![]() |
إن جاء عبد الملك فأذَنوا له
قال إسحاق الموصلي: لم أر قطّ مثل جعفر البرمكي، كانت له فتوة وظَرْف وأدب وحسن غناء وضرب بالطّبل، وكان يأخذ بأجزل حظ من كل فن. حضرتُ يومًا باب أمير المؤمنين الرشيد، فقيل لي: إنه نائم. فانصرفت، فلقيني جعفر فقال لي: ما الخبر؟ فقلت: أمير المؤمنين نائم. فقال: فسرْ بنا إلى منزلي حتى نخلو بقية يومنا وتغنّيني وأغنّيك. قلت: نعم. فصرنا إلى منزله فطرحنا ثيابنا، ودعا بالطعام فطعمنا، وأمر بإخراج الجواري وقال: ليس عندنا من تحتشمن منه. فلما وُضِع الشراب دعا بقميص حرير فلبسه ودعا بخلوق فتخلق به، ثم دعا لي بمثل ذلك، وجعل يغنيني وأغنيه، ثم دعا بالحاجب وأمره بألا يأذن لأحد من الناس، وإن جاء رسول أمير المؤمنين أعلمه أنه مشغول، ثم قال: أما إن جاء عبد الملك فأذَنوا له. (يعني رجل كان يأنس به ويمازحه ويحضرُ خلواته). ثم أخذْنا في شأننا. فوالله إنّا لعلى حال سارّة، إذ رُفع السِّتر، وإذا عبد الملك بن صالح الهاشمي قد أقبل، وقد غلط الحاجب ولم يفرّق بينه وبين عبد الملك الذي يأنَس به جعفر. وكان عبد الملك بن صالح الهاشمي من جلالة القدر والتقشف وفي الامتناع عن منادمة أمير المؤمنين على أمر جليل، وكان هارون الرشيد قد اجتهد به أن يشرب معه أو عنده قدحًا، فلم يفعل رَفْعَا لنفسه. فلما رأيناه مقبلاً، أقبل كل واحد منا ينظر إلى صاحبه، وكاد جعفر أن ينشقّ غيظًا. وفهم الرجل حالنا، فأقبل نحونا، ورما طيْلسانَه جانبًا ثم قال: أطعمونا شيئا. فدعا له جعفر بالطعام وهو منتفخ غضبا. فطعم، ثم دعا برطل من النبيذ فشربه، ثم قال أشركونا فيما أنتم فيه! ودعا بقميص حرير وخَلوق فلبس وتخلق، ثم دعا برطل ورطل حتى شرب عدة أرطال من النبيذ، ثم اندفع ليغنينا، فكان والله أحسننا جميعًا غناء. فلما طابت نفس جعفر وسُرِّي عنه ما كان به، التفت إليه فقال له: ارْفَع حوائجك. فقال: ليس هذا موضع حوائج. فقال :لتفعلنّ. ولم يزل يُلحّ عليه حتى قال له: أمير المؤمنين عليّ غاضب، فأحبّ أن تترضّاه. قال جعفر: فإن أمير المؤمنين قد رَضِيَ عنك، فهات حوائجك. فقال: هذه كانت حاجتي. قال: ارفع حوائجك كما أقول لك. قال: عَلَيَّ دَيْنُ فادِح. قال جعفر: تُحمل إليك من مال أمير المؤمنين غدًا أربعة آلاف ألف درهم. فَسلْ أيضا. قال: ابني، تكلِّم أمير المؤمنين حتى يُنَوِّه باسمه. قال: قد ولاه أميرُ المؤمنين مصر وزَوَّجَه ابنته العالية، ومَهرَهَا ألفي ألف درهم. فقلت في نفسي: قد سَكِرَ الرجل (أعني جعفرا). فلما أصبحت لم تكن لي هِمَّة إلا حضور دار الرشيد، وإذا جعفر البرمكي قد بكّر، ووجدتُ في الدار جلبة وإذا أبو يوسف القاضي ونُظراؤه قد دُعِيَ بهم، ثم دُعِيَ بعبد الملك بن صالح وابنه فأُدخلا على الرشيد. فقال الرشيد لعبد الملك: إن أمير المؤمنين كان واجدًا عليك وقد رَضِيَ عنك، وأمر لك بأربعة آلاف درهم، وزَوَّج ابنَك العاليةَ بنت أمير المؤمنين، وأمهرتُها عنه ألفيْ ألف درهم، ووليتُه مصر. فلما خرج جعفر سألتُه عن الخبر، فقال: بكّرت على أمير المؤمنين فحكيتُ له ما كان منا وما كُنّا فيه حرفًا حرفًا، فعجب لذلك وسُرّ به، ثم قلت له: قد ضَمِنْتُ له عنك يا أمير المؤمنين ضمانا. فقال: ما هو؟ فأعلمتُه. فقال: أوْفِ له بضمانك. وأمر بإحضاره، فكان ما رأيت. من كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصبهاني. |
أنــا!
دخل الحسن بن أبي المشرف على الفضل وزير الخليفة المعتصم. فقال له الفضل: يا حسن، نحتاج إلى رجل جزلٍ في رأيه، متوفّر لأمانته، متصرّف في الأمور بتجربته، مستقدرٍ على الأعمال بعلمه، تصف لنا مكانَه، وتشير علينا به فنقلـّده جسيمـًا من عملنا. فأجابه الحسن سريعـًا قال: وجدتُه لك، أصلحك اللّه. قال: من هو؟ قال: أنا. فتبسـّم الفضل وقال: هذا القول من غيرك فيك أحسنُ منه بلسانك لك. نعود وننظر إن شاء اللّه! من رسالة "ذم أخلاق الكُتـّاب" للجاحظ. |
أنـت لهـا!
استعمل معاويةُ عبدَ الرحمن بن خالد بن الوليد على الجيش وقد جاشت الروم، وكتب له عهدًا، ثم قال له: ما تصنع بعهدي هذا؟ قال: أَتَّخذه إمامًا فلا أَتجاوزه. قال معاوية: ردَّ عليَّ عهدي. وعزله. ثم بعث إلى سفيان بن عوف الغامدي، فقال له: قد ولّيتك الجيش وهذا عهدي، فما أنت صانع به؟ قال: أَتَّخِذه إمامًا ما وافق الحَزْم، فإذا خالفَه خالفتُه وأعملتُ رأيي. قال معاوية: أنت لها! من كتاب "الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر العسقلاني. |
أنحـس مركــوب
اشترى رجل دابة من دميرة، فوجد بها عيوباً كثيرة، فحضر إلى القاضي يشكو البائع فقال: أيها القاضي، إني بحكمك راض. اشتريت من هذا الغريم دابة، ادعى فيها الصحة والسلامة، فوجدت بها عيوباً، أعقبتني ندامة. فقال القاضي ما عيوبها؟ فقال: كلها عيوب وذنوب، وهي أنحس مركوب، إن ركبتها رفست، وإن سقتها رقدت، وإن نزلت عنها شردت، حدباء جرباء. لا تقوم حتى تحمل على الخشب. ولا تنام حتى تكبل بالسلب. إن قربت من الجرار كسرتها. وإن دنت من الصغار رفستهم، وإن دار حولـَها أهل الدار كدمتهم. تمشي في سنة أقل من مسافة يوم، الويل لراكبها إن وثب عليه القوم. متى حملتها لا تنهض، تقرض حبلها، وتجفل من ظلها، ولا تعرف منزل أهلها. حرونة ملعونة مجنونة. تقلع الوتد، وتمرض الجسد، وتفتت الكبد، ولا تركن إلى أحد. واقعة الصدر، محلولة الظهر، عمشاء العينين. قصيرة الرجلين. مقلـَّعة الأضراس. كثيرة النعاس. مشيها قليل، وجسمها نحيل، وراكبها بين الأعزاء ذليل، تجفل من الهوى، وتعثر بالنوى، تحشر صاحبها في كل ضيق. وتنقطع به في الطريق، وتعض ركبة الرفيق. فإن قبلها فأكرم جانبه ولا تحوجني أن أضاربه. فضحك القاضي وحكم برَدّها. |
إنـّا أعطيناك الجـَماهـِر
ادعى رجل النبوة في زمن خالد بن عبد الله القـَسري، وعارض القرآن. فأتى به خالد، فقال له: ما تقول؟ قال: عارضتُ في القرآن ما يقول الله تعالى: (إنـّا أعطيناك الكوثر. فصلِّ لربك وانحر. إن شانـِئك هو الأبتر)، فقلت أنا ما هو أحسن من هذا: إنـّا أعطيناك الجماهـِر، فصلِّ لربك وجاهـِر، ولا تـُطع كل ساحر وكافر. فأمر به خالد فضـُربت عنقه وصـُلب على خشبة. فمر به خـَلف بن خليفة الشاعر فقال: إنا أعطيناك العـَمود. فصلِّ لربك على عود. وأنا ضامن عنك ألا تعود! من كتاب "العقد الفريد" لابن عبد ربه. |
إني أرى في الكتاب ما لا ترون
كان سديدُ المُلك، وهو أول من ملك قلعة شَيْزَر من بني منقذ، موصوفًا بقوّة الفطنة. وتُنقل عنه حكاية عجيبة، وهي أنه كان يتردد إلى حَلَب قبل تملّكه شيزر، وصاحب حلب يومئذ تاج الملوك محمود بن صالح بن مرداس. فجرى أمرٌ خاف سديد الملك على نفسه منه، فخرج من حلب إلى طرابلس الشام. فتقدّم محمود بن صالح إلى كاتبه أن يكتب إلى سديد الملك كتابًا يتشوّقه ويستدعيه إليه. ففهم الكاتب أنه قصد له شرّا، وكان صديقًا لسديد الملك. فكتب الكتاب كما أُمِر إلى أن بلغ إلى "إن شاء الله تعالى"، فشدَّد النون وفَتَحَها. فلما وصل الكتاب إلى سديد الملك عَرَضَه على من بمجلسه من خواصه، فاستحسنوا عبارة الكتاب، واستعظموا ما فيه من رغبة محمود فيه وإيثاره لقربه. فقال سديد الملك: إني أرى في الكتاب ما لا ترَوْن. ثم أجابه عن الكتاب بما اقتضاه الحال، وكتب في جملة الكتاب: أنا "الخادم المقرّ بالإنعام"، وكسر الهمزة من أنا، وشدَّد النون. فلما وصل الكتاب إلى محمود، ووقف عليه الكاتب، سُرَّ الكاتب بما فيه، وقال لأصدقائه: قد علمتُ أن الذي كتبتُه لا يخفى على سديد الملك، وقد أجاب بما طَيـَّبَ نفسي. وكان الكاتب قد قصد قول الله تعالى: "(إِنَّ المَلأَ يأتمرون بك ليقتلوك)، فأجاب سديد الملك بقوله تعالى: (إِنـَّا لن ندخلها أبدًا ما داموا فيها)! من كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلّكان. |
أهـل القِبـلة
مذاهب أهل جرجان مختلفة: أكثرهم حنفيون، والباقون حنابلة وشافعيون وشيعة ونجّارية وكرّامية. فإن قال قائل: "ألم تقل من قبل إنه ليس بها مبتدع؟ فها أنت تقول إن بها كرامية!" قلت له: "الكرامية أهل زهد وتعبد، ومرجعهم إلى أبي حنيفة، وكل من رجع إلى أبي حنيفة أو إلى مالك أو إلى الشافعي أو إلى أئمة الحديث الذين لم يغلوا فيه ولم يشبّهوا الله ويصفوه بصفات المخلوقين، فليس بمبتدع." وأنا عازم على أن لا أطلق لساني في أمة محمد، ولا أشهد عليهم بالضلالة ما وجدتُ إلى ذلك طريقا. قال مِسْعَر بن كِدام: ما أدركتُ من الناس من له عقلٌ كعقل ابن مُرَّة. جاءه رجل فقال: عافاك الله. جئتك مسترشدا، فقد دخلتُ في جميع الفرق والأهواء، فما دخلتُ في إحداها إلا كان القرآن هو الذي أدخلني فيها، ولم أخرج منها إلا كان القرآن هو الذي أخرجني، حتى صرتُ وليس في قلبي يقين. فقال عمرو بن مُرَّة: جئتني مسترشدا أم مجادلا؟ قال الرجل: جئتك مسترشدا. قال: أرأيت أهل هذه الفرق والأهواء اختلفوا في أن محمدا رسول الله، وأن ما أتى به الحق؟ قال: لا. قال: فهل اختلفوا في القرآن أنه كتاب الله؟ قال: لا. قال: فهل اختلفوا في دين الله أنه الإسلام؟ قال: لا. قال: فهل اختلفوا في الكعبة أنها القِبلة؟ قال: لا. قال: فهل اختلفوا في الصلوات أنها خمس؟ قال: لا. قال: فهل اختلفوا في رمضان أنه شهرهم الذي يصومونه؟ قال: لا. قال: فهل اختلفوا في الحج أنه بيت الله الذي يحجّونه؟ قال: لا. قال: فهل اختلفوا في الزكاة أنها من مائتي درهم خمسة؟ قال: لا. فقرأ ابن مُرَّة: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات مُحْكمات هُنَّ أُمُّ الكتاب وأُخَرُ مُتَشابِهات). ثم قال: فهل تدري ما المُحْكَم؟ قال: لا. قال: المُحْكم ما اجتمعوا عليه، والمتشابه ما اختلفوا فيه. فَشُدّ نيتك في المحكم، وكفّ لسانك عن الغلوّ في الدين. فإن هذا التعصب الذي ترى إنما هو من فعل الجُهّال. وكل من صلّى إلى هذه القبلة فهم إخواننا المسلمون. من كتاب "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" للمقدسي البشاري. |
أهلـي.. أهلــي
وفد أعرابي على كسرى أنو شروان، فسأله عن اسمه وصناعته، فأجابه، أنا الحارث بن كـِلدة، طبيب العرب، فقال كسرى: ما يصنع العرب بالطبيب، مع سوء أغذيتهم؟ قال: إن كان هذا حالهم، فهم أجدر بالطبيب، فقال: وكيف يعرفون من يسلمون إليه أمرهم، مع ما هم عليه من شدة الجهل، قال: إن الله عز وجل قسم العقول بين العباد، كما قسم الأرزاق، وأخذ القوم نصيبهم، ففيهم ما في غيرهم من جاهل وعالم، وعاجز وحازم وغير ذلك، فقال: ما هو المحمود من صفاتهم، قال: هو أكثر من أن يـُحصر، فإن لهم أنفساً سخية، وقلوباً جريـَّة، وعقولاً صحية، وأنساباً نقية، لغتهم أفصح اللغات، وأوسعها في التراكيب والكلمات، ألسنتهم طليقة، وعباراتهم رقيقة، يمرُق الكلام من أفواههم مروق السهام من أوتارهم، أعذب من الماء وألين من الهواء، يطعمون الطعام، ويواسون الأيتام، عزهم لا يرام، وجارهم لا يضام، فاستوى كسرى على كرسيه، وجرى ماء الحلم في وجهه، وقال لجلسائه مشيراً إلى ابن كلدة: إني وجدته راجحاً، ولقومه مادحاً، وبفضلهم ناطقاً، ولما يورده من لفظه صادقاً، وكذا العاقل، من أحكمته التجارب، ولا يكون حاطباً مع كل حاطب، ثم بشَّ في وجهه قائلاً، لله درك من عربي، لقد أعطيت علماً، وخـُصصت فطنة وفهماً، وأحسن صلته، وقضى جميع حوائجه. |
أهنـا عيــش
حج عبد الله بن عباس بالناس، ونزل ذات يوم منزلاً، وطلب من غلمانه طعاماً فلم يجدوا شيئاً، فقال لهم: اذهبوا إلى هذه البرية، لعلكم تجدون راعياً أو خيمة فيها لبن أو خبز، فمضوا حتى وقفوا على عجوز في فناء خبائها، فسلموا عليها، وقالوا لها: أعندك طعام نبتاعه؟ قالت: أما للبيع فلا، ولكن عندي ما يكفيني أنا وأبنائي، فقالوا: وأين بنوك؟ قالت: في مرعى لهم، وهذا أوان أوبـَتهم، قالوا: وما أعددت لهم؟ قالت: خبزة تحت المـَلـَّة، قالوا: أوليس عندك شيء آخر؟ قالت: لا، قالوا: فجودي لنا بشطرها، قالت: أما الشطر فلا أجود به، وأما الكل، فخذوه، فقالوا: تمنعين النصف، وتجودين بالكل، قالت: نعم، لأن إعطاء الشطر نقيصة، وإعطاء الكل فضيلة، فأنا أمنع ما يضعني، وأمنح ما يرفعني ثم أعطتهم الخبز، ولم تسألهم من هم؛ ولا من أين جاءوا؟ فرجعوا إلى ابن عباس وأخبروه بخبر هذه المرأة، فعجب منها وقال: احملوها إليَّ الساعة، فبادروا إليها، وقالوا لها: إن صاحبنا يريد أن يراك، فقالت: ومن صاحبكم؟ قالوا: عبد الله بن عباس، قالت: وأبيكم هذا هو الشرف الأعلى، وماذا يريد مني، قالوا: إكرامـَك ومكافأتك، فقالت: والله لو كان ما فعلته معروفاً، ما كنت لآخذ عنه بديلاً، فكيف وهو شيء يجب أن يشارك فيه الناس بعضهم بعضاً، وألحـُّوا عليها حتى ذهبوا بها، فلما وصلت إلى عبد الله سلمت عليه، فرد عليها السلام، وقرب مجلسها، وقال لها: ممن أنت يا خالة؟ قالت: من قبيلة بني كلب، قال: وكيف حالك؟ قالت: آكل الخبز المليل وأكتفي منه بالقليل، وأشرب الماء من عين صافية وأبيت ونفسي من الهموم خالية، فازداد منها استغراباً، وقال: لو جاء بنوك الآن وهم جياع، ما كنت تصنعين لهم؟ قالت: يا هذا لقد عظمت عندك خبزتي حتى أكثرت فيها الكلام، أشغل فكرك عن هذا فإنه يفسد المروءة ويورث الخسة، فقال لغلمانه: أحضروا أولادها، فأحضروهم فقربهم إليه وقال: إني لم أطلبكم لمكروه، وإنما أحب مساعدتكم بمال، فقالوا: نحن في كفاف من الرزق، فوجـِّه مالك نحو من يستحقه، فقال: لا بد أن يكون لي عندكم شيء تذكروني به، وأمر لهم بعشرة آلاف درهم، وعشرين ناقة مع فحلها. |
أوارث أنـت لبنـي أميـة
رُفع إلى أمير المؤمنين المنصور أن رجلاً يـُخفي عنده ودائع وأموالاً لبني أمية، فأمر بإحضاره، فلما دخل عليه قال له: قد رُفع إلينا خبر الودائع والأموال التي عندك لبني أمية. فأَخرجها إلينا. فقال: يا أمير المؤمنين، أوارثٌ أنت لبني أمية؟ قال: لا. قال: فوصيّ لهم في أموالهم؟ قال: لا. قال: فما مسألتك عما في يدي من ذلك؟ فأطرق المنصور ساعة ثم رفع رأسه وقال: إن بني أمية ظلموا المسلمين فيها، وأنا وكيل المسلمين في حقهم، وأريد أن آخذ ما ظلموا فيه المسلمين فأجعله في بيت مالهم. فقال الرجل: تحتاج يا أمير المؤمنين إلى إقامة البيـّنة العادلة على أن ما في يدي لبني أمية مما خانوا وظلموا فيه دون غيره، فقد كان لبني أمية أموال غير أموال المسلمين. فصمت المنصور برهة ثم قال: صدقت. ما يجب عليك شيء.. هل لك من حاجة؟ قال: حاجتي يا أمير المؤمنين أن تبعث بكتاب إلى أهلي ليطمئنوا على سلامتي، فقد راعهم طلبك إياي.. وقد بقيت لي حاجة أخرى. قال: وما هي؟ قال: تجمع بيني وبين من سعى بي إليك، فوالله ما لبني أمية في يدي مال ولا وديعة، ولكني لما مـَثـَلتُ بين يديك وسألتني عما سألتني عنه، علمتُ أنه ما يـُنجيني منك إلا هذا القول، لما اشتهر من عدلك. فقال المنصور: يا ربيع، اجمع بينه وبين من سعى به. فلما جاء به الربيع عرفه الرجل، وقال: هذا غلامي سرق مني ثلاثة آلاف دينار وهرب مني، وخاف من طلبي له فسعى بي عند أمير المؤمنين. فشدّ المنصور على الغلام حتى أقرّ بكل ما ذكره سيـّده. وقال المنصور للشيخ: نسألك أن تصفح عنه. قال: قد صفحتُ عنه وأعتقتهُ ووهبتُ له الثلاثة آلاف التي أخذها وثلاثة آلاف أخرى. وانصرف. فكان المنصور يتعجـّب منه كلما ذكره ويقول: ما رأيتُ مثلَ ذلك الشيخ قط. من كتاب "المستجاد من فعلات الأجواد" للتنـُّوخي |
الساعة الآن 10:27 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |