![]() |
من ذكاء الأطبّاء • حدّثنا بعض الأطباء الثقات أن رجلا من بغداد قدم الريظو فلحقه في طريقه أنه كان ينفث الدم, فاستدعى أبا بكر الرازي الطبيب المشهور بالحذق, فأراه ما ينفث ووصف له ما يجد, فنظر الى نبضه وقارورته, واستوصف حاله, فلم يقم له دليل على سل ولا قرحة, ولم يعرف العلّة, فاستنظر العليل لينظر في حاله, فاشتدّ امر على المريض, وزاد ألمه. وفكّر الرازي, ثم عاد اليه فسأله عن المياه التي شرب. فقال: انها من صهاريج ومسقفات, فثبت في نفس الرازي بحدّة خاطره وجودة ذكائه أن علقة كانت في الماء, وقد حصلت في معدته, وذلك الدم من فعلها. فقال: اذا كان في غد عالجتك, ولكن بشرط أن تأمر غلمانك أن يطيعوني فيك بما آمرهم. قال: نعم. فانصرف الرازي, فجمع مركنين كبيرين من طحلب, فأحضرهما في غد معه, لإاراه اياهما وقال: ابلع جميع ما في هذين المركنين. فبلع شيئا يسيرا, ثم وقف. قال: ابلع. قال: لا أستطيع. فقال للغلمان: خذوه فأقيموه. ففعلوا به ذلك وطرحوه على قفاه وفتحوا فاه, فأقبل الرازي يدس الطحلب في حلقه ويكبسه كبسا شديدا ويأمره ببلعه ويتهدده بأن يضرب الى أن بلع كارها أحد المركنين بأسره والرجل يستغيث. فذرعه القيء, فتأمّل الرازي ما قذف به فاذا فيه علقة, واذا هي لما وصل اليها الطحلب قربت اليه بالطبع وتركت موضعها, فالتفّت على الطحلب, ونهض العليل معافى. • حدثنا علي بن الحسن الصيدلاني قال: كان عندنا غلام حدث, فلحقه وجع في معدته شديد بلا سبب يعرفه, فكانت تضرب عليه أكثر الأوقات ضربا عظيما حتى يكاد يتلف, وقلّ أكله, ونحل جسمه, فحمل الى الأهواز, فعولج بكل شيء, فلم ينجح فيه, وردّ الى بيته وقد يئس منه. فجاز بعض الأطباء فعرف حاله, فقال للعليل: اشرح لي حالك في زمن الصحة. فشرح الى أن قال: دخلت بستانا فكان في بيت البقر رمّان كثير للبيع, فأكلت منه كثيرا. قال: كيف كنت تأكله؟ قال: كنت أعض على رأس الرمّانة بفمي, وأرمي به واكسرها قطعا وآكل. فقال الطبيب: غدا أعالجك باذن الله تعالى. فلما كان من الغد جاء بقدر اسفيداج قد طبخهما من لحم جرو سمين, فقال للعليل: كل هذا. قال العليل: ما هو؟ قال: ان أكلت عرّفتك. فأكل العليل, فقال له: امتلىء منه, فامتلأ, ثم قال له: أتدري أيّ شيء أكلت؟ قال: لا. قال: لحم كلب! فاندفع يقذف, فتأمّل القذف الى أن طرح العليل شيئا أسود كالنواة يتحرّك, فأخذه الطبيب وقال: ارفع رأسك, فقد برأت. فرفع رأسه, فسقاه شيئا يقطع الغثيان, وصبّ على وجهه ماء ورد, ثم أراه الذي وقع فيه فاذا هو قراد, فقال: ان الموضع الذي كان فيه الرمّان كان فيه قردان من البقر, وأنه حصلت منهم واحدة في رأس احدى الرمّانات التي اقتلعت رؤوسها بفيك, فنزل القراد الى حلقك وعلق بمعدتك يمتصّها, وعلمت أن القراد تهش الى لحم الكلب, فان لم يصح الظن لم يضرّك ما أكلت, فصحّ, فلا تدخل فمك شيئا لا تدري ما فيه, والله الموفق. • كان ملك في الزمان الأوّل, وكان مثقلا كثير الشحم لا ينتفع بنفسه, فجمع المتطببين وقال: احتالوا اليّ بحيلة يخفّ عني لحمي هذا قليلا. فما قدروا له على شيء, فبعث له رجل عاقل أديب متطبّب فاره, فبعث اليه وأشخصه فقال له: عالجني ولك الغنى. قال: أصلح الله الملك, أنا متطبّب منجّم. دعني أنظر الليلة في طالعك: أي دواء يوافق طالعك فأسقيك. فغدا عليه, فقال: أيها الملك, الأمان؟ قال: لك الأمان. قال: رأيت طالعك يدلّ على أن الباقي من عمرك شهر, فان أحببت عالجتك, وان أردت بيان ذلك, فاحبسني عندك, فان كان لقولي حقيقة فخلّ عني, والا فاستقص مني. فحبسه, ثم رفع الملك الملاهي واحتجب عن الناس, وخلا وحده مهتما كلما انسلخ يوم ازداد غمّا حتى هزل وخف لحمه, ومضى لذلك ثمانية وعشرون يوما, فبعث اليه وأخرجه. فقال: ما ترى؟ قال: أعز الله الملك. أنا أهون على الله عز وجلّ من أن أعلم الغيب, والله ما أعرف عمري, فكيف أعرف عمرك؟ انما لم يكن عندي دواء الا الغمّ, فلم أقدر أن أجلب اليك الغمّ الا بهذه العلّة. فأجازه وأحسن اليه. • حدّثنا أبو الحسن بن الحسن بن محمّد الصالحي الكاتب قال: رأيت بمصر طبيبا كان بها مشهورا يعرف بالقطيعي يكسب في كل شهر ألف دينار من جرايات يجريها عليه قوم من رؤساء العسكر, ومن السلطان, ومما يأخذه من العامّة. وكان له دار قد جعلها شبه المرستان من جملة داره يأوي اليها الضعفاء والمرضى فيداويهم ويقوم بأغذيتهم وأدويتهم وخدمتهم, وينفق أكثر كسبه على ذلك. فاتفق أن بعض فتيان الرؤساء بمصر أسكت, فجعل اليه أهل الطب, وفيهم القطيعي, فأجمعوا على موته الا القطيعي. وعمل أهله على غسله ودفنه, فقال القطيعي: أعالجه وليس يلحقه أكثر من الموت الذي قد أجمع هؤلاء عليه. فخلاه أهله معه, فقال: هات غلاما جلدا. فأتي بذلك, فأمر به, فمدّ وضربه عشر مقارع أشدّ الضرب ثم مسّ جسده, ثم ضربه عشرا أخر, ثم جسّ مجسّه, ثم ضربه عشرا أخر, ثم جسّ مجسّه, وقال: أيكون للميّت نبض؟ قالوا: لا. قال: فجسّوا هذا النبض. فجسّوه فأجمعوا أنه نبض متحرّك. فضربه عشر مقارع أخر, ثم قال: جسّوه. فجسّوه, فقالوا قد زاد نبضه. فضربه عشرا أخر, فتقلّب, فضربه عشرا فتأوّه, فضربه عشرا فصاح, فقطع عنه الضرب. فجلس العليل يتأوّه, فقال له: ما تجد؟ قال: أنا جائع. فقال: أطعموه. فجاؤوا بما أكله, فرجعت قوّته, وقمنا وقد برئ. فقال له الأطباء: من أين لك هذا؟ قال: كنت مسافرا في قافلة فيها أعراب يخفروننا, فسقط منهم فارس عن فرسه, فأسكت, فقالوا: قد مات؟ قال: فعمد شيخ منهم فضربه ضربا شديدا عظيما, وما رفع الضرب عنه حتى أفاق, فعلمت أن الضرب جلب اليه حرارة أزالت سكتته, فقست عليه أمر هذا العليل. • حدّثنا أبو الحسن المهدي القزويني قال: كان عندنا طبيب يقال له ابن نوح, فلحقتني سكتة, فلم يشك أهلي في موتي, وغسّلوني وكفنوني وحملوني على الجنازة, فمرّت الجنازة عليه ونساء خلفي يصرخن, فقال لهم: ان صاحبكم حي فدعوني أعالجه. فصاحوا عليه, فقال لهم الناس: دعوه يعالجه, فان عاش والا فلا ضرر عليكم. فقالوا: نخاف أن تصير فضيحة. فقال: عليّ أن لا تصير فضيحة. قالوا فان صرنا؟ قال: حكم السلطان في أمري, وان برئ فأي شيئ لي؟ قالوا: ما شئت. قال: ديته. قالوا: لا نملك ذلك. فرضي منهم بمال أجابه الورثة اليه, وحملني فأدخلني الحمام وعالجني, وأفقت في الساعة الرابعة والعشرين من ذلك الوقت, ووقعت البشائر, ودفع اليه المال, فقلت للطبيب بعد ذلك: من أين عرفت هذا؟ قال: رأيت رجليك في الكفن منتصبتين وأرجل الموتى منبسطة ولا يجوز انتصابها, فعلمت أنك حيّ, وخمّنت أنك أسكت وجربت عليك, فصحّت تجربتي. • روى بشر بن الفضل قال: خرجنا حجاجا, فمررنا بمياه من مياه العرب, فوصف لنا فيه ثلاث أخوات بالجمال وقيل لنا: انهن يتطببن ويعالجن. فأحببنا أن نراهنّ, فعمدنا الى صاحب لنا, فحككنا ساقه بعود حتى أدميناه, ثم رفعناه على أيدينا وقلنا: هذا سليم (اللديغ الذي لدغته أفعى أو عقرب) فهل من راق؟ فخرجت أصغرهن, فاذا هي جارية كالشمس الطالعة, فجاءت حتى وقفت عليه, فقالت: ليس بسليم. قلنا: وكيف؟ قالت:لأنه خدشه عود بالت عليه حيّة ذكر, والدليل أنه اذا طلعت عليه الشمس مات. فلما طلعت الشمس مات. فعجبنا من ذلك. • شكا رجل الى طبيب وجع بطنه فقال: ما الذي أكلت؟ قال: أكلت رغيفا محترقا. فدعا الطبيب بكحل ليكحله, فقال الرجل: انما أشتكي من وجع بطني لا عيني. قال: قد عرفت, ولكن أكحلك لتبصر المحترق, فلا تأكله. |
من نباهة المتطفلين • مر بنان بعرس فأراد الدخول, فلم يقدر, فذهب الى بقال فوضع خاتمه عنده على عشرة أقداح, وجاء الى باب العرس فقال: يا بوّاب, افتح لي. فقال له البواب: من أنت؟ قال: أراك ليس تعرفني؟ أنا الذي بعثوني أشتري لهم الأقداح. ففتح له البواب, فدخل فأكل وشرب مع القوم, فلما فرغ أخذ الأقداح فقال: يا بوّاب, افتح لي حتى أرد هذه. فخرج فردها على البقال وأخذ خاتمه. • وجاء بنان الى وليمة لرجل, فأغلق الباب دونه, فاكترى سلّما ووضعه على حائط للرجل, فأشرف على عيال الرجل وبناته,, فقال له الرجل: يا هذا أما تخاف الله؟ رأيت أهلي وبناتي؟ فقال: يا شيخ, {لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وانك لتعلم ما نريد}. فضحك الرجل وقال له: انزل فكل. • جاء طفيلي الى عرس فمنع من الدخول, وكان يعلم أن أخا للعروس غائب, فأخذ ورقة كاغد فطواها وختمها وليس في بطنها شيء, وجعل في ظاهرها: من الأخ الى العروس. وجاء فقال: معي كتاب من أخ العروس. فأذن له, فدخل فدفع اليهم الكتاب. فقالوا: ما رأينا مثل هذا العنوان, ليس عليه اسم أحد. فقال: وأعجب من هذا أنه ليس في بطن الكتاب ولا حرف واحد لأنه كان مستعجلا! فضحكوا منه وعرفوا أنه احتال لدخوله, فقبلوه. • قال منصور بن علي الجهضمي: كان لي جار طفيلي, وكان من أحسن الناس منظرا وأعذبهم منطقا وأطيبهم رائحة وأجملهم ملبوسا, وكان من شأنه أني اذا دعيت الى دعوة تبعني, فيكرمه الناس من أجلي, ويظنون أنه صاحب لي. فاتفق يوما أن جعفر بن القاسم الهاشمي أمير البصرة أراد أن يختن بعض أولاده, فقلت في نفسي: كأني برسوله وقد جاء, وكأني بهذا الرجل قد تبعني, والله لئن تبعني لأفضحنّه. فأنا على ذلك اذ جاء الرسول يدعوني, فما زدت على أن لبست ثيابي وخرجت, فاذا أنا بالطفيلي واقف على باب داره وقد سبقني للتأهب, فتقدمت وتبعني, فلما دخلنا دار الأمير جلسنا ساعة, ودعي بالطعام, وحضرت الموائد, وكان كل جماعة على مائدة والطفيلي معي, فلما مدّ يده لتناول الطعام قلت: حدثنا درست بن زياد, عن ابان بن طارق, عن نافع, عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:" من دخل دار قوم بغير اذنهم فأكل طعامهم دخل سارقا وخرج مغيرا". فلما سمع ذلك قال: ما من أحد من الجماعة الا وهو يظن أنك تعرّض به دون صاحبه. أولا تستحي أن تحدث بهذا الكلام على مائدة سيّد من أطعم الطعام, وتبخل بطعام غيرك على من سواك؟ ثم لاتستحي أن تحدث عن درست بن زياد وهو ضعيف, وعن أبان بن طارق وهو متروك الحديث يحكم برفعه الى رسول الله صلى الله عليه وسلّم والمسلمون على خلافه, لأن حكم السارق القطع, وحكم المغير أن يعزر على ما يراه الامام؟ وأين أنت من حديث: حدثنا أبو عاصم النبيل, عن ابن جريج, عن أبي الزبير, عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:" طعام الواحد يكفي اثنين, وطعام الاثنين يكفي الأربعة, وطعام الأربعة يكفي الثمانية", وهواسناد صحيح. قال منصور بن علي: فأفحمني, فلم يحضرني له جواب, فلما خرجنا من الموضع للانصراف فارقني من جانب الطريق الى الجانب الآخر بعد أن يمشي ورائي وسمعته يقول: ومن ظنّ ممن يلاقي الحروب بأن لا يصاب فقد ظنّ عجزا • صحب طفيلي رجلا في سفر, فقال له الرجل: امض فاشتر لنا لحما. قال: لا والله ما أقدر. فمضى هو واشترى. ثم قال له: قم فاطبخ. قال: لا أحسن. فطبخ الرجل. ثم قال له: قم فاثرد. قال: أنا والله كسلان. فثرد الرجل. ثم قال له: قم فاغرف. قال: أخشى أن ينقلب على ثيابي. فغرف الرجل. ثم قال له: الآن فكل. قال الطفيلي: قد والله استحييت من كثرة خلافي لك. وتقدّم فأكل. • وتطفل رجل مرة على رجل, فقال له صاحب المنزل: من أنت؟ قال: أنا الذي لم احوجك الى رسول. • جاء طفيلي الى بيت رجل مع جماعة فقال له الرجل: من أنت؟ فقال: اذا كنت لا تدعونا ونحن لا نأتي صار في هذا نوع جفاء. • عرّس طفيلي, فأتاه طفيليّان في أوّل الناس, فأدخلهما وجاء الى غرفة له يرتقي اليها بسلّم, فوضع السلّم وقال: اصعدا لتبعدا من الأذى, وأخصكما بفائق الطعام. فصعدا فلما حصّلا في الغرفة نحّى السلّم ووضع المائدة, وأطعم أصدقاءه وجيرانه, وهما مطّلعان عليه. فلما فرغ القوم وضع السلم, وقال: انزلا. فدفع في أقفائهما, وقال: انصرفا راشدين قد قضيتما حق أخيكما. • وقال طفيلي: اياك والكلام على الطعام الا أن تقول: نعم, فانها مضغة. • وأوصى طفيلي غلامه, فقال: اذا ضاق بك الموضع, فقل للذي الى جانبك:" لعلي ضيّقت عليك, فانه سيوسّع لك المكان كموضع رجل آخر. • وقال بنان: حفظت القرآن كله ثم أنسيته الا حرفين:{ ءاتنا غداءنا}. وعطش رجل الى جنب بنان في دعوة, فقال بنان: ارفع نفسك الى فوق وتنفس ثلاثا, فانه ينزل ما أكلته من الطعام. |
في ذكر حيل اللصوص وأخبار عن ذكائهم • عن المبرّد قال: حدثني أحمد بن المعدل البصري قال: كنت جالسا عند عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون, فجاءه بعض جلسائه فقال: أعجوبة! قال: ما هي؟ قال: خرجت الى حائطي بالغابة, فلما أن أصحرت وبعدت عن بيوت المدينة تعرّض لي رجل, فقال: اخلع ثيابك. فقلت: وما يدعوني الى خلع ثيابي؟ قال: أنا أولى بها منك. قلت: ومن أين؟ قال: لأني أخوك وأنا عريان وأنت مكتس. قلت: فالمواساة؟ قال: كلا. قد لبستها برهة, وأنا أريد أن ألبسها كما لبستها. فلت: فتعريني وتبدي عورتي؟ قال: لا بأس بذلك. قد روينا عن مالك أنه قال: " لا بأس للرجل أن يغتسل عريانا". قلت: فيرون الناس عورتي؟ قال: لو كان الناس يرونك في هذه الطريق ما عرضت لك فيها. فقلت: أراك ظريفا, فدعني حتى أمضي الى حائطي وأنزع هذه الثياب, فأوجه بها اليك. قال: كلا. أردت أن توجه الي أربعة من عبيدك, فيحملوني الى السلطان, فيحبسني ويمزق جلدي, ويطرح في رجليّ القيد. قلت: كلا. أحلف لك ايمانا أني أوافي لك بما وعدتك ولا أسؤوك. قال: كلا. روينا عن مالك أنه قال:" لا تلتزم الايمان التي يحلف بها اللصوص". قلت: فأحلف أني لا أحتال في أيماني هذه. قال: هذه يمين مركبة على اللصوص. قلت: فدع المناظرة بيننا, فوالله لأوجهن لك هذه الثياب طيبة بها نفسي. فأطرق, ثم رفع رأسه وقال: تدري فيم فكرت؟ قلت: لا. قال: تصفحت أمر اللصوص من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم الى وقتنا هذا, فلما أجد لصا أخذ نسيئة, وأكره أن أبتدع في الاسلام يكون عليّ وزرها ووزر من عمل بها بعدي الى يوم القيامة. اخلع ثيابك. قال: فخلعتها ودفعتها اليه, فأخذها وانصرف. • حدّث رجل من الدقاقين قال: أورد علي رجل غريب سفتجة بأجل, فكان يتردد علي الى أن حلّت السفتجة, ثم قال لي: أدعها عندك آخذها متفرّقة. فكان يجيء كل يوم, فيأخذ بقدر نفقته, الى أن نفدت. فصارت بيننا معرفة, وألف الجلوس عندي, وكان يراني أخرج من صندوق لي, فأعطيه منه. فقال لي يوما: ان قفل الرجل صاحبه في سفره, وأمينه في حضره, وخليفته على حفظ ماله, والذي ينفي الظنة على أهله وعياله. وان لم يكن وثيقا تطرقت الحيل اليه, وأرى قفلك هذا وثيقا, فقل لي: ممن ابتعته لأبتاع مثله لنفسي؟ قلت: من فلان الأقفالي. قال: فما شعلات يوما وقد جئت الى دكاني, فطلبت صندوقي لأخرج منه شيئا من الدراهم, فحمل الي ففتحته, واذا ليس فيه شيء من الدراهم, فقلت لغلامي وكان غير متهم عندي: هل انكسر من الدراب شيء؟ قال: لا. قلت: ففتش هل ترى في الدكان نقبا؟ ففتش, فقال: لا. فقلت: فمن السقف حيلة؟ قال: لا. قلت: فاعلم أن دراهمي قد ذهبت. فقلق الغلام, فسكته وأقمت من يومي لا أدري أي شيء أعمل, وتأخر الرجل عني, فاتهمته. وتذكرت مسألته لي عن القفل, فقلت للغلام: أخبرني كيف تفتح دكاني وتقفله؟ قال: أحمل الدراب من المسجد دفعتين ثلاثة ثلاثة, فأقفلها ثم هكذا أفتحها. قلت: فعلى من تخلي الدكان اذا حملت الدراب؟ قال: خاليا. قلت: من ههنا دهيت. فذهبت الى الصانع الذي ابتعت منه القفل فقلت له: جاءك انسان منذ أيام اشترى منك مثل هذا القفل؟ قال: نعم, رجل من صفته كيت وكيت. فأعطاني صفة صاحبي, فعلمت أنه احتال على الغلام وقت المساء لما انصرفت أنا وبقي الغلام يحمل الدراب, فدخل هو الى الدكان فاختبأ فيه ومعه مفتاح القفل الذي اشتراه يقع على قفلي, وأنه أخذ الدراهم وجلس طوال الليل خلف الدراب, فلما جاء الغلام ففتح درابين وحملها ليرفعها خرج, وأنه ما فعل ذلك الا وقد خرج من بغداد. قال: فخرجت ومعي قفلي ومفتاحه, فقلت: أبتدىء بطلب الرجل بواسطة, فلما صعدت من السميرية طلبت خانا أنزله, فصعدت فاذا بقفل مثل قفلي سواء على بيت, فقلت لقيّم الخان: هذا البيت من ينزله؟ قال: رجل قدم من البصرة أمس. قلت: ما صفته؟ فوصف صفة صاحبي, فلم أشك أنه هو وأن الدراهم في بيته. فاكتريت بيتا الى جانبه ورصدت حتى انصرف قيّم الخان, ففتحت القفل, ودخلت, فوجدت كيسي بعينه, فأخذته وخرجت, وأقفلت الباب ونزلت في الوقت, وانحدرت الى البصرة, وما أقمت بواسط الا ساعتين من النهار, ورجعت الى منزلي بمالي بعينه. • روى ابن الدنانير النمّار قال: حدثني غلام قال لي: كنت ناقدا بالأبلة لرجل تاجر, فاقتضيت له من البصرة نحو خمسمئة دينار وورقا ولففتها في فوطة, وأمسيت على المسير الى الابلة, فما زلت أطلب ملاحا فلا أجد, الى أن رأيت ملاحا مجتازا في خيطيّة خفيفة فارغة, فسألته أن يجملني, فخفف علي بالأجرة وقال: أنا أرجع الى منزلي بالابلة, فانزل. فنزلت, وجعلت الفوطة بين يدي وسرنا, فاذا رجل ضرير على الشط يقرأ أحسن قراءة تكون, فلما رآه الملاح كبّر, فصاح هو بالملاح: احملني, فقد جنّني الليل وأخاف على نفسي. فشتمه الملاح, فقلت له احمله. فدخل الى الشط فحمله, فرجع الى قراءته, فخلب عقلي بطيبها, فلما قربنا من الابلة قطع القراءة, وقام ليخرج في بعض المشارع بالأبلة, فلم أر الفوطة, فاضطربت وصحت واستغاث الملاح, وقال: الساعة تنقلب الخيطية. وخاطبني خطاب من لا يعلم حالي, فقلت: يا هذا, كانت بين يدي فوطة فيها خمسمئة دينار! فلما سمع ذلك الملاح لطم وبكى وتعرّى من ثيابه وقال: لم أدجل الشط ولا لي موضع أخبئ فيه شيئا فتتهمني بسرقة, ولي أطفال وأنا ضعيف, فالله الله في أمري. وفعل الضرير مثل ذلك, وفتشت الخيطية فلم أجد فيها شيئا, فرحمتهما وقلت: هذه محنة لا أدري كيف التخلص منها. وخرجنا, فعملت على الهرب, وأخذ كل واحد منا طريقا, وبت في بيت ولم أمض الى صاحبي, فلما أصبحت عملت على الرجوع الى البصرة لأستخفي بها أياما, ثم أخرج الى بلد شاسع, فانحدرت وخرجت في مشرعة بالبصرة, وأنا أمشي وأتعثر وأبكي قلقا على فراق أهلي وولدي, وذهاب معيشي وجاهي. فاعترضني رجل, فقال: ما لك؟ فأخبرته. فقال: أنا أرد عليك مالك. فقلت: يا هذا, أنا في شغل عن طنزك بي. قال: ما أقول الا حقا. امض الى السجن ببني نمير, واشتر معك خبزا كثيرا وشواء جيّدا وحلوا, وسل السجان أن يوصلك الى رجل محبوس هناك يقال له:" أبو بكر النقاش". قل له: أنا زائره, فانك لا تمنع, فان منعت فهب للسجان شيئا يسيرا يدخلك اليه, فاذا رأيته فسلم عليه ولا تخاطبه حتى تجعل بين يديه ما معك, فاذا أكل وغسل يديه, فانه يسألك عن حاجتك, فأخبره خبرك, فانه سيدلك على من أخذ مالك ويرتجعه لك. ففعلت ذلك ووصلت الى الرجل, فاذا شيخ مكبّل بالحديد, فسلمت وطرحت ما معي بين يديه, فدعا رفقاء له, فأكلوا, فلما غسل يديه قال: ما أنت وما حاجتك؟ فشرحت له قصتي. فقال: امض الساعة الى بني هلال, فادخل الدرب الفلاني حتى تنتهي الى آخره, فانك تشاهد بابا شعثا, فافتحه وادخله بلا استئذان, فتجد دهليزا طويلا يؤدي الى بابين, فادخل الأيمن منها فسيدخلك الى دار فيها بيت فيه أوتاد, وعلى كل وتد واتزر بالمئزر واتشح بالازار واجلس, فسيجيء قوم يفعلون كما فعلت, ثم يئتون بطعام فكل معهم, وتعمّد موافقتهم في سائر أفعالهم, فاذا أوتي النبيذ فاشرب, وخذ قدحا كبيرا واملأه وقم قائما وقل: هذا ساري لخالي أبي بكر النقاش, فسيفرحون, ويقولون: أهو خالك؟ فقل: نعم, فسيقومون ويشربون لي, فاذا جلسوا فقل لهم: خالي يقرأ عليكم السلام ويقول:" يا فتيان, بحياتي ردوا على ابن اختي المئزر الذي أخذتموه بألامس في السفينة بنهر الابلة", فانهم يردونه عليك. فخرجت من عنده ففعلت ما أمر, فردّت الفوطة بعينها وما حلّ شدّها, فلما حصلت لي قلت: يا فتيان هذا الذي فعلتموه معي هو قضاء لحق خالي, ولي أنا حاجة تخصني. قالوا: مقضيّة. قلت: عرّفوني كيف أخذتم الفوطة؟ فامتنعوا ساعة, فأقسمت عليهم بحياة أبي بكر النقاش, فقال لي واحد منهم: أتعرفني؟ فتأملته جيدا فاذا هو الضرير الذي كان يقرأ, وانما كان متعاميا. وأومأ الى آخر فقال: أتعرف هذا؟ فتأملته فاذا هو الملاح, فقلت: كيف فعلتما؟ فقال الملاح: أنا أدور المشارع في أول أوقات المساء, وقد سبقت بهذا المتعامي, فأجلسته حيث رأيت, فاذا رأيت من معه شيء له قدر ناديته, وأرخصت له الأجرة وحملته, فاذا بلغت الى القاري وصاح بي شتمته حتى لا يشك الراكب في براءة الساحة, فان حملت الراكب فذاك والا رققته عليه حتى يحمله, فاذا حمله وجلس يقرأ ذهل الرجل كما ذهلت, فاذا بلغنا الموضع الفلاني, فان فيه رجلا متوقعا لنا يسبح حتى يلاصق السفينة, وعلى رأسه قوصرة, فلا يفطن الراكب به, فيسلب هذا المتعامي الشيء بخفية, فيلقيه الى الرجل الذي عليه القوصرة, فيأخذه ويسبح الى الشط, واذا أراد الراكب الصعود وافتقد ما معه عملنا كما رأيت, فلا يتهمنا ونفترق, فاذا كان الغد اجتمعنا واقتسمناه, فلما جئت برسالة أستاذنا خالك سلمنا اليك الفوطة. قال: فأخذتها ورجعت. • حدثنا سهل الخلاطي قال: بلغني أن محتالين سرقا حمارا ومضى أحدهما ليبيعه, فلقيه رجل معه طبق فيه سمك, فقال له: تبيع هذا الحمار؟ قال: نعم. قال: أمسك هذا الطبق حتى أركبه, وأنظر اليه. فدفع اليه طبق السمك, فركبه ورجع ثم ركبه ودخل به زقاقا ففرّ به. فلم يدر أين ذهب. فلقيه رفيقه, فقال: ما فعل الحمار؟ قال: بعناه بما اشتريناه وربحنا هذا الطبق من السمك. • وقد روينا أن رجلا سرق حمارا فأتى السوق ليبيعه فسرق منه, فعاد الى منزله, فقالت له امرأته: بكم بعته؟ قال: برأس ماله. • كان ببغداد رجل يطلب التلصص في حداثته, ثم تاب فصار بزازا. فانصرف ليلة من دكانه وقد غلقه, فجاءه لص محتال متزيّ بزي صاحب الدكان في كمه شمعة صغيرة ومفاتيح, فصاح بالحارس, فأعطاه الشمعة في الظلمة, وقال: أشعلها وجئني بها, فان لي الليلة بدكاني شغلا. فمضى الحارس يشعل الشمعة, وركب اللص على الأقفال, ففتحها ودخل الدكان, وجاء الحارس بالشمعة, فأخذها من يده, فجعلها بين يديه, وفتح سفط الحساب, وأخرج ما فيه وجعل ينظر الدفاتر ويرى بيده أنه يحسب والحارس يتردد ويطالعه, ولا يشك في أنه صاحب الدكان, الى أن قارب السحر, فاستدعى اللص الحارس, وكلمه من بعيد وقال: اطلب لي حمالا. فجاء بحمال, فحمل عليه أربع رزم مثمنة, وقفل الدكان وانصرف ومعه الحمال وأعطى الحارس درهمين. فلما أصبح الناس جاء صاحب الدكان ليفتح دكانه, فقام اليه الحارس يدعو له ويقول: فعل الله بك وصنع كما أعطيتني البارحة درهمين. فأنكر الرجل ما سمعه, وفتح دكانه, فوجد سيلان الشمعة وحسابه مطروحا وفقد الأربع رزم, فاستدعى الحارس, وقال له: من كان حمل الرزم معي من دكاني؟ قال: أما استدعيت مني حمالا فجئتك به؟ قال: بلى, ولكن كنت ناعسا وأريد الحمال فجئني به. فمضى الحارس فجاء بالحمّال. وأغلق الرجل الدكان وأخذ الحمّال ومضى, فقال له: الى أين حملت الرزم معي البارحة؟ قال: الى المشرعة الفلانية, واستدعيت لك فلانا الملاح, فركبت معه. فقصد الرجل المشرعة, وسال عن الملاح, فحضر وركب معه, وقال: أين رقيت أخي الذي كان معه الأربع رزم؟ قال: الى المشرعة الفلانية. قال: اطرحني اليها. فطرحه. قال: من حملها معه؟ قال: فلان الحمال. فدعا به, فقال له: امش بين يدي. فمشى فأعطاه شيئا واستدله برفق الى الموضع الذي حمل اليه الرزم, فجاء به الى باب غرفة في موضع بعيد من الشط قريب من الصحراء, فوجد الباب مقفلا, فاستوقف الحمال وفش القفل ودخل, فوجد الرزم بحالها! واذا في البيت برّكان معلق على حبل, فلف الرزم فيه ودعا بالحمال, فحملها عليه وقصد المشرعة. فحين خرج من الغرفة استقبله اللص, فرآه وما معه, فأبلس فأتبعه الى الشط, فجاء الى المشرعة ودعا الملاح ليعبر, فطلب الحمّال من يحط عنه, فجاء اللص فحط الكساء كأنه مجتاز مقطوع, فأدخل الرزم الى السفينة مع صاحبها, وجعل البرّكان على كتفه وقال له: يا أخي استودعك الله, فقد ارتجعت رزمك, فدع كسائي. فضحك وقال: انزل فلا خوف عليك. فنزل معه واستتابه ووهب له شيئا وصرفه ولم يسيء اليه. |
• أنبأنا محمد بن أبي طاهر, عن أبي القاسم التنوخي, عن أبيه:
أن رجلا من بني عقيل مضى ليسرق دابة. قال: فدخلت الحي, فما زلت أتعرّف مكان الدابة فاحتلت حتى دخلت البيت, فجلس الرجل وامرأته يأكلان في الظلمة, فأهويت بيدي الى القصعة وكنت جائعا, فأنكر الرجل يدي وقبض عليها, فقبضت على يد المرأة بيدي الأخرى, فقالت المرأة: ما لك ويدي؟ فظن أنه قابض عل يد امرأته فخلى يدي, فخليت يدي, فخليت يد المرأة وأكلنا. ثم أنكرت المرأة يدي فقبضت عليها, فقبضت على يد الرجل, فقال لها: ما لك ويدي. فخلت عن يدي, فخليت عن يده, ثم نام وقمت, فأخذت الفرس. • أنبأنا أبو القاسم التنوخي, عن أبيه: أن رجلا نام في مسجد وتحت رأسه كيس فيه ألف وخمسمئة دينار. • قال: فما شعرت الا بانسان قد جذبه من تحت رأسي فانتبهت, فاذا شاب قد أخذ الكيس ومرّ يعدو, فقمت لأعدو خلفه, فاذا رجلي مشدودة بجيط قنّب في وتد مضروب في آخر المسجد. • أنبأنا محمد بن أبي طاهر, أنبأنا أبو القاسم التنوخي, عن أبيه قال: حدثني أبو الحسين عبد الله بن محمد البصري, حدثني أبي قال: كان بالبصرة رجل من اللصوص يلص بالليل, فاره جدا مقدام, يقال له عباس بن الخياطة, قد غلب الأمراء وأشجع أهل البلد, فلم يزالوا يحتالون عليه الى أن وقع وكبّل بمئة رطل حديد وحبس. فلما كان بعد سنة من حبسه أو أكثر, دخل قوم بالابلة على رجل تاجر وكان عنده مجوهرات بعشرات ألوف الدنانير فسرقوه, وكان مستيقظا جلدا, فجاء الى البصرة يتظلم, وأعانه خلق من التجار, وقال للأمير: أنت دست على جوهري وما خصمي سواك. فورد عليه أمر عظيم وخلا بالبوّابين وتوعّدهم, فاستنظروه فأنظرهم, وطلبوا واجتهدوا, فما عرفوا فاعل ذلك, فعنفهم الرجل فاستجابوا مرة أخرى. فجاء أحد البوابين الى الحبس, فتخادم لابن الخياطة ولزمه نحو شهر, وتذلل له في الحبس فقال له: قد وجب حقك عليّ, فما حاجتك؟ قال: جوهر فلان المأخوذ بالبلة, لا بد أن يكون عندك منه خبر, فان دماؤنا مرتهنة به. وحدثه الحديث. فرفع ذيله, واذا سفط الجوهر تحته, فسلمه اليه وقال: قد وهبته لك. فاستعظم ذلك وجاء بالسفط الى الأمير, فسألأه عن القصة, فأخبره بها. فقال: عليّ بعباس. فجاؤوا به, فأمر بالافراج عنه وازالة قيوده وادخاله الحمام وخلع عليه وأجلسه في مجلسه مكرما واستدعى الطعام, فواكله وبيّته عنده, فلما كان من الغد خلا به, وقال: أنا أعلم أنك لو ضربت مئة ألف سوط ما أقررت كيف كانت صورة أخذ الجوهر, وقد عاملتك بالجميل ليجب حقي عليك من طريق الفتوة, وأريد أن تصدقني حديث هذا الجوهر. قال: انني ومن عاونني عليه آمنون, وانك لا تطالبنا بالذين أخذوه؟ قال: نعم. فاستحلفه. فقال له: ان جماعة اللصوص جاؤوني الحبس, وذكروا حال هذا الجوهر, وأن دار هذا التاجرلا يجوز أن يتطرق عليها نقب ولا تسليق, وعليها باب حديد, والرجل متيقظ وقد راعوه سنة, فما أمكنهم. وسألوني, فساعدتهم, فدفعت الى السجان مئة دينار وحلفت له بالشطارة والأيمان الغليظة, أنه ان أطلقني عدت اليه من غد, وأنه ان لم يفعل ذلك اغتلته, فقتلته في الحبس. فأطلقني. فنزعنا الحديد وتركته وخرجت المغرب, فوصلنا الى الابلة العتمة, وخرجنا الى دار الرجل, فاذا هو في المسجد وبابه مغلق, فقلت لأحدهم: تصدق من الباب. فتصدق, فلما جاؤوا ليفتحوا قلت له: اختف. ففعل ذلك مرّات, والجارية تخرج, فاذا لم تر أحدا عادت, الى أن خرجت من الباب, ومشت خطوات تطلب السائل, فتشاغلت بدفع الصدقة اليه, فدخلت أنا الى الدار, فاذا في الدهليز بيت فيه حمار, فدخلته. ووقفت تحت الحمار وطرحت الجل عليّ وعليه. وجاء الرجل فغلق الأبواب وفتش ونام على سرير عال والجوهر تحته, فلما انتصف الليل قمت الى شاة في الدار, فعركت أذنها فصاحت, فقال: ويلك أقول لك افتقديها. قالت: قد فعلت. قال: كذبت, وقام بنفسه ليطرح لها علفا, فجلست مكانه على السرير, وفتحت الخزانة, وأخذت السفط وعدت الى موضعي وعاد الرجل, فنام. فاجتهدت أن أجد حيلة أن أنقب الى دار بعض الجيران, فأخرج فما قدرت, لأن جميع الدار مؤزرة بالساج, ورمت صعود السطح, فما قدرت, لأن الممارق مقفلة بثلاثة أقفال, فعملت على ذبح الرجل, ثم استقبحت ذلك, وقلت: هذا بين يدي ان لم أجد حيلة غيره. فلما كان السحر عدت الى موضعي تحت الحمار, وانتبه الرجل يريد الخروج, فقال للجارية: افتحي الأقفال من الباب ودعيه متربسا, ففعلت وقربت من الحمار فرفس, فصاحت, فخرجت أنا ففتحت المترس وخرجت أعدو حتى جئت المشرعة, فنزلت في الخيطيّة ووقعت الصيحة في دار الرجل, فطالبني أصحابي أن أعطيهم شيئا منه, فقلت لا, هذه قصة عظيمة, وأخاف أن ينتبه عليها, ولكن دعوه عندي, فان مضى على الحديث ثلاثة أشهر, فصيروا الي أعطيكم النصف, وان ظهر خفت عليكم وعلى نفسي, وجعلته حقنا لدمائكم. فرضوا بذلك, فأرسل الله هذا البواب بليلة يخدمني, فاستحييت منه وخفت أن يقتل هو وأصحابه, وقد كنت وضعت في نفسي الصبر على كل عذاب, فدخلتم عليّ من طريق أخرى لم أستحسن في الفتوة معها الا الصدق. فقال له الأمير: جزاء هذا الفعل أن أطلقك, ولكن تتوب. فتاب, وجعله الأمير من بعض أصحابه وأسنى له الرزق, فاستقامت طريقته. • قال أبو الحسين: وحدثني أبي عن طالوت بن عباد الصيرفي قال: كنت ليلة نائما بالبصرة في فراشي وحراسي يحرسونني وأبوابي مقفلة, فاذا أنا بابن الخيّاطة ينبهني من فراشي. فانبهت فزعا. فقلت: من أنت؟ فقال: ابن الخياطة. فتلفت فقال: لا تجزع. قد قمرت الساعة خمسمئة دينار. أقرضني اياها لأردّها عليك. فأخرجت خمشمئة دينار, فدفعتها اليه فقال: نم ولا تتبعني لأخرج من حيث جئت, والا قتلتك. قال: وأنا والله أسمع صوت حراسي ولا أدري من حيث دخل, ولا من أين خرج, وكتمت الحديث خوفا منه, وزدت في الحرس. ومضت ليال, فاذا أنا به قد أنبهني على تلك الصورة, فقلت: مرحبا, ما تريد؟ قال: جئت بتلك الدنانير تأخذها مني. فقلت: أنت في حل منها, فان أردت شيئا آخر فخذ. فقال: لا أريد من نصح التجار أشاركهم في أموالهم, ولو كنت أردت أخذ مالك باللصوصية فعلت, ولكنك رئيس بلدك ولا أريد أذيتك, فان ذلك يخرج عن الفتوّة, ولكن خذها, فان احتجت الى شيء بعد هذا أخذت منك. فقلت: ان عودك لا يفزعني, ولكن اذا أردت شيئا فتعال الي نهارا أو رسولك. فقال: أفعل. فأخذت الدنانير منه وانصرف, وكان رسوله يجيئني بعلامة بعد ذلك, فيأخذ ما يريده ثم يردّه بعد مدة, فما انكسر لي عنده شيء الى أن قبض عليه. • دخل لص دار قوم, فلم يجد ما يسرق غير دواة مكسورة, فكتب على الحائط: عز عليّ فقركم وغناي. • حدثني أبو الفتح البصري قال: اجتمع جماعة من اللصوص اجتاز عليهم شيخ صيرفي معه كيسه, فقال أحدهم: ما تقولون فيمن يأخذ كيس هذا؟ قالوا كيف تفعل؟ قال: انظروا. ثم تبعه الى منزله, فدخل الشيخ, فرمى كيسه على الضفة وقال للجارية: أنا حاقن, فألحقيني بماء في الغرفة. وصعدت فدخل اللص فأخذ الكيس, وجاء الى أصحابه, فحدثهم, فقالوا: ما عملت شيئا. تركته يضرب الجارية ويعذبها, وما ذا مليح. قال: فكيف تريدون؟ قالوا: تخلص الجارية من الضرب وتأخذ الكيس. قال: نعم. فمضى فطرق الباب, فاذا به يضرب الجارية, فقال: من؟ قال: غلام جارك في الدكان. فخرج, فقال: ماذا تقول؟ فقال: سيدي يسلم عليك ويقول لك: قد تغيّرت: ترمي كيسك في الدكان وتمضي؟ ولولا أننا قد رأيناه كان قد أخذ. وأخرج الكيس, وقال: أليس هذا هو؟ قال: بلى والله صدق. ثم أخذه فقال له: بل أعطنيه وادخل فاكتب في رقعة أنك قد تسلمت الكيس, حتى أتخلص أنا ويرجع اليك مالك. فناوله اياه ودخل ليكتب فأخذه ومضى. • قال أبو جعفر محمد بن الفضل الضميري: كان في بلدنا عجوز صالحة كثيرة الصيام والصلاة, وكان لها ابن صيرفي منهمك على الشرب و اللعب, وكان يتشاغل بدكانه أكثر نهاره, ثم يعود الى منزله, فيخبئ كيسه عند والدته. فدخل الى الدار لص وهو لا يعلم, فاختبأ فيها, وسلم الابن كيسه الى أمه وخرج وبقيت هي وحدها في الدار, وكان لها في دارها بيت مؤزر بالساج عليه باب حديد تجعل قماشها فيه والكيس, فخبأت الكيس فيه خلف الباب وجلست فأفطرت بين يديه. فقال اللص: الساعة تقفله وتنام, وأنزل وأقلع الباب وآخذ الكيس. فلما أفطرت قامت تصلي, ومدت الصلاة, ومضى نصف الليل وتحيّر اللص, وخاف أن يدركه الصبح, فطاف في الدار فوجد ازارا جديدا وبخورا, فاتزر بالازار, وأوقد البخور وأقبل ينزل على الدرجة, ويصيح بصوت غليظ ليفزع العجوز, وكانت جلدة, فظنت أنه لص, فقالت: من هذا؟ بارتعاد وفزع. فقال: أنا جبريل رسول رب العالمين, أرسلني الى ابنك هذا الفاسق لاعظه وأعامله بما يمنعه عن ارتكاب المعاصي. فأظهرت أنه قد غشي عليها من الفزع, وأقبلت تقول: يا جبريل, سألتك ألا رفقت به, فانه وحيدي. فقال اللص: ما أرسلت لقتله. قالت: فيما أرسلت؟ قال: لآخذ كيسه وأؤلم قلبه بذلك, فاذا تاب رددته عليه. فقالت: يا جبريل, شأنك وما أمرت به. فقال: تنحي عن باب البيت. وفتح هو الباب ودخل ليأخذ الكيس والقماش, واشتغل في تكويره, فمشت العجوز قليلا قليلا وجذبت الباب وجعلت الحلقة في الرزة, وجاءت بقفل فقفلته. فنظر اللص الى الموقف ورام حيلة, نقبا أو منفذا, فلم يجد, فقال: افتحي لأخرج, فقد اتعظ ابنك. فقالت: يا جبريل ما يعوزك أن تخرج من السقف أو تخرق الحائط بريشة من جناحك, ولا تكلفني أنا لتغوير بصري؟ فأحس اللص أنها جلدة, فأخذ يرفق بها ويداريها ويبذل التوبة, فقالت: دع عنك هذا. لا سبيل الى الخروج الا بالنهار. وقامت فصلت وهو يسألها حتى طلعت الشمس, وجاء ابنها وعرف خبرها, وحدثته الحديث, فأحضر صاحب الشرطة وفتح الباب وقبض على اللص. |
في ذكر طرف
من أخبار فطن الصبيان • عن محمد بن الضحاك أن عبد الملك بن مروان قال لرأس الجالوت, أو لابن رأس الجالوت: ما عندكم من الفراسة في الصبيان؟ قال: عندنا فيهم شيء, لأنهم يخلقون خلقا بعد خلق, غير أنا نرمقهم, فان سمعنا منهم من يقول في لعبه: " من يكون معي؟" رأيناه ذا همّة وحنو وصدق فيه, وان سمعناه يقول:" مع من أكون؟"" كرهناه. فكان أول ما علم من ابن الزبير أنه كان ذات يوم يلعب مع الصبيان, وهو صبي, فمرّ رجل, فصاح عليهم فروا ومشى ابن الزبير القهقرى وقال: يا صبيان اجعلوني أميركم وشدّوا بنا عليه. ومرّ به عمر بن الخطاب, وهو صبي يلعب مع الصبيان, ففروا ووقف, فقال له: ما لك لم تفر مع أصحابك؟ قال: يا أمير المؤمنين, لم أجرم فأخاف, ولم تكن الطريق ضيّقة, فأوسع لك. • عن سنان بن مسلمة_ وكان أميرا على البحرين_ قال: كنا أغيلمة بالمدينة في أصول النخل نلتقط البلح الذي يسمونه الخلال, فخرج الينا عمر بن الخطاب, فتفرّق الغلمان وثبت مكاني, فلما غشيني قلت: يا أمير المؤمنين, انما هذا ما ألقت الريح. قال: أرني أنظر, فانه لا يخفى عليّ. فنظر في حجري, فقال: صدقت. فقلت: يا أمير المؤمنين, ترى هؤلاء الغلمان, والله لئن انطلقت لأغاروا عليّ, فانتزعوا ما في يدي. قال: فمشى معي حتى بلّغني مأمني. • حدثنا عبيد الله بن المأمون قال: غضب المأمون على أمي أم موسى, فقصدني لذلك, حتى كاد يتلفني, فقلت له يوما: يا أمير المؤمنين, ان كنت غضبانا على ابنة عمك فعاقبها بغيري, فاني منك قبلها, ولك دونها. قال: صدقت والله يا عبيد الله, انك مني قبلها ولي دونها, والحمد لله الذي أظهر هذا منك وبيّن لي هذا الفضل فيك, لا ترى والله بعد يومك هذا مني سوءا, ولا ترى الا ما تحب. فكان ذلك سبب رضاه عن أمي. • قال الأصمعي: بينما أنا في بعض البوادي اذا أنا بصبي معه قربة قد غلبته, فيها ماء, وهو ينادي: يا أبت أدرك فاها, غلبني فوها, لا طاقة لي بفيها قال: فوالله لقد جمع العربيّة في ثلاث. • قال الجاحظ: قال ثمامة: دخلت الى صديق لي أعوده وتركت حماري على الباب, ولم يكن معي غلام, ثم خرجت, واذا فوقه صبي, فقلت: أتركب حماري بغير اذني؟ قال: خفت أن يذهب فحفظته لك. قلت: لو ذهب كان أحب الي من بقائه. قال: فان كان هذا رأيك في الحمار, فاعمل على أنه قد ذهب وهبه لي, واربح شكري. فلم أر ما أقول. • قال رجل من أهل الشام: قدمت المدينة, فقصدت منزل ابراهيم بن هرمة, فاذا بنيّة له صغيرة تلعب بالطين, فقلت لها: ما فعل أبوك؟ قالت: وفد الى بعض الأجواد, فما لنا به علم منذ مدة. فقلت: انحري لنا ناقة, فانا أضيافك. قالت: والله ما عندنا. قلت: فشاة. قالت: والله ما عندنا. قلت: فدجاجة. قالت: والله ما عندنا. قلت: فبيضة. قالت: والله ما عندنا. قلت: فباطل ما قال أبوك: كم ناقة قد وجأت منحرها بمستهل الشؤبوب أو جمل قالت: فذاك الفعل من أبي هو الذي أصارنا الى أن ليس عندنا شيء. • قال بشر بن الحرث: أتيت باب المعافى بن عمران, فدققت الباب فقيل لي: من؟ فقلت: بشر الحافي. قالت لي بنيّة من داخل الدار: لو اشتريت نعلا بدانقين ذهب عنك اسم الحافي. • وبلغنا أن المعتصم ركب الى خاقان يعوده, والفتح صبي يومئذ, فقال له المعتصم: أيما أحسن: دار أمير المؤمنين أو دار أبيك؟ قال: اذا كان أمير المؤمنين في دار أبي فهي أحسن. فأراه فصّا في يده, فقال: هل رأيت يا فتح أحسن من هذا الفص؟ فقال: نعم, اليد التي هو فيها. • بلغنا أن اياس بن معاوية تقدم وهو صبي الى قاضي دمشق ومعه شيخ فقال: أصلح الله القاضي, هذا الشيخ ظلمني واعتدى عليّ وأخذ مالي. فقال القاضي: ارفق به ولا تستقبل الشيخ بمثل هذا الكلام. فقال اياس: أصلح الله القاضي, ان الحق أكبر مني ومنه ومنك. قال: اسكت. قال: ان سكت فمن يقوم بحجتي؟ قال: تكلّم بخير. فقال: لا اله الا الله وحده لا شريك له. فرفع صاحب الخبر هذا الخبر, فعزل القاضي وتولى اياس مكانه. • قعد صبي مع قوم يأكلون, فبكى, قالوا: ما لك تبكي؟ قال: الطعام حار. قالوا فدعه حتى يبرد. قال: أنتم لا تدعونه. • قال الأصمعي: قلت لغلام حدث السن من أولاد العرب: أيسرّك أن يكون لك مئة ألف درهم وأنك أحمق؟ فقال: لا والله. قلت: ولم؟ قال: أخاف أن يجني عليّ حمقي جناية تذهب مالي ويبقى عليّ حمقي. • أدخل على الرشيد صبي له أربع سنين, فقال له: ما تحب أن أهب لك؟ قال: حسن رأيك. |
أخبار متفرّقة في ذكاء النساء • حدثنا هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله, أرأيت لو نزلت واديا فيه شجر أكل منها, ووجدت شجرا لم يؤكل منها, في أيها كنت ترتع بعيرك؟ قال: "في التي لم يرتع منها". تعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكرا غيرها. • عن عبد الله بن مصعب قال: قال عمر بن الخطاب: لا تزيدوا في مهر النساء على أربعين أوقية, وان كانت بنت ذي الغصة_ يعني يزيد بن الحصين الصحابي الحارثي_ فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال. فقالت امرأة من صف النساء: ما ذاك لك. قال: ولم؟ قالت: لأن الله عز وجل قال:{ وءاتيتم احداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا, أتأخذونه بهتانا واثما مبينا}. قال عمر: امرأة أصابت ورجل أخطأ. • عن عبد الله بن الزبير, عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم قالت: لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة الى المدينة ومعه أبو بكر حمّل أبو بكر معه جميع ماله, خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم, فأتاني جدي أبو قحافة, وقد ذهب بصره, فقال: أرى هذا والله قد فجعكم بماله مع نفسه. فقالت: كلا يا أبت, قد ترك لنا خيرا كثيرا. فعمدت الى أحجار جعلتها في كوة البيت كان أبو بكر يحصّل ماله فيها, وغطيت على الأحجار بثوب, ثم جئت به فأخذت بيده ووضعتها على الثوب, وقلت ترك لنا هذا. فجعل يجد مس الحجارة من وراء الثوب, فقال: أما اذا ترك لكم هذا, فنعم. ولا والله ما ترك لنا قليلا ولا كثيرا. • قال أبو الحسن المدائني: دخل عمران بن حطان يوما على امرأته _ وكان عمران قبيحا دميما قصيرا_ وكانت امرأة حسناء, فلما نظر اليها ازدادت في عينه جمالا وحسنا, فلم يتمالك أن يديم النظر اليها, فقالت: ما شأنك؟ قال: لقد أصبحت والله جميلة. فقالت: أبشر, فاني واياك في الجنة. قال: ومن أين علمت ذلك؟ قالت: لأنك أعطيت مثلي فشكرت, وابتليت بمثلك فصبرت, والصابر والشاكر في الجنة. • قال اسماعيل بن حمادة بن أبي حنيفة: ما ورد عليّ مثل امرأة تقدمت, فقالت: أيها القاضي, ابن عمي زوّجني من هذا ولم أعلم, فلما علمت رددت. فقلت لها: ومتى رددت؟ قالت: وقت ما علمت. قلت: ومتى علمت؟ قالت: وقت ما رددت. فما رأيت مثلها. • حدثنا عليّ بن القاسم القاضي, قال: سمعت أبي يقول: كان موسى بن اسحاق لا يرى مبتسما قط, فقالت له امرأة: أيها القاضي, لا يحل أنت تحكم بين اثنين وأنت غضبان. قال: ولم؟ قالت: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان". فتبسّم. • قال الجاحظ: رأيت بالعسكر امرأة طويلة القامة جدا, ونحن على طعام, فأردت أن أمازحها, فقلت: انزلي حتى تأكلي معنا. فقالت: وأنت فاصعد حتى ترى الدنيا. • قال الجاحظ: رأيت جارية بسوق النخاسين ببغداد ينادي عليها وعلى خدّها خال, فدعوت بها وجعلت أقلبها, فقلت لها: ما اسمك؟ قالت: مكة. فقلت: الله أكبر! قرب الحج, أتأذنين أن أقبّل الحجر الأسود؟ قالت له: اليك عني, ألم تسمع قول الله تعالى:{ لم تكونوا بالغيه الا بشق الأنفس}. • قال الأصمعي: أتي المنصور بسارق, فأمر بقطع يده, فأنشأ يقول: يدي يا أمير المؤمنين أعيذها بحقويك من عار عليها يشبنها فلا خير في الدنيا ولا في نعيمها اذا ما شمالها فارقتها يمينها فقال: يا غلام, اقطع. هذا حد من حدود الله, وحق من حقوقه لا سبيل الى تعطيله. فقالت أم السارق:واحدي وكادي وكاسبي. قال: بئس الواحد واحدك, وبئس الكاد كادك. وبئس الكاسب كاسبك. يا غلام! اقطع. فقالت أم السارق: يا أمير المؤمنين, أما لك ذنوب تستغفر الله منها؟ قال: بلى. قالت: هبه لي, واجعل هذا من ذنوبك التي تستغفر الله منها. • حدثنا رجل من تغلب قال: كان فينا رجل له ابنة شابة, وكان له ابن أخ يهواها وتهواه, فمكثا كذلك دهرا, ثم ان الجارية خطبها بعض الأشراف فأرغب في المهر, فأنعم أبو الجارية, واجتمع القوم للخطبة, فقالت الجارية لأمها: يا أماه ما يمنع أن يزوجني من ابن عمي؟ قالت: أمرا كان مقضيا. قالت: والله ما أحسن. رباه صغيرا, ثم تدعوه كبيرا؟ ثم قالت لها: يا أماه, اني والله حامل, فاكتمي ان شئت أو نوّحي. فأرسلت الأم الى الأب, فأخبرته الخبر, فقال: اكتمي هذا الأمر. ثم خرج الى القوم, فقال: يا هؤلاء, اني كنت أجبتكم, وأنه قد حدث أمر رجوت أن يكون فيه الأجر وأنا أشهدكم أني قد زوّجت ابنتي فلانة من ابن أخي فلان. فلما انقضى ذلك قال الشيخ: أدخلوها عليه. فقالت الجارية: انها بالرحمن كافرة ان دخل عليها من سنة أو تبيّن حملها. قال: فمادخل عليها الا بعد حول, فعلم أبوها أنها احتالت عليه. • قال الصولي: قال العتبي: رأيت امرأة أعجبتني صورتها, فقلت: ألك بعل؟ قالت: لا. قلت: أفترغبين في التزويج؟ قالت: نعم, ولكن لي خصلة أظنك لا ترضاها. قلت: وما هي. قالت: بياض برأسي. قال: فثنيت عنان فرسي وسرت قليلا, فنادتني: أقسمت عليك لتقفن. ثم أتت موضعا خاليا, فكشفت عن شعر كأنه العناقيد, فقالت: والله ما بلغت العشرين, ولكنني عرّفتك أنّا نكره منك ما تكره منا. قال: فخجلت وسرت وأنا أٌول: فجعلت أطلب وصلها بتملق والشيب يغمزها بأن لا تفعلي • حدثنا العتيبي قال: قال رجل لامرأته: أمرك بيدك. ثم ندم فقالت: أما والله لقد كان بيدك عشرين سنة, فأحسنت حفظه وصحبه, فلن أضيعه اذا كان بيدي ساعة من نهار, وقد رددته اليك. فأعجب بذلك من قولها وأمسكها. • مرّ شاعر بنسوة فأعجبه شأنهن, فجعل يقول: ان النساء شياطين خلقن لنا نعوذ بالله من شرّ الشياطين فأجابته واحدة منهن, وجعلت تقول: ان النساء رياحين خلقن لكم وكلكم يشتهي شمّ الرياحين • كان شنّ من دهاة العرب, فقال: والله لأطوفنّ حتى أجد امرأة مثلي, فأتزوجها. فسار حتى لقي رجلا يريد قرية يريدها شنّ, فصحبه, فلما انطلقا قال له شنّ: أتحملني أم أحملك؟ فقال الرجل: يا جاهل كيف يحمل الراكب الراكب؟ فسارا حتى رأيا زرعا قد استحصد, فقال شنّ: أترى هذا الزرع قد أكل أم لا؟ فقال: يا جاهل, أما تراه قائما. فمرّا بجنازة فقال: أترى صاحبها حيا أو ميتا؟ فقال: ما رأيت أجهل منك, أتراهم حملوا الى القبور حيا؟ ثم سار به الرجل الى منزله, وكانت له ابنة تسمى طبقة, فقصّ عليها القصّة, فقالت: أما قوله:" أتحملني أم أجملك", فأراد: "تحدثني أم أحدثك حتى نقطع طريقنا", وأما قوله:" أترى هذا الزرع قد أكل أم لا", فأراد:" باعه أهله فأكلوا ثمنه أم لا", وأما قوله في الميّت, فانه أراد:" أترك عقبا يحيا به ذكره أم لا". فخرج الرجل فحادثه, ثم أخبره بقول ابنته, فخطبها اليه فزوّجه اياها, فحملها الى أهله, فلما عرفوا عقلها ودهاءها, قالوا:" وافق شنّ طبق". • كان بعض قضاة الحنفية من مذهبه أنه اذا ارتاب بالشهود فرّقهم. فشهد عنده رجل وامرأتان فيما يشهد فيه النساء, فأراد أن يفرّق بين المرأتين على عادته, فقالت احداهما: أخطأت, لأن الله تعالى قال:" {فتذكر احداهما الأخرى}. فاذا فرّقت زال المعنى الذي قصده الشرع. فأمسك. • ذكر أن رجلا دعا المبرّد بالبصرة مع جماعة, فغنّت جارية من وراء الستار, وأنشأت تقول: وقالوا لها هذا حبيبك معرضا فقالت ألا اعراضه أيسر الخطب فما هي الا نظرة بتبسّم فتصطك رجلاه ويسقط للجنب فطرب كل من حضر الا المبرد, فقال له صاحب المجلس: كنت أحق الناس بالطرب. فقالت الجارية: دعه يا مولاي, فانه سمعني أقول:" حبيبك معرضا", فظنني لحنت, ولم يعلم أن ابن مسعود قرأ (وهذا بعلي شيخا). فطرب المبرّد الى أن شق ثوبه. • غضب المأمون يوما على عبد الله بن طاهر, فأراد طاهر أن يقصده, فورد عليه كتاب من صديق له مقصور على السلام, وفي حاشيته "يا موسى". فجعل يتأمله, ولا يعلم معنى ذلك, فقالت له جارية وكانت فطنة: أراد:{ يا موسى ان الملأ يأتمرون بك ليقتلوك}. فتيقظ عن قصد المأمون. • خاصمت امرأة زوجها في تضييقه عليها وعلى نفسه, فقالت: والله ما يقيم الفأر في بيتك الا لحب الوطن, والا فهو يسترزق من بيوت الجيران. • أعطت امرأة جاريتها درهما, وقالت: اشتري هريسة, فرجعت, فقالت: يا سيّدتي سقط الدرهم مني فضاع. فقالت: يا فاعلة, تكلميني بفمك كله وتقولين: ذهب الدرهم؟ فأمسكت الجارية نصف فمها بيدها, وقالت بالنصف الآخر: وانكسرت يا سيّدتي الزبدية. • بكت عجوز على ميّت فقيل لها: بماذا استحق هذه منك؟ فقالت: جاورنا وما فينا الا من تحل له الصدقة, ومات وما منا الا من تجب عليه الزكاة. • قال ابن قتيبة: جاءتني جارية بهديّة فقلت لها: قد علم مولاك أني لا أقبل الهدية. قالت: ولم؟ قلت: أخشى أن يستمد مني علما لأجل هديته. فقالت: استمد الناس من رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر, وقد كان يقبل الهديّة. فقبلتها, فكانت الجارية أفقه مني. • روى بعض التجار المسافرين قال: كنا نجتمع من بلاد شتى في جامع عمرو بن العاص نتحدث, فبينما نحن جلوس يوما نتحدّث, واذا بامرأة بقربنا في أصل سارية, فقال لها رجل من التجار من البغداديين: ما شأنك؟ فقالت: أنا امرأة وحيدة, غاب عني زوجي منذ عشر سنين, ولم أسمع له خبرا, فقصدت القاضي ليزوّجني, فامتنع, وما ترك لي زوجي نفقة, وأريد رجلا غريبا يشهد لي هو وأصحابه أن زوجي مات أو طلقني لأتزوّج, أو يقول:" أنا زوجها", ويطلقني عند القاضي لأصبر مدة العدة وأتزوّج. فقال لها الرجل: تعطيني دينارا حتى أصير معك الى القاضي وأذكر له أني زوجك, وأطلقك؟ فبكت وقالت: والله ما أملك غير هذه, وأخرجت أربع رباعيات. فأخذها منها ومضى معها الى القاضي, وأبطأ علينا, فلما كان من الغد لقيناه, فقلنا: ما أبطأك؟ فقال: دعوني, فاني حصلت في أمر ذكره فضيحة. قلنا: أخبرنا. قال: حضرت معها الى القاضي فادعت عليّ الزوجية والغيبة عشرة سنين, وسألت أن أخلي سبيلها, فصدقتها على ذلك, فقال لها القاضي: أتبرئينه؟ قالت: لا والله, لي عليه صداق ونفقة عشر سنين, وأنا أحق بذلك, فقال لي القاضي: ادّها حقها ولك الخيار في طلاقها أو امساكها. فورد عليّ ما بلسني, ولم أتجاسر أن أحكي صورتها معي, فلا أصدّق, فتقدم القاضي بتسليمي الى صاحب الشرطة, فاستقرّ الأمر على عشرة دنانير أخذتها مني وغرمت للوكلاء وأعوان القاضي الأربع رباعيات التي أعطتني, ومثلها من يدي. فضحكنا منه, فخجل وخرج من مصر ولم يعرف له خبر. • قال الشيخ أبو الوفاء بن عقيل: حكى لي بعض الأصدقاء أن امرأة جلست على باب دكان بزاز أعزب الى أن أمست, فلما أراد غلق الدكان تراءت له, فقال لها: ما هذا المساء؟ فقالت: والله ما لي مكان أبيت فيه. فقال لها: تمضين معي الى البيت؟ فقالت: نعم. فمضى بها الى بيته, وعرض عليها التزويج, فأجابت, فتزوجها. وبقيت عنده أياما, واذا قد جاء في اليوم الرابع رجل ومعه نسوة, فطلبوها, فأدخلهم وأكرمهم, وقال: من أنتم منها؟ فقالوا: أقاربها: ابن عم وبنات عم, وقد سررنا بما سمعنا من الوصلة, غير أنا نسالك أن تتركها وتزورنا لعرس بعض أقاربنا. فدخل اليها فقالت: لا تجبهم الى ذلك, واحلف بطلاقي أني لا خرجت من الدار شهرا ليمضي زمن العرس, فانه أصلح لي ولك, والا أخذوني وأفسدوا قلبي عليك, فاني كنت غضبى وتزوّجت اليك بغير مشاورتهم, ولا أدري من دلّهم اليك؟ فخرج فحلف كما ذكرت له, فخرجوا ميؤسين, وأغلق الباب وخرج الى الدكان وقد علق قلبه بالمرأة. فخرجت ولم تستصحب من الدار شيئا, فجاء فلم يجدها, فقال قائل: ترى ما الذي قصدت؟ قال أبو الوفاء: لعلها مستحلة به لأجل زوج طلقها ثلاثا, فليتخوّف الانسان من مثل هذا, وليطلع به على غوامض حيل الناس. |
مجهود رائع وموضوع قيّم استمتعت بتواجدي بصفحتك بانتظار المزيد من هذا العطاء لك مني ارقّ تحية وأعذبها دمت بخير |
• دخل رجل ذكي الى المسجد يصلي, فسرقوا نعله, فتركوها في كنيسة بجوار المسجد, فجعل يفتش عليها, فرآها في الكنيسة فقال: ويحك, لمّا أسلمت أنا ننصّرت أنت! شكرا لك |
• شكا رجل الى طبيب وجع بطنه فقال: ما الذي أكلت؟
قال: أكلت رغيفا محترقا. فدعا الطبيب بكحل ليكحله, فقال الرجل: انما أشتكي من وجع بطني لا عيني. قال: قد عرفت, ولكن أكحلك لتبصر المحترق, فلا تأكله. رائع جدا صائد لم يسبق لي ان اطلعت على هذا الكتاب ولكنك عرفتني به فشكرا لك |
• وقال الأصمعي:
سألت أعرابيّة عن ولدها _ وكنت أعرفه_ فقالت: مات والله, وقد آمنني الله بفقده المصائب ثم قالت: وكنت أخاف الدهر ما كان باقيا فلما تولى مات خوفي من الدهر رائع الكتاب يا صائد سأقتنيه شكرا لك |
الساعة الآن 09:22 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |