منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   القرآن الكريم والأحاديث وسيرة الأنبياء والصحابة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=95)
-   -   24 ساعة من حياة الطفل المسلم (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=7604)

ميارى 12 - 6 - 2010 02:51 PM


موقفه أمام النعم


http://harunyahya.com/arabic/kids/images24hr/s40.jpg
إذا ما استخلص المؤمن الحكم من الأشياء التي اعتادت عيناه رؤيتها خلص إلى أنّ كلّ شيء خلقه الله هو نعمة، بمعنى أنّ عينيه اللتين يرى بهما وأذنيه اللتين يسمع بهما وجسمه وما يأكله وكلّ ما يتغذى به والهواء الذي يتنفسه وأمواله وإمكاناته ونظامه الحيوي وصولا إلى النجوم في السماء، كلّها نعم وهبها الله للإنسان، وهذه النعم من العدد ما لا يمكن حصرها يقول تعالى: "وَإِنَ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ" ( النحل، 18 ) .
يحق للمؤمن التمتع بنعم الدنيا كلّها لكن حذار أن تغره أهواؤها الدنيا فينسى الآخرة. مهما توفّرت له الإمكانيات ( الثروة، الأبّهة، الأموال، النفوذ ) عليه ألاّ يكسل ولا يغترّ ولا يتكبّر. باختصار لا تكون هذه الإمكانيات سببا في ترك المؤمن للأخلاق القرآنية لأنّها نعم أنعمها الله عليه. والمؤمن يعي أنّ الله لو شاء لأخذها منه، ونعم الدنيا زائلة حتما وأنّ النعم الباقية لا توجد إلاّ في الجنة.
http://harunyahya.com/arabic/kids/images24hr/s41.jpg
إنّ الإنسان الملتزم بالأخلاق القرآنية يكون المال والملك والنفوذ وجميع النعم الدّنيوية مجرّد وسائل للتقرّب من الله تعالى والتمسّك بعبادته، وهو يعرف أن تلك النعم الدنيوية تصلح للتمتّع بها لمدّة معيّنة وليست هدفا في حدّ ذاتها، فمعدّل أمل الحياة عند الإنسان يتراوح بين 60 إلى 70 سنة وهي أطول فترة يمكن للإنسان التمتّع خلالها بالنعم الدنيوية ثمّ يموت ويترك بيته الذي أحبّه كبيرا وأفنى فيه عمره، بمعنى أنّه لا بدّ من يوم يفارق فيه الإنسان نعم الدنيا.
المؤمن يعرف أنّ الله وحده المنعم على الإنسان فيبذل ما بوسعه لإظهار الرّضا والمنّة ويشكر الله تعالى على تلك النعم، ويكون ذلك بالقول والفعل، فيذكر نعم الله ذكرا متواصلا، يقول تعالى: "وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلاَ تَنْهَرْ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ" ( الضحى، 5-11)، ويقول تعالى: "أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" ( الأعراف، 69 ).
http://harunyahya.com/arabic/kids/images24hr/s39.jpg
ينتظر بعض الناس أن تنزل عليهم نعمة كبيرة أو أن تُرفع عنهم مصيبة ثقيلة ليشكروا الله عليها، غير أننا إذا انتبهنا قليلا اكتشفنا أنّ الإنسان يعيش كلّ لحظة في زخم هذه النعم، فالحياة والصحّة والعقل والحواس الخمس والتنفس والهواء وما شابه ذلك هي من النعم التي وهبها الله للإنسان في كلّ لحظة من لحظات الحياة. فكلّ نعمة من تلك النعم توجب الحمد والشكر. وبعض الناس في غفلة من أمرهم لا يشكرون الله على تلك النعم التي هي في أيديهم لأنهم لا يعرفون قيمتها إلاّ إذا فقدوها.
أمّا المؤمنون فيحمدون الله على نعمه لأنها دليل على عجز الإنسان أمام القدرة الإلهية المطلقة، والمؤمنون لا يشكرون الله على نعمة الغنى والمال والملك فحسب بل يشكرونه على كلّ النعم ظاهرها وباطنها ويحمدون الله على نعمة الصحة والجمال والعلم والعقل وحبهم للإيمان ومعرفتهم القبيح من الطيب، ويحمدون الله على وجودهم مع إخوانهم المؤمنين، وعلى نعمة التعقل والبصيرة وعلى أنهم أصحاب قوة بدنية وعزيمة نفسية. وكلّما رأى المؤمن منظرا جميلا أو حقق شيئا تمناه أوسمع كلاما رائقا أو قابله الناس بالحب والاحترام وغيرها من النعم الأخرى شكر الله كثيرا على رحمته الواسعة.
إن المؤمن إذا تواضع لله كلّما أنعم عليه بنعمة وابتعد عن الغرور والتكبر وأبدى تواضعا في حديثه وسلوكه زاده الله من نعمه، يقول تعالى: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ" ( إبراهيم، 7 ) .
http://harunyahya.com/arabic/kids/images24hr/s37.jpg
جميع النعم الدنوية هي في الوقت نفسه وسائل امتحان للإنسان، لذلك ترى المؤمنين يشكرون الله ويحمدونه ويحرصون على بذل تلك النعم في خير الأعمال، فلا مجال للبخل وجمع الأموال لأنّ البخل وجمع المال صفة أهل جهنّم وهذا ما حذّر منه الله تعالى في قوله: "كَلاَّ إِنَّهَا لَظًى نَزَّاعَة لِلشَّوَى تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلَّى وَجَمَعَ فَأْوْعَى إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الخَيْرُ مَنُوعًا" ( المعراج، 15-21 ). وقد أمر الله بالإنفاق على الفقراء والمحتاجين بقوله تعالى: "...وَيَسَأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ العَفْوَ ..." ( البقرة، 219 )، وهي حاجة أخلاقية يتصف بها المؤمن الذي ينفق ما زاد عن حاجته في أعمال الخير طمعا في مرضاة الله تعالى.
لا شكّ أنّ مقابل العطاء هو الحمد والشكر، ولا بدّ من استعمال تلك النعم في مرضاة الله تعالى. والمؤمن مكلّف بتطبيق أوامر الله تعالى فيصرف أمواله في أعمال الخير ويستعمل نعمة الصحّة البدنية والإمكانيات المادّية لكسب مرضاة الله والفوز برحمته ودوام النعمة عليه بالفوز بالجنّة في الآخرة، قال تعالى: "إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِـنَ المُؤْمِنيـنَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الجَنَّةَ ..." ( التوبة، 111).
خلاصة القول إنّ المجتمع الذي يعيش أفراده في رحاب الأخلاق القرآنية إذا أصابه شيء من الفقر والجوع والفتنة وغيرها من المشاكل ينأون بأنفسهم من الوقوع في العنف والفوضي والقتل وما شابه ذلك من الأعمال المُشينة.

ميارى 12 - 6 - 2010 02:52 PM


موقفه إزاء مظاهر الجمال
http://harunyahya.com/arabic/kids/images24hr/s42.jpg
إنّ الغنى ووالأبهة والجمال هي من مميزات الجنة، ولذلك فحتى يقرّب الله صورة الجنة من أذهان المؤمنين لكي يزدادوا بها يقينا وتزداد رغبتهم للفوز بها وهبهم الله في الدنيا نعمًا مشابهة لنعم الآخرة، أنهار عظيمة تجرى، وحدائق تشدّ الناظرين، وأجسام جميلة، وعيون ساحرة، وهذه كلّها نعم من الله وهبها للإنسان رحمة به وشفقة عليه. وكلّ نعمة خلقها الله لحكمة يعلمها، وقد بشر المؤمنين الصادقين بأنّ نعم الحياة الدنيا ما هي إلاّ نماذج من نعم الآخرة الخالدة فقال عزّ وجلّ: " وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْالصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُـمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيـهَا خَـالِدُونَ" (البقرة، 25 ) .
http://harunyahya.com/arabic/kids/images24hr/s43.jpg
رغم أنّ نعم الآخرة لها ما يشبهها في الحياة الدنيا إلا أنّ المقارنة من منطلق الواقع والأبدية، فإنّ النعم الأخروية أسمى وأرفع شأنا من النّعم الموجودة في الحياة الدنيا. فقد خلق الله الجنة كاملة ومثلها أضعافا مضاعفة من الجمال، والإنسان الملتزم بالأخلاق القرآنية كلّما رأى شيئا جميلا في الجمال الأبدي الرائع في الجنة نظر إلى السماء وتصوّر أن هناك: "جَنّة عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ" ( آل، عمران 133 )، وإذا شاهد مسكنا جميلا تصوّر: "غُرَفًا تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ" (العنكبوت، 58)، وكلّما رأى مجوهرات خلاّبة تذكّر وعد الله في الجنّة: "أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُُؤْلُؤًا" ( فاطر، 39)، وكلّما رأى لباسا فاخرا تذكر لباس الجنّة "من سندس واستبرق"، و عندما يتذوق أكلا شهيا يتصوّر أكل الجنّة: "فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍّ وَأنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَار مِنْ خَمْرٍ لَذَّة لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّي" ( محمّد، 15 )، وكلّما شاهد حديقة غنّاء ذكّرته بجنان الجنّة: "مُدْهَامَّتَان" ( الرحمن، 64 )، وإذا رأى أثاثا جميلا تذكر أثاث الجنّة: "عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ" ( الواقعة، 15).
كلّ هذه التصوّرات سواء تحققت في الدنيا أم لم تتحقق، فالمهمّ عند المؤمن أن تكون وسائل للتقرب إلى الله وهي تشويق المؤمن للاجتهاد والحرص على الفوز بالجنّة.
http://harunyahya.com/arabic/kids/images24hr/s38.jpg
إنّ المؤمن الملتزم بالأخلاق القرآنية لا يحسد ولا يغضب إذا ما رأى غيره أكثر منه مالا أو جاها، ولايحزن إن لم يكن صاحب منزل فاخر لأنّ الحياة الدّنيا ليست غاية المؤمن بل غايته الفوز بالجمال الأبدي في الآخرة، وفي هذا الخصوص يقول الله تعالى: "يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَان وَجَنِّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ" ( التوبة، 21 ).
أمّا الذين هم بعيدون عن الأخلاق القرآنية فيغضون الطرف عن نعم الآخرة ويتكالبون على ملذّات الدنيا، فهدفهم الشهرة وأن يكونوا أصحاب مكانة مرموقة وأن تتسع إمكانياتهم المادّية ليعيشوا حياة رغدة. هؤلاء همّهم الوحيد الجري وراء الحياة الدنيا الفانية، فيزدادون عليها إقبالا ويكبر عندهم الحسد والحزن والحرص على الدنيا كلّما رأوا الخير عند الآخرين. مثلا، إن لم يكونوا أصحاب منزل فاخر يجلب الناظرين يصابون بالإحباط ويشغلون أذهانهم بالبحث عن الإجابة عن أسئلة من نوع "لماذا أنا لست غنيا؟"، أو "لماذا لا أملك مثل هذا المنزل الفاخر؟". وباختصار نعم الدنيا عند هؤلاء الناس مصدر للقلق لأنّ سعادتهم لا تتحقق إلاّ إذا حصلوا على تلك النعم.
http://harunyahya.com/arabic/kids/images24hr/s44.jpg
أمّا الذين يعيشون في كنف الأخلاق القرآنية فيعرفون كيف يتمتّعون بنعم الدّنيا سواء أكانوا هم أصحابها أم لم يكونوا. فمثلا، قد يمتحن المؤمن فلا يعرف أجواء الأغنياء ولا العيش في محيطهم، فيعرف المؤمن ساعتها أن وراء ذلك حكمة إلهية لأنّه ليس من الضروري أن يعيش المؤمن في الأماكن الغنية حتى يكتشف جمال مخلوقات الله لأن المؤمن بفراسته وتفتح بصيرته يتمتّع بمخلوقات الله في كلّ مكان و زمان، فمنظر النجوم في كبد السماء روعة، وجمال منظر الزهور ورائحتها الطيّبة جمال لا نظير له، وأمثلة يومية كثيرة يمكن لأي شخص ملاحظتها فتبعث السعادة والطمأنينة في نفس المؤمن وترفع إيمانه.
كما سبق أن ذكرنا فإنّ اشتياق المؤمن لجنة الخلد وملك لا يبلى يجعله يحوّل كلّ مكان في الأرض إلى جنّة تسكن لا محالة خيال كلّ إنسان وهو مكان يفلت عن التصورات، مكان فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، وجمال لم يخطر على بال أحد. لكن المسلم الصادق يبذل ما بوسعه ليجعل مكان عيشه على غرار النبي سليمان الذي حوّل قصره إلى تحفة فنّيّة من الجمال تمتعا بنعمة الغنى التى وهبها الله له. وقد أورد الله في القرآن الكريم قصّة سليمان عليه السلام فقال: "فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رِبِّي..." ( ص. 32 ).
لقد وهب الله سليمان ملكا ومقاما عظيمين، ورغم ذلك فقد اختار الله وسخّر ملكه كلّه للدّعوة إلى الله، لذلك مدحه الله في القرآن الكريم وأمر المؤمنين أن يتّخذوا النبي سليمان وغيره من الأنبياء والمرسلين قدوة فينفقوا ما رزقهم الله من نعم في سبيل الله والفوز بعفوه ومغفرته.

ميارى 12 - 6 - 2010 02:54 PM


موقف المؤمن حيال الأحداث التي تبدو سلبية:


http://harunyahya.com/arabic/kids/images24hr/s47.jpg
قد يتعرض الإنسان خلال اليوم إلى مصاعب مختلفة، لكن المؤمنين يسلمون أمرهم إلى الله مهما واجهوا من مصاعب، وهم يتوكّلون على الله ويعتبرون ان ذلك امتحان يمتحن الله به المؤمن في الحياة الدنيا. إنّها حقيقة لا يجب أن تغيب عنّا أبدا، وإذا ما قابلتنا صعوبات في أعمالنا أو أنّها لا تسير كما خططنا لها فلا ننسى أنه ابتلاء يختبر به الله سلوكنا.
ومن الآيات التي تفيد بأن جميع الأحداث التي يعيشها الإنسان هي قدر الله ومشيئته قوله تعالى: "قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّل المُؤْمِنُونَ" ( التوبة، 51). إنّ كلّ ما يعيشه الإنسان في حياته هو بعلم من الله وقدره، ولا شك وراءها خير ما. هكذا يرى المؤمن الصادق الحياة عموما ( للمزيد من المعلومات أنظر كتاب هارون يحيى: توسم الخير في كلّ شيء).
وكمثال على ذلك أن يفقد الإنسان أشياء أحبها كثيرا، هذا الحادث في ظاهره سيء، ولكنه في باطنه يحمل حكما كبيرة لأنه يفتح بصر المؤمن عن أخطائه وهو وسيلة ليراجع المؤمن نفسه وينتبه أكثر في المستقبل.
كما أنّ مثل هذا الحادث يذكّر المؤمن أن كلّ شيء لله تعالى، وأنّ الإنسان لا يملك شيئا في الحياة الدنيا، والعبرة من هذا الحادث تنسحب على كلّ الحوادث اليومية مهما كان حجمها وأهمّيتها، كأن يقوم أحدهم نتيجة إهمال أو قلّة انتباه بدفع أموال في غير محلّها، أو أن يقضّي ساعات أمام الحاسوب لإعداد واجباته المدرسية فينقطع الكهرباء فجأة فينمحي كلّ ما كتبته، أو أن يجتهد الطالب كثيرا فيصاب بالمرض يوم الامتحان فيخسر فرصة الدخول إلى الجامعة، أو تتعطل أعماله نتيجة البيروقراطية الزائدة أو نتيجة نقص في الوثائق فيقضي الأيام في الذهاب والإياب وانتظار دوره، أو أن تضيّع موعد الطائرة أو الحافلة للذهاب إلى مكان تريد الوصول إليه على عجل... كلّ إنسان يمكنه أن يعيش مثل هذه الحوادث السلبية. لكن بالنسبة للمؤمن الصادق ينطوى كلّ حادث من هذه الحوادث على خير كثير، لأن المؤمن يفكر أولا في أنّ الله يمتحن سلوكه و صبره.
والمؤمن الذي يفكر في الموت والحساب لا يشغل نفسه ولا يضيع وقته في الحزن لمثل هذه الأحداث لأنّه يعلم أن كلّ حادث وراءه خير بإذن الله تعالى، لذلك تراه يتجنب الشكوى بعد كلّ حادث بل يدعو الله أن يعينه على قضاء حاجاته ويسهّل عليه أعماله. وكلّما تيسر له عمل وقضيت له حاجة تيقن أنّ الله استجاب لدعائه فيحمده و يشكره على ذلك. وبالتالي فالذي يفكر بهذا الأسلوب لا ييأس ولا يحزن و لا يخاف ولا يفقد الأمل أبدا لأنّ مثل هذه الأحداث شيء طبيعي في حياة كل فرد.
http://harunyahya.com/arabic/kids/images24hr/s49.jpg
تخيل أن إنسانا على وشك إتمام الأمر الذي خطط له، وفجأة يتعرّض إلى مشكل يفسد عليه كل ما خطط، هذا الإنسان سيغضب ويحزن كثيرا ويعيش لحظات عصيبة، غير أن الإنسان الذي يفكر في أن وراء ذلك خيرا سوف يسعى إلى استخلاص العبرة من هذا الحادث وسيخلص إلى نتيجة مفادها أنه عليه اتخاذ الاحتياطات الضرورية ويشكر الله بأنه يمكن أن يكون قد منع أضرارا أكبر إذا أتمّ أعماله بهذا الشكل.
إذا أضاع المؤمن موعد انطلاق الحافلة التي ستقلّه إلى مكان يقصده يقول في نفسه "لعلّ بتأخّري و عدم ركوبي الحافلة أكون قد نجوت من حادث سيء".
هذه مجرد لأمثلة فقط، وتوجد حكم أخرى كثيرة قد لا نكتشفها لحظة وقوع الحادث. مثل هذه الحوادث قد تكثر في حياة الإنسان لكن المهم أن الفائز هو الشخص الذي يبحث عن الخير وراء تلك الحوادث لأنّ الله يعلم الإنسان في آياته بقوله تعالى: "وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" ( البقرة، 216 ).
هكذا يعلّمنا الله أن الشيء الذي نراه شرّا يمكن أن يكون خيرا، والشيء الذي يتراءى لنا خيرا يمكن أن يكون شرّا من حيث لا ندري. لكن الله يعلم ذلك، و ما على الإنسان إلاّ أن يسلّم أمره لله الرحمن الرحيم.
الإنسان يمكنه أن يخسر كلّ شيء في لحظة واحدة كأن يحترق منزله أو تحل به أزمة اقتصادية يخسر فيها جميع أمواله أو أيّ حادث يخسر فيه ما أحبّ من الأشياء. مثل هذه الحوادث الكبيرة يمكن أن يمتحن بها الإنسان في الدنيا، وفي هذا الخصوص يقول الله تعالى: "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ وَالجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ" ( البقرة، 155 ).
هكذا يختبر الله الإنسان بمثل هذه الحوادث وبشره بالخير و الثواب إذا ما صبر وثابر. والصبر المقصود في هذه الآية ليس صبر المغلوب عن أمره المجبرعلى قبول الحادث بل صبر المتوكل المسلّم أمره لله منذ لحظة تلقيه الخبر أو معايشته للحادث، فيحافظ على رصانته ولا ينسى أبدا أنّ كلّ شيء مقدّر بحساب.
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (هود:56) قد يخسر الإنسان يوما أشياء أهمّ وأعظم كأن يفقد عمله الذي يعيش منه ، إنّه حدث جلل بالنسبة للإنسان الذي يؤمن بأنّ مستقبله وحياته مرتبطان بذلك العمل لأنّه تربّي على أن يكون هدفه الوحيد في الحياة الحصول على عمل جيّد يعلو به السلّم الاجتماعي، لذلك فإنّ فقدانه عمله يسبب له الإحباط و اليأس، وتنقلب حياته رأسا على عقب. أمّا المؤمن فيعلم أن الرّازق هو الله تعالى، وما العمل إلاّ وسيلة يحصل بها الإنسان على النعم التي خلقها الله. لذلك يواجه المؤمنون خبر انفصالهم عن العمل بكلّ صبر وثبات وتعقل وبالدعاء والتذرع لله، ولا ينسون أبدا أن المعطى هو الله وهو يرزق من يشاء بغير حساب.
إنّ الإنسان الذي يلتزم بالأخلاق القرآنية يتحكّم في إعصابه ويتّزن في تصرّفاته أمام خبر انفصاله عن العمل أو فشله في إتمام دراسته في المدرسة التي يحبّها، ولا يشغل عقله إلاّ بالاحتمالات التالية
http://harunyahya.com/arabic/kids/images24hr/s51.jpg
- ألا يكون فقداني لأموالي وأملاكي أو أشيائي نتيجة تقصيري في شكر الله؟

- ألا يكون السبب بخلي أو جحودي بالنعم التي أنعمها الله بها عليّ؟
- ألا يكون ولعي بالجمع قد أنساني الله والآخرة؟
- ألا يكون قد أصابني الكبْر والغرور وابتعادي عن الأخلاق القرآنية؟
- ألا يكون عملي ليس الهدف منه إرضاء الله بل كسب مرضاة الآخرين وجلب إعجابهم والفوز بتقديرهم أو إرضاء لغرور نفسي وإرضاء لنزواتي؟
يطرح الإنسان على نفسه هذه الأسئلة، ويحاول الإجابة عنها بكلّ صدق مع نفسه، فيحاول إصلاح سلوكه ويسعى إلى مرضاة الله بالدّعاء بإخلاص، ويستغفره على كلّ ذنب قام به عن جهل. وقد علّمنا القرآن الدّعاء في مثل هذا المواضع: "...فَأَثَابَكُمْ غَمَّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" ( آل عمران 153 )، ويقول تعالى: "مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِير لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ" ( الحديد، 22-23 ).
خلاصة القول أن ما يعيشه المؤمن من مصاعب متعاقبة لا تعدو كونها امتحانا من الله تعالى فيزداد تقرّبا لله، ويتمسك أكثر بالأخلاق القرآنية . هكذا يعى المؤمن أنّ الله أعده بهذا الشكل ليفوز بالنعم التي لا تبلى عند الله تعالى.

ميارى 12 - 6 - 2010 02:55 PM

عند المرض
http://harunyahya.com/arabic/kids/images24hr/s52.jpg
إنّ المؤمن الحق يكون أشدّ صبرا وإيمانا وتوكّلا على الله عند المرض لأنّه يعلم أن المرض هو اختبار من الله في الدنيا، لذلك تراه صبورا مهما كانت شدة مرضه، ويدعو الله بكلّ إخلاص لأنّ خالق المرض هو الله وخالق الدواء هو الله. و قد نوه الله في القرآن الكريم بصبر المؤمن عند المرض فقال"لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ" ( البقرة 177 )
http://harunyahya.com/arabic/kids/images24hr/s53.jpg
المؤمن يواجه المرض بالصبر ويستعمل الدواء الشافي ليتعافى من مرضه، فلا يكون حسّاسا ولا يتصرف كالذي يسعى إلى جلب الأنظار إليه، ويحرص على استعمال أدويته بطريقة علمية منظمة دون أن ينسى الدّعاء والتضرع إلى الله ليشفيه من علّته اقتداء بسيدنا أيوب الذي يدعو الله ليرحمه من المرض فيقول تعالى: "وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" (الأنبياء 83 ) .
نودّ الإشارة هنا إلى أنّ الأدوية المستعملة للعلاج ما هي إلاّ وسائل، ولا تشفي المريض إلاّ بإذن الله تعالى لأنّ الإمكانيات الطبّيّة من أدوية كلّها مستخرجة من الحيوان والنباتات التي خلقها الله تعالى.
باختصار، إن الشافي هو الله وحده لا شريك له كما قال سيدنا ابراهيم في قوله تعالى: "وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ" ( الشعراء، 80 ).
أمّا الذين ما زالت تسكنهم الأفكار الجاهلية فبمجرد إصابتهم بالمرض يثورون ويضجرون متسائلين: "لماذا أصبت بهذه المصيبة؟"، فيتمردون على القدر، إنه تصرف خاطئ يفقد صاحبه القدرة على مواجهة الحدث بطريقة سليمة.
غير أنّ المرض بالنسبة للمؤمنين فرصة هامّة يستغلّونها لمحاسبة النفس والتقرب من الله أكثر ويفكّرون في الحكم الخفية وراء هذا الحدث، ويتذكرون مرّة أخرى نعمة الصحة وعجز الإنسان. فبمجرد نزلة صدرية يمكن أن تلزم الإنسان الفراش. في مثل هذه الظروف مهما كان الإنسان قويّا أو غنيّا فهو عاجز، وعليه أن يشرب الدواء و يلزم الرّاحة.
هذه الظروف يحتاج فيها الإنسان لله وهو طريق للإخلاص في الدعاء علاوة على أن كلّ مرض ينبه المؤمن إلى أنّ الحياة فانية وأن الموت الآخرة أقرب ممّا يتصوّر.

ميارى 12 - 6 - 2010 02:56 PM


موقفه عند وجوده في الأماكن المزعجة والسيّئة
قد يجد الإنسان نفسه أحيانا في مكان يبعث على الانزعاج والنفور، كأن يجد نفسه في مكان مغلق مليء بالزبالة، أو في مطبخ كلّه روائح كريهة، أو مكان ضيق أو مكان مظلم... بالنسبة للمؤمنين فإنّ خلق مثل هذه الأماكن تكمن وراءه حكم خفية، فهي تذكّر بعذاب جهنّم الذي لا يقاس بأيّ عذاب في الدنيا، وقد جاء وصفها في القرآن الكريم: "إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا" (الفرقان، 6).
إنّ قبح جهنم وظلمتها عرفناه من خلال الكثير من الآيات، كقوله تعالى: "وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ لاَ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ" (الواقعة، 41-44 )، ويقول تعالى: "وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا لاَ تَدْعُوا اليَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَاَدْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا" ( الفرقان، 13-14 ) .
http://harunyahya.com/arabic/kids/images24hr/s56.jpg
إنّ الإنسان المتذكر لهذه الآيات يسعى إلى إنقاذ نفسه من عذاب جهنم بالدعاء إلى الله وطلب المغفرة. وحسب الوصف القرآني لجهنم فهي مكان وسخ، ذو روائح كريهة، ضيق، مظلم، به دخان كثيف، سخامي مخنق. وهو مكان غير آمن فيه نار موقودة.
وتوجد في جهنم أبشع المأكولات والمشروبات، وفيها لباس من نار وعذاب أبدي لا نهاية له. أهل جهنم تحترق جلودهم، وكلّما احترقت جلودهم جدّدت لهم مرّة أخرى وهم يتضرعون ويستغيثون من شدّة العذاب، حتى أنهم يطلبون الموت كأننا أمام مشاهد مصورة التقطت بعد حرب النووية. لكن تأثير تلك المشاهد على النفس لا يساوي شيئا أمام أجواء جهنم القاتمة، وليس هذا سوى تشبيه وتقريب لصورة جهنم من الأذهان لأنّها أسوء ما عرفه الإنسان.
http://harunyahya.com/arabic/kids/images24hr/s57.jpg
المكان الضيق، الوسخ، المظلم والساخن في الدنيا تضيق النفس به، أمّا جهنم فهي فضاء خانق، ويمكن تجنب الحرارة في الدنيا باستعمال التقنيات المتقدمة، أمّا حرارة جهنّم فلا حلّ لها لأنّ حرارتها أقوى من حرارة الصحراء، وفيها ظلمة قاتمة، لا قدرة للإنسان على تحملها.
لا نجاة ولا راحة للمنكرين الكافرين من عذاب جهنّم، هذا ما تخبرنا به الآيات القرآنية من صور العذاب المختلفة في جهنم التي لا يمكن مقارنتها بصور العذاب في الدنيا لأنها أعظم وأشد. فالآلام التي يحس بها الإنسان في الدنيا تخف بعد مدّة قصيرة وتشفى الجروح بمرور الزمن، أما آلام جهنم فهي أبدية ولا تخف إلاّ بإذن الله تعالى.
وهناك حكمة أخرى من وجود هذه الأماكن الوسخة يستطيع المؤمن التوصل إليها، ويمكن أن نفهمها بالمثال التالي: يمكن أن يترك الإنسان مكانا ما لم ينظفه سواء ناسيا أو مهملا، لكنه إذا ما رأى تلك الأوساخ تبين رحمة الله ولطفه، ويتبين له كذلك مدى خطئه حين ترك ذلك المكان ولم يعتن بنظافته، لأنّ الله وهبه مكانا طاهرا ليعيش فيه وهو ضيفٌ فيه ألا وهو هذه الأرض. لذلك على الإنسان أن يحافظ على نعم الله وأن يقوم بخير الأعمال في الدنيا حمدا وشكرا لله على تلك النعم. أما إذا فعل عكس ذلك فهو يكون مستحقا لغضب الله تعالى. والمؤمن العاقل يفهم ذلك جيدا، فيحرص على النظافة ويقوم بإصلاح أخطائه ويحرص على أن لا يعود إلى هذا الخطإ مرة أخرى.

ميارى 12 - 6 - 2010 02:57 PM


الخصال العالية التي يوفرها التخلّق بالأخلاق القرآنية

يواجه وسوسة الشيطان بحذر و يقظة
http://harunyahya.com/arabic/kids/images24hr/s58.jpg
يعمل الشيطان دائما على غواية الإنسان وإبعاده عن الطريق الحق، ولقد أعلمنا القرآن بذلك، لا شغل للشيطان خلال كامل اليوم إلاّ ذلك العمل، ولا يفرق بين فقير وغني، أو شاب و شيخ أو جميل و قبيح لأنه يبغض كلّ الناس.

بدأت عداوة الشيطان للإنسان مع أول بشر وهو سيدنا آدم عليه السلام حيث أمر الله ملائكته بالسجود لآدم فرفض السيطان أمر الله بالسجود غيرة وحسدا من آدم، لذلك طرده الله من الجنّة. قال تعالى في هذا الخصوص:

" وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ" (الأعراف، 11-13 )

طلب الشيطان من الله إمهاله إلى يوم القيامة ليغوي الإنسان ويبعده عن الايمان، وقد قال تعالى:

" قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَقَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّـمَ مِنـكُمْ أَجْمَعِيـنَ" (الأعراف، 14-18 )
هدف الشيطان إذن إغواء جميع الناس بمن فيهم المؤمنين الصادقين عسى أن يصحبه كثير من الناس إلى جهنم وبئس المصير. ويقف الشيطان حجر عثرة أمام عبادة الإنسان لربه بكلّ إخلاص وخشوع، وهو يحرص على إبعاد المؤمنين عن الدين والقرآن وجذبهم إلى العذاب الأبدي.

أمّا المؤمنون فيعلمون أن عدوهم الأكبر هو الشيطان، وأنه يعمل دون توقف، لذلك تراهم حريصين جدّا على تطبيق أوامر الله تعالى حذرين من حيل الشيطان وكيده، كما تراهم يقظين من وساوس الشيطان ووعوده الفارغة وتحريضه على الشك في القرآن ورفض الأخلاق القرآنية أوإلهائه عن العمل بها. وباختصار يسعى الشيطان لشغل المؤمنين عن طريق الله والقرآن ( لمعلومات من التفصيل أنظر كتاب هارون يحيى: الشيطان العدو الحقيقي للإنسان). قال تعالى في سورة البقرة: "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" (البقرة 268) . توضح الآية الكريمة سعي الشيطان إلى إنساء الإنسان أنّ الله يرزق كلّ المخلوقات الحية ويخيفه بأنه سيجوع ولن يستطيع جمع المال أبدا. بهذا الشكل يسعى الشيطان إلى غواية الإنسان ليكون من أتباعه، لذلك أنار الله سبيل الإنسان ليواجه وساوس الشيطان في قوله تعالى:

"وَإِماَّ يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَاِئفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ" (الأعراف، 200-201 ).
إن اللجوء إلى الله تعالى هو أكبر سلاح لمواجهة وساوس الشيطان، وينبغي ألا ننسى أن الشيطان تحت سيطرة الله تعالى ولا يستطيع فعل أيّ شيء إلاّ بمشيئة الله. وقد أمرنا الله بالاستعانة به بالدعاء لمواجهة الشيطان فقال تعالى:
"قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ" ( الناس، 1-6 ).
http://harunyahya.com/arabic/kids/images24hr/s61.jpg
إنّ المؤمن الملتزم بالأخلاق القرآنية يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ولا يفسح الطريق لوساوس الشيطان تمر إلى ذهنه، ولا يفكر إلاّ طبقا للأخلاق القرآنية فحسب. والمؤمن دائما يقظ ولا يأبه لكلام الشيطان ولا يسمح بتدخل الشيطان في أفكاره وأعماله، ومهما واجهته من مصاعب في حياته فلا يتصرّف إلا بما يرضي الله تعالى، بل يفكّر ويتحرك بكلّ وعي ومسئولية. فهو في جميع الأحوال والظروف يتكلم ويتصرف وفقا لما جاء في القرآن الكريم. هكذا لا يتأثر المؤمن بغواية الشيطان وقد أخبرنا الله في القرآن الكريم بالحقيقة فقال عز وجلّ: "إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ" ( النحل، 99-100 ).

ميارى 12 - 6 - 2010 02:58 PM


التفاهم والتسامح والعفو
قال تعالى"...وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِين وَالجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالجَارِ الجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنْبِ وَابْن السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ..." ( النساء، 36 ).
يأمرنا الله تعالى في هذه الآيات بمعاملة الناس بالحسنى وتجنب الخصام والجدال والعناد، وعلى الإنسان أن يدعو الناس إلى الأخلاق الحسنة. ولأن المؤمن يعيش بالأخلاق القرآنية فهو دائما مسالم مصلح بين ذات البين مبادرا بالعمل الصالح. أما الذين هم أبعد ما يكون عن الأخلاق الدينية فحياتهم كلها خصومات ونزاعات وجدل وغير ذلك من السلوك اللاّأخلاقيّ.
إنّ الذين يتبعون طريق العفو والتسامح وينيرون أمام الىخرين طريق الصواب هم أصحاب الأخلاق السامية مصداقا لقوله تعالى:

"وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ" (الشورى، 43 ).
أمر الله الإنسان أن يكون رحيما، متسامحا، عفوّا تجاه أخيه الإنسان، وفي هذا الخصوص قال تعالى:
" وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" ( النور، 22)
http://harunyahya.com/arabic/kids/images24hr/s60.jpg
لذلك فإن المؤمن عليه أن يكون لينا ومتسامحا ومتفهّما للآخرين عند التعامل معهم، فمثلا إذا أفاق صباحا على ضوضاء أحدهم فعليه أن يكون متسامحا مع ذلك الإنسان ولا ينس أنّه يتصرف بإذن الله تعالى رغم أن مثل هذا التصرف يثير الغضب وهو سبب كاف للخصام و النقاش. ولنذهب أبعد من ذلك، على المؤمن أن يعامل الإنسان معاملة حسنة حتى وإن كان سببا في الإضرار به بحادث قد ينتج لقلة انتباه. فمهما كانت الظروف التي يقابلها المؤمن لا يغضب ولا يفقد سيطرته على أعصابه ولا يفسد في الأرض، وعليه أن يعامل الناس كما يحب أن يعاملوه.
كما أوضحت الآية 22 من سورة النور فإن المؤمن يأمل من الله الرحمن الرحيم أن يغفر له خطاياه، لذلك فإن المؤمن الذي لا يحرص على تطبيق صفة "الرؤوف" في حياته ينحرف عن الأخلاق القرآنية لا محالة، لأن الإنسان الذي يعيش في ضوء الأخلاق القرآنية يتمتع بأسمى الصفات الأخلاقية، فهو الذي يمنع الخصام والجدال في بيته وعمله وفي الطريق بفضل ما يظهره من وعي ورصانة طوال اليوم، فيكون بذلك مثالا للأخلاق والسلوك الحسن أمام الآخرين. وأهمّ من ذلك يكون قد طبق سلوكا محمودا عند الله ، فيكون قد تصرف بما يرضيه سبحانه وتعالى.

إنه علينا أن نتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم قدوتنا، ونعم القدوة هو. والإنسان الملتزم بالأخلاق القرآنية والسنة النبوية يعيش حياة سعيدة بإذن الله، وفي الآخرة يتلقّاه برحمته الواسعة وغفرانه.
"لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً" (الأحزاب - 21)

ميارى 12 - 6 - 2010 03:00 PM



التحلّى بالصبر
يطبق بعض الناس في مجتمعات مختلفة بعض الأخلاق الحسنة التي أوصى بها الله تعالى في كتابه العزيز، وهؤلاء الناس متصفون بالتضحية واللين والرحمة والعدل وحبّ مساعدة الغير، لكن مهما ادّعى هؤلاء بأنهم أصحاب أخلاق عالية فلن تكتمل أخلاقهم إلاّ إذا تحلّوا بصفة الصّبر. مثلا، يمكن أن يستغرق الإنسان صباحا في النوم، ولديه امتحان مهم، وفجأة يفيق من نومه ويحاول اللحاق بموعد الامتحان فيفاجأ بتعطل حركة المرور، ولا يمكنه إخبار مركز الإمتحان بتأخره نظرا لعدم وجود هاتف قريب من مقرّ سكناه. هكذا، وفي خضم هذا الجو المتوتر يسأله صخص ما عن أمر معين فيجيبه بغلظة أو أنه لا يجيبه وينظر بشزر بالرغم من أن الشخص يدّعى دائما أنه محبّ للخير متفهّم للآخرين ومتسامح معهم.
http://harunyahya.com/arabic/kids/images24hr/s67.jpg
إنّ المؤمن الحق لا يحيد أيضا مهما كانت الظروف عن الأخلاق القرآنية، فلا يتصرف تصرّفات خاطئة ولا تصدر عنه ألفاظ بذيئة، ويتعامل مع الآخرين بصبر جميل( لمزيد من التفصيل أنظر: كتاب هارون يحيى، أهمية الصبر في القرآن ) .
ومثال ذلك أن يدفعه أحد ما أثناء صعوده الحافلة أو يسمعه كلاما لا يحبه، أو أن تمرّ بجانبه سيارة فتلطخ ثيابه بالطين. هذه النماذج موجودة بكثرة في حياتنا. هنا يكون ردّ فعل المؤمن الملتزم بالأخلاق القرآنية كالتالي: المؤمن يؤمن بأن هذه الأحداث مقدّرة ولا يمكنه منع حدوثها، لذلك فهو يتحلّى بالصبر الجميل ويبتعد عن الغضب والانفعال ويحاول تجنب مثل هذه الأحداث في المستقبل، ويحاول بكلّ ما أوتي من قوّة تجنب التوتر وتصعيد الخصام ويجيب بكلمات طيبة تطبيقا للأخلاق القرآنية لأنّ المؤمن يتسلح بالصبر لإبعاد الضرر عنه نزولا عند قوله تعالى:
"وَلاَ تَسْتَوِى الحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَِإذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ" ( فصّلت، 34-35 ).

ميارى 12 - 6 - 2010 03:01 PM


الكلمة الطيبة
يرجح بعض الناس الردّ على الإساءة بالإساءة ولا يسمح لهم مزاجهم بأن يكونوا كاضمين للغيض عافين عند المقدرة بل يقابلون الكلمة السيّئة بأسوء منها، فيطقون ألفاظا غير لائقة ويستعملون عبارات نابية تجرح الطرف المقابل، ويركبهم الكبْر وينسون الاحترام، وهذا ينم عن الاستعلاء والتكبر.

إن هذه التصرفات منافية بشكل كامل للأخلاق القرآنية لأن القرآن يؤكد أن الكلمة الطيبة بركة وتعود بالنفع على صاحبها، وقد ضرب الله لنا مثلا في قوله تعالى: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ" ( إبراهيم، 24-27 ).
تؤكد الآيات أن الإنسان الذي يعتمد الكلمة الطيبة أسلوبا في حياته يفوز بحسنة الدنيا والآخرة وتكون له مقابل ذلك نعم لا مثيل لها، أمّا الذين يعتمدون الكلمة الخبيثة فعاقبتهم نار جهنم ويكونون قد اختاروا طريق الظلال.
http://harunyahya.com/arabic/kids/images24hr/s65.jpg
يخاطب المؤمن الناس بأسلوب ليّن ويدعوهم إلى الطريق الحقّ معتمدا القرآن الكريم منهجا لدعوته فيذكّر الناس بالآيات الكريمة، ويقول لهم قولا حسنا. كما يشرح المؤمن الأخلاق القرآنية بأسلوب سهل بسيط حتّى يحبب الأخلاق القرآنية لأصدقائه ويهديهم إلى الطريق القويم ويحدّثهم أحاديث تبعث فيهم النشاط والحيوية والأمل في حياة طيبة. والمؤمن بهذا الأسلوب هو عند الله مثل الشجرة الطيبة التي تعطي ثمارا طيّبة.

غير أن بعض الناس ينقدون صفات الناس ونقائصهم غايتهم الحطّ من قيمتهم وإهانتهم. وهذا والأسلوب الخطأ حذر منه الله تعالى في الآيات السابقة وشبه قولهم بالشجرة الخبيثة التي لا تنفع الناس ولا تثمر ثمارا طيبة، لأنّ الكلمة السيئة تفسد العلاقات الاجتماعية وتحبط العزائم وتبعث على الحزن والتشاؤم. أمّا المؤمن إذا تحدث مع شخص فهو يحاول -بأسلوب ليّن ومن خلال اختيار كلمات حسنة -أن يذكره بأخطائه فلا يجرح شعوره ويكون بذلك قد طبق أمر الله تعالى. وقد قال الله تعالى:
"وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا" (الإسراء، 53 ).

هكذا تبين الآية أن الشيطان يبعد الإنسان عن القول الجميل ويحاول بث الفتنة بين الناس بمجرّد أن يتلفظ أحد المتخاصمين بكلمة سيئة، فيتدخل الشيطان على الفور ليؤجج نار الفتنة، فيردّ الإنسان بكلمة سيئة ويسقط الطرفان في شباك الوسواس الذي يوسوس في صدور الناس ممّا يفسد العلاقات الإنسانية وينهي الصداقة بين الأصدقاء.

أمّا الكلمة الطيبة فهي تنتصر على الشيطان، وعلى المؤمنين أن يتبادلوا الكلمات الطيبة وأن لا يفسحوا المجال للشيطان ببثّ الفتنة بينهم. بذلك تتوطد العلاقات بين الناس ويحصل التقارب وتقوى الالفة بين الناس.

ميارى 12 - 6 - 2010 03:02 PM

التفكير العميق
يتميّز المجتمع الجاهلي بالفظاظة والغلظة وقلّة الاحترام. والمؤمنون يرفضون بشدة هذا الأسلوب وهذا التصرّف لأنّ المؤمن صاحب تفكير نزيه وليّن وصاحب تفكير سليم، وهو خليفة الله في الله. وقد ضرب الله في القرآن مثل سيدنا موسى إذ يقول تعالى: "وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ" (القصص، 23-24 ).
http://harunyahya.com/arabic/kids/images24hr/s66.jpg
سيدنا موسى إنسان ذكيّ وعرف أنّ النساء في حاجة إلى مساعدة فأسرع إلى مساعدتهما، والمؤمن الصالح من يتخذ صفات سيدنا موسى التي مدحه الله بها ويسير على طريقه في حياته كلها، فيسارع إلى مساعدة المحتاجين ويمدّ يد العون فيُذهب عنهم الهمّ والغمّ، ويبعث فيهم الأمل في الحياة.
السهر على راحة الآخرين وعدم إزعاجهم صفة حميدة يتحلّى بها المسلم. والإنسان داخل الأسرة يحرص على نظافة الأشياء التي يستعملها مع أفراد العائلة ويحافظ على ترتيب البيت فيكون مثالا يحتذي به، فلا يزعج الآخرين كأن يتحدث بصوت عال أو يفتح الموسيقى فيقلق راحة الذين يستريحون من عناء اليوم، ولا يكون حجر عثرة أمام من يكون مستعجلا لقضاء شأن، وغير ذلك من الأمور التي يقابلها الإنسان يوميّا.

التفكير الرقيق من أهمّ مظاهره إيثار الغير على النفس، فعندما يتحدث شخصان في الموضوع نفسه يترك الواحد منهما للآخر المجال ليتحدّث، ومثال الإيثار أن يترك جزءا من الطعام الذي شارف على على النفاد لغيره. وهي أمثلة نضربها لتوضيح معنى التفكير العميق. وومن مظاهر الإيثار أن تترك مكانك لغيرك في حافلة مزدحمة أو تتنازل عن دورك داخل الطابور لدفع ثمن ما اشتريته من المغازة... هذه الحركات اللّطيفة تساهم في تقارب الناس وتحاببهم، وتمتّن العلاقات الاجتماعية فيعمّ الحبّ والاحترام بين أفراد المجتمع. وفي المقابل إذا حرص كلّ شخص على منفعته ومصلحته الشخصية وحاك المؤامرات والدسائس لغيره، وإذا حاول كلّ واحد التقرّب من الآخر لتحقيق مصلحة شخصية تفسد العلاقات الاجتماعية وتتحول حياة المجتمع إلى حياة الغاب.


الرياء والكبرياء والنفاق خصائص تعوق تكوين صداقات متينة، والثرثرة وكثرة الكلام وجرح الآخرين يوتر العلاقات بين الناس. وهذه الأجواء التي لا يحبّها الله تعالى لا أحد يتمنّى العيش فيها.


الساعة الآن 02:46 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى