لأننا اتفقنا أن النفس المطمئنة تكون نتيجة في الآخرة ولا تكون في الدنيا. شطارة المؤمن أو المسلم أو المتقي أو المحسن أو مسلم الوجه هو أن تظل النفس معه لوامة، وتقسيم النفس إلى نفس أمارة ونفس لوامة ونفس مطمئنة هذا تقسيم خاطئ ومن فضل الله علينا لتصحيح هذا الفهم أن سورة الفجر نفسها بيّنت أن الذي يطمئن في الدنيا يهلك (فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) [الفجر:15] ربي أكرمن معناها أنه اطمئن للغنى (وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) وهذا أعجب فمن المقبول أن يطمئن الشخص للغنى لكن كونه يطمئن للفقر (فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) هذه هي المشكلة. المقدم: الإثنان تواكلوا د هداية: في حين أن التقييم الصحيح أن أقول لا الغنى دليل الكرم ولا الفقر دليل الإهانة إنما حسم القضية من القرآن بالقرآن (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) غني أو فقير، وأيضا التقوى هنا لا أطمئن لها لأنه لا بد أن أصل للإحسان والإحسان يجعلني أصل للإسلام وساعة يكون هناك اسلام وجه لا تطمئن (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) [فاطر:6] لأنه هنا قال لكم ولكم هنا تشمل المسلم وغير المسلم والمؤمن و... فهو لم يحدد قال لكم إذن المشكلة في التلقي وإبليس نفسه قال لهم (ولاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم) [ابراهيم:22] كل ما يفعله إبليس أنه يدعو، وسنوضح كيف يقع الشخص في المعصية وكيف يتوب عنها أو لا وكيف إذا تاب وندم يعود مرة ثانية أو لا المقدم: أحد الآليات والأسلحة أن الذي يفعل المعصية وله صديق سوء يشجعه على المعصية لا بد من مقاطعته أو مكان يساعد على المعصية يمنع نفسه من الذهاب إليه. د هداية: الزمان والمكان (لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ) (عند) هي المشكلة لأنها ظرف زمان ومكان (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) [آل عمران:19] لا بد لكي تجاهد نفسك في عدم الوقوع في المعصية أن تبتعد عن رفيق السوء ومكان السوء. ما معنى عند ؟! كأن المشيئة في الآخرة لا تكون إلا عنده و(عند) رغم أنها ظرف زمان ومكان إلا أنها ظرف غير متمكن بمعنى أنني لا أستطيع أن أقول مثلا (عندك واسع) فأنا أقول (عند الليل، وعند الحائط) ولما نسمع (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) لا بد أن نفهم لأنني وجدت بعدها مسلم يخرج من الإسلام فلا بد من وقفة لكي نفهم. د هداية: ونحن من آية سورة ابراهيم نأخذ التشخيص والعلاج لأننا إذا شخّصنا بطريقة صحيحة العلاج سيثمر أما إذا شخّصنا بطريقة خاطئة لن يثمر العلاج. المقدم: سنعرض لهذا بإذن الله في الحلقة القادمة وسنعرض لخطبة إبليس اللعين يوم القيامة فيقول أنه مجرد دعا وأنتم استجبتم، (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) [النساء:76] وهل نحن نقوّيه أم نضعف قدراتنا ونكمل في الحلقة القادمة ونراكم على خير وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 20/4/2010م |
طريق الهداية التوبة و الاستغفار 132 شرح الآيات (20- 21) من سورة سبأ المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الاحبه الكرام، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية، الحلقة السابقة ذكرتنا بالحلم الجميل ألا وهو الإرتحال والقراءة المتأنية لكتاب الله عز وجل، فكلما تدبر الإنسان يكتشف هناك معاني جديدة فلا يستطيع شخص أن يقول أنه ألمَّ بكل معاني القرآن الكريم بل إنه في كل مرة من القراءة المتأنية تعطينا معنى بل معاني جديدة. فأنا لا أشكر في البرنامج ولا في الجهد المتواضع الذي يبذل، ولكني أشعر بأن هذا الجهد وأي جهد في مجال الدعوة يعتبر صدقة جارية، ونسأل الله القبول وأن ينتفع به وأن يفتح الله علينا. كنا وقفنا في سورة الزمر عن المقابلة بين الصدق والكذب، ونسمع معا الآيات ثم نذهب لسورة سبأ (لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الزمر:34-35] كنا اتفقنا أن هناك نوع من المقابلة في مسألة المشيئة في الدنيا فالإنسان المؤمن مشيئته مقيدة، منذ أن وقّع على العقد الذي بينه وبين المولى عز وجل كان هناك اشتراطات افعل كذا ولا تفعل كذا بينما في الجنة المشيئة مطلقة. ونلاحظ أيضا في قول المولى عز وجل (لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا) وشرحناها وقلنا أنه في سورة الفرقان أسوأ الأعمال هي: الكفر والقتل والزنا، (وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) إذن المولى سيكفر أسوأ الذي عملوا ويجزيهم بأحسن أجر لهم. فالمقارنات دائما توضح أن هناك فريقان (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشورى:7] ، فلماذا يكون التكفير لأسوأ الأعمال والجزاء بأحسن الأعمال؟. فهل معنى الصياغة هنا أن المولى عز وجل سيعطينا جزاء عن أحسن الأعمال فقط لكن الأعمال الحسنة فقط لن تحسب؟! د. هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليما كثيرا وبعد، هذه الآية جاءت لكي لا يتخيل أي شخص أنه طالما وقع في الكبائر إذن فليس له توبة. لذلك قال أنه سيكفر أسوأ الذي فعلته فإذا كفَّر الأسوأ فمن باب أولى أن يكفِّر الأقل سوءا، فهذه الآية لكي يطمئن كل مسلم وقع في كبيرة من الكبائر، وتطبيقها (ُقُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53] أسرفوا هنا تعطي معنى أنه لم يترك شيئاً لم يفعله. وسنتحدث في نقطة أننا كيف نقع في المعصية؟ التزيين والشهوة، إلخ. فقال (لا تقنطوا من رحمة الله) فإذا رحم الله تبارك وتعالى الله برحمته - ليس بكونه الرحيم - الرحمن يكفر عنك أسوأ ما عملت فما بالك بالأدنى؟!! أولا هذه الآية تطمئن الذي فعل أكبر الكبائر، فلا يأتي شخص ويقول أريد أن أحكي لك ما فعلت من ذنوب فمهما كان الذنب الذي فعلته الله تبارك وتعالى يكفِّر بتوبة صادقة، بنية صادقة، بإخلاص في العودة. وساعة يكفِّر عنك هذا العمل الأسوأ على الإطلاق يجزيك بأحسن الأعمال، مثال/ رجل صحيفته فيها حسنات ثم جاء هذا الرجل ووقع في معصية من قمم المعاصي أسوأ معصية فتاب هذا الرجل على مراد الله. المقدم: طبقا للمنهج. د هداية: فالقاعدة في سورة الفرقان (فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) [الفرقان:70] إذن يكفِّر أي يمحي المعصية تماما - قلنا زمان يكفر أي يستر بستر الستير سبحانه وتعالى حتى تتحول السيئة لحسنة وعندما تكون حسنة يعطيها لك المولى بأحسن حسنة عندك في صحيفتك (بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) وعندما يكفِّر أسوأ ذنب فهو بذلك يمحي أكبر معصية بأن تتحول إلى حسنة ويعطيك بها أعلى درجة عندك في الإحسان. النقطة الأخرى في (عملوا) و(يعملون) عندما كفّر الذنب قال (عملوا) وعندما يعطيك الأجر قال (الذي كانوا يعملون) لماذا؟ لكي يقول لك أن التكفير في مرحلة قبل الإحسان فالذنب تم الوقوع فيه وانتهى أما الإحسان يريد أن يقول لك كن واعيا وأكثِر من الحسنات قدر استطاعتك لكي تأخذ أعلى درجة فالفرصة متاحة. المقدم: وهذا أيضا تطبيق لآيات سورة الفرقان د هداية: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) ثم قال (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) [الفرقان:71] يريد أن يقول أن العمل الصالح لا بد أن يأتي بعد التوبة ويستمر لكي نأخذ أعلى درجة عندك في الحسنات نكافئك على ما تم تكفيره من السيئات، كأن عمل الحسنات والمداومة عليه يزيد فرصتك في أن تصل بحسنة من الحسنات لأعلى درجة وتكون هذه أحسن الأعمال بالنسبة لك ويجزيك الله بها عن أسوأ الأعمال وقال (بأحسن الذي كانوا يعملون) المقدم: ولماذا قال هنا يعملون؟ وهل هناك فرق بين أعلى درجة ودرجة أقل؟ فنسمع البعض يقول المهم أن ندخل الجنة في أي درجة ليس هناك فرق. د هداية: الصنف الذي تتكلم عنه لم يتحدث عنه القرآن فالقرآن تكلم عن أحسن صنف من الناس قال (خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) [المطففين:26] وليس القانعين الكسولين ولذلك قال يعملون في الحسنات، فأنت ما عليك إلا أن تعمل وتجتهد في العمل الصالح لتصل به إلى أعلى الدرجات والمولى عز وجل إن شاء سيبدل لك سيئاتك بأحسن ما عملت. وكأني بالقاعدة القرآنية كما قلنا القرآن يشرح بعضه بعضا ويؤكد بعضه بعضا (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هود:114] إذن فالمولى عز وجل لا يفعل هذا وأنت كسول أو وأنت محاط بالسيئات (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة:81] لا تجلس بلا عمل صالح أولا تستغفر وتتوب ثم تعمل عملاً صالحاً وتزيد في درجة الحسنات لأعلى درجة. المقدم: هذه الحالة عكس الوقاية التي تكلمنا عنها. د هداية: بالضبط هنا التقوى أمَّنته وهنا المعصية حاصرته فعملت عنده وقاية من طاعة الله فقال (بلى) من كسب سيئة، ثم قال بعدها جملة في غاية الثقل (وأحاطت به خطيئته) كأن الخطيئة هنا جعلته لا يسمع كلام المولى عز وجل في قوله (إن الحسنات يذهبن السيئات)، (فاؤلئك يبدل الله سيئاتهم حسنات)، وفي كل آيات العمل (وقل اعملوا...) حاصرته لدرجة أنها أصمت أذنيه وقلبه عن سماع آيات الله التي فيها تبديل للكفر والسيئات بالحسنات. المقدم: وهناك آية أخرى أيضا أعتقد أنها تتحدث في نفس المعنى (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) [الأحقاف:16] د هداية: ليس منهم بل عنهم مثلما قلنا (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [الشورى:25] فالتوبة منذ عهد آدم عليه السلام لم تأت ذاتية أبدا - ليست منه - فلم يقل تبت إلى الله من نفسه، فأكبر دليل أن الله يقبلها عني أنه هو الذي أعطاني إياها وليس المعنى ان الله يمن على العبد ولكنه يطمئنه انه قبل هذه التوبة حتى وان قالها بطريقه غير صحيحه لغويا فهو يقبلها عنك ويصححها. المقدم: قال تعالى (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) وليس اسوأ سيئاتهم وكذلك (فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ) كل هذه التساؤلات سنجيب عليها بعد الفاصل. ********فاصل ********** المقدم: في سورة الزمر قال تعالى (لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) وفي الآيه السابقه عن سيئاتهم كلها وكذلك في أصحاب الجنة د هدايه: لانك شرعت فالناس تقول انه تاب ومات قبل أن يعمل العمل الصالح أنت تتكلم هنا عن السميع الخبير هو يعلم ان كنت ستعمل أو لا تعمل لا يستوقفك هذا - تعامل مع الله بما هو أهله لا بما انت أهله . المقدم: أليس بطريقة الحسبة تطمئن فالحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها . د هدايه: (لِمَن يَشَاء) المقدم: أليس هذا في حد ذاته يطمئن من طريقة الحساب . د هدايه: هو يطمئن ولكن يطمئن من؟ النفس المطمئنة التي يقال لها عند الموت (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) التي تعبت جداً فى الدنيا والتي دائماً ما كانت تعاتب صاحبها على السيئات بل وتحاسبه على الحسنات أيضاً فتقول له كان من الممكن أن يكون افضل من ذلك فهذا الانسان يعيش في صراع دائم مع نفسه فانتقل من القلق فى الدنيا إلى الاطمئنان فى الآخرة ويقال لها (ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي) وهذه (فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ). المقدم: نلاحظ في هذه الآية ما يبدو انه تكرار ولكنه أكيد ليس كذلك فـ(راضية) تعود على النفس ومرضية تعود على النفس أيضاً . د. هدايه: لانك عملت عملاً يساوى عشر حسنات فحين تجد العشر حسنات تكون راضياً أما إذا وجدتها مائة ألف ستكون مرضياً. فيريد ان يقول لك لن تقف عند راضية أبداً لأن هذا عطاء الكريم . المقدم: لماذا عندما تجاوز المولى عن السيئات لم يقل أسوأ ؟! د. هداية: إذا قرأتها وشعرت بالقلق إرجع إلى سورة الزمر وتذكر أنه يكفر أسوأ؛ لأنه إذا كرر كلمة أسوأ مرتين أو ثلاثة أو أربعة فافترض أنك تعمل أسوأ، لكنه بهذا افترض أنك تخطئ الخطأ الكبير مرة واحدة. وعندما يلفت نظرك إليها المفروض أنك لا تفعلها ثانيةً، فآيات القرآن حاكمة معلمة فكلمة أسوأ جاءت في القرآن كله مرة واحدة لينبهك أنك لا بد أن تكون من الذكاء بمكان لتعي أن الكبائر لا تقع فيها إلا مرة. وبالرغم من ذلك نقول أن الذي وقع في الكبيرة أكثر من مرة لا ييأس (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) المقدم: في الآية الثانية (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) مسألة القبول هنا مختلفة عن التكفير والجزاء في سورة الزمر لماذا؟! د هدايه: لأن العقيدة السليمة عند المسلم أنه ساعة يخطئ الخطأ الذي كان لا بد ألا يقع فيه يكون في حالة من الخجل من نفسه ولا يستطيع أن يتكلم عن معصيته وإن كان يستطيع أن يصيغ صياغة صحيحة، فالمولى لذلك يطمئن المؤمن حتى لا تحاصره الخطيئة. المقدم: وهنا أيضا ملمح آخر في مسألة تقبل أحسن الأعمال (أن الله طيب لا يقبل إلا طيبا) ولأن مقامه كبير جدا لا يقبل إلا أحسن الأعمال. د. هداية: لا هو هنا يعطيك أعلى درجة أخذتها على أحسن عمل عملته. المقدم: في سورة الزمر صيغة المفرد (يكفر الله عنهم) لكن في الآية الثانية جمع (أولئك الذين نتقبل عنهم) لماذا هذه الفروقات ؟! د. هداية: هنا تتضاعف الرحمة فتكون صيغة الجمع للتعظيم، لأنه من مداخل الشيطان أن يقنطك ويقول لك أنت أخطأت في الكبير المتعال سبحانه وتعالى فلن يغفر لك. لا فهو كبير نعم ورحمته أيضا وسعت كل شئ سبحانه وتعالى، فهذا يعطينا مزيد من الإطمئنان المهم ألا نُحاصر بالمعصية ولا تحيط بنا الخطيئة فتبعدنا عن رحمة الله سبحانه وتعالى. المقدم: (وعد الصدق الذي كانوا يوعدون) د. هداية: (كانوا) لأن هذا الوعد كان عندهم. الذي سيدخل النار أعاذنا الله منها لأنه لم يأخذ بالوعد فالوعد كان عنده بقرآن استهزأ به وسخر منه ورسول سخرت منه وصحابة وضعتهم موضع اتهام وكان لا بد منك ألا تقف عند أحد، وإذا سمعت عن الصديق تقلده أو عن عمر رضي الله عنهم ولا تقول أنهم كانو يعيشون مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولن أستطيع أن أفعل مثلهم، المهم أن تعمل ولا تلتفت إلى مثل هذه الأمور. وفي هذه الآية أيضاً نوع من الحسرة والملامة فالوعد كان موجود وهم الذين رفضوه. المقدم: لماذا وصف الوعد بالصدق ؟! د. هداية: هنا أريد أن أوضح أن القرآن كله عمل ليس فيه أمور نظرية. الذي اتبع الشيطان والوسوسة، هل هذا صدق بالحق عندما جاءه أم كذب به؟! المقدم: كذب به. د. هداية: الذي صدق بالصدق لابد أن يعمل والذي كذب أيضاً يعمل، الأول عمل بالتصديق وكانت أعماله خير والثاني عمل بالتكذيب. فالمسألة لا تقف عند القول؛ لأن الذي صدَّق بالصدق دليل صدقه هو العمل. فالإشكالية أن بعض الناس فهمت آيات القول عند حد القول (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) أنت كمسلم واعي لا بد أن تفهم هذا الحديث الصحيح على مراد الله ورسوله، فلو سلَّمنا هنا أن كلمة قال هنا تقف عند حد القول لكان المنافق في الجنة. وإنما معناها قال وعمل بما قال، لذلك عندما عرفوا الإيمان - كل الحكماء والفقهاء والصحابة والتابعين وتابعي التابعين - قالوا: الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل. المقدم: إذا تكلمنا عن آليات تقويم النفس وننظر للأخطاء التي نقع فيها وكيف نقع فيها، ما العمل الذي مع الذي يعمل عملا منفكاً عن عمل، مثال: الراقصة التي تقول أن الرقص فن ورسالة ورغم ذلك تذهب للحج كل عام. واستوقفتني كلمة لفنانة من الفنانات عندما سألتها الصحافة أنها لماذا تقدم هذه الأعمال وترتدي فيها ملابس غير محتشمة، فكانت إجباتها غريبة حيث قالت: ماذا تنتظرون من إمرأة مثلي (راقصة)؟! د. هداية: من مجمل هذا القول - لأنه ممكن أن يقال بأكثر من طريقة وفي أكثر من مكان - نفس الذي قيل في (20،21) سبأ. الذي حدث مع هذه وذاك هو الذي تم تحذيرنا منه في (20،21) سبأ. ما الذي حدث بين عمل إبليس معنا؟! وكيف اشتغل هو ولم يفتر في سبيل ما أقسم به وعليه؟! ونحن نسينا هذا التحذير الإلهي لنا في كل آيات القرآن من هذه الوسوسة وهذا التزيين. فالمثال الذي قلته أنت يبين أن هناك تزيين وهي مخدوعة به (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال:48] المقدم: (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف:104] ********فاصل ********** المقدم: نذهب لسورة سبأ (21،20) (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) كلمة صدَّق ما الفرق بينها وبين صَدَقَ ؟! د. هداية: لا بد أن نسمع الآية أكثر من مرة لتعرف مراد الله فيها، وتخيل لو كانت (لقد صَدَقَ إبليس عليهم ظنه) الفرق هنا في عمل إبليس لكن الصياغة الثانية تعني أن صدق إبليس في ظنه فيهم لكنه لم يقل صَدَقَ بل قال صدَّق. سأشرح بمثال لأوضح: أنت سألتني عن رجل فقلت لك عنه أنه لا يصلح للمهمة التي كلفته بها وهذا الرجل أنا لا أعرفه، والحقيقة أنه كان يصلح للمهمة، ولأنني شخص غير أمين ولست على خلق سأجتهد بكل ما أملكه من جهد حتى أبين هذا الرجل غير مؤتمن على المهمة، لا بد أن أحتال. فكلمة صدّق تبين أنه سيبذل أقصى ما في جهده لكي يحقق ظنه لذا فأقول أن إبليس لعنة الله عليه اشتغل على الظن وليس على العلم. والظن عندما تطلق في القرآن تأتي إما بمعنى العلم - وهذه لله - وإما بمعنى الوهم، وهذه التي اشتغل منها إبليس. وماذا كان ظنه ؟! المقدم: أن هذا الإنسان ليس بأفضل مني. د. هداية: (قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) [الأعراف:12] [(ص):76] هذا كان التبرير من البداية، فالصراع ليس من عندنا نحن ذرية آدم بل من عهد آدم عليه السلام والذي أقسم هو إبليس نفسة لعنة الله عليه. وبماذا أقسم ؟! أقسم بعزة الله سبحانه وتعالى أن لن يفتر عن الغواية والإغواء. وهذه هي صدَّق أنه بذل ما في وسعه لكي يحقق ظنه. وطبق عليها ما قاله المولى عز وجل في سورة يوسف (106،103) فإبليس أوعى منا في القاعدة الإلهية (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) وقلنا أن هذا توصيف جديد (مؤمن مشرك) وليس (مسلم مشرك) لكانت مقبولة نوعا ما (قالت الأعراب آمنا...ولما يدخل) لكن عندما يقول (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) فهذه خطيرة جدا ومصيبة كبيرة. كلمة صدّق إذن تبين أن عمل إبليس لم يقف عند صدَقَ بل صدَّق عليهم ظنه وليس علمه. إذا عملنا مثلما عمل هو لكنا أخلفنا ظنه. المقدم: لو كنا اتخذناه عدو. د. هداية: بالضبط (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر:6] فنحن لم نطبقها وكانت النتيجة أنه صدّق علينا ظنه بعمله واشتغاله لهدفه الذي ضيع جهد كثيرين منا. المقدم: (فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) نجد في هذه الآية أن المولى عز وجل وحَّد الخارجين من سطوة وسلطان إبليس في فريق واحد. د. هداية: لكي لا يعترض أحد على مسألة الفرقة الناجية، التي هي جماعة على الأقل متشابهة في السلوك لكي لا ندخل في متاهات المذاهب، لكن فعلا كلمة فريق نفسها تعطي معنى التجانس بين أعضاء الفريق ومؤكد أن الفريق له مبدأ واحد وهذا المبدأ لو أنك إنسان واعي تدرك أنه لا يمكن أن يكون مبدأ بشري. المقدم: مبدأ إلهي. د. هداية: الموقف ساعة الخلق (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [البقرة:30] الملائكة تلقت هذا الخبر وكذلك الجن لكن شتان بين التلقيان لو انتبهت لكلام الملائكة - رغم كل ما قيل فيه من بعض المفسرين على وجه الصواب والخطأ - كانت الملائكة غيورة على التوحيد لأنه قال (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ)، أما الجن فمن أول لحظة ظهرت نية إبليس أنه سيوقع بآدم وذريته، فهنا نجد فريق حريص على التوحيد لأنه يعلم - علم إدراك اليقين - أن هذا الإله واجب الوجود وأنه واجب التسبيح وأنه واجب التوحيد وأنه لا يصلح معه شرك وأن مناهجهه تتعدد ولكن شرعه واحد. السؤال هنا هل الجن هذا المخلوق يفهم هذا أم لا ؟! المقدم: يفهم. د. هداية: لكن ماذا فعل ؟! المقدم: أولا ترك منهج الله وأعمل عقله وهواه لما قال (خلقتني من نار وخلقته من طين) د. هداية: وانتبه للنقطة الثانية لأنه لما قال (فلا تلوموني..) كان على صواب. فهو أوقعنا في الشرك لكن هل أشرك هو؟! لاحظ أن في كل آي القرآن إبليس لعنة الله عليه لم يشرك، فهو دفع فرق للشرك على مر الديانات حتى من الموحدين فأنا أعتبر هذه الآية من الأهمية بمكان وأن نضعها على مكاتبنا وفي أذهاننا (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) والذي نجح في أن يوصلنا لهذا هو إبليس رغم أنه لم يشرك، وعندما كتب الله النجاة منه كتبها لفريق. المقدم: (قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) [الحجر:41- 42] د. هداية: من هم (عبادي)؟! هم هذا الفريق الذين يسيرون بمنهج إلهي وليست أي فرقة أو مذهب أو ملة أو، أو.. التي تدخلت عبر الديانات. المقدم: (وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ). د. هداية: هنا آية توقيع لا تخدم في المعنى وهناك توصيف المولى تركك تأخذه ليس من كلام رب العالمين لكن تأخذه من كلامه هو (إبليس) عندما قال (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [ابراهيم:22] أنتم المخطئون، ولماذا استجبتم (لنعلم) فالآية هنا آية توقيع لا شرح، رب العالمين هنا يقول لك أن هذا الحوار حدث بينك وبينه فاعلم ماحدث بينكم من كلامه. المقدم: وعندي أسئلة كثيرة ونكمل في الحلقة المقبلة وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته بُثّت الحلقة بتاريخ 27/4/2010م |
طريق الهداية التوبة و الاستغفار 133 شرح آيات سورة الجن [1-5] المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية، ونحن نعيش في صراع أو مباراة دائمة مع الشيطان أليبس هذا معناه أننا نحتاج لياقة؟ مثل اللاعب في المباراة لا بد أن يكون عنده لياقة فهل نحن نحتاج لياقة إيمانية؟ ولماذا يقبل بعض الناس بالمناعة الضعيفة رغم أنهم يستطيعون أن يكون عندهم مناعة قوية؟! ونحن في سورة سبأ قلنا أن إبليس ظن في بعض الناس من بني آدم أنهم لن يكونوا من الشاكرين أو من المنضبطين، هل عندما فعل إبليس كل هذا وأوقع بكثير من الناس في الشرك هل هو أشرك شخصياً؟! وسنجيب معاً على هذه الأسئلة لنصل إلى اللياقة الإيمانية. د/ هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليما كثيرا وبعد. هي قضية يختلف الناس في تحليلها وتلقيها - لكنها ثابتة عند أهل العلم - لأن كل شخص يحاول أن يفهم بحالته هو ومن منطلق أفعاله. المقدم: قبل أن تجيبني عن السؤال الأول هناك نقطة مهمة جداً أحيانا بعض الناس تقول بعد أكثر من 14 قرناً من بعثة الرسول (صلى الله عليه وسلم) نجد كثيراً من أمة الإسلام لا يستطيعون أن يتعاملوا مع هذا الكتاب ولا أن يقرأوه ولا أن يستنبطوا بعض الأحكام خصوصاً في الجانب العقائدي الذي نؤكد عليه منذ سنوات في برنامج طريق الهداية، فهل نحن لا نزال في احتياج لإعادة استقراء؟! وهل نحن في كل زمان نحتاج لقراءة القرآن واستخراج الأحكام لأن بعض الناس تتحجج بإنشغالها بطلب المعيشة؟! فهل نحن نحتاج لقراءة جديدة تثبت العقيدة لدى الإنسان المسلم؟! د/ هداية: هذه النقطة التي تحدثت فيها تبين علة النقطة التي كنت سأتحدث فيها، فمسألة أن كل شخص يتعامل مع القرآن من حيث تلقيه هو في حالته العقائدية، تأتي من عدم تدبر القرآن على الوجه الذي يرضي الله تبارك وتعالى. تلقي القرآن يختلف من فرد إلى فرد وهذا الذي يجعل العقيدة والعبادات والمعاملات تختلف، فالعقيدة هي أساس للعبادات والمعاملات. مثال/ الصلاة ركن من أركان الإسلام وهي عبادة، ما علتها؟! لماذا أمر الله تبارك وتعالى بهذه الفريضة؟! وكثير من الناس لا تنتبه لمسألة أن العبادات تؤدي لصحيح المعاملات. اسمع قوله تعالى (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت:45] وتأمل عندما تجد القرآن يجعل الصلاة فاعل (إن الصلاة تنهى)، فإذا وجدت رجلاً يصلي وبإلتزام لكنه يتعامل بطريقة خاطئة فهو يصلي ويسرق ويكذب ويغش ويضل، هنا حدث انفكاك بين العبادة والمعاملة فالصلاة لم تنهه عن الفحشاء ولا عن المنكر لكنه يصلي ماذا تسمي هذا؟! المقدم: إذن الخطأ في نوعية الصلاة. د/ هداية: في طريقته في الصلاة وهذا جاء من تلقّيه الكتاب ليس على مراد الله تبارك وتعالى. المقدم: هل تعتقد أن من ضمن الأسباب هي الطريقة التي تربى عليها الناس منذ الصغر، بمعنى أن الأطفال عندما يبدأون تعلم الكلام يصبحوا كثيري الأسئلة وللأسف ليس كثير من الآباء يتنبهوا لخطورة هذه المرحلة في تكوين شخصية أبنائهم فيتهربوا من الأسئلة بعدم الإجابة وأحياناً يلقوا باللوم على الطفل، مثلا عندما يأتي أب ويعلم ابنه الصلاة فيسأله الولد نحن لماذا نصلي؟ فيجيب لأنها فرض علينا، وكأن الرسالة التي وصلت للولد أننا نصلي بدون سبب. د/ هداية: هذه هي النقطة التي نتحدث فيها فيوجد كثير من التفاسير للقرآن وأنا كمسلم أختار منها أقبل ما أقبله وأرفض ما أرفضه لكني لكي أقبل أو أرفض لا بد أن أقرأ أولا، فالأب هنا لم يستعرض الآيات التي تبين الحكمة من الصلاة أو من الصيام أو من الحج، ولماذا جعل الله الحج بالطريقة التي فرضها على عكس الصلاة وعلى عكس الصيام؟! كل عبادة لها طريقة وبالتالي هي تقوم مقام يدفع في ناحية المعاملات. مثلا في الحج (من حج ولم يرفث ولم يفسق عاد كيوم ولدته أمه) إذن هناك معاملات داخل العبادة نفسها، وإذا لم تتم على الوجه الذي يرضي الله تبارك وتعالى إذن فأنت لم تؤد ولم تفهم مراد الله تبارك وتعالى. فالموضوع صعب فبعد الحلقة الماضية فتحت مناقشات جميلة جداً فقلنا أن إبليس لم يشرك وجاء سؤال أنه طالما اتبع هواه فهذا شرك، ونقول أن هذا توصيفك أنت وليس توصيف أهل العلم. ما هو الشرك؟! فانظر بعد كل هذه القرون ولا نزال نُعرِّف الشرك والإيمان وما الفرق بين الشرك والكفر. فهذا السؤال سأجيب عنه لكن بعد أن أعرض لسورة الجن أولاً: كيف تلقى الجن القرآن؟! وكيف تلقينا نحن القرآن؟! ثانياً: كيف اتخذ الجن السبيل بعد تلقيه القرآن؟! وكيف اخترنا نحن السبيل؟! مع العلم أن الجن إلتزم بما وعد به وبما أقسم بالله عليه (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [ص: 82] المشكلة فينا نحن المولى عز وجل حذرنا ولم ننتبه للتحذير، ونبهنا الرسول (صلى الله عليه وسلم). حديث الرسول الذي تكلم فيه عن السبع الموبقات في منتهى الأهمية والخطورة وعندما تسمعه على المنابر يقوله الخطيب بطريقة خاطئة ويرتبه ترتيباً خاطئاً ويأتي مثلاً بأكل مال اليتيم قبل الشرك والسحر، حتى ترتيب الحديث له أهمية عندما يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) (اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك، والسحر.. ) لا يصح أن أقول أنا في البداية (قذف المحصنات الغافلات) التي هي آخرهم، فكل ترتيب في الحديث له غاية وهدف. لماذا أتى الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالشرك أولا؟! لأنه أساس العبادات والمعاملات التي هي عدم اللياقة العقائدية التي تحدثت عنها. لا بد أن أكون لائقاً فالناس يشركون بالله دون أن يستوعبوا فعندما تتوجه لضريح بعينه أو إلى مسجد بعينه ولا أسأل الله إلا في هذا المسجد، أو عندما يقول شخص فلان فعل تلاحظ الشرك من كلامه، لكن المتكلم وكثير من المستمعين لا يستوعبون الكلام. المقدم: وأيضا من ضمن الأشياء التي حذرنا منها الرسول (صلى الله عليه وسلم) أننا نتفرق على طرق وما إلى ذلك. د/ هداية: الناس الذين حافظوا على كلام الرسل وعملوا بما جاء به، الناس الذين اهتموا بتلقي القرآن، ففي سورة الجن ستلاحظ أموراً ما انتبهت إليها قط. اسمع كيف تكلم الجن عن القرآن وكيف تكلم الإنس عن القرآن فالقرآن نزل للإنس والجن، وأنا أقول لك الآن وقبل أن نسمع الآيات أن الكثير من الناس سيفاجأون بأمور لم ينتبهوا إليها من قبل لتعلم أنه ساعة أنزل الله عز وجل هذا الكتاب أنزله بطريقة معينة: فتور الوحي فترة، ثم عودة الوحي مرة أخرى، ثم الآيات المكية، ثم الآيات المدنية، ترتيب سور النزول، ترتيب سور الجمع، كل هذا ليس عبثاً أو صدفة، ونحن لم ننتبه لكل هذا. فالتفسير اليوم كماليات من كماليات الإسلام، عندنا مكاتب تحفيظ القرآن ويهتم المسلمون بها كثيراً هل سمعت عن مكتب تفسير قرآن؟! المقدم: لا د/ هداية: لأن إبليس ينجح في هذا فنحن نفرح بالولد الذي يحفظ القرآن. المقدم: لكنه لا يفهم. د/ هداية: وطالما أنه لا يفهم فلن يؤدي، فهو قاصر على الحفظ فكيف تنتظر منه أن يؤدي على مراد الله؟!. المقدم: وسيكبر على عدم الفهم وممكن أن يعتلي المنبر بهذه العقيدة غير السليمة. د/ هداية: نحن نجد أحياناً الخطيب على المنبر لا يقول جملة لغوية صحيحة، لا يقيم الخطيب جملة لغوية صحيحة، لا يؤدي الحديث على ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى المتشابه من الآيات، اللفظ الذي به اشتراك لفظي، اللفظ الذي به معنى وإثنين وثلاثة، كلها قشور وسطحيات لأننا لم نسمع أبداً عن مكاتب تفسير القرآن وكان الواجب أن يكونوا جنباً إلى جنب مكتب التحفيظ بجانب مكتب التفسير. المقدم: نأخذ فاصل ونستعرض الآيات معاً. ********فاصل ********** المقدم: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا * وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا * وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا * وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا * وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا * وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا) [الجن:1-7] هناك وقفات كثيرة مع الطريقة التي تلقى بها الجن القرآن والطريقة التي وصفت بها الجن القرآن، ونجد أن الأمور عند الجن واضحة جداً بأن المولى عز وجل لا يمكن أن تكون له صاحبة أو ولد وأنه تعالى عن هذا. فلماذا نجد في عالم البشر كثيرين أخطأوا هذا الخطأ ووصفوا المولى بما ليس يليق؟!. د/ هداية: من أول كلمة في الآية تجد مفاهيم لن تخطر لك ببال، أولا (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ) إذن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يشعر بهم يعني النفر استمع ثم أوحي إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) أنه استمع نفر من الجن. ولا بد أن ينتبه الناس لهذه الآية من كتاب الله هل تلقيناها كما تلقى الجن الكتاب ؟! بالقطع لا. والجن هنا يعترف بخطأ هو وقع فيه وبعضهم وقع فيه. المقدم: (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا) د/ هداية: بالضبط وتسمع صدقاً في الأداء واعترافاً بالخطأ. ويجب أن أوضح نقطة أن الجن الذي كفر يعلن ذلك ليس عنده مشكلة، والجن الذي أسلم اعتبر الكفر خطأ وقطع الطريق وأسلم على مراد الله تبارك وتعالى، لكن الآيات لها مدلول مختلف عما يحدث في مجتمعنا هذه الأيام: فلان ملبوس، فلان ممسوس، وفلان أخرجنا منه جن، وفلان داخله جن، وفلانة عليها جن كل هذا كلام غير وارد!. المقدم: ونجد المجلات التي تعتمد في مبيعاتها وتوزيعها على أخبار مثل اكتشاف أن فلان متزوج من جنية. د/ هداية: إسمع الآية (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ) فالجن استمع دون أن يشعر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلا أن أوحي إليه وعلموا أنه قد كلفهم الله تبارك وتعالى بالقرآن كما كلف الإنس، ولن تصدق ماذا كان أول إحاطتهم بالقرآن: أن الجن حاول أن يخترق السماء فوجد أن هذه العملية مُنِعَت، كبيرهم سُئل هل تغير شيء؟ وهذه نقطة فارقة لما يحدث في المجتمع الآن من كذب، ومن غش، ومن مرض نفسي يتحول إلى ملبوس وممسوس، فالذي أريد أن أقوله أن الجن استمع دون أن يرى الرسول (صلى الله عليه وسلم) ودون أن يعرفه إلا أن ماذا؟ المقدم: تغيرت وقائع السماء. د/ هداية: فبدأوا يبحثون وعلموا أن هناك كتاب أنزله الله تبارك وتعالى وإكراماً لهذا الكتاب ولنبي هذه الأمة مُنِع استراق السمع. (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا) من الذي أخبرهم أن هذا قرآن ؟ كيف عرفوا أنه قرآن؟! سأسأل سؤالاً وأريد أن يتلقى الناس على مراد الله، كان الصحابة عندما يسمعون القرآن يعودون لبيوتهم يتدبروا ثم يسألوا. أنا أريد أن أنبهك لنقطة كيف عرفوا أنه قرآن ولو أننا صغنا الآية بطريقتنا سنقول (قرآن من يسمعه يتأكد أنه عجيب في صياغته) فهم قالوا (قرآنا عجبا) فهل هناك قرآنا ليس عجبا؟! إذن صياغة هذا الكتاب لله تبارك وتعالى مهما كان المتكلم: رجل كافر، رجل مسلم، نبي. وهذا هو الفرق بين القرآن والحديث القدسي أن القرآن كلام الله بوحي الله صياغة الله بعكس الحديث القدسي صياغة الرسول (صلى الله عليه وسلم) لذلك لا يُتعبَّد بتلاوته. إذن كلمة قرآناً عجباً لا تتعجب منها لأنها ليست من صياغة الجن، فهي صياغة المولى عز وجل لكن على لسانهم. هم تعجبوا من صياغة هذا الكتاب بماذا قارنوه؟! بالتوراة، بالإنجيل لكن المحرّف المؤلَّف وليس المُنزَّل، ولذلك هل انتبهت لنقطة تأكيدهم على الوحدانية اسمع الآيات (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) فعلمنا به؟! لا (فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) إذن الشرك هو الخطأ الذي يمكن أن يُرتكب مع الإيمان أي في تطبيق الإيمان ممكن أن تشرك لكن لا يمكن أن تكفر وأنت مؤمن، كان من الممكن أن يقولوا (ولن نكفر به) لكنهم قالوا لن نشرك لأن هذه هي المصيبة الكبرى. المقدم: إذن هم تكلموا بما وصل إليهم منذ قرون قبل بعثة محمد (صلى الله عليه وسلم) منذ وفاة موسى عليه السلام ورفع عيسى عليه السلام. د/ هداية: هم اعتبروا كل هذا شرك. أريد أن ألفت الأنظار لنقطة، اليهود لعنة الله عليهم ساعة قالوا عزير ابن الله اعترضوا على هذا وعندما تنصر اليهود وقالوا المسيح ابن الله اعترضوا على هذا أيضاً. لذلك قالوا (فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) لأنهم يعرفون أن الكتب السابقة تدخّل فيها الشرك. المقدم: أول شئ تكلم عليه الجن بعد أن أقروا أن هذا القرآن عجيب قالوا أنه يهدي إلى الرشد وأنهم آمنوا بما جاء به وينفوا عن أنفسهم صفة الشرك. د/ هداية: إذن هم يقارنون القرآن وهم في غاية التلقي لقولهم لفظ (عجبا)، لذلك لا تتعجب من (قرآنا عجبا) لأنهم لا يعرفوا أيّ كتاب هذا لكن إبداع هذا اللفظ يبين أنهم كانوا في غاية التلقي واعتبروا إمتلاءه في الصياغة والبيان قرآنا عجبا وهذه صفة القرآن عندهم فماذا يفعل هذا القرآن في تابعيه أو في الذي نزل عليهم؟، فهذا منهج يجب ألا يُتجاوز، وألا يتجاوز أي نص من نصوصه في كل الأمور العبادات، المعاملات، العقائد. قف عند كلمة (نفر) يعني ليس كل الجن، النفر في اللغة من 3 إلى 10 إذن عندما عرفوا أن هناك قرآن سينزل في وقت معين عن طريق رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) أرسلوا 10 أو من 3 إلى 10 متميزين، كلمة (نفر) تبيّن أنك تنتقي (وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا) [الإسراء:6] أناس متميزون، فالجن أيضاً أرسلوا المتميزين منهم ليسمعوا ويعودوا لهم بالنتيجة. فتستطيع أن تقول تأدب الجن مع القرآن تأدباً لم يفعله البشر. فهؤلاء عندما يعرضوا لما سمعوه دونهم يفهم منهم أفضل مما إذا كان سمع هو، لأنه طالما عجباً فيحتاج طريقة معينة في الشرح لكي تطبقه. (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا) قالوا للبقية عندما عادوا (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) كلمة الرشد لا بد أن نقف عندها ما الرشد؟! المقدم: يعني أنه له علاقة بما كان فكراً ضالاً وضلالاً قبل هذه الآيات. د/ هداية: أنه بدون القرآن لا يوجد رشد إنما تيه وضلال والقرآن أكد المعنى الذي قالوه بصياغات لكن الناس لا تنتبه إليها (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) [يوسف:1-3] الكلام إلى رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) المقدم: تقريباً نفس المعنى أنه قبل نزول القرآن الذي يقص القصص الواضح الذي لا لبس فيه يبين كل الحقائق ويهدي إلى الرشد بدلاً من الضلال. د/ هداية: بالضبط قال (وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) هل هذا سبّ في رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟! لا، لكنها غفلة بمعنى أن محمد (صلى الله عليه وسلم) لم يتعلم قبل القرآن أي شيء، لذلك كان كالصفحة البيضاء يؤثر فيه القرآن أيما تأثير لأن لا تأثير لشيء قبله. تلقي القرآن لشخص اصطفاه الله تبارك وتعالى لهذه الرسالة كان لا بد أن يكون على شاكلة محمد (صلى الله عليه وسلم) لم يتعلم قبل القرآن شيء فلا يوجد عنده ما يشوش أفكاره. المقدم: (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) [العنكبوت:48] وسنكمل إن شاء الله بعد الفاصل. ********فاصل ********** المقدم: نكمل في مسألة الرشد أيضا لكن عندي سؤال أن الجن بعدما شعرت أن هناك شيء تغير بدأوا يسألون وعرفوا أن هناك نبي وينزل عليه الوحي من السماء فسمعوا هذا الكلام وعلى الفور عرفوا أنه منزل من السماء (فَآمَنَّا بِهِ) لماذا الفاء؟! ولماذا الجن هكذا سألوا سمعوا أيقنوا آمنوا ونقلوا ليُطَبَّق هذا المنهج، بينما الإنس عندما سمعوا نفس الكلام من نفس الرسول قالوا أنه إما شعر أو سحر وكل الإتهامات الباطلة التي اتهم بها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟! د/ هداية: إن الجن ساعة استمعوا للقرآن قالوا (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا) وفيها شرح كثير (* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) هذه هي قالتهم عن القرآن في مطلع سورة البقرة قال (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) وفيها توصيف آخر (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) انظر لهذا التوصيف هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، أليست هذه تؤدي ما قاله الجن في حق القرآن أنه يهدي إلى الرشد ؟! إذن انفعال الجن بالقرآن هو انفعال أدى إلى فهمهم لحقيقته فوصفوه هذا الوصف (عجبا، ويهدي إلى الرشد) نأتي للبشر: الذي فهم القرآن من البشر أداؤه يختلف عن الذي لم يفهمه - وهم عدد محدود لكن الباب مفتوح والذي يريد أن يفهم القرآن على مراد الله تعالى سيصل - نجد عند المفسرين الفيصل في قوة تفسيره أعماله طريقته في التعامل وإلا ففهمه ليس له معنى. المقدم: لا بد أن نفهم أن العلاقة تبادلية بين الفهم والتطبيق. د/ هداية: بالضبط في آيات سورة الجن، الجن الذين قالوا هذا الكلام موافقين على الذي فعله إبليس أم لا؟! ثانياً: هل يستطيعون أن يطبقوا هذا بأن يسجدوا لآدم مثلاً أم أنهم مدركون أنهم طالما لم يوجدوا في هذا العصر فليس عليهم ذنب؟! المقدم: لكن هم أيضاً فعلوا شيئاً للأسف البشر لم يفعلوه، أنهم وصل لهم قبل بعثة محمد (صلى الله عليه وسلم) بعض الأفكار والعقائد التي انتقلت من بني البشر لبني الجن أن المولى عز وجل يمكن أن يكون له ولد. د/ هداية: هناك أيضاً جن يهودي فهناك جن تهّود وجن تنصّر، ولذلك الجن الذي تلقى رفض هذه الفكرة وقالوا أن هذا التهويد أو التنصير الذي حدث هم لم يفهموا حقيقته، وأن هذه المسألة واضحة لم تكن تحتاج اللبس الذي وقع فيه السابقون عليهم. السؤال هنا لماذا تكلموا عن الشرك وليس الكفر؟! لأنه مهلك. فإبليس كفر لكنه لم يشرك وهم كانوا حريصين على هذا ولذلك قالوا (وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا). المقدم: يعني هم سمعوا أن هناك إله لكن هذا الإله له صاحبة وله ولد حسب ما تناقلت البشرية قبل ظهور محمد (صلى الله عليه وسلم) د/ هداية: سأصحح لك نقطة كما تناقلتها الكتب المحرفة والمؤلفة في العرض على البشرية. ففكرة العزير ابن الله أو المسيح ابن الله ليست لكل اليهود أو لكل النصارى بل قالتها طائفة من اليهود من الناس من وافق ومنهم من رفض. الصراع الدائم بيننا وبين إبليس على ماذا؟! على إيقاعك في الشرك فهو لا يستطيع أن يجعلك تكفر إنما يستطيع أن يجعلك تشرك وخذها من الآيات [103] يوسف ومن [106] يوسف واعتبرها قاعدة فالذي يقع فيه المسلمون الآن شرك وليس كفراً، مؤمن كافر أم مؤمن مشرك أي الحالتين لها إحتمالية في الحدوث ؟! مؤمن مشرك وإبليس فهم هذا (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) إذن يمكن أن نقول أن الناس من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة أكثرهم كفرة والنسبة الأقل مؤمنون في الآية [106] يوسف جعلت النسبة القليلة أيضا أكثرها ليست سالمة (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) نقف هنا هل إبليس اشتغل على النسبة الأكثر وهي الكفرة؟! لا، لأنهم جنوده ومساعديه، وعندما اشتغل على النسبة الأقل (المؤمنون) أوقعهم في الشرك هذه هي القضية الخطيرة. عندما تسمع سورة الجن (وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) هم خائفون من الذي يحدث للمؤمن وهو الوقوع في الشرك ولذلك أيضاً مسألة الكفر غير واردة، فالنفر الذي استمع خائفون على أنفسهم من الشرك. هذه النقطة من أخطر نقط التلقي ولا بد وأنت تقرأها أو تستوعبها أو تشرحها أن تكون حذراً لأن مفاهيم الناس عكس سورة الجن تماماً. المقدم: لكن من الإنس والجن من أخطأ (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا) فكلمة سفيهنا عائدة على سفيهي الجن. د/ هداية: على كبيرهم على إبليس لعنة الله عليه. المقدم: وفي الآية التالية (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) الإثنين. د/ هداية: لماذا قالوا هذه الجملة؟! هذه آية إعتذار عن تصورهم، يعني الذي قال في لحظة أن المسيح ابن الله أو أن عزير ابن الله، هم يقولون أنهم قالوا هذا لأنهم كانوا معتقدين أنه لا يوجد أحد ممكن أن يتجرأ هذه الجرأة على الله عز وجل المقدم: وأن يفتري هذا الكلام الكبير في حق الله تبارك وتعالى د/ هداية: فلهذا اعتبرناه صدقاً، يعني هنا هم يعتذرون ويعدِّلون المفاهيم من الشرك للإيمان. والتبرير هنا منطقي جداً فأنت يمكن أن تكذب على أي شخص كان لكن تكذب على الله؟! ولو تذكر كانت هذه هي الآيات التي بدأنا بها وقلنا أن الصدق في مقابل الكذب فالذي كذب على الله هذا هو الذي ادعى النبوءة، وعندما تصدقه أنت وأسألك لماذا صدقته تبرر بأنك لم تكن تتخيل أن يكذب أحد على الله عز وجل وإذا سألتك ماذا تعتقد الآن؟ تقول أن الآن فهمت ورجعت وتبت، لكن متى قالوها؟ قالوها بعدما استوعبوا آيات القرآن. من الذي عدَّل لهم أفكارهم ومفاهيمهم؟! القرآن. أولاً هذه الآية رقم 40 في النزول فهم من المؤكد أنهم سمعوا آيات تنفي الشرك وتنفي الكفر فحدث لهم نوع من الإفاقة، وعندما سمعوا الآيات كذَّبوا الذي عرفوه والذي عملوا به وساروا مع القرآن وقالوا نحن فعلنا هذا لأننا كنا متصورين أن لا أحد يجرؤ أن يكذب على الله فنحن معذورون. هذا هو الإعتراف بالحق والعودة إلى الحق وهذا نوع من أنواع التوبة، اسمع (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) يريد أن يقول أننا اهتدينا وسنعدِّل مسألة الزوجة والولد وما إلى ذلك أننا كنا متصورين أنه لا أحد يكذب على الله (فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا * وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا) المقدم: عندي ملمح في كلمة (تعالى) أنه بهذه الكلمة ينزه الكبير المتعال عما اقترفه الإنس والجن. د/ هداية: عن أي توصيف آخر المقدم: وجزاكم الله كل خير وعندي أسئلة كثير جداً وسنجيب عنها في الحلقات القادمة بإذن الله ونحاول تصحيح العقيدة عن كل ما يشوبها من شرك بشرح كتاب الله الكتاب الذي يهدي إلى الرشد حقاً ونراكم على خير وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 25/5/2010م |
طريق الهداية التوبة و الاستغفار 134 شرح آيات سورة الجن [1-5] المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية، لماذا هذا الفرق الكبير بين الجن والإنس في تلقي آيات القرآن الكريم ؟! شئ غريب التكذيب الذي حدث من بني البشر حينما بشر الرسول (صلى الله عليه وسلم) برسالته الخاتمة، من تكذيب متعدد الأوجه أنه (صلى الله عليه وسلم) كذاب، أو مجنون، أو شاعر، أو ساحر، بينما الجن عندما تلقت آيات الكتاب الكريم حدث نوع من الإيمان، يقين أنه كتاب يهدي إلى الرشد، وحدث نوع من التوبة فيها تنزيه للمولى سبحانه وتعالى عن كل الصفات التي لا تليق بذاته سبحانه وتعالى والتي إدعاها ظلما وعدوانا بني الإنس وبني الجن. كيف نصل لما عرضناه في الحلقة السابقة أن يكون عندنا اللياقة العقائدية والإيمانية التي تجعلنا المنتصرين في معركتنا المصيرية مع إبليس وجنوده. كنا وقفنا في سورة الجن ولو نظرنا للآية رقم [3] التي تقول (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا) التي تبين اليقين بأن الله تعالى منزّه عن أي صفة لا تليق وأنه حقيقة هو ربنا الأعلى وليس بشرا متجسدا ولا له صاحبة ولا ولد وكل هذه الأفكار المغلوطة التي تدخلت البشرية في إيصالها بتراث غير صحيح ومشوه عبر القرون. د/ هداية: بإيعاز من الجن وبوسوسة من الجن، فكل ما تعترض عليه من أخطاء واعترض عليه الجن هذا هو ما نجح الجن فيه منذ أقسم وقام بعمله على خير وجه. بدليل أنهم سموا إبليس سفيهاً - أطلقوا عليه صفة أصبحت إسماً له - لأن هذا الكلام لا يقبل ولا يعقل ولا يتكلم به إلا من وُصف بأنه سفيه، بداية من معركة الكفر الأولى ساعة رفض السجود، وهذه قصة كبيرة كنا عرضنا لبعضها لكن سنكملها في مجال آخر. المقدم: لماذا هذا الفرق في التلقي بين البشر والجن ؟! د/ هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليما كثيرا وبعد، السبب الرئيسي أن بعض البشر للأسف جُبِلوا على اتخاذ القرآن كتميمة، كأحجبة، كبركة (معظم النار من مستصغر الشرر). مثال/ حتى الآن في مجتمعنا فلان مريض يأتي شخص يضع يده على رأسه ويقرأ قرآن، وسألت مرة أحد هؤلاء عن سبب فعل هذا هل القرآن يسير من خلال ذراعه ليده ويصل لرأس المريض أم ماذا ؟! المقدم: هناك آيات للكبد، وهناك آيات للمعدة، وهناك آيات للمخ. د/ هداية: هذا الذي تتحدث فيه هو مكمن الخطورة وعين البلاء، وطبعا للأسف الشديد سكوت العلماء على هذا الموضوع جعله يستفحل، فعندما أراد الجنّ أن يوصِّفوا القرآن قالوا (قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد) ولم يقولوا يشفي المرضى ويخرج السحر وإنما قالوا يهدي إلى الرشد فهذا كلام رب العالمين. الله تبارك وتعالى في محكم التنزيل يوثق هذا الكلام (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) (هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) ثم قول الجن في سورة الجن (قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ) التوصيف والوظيفة، وهم كانوا صادقين في كل كلمة قالوها، والآيات فيها وقفات أرجو أن تفيد من فهمها على عكس معناها لأن الآيات تشرح أمور تغلغلت في المجتمع. ونحن أمام موضوع من أخطر الموضوعات على الإطلاق وهو موضوع الشرك أرجو أن نُوَفَّق لعرض حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) (اجتنبوا السبع الموبقات). وألفت الأنظار إلى شيء وأرجو أن نفهم والحديث صحيح وموجود في البخاري ومسلم قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): (اجتنبوا السبع الموبقات). قالوا: يا رسول الله: وما هن؟ قال: (الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات). لو انتبهت بالترتيب الذي قاله الرسول مهم جداً وممكن هناك نقطة تدفع إلى أخرى، أولاً قتل النفس يقول في حديث صحيح (من أعان على قتل امرئ ولو بشطر كلمة) لم يقل اقتل بل إذا قال الألف واللام فقط هذا حرام عيه الجنة، وقال في حديث بديع: (الآدمي بنيان الرب ملعون من هدمه) يريد أن يقول أن القتل شيء كبير، لكن الرسول قدّم السحر عليها هنا لأن السحر حدِّث ولا حرج فيما يحدث من كذب وافتراء وغش، وأنا أرى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قدَّم الشرك على السحر لأن السحر كله شرك. المقدم: الشرك سحر أم كفر؟! د/ هداية: الإثنين. المقدم: عندي في القرآن الكريم كلام الملكين ببابل: هاروت وماروت عندما يعلمان أحداً السحر (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ) [البقرة:102] د/ هداية: هذه هي الإشكالية التي تقابلنا مع الكثير من الناس ولا بد أن نُعَرِّف هنا ما هو الكفر؟ وما هو الشرك؟ الكفر أن تستر الإله الواجب الوجود فلا تؤمن به، ولذلك قلنا الكفر هو أول جنود الإيمان لأنك لا تستر إلا موجودا. الله تبارك وتعالى ليس موجودا في الحقيقة إنما واجب الوجود لأن موجود اسم مفعول ولو قلنا الله موجود فمن أوجده أولى بالعبادة، فلكي نصحح الجملة نقول أن الكفر أن تستر واجب الوجود سبحانه وتعالى. الشرك أنت تؤمن بهذا الإله لكن تتخذ له سبيل أو وسيلة أي تشرك معه غيره ويظهر معنى الشرك في آيات (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِيِ * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) [طه:25-32] ما معنى أشركه؟ أي ضعه معي في التكليف أشركه في المهمة. عندما استجاب المولى عز وجل لهذا الدعاء قال: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) [طه:43] فكلمة أشركه تبين لك معنى الشرك. المقدم: وعندما يتحدث القرآن عن الناس التي تتخذ أرباباً لم يوصف أنهم أرباب مع الله وإنما أرباب دون الله فسبحان الله حتى إذا أردت أن تشرك أرباباً مع الله لم يصلوا لمرتبة المولى عز وجل وإنما يكونوا من دون الله. د/ هداية: أي (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى:11]. التلقي هو الفيصل في العمل فلو تلقيت صح لن تضل ولن تشرك. المقدم: والذي يضل هذا كيف يُشرِك ؟ د/ هداية: ساعة تقول فلان معمول له عمل ونريد أن نفكه، وانتبه معي للألفاظ نسمع الناس تقول: هذا معمول له عمل بوقف الحال، هنا قف يعني المولى عز وجل يُسَيِّر الحال والساحر أوقفه، أو فلانة معمول لها عمل بعدم الزواج، انتبه للكلام هل معنى هذا أن المولى عز وجل كتب لها أن تتزوج وجاء الساحر الذي قام بالعمل وأوقف هذا الزواج إذن فهذا الساحر لا بد أن يُعبد؛ لأنه بالمنطق المجرد هذا الساحر أقوى من الله - حاشاه. المقدم: ممكن أن يكون هذا كله بأمر الله عز وجل (وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ) [البقرة:102] إذن مثل ما يقول القرآن، التفريق بين المرء وزوجه، يعني أسرة كانت هانئة سعيدة ثم تفرقت. د/ هداية: هنا السؤال في مسألة العقيدة ما عقيدتك أنت؟! أن المولى عز وجل كان مكتوباً عنده أن هذه الأسرة سعيدة وجاء الساحر وأتعسها. المقدم: الكلام الذي يقال أن الزوجة فجأة نظرت لزوجها ورأته قرداً، أو الزوج أصبح لا يطيق زوجته. د/ هداية: أنا لا أريد أن أتكلم في هذا لكن أنا سأكلمك في العقيدة ما عقيدتك أنت؟! أن المولى عز وجل كان مكتوباً عنده أن هذه الأسرة سعيدة وجاء الساحر وأتعسها، إذن الساحر أقوى! ما وصف السحر عندك؟! آيات البقرة ليست مفهومة على مراد الله تبارك وتعالى لكن نريد أن نفهم كيف يكون هذا شرك؟ أصبح هناك رجل معتقد أنه معمول له عمل ويبحث عن شخص أو ساحر يفك هذا العمل، ولا يلجأ إلى الله. المقدم: ممكن أن يكون بمعنى أنه يأخذ بالأسباب مثل المريض الذي يؤمن أن الشفاء من عند الله ومع ذلك يأخذ بالأسباب ويذهب للطبيب. د/ هداية: كيف تمت هذه العملية؟ أريدك أن تفهم دائرة عمل السحر الذي تريد أن تفكه، إذا قلت أن كله بأمر الله إذن لا تبحث عن ساحر واتجه إلى الله، لكن الناس تتصور أموراً لكي تريح نفسها، فبدلا من أن نقول على فلان أنه فاشل نقول هذا معمول له عمل، أيهما أخف وقعاً على النفس؟! المقدم: بمعنى أن هذا لا إرادي أنا معمول لي عمل وليس بيدي حيلة، ومن الممكن أن يكون هناك مشكلة معينة وتحتاج لحل مثل ما يحدث في كثير من الحالات عند الشاب الذي يتزوج ويقال له أنت معمول لك عمل بالربط. د/ هداية: وغالباً هي تكون مشكلة نفسية وتُحَل بالنصب أيضاً، وبالإيحاء وغيره وكل هذه أمور أنا لا أريد أن أدخل فيها لسبب أننا لا نفهم الآيات على مراد الله (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) [الجن:6] ما معنى رهقاً؟! إذا سألت أي شخص من هؤلاء المؤيدين لموضوع السحر والأعمال يقول لك أنه كان هناك رجال تستعين ببعض الجن فأتعبوهم وأرهقوهم أي رهقاً من الإرهاق. المقدم: أين الحقيقة في هذه الآية تابعونا بعد الفاصل. ********فاصل ********** المقدم: هل كلمة رَهَقَاً لها علاقة بالإرهاق؟! وخاصة أننا نجد عند بعض المفسرين أن بعض الناس كانت تمشي في رحلة من الرحلات ودخلت في وادي ووجدوا فيه أشياء غير طبيعية، وقالوا أن هذا بسبب أن هذه المنطقة لها أسياد أو سادة من الجن وعليه، فكانت العرب عندما تدخل هذه المنطقة تنادي على أسماء هم إعتقدوا أنها لأسياد هذه المنطقة فيستعيذوا بها ليمروا بسلام من هذه المنطقة، وهذا الكلام أنا قرأته. د/ هداية: هذا كلام ليس له سند وليس له معنى. وسأسألك سؤالا علام تقوم الحرب التي بيننا وبين إبليس؟! لو أعملنا عقلنا سنصل، فالعلاقة بدأت بـ(أنا خير منه خلقتني من نار، وخلقته من طين)، لو أن كلام السحر والأعمال صحيح كان من باب أولى لإبليس أن ينتقم منا أن يجعلنا لا نصلي، طالما أنه قادر على أن يفعل هذا، فالمسألة ما هي إلا وسوسة وتخييل لا أكثر ولا أقل، وشرحنا من قبل أنه نجح في مسألة الشرك مع المؤمن وليس مع كل المؤمنين لكنه لا يستطيع أن يوقع المؤمن في الكفر. ونحن لا زلنا في آيات سورة سبأ (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) [20] قلنا ما صدّق وما ظنه؟ ولكن جئت بسورة الجن حتى تساعد الناس على التلقي. المقدم: لأن اللياقة الإيمانية ضعيفة. د/ هداية: ضعيفة ولا تقوى على مجابهة الحقائق وإنه ينتصر بالله، فالعملية تبدأ أنك تأخذ الشيطان ولياً ومن ثم تعبده من دون الله، هذه هي النهاية. وإبليس نفسه استثنى قلة فقال (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [ص:83] [الحجر:40] لا يقدر عليهم. المقدم: هذا ينفي المفهوم الذي يترسخ عند بعض الناس أن إبليس يتفضل علينا بأنه ترك قلة من المؤمنين ولم يغويهم. د/ هداية: المولى هو الذي قال (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) [الحجر:42] [الإسراء:65] وعندما ترى السلطان ستتأكد، فالسلطان هو الوهم الذي نعيشه. المقدم: هو غواية إبليس. د/ هداية: هي لا تتعدى الوسوسة هناك معركة دائرة - يستطيع الرجال حسمها عن النساء - في كل صلاة تدور معركة بالوسوسة: (إجلس، لا زال الوقت ممدود، ...) لكي لا تصلي، وتكون النتيجة أن تجد الذين فشل إبليس معهم في المسجد، أما الذين نجح معهم بنسبة يصلون في بيتهم، وهم أفضل من الذين لم يصلوا أصلاً. الذين ذهبوا للمسجد هؤلاء هم المخلصين وفشل في أن يثنيهم عن الصلاة فيوسوس لهم بشيء آخر ليفسد عليهم ثلث الصلاة فيأمرهم بالفحشاء والمنكر والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فيضيِّع عليهم صلاتهم، أما الذين صلوا في بيتهم، أو لم يصلوا أصلاً هؤلاء هو نجح معهم فيعمل ويوسوس لهم بأشياء أكبر إلى أن يتولوه، ثم يعبدوه. آيات سورة الجن هنا لكي نُفَهِّم الناس أن الجن نفسه معترض على السفيه (إبليس) فانتبهوا لهذا (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا)، وانتبه أنهم قالوا زادوهم، يعني كان هناك رَهَقْ ثم زاد. ما الرهق؟ البطش، الظلم، الكفر، العملية التي يعملها، عندما كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن زادوهم ظلماً. فأنت أشعرته بقيمته بأن إستعذت به، والأولى أن يستعيذ بالله منه، فأنت كبّرته ومكّنته منك ومن غيرك، وجعلت له سطوة. المقدم: كأن شخص ذهب لعدوه لكي يطلب منه اللجوء. د/ هداية: بالضبط فعدوه عرف قيمته وعرف أن خصمه ضعيف ولا يقدر على مواجهته، فازداد ظلماً، وبطشاً. فزادوهم رهقا يعني ازدادوا ظلماً وقوة، وبطشاً، وتطاولاً، و.. المقدم: هل هذا له علاقة بكثير من الشعوب التي تفرِّط في حريتها وديمقراطيتها؟! د/ هداية: هذا لأن الإيمان جزء لا يتجزأ. عوداً للحديث الذي ذكرناه (اجتنبوا السبع الموبقات) وأولهم الشرك والسحر، وفي رواية أخرى قال (صلى الله عليه وسلم): (اجتنبوا الموبقات: الشرك والسحر) فقط. المقدم: أولئك السبعة ليس فيهم الزنا؟! ولماذا لم يسميهم الكبائر؟! د/ هداية: فتح الله عليك هذا ما كنت أريد أن أوضحه. أن الرسول عندما تحدث كان يتحدث عن السبع الموبقات إنما الزنا كبيرة من الكبائر لكن أولئك السبع توصل إلى سبعين كبيرة منها الزنا، والسرقة، والغش، والكذب، وعقوق الوالدين، و... فعقوق الوالدين ليس من السبع الموبقات بل من الكبائر، لا بد أن ننتبه لهذا، الموبقات يعني المهلكات. الشرك يوصل إلى كل ما ذكرناه من كبائر، وأكل الربا يوصل إلى كل ذلك، وأكل مال اليتيم. يعني الرجل آكل الربا ممكن أن يسرق ويكذب ويزني، طالما عملت واحدة من الموبقات توصلك إلى كل الكبائر، فالرسول تحدث عن سبع مهلكات الواحدة منهم تؤدي إلى عشرات الكبائر. ولذلك في الرواية الأخرى - والروايتان لأبي هريرة - قال (اجتنبوا الموبقات) ولم يقل السبع وذكر منهم اثنين (الشرك والسحر) لأن السحر أنك تلجأ لغير الله فهذا شرك، فالسحر شرك، والشرك يؤدي إلى الكفر. المقدم: بعض الناس تظن أن الساحر فقط هو الذي أشرك بالله، فما موقف الذي يذهب إليهم؟! د/ هداية: مشرك طبعا. المقدم: والذي فعل هذا وسمع حلقة اليوم وأدرك خطأه؟! د/ هداية: يتوب فوراً، لأن الرسول تحدث في هذا (من ذهب إلى ساحر أو عراف و جلس إليه وصدقه فقد كفر بما أُنزل على محمد (صلى الله عليه وسلم)). وهناك حديث آخر لخَّص فيه الرسول مسألة التوحيد قال له (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت) وقالها مرتين (على أن ينفعوك، وعلى أن يضروك) فهذا توحيد، أن الموحد لو قيل له: فلان عمل لك عملا، يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، من كان الله معه لا يخيب سعيه. فأقول لك لو أن فكرة السحر هذه مضبوطة وحقيقية لكانوا منعونا من الظهور وإلقاء المحاضرات، ومنعوا كل الدعاة والشيوخ والعلماء؛ لأن هؤلاء هم الذين يبصِّرون الأمة، ثم يتجهون للأمة ويمنعون الناس من الصلاة والعبادة، لكن كل هذا درب من الخبل ووهم عند ضعفاء النفوس. المقدم: والناس التي تدعي أنها لا تعمل إلا الخير ولا تقوم بأعمال شر؟! د/ هداية: قل لي ما الذي يفعله؟. المقدم: الذي يقولونه أنه يفك الأعمال والطلاسم الموجودة في أماكن غريبة وما إلى ذلك فبذلك يصلح حال الشخص الذي كان معمول له العمل، وهذا عن طريق أنه يتكلم مع الجن المسلم فقط وليس الكافر. السؤال هنا طالما أنك على اتصال بالجن المسلم ولك سلطة عليه هل تقدر على إخراج الصهاينة من فلسطين؟! أو اصلاح أحوال إخواننا في العراق، وفي كل بلد مسلم؟!. د/ هداية: هذا درب من الخبل، (إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن) ولا أريد أن أدخل في السحر لأن هذا سيحتاج حلقات طوال، لكن أريد أن أتحدث في الشرك لكي ننهض بالناس في التوبة؛ لأن تصحيح المفاهيم سينقذ الكثير من الناس التي وقعت في هذا الفخ. المقدم: عندي في الآية [7] في سورة الجن (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا) هل لها بموضوع التوحيد وما وصل إليهم من بني البشر من عقائد مغلوطة؟! ألم يكن في التوراة والإنجيل أي إشارة تقول أن هناك نبي قادم حتى بعد محاولات طمس النبوة وعلاماتها فبني اسرائيل كانت تنتظر بعثة النبي؟! فلماذا قالوا أنهم ظنوا كما ظننتم ألن يبعث الله أحداً ؟! فالقصة لغز وسنكمل إن شاء الله بعد الفاصل. ********فاصل ********** المقدم: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا * وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا * وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا * وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) [الجن:6-10] قبل السؤال الذي كنت سألته هم الجن بأنفسهم يعترفون بعجزهم وجهلهم بالغيب ويقولوا (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) د/ هداية: ليس هذا وفقط اسمع للآية التي تسبقها (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا) فالرجل الذي يقول أنه سخَّر الجن، فالجن بنفسه يعترف ويقول كنت أسمع وأصبحت لا أسمع. (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ) و(الآن) هذه أي من بعثة محمد (صلى الله عليه وسلم) وتمتد إلى يوم القيامة (يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا) أي أنك إذا أرسلت الجن ليسمع فلن يعود لك، سيُحرق، إذن فهذا كذب. (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا) من الذين ظنوا؟! المقدم: رجال الإنس الذين كانوا يعوذون برجال من الجن. د/ هداية: هذا إطلاق يريد به التقييد، لأن الإستثناء للقليل لم يذكر. فأهل الجنة عددهم أقل مما نتخيل لأنهم هم أهل التوحيد المطلق الذي لا تشوبه شائبة، ولا يشوبه شرك، أو كفر ولا تنجح معهم المعصية، فهذا لا يُذكر (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ) هل مائة بالمائة ظنوا؟! لا يمكن، لكنها الأكثرية كما في سورة يوسف [103-106] (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) كأنك تعمل نسبة معدومة لا تتعدى الـ 5% ، لذلك فهي تحتاج منا لمجهود ومجهود كبير (ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) فالجنة غالية وغلاها بالتعب والعمل وليس بالمال والحمد لله. نقيس على صلاة الفجر كم واحد من الأمة يذهب للمسجد، وكم واحد يصلي في بيته كسلاً، وكم واحد نائم، وكم واحد لا يؤمن بالصلاة، ... المقدم: ممكن شخص يكون غير مؤمن بالصلاة لكنه مؤمن بعملها، لو تذكر عندما كنا في ندوة حول موضوع صلاة الفجر ومقاومة البرد والتعب وترك الدفء، وطرح موضوع عن تعامل الدول الصغيرة نسبياً مع القوى المهيمنة على العالم الآن اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، وضربنا مثال بكوريا الشمالية الآن التي قالت أنها تسعى لعمل صواريخ، واعترفت أنها تملك سلاحاً نووياً غير عابئة بأي قوة أو بأمريكا، ولم يقترب منها أحد. وقام شخص وقال أنه يريد أن يعمل مقارنة وأننا نقول أن المسلمين عددهم في صلاة الفجر قليل لذلك نحن غير متقدمين كأمة إسلامية، وهل في كوريا الشمالية يذهبوا لصلاة الفجر؟! فأنا أريد أن نسترجع الرد الذي قلناه لهذا الشخص لكي نوضح للناس حقيقة عمل الصلاة. د/ هداية: نحن ضربنا هذا المثال (كوريا الشمالية) والإعتراف بالحق فضيلة. انتبه لكلامي المسجد الذي لا تستطيع أن تدخله يوم الجمعة ولا أي فرض في رمضان في صلاة الفجر في شهر رجب تجده فارغاً، فنفس المسجد، ونفس الحي، ونفس الناس، لكن يوم الجمعة وشهر رمضان يختلف عن باقي الأيام، فلو نظرت لصلاة الفجر في أول يوم من شوال تجد المسجد فارغاً. هؤلاء الناس ماذا يعبدون ؟! المقدم: يعبدون الزمان. د/ هداية: يعبدون الزمان أو المكان أو الحالة، هو عبد لرمضان ليس لرب رمضان؛ لأن رب رمضان هو رب شوال، العدد القليل الذي تجده في المسجد بعد رمضان هم الذين قيل فيهم (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) لكن هل يستطيع أحد أن ينكر أن إبليس حاول مع هؤلاء؟! المقدم: هو حاول لكنه فشل معهم. د/ هداية: بالقطع فشل بدليل وجودهم في المسجد وهم موجودون باستمرار وهذا دليل فشله آناء الليل وأطراف النهار. المقدم: وبالنسبة لمثال (كوريا الشمالية) د/ هداية: الفكرة في مثال (كوريا الشمالية) أنها بلد غير مسلم. المقدم: فالمولى يعطيهم على قدر اجتهادهم. د/ هداية: في العمل، فعندما اعترفت أنها تملك سلاحاً نووياً قاموا بضرب العراق الذي لم يقل أنه يملك سلاحاً، فلا بد من وجود القوة لأن (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) كوريا ليست بلداً إسلامياً إذن الجهة منفكة في المثال، وانفعال هذا الشخص ورده بهذه الطريقة دليل على أنه لا يصلي؛ لأنك لو قلت مثلا ساعة الفجر النصارى لا تذهب للمسجد فهذا طبيعي بهذا أنت أدخلت المواضيع ببعضها. المقدم: هذا الموضوع يجعلنا نعيد النظر في قانون بناء دور العبادة، ومن وجه نظري المتواضعة أرى أنه لا بد أن يبنى على أساس احتياجات كل منطقة وليس على أساس مقارنة بين عدد المساجد وعدد الكنائس. بمبدأ المواطنة الذي نتشدق به منطقة بها عدد مسلمين إذن فيحتاجون خدمات كثيرة منها المساجد، منطقة أخرى بها عدد نصارى أكبر تُبنى لهم كنيسة وهذا لا ضرر فيه. د/ هداية: أنا لا يشغلني هذا الكلام إطلاقا فالعبرة ليست بالكم وإنما بالكيف، ليس المهم أن يكون عدد المساجد كبيراً لكن المهم كيف نصلي أصلاً، وهل عدم وجود مسجد يمنع الناس من الصلاة فنحن كنا نصلي على الطريق قبل بناء المساجد. لا يستطيع مخلوق أن يمنع أحد عن عبادة الله تبارك وتعالى إذا أراد هذا الشخص أن يعبد، فالذي يشغلني في الحقيقة أن الذي يصلي لا بد أن يصلي على مراد الله تبارك وتعالى . المقدم: حتى تؤثر فيه الصلاة. د/ هداية: حتى يصح فيه قول الحق تبارك وتعالى (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) [العنكبوت:45]، والصيام يكون على مراد الله تبارك وتعالى فتجد الناس صائمة في نهار رمضان وبمجرد عرض الفوازير والمسلسلات تنصرف الناس إليها فهل هذا صيام؟! أتعبت نفسك بالجوع والعطش بالنهار فقط، فالرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) فمراد المولى عز وجل من الصيام ليس أن تدع الطعام والشراب إنما مراد الله تبارك وتعالى ما ذكره في سورة البقرة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فهذه هي الحكمة من فرض الصيام في كل الأمم (لعلهم يتقون) في أي أمة فرضه الله تبارك وتعالى عليها من عهد آدم إلى يوم القيامة هذا مراد الله تبارك وتعالى من فرض الصيام، يساعدك على تقوى الله تبارك وتعالى. كذلك الحج والزكاة وكل العبادات إن لم تؤدِ إلى معاملات فلا حاجة لها. عندما تصلي أنت العصر أنا لا أستفيد بصلاتك لكني أستفيد بما تفعله الصلاة معك من تقوى وحسن معاملة. آيات سورة الجن تشهد بأن تلقي الجن للقرآن كان بطريقة مختلفة عن تلقي الإنس، لا أقول في عصر الرسول ولا الصحابة ولا التابعين، أنا أتحدث عن عصر ما بعد تابعي التابعين، فنحن نتلقى القرآن كماليات فقط في مكاتب التحفيظ. والجن يتكلم بعكس ما نتكلم نحن في مسألة الشرك والسحر حتى إبليس لعنة الله عليه ساعة رفض أن يسجد لآدم عمل عملاً أقرب إلى التوحيد مما عملناه نحن، فنحن الناس سهل جدا شركهم فإبليس لم يشرك وواضح جداً قول الجن في الآية (وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) فالجن إما كافر أو مسلم. المقدم: هم يقولون عن أنفسهم (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا) [الجن:11] د/ هداية: وكلمة (دون ذلك) ذكاء منهم بأن دون ذلك يمكن أن يكون من الصالحين أيضاً. المقدم: مثلما شرحنا هناك إحسان وتقوى وإيمان ... د/ هداية: يعني ممكن يرجع ويأخذ السُلَّم من أوله، فآيات سورة الجن نحن أخذناها فقط كمثال، أما مسألة السحر هم كذبوها في هذه السورة (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا) فالمفروض نعود لسورة سبأ [20-21] ونطبقها [40-41] ثم سورة ابراهيم [22] ثم الزمر [65] وأيضاً في سورة مريم، فكل هذا يخدم في توضيح مسألة الشرك وخطورة أن أكون مسلماً مشركاً أو مؤمناً مشركاً لأن دوام الشرك يُخرِج من الإيمان وسأثبت لك بالآيات فالمسألة تبدأ درجات، كما أن هناك درجات في الإيمان هناك أيضاً دركات في الشرك. المقدم: جزاكم الله كل خير، والفائز الحقيقي كما وصفه القرآن هو الفائز برضوان الله تبارك وتعالى والجنة أي شيء آخر في الدنيا مهما كان فهو حقير، فالفوز الحقيقي هو الفوز في معركة الصراع الأبدي بين إبليس وسلالته وآدم عليه السلام وسلالته، ونراكم على خير وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 1/6/2010م |
طريق الهداية التوبة و الاستغفار 135 شرح آيات سورة سبأ [20-21]، ابراهيم [22]، مريم [41-45]. المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية، كيف نزيد اللياقة الدينية، الإيمانية العقائدية؟ وتنتهي المعركة ونكون من الفائزين بإذن الله، لا يوجد فوز أعظم من جنة الرحمن سبحانه وتعالى. تكلمنا في الحلقات السابقة عن الفرق بين تلقي الجن وتلقي الإنس للقرآن وكيف أن الجن آمنوا به وفهموا أنه يهدي للرشاد، وأنه لا بد من تصحيح العقيدة وتنقيتها من أي شائبة أو شرك. فلا يوجد صاحبة ولا ولد ولا أي شريك في ملكوت السماوات والأرض مع الله سبحانه وتعالى، فالقرآن الكريم هو الفرقان حقاً بين الأبيض والأسود وبين الصدق والكذب، بين الشرك والتوحيد، بين الإيمان والكفر فهو القراءة الصادقة للمسلم الواعي تطبيقاً وليس تلاوةً فقط. ونسترجع معاً الآيات في سورة سبأ [20-21] (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) وقبل أن ننتقل لآيات أخرى سنبدأ من آخر الآيات ففي نهاية الأمر وبعد اتضاح زيف كل الأوهام والأفكار المغلوطة والمشوهة عن المولى سبحانه وتعالى، نجد المولى عز وجل يبين حقيقة الأمر أن إبليس ليس له سلطان. د/ هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليما كثيرا وبعد، وسنأخذها من آية [22] في سورة ابراهيم (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) سنأخذها من فم إبليس لعنة الله عليه بإعترافه، ولذلك نقول أن توقيع آيات سورة سبأ في سورة ابراهيم وترشيحها في سورة مريم - وسأبين معنى هذه الألفاظ عندما نسمع الآيات- . ما معنى (إن الظالمين) في الآية؟! (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام:82] ما معنى الظلم ؟! الظلم هو الشرك كما في الآية (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان:13] فأغلظ أنواع الظلم هو الشرك، نسمع سورة مريم . (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا) [مريم:41-45] يعني هو أولاً يعبد صنماً، ثم يعبد شيطاناً، ثم يكون للشيطان ولياً، هذه هي الخطوات. فسورة سبأ توقيف وسورة ابراهيم توقيع وسورة مريم تُرشح الموضوع وتؤيده وتبلوره وتضعه أمامك فتتنقل القصة بين السور سبأ وابراهيم ومريم فكأنك عملت قصة بسيناريو وحوار، فتسمع القصة من بدايتها (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ) كأن هناك شيء حدث في بداية الخلق والكون ونزول آدم وحواء من الجنة التي على الأرض إلى الأرض. المقدم: سنبدأ من سورة مريم أن الشيطان يكون وليّ مضل مبين فهي إما أولياء لله وإما أولياء للشيطان. ونجد مثلا في تفسير ابن كثير عن عبادة الأصنام والشيطان المذكورة في سورة مريم أنهما متلازمان لأن الشيطان هو الذي أمر بعبادة الأصنام ويقول في تفسير الآية [44] أي يا أبت لا تعبد الشيطان بعبادتك للأصنام لأنه هو الداعي لذلك كما قال الله تعالى (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) [يس:60] د/ هداية: حتى لا تتخبط الناس في مسألة الأصنام وتقول أنه لم يعد هناك أصنام أقول أن الصنم ليس التمثال الذي كان يُعبد في الكعبة بل إن حب المال وحب الجاه والسلطان وحب الشهوات وحب الدنيا صنم يُعبد من دون الله هذه الأيام، مثلما قلت أنت في إحدى الحلقات (أصنام معنوية) وسوف تتطور في الأيام القادمة فطالما أن الدنيا تسير سيظل الإنسان يُطور الصنم ليتبع الشيطان وينفذ أوامره في عبادة غير الله، رغم أنه يوم القيامة سيقول لهم إبليس أنه كافر بالذي دعاهم إليه. المقدم: لو عدنا لسورة سبأ وموضوع الصدق والكذب ومتفقين أن أي كلام يأتي في كتاب الله هو كلام الله تبارك وتعالى وهو الحق (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) [يونس:32] إذن لماذا هذه المفارقة التي لم تكن واضحة عند كثير من الناس أن البعض قال نحن وجدنا آباءنا هكذا، بالرغم من أننا اليوم إذا تحدثنا عن أية طاعة من الطاعات مع انتشار الفضائيات والإعلام بدأنا ننتبه لأهمية الصلاة وأنها ليست مجرد أداء بل إنها إقامة، وعن أهمية التزين بالزي الشرعي للمرأة والذي ذكر في القرآن، فنجد بعض الناس تسفه من هذه المواضيع محتجين بأن أمهاتنا وجداتنا في الستينيات والسبعينيات لم يكن مرتديات لأي نقاب أو خمار أو حتى حجاب بل وكان زيهم غير شرعي، ومع ذلك كان مستوى الأخلاق مرتفع جدا، وكأن الجدات والأمهات هن حجة على الإسلام وليس الإسلام هو الحجة على المسلمين. د/ هداية: هذه هي بإختصار شديد وَلَاية الشيطان، ولذلك لا بد أن نبدأ من (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) فقلنا أن (صَدَقَ) غير (صَدَّقَ) فكلمة صدَّق هنا فيها افتعال وتفعُّل بمعنى أن إبليس ظن أن هؤلاء الناس سهل غوايتها، وأنه سيجعلها تشرك بالله، وتعبد أصناما من دون الله بكل ما في كلمة صنم من معانٍ، ثم تعبدني، ثم تكون من أوليائي، هذا هو ظن إبليس. فإبليس أراد الكل المنطق يقول أنه لا بد من صيانة احتمال أن يعصاه أحد فقال (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [ص:82-83] فهذا صيانة احتمال أن يعصاه أحد وهذا يكون المولى عز وجل هو الذي خلَّصه وكتب له النجاة بالهداية والرسل. الظن هنا بمعنى العلم - قلنا أن الظن في القرآن إما يأتي بمعنى العلم أو الوهم - وصان احتمال ونجح. (صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) بإحتياله وبأساليبه مثلما ضربنا المثال (راجع/ التوبة والإستغفار (132)) عندما تسألني عن شخص وأقول لك أنه غير صالح للمهمة فستختبره أنت وأنا سأحتال عليه ليرسب في الإختبار ويصبح كلامي عنه صحيحاً، فكلمة (صدَّق عليهم) يعني افتعل بأساليبه وتزيينه وتلبيسه وكذبه وغشه .. وكل ما يستطيعه لكي يصدِّق عليهم ظنه اسمع الآية (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ) الفاء هنا مؤلمة لأنها للسرعة أي حتى أنهم لم يتعبوه. (إِلَّا فَرِيقًا) هنا فريقا بمعنى قليلا لكن (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) فالعاصم هنا وفي هذه الحالة هو الإيمان. السؤال هنا كيف يكون الإيمان ؟! بالتطبيق، فإذا أردت النجاة عليك بالتطبيق والعمل لكي تخرج من الدائرة، لأنه إذا أخذك في دائرته صعب جدا الخروج - ليس مستحيلا لكن صعب - . المقدم: هناك مقارنة بين صياغة الآيات في سورة سبأ وسورة ابراهيم، وسنجيب بعد الفاصل عن ماهية سلطان إبليس وحدود هذا السلطان وقدرة قوته، وعلاقة هذا بالنتيجة التي تحدث مع الناس إما باتباعه أو بسلوك طريق الإيمان والنجاة. ********فاصل ********** المقدم: لو تأملنا الصياغات سنجد بعض العلامات الهامة ففي سورة ابراهيم نجد الشيطان هو الذي يتحدث ويوضح المسألة (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) ولو انتبهنا هنا أيضا الفاء للسرعة فالقرآن يشرح بعضه بعضاً (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ) نفس الفاء، لكن الإختلاف في سورة سبأ أن السلطان - من وجهة نظري - فيه ربط بينه وبين إرادة المولى سبحانه وتعالى فالمولى ينفي أن الشيطان له سلطان على الإنسان حتى لا يتواكل الناس (وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ) فإبليس ليس له سلطان على البشر (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ) إذن هذا السلطان له استثناء أو غرض. د/ هداية (إِلَّا لِنَعْلَمَ) انتبه جيدا فالله سبحانه وتعالى يعلم فكلمة إلا لنعلم هذه أي علم إظهار لكم. (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ) إذن فمسألة الآخرة هي السبب في الوقوع في المعاصي، مثلا شخص يستبعدها، وشخص لا يصدقها، وآخر يستهين بها. المقدم: بأن يحسن الظن دون أن يحسن العمل. د/ هداية: هذا هو التلبيس فإبليس هنا يعمل له تلبيس برحمة الله سبحانه وتعالى، وهذه المسألة نشرحها من سورة ابراهيم فهو هنا يقول (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ) فهل معنى هذا أن دعوته سلطان ؟! لا، في اللغة يوجد ما يسمى بالإستثناء المقطوع فهذا إستثناء مقطوع، يعنى: أنني ما كان لي عليكم من سلطان إنما الحقيقة أنني دعوتكم فاستجبتم. المقدم: ممكن البعض يفهمها كالتالي: أنني في الحقيقة ليس لي عليكم سلطان لكن عندما اتبعتوني جعلتم غوايتي ووسوستي وتزييني هم بمثابة السلطان وكأنك تفعل المعصية مجبورا بسبب سلطاني، لكن في الحقيقة أنا ليس لي سلطان بذاتي. د/ هداية: لو أن هناك سلطان لما نجا أحد، ولما كان هناك حساب. فليس من المنطق أن يكون هناك حساب طالما أن هناك سلطان لإبليس. المقدم: هل ممكن أن نأخذ هذا المثال من سورة سبأ (وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ) كأن المولى عز وجل يقول أنه سمح بهذا التأثير لكي يعلم الناس من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك؟ د/ هداية: لا، فالقاعدة أنه ما كان له عليهم من سلطان والإستثناء هنا مقطوع كما في سورة ابراهيم، فالذي يحدث هو الوسوسة، فهل الوسوسة سلطان ؟! المقدم: لا، يعني إذا صغناها نحن يمكن أن نقول ليس لإبليس عليكم سلطان وإنما جعلنا موضوع الوسوسة لنعلم من يؤمن ومن يكفر. د/ هداية: لأن الوسوسة فيها حرية ممكن علاء يستجيب للوسوسة وممكن لا. اسمع من فم الشيطان يقول في سورة ابراهيم مسألة خطيرة فالنتيجة التي توصل لها تبين أنه لا يوجد سلطان كيف ؟! (مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ)، مصرخكم تعني أنه عندما يصرخ الرجل أي يستغيث بأحد ينجده، فلو علاء مثلا نجده نقول: أصرخه علاء، فأصرخه يعني أزال صراخه الهمزة هنا تسمى همزة إزالة، - مثلما كنا نقول مزاحا مع المريض: أشفاك الله معناها أذهب شفاءك فالأولى أن نقول شفاك الله أي أزال عنك المرض - فإبليس يقول لهم أنه في يوم القيامة لن ينفع أحدنا الآخر إلا العمل. فأنا أريد من الناس أن تقرأ آية [22] من سورة ابراهيم وتوقعها في سورة سبأ لأن في سورة مريم ترشيح لكل هذا الكلام وكيف يحدث ؟! ولم تأت هذه الآية في سورة ابراهيم عبثاً فيريد المولى عز وجل أن يوضح لنا أنه بالرغم من أن ابراهيم عليه السلام نبي لكنه لم يستطع أن يُصرخ والده. فابراهيم رسول نبي وله مكانة خاصة فهو توصل إلى الله عز وجل قبل أن يُعرِّفه الله نفسه، ففي تصوري الشخصي أن والد هذا النبي سيكون مؤمناً جداً، وقال كلمات توزن بميزان الذهب لما رفض الأصنام والشمس والقمر والنجم والكوكب قال (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام:79] فهذا اللفظ يبين لك (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان:13] وقال وما أنا من المشركين، يعني شخَّص الحالة التي هم عليها أنها شرك لأنهم قالوا (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) [الزمر:3] نفس الأفكار الواهية، فقال ما أنا من المشركين وسأعبد الذي خلق كل شيء فهو أولى بالعبادة هو لم يعرفه لكنه أولى بالعبادة. المقدم: في القضايا الدنيوية عندما نجد حاكماً أو رئيس جمهورية أو مسؤولاً في كرسي أو منصب تجد لديه سكرتارية أو مجموعة موظفين يعينوه فنجد الناس الذين يريدون أن يأخذوا ما ليس من حقهم يحاولوا أن يستميلوا هذه البطانة كواسطة لهذا المسؤول، وأحيانا يكون هذا المسؤول ليس سيئاً لكن البطانة التي تحيط به تجعله سيئاً، فأحيانا مسألة الوساطة هذه تُطبق على المجال الدنيوي وليس على مجال العقيدة والشرك. د/ هداية: ممكن أن أقبلها في الدنيا لكن في العقيدة مستحيل فالشرك يقابله التوحيد ولا يجتمعان أبداً، مثلا ابراهيم يتكلم في التوحيد المطلق فلا يقول لأبيه أعبدني لكنه يقول له أعبد الإله الواحد الأحد الفرد الصمد فاطر السماوات ويدعو إلى الله الواحد دون أي مصلحة شخصية تعود عليه في الدنيا. المقدم: وأكد على هذا المعنى كل الأنبياء والمرسلين تقريباً (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الشعراء:108، 145، 109، 127، 164] فهم يؤدوا مهمتهم وأجرهم على الله. د/ هداية: هذه الآيات في سورة ابراهيم وسبأ ومريم تبين لنا الأطر العامة وكيف أن إبليس صدَّق ظنه، فلو أننا الآن نتلقى القرآن كما ينبغي لا بد عند كل وسوسة نعطِّل مسألة (صدَّق)، والمولى سبحانه وتعالى أعطانا الطريقة بأن أقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، ولا أكون أنا سبب في تصديق ظن إبليس بل سأحوله ظناً بمعنى الوهم وسأجعلك واهماً إذا اقتربت مني. في سورة ابراهيم المولى عز وجل يعرض لنا الذي سيحدث يوم القيامة ويقول لنا أن السلطان الذي كنا نعتقد فيه كان يتلخص في أنه دعاكم فاستجبتم فهل هذا سلطان ؟! فأنت كنت أسرع من فرضية السلطان فكأن إبليس يسأل أين هو السلطان فبمجرد أن دعوتك أنت جئت قبل أن أكمل. وفي سورة مريم عرض لنا المولى عز وجل كيف تمشي المسألة أنهم عبدوا صنماً بإيعاز من الشيطان، ثم تتعدى هذه إلى عبادة الشيطان نفسه، ثم تصبح من جنود الشيطان وأوليائه، ولذا قلنا أن شياطين الإنس أخطر من شياطين الجن، فأبو ابراهيم في هذه الآيات شيطان إنس وهو أخطر من شيطان الجن؛ لأنك إذا تخيلت المعروض عليهم الأمر يجدوا أباً وابنه من سيتبعوا ؟! طبعا الأب بالإضافة إلى أنه جاء على هواهم، ولذلك أنا أقول دائما للناس إذا فعلت أي فعل فانتبه لأنك قد تؤخذ مثال والناس تقلدك والرسول (صلى الله عليه وسلم) وضع القاعدة (من سن في الإسلام سنة حسنة ... ومن سن في الإسلام سنة سيئة ... ) فعندما تفعل بدعة ويقلدك الناس ستحمل أوزار كل الذين قلدوك فلا تُقدم على شيء وتجعله سنة أو قاعد ودون أن تشعر تحمل أوزار لا حصر لها. المقدم: فمثلا أول شخص أخرج أغنية فيديو كليب فيها عري، وأول شخص بث قناة تساعد على الفساد والإفساد ... د/ هداية: كل هؤلاء سيحملوا أوزار كل الذين قلدوهم مع وزرهم، ولا بد أن نطبق الآيات على الحياة الدنيا كما فعلت أنت ونلاحظ أن المسألة تبدأ من عبادة صنم بكل معانيه، إلى عبادة الشيطان، إلى ولاية الشيطان، فإذا بدأت في الشر ستستمر، وإذا بدأت في الخير ستستمر. المقدم: مع تعدد الأصنام التي توجد في الدنيا من مال وجاه وسلطة وتجارة ... إلا أننا نلاحظ أن الدنيا كلها تتحول إلى صنم كبير يُعبد (أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ) وتنسى الآخرة والنعيم المقيم أو عذاب أليم، فنحن نحتاج أن نفتعل معاول البناء وليس الهدم التي تهدي إلى طريق الرشاد وإلى جنة الرحمن تابعونا بعد الفاصل. ********فاصل ********** شرح آيات سورة سبأ [40-42] المقدم: قلنا أن الدنيا كلها ممكن أن تكون صنماً كبيراً وأن تكون هي منتهى الأمل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ) [التوبة:38] وقصة قليل هذه أنك مهما رأيت من نعيم في الدنيا فهو قليل مقارنة بالنعيم الذي ستعيشه في الجنة. د/ هداية: المؤمن الواعي يأخذ القاعدة التي تقول (كل نعيم سوى الجنة حقير، وكل عذاب سوى النار هيِّن) المقدم: لذلك موضوع الأصنام المعنوية مذكور في القرآن (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة:24] فهل نحن متربصين فعلا مع صعوبة العيش والسعي وراء لقمة العيش والكوارث التي تحدث ؟! د/ هداية: أنت تحاول أن تصلح من شأن الناس في تلقيهم كل أمر في الدنيا لتكون الدنيا ممر للآخرة، طالما أنا أعيش ولو بالكاد لكن المهم أن أكون في الآخرة من أهل الجنات والنعيم إذن سأتحمل أي شيء: مرض فقر تعب ... وهذا معنى قول الحق تبارك وتعالى (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) [العنكبوت:2] المقدم: عندي في سورة سبأ النتيجة التي نريد أن نُسمعها للناس د/ هداية: هذا تطبيق يوم القيامة بعد انتهاء الدنيا بما فيها من مشاكل، منغصات، فهم أو عدم فهم، ومن عظمة القرآن أيضا لو تأملت قول الجن (فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا) فمن ضمن معاني (عجبا) أن هذا القرآن يأتي بالنتيجة مجسدة؛ لكي تتقيها ولا تقع فيها، فالقرآن ليس مجرد أوامر ونواهي مجردة بل إنه يبرر بالنتيجة وتصوير المشاهد وبالفعل الماضي. إذن فمن خلال هذا القرآن الذي بوصف الجن عجبا تستطيع أن تتقي، وتعد العدة ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فأتى بالمسألة ووقعها ورشحها ثم في نفس سورة سبأ يعطينا النتيجة لكل هذا يوم القيامة اسمع. المقدم: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ * فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ) [سبأ:40-42] د/ هداية: الآية الأخيرة التي زدتها أنا أتعب منها للغاية لآن فيها نتيجة بفهم عالٍ جدا للذي يفهم، أولا فيها كلمات صعبة جدا في التلقي وتريد من المتلقي أو يوسع العقل والمدارك. إذا بدأنا من أول الآية كل كلمة لها وقع (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا) إذن العابد والمعبود والجن والصالح والطالح الكل يحشرهم الله ليس لهم سلطان ولا إرادة لا تستطيع أن ترجع أو ترفض الكل يُحشر. المقدم: ومعك سائق وشهيد. د/ هداية: سائق لأنه لا يريد أن يذهب وهذا إن كان عمله صالح. المقدم: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا) هل يشتمل على الملائكة أيضا ؟! د/ هداية: طبعا فهذه فيها نقطة لغوية مبدعة جدا، هل سألت نفسك لماذا سأل المولى عز وجل الملائكة ؟! فهل نحن عبدنا الملائكة ؟! هناك من عبد الملائكة لكن السؤال هنا الغرض منه التوبيخ والإستهانة والمذلة لأن الملائكة حتى عند الكافرين تعرف أن هذا الصنف من الخلق لا يكذب ولا يستطيع حتى المعصية، فالمولى عز وجل يسألهم هل كان هؤلاء يعبدوكم ؟! فيقولوا لا هم عبدوا الجن، والجن في هذا الموقف أنت لا تسمع لهم صوتاً. فهذه لا بد وأن يكون لها وقفة ولماذا سأل المولى عز وجل الملائكة ولم يسأل الجن ولا الإنس ؟! لأن هؤلاء ليسوا أهلاً للسؤال حتى الناجي منهم، فالمولى سأل من له في الإجابة وقع عند كل الأطراف؛ لأن الملائكة معروف عنها أنها لا تكذب. المقدم: (ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم) د/ هداية: أي نحن لم ندخل في هذه المنطقة. المقدم: (بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ) السؤال هنا المولى عز وجل يسأل عن مجموعة من الناس فالملائكة تقول أن هؤلاء الناس كانوا يعبدون الجن كان المفترض بصياغتنا نحن يكملوا ويقولوا (وهم بهم مؤمنون) لماذا قالوا (أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ) ؟! د/ هداية: (أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ) تبين أن هناك من بدأ بعبادتهم لكنهم رجعوا، فأنا طبعا أستثني الأنبياء والمرسلين والصالحين والمخلصين لكن الغالبية بدأت في العبادة ورجعت، والذين رجعوا قليلون والأكثرية آمنوا وأكملوا على الطريقة التي كان يحذر منها ابراهيم أنك ستبدأ بعبادة صنم ثم ستعبد الشيطان ثم ستكون من الأولياء، ما حذر به ابراهيم أبيه سار مع الأغلبية وقلة هي التي رجعت عن هذا الطريق (أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ) إذن آيات سورة يوسف [103-106] ترشيح هؤلاء. المقدم: (فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعًا وَلَا ضَرًّا) د/ هداية: لماذا قال نفعا ولا ضرا؟! هل انتبهت كان يكفي واحدة أو بالتفكير العام لا ينفعكم أحد الآن فلماذا قال ضرا؟! المقدم: ممكن لأنه من تبعات أن يظن الإنسان أن هؤلاء الجن هم الذين يستحقون العبادة فتطبيق هذا أنني أسأله الخير وأسأله أن يبعد عني الضر ولا يضرني، وبالتالي فالمولى ينفي صفة الربوبية والخلق والنفع والضر عن الذين كانوا يظنون في الدنيا أنه مكان الرب والنفع والضر. د/ هداية: هذا هو المعنى الحاصل، لكن القاعدة أن الذي ينفع لا بد أن يقدر على الضرر، فتخيل أن الجن كان قادراً مثلما ادَّعوا فتجد يوم القيامة اتباعه والذين كفروا به فيقول أنه لن ينفع اتباعه ولا يستطيع أن يضر الذين كفروا به. فلو كان له سلطان لنفع هؤلاء وضر هؤلاء إنما لا يملك هذا ولا ذاك. فيصورها لك هكذا في الآخرة ليثبتك الآن في الدنيا، عندما يقال لك فلان عمل لك عملا قل له دعه يعمل ما يشاء؛ لأنك في عقيدتك (إذا سألت فإسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم بأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) يعني لا يوجد ضر ولا نفع إلا بإذن الله. المقدم: في هذه الحالة ستتكلم الملائكة فقط التي تقول الحق أما البقية فسيكونون (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ) [السجدة:12] د/ هداية: حتى الذي نجا من الجنس البشري لن يقول أيضا لأنه ما نجا إلا بفضل الله وليس بذاته. فسأل الله تبارك وتعالى الملائكة لأن هؤلاء صحيفة أعمالهم بيضاء من أولها لآخرها ولا يستطيعون المعصية، والمولى عز وجل يعرض لنا هذه الصورة حتى نفهم في الدنيا ونكون يوم القيامة مع الفريق الناجي القليل الذي خلصهم الله تبارك وتعالى (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) فهذا ما كتبه الله تبارك وتعالى وأنا أعتبر أن هذه مكافأة من الله تبارك وتعالى للذي تمسك بالله في أي مكان وزمان. المقدم: عندي ملمح أريد أن أختم به أن سبحان الله الإستثناء الذي خرج من وهم سلطان إبليس سواء كانوا إنساً أو جناً، رجلاً أو إمرأة، من عهد آدم إلى يوم القيامة، الكل وُصفوا بأنهم الفريق الناجي. لذا فالدين الإسلامي يطلب من اتباعه أن يتحدوا (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) يارب نكون من هذا الفريق، ونراكم على خير وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 8/6/2010م |
طريق الهداية التوبة و الاستغفار 136 شرح آيات سورة الجن [1-10] وآيات سورة الأحقاف [29-30] (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا * وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا * وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا * وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا * وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا * وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا * وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا * وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ) [الجن:1-10] (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ) [الأحقاف:29-30] المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية، استفتحنا بالذي هو خير آيات من كتاب الله الحكيم من بدايات سورة الجن، وسورة الأحقاف بدءاً من الآية [29-30] ولعلكم لاحظتم أن الموضوع واحد لكن الصياغة مختلفة بين السورتين. هناك أكثر من التفاته في تدبر هذه الآيات فيها من الدروس الهامة ما سننطلق به في بحثنا عن قضية التوبة والإستغفار. عندي أسئلة كثيرة وفي سورة الأحقاف هناك ألفاظ تضيف عما تعرضنا له في الحلقات السابقة، منها ما بُدأت به الآية (وَإِذْ صَرَفْنَا)، كأن المولى عز وجل هو الذي صرف وليس كما يستقر في أذهان البعض أن موضوع سماع الجن للقرآن حدث بالصدفة بل إنه تصريف أو توجيه إلهي. د/ هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليما كثيرا وبعد، أنت محق تماما وهذا الذي جعلنا نعرض لسورة الجن مع سورة الأحقاف، فالقضية ليست صدفة أبداً وكما قلنا سابقا لابد أن نفهم كيف يُتلقى القرآن، فأنت عندما تذهب بابنك لدار تحفيظ قرآن هذا توجيه إلهي ولذلك عليك أن تقول (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) ؛ لأن حتى التدبر إن لم يكن فيه توفيق من الله تعالى فدرجة التدبر تختلف، فالذي يجلس ليتدبر القرآن إذا كنا متصورين أننا سنتدبر باجتهاد منا دون هداية وتوجيه من الله فلن نتدبر التدبر الأمثل فحتى التدبر له درجات. قبل أن نشرح آيات سورة الجن مع آيات سورة الأحقاف لابد أن نضع أمامنا القاعدة التي ستساعدنا على فهم وتلقي القرآن على مراد الله تبارك وتعالى - إن صح مرادنا في التعبير - القضية كلها تتعلق بآية من أعظم آيات التوقيع في القرآن، ساعة يتكلم الله تبارك وتعالى عن القرآن بالقرآن (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ * لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ) [التكوير:27-28] هنا المشيئة للمكلف أن يتدبر القرآن ويُكلف بالقرآن، (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ) فالقرآن ذكر للعالمين: للإنس والجن، (لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ) للإثنين أيضاً، لكن ساعة تستقيم إياك أن تقول أنا استقمت بل تقول (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) نفس القضية، (وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [التكوير:29] يعني المشيئة جاءت من باطن مشيئة الله تبارك وتعالى وبهداية منه. هذه الآية من سورة التكوير تتحقق بنسبة 100% بين سورة الجن والأحقاف كيف ؟! عندما عرضنا لسورة الجن (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ) ففي البداية الرسول الذي يتكلم بالقرآن ويلقيه ويتلوه لا يعرف أنهم يسمعوه. المقدم: لولا أنه خبر من السماء لما علمه الرسول (صلى الله عليه وسلم) . د/ هداية: هو يصلي بالمسلمين - وسنعرض للحديث في حلقة قادمة بإذن الله - فمثلا أنت تتلو القرآن في مسجد أو في منزلك لا تعرف أنت من سيهدي الله بهذه التلاوة ؟! وهذا ما أريد أن أعلمه للناس اليوم، أن الإمام في أي مكان قد يستمع الجن إليه ويهديهم الله، فلا تقل أبدا لا فائدة من كلامي، فأنت لا تعرف من سيهدي الله بك، إعمل واستمر ولا تيأس، فلو خرجت من خطبة جمعة بإنس واحد فأنت لا تعرف بكم من الجن خرجت! وهذا ما نستفيده من (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ) فقبل أن يُحى أليه لم يكن يعلم، ومن الممكن ألا يفكر فيها لأنها مسألة إلهية. المقدم: هذا يفتح لنا المجال للحديث عن الروايات التي تقول أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أمسك بقافية عفريت من الجن وقال أنه سيعلقه على سارية المسجد لولا أنه تذكر دعوة سليمان (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) [ص:35] فلم يربطه، كيف رآه ونظر له وفي موقف آخر جلس الجن واستمع للقرآن والرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يشعر به ؟! د/ هداية: هذه رواية وواقعة وتلك رواية وواقعة أخرى، الملحوظة صحيحة في قضية من أخطر قضايا الإسلام هل يُرى الجن أم لا ؟! لأنه يوجد بعض الحالات النفسية من يقول أنه رأى الجن والجن لا يُرى. المقدم: المسألة لا تقف عند حد الرؤية فبعضهم يقول أنه متزوج منهم . د/ هداية: عندنا في هذه الآيات قضيتين من أخطر قضايا الإسلام - إن صح تعبيري - على الإطلاق في جانب العقيدة: الشرك، والسحر. كيفية تناولهم تُحيرني من الشكاوى التي تُعرض علينا وفهم الناس الخاطئ للشرك والسحر فأدعو الله أن يوفقنا. المقدم: وأنا من هنا أقول للذي يقول أنه متزوج من جنية يتفضل بزيارتنا في قناة دريم وبرنامج طريق الهداية لنتعرف على أسرته وإن كان هناك ذرية جاءت من هذه الزيجة ما يقال عنها إنس- جنية أو جن- إنسية، ليس تحدي ولك لنعرف الحقيقة ونحن سنكون سعداء. ونعود لما كنا نتحدث فيه. د/ هداية: كيف يكون التوقيع ؟! أولا قلنا أن الجن تلقى القرآن أفضل من الإنس بكثير جدا بدليل في سورة الجن (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا) في سورة الأحقاف قال (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ) لم يقل يسمعون لماذا الوقفة هنا ؟! فهذه آية يعلمنا فيها المول تبارك وتعالى كيف نتلقى (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأعراف:204] وشرحناها سابقاً لعلكم ترحمون بماذا بالإستماع أم بلإنصات أم بالعمل بعد الإستماع والإنصات ؟! المقدم: ما الفرق بين السماع والإستماع وكيف أجمع بين الإستماع ثم الإنصات ثم التطبيق لأصل إلى الرحمة ؟! كل هذا سنجيب عنه تابعونا بعد الفاصل. ********فاصل ********** المقدم: عندما نتدبر الألفاظ والآيات نجد مرة سماع ومرة إستماع وصولا إلى مراد الله تبارك وتعالى في الآيات لعلكم ترحمون ونعرض معا لهذه الإختلافات، ما الفرق مثلا بين السماع والإستماع ؟! د/ هداية: السماع هو مايحد للأسف الشديد في كثير من بيوت المسلمين، أن تجد القرآن على الراديو أو المُسجل ليل نهار ولا يهم إن كان من البيت يسمعونه أم لا ويتحدثون مع بعضهم فالآية تقول (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (قُرىء) فعل مبني لما لم يسمى فاعله وليس للمعلوم بمعنى أنك إذا شغلت شريط القرآن إذن فيكون (قُرِىءَ الْقُرْآنُ) فلابد أن تسمع وليس سمع عادي بل بتركيز أي تستمع فالإستماع هو الإهتمام والتفعل في السمع يكون منك أنت ، الذي أريد أن أبينه أن القرآن سماعه إستماع وليس فيه سماع، عندما وصَّف الجن ما فعله قال (إنا سمعنا)، ولما وقع المولى عز وجل في سورة الجن قال (يستمعون) إذن سماع القرآن لا يقل عن الإستماع فبدايته استماع، فتوقيع سماع القرآن هو الإستماع لأن الآية الموجِهة (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) عندما تنفذ الآية تقول سمعت وسمعت معناها استمعت. المقدم: (وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [البقرة:285] هل سمعنا وأطعنا هنا أي سمعنا آيات الله أم سمعنا بمعنى استوعبنا ؟! د/ هداية: أنت سبقتني هذا ما كنت سأصل إليه (وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) هذا هو (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) غفرانك أي النتيجة. توقيع سماع الآيات أو القرآن أو التوجيه النبوي أو الإلهي هو الإستماع، سأحاول أن أبسطها المولى عز وجل يقول لنا أن الجن قالوا (إنا سمعنا) لكي نقلدهم وهذا أقل شيء، الآية تقول (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) فالذي يحدث أننا نُشغِّل القرآن في البيت ونتحدث مع بعضنا، وكذلك في المآتم تجد الشيخ يقرآ والناس تدخن ولا تسمعه - ليس كلنا طبعا - فالآية تعلمنا أنه إذا قرئ القرآن نستمع. المقدم: الإشكالية في التطبيق نجد من يسأل ماذا نفعل نحن؟! الكل يتعامل مع القرآن بهذه الطريقة فهل نتكلم مع البائع الذي يبيع في محله ونقول له أغلق القرآن وأنت تبيع؟! د/ هداية: سأقولها لك بطريقة توجيهية أعلى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ) هل قال اتركوا الصلاة ؟! (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) ماذا تفعل أنت بالترتيب أولا تترك البيع ثم تذهب للمسجد ، فلماذا قدم الله السعي على ترك البيع ؟! لأن المسألة فيها نية قبل أن يكون فيها عمل بمعنى أنك تعطي ميعاد لشخص جاء لك في يوم الثلاثاء مثلاً ليقابلك يوم الجمعة الساعة الواحدة والنصف لأن هذا بعد صلاة الجمعة وأنت لا تقابل أحد وقت الصلاة، فأنت تركت البيع قبل يوم الجمعة، فمعنى هذا أنك سعيت لذكر الله وللصلاة قبل أن تذر البيع، ولذلك الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [الجمعة:9] لو قال (في يوم الجمعة) لما ظهر معنى المثال الذي شرحته بل قال (مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ) لأن من تعمل (في، ومن) فاختار الله حرف الجر (من) ليبين أنك تسعى لذكر الله قبل يوم الجمعة. ونفس التطبيق في الإستماع فهو يقول إذا قرئ استمع، لا مجرد أن تسمع بل درجة أعلى من التركيز وهي الإنصات، لكن ما يحدث الآن هو مخالفة للنص القرآني، ومع المؤمنين (وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) أما ما يحدث الآن أولا/ هو مخالفة حقيقية لأمر القرآن (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، وثانيا/ هو استهتار بالقرآن فالمولى لم يقل اسمع بل قال استمع فأنت عندما تُشغِّل القرآن وأنت تبيع وتشتري هل أنت بهذا أوليت القرآن الإهتمام الذي يليق ؟! لا بل واستهترت به. المقدم: ومسألة أن تشغيل القرآن بركة ويزيد الرزق ؟! د/ هداية: يا إخواني القرآن ليس بركة - هذا وهم ودرب من الخبل - ساعو وصَّف الله القرآن قال (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ) [التكوير:27] [ص:87] [يوسف:104] (وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ) [القلم:52] فلو كان القرآن بركة لقالها المولى عز وجل فالمولى تبارك وتعالى ليس عاجزا حاشاه جل في علاه. وعندما نشرح أكثر في آيات سورة الجن ستجد أن الله تبارك وتعالى اختار في آيات سورة الجن وسورة الأحقاف ما يبين لك أن القرآن ليس بركة. المقدم: (خذ من القرآن ما شئت لما شئت) د/ هداية: هذا كلام فارغ حتى لو أخذت المعنى اللغوي هنا ينصرف إلى صحيح المعنى الإصطلاحي معنى خذ من القرآن أي نفِّذ وطبّق وليس خذه أي ضعه في مكان ليكون بركة فمعنى خذ أي خذ التعليمات والمنهج (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) [مريم:12] القوة هنا قوة التلقي وقوة التلقي التدبر وقوة التدبر الإنصات والإهتمام. وأنت تعلم أن القرآن هو كلام الله على لسان الأنبياء والإنس والجن و.. فكلام الجن فقط في سورة الجن صنع العديد من القضايا العقائدية وأثبتها لكي نستفيد نحن من الجن الواعي الذي طبق (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) إذن المسألة ليس بركة أو تميمة أو أسفل الوسادة ولن يبارك الله لأنك استهترت بكلام الله، وليس معنى هذا أن تجلس في المسجد ليل نهار، بع واشتر في وقت البيع وإستمع وأنصت في وقت القرآن. المقدم: بمعنى تنظيم الوقت. د/ هداية: هذا هو معنى (نعيب زماننا والعيب فينا * وما لزماننا عيب سوانا) بعض الناس ممكن أن يقول أننا نتحدث في مسألة البيع والشراء ولا يكون هناك تطبيق لهذه الآية، إذا تحدثنا عن الصلاة فهل آية (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) تُطبق في الصلاة ؟! فالإمام يصلي في المغرب والعشاء والصبح صلاة جهرية فهل نستمع وننصت ؟! في الغالبية طبعاً. كيف يكون العلاج هنا - وهو موضوعنا التوبة والإستغفار - بأن أقاوم هذا، فعندما ينتهي الإمام من الصلاة أسأله عن كلمات الآيات الغير مفهومة بالنسبة لي فلو خرجت في الوم الواحد بعشر كلمات أفهم معناها فهذا يكفي، فالعبرة ليست بإتقان حركات الصلاة - فالصلاة ليس مجرد رياضة - لكن العبرة بالتدبر والخشوع. ونسمع الناس تسألنا كيف إذن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ؟! الصلاة فعلا تنهى عن الفحشاء والمنكر لكن أنتم - الذين يسألوا - لا تُصلُّوا. المقدم: هذا يجعلنا نتجه بالحديث عن الصلاة وحقيقة الصلاة. د/ هداية: وهذا ما وعدنا به وسنخصص بإذن الله حلقات عن الصلاة وسيفاجأ الكثير من الناس بقصور إلى حد كبير في صلاتهم. المقدم: وسنكمل إن شاء الله بعد الفاصل. ********فاصل ********** المقدم: (مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء:46] تتحدث الآية أيضاً عن بعض الألفاظ التي تتعلق بموضوع السماع والإستماع نريد أن نربطها بما نتحدث عنه، وأسئلة أخرى أولاً (وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) ما معنى هذا؟! د/ هداية: بالبلدي هذه دعوة على الرسول (صلى الله عليه وسلم) بمعنى يا رب لا أحد يسمعك، كأنك تقول يا رب لا تُسمع دعوتك. هذه الآية هي بداية النهاية بالنسبة للذين هادوا مسألة (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) وليس من مواضعه وهذا هو التحريف أن يحذف بعض الكلمات ويبقي بعض الكلمات، يحرفون الكلم عن مواضعه المسلم عنده نص قرآني فيأتون بالتوراة ويحرفها وفق القضية التي يريدها هو فلا يعود هذا الكلام إلهياً وإنما محرفاً وموضوعاً وسط سياقات تبدو وكأنها التوراة وهذا معنى النحريف أن يترك النص ويستبدل بعض الكلمات. يحرف الكلم عن مواضعه يحذف كلمة مهمة جداًز الكلمة القرآنية عاشقة لمكانها ومكانها عاشق لها لا يمكن أن تحذفها ولا أن تبدلها. يأتي أحدهم فيسأل مثلاً ما معنى الروح؟ في القرآن عندنا ستة روح والشيخ الواعي يسأل السائل أي آية تقصد لأن (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) القدر) غير (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا (52) الشورى) هذه روح وهذه روح، إحداهما تعني جبريل وواحدة تعني القرآن وعندنا روح بمعنى قوام الحياة وروح بمعنى عيسى وروح بمعنى القرآن وعندنا الوحي والسكينة فعندما نسأل عن معنى كلمة يجب أن نذكر الآية التي وردت فيها الكلمة لأن الكلمة عاشقة لمكانها ومكانها عاشق لها. لا يمكن أن نبدل كلمة مكان كلمة فكل كلمة في مكانها تعني معنى مختلفاًًً. الكلام الإلهي لا يمكن أن نغير فيه كلمة. في سورة الجن سنقول معاني الكلمات وسنجد ثلاثة معاني ونأخذ المعاني كلها كل معنى مع السياق لكن لا يمكن أن نبدل كلمة مكان كلمة فكل كلمة تعطي معنى في سياقها. الكلمة القرآنية أحياناً يكون لها أكثر من معنى فلو وضعناها بمعنى واحد فقط نكون قد ألغينا المعنيين الآخرين، وهذا هو الفرق بين الكلمة القرآنية والكلمة البشرية. الكلمة الإلهية قد تعني معاني عديدة فيضعها في سورة الشورى مثلاً غير معنى في سورة الإسراء غير معنى في سورة أخرى. المقدم: ذكرنا مثل هذا الأمر عندما تكلمنا سابقاً عن معنى كلمة عتيق في الآية (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) الحج) وقلنا أن معنى عتيق قديم فلماذا لم يستخدم قديم؟ د/ هداية: الناس لا تعلم ما معنى قاموس، التلامذة يتصوروا أنهم إذا أرادوا معنى الروح يفتحوا القاموس فيجدوا أن معناها جبريل، لكن المسألة ليست كذلك، المعنى اللغوي في القاموس هو لضبط الكلمة وليس لإعطاء المعنى. وإعطاء المعنى يأتي من أصل الكلمة في القرآن وفي أصل النصّ. (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) لم يقل قديم وما دام استخدم عتيق فهو لمعنى محدد، صحيح أنه في أصل اللغة عتيق بمعنى قديم ولكن المعنى المقصود في الآية لا يصح معه قديم. لما نصنع العطور نقول عتّقه، لكن لما يستخدم المولى عز وجل كلمة عتيق يكون لها إما معنى أو لازم معنى أو مراد. غذا طبقنا هذا الأمر على كلمة عتيق، قالوا عتيق بمعنى قديم هذا معنى واحد من لازم معنى الكلمة، (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) لا تنقع القديم وإنما البيت يتميز أن من دخله كان آمناً ويعتق من النار. إذن هنا العتق غير القدم، العتق أن تعفو عنه وهذا معنى آخر للعتق، صحيح أن عتيق فيها معنى قديم لكن هذا المعنى لا يهممنا هنا أن يكون البيت قديماً ولكن يهمنا أن يكون المعنى أن يعتق الله تعالى رقبتي من النار. إذن (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) كأن فيها إشارة لو طفت بشكل صحيح وعملت المناسك بشكل صحيح فالمولى سيعتق رقبتي. المقدم: أيام الرسول صلى الله عليه وسلم كان الساحة حول الكعبة لم يكن فيها التوسعات والرخام والكسوة ليس القضية قضية الخامة وإنما القيمة. د/ هداية: المراد بالعتيق هو المطلوب، (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) فيها إشارة لو طفت صح وعملت المناسك بشكل صحيح وكانت نيتك التي جئت بها سليمة وركزت في أنك ستؤدي المناسك بإخلاص لله تبارك وتعالى سيعتق الله تعالى رقبتك من النار وهذا مصداق الحديث ساعة تطوف طواف الإفاضة كأن الملك يقول لك إعمل في ما يُستقبل قد غفر الله لك وهي معنى "عاد كيوم ولدته أمه" لكن لا أذهب للحج لأجل حصول هذا وإنما هذه تأتي تابعة لكوني أحج لأن الحج فريضة، أنا لا أذهب إلى الحج حتى يغفر الله لي ولكن أذهب إلى الحج لأنه فريضة ويتبع هذا إن أديت الفريضة بشكلها الصحيح وبإخلاص لله تعالى تكون النتيجة أن الله تعالى يغفر لي. فالذي يريد أن يذهب للحج ليغفر الله له فيمكنه أن يبقى في بيته ويستغفر الله لأن الله تعالى قريب. المقدم: ولو كان هذا المفهوم صحيحاً وهو أن يذهب للحج ليغفر الله له لكان الفقير قد ظُلِم حاشا لله لأنه لن يتمكن من الحج لعدم استطاعته د/ هداية: الجنة ليست بمال، لماذا نذهب إلى الحج؟ لأنها فريضة. وإخلاصك في الحج وفي النسك له أجر وهو المغفرة. مثل الصلاة درجات، أنا أصلي الظهر وغيري يصلي الظهر بإخلاص لا يستويان! ولو سألت الذي يصلي يقول لك أسقطت الفرض وكأنه أزاح عنه هذا الأمر وكان عليه أن يقول أقمت الفرض بدل أن يقول أسقطته. المقدم: والأجر على قدر كامل النية ودرجة الإجادة والإتقان. د/ هداية: رجل ذهب إلى الحج وتعب قال هذه عملية مقرفة! ولن أعود إلى هنا ثانية! وذكر ألفاظاً غريبة، فسألته لماذا؟ لا أدري لماذا يأتي الناس هنا! هذا ضيّع كل شيء. هؤلاء يتكلمون عن نسك لإله، والناس تتكلم هكذا وكأنهم يتكلمون عن رحلة سياحية، الحج مشقة لكن أن تأتي بكل حب وفي نيتك أن لا تغضب ولا ترفث مهما حصل من إشكالات في التذكرة أو المواصلات أو أو، هناك كثيرون لا يفهموا النية والهدف والغاية والمراد وهذه الأمور كلها تتعلق بطريقة تلقينا للقرآن. المقدم: عندي أسئلة في الآية وأسئلة أخرى. أولاً في مسألة عدم الاستماع والإنصات للقرآن هناك من يسأل أنا أحب أن استمع للقرآن وأنا نائم فهل يشغّل القرآن أم لا؟ د/ هداية: لا، لا يشغله لأنه وهو نائم لن يستمع ولن يُنصت. المقدم: أنت تقول لا تشغل القرآن إذا لم يستمع له فما هو الأفضل أن أشغل القرآن بدون أن استمع له أو اشغل أي شيء آخر مثل الأغاني؟ د/ هداية: هذا سؤال تهديدي، أنا لست مع الأغاني لكن إذا كنت تبيع وتشتري لا تشغل القرآن وشغل الأغاني. القرآن له شرط إلهي (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) الأعراف) والجن قالوا (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) الجن) لا يمكن أن يوصف هذا القرآن أنه عجباً إلا إذا ركّز المستمع له، وعجباً جاءت مكان عجيب ومتعجب منه، جاء بالمصدر. نم وبِع وإشتر بدون أن تشغل القرآن لكن إذا أردت أن تتدبر فاستمع للقرآن حتى لو خرجت بكلمة واحدة لأن هذا شرط إلهي (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) لا ترحمون لأنكم أنصتوا ولكن لأنكم إذا استمعتم وأنصتم ستطبقون بشكل صحيح وهذه هي الرحمة الحقيقية وهذا هو العمل. المقدم: جزاكم ونراكم على خير وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 25/6/2010م |
ابدعتي يا اختي ميارى
الله يجزاكي كل خير |
سلمت الايادي على طرحك وبارك الله بك
جزيل الشكر والتقدير لك كل الود والتحية |
الساعة الآن 09:28 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |