![]() |
أُخرج بالتي هي أحسن
نزل أبو الأغر، وهو شيخ أعرابي من بني نهشل، ضيفا على بنت أختٍ له تسكن البصرة، وذلك في شهر رمضان. فخرج الناس إلى ضياعهم، وخرج النساء يصلِّين في المسجد، ولم يبقى في الدار غير الإماء وأبي الأغرّ. ودخل كلب من الطريق إلى الدار، ثم إلى حجرة فيها، فانصفق باب الحجرة ولم يتمكن من الخروج. وسمع الإماءُ الحركة في الحجرة فَظَنَنَّ لصّا دخلها، فذهبت إحداهن إلى أبي الأغر فأخبرته، فأخذ عصا ووقف على باب الحجرة وقال: يا هذا إنك بي لعارف. أنت من لصوص بني مازن، وشربتَ نبيذًا حامضا خبيئا حتى إذا دارت الأقداح في رأسك مَنَّتْكَ نفسُك الأماني، فقلتَ: أَطْرُقُ دُورَ بني عمرو والرجال في ضياعهم والنساء يصلين في المسجد فأسرِقهن. سَوْءةً لك! والله ما يفعل هذا رجلٌ حر! وبِئْسَمَا مَنَّتْك نفسُك! فاخرج بالتي هي أحسن وأنا أعفو عنك وأسامحك وإلا دخلتُ بالعقوبة عليك. وأيم الله لتخرجنّ أو لأهتفن هَتْفَةً فيجيء بنو عمرو بعدد الحصى، وتسأل عليك الرجال من ها هنا، وها هنا ولئن فعلتُ لتكوننَّ أشأم مولود في بني مازن. فلما رأى أنه لا يجيبه أخذ باللين فقال: أخرج بأبي أنت منصورا مستورا. إني والله ما أراك تعرفني، ولئن عرفتني لوثقت بقولي، واطمأننت إليّ. أنا أبو الأغر النهشلي، وأنا خالُ القوم وقُرّة أعينهم، لا يعصون لي رأيا، وأنا كفيلٌ بأن أحميك منهم وأن أدافع عنك. فاخرج وأنت في ذمتي، وعندي فطيرتان أهداهما إليّ ابن أختي البار، فخذ إحداهما حلالا من الله ورسوله، بل وأعطيك بعض الدراهم تستعين بها على قضاء حوائجك. وكان الكلبُ إذا سمع الكلام أطرق، فإذا سكت أبو الأغرّ وثب الكلب وتحرّك يريد الخروج. فلما لم يسمع أبو الأغرّ ردّا قال: يا ألأم الناس! أراني في وادٍ وأنت في آخر. والله لتخرجن أو لأدخلن عليك. فلما طال وقوفه جاءت جاريةٌ وقالت لأبي الأغرّ: أعرابي جبان! والله لأدخلنَّ أنا عليه! ودفعت الباب، فوقع أبو الأغر على الأرض من فرط خوفه، وخرج الكلبُ مبادرا فهرب من الدار. واجتمعت الجواري حول أبي الأغرّ فقُلْن له: قم ويحك! فإنه كلب! فقام وهو يقول: الحمد لله الذي مسخه كلبا وكفى العربَ شرَّ القتال! من كتاب "عيون الأخبار" لابن قتيبة. |
أخـلاق الخـوارج
قال أبو الحسن علّي بن لطيف: كنتُ مجتازاً بناحية قُزدار في الهند، وهي بلد الخوارج ودارهم. فانتهيت إلى قرية لهم. ورأيت خيّاطا شيخاً في مسجد فسلّمت إليه رزمة ثيابي وقلت: تحفظها لي؟ فقال: دَعْها في المحراب. فتركتها ومضيت. فلما أتيت من الغد عُدْتُ إلى المسجد فوجدته مفتوحاً ولم أرَ الخياط، ووجدّت الرّزمة بِشَدِّها في المحراب. فقلت: ما أجهلَ هذا الخياط! ترك ثيابي وحدها وخرج! ولم أشكّ في أنه قد حملها بالليل إلى بيته وردّها من الغد إلى المسجد. فجلست أفتحها وأخرج شيئاً فشيئاً منها. فإذا أنا بالخياط. فقلت له: كيف خلَّفت ثيابي؟ فقال: أفقدْت منها شيئاً؟ قلت: لا. قال: فما سؤالك؟ قلت: أحببت أن أعلم. فقال: تركتُها البارحة في موضعها ومضيتُ إلى بيتي. فأقبلتُ أخاصمه وهو يضحك. ثم قال: أنتم تعوّدتم أخلاق الأراذل، ونشأتم في بلاد الكفر التي فيها السرقة والخيانة وهذا لا نعرفه ههنا. لو بقيت ثيابك مكانها إلى أن تبلى ما أخذها غيرُك، ولو مضيتَ إلى المشرق والمغرب ثم عدت لوجدتها مكانها. فإنّا لا نعرف لصاً ولا فساداً ولا شيئاً مما عندكم، ولكن ربما لحقنا في السنين الكثيرة شيء من هذا، فنعلم انه من جهة غريب قد اجتاز بنا فنركب وراءه فندركه ونقتله، إما نتأوّل عليه بكفره وسعيه في الأرض بالفساد فنقتله، أو نقطّعه من المرفق. وسألتُ عن سيرة أهل البلد بعد ذلك، فإذا الأمر على ما ذكره، وإذا هم لا يغلقون أبوابهم بالليل، وليس لأكثرهم أبواب، وإنما ستارة من القصب تردُّ الوَحْشَ والكلاب. من كتاب "معجم البلدان" لياقوت. |
أخلـص قلبـك لله
قال مالك بن دينار، رضي الله عنه: خرجت إلى الحج، وفيما أنا سائر في البادية، إذ رأيت غراباً في فمه رغيف، فقلت: هذا غراب يطير وفي فمه رغيف، إن له لشأناً، فتبعته حتى نزل عند غار، فذهبت إليه، فإذا بي أرى رجلاً مشدوداً لا يستطيع فكاكا، والرغيف بين يديه، فقلت للرجل: من تكون؟ ومن أي البلاد أنت؟ فقال: أنا من الحجاج، أخذ اللصوص مالي ومتاعي، وشدوني وألقوني في هذا الموضع كما ترى، فصبرت على الجوع أياما، ثم توجهت إلى ربي بقلبي وقلت: يا من قال في كتابه العزيز: "أمـّن يجيب المضطر إذا دعاه" فأنا مضطر فارحمني، فأرسل الله إليّ هذا الغراب بطعامي. قال مالك: فحللته من الوثاق، ثم مضينا فعطشنا، وليس معنا ماء، فنظرنا في البادية فرأينا عليه ظباء، فدنونا منه فنفرت الظباء، وأقامت غير بعيد، فلما وصلنا إلى البئر كان الماء في قعره، فاحتلنا حتى استقينا وشربنا، وعزمت ألا نبرح حتى نسقي الظباء، فحفرت وصاحبي حفرة وملأناها بالماء، وتنحينا فأقبلت الظباء فشربت حتى رويت، فإذا هاتف يهتف بي ويقول: يا مالك، دعانا صاحبك وتوجه إلينا بقلبه ونفسه فأجبناه وأطعمناه، وحللنا وثاقه وسقيناه، وتوكلت علينا الظباء فسقيناها |
أدعيــة
كان سيدنا علي رضي الله عنه، يـُفرِّغ نفسه للعبادة في أربع ليال في السنة، أول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان، وليلة الفطر، وليلة الأضحى. وكان من دعائه فيها: اللهم صل على محمد وآله، مصابيح الحكمة، وموالي النعمة، ومعادن العصمة، واعصمني من كل سوء، ولا تأخذني على غـِرَّة، ولا على غفلة. ولا تجعل عواقب أمري حسرة وندامة. وارض عني، فإن مغفرتك للظالمين، وأنا من الظالمين، اللهم اغفر لي ما لا يضرُّك. وأعطني ما لا ينقصك، فإنك الواسع رحمته، البديعة حكمته، فأعطني السعة والدعة والأمن والصحة والشكر والمعافاة والتقوى. وأفرغ الصبر والصدق عليَّ وعلى أوليائك، وأعطني اليـُسر، ولا تجعل معه العسر، وأعمم بذلك أهلي وولدي وإخواني فيك، من المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات. |
أذان بـــلال
رُوي أن بلالاً رأى في منامه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقول له: ما هذه الجفوة يا بلال، أما آن لك أن تزورني يا بلال، فانتبه حزيناً وجلا خائفاً، فركب راحلته، وقصد المدينة، فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل يبكي عنده، ويمرغ وجهه عليه، فأقبل الحسن والحسين فجعل يضمهما ويقبلهما، فقالا له: نشتهي أن نسمع أذانك الذي كنت تؤذن به لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فعلا سطح المسجد، ووقف موقفه الذي كان يقف فيه، فلما أن قال: الله أكبر الله أكبر، ارتجت المدينة، فلما أن قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ازدادت رجتها، فلما أن قال: أشهد أن محمداً رسول الله، خرجت العواتق من خدورهن وقلن: أبـُعـِثَ الرسول صلى الله عليه وسلم؟ قال: فما رأيت يوماً أكثر باكياً ولا باكية بالمدينة، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك اليوم. |
أطبـاق الفستـق
شكا الحجاجُ إلى تياذوق الطبيب تعباً في معدته وكبده. فوصف له العبثَ بالفستق. فذكر الحجاجُ ذلك لجواريه، فلم يبق له جارية إلا قشرت له طبقاً عظيماً من الفستق وبعثت به إليه. وجلس الحجاج مع مسامريه، فأقبل يستفّ الفستق سفَّاً، فأصابه إسهال كاد يأتي على نفسه فشكا ذلك إلى تياذوق، فقال: إنما أمرتك أن تعبث بالفستق، وأردتُ بذلك الفستقَ الذي بقشره لتتولى أنت كسرَ الواحدة بعد الواحدة. ومصُّ قشر الفستق يُصلح معدة مثلك من الشباب الممرورين، وأكل بعض الفستق نفسه يصلح الكبد. وكان قصدي أنك إذا أكلت ما في الفستقة وحاولت كسر أخرى، لم يتم لك كسرها إلا وقد هضمت الفستقة التي قبلها. فأما ما فعلته أنت فليس بعجيب أن ينالك معه أكثر مما أنت فيه! من كتاب "طبقات الأطباء" لابن أبي أصيبعة. |
أعيتـه الحيلــة
يعتبر أبو جعفر المنصور، رجل بني العباس، والمؤسس الثاني لدولتهم، بعد أن انتقلت إليهم الخلافة من بني أمية، وكان إذا دخل البصرة أيام الأمويين، دخل متنكراً متكتمـاً، وكان يجلس في حلقة أزهر السمان العالم الثبت المتحدث؛ فلما أفضت الخلافة إليه، قدم عليه أزهر فرحب به وقربه وقال: ما حاجتك يا أزهر؟ فقال: يا أمير المؤمنين، داري متهدمة، وعليّ أربعة آلاف درهم، وأريد أن أزوج ابني محمداً، فوصله باثني عشر ألف درهم، وقال له: قد قضينا حاجتك يا أزهر، فلا تأتنا بعد اليوم طالباً، فأخذها وارتحل. فلما كان بعد سنة أتاه، فقال له أبو جعفر: ما حاجتك يا أزهر؟ فقال: جئت مسلماً، فقال: لا والله بل جئت طالباً، وقد أمرنا لك باثني عشر ألفاً، فاذهب ولا تأتنا بعد اليوم طالباً ولا مسلماً. فأخذها ومضى؛ فلما كان بعد سنة أتاه، فقال له: ما حاجتك يا أزهر فقال: أتيت عائداً. فقال: لا والله بل جئت طالباً، وقد أمرنا لك باثني عشر ألفاً، فاذهب ولا تأتنا بعد اليوم طالباً ولا مسلماً ولا عائداً، فأخذها، وانصرف. فلما مضت السنة أقبل، فقال له: ما حاجتك يا أزهر؟ فقال: يا أمير المؤمنين، دعاء كنت سمعتك تدعو به جئت لأكتبه. فضحك أبو جعفر وقال: الدعاء الذي تطلبه مني غير مستجاب، فإني دعوت الله به ألا أراك، فلم يستجب لي. وقد أمرنا لك باثني عشر ألفاً، وتعال إذا شئت، فقد أعيتنا الحيلة فيك. |
أكثرُ الناس يقرأها بالفَتْح
قرأ الخليفة المتوكل يومًا، وبحضرته وزيره الفتح بن خاقان: (وما يُشْعِرُكُم أَنَّها إذا جاءت). فقال له الفتح: يا سيدي، (إنّها إذا جاءت) بالكسر. ووقعت المشاجرة، فتراهنا على عشرة آلاف دينار، وتحاكما إلى يزيد بن محمد المهلَّبي الشاعر ـ وكان صديقًا للمبرّد ـ فلما وقف يزيد على ذلك خاف أن يَسْقُطَ أحدهما، فقال: واللّه ما أعرف الفرق بينهما. وما رأيت أعجب من أن يكون باب أمير المؤمنين يخلو من عالم متقدم. فقال المتوكل: فليس ها هنا من يُسأَل عن هذا؟ قال: ما أعرف أحدًا يتقدم فتى بالبصرة يُعرف بالمبّرد. فقال: ينبغي أن يُشْخَص. فلما أُدْخِل المبّرد على الفتح بن خاقان، قال له: يا بصريّ، كيف تقرأ هذا الحرف (وما يُشْعِرُكم إنها إذا جاءت لا يؤمنون) بالكسر، أو (أنها إذا جاءت) بالفتح؟ قال المبرد: (إنها) بالكسر. وذلك أن أول الآية: (وأَقْسَموا باللّه جَهْد أَيمانهم لئن جاءَتهم آية لَيُؤْمِنُنَّ بها، قُل إِنما الآيات عند اللّه وما يُشْعِرُكم)، ثم قال تبارك وتعالى: يا محمد .إنّها إذا جاءت لا يؤمنون) باستئناف جواب الكلام المتقدم) قال الفتح: صدقت ثم ركب إلى دار أمير المؤمنين، وعرّفه بقدوم المبرّد، وطالبه بدفع ما تخاطرا عليه فأمر المتوكل بإحضار المبرد. فلما وقعت عينه عليه قال: يا بصريّ، كيف تقرأ هذه الآية: (وما يُشْعِرُكم إنها إذا جاءت) بالكسر، أو (أَنَّها إذا جاءت) بالفتح؟ قال المبّرد: يا أمير المؤمنين، أكثر الناس يقرأها بالفتح. فضحك المتوكل وضرب برجله اليسرى، وقال: أَحضر يا فتحُ المال. فقال: إنه واللّه يا سيدي قال لي خلاف ما قال لك. فقال المتوكل: دعني من هذا. أحضر المال! وخرج المبرّد، فلم يصل إلى الموضع الذي كان أُنْزِلَه حتى أتته رُسُل الفتح. فلما أتاه قال له: يا بصريّ، أوّل ما ابتدأنا به الكذب! قال المبرّد: ما كذبتُ. فقال: كيف وقد قلتَ لأمير المؤمنين إن الصواب: (وما يُشْعِرُكم أَنها إذا جاءت) بالفتح؟ فقال: أيها الوزير، لم أقل هكذا، وإنما قلت: أكثر الناس يقرأها بالفتح. وأكثرهم على الخطأ. وإنما تخلَّصتُ من اللائمة، وهو أمير المؤمنين. فقال الفتح: أحسنت! من كتاب "طبقات النحويين واللغويين" للزُّبيدي الأندلسي. |
ألا تغـزو العــدوّ
قيل لأعرابي: ألا تغزو العدوّ؟ قال: وكيف يكونون لي عدوا وما أعرفهم ولا يعرفوني! وقيل لآخر: ألا تغزو العدوّ؟ قال: والله إني لأُبغض الموت على فراشي، فكيف أمضي إليه رَكـْضا! وكان عـُبيد الله بن زياد قد وجـّه أسلم بن زُرْعـَة في ألفين لحرب أبي بلال الخارجي، وأبو بلال في أربعين رجلاً. فشدَّ الأربعون عليه شدّة رجل واحد ففرّ أسلم بن زرعة هو وأصحابه. فلما دخل على ابن زياد عنـّفه في ذلك وقال: أتمضي في ألفين وتهرب من أربعين؟ فخرج أسلم عنه وهو يقول: لأن يَذُمـّني ابن زياد وأنا حيّ، خيرٌ من أن يمدحني وأنا ميّت! من كتاب "العقد الفريد" لابن عبد ربه. |
أمانـي
مرض أحد الصحابة يوماً، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عنه الرسول، فقيل له: إنه انتقل إلى رحمة الله، فقال ألم يقل شيئاً، فقيل له إنه حين وفاته قال: ليتها كانت كثيرة، ليتها كانت الجديدة، ليته كان كاملاً، فلم ندر ماذا يعني بذلك، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام، إن هذا الصحابي كان يسعى ذات يوم جمعة، مهرولاً إلى المسجد، فوجد في الطريق رجلاً ضريراً، وليس معه من يقوده، فأخذ بيده إلى المسجد، فعند الموت رأى ثواب ذلك فقال: ليتها كانت كثيرة. وكان في يوم من أيام الشتاء القارس، يسعى إلى صلاة الصبح، فوجد رجلاً بالطريق، يكاد يموت من شدة البرد، وكان يلبس حـُلتين إحداهما جديدة، والأخرى قديمة، فأعطى الرجل القديمة، وعند الموت رأى ثواب ذلك، فقال ليتها كانت الجديدة. وفي أحد الأيام، رجع إلى داره، فسأل امرأته عما لديها من طعام، فقدمت له رغيفاً من خبز الشعير، فلما هم بتناوله، إذا بطارق بالباب يقول: إني جائع، فأعطاه نصف الرغيف، وعند موته رأى ثواب هذا فقال ليته كان كاملاً. |
الساعة الآن 10:15 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |