![]() |
11
معركة العقاب مرت دولة الموحدين بأدوار ثلاثة هي : - دور نشوء وتأسيس ، ويتمثل بالمهدي بن تومرت ، وعبد المؤمن بن علي . - دور العظمة ، ويتمثل بأبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن ، ويعقوب المنصور ، وبداية عهد محمد الناصر . - دور الضعف والسقوط ، وبدأ بعد هزيمة العقاب ، وحكم فيه ثمانية حكام . فما هي معركة العقاب التي كانت أكبر سبب في سقوط دولة الموحدين ؟ عاون القشتاليون الفرنسيين على محاربة الانجليز سنة 1204 م ، وبعد أن عقد الفرنسيون والإنجليز الصلح بتدخل البابا ، وأخذ ملك قشتالة ألفونسو يتأهب لمحاربة المسلمين بكل ماله من قوى ، فحصن قلعة ( مورا ) الواقعة على الحدود مع الأندلس الإسلامية سنة 1209م، ثم سار في جيش من القشتاليين وفرسان قلعة رباح إلى الأندلس ، فأحرق زروع الحقول ، ونهب القرى ، وقتل السكان ، وسبى منهم جموعاً كبيرة ، ثم عاد إلى قشتالة ودعا ملكي نافار وأراغون ووثق معهما عهود الصلح ، وحصل منهما على وعد بتأييده ، كل ذلك ليمحو وصمة هزيمة معركة الأرك . وفي عام 1210م سار ألفونسو ثانية إلى الأندلس ، وخرب أراضي جيان وبياسة وأندوجار ، ووصل إلى بساتين مرسية ، وعاد إلى عاصمة ملكه طليطلة مثقلاً بالغنائم . وحين ذاك أعلن سلطان الموحدين أبو عبد الله محمد الناصر الجهاد ، فحشد قوات كبيرة أرسلها من المغرب ، وقسمها إلى خمسة جيوش : - الجيش الأول : من قبائل البربر . - الجيش الثاني : من الجنود المغاربة . - الجيش الثالث : من الجنود الموحدية النظامية . - الجيش الرابع : من المتطوعة من جميع أنحاء المملكة . - الجيش الخامس : هو جند الأندلس . وقدر جيش أبي عبد الله محمد الناصر بنصف مليون مجاهد . وفي 25 ذي القعدة سنة 607هـ ، مايو 1211م جاز الناصر بنفسه إلى الأندلس ، ونزل في جزيرة طريف ، ثم سار بعد أيام إلى إشبيلية . وارتكب الناصر هنا خطأ فادحاً إذ أرسل خيرة جنده إلى حصن سلبطرة فأنهك بذلك قواهم ، ولبث الجيش أمام الحصن ثمانية أشهر وهو ممتنع عليه ، وأصر الناصر نزولاً على نصح وزيره أبي سعيد عثمان بن عبد الله بن إبراهيم ابن جامع ، الإسباني الأصل !!!، الذي كان الموحدون يشكون في صدق نياته ، وكان الناصر يضع فيه كل ثقته ، وأصر الوزير أن لا يتقدم الجيش قبل الاستيلاء على حصن سلبطرة ، وهكذا استمر الحصار طوال الصيف حتى دخل الشتاء ، وعانى المغاربة في الجبال الوعرة من قسوة الطقس ، كما أودى المرض بحياة آلاف منهم ، وأخذت وسائل التموين لهذا الجيش الضخم تصعب وتتعثر . وأرسل ألفونسو ولده فرديناند على رأس جيش نفذ إلى ولاية ( استراما دوره ) محاولاً أن يرغم الموحدين على رفع الحصار ، ولكن المحاولة لم تنجح ومات فرديناند الذي أودت بحياته مشاق الحرب ، وسقطت قلعة سلبطرة أخيراً بيد الموحدين ، بسبب الجوع الذي حل بها بعد انتهاء مخزونها من التموين ، ولكن صمودها الكبير كان سببا ً في إنقاذ إسبانية النصرانية . وراع هذا السقوط ألفونسو وجموع النصارى فخرج إلى قاصية أسبانيا مستنفراً الأمراء والفرسان فاجتمعت له جموع عظيمة من إسبانية نفسها ومن أوروبا حتى بلغ النفير إلى القسطنطينية . وبعث البابا أنوسان الثالث إلى الأساقفة في جنوبي فرنسا بأن يعظوا رعاياهم بأن يسيروا بأنفسهم وأموالهم لمؤازرة ملك قشتالة ، وأنه – أي البابا – يمنح كل من لبى الدعوة الغفران التام . وعقد ألفونسو مؤتمراً عقد في ( قونقة ) شهده بيدرو ملك أراغون ، ومندوبون من قبل باقي ملوك النصارى ، وقبل انتهاء الشتاء من عام 1211م اجتمعت في طليطلة عاصمة قشتالة قوات عظيمة من الفرنسيين والقشتاليين ومن فرسان قلعة رباح و الاسبتارية والداودية ، وكانت رئاسة المحاربين بيد الأساقفة ، ووصلت الإمدادات من ليون وجليقية والبرتغال ، وأرسلت إيطاليا وفرنسا مقادير عظيمة من المال والسلاح والمؤن فتمكن بذلك ألفونسو من إمداد الجنود بالرواتب المالية المغرية والهدايا النفيسة . وأمر البابا بالصوم ثلاثة أيام والاكتفاء بالخبز والماء التماساً للنصر ، وارتدى الرهبان السواد وساروا حفاة ، وأقيمت الصلوات الخاصة في الكنائس طلباً للنصر . وتأهب الجيش النصراني للسير ، وتقسم الجنود في ثلاثة جيوش ، وسار في الطليعة جيش الوافدين، في ستين ومائة ألف محارب ، وكان الجيش الثاني مؤلفاً من الأراغونيين والقطلونيين مع فرسان الداوية ، أما الجيش الثالث فهو أضخم الجيوش الثلاثة ويقوده الأمير القشتالي سانشو فرنانديز ، ويقدر عدده بثلاثين ألفاً . وهاجم الجيوش النصرانية حصن ( مجلون ) وأبادوا جميع من فيه ، ثم هاجموا قلعة رباح حتى سقطت المدينة في أيديهم واستسلم قائد الموحدين في القلعة أبو الحجاج يوسف بن قادس على أن تنسحب الحامية بدون سلاح فوافق الطرفان على هذا ، وانسحب خمسون ألفاً من الجيش النصراني إلى بلادهم لأن ملك قشتالة لم يقتل الحامية . وسار الملوك الثلاثة : ملك قشتالة وملك نافار وملك أرغون إلى مدينة سلبطرة فوجدوها محصنة فتركوها . أما أبو عبد الله الناصر فإنه لما وصله ابن قادس مع الحامية أمر بقتله اعتقاداً منه أنه قصر في ذلك ، استماعاً منه لنصيحة ابن جامع وزيره المشبوه ، مما أثر على معنويات الجيش المسلم ، وغادر أبو عبد الله مع جيشه مدينة جيان نحو بياسة ، بينما احتل النصارى قلعة ( فرال ) ثم غادروها فاحتلها المسلمون على الأثر ، واختار النصارى مكاناً مرتفعاً يمكن أن ينحدر منه جيشهم دون أن يستطيع الجيش المسلم إعاقته . يتبع |
12
معركة مارتيزا تولى السلطان مراد الأول السلطة في الدولة العثمانية سنة 761 هـ وعمره ستة وثلاثون عاماً ، فكان بذلك ثالث سلاطين الدولة العثمانية ، وكان شجاعاً مجاهداً ، فتح مدينة أدرنة عام 762 هـ ، وجعلها عاصمة الدولة ليكون على مقربة من الجهاد في أوروبا ، ومضى في حركة الجهاد والدعوة وفتح الأقاليم . وخاف الأمراء الأوروبيون الذين أصبح العثمانيون على حدودهم فكتبوا إلى ملوك أوروبا الغربية وإلى البابا يستنجدون بهم ضد المسلمين ، حتى إمبراطور القسطنطينية ذهب إلى البابا وركع أمامه وقبل يديه ورجليه ورجاه الدعم رغم الخلاف المذهبي بينهما ، فلبى البابا النداء وكتب إلى ملوك أوروبا عامة يطلب منهم الاستعداد للقيام بحرب صليبية جديدة حفاظاً عل النصرانية من التقدم الإسلامي الجديد . ولكن السلطان مراد انطلق يفتح مقدونيا ، فتكون تحالف أوروبي بلقاني صليبي سريع باركه البابا ، وضم الصربيين والبلغاريين والمجريين والبوسنيين ، وسكان إقليم والاشيا . وقد استطاعت الدول الأعضاء في التحالف الصليبي أن تحشد جيشاً بلغ عدده ستين ألف جندي وسـار الجميع نحو أدرنـة ، غير أنه قد تصـدى لهم القائـد العثمـاني ( لالاشاهين ) بقوة تقل عدداً عن القوات المتحالفة ، وقابلهم على نهر مارتيزا – نهر صغير ينبع من غربي بلغاريا ويمر على أدرنة ثم يصب في بحر إيجه - ، حيث وقعت معركة مروعة وانهزم الجيش المتحالف ، وهرب الأميران الصربيان ، ولكنهما غرقا في نهر مارتيزا ، ونجا ملك المجر بأعجوبة من الموت ، أما السلطان مراد الأول فكان في هذه الأثناء مشتغلاً بالقتال في فتح آسيا الصغرى . وكان من نتائج انتصار العثمانيين على نهر مارتيزا أمور مهمة منها : 1. تم لهم فتح تراقيا ومقدونيا ووصلوا إلى جنوب بلغارا وإلى شرقي صربيا . 2. أصبحت مدن وأملاك الدولة البيزنطية وبلغاريا وصربيا تتساقط في أيديهم كأوراق الخريف . يتبع |
13
معركة وادي المخازن ( القصر الكبير ) تربع ( سبستيان ) عام 1557م على عرش إمبراطورية البرتغال التي يمتد نفوذها على سواحل إفريقية وآسية وأمريكية ، فتطلع إلى استخلاص الأماكن المقدسة المسيحية في المشرق من يد المسلمين . فاتصل بخاله ملك أسبانيا ( فيليب الثاني ) يدعوه للمشاركة بحملة صليبية جديدة على المغرب العربي كي لا تعيد الدولة السعدية بمعاونة العثمانيين الكرة على الأندلس . أما حكام المغرب الأشراف السعديون فهم من نسل محمد بن انفس الزكية من آل البيت النبوي ، فبعد دولة المرابطين قامت دولة الموحدين ثم دولة بني مرين ثم دولة وطاس ، ثم قامت دولة الأشراف السعديين . وكان من حكامهم محمد المتوكل على الله وكان فظاً مستبداً ظالماً قتل اثنين من إخوته عند وصوله إلى الحكم ، وأمر بسجن آخر ، فكرهته الرعية ، فرأى عمه عبد الملك أنه أولى بالملك من ابن أخيه ، فأضمر المتوكل الفتك بعميه عبد الملك وأحمد ففرا منه مستنجدين بالعثمانيين ، الذين كتبوا إلى واليهم على الجزائر ليبعث مع عبد الملك خمسة آلاف من عسكر الترك يدخلون معه أرض المغرب الأقصى ليعيدوا له الحكم الذي سلبه منه المتوكل الظالم . وعندما دخل عبد الملك المغرب مع الأتراك ، وانتصر في معركة قرب مدينة فاس ، وفر المتوكل من المعركة ، ودخل عبد الملك فاس سنة 983هـ وولى عيها أخاه أحمد ، ثم ضم مراكش ، ففر المتوكل إلى جبال السوس ، فلاحقته جيوش عمه حتى فر إلى سبتة ، ثم دخل طنجة مستصرخاً بملك البرتغال سبستيان ، بعد أن رفض ملك أسبانيا معونته . أراد ملك البرتغال الشاب محو ما وصم به عرش البرتغال خلال فترة حكم أبيه من الضعف والتخاذل ، كما أراد أن يعلي شأنه بين ملوك أوروبا فجاءته الفرصة باستنصار المتوكل به على عميه وبن جلدته ، مقابل أن يتنازل له عن جميع شواطئ المغرب . استعان سبستيان بخاله ملك أسبانيا فوعده أن يمده بالمراكب والعساكر ما يملك به مدينة العرائش لأنه يعتقد أنها تعدل سائر مراسي المغرب ، ثم أمده بعشرين ألفاً من عسكر الأسبان ، وكان سبستيان قد عبأ معه اثني عشر ألفاً من البرتغال ، كما أرسل إليه الطليان ثلاثة آلاف ، ومثلها من الألمان وغيرهم عددا ًكثيراً ، وبعث إليه البابا بأربعة آلاف أخرى ، وبألف وخمس مائة من الخيل ، واثني عشر مدفعا ً ، وجمع سبستيان نحو ألف مركب ليحمل هذه الجموع إلى العدوة المغربية . وقد حذر ملك أسبانيا ابن أخته عاقبة التوغل في أرض المغرب ولكنه لم يلتفت لذلك . مسيرة الجيشين إلى وادي المخازن : الجيش البرتغالي : أبحرت السفن الصليبية من ميناء لشبونة باتجاه المغرب يوم 24 يونيو 1578م ، وأقامت في لاكوس بضعة أيام ، ثم توجهت إلى قادس وأقامت أسبوعاً كاملاً ، ثم رست بطنجة ، وفيها لقي سبستيان حليفه المتوكل ، ثم تابعت السفن سيرها إلى أصيلا ، وأقام سبستيان بطنجة يوماً واحداً ، ثم لحق بجيشه . الجيش المغربي : كانت الصرخة في كل أنحاء المغرب : ( أن اقصدوا وادي المخازن للجهاد في سبيل الله ) ، فتجمعت الجموع الشعبية وتشوقت للنصر أو الشهادة ، وكتب عبد الملك من مراكش إلى سبستيان : ( إن سطوتك قد ظهرت في خروجك من أرضك ، وجوازك العدوة ، فإن ثبت إلى أن نقدم عليك ، فأنت نصراني حقيقي شجاع ، وإلا فأنت كلب بن كلب ) . فلما بلغه الكتاب غضب واستشار أصحابه فأشاروا عليه أن يتقدم ، ويملك تطاوين والعرائش والقصر ، ويجمع ما فيها من العدة ويتقوى بما فيها من الذخائر ، ولكن سبستيان تريث رغم إشارة رجاله ، وكتب عبد الملك إلى أخيه أحمد أن يخرج بجند فاس وما حولها ويتهيأ للقتال ، وهكذا سار أهل مراكش وجنوبي المغرب بقيادة عبد الملك وسار أخوه أحمد بأهل فاس وما حولها ، وكان اللقاء قرب محلة القصر الكبير . قوى الطرفين : الجيش البرتغالي : 125000 مقاتل وما يلزمهم من المعدات ، وأقل ما قيل في عددهم ثمانون ألفاً ، وكان منهم 20000 أسباني ،3000 ألماني ، 7000 إيطالي ، مع ألوف الخيل ، وأكثر من أربعين مدفعاً ، بقيادة الملك الشاب سبستيان ، وكان معهم المتوكل بشرذمة تتراوح ما بين 300-6000على الأكثر . الجيش المغربي : بقيادة عبد الملك المعتصم بالله ، المغاربة المسلمون 40000مجاهد ، يملكون تفوقاً في الخيل ، مدافعهم أربعة وثلاثون مدفعاً فقط ، لكن معنوياتهم عالية ؛ لأنهم غلبوا البرتغاليين من قبل وانتزعوا منهم ثغوراً ، وهم يعلمون أن نتيجة المعركة يتوقف عليها مصير بلادهم ، ولأن القوى الشعبية كانت موجودة في المعركة وكان لها أثرها في شحذ الهمم ورفع المعنويات متمثلة في الشيوخ والعلماء . قبيل المعركة : اختار عبد الملك القصر الكبير مقراً لقيادته ، وخصص من يراقب سبستيان وجيشه بدقة ، ثم كتب إلى سبستيان مستدرجاً له : ( إني قد قطعت للمجيء إليك ست عشرة مرحلة ، فهلا قطعت أنت مرحلة واحدة لملاقاتي ) فنصحه المتوكل ورجاله أن لا يترك أصيلا الساحلية ليبقى على اتصال بالمؤن والعتاد والبحر ، ولكنه رفض النصيحة فتحرك قاصدا ًالقصر الكبير حتى وصل جسر وادي المخازن حيث خيم قبالة الجيش المغربي ، وفي جنح الليل أمر عبد الملك أخاه أحمد المنصور في كتيبة من الجيش أن ينسف قنطرة جسر وادي المخازن ، فالوادي لا معبر له سوى هذه القنطرة . وتواجه الجيشان بالمدفعيتين ، وبعدهما الرماة المشاة ، وعلى المجنبتين الفرسان ، ولدى الجيش المسلم قوى شعبية متطوعة بالإضافة لكوكبة احتياطية من الفرسان ستنقض في الوقت المناسب . المعركة : في صباح الاثنين 30 جمادى الآخرة 986هـ الموافق 4 أغسطس 1578م وقف السلطان عبد الملك يحرض الجيش على القتال ، ولم يأل القسس والرهبان جهداً في إثارة حماس جند أوروبا مذكرين أن البابا أحل من الأوزار والخطايا أرواح من يلقون حتفهم في هذه الحروب . وانطلقت عشرات الطلقات النارية من الطرفين كليهما إيذاناً ببدء المعركة ، وبرغم تدهور صحة السلطان عبد الملك الذي رافقه المرض وهو في طريقه من مراكش إلى القصر الكبير خرج بنفسه ليرد الهجوم الأول ، ولكن المرض غالبه فغلبه فعاد إلى محفته، وما هي إلا لحظات حتى لفظ أنفاسه الأخيرة ، ومات وهو واضع سبابته على فمه مشيراً أن يكتموا الأمر حتى يتم النصر ، ولا يضطربوا ، وكذلك كان فلم يطلع على وفاته إلا حاجبه وأخوه أحمد المنصور ، وصار حاجبه يقول للجند : ( السلطان يأمر فلاناً أن يذهب إلى موضع كذا ، وفلاناً أن يلزم الراية ، وفلاناً يتقدم ، وفلاناً يتأخر ) ، وفي رواية : إن المتوكل دس السم لعمه عبد الملك قبل اللقاء ليموت في المعركة فتقنع الفتنة في معسكر المغاربة . ومال أحمد المنصور بمقدمة الجيش على مؤخرة البرتغاليين وأوقدت النار في بارود البرتغاليين ، واتجهت موجة مهاجمة ضد رماتهم أيضاً فلم يقف البرتغاليون لقوة الصدمة ، فتهالك قسم منهم صرعى ، وولى الباقون الأدبار قاصدين قنطرة نهر وادي المخازن ، فإذا هي أثر بعد عين ، نسفها المسلمون ، فارتموا بالنهر ، فغرق من غرق ، وأسر من أسر ، وقتل من قتل . وصرع سبستيان وألوف من حوله بعد أن أبدى صموداً وشجاعة تذكر ، وحاول المتوكل الخائن الفرار شمالاً فوقع غريقاً في نهر وادي المخازن ، ووجدت جثته طافية على الماء ، فسلخ وملئ تبناً وطيف به في أرجاء المغرب حتى تمزق وتفسخ . دامت المعركة أربع ساعات وثلث الساعة ، ولم يكن النصر فيها مصادفة ، بل لمعنويات عالية ، ونفوس شعرت بالمسؤولية ، ولخطة مدروسة مقررة محكمة . وتنجلي المعركة عن نصر خالد في تاريخ الإسلام ، وعن موت ثلاثة ملوك : صليبي مجندل وهو سبستيان ملك أعظم إمبراطورية على الأرض آنذاك ، وخائن غريق مسلوخ وهو محمد المتوكل ، وشهيد بطل وهو عبد الملك المعتصم بالله فاضت روحه ، وسيذكره التاريخ يفخر بإخلاصه وحكمته وشجاعته وفروسيته . أسباب النصر : 1- آلام المسلمين من سقوط غر ناطة وضياع الأندلس ومحاكم التفتيش جراح لم تندمل بعد ، وهي ماثلة أمامهم . 2- الخطة المحكمة المرسومة بدقة ، واستدراج الخصم لميدان تجول فيه الخيول وتصول ، مع قطع طرق تموينه وإمداده ، ثم نسف القنطرة الوحيدة على نهر وادي المخازن . 3- المشاركة الفعالة للقوى الشعبية بقيادة العلماء والشيوخ ، مليئة بالإيمان وحب الشهادة وبروح عالية لتحقيق النصر حتى قاتل البعض بالمناجل والعصي . 4- تفوق المدفعية المغربية على مدفعية الجيش البرتغالي مع مهارة في التصويب والدقة . 5- وكانت خيل المسلمين أكثر من خيل النصارى ويلائمها السهل الذي انتقاه السلطان للمعركة . 6- وكان سبستيان في جانب ومستشاروه وكبار رجالاته في جانب آخر . يتبع |
14
الحرب العالمية الثانية أسباب الحرب تسويات ما بعد الحرب العالمية الأولى التي غيرت رسم خريطة العالم وخاصة أوروبا. إبرام معاهدات عقابية خاصة لألمانيا في معاهدة فرساي سنة 1919. (خسرت ألمانيا بموجب هذه المعاهدة 12.5% من مساحتها و12% من سكانها، وحوالي 15% من إنتاجها الزراعي و10% من صناعتها و74% من إنتاجها من خام الحديد). ونصت معاهدة فرساي على ألا يزيد الجيش الألماني على مائة ألف جندي، ودفع تعويضات كبيرة للحلفاء. ظهور النازية بألمانيا في يناير/ كانون الثاني 1933، والفاشية بإيطاليا في أكتوبر/ تشرين الأول 1922. قيام حلف جديد عرف بدول المحور يضم ألمانيا وإيطاليا ثم انضمت إليه بعد ذلك اليابان. بداية الحرب : كان احتلال هتلر للنمسا في مارس/ آذار 1938 ثم تشيكوسلوفاكيا في العام الموالي وبولندا في سبتمبر/ أيلول 1939 ثم تهديد إيطاليا بغزو ألبانيا، سببا مباشرا في إعلان بريطانيا وفرنسا الحرب على دول المحور. واشتعلت الحرب في أوروبا وكان الجيش الألماني متقدما على جميع الجبهات الأوروبية، فقد احتل أغلب الدول ودخلت قواته باريس. إلا أن مهاجمته للاتحاد السوفياتي في يونيو/ حزيران 1941 جعلته يترك ظهره للبريطانيين. الولايات المتحدة والحرب القضاء على مبدأ مونرو قامت سياسة الولايات المتحدة منذ بداية عشرينيات القرن التاسع عشر على ما عرف حينها بمبدأ مونرو أو مبدأ الحياد، وهو إعلان أطلقه الرئيس الأميركي جيمس مونرو سنة 1823 وقد نص مبدأ مونرو الذي تم طرحه في خطاب أمام الكونغرس الأمريكي على: ضرورة عدم مد الدول الأوروبية نفوذها الإستعماري نحو أميركا. التزام الولايات المتحدة من جانبها بعدم التدخل في المشكلات أو العلاقات الأوروبية. إلا أن هذا المبدأ ما لبث أن تم التخلي عنه بعد قرن من إقراره حيث تبنى الرئيس وودرو ويلسون (1913-1921) الدعوة الى الحرب واستخدام القوة العسكرية، ومع أن أهمية التمسك بمدأ مونرو ظلت تتردد في الأوساط السياسية الاميركية، إلا أن مجيء فرانكلين روزفلت الى الرئاسة (1933 – 1845) قضى على هذا المبدأن ومنذ ذلك التاريخ أصبحت أميركا تنتهج خطأ عسكرياً مؤثراً في الاحداث الدولية وتهدد أمن كل من يقف أمام المصالح الاميركية اعتماداً على الإمكانات الهائلة التي تمتلكها الولايات المتحدة. وكان أبرز عملية عسكرية قامت بها أميركا في الحرب العالمية الثانية هي: الإنزال بالنورماندي في 6 يونيو /حزيران 1944 قامت قوات الحلفاء بقيادة الجنرال الأميركي دوايت أزنهاور الذي سيصبح فيما بعد رئيس الولايات المتحدة بإنزال عسكري في شمال فرنسا على شاطئ النورماندي. ود تم إنزال أكثر من 200 ألف جندي أغلبهم أميركيين والبقية بريطانيون وكنديون وفرنسيون. وقد تم التخطيط للعملية التي تعد أكبر إنزال عسكري في القرن العشرين في بريطانيا وقد تم تحرير المنطقة من الجيش الألماني بعد أن كانت الخاسرئر في الطرفين تقدر بـ 3 آلاف قتيل و6 آلاف ما بين جريح وأسير ومفقود. معركة بيرل هاربور قامت أميركا في عهد فرانكلين روزفلت بفرض حظر بترولي على اليابان ومنع تصدير الحديد إليها تعاطفا مع حلفائها التقليديين البريطانيين والروس، فما كان من اليابان إلا أن هاجمت القطع البحرية الأميركية في ميناء بيرل هاربر بالمحيط الهادي في ديسمبر/ كانون الأول 1941 مغرقة أكثرها. وقبل نهاية 1942 هزم الأميركيون الأسطول الياباني في معركة "ميداوي"، وهُزم القائد الألماني رومل في العلمين بمصر كما هزمت القوات الألمانية في ستالنغراد بالاتحاد السوفياتي، فبدأت هزيمة دول المحور تلوح في الأفق ودخل الحلفاء ألمانيا في ديسمبر/ كانون الأول 1944. كما أعدم الثوار الإيطاليون "موسوليني" وعلقوه من قدميه في أحد أعمدة الإنارة بميلانو. وانتحر هتلر يوم 30 أبريل/ نيسان 1945 فاستسلمت ألمانيا. القنبلة الذرية ونهاية الحرب كانت اليابان آخر دول المحور انهزاما، فلم توقف الحرب إلا بعد قصف مدينتيها هيروشيما وناغازاكي بأولى قنبلتين ذريتين في التاريخ، وإثر ذلك وقعت اليابان وثيقة الاستسلام بدون قيد أو شرط يوم 2 سبتمبر/ أيلول 1945، وبعدها بثلاثة أيام ارتفع العلم الأميركي فوق طوكيو. خسائر الحرب العالمية الثانية انتهت الحرب العالمية الثانية بعد ست سنوات من القتال الشرس، خسرت فيها البشرية حوالي 17 مليونا من العسكريين وأضعاف هذا العدد من المدنيين. ومن أبرز نتائج تلك الحرب وخسائرها إسقاط قنبلتين ذريتين على اليابان، فالأولى كانت قنبلة يورانيوم تزن أكثر من 4.5 أطنان وتم إسقاطها في الساعة 8:15، وقد أخطأت الهدف قليلا وسقطت على بعد 800 قدم منه. وبعد ذلك بدقيقة واحدة قتل 66 ألف شخص وجرح 69 ألفا بسبب التفجير المتكون من 10 آلاف طن. أما الثانية فكانت قنبلة بلوتونيوم وتم إسقاطها في وسط ناغازاكي، وفي لحظة واحدة انخفض عدد سكان المدينة من 422 ألفا إلى 383 ألفا لأن 39 ألفا قتلوا و25 ألفا جرحوا. نتائج الحرب السياسية كانت الولايات المتحدة وراء تشكيل كل من عصبة الأمم، ومن بعدها الأمم المتحدة. فالعصبة أنشئت برأي من الرئيس الأميركي الثاني والعشرين توماس ويلسون، بينما كانت الثانية بمبادرة من الرئيس الثالث والثلاثين للولايات المتحدة هاري ترومان، وقد حاولت الولايات المتحدة، من خلال الأمم المتحدة، مواجهة القوى الأوروبية الصاعدة التي يمتد نفوذها وراء البحار (بريطانيا وفرنسا تحديداً) والاتحاد السوفيتي الذي أخذ نفوذه يتسع. ومن خلال المنظمة الدولية ستملك أميركا -وفق هذا المنظور- آلية للمنافسة مع هذين العملاقين اللذين يجب احتواءهما داخل إطار المجتمع الدولي. ولتقليص نفوذ الدور الأوروبي، شجعت الولايات المتحدة تنفيذ حق تقرير المصير للمستعمرات ليس لأنها ضد الاستعمار. كما كان مشروع مارشال الذي وضعته الولايات المتحدة لإعادة بناء أوروبا المدمرة، مسهما في إبقاء هذه الدول مدينة للولايات المتحدة، إضافة إلى أن هذا المشروع البرنامجي أسهم في إشراك النفوذ الأميركي في صياغة النظم السياسية والتأثيرات الحربية المباشرة في أوروبا. يتبع |
15
الحروب الروسية التركية الحروب الروسية التركية نزاعٌ بين روسيا القيصرية والدولة العثمانية (تركيا الآن) استمر نحو ثلاثة قرون دون انقطاع تقريبًا منذ القرن السابع عشر الميلادي. أعلنت روسيا الحرب على تركيا المتداعية آنذاك في سبيل توسعها الكبير وتحقيق الهدف الأول لبطرس الأول الكبير وهو الوصول إلى البحر الأسود. كان الأتراك قد آزروا تتار القرم، الأعداء القدامى للروس. وظلت روسيا حتى أواخر القرن السابع عشر الميلادي تتجنب الدخول في حرب مباشرة مع الأتراك لأن الدولة العثمانية كانت هي الأقوى. لكن الضعف بدأ يدبّ في أوصال دولة العثمانيين، واشتدت قوة الروس وشرعوا في التوسع نحو البحر الأسود والبلقان، وكان الأتراك يسيطرون على هاتين المنطقتين. وتركَّزت محاولات الدولة العثمانية في المقام الأول على الدفاع عن نفسها. شن بطرس الأكبر ـ ومن بعده كاثرين ملكة روسيا ـ حروبًا عنيفة على الأتراك، حيث أجبرهم بطرس الأكبر على التراجع عن معظم المنطقة التي تعرف الآن بأوكرانيا، بينما غزت جيوش كاثرين القرم وأكملت غزو الأراضي الجنوبية لإقامة المستعمرات الروسية، وأرغمت الأتراك أيضًا على السماح للسفن التجارية الروسية بالإبحار في البحر الأسود، وانتزعت امتيازات معينة للنصارى الأرثوذوكس الذين يعيشون في الدولة العثمانية. واستغلت روسيا هذا فيما بعد في الادعاء بأنها الحامية الرسمية لهؤلاء النصارى، مما أدى إلى وقوع الكثير من المتاعب، من بينها اندلاع حرب القرم في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي. وتحالفت روسيا والنمسا ضد العثمانيين في جميع الحروب الثلاث التي وقعت خلال القرن الثامن عشر الميلادي (1736-1739، 1768- 1774، 1787- 1792). وتحالفت روسيا والدولة العثمانية، لفترة قصيرة، في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، ولكن هذا التحالف لم يستمر طويلاً. وفي القرن التاسع عشر الميلادي، نشبت بينهما أربع حروب (1806-1812م و 1828-829م و 1853- 1856م و 1877- 1878م)، وفي نهاية الحرب الأولى، غنمت روسيا منطقة بيساربيا، واكتسبت موقعًا خاصًا في البلقان، وخرجت من الحرب الثانية مسيطرة على الساحل الشرقي للبحر الأسود. أما الحرب الثالثة، وهي المعروفة بحرب القرم، فقد انتصر فيها الأتراك، وخسرت روسيا هيمنتها على البلقان ومنطقة البحر الأسود، ثم استعادت بعض ماخسرته في الحرب الرابعة حينما وقَّع البلدان معاهدة سان ستيفانو. وأدى تحالف تركيا مع ألمانيا عام 1914م مباشرة، إلى حرب روسية تركية جديدة، كانت جزءًا من الحرب العالمية الأولى، وكانت روسيا تأمل في الاستيلاء على القسطنطينية ومضيق الدردنيل. وفي الحرب العالمية الثانية؛ انضمت روسيا وتركيا إلى الحلفاء. |
16
حرب البوير والإنجليز حرب البوير والإنجليز حربان وقعتا في جنوب إفريقيا، بين البريطانيين والبوير (شعب ينحدر بصفة أساسية من الهولنديين). نشبت الحرب الأولى بين البوير والإنجليز ما بين عامي 1880م و1881م. بينما وقعت الحرب الثانية بين عامي 1899 و1902م وتعرف هاتان الحربان في المملكة المتحدة بحرب البوير. الحرب الأولى بين البوير والإنجليز أسباب الحرب. اندلعت الحرب الأولى بين البوير والإنجليز عندما حاولت الحكومة البريطانية توحيد مستعمراتها في جنوب إفريقيا وهي: الكاب، وناتال مع جمهوريات البوير، وهي: الترانسفال وولاية أورانج الحرة، بغرض تشكيل اتحاد فيدرالي. عندما صار اللورد كارنافون سكرتيرًا للمستعمرات عام 1874م، بدأ في التفاوض من أجل تحقيق هذه الغاية. انهارت المفاوضات عام 1877م. فأرسل اللورد كارنافون، السير ثيوفيلس شيستون لضم الترانسفال. سافر مندوبان من البوير إلى لندن للاحتجاج على الضم، ولكنهما لم يحرزا شيئًا. نتيجة لذلك، قرر البوير إجبار القوات البريطانية على الخروج بالقوة. وفي 1880م انتخب البوير كلا من باول كروجر وبييه جوبير وبريتوريوس قادة لهم لتحقيق هذه الغاية. الحرب. حدث أول اشتباك في بوتشيفستروم في 16 ديسمبر 1880م، عندما اجتاح البوير حامية بريطانية. وبعد أربعة أيام، هزموا رتلاً بريطانيًا بقيادة الكولونيل فيليب أنستروتر عند برونهور ستسبرويت خارج بريتوريا. وفي 27 فبراير 1881م هُزمت القوات البريطانية هزيمة نكراء في معركة ماجوبار. واعترف البريطانيون بالهزيمة، ومنحوا الترانسفال الاستقلال. الحرب الثانية بين البوير والإنجليز خريطة للحرب الثانية بين البوير والإنجليز بدأت الحرب الثانية بين البوير والإنجليز بحصار وغارات الفدائيين، ولكنها انتهت كحرب استنزاف. أسباب الحرب. نشبت حرب البوير والإنجليز الثانية نتيجة لتجدد الجهود البريطانية لاستعادة السيطرة على الترانسفال التي كان قد أعيد تسميتها جمهورية جنوب إفريقيا. في عام 1886م اكتشف المنقبون الذهب في ويتواترزراند. وأخذت الثروة المتنامية في الترانسفال تهدد بقلب ميزان القوى في جنوب إفريقيا لغير صالح المستعمرات البريطانية، وكان البريطانيون ـ لأسباب اقتصادية ـ حريصين على السيطرة على القارة الإفريقية، وبدا أن السيطرة على جمهورية إفريقيا مفتاح ذلك. نشأ التوتر في داخل الجمهورية بين حكومة البوير المحافظة برئاسة باول كروجر واليوتلاندرز (المهاجرون الذين يعملون في حقول الذهب). كان العديد من الرأسماليين الذين يعملون وسط اليوتلاندرز يعتقدون أن حكومة كروجر غير قادرة على مواجهة متطلبات التعدين على مستويات عميقة. وتشمل هذه المتطلبات: توفير الخدمات الضرورية، وإمداد العمال وإدارتهم. وكان اليوتلاندرز أيضًا غير راضين عن حق الاقتراع. وكانوا في الواقع قد وعدوا بحق الاقتراع بعد قضاء خمس سنوات في الجمهورية. وفي عام 1890م تم تمديد هذه المدة إلى 14عامًا. وقد أجري هذا التعديل للحيلولة دون حصول اليوتلاندرز على نفوذ سياسي، ومن ثم تغيير السياسات المحافظة لحكومة جنوب إفريقيا الهولندية، التي كانت تؤيد بصفة تقليدية الاهتمامات الزراعية. في عام 1895م حاول رئيس الوزراء، سيسل جون رودس، استغلال مظالم اليوتلاندرز من أجل ضم الجمهورية. وخططت مجموعة من اليوتلاندرز في ويتواترزراند عرفت باسم لجنة الإصلاح للقيام بانتفاضة في جوهانسبرج كان من المقرر أن تقوم مجموعة مسلحة من شرطة شركة رودس البريطانية بجنوب إفريقيا بدعم الثورة، وأن يقود هذه القوة ليندر ستار جيمسون من بتسوانالاند المجاورة. وقد تم هذا التخطيط بكامل علم وإذن سكرتير المستعمرات البريطانية جوزيف تشمبرلين، إلا أن انتفاضة اليوتلاندرز هذه لم تتم، إذ إن جيمسون الذي غزا الجمهورية على الرغم من هذه النكسة، هُزم وقبض عليه البوير. فأنهى ذلك حياة رودس السياسية، وغُض الطرف عن دور تشمبرلين في تلك المسألة. أدت غارة جيمسون إلى زيادة التوتر بين البريطانيين والجمهورية. وأعاد كروجر تسليح مواطنيه ببنادق ألمانية الصنع، وأنشأ مدفعية صغيرة. وفي عام 1897م وقع تحالفًا عسكريًا دفاعيًا مع جمهورية البوير المجاورة لدولة أورانج الحرة. عززت غارة جيمسون أيضًا موقف القوى المحافظة في الأوساط السياسية في الجمهورية. نتيجة لذلك حقق كروجر نصرًا في الانتخابات الرئاسية في عام 1898م. منذ ذلك الحين لم يعد كروجر، يثق في الحكومة البريطانية، وبصفة خاصة في جوزيف تشمبرلين، وأصبح من الصعب على كلا الطرفين حل خلافاتهما بالتفاوض. حفز فشل غارة جيمسون البريطانيين على تجديد محاولاتهم للسيطرة على الجمهورية. وفي مايو 1897م بعث تشمبرلين باللورد ألفريد ميلنر إلى جنوب إفريقيا مفوضًا ساميًا. كان مفتاح التدخل البريطاني في الجمهورية هو ما يسمى بمسألة اليوتلاندرز، التي عزم كل من تشمبرلين وميلنر على استغلالها إلى أقصى حد. أمل الاثنان على إحداث تغيير في الحكومة الجمهورية، حكومة تكون في صالح البريطانيين، وتقبل نوعًا من الاتحاد الفيدرالي مع جنوب إفريقيا ـ كان يساعدها على ذلك مجموعة من مواطني جنوب إفريقيا موالية للبريطانيين تسمي نفسها عصبة جنوب إفريقيا. نظر تشمبرلين إلى التدخل في الجمهورية على أنه زيادة في الضغط على حكومتهم، ولكن ميلنر كان يفضل إجراءات أقوى. واعتمادًا على المعلومات والمطالب التي رفعتها عصبة جنوب إفريقيا، استخدم ميلنر مسألة اليوتلاندرز لإقناع تشمبرلين والرأي العام البريطاني أن اليوتلاندرز هم رعايا بريطانيون مضطهدون. وعرض صورة لهم، وهم يعانون من حكومة رجعية قمعية لا تعترف لهم بأي حقوق. ودعمت مقاومة كروجر للتدخل البريطاني ورفضه وتغيير قانون حق الاقتراع وجهة النظر هذه. عندما ازدادت العلاقات سوءًا بين بريطانيا والجمهورية رتّب كل من اشتاين رئيس دولة أورانج الحرة، ووليم شراينر الذي كان رئيسًا لوزراء الكاب، مؤتمرًا بين ميلنر وكروجر، في بلومفونتين في مايو 1899م. عرض كروجر تخفيض مدة حق الاقتراع بالنسبة لليوتلاندرز إلى سبعة أعوام، ولكنه طالب مقابل ذلك بتنازلات من جانب البريطانيين. لم يكن ميلنر مستعدًا للمساومة، وأصر على منح غير مشروط لحق الاقتراع بعد خمسة أعوام. جعل انهيار هذه المفاوضات؛ أمر قيام هذه الحرب أكثر احتمالاً. نتيجة لذلك طالب ميلنر بإرسال عشرة آلاف جندي إلى جنوب إفريقيا من بريطانيا. فأتت الجمهورية في اللحظات الأخيرة بمحاولات للتفاوض، إلا أنها فشلت. لم يكن ميلنر في الواقع راغبًا في المساومة، وكان يعتقد أن بإمكانه تحقيق الأفضل بالاحتلال. في التاسع من أكتوبر 1899م بعثت الجمهورية بإنذار إلى بريطانيا. ودعت إلى انسحاب القوات البريطانية وتسوية جميع الخلافات بالتحكيم. رفضت بريطانيا الإنذار، وأعلنت الحرب بعد يومين من ذلك. الحرب الثانية بين البوير والإنجليز شهدت قتالاً شرسًا في معركة ماجرزفونتين في ديسمبر 1899م. الحرب. بدأت الحرب كصراع تقليدي. وبحلول أكتوبر 1899م كان البوير قد حشدوا نحو 35 ألف مدني، وهاجموا الحاميات البريطانية الصغيرة في مستعمرتي الكاب وناتال. حدث التقدم الرئيسي للبوير بقيادة قائد الجمهورية الجنرال بييه جوبير، على طول خط السكك الحديدية صوب ناتال، وجرت بعض المناوشات الأولية بالقرب من دنُدي. تقهقرت القوات البريطانية بقيادة الجنرال هوايت نحو ليدي سميث في 30 أكتوبر، حيث تم حصارها هناك. إلى الغرب، كانت قوات البوير تحت قيادة الجنرال بييه كرونجي قد فرضت حصارًا على مدينة السكك الحديدية مافكينج (تسمى الآن مافيكنج) وحاصر الجنرال كوس دولاري مدينة كيمبرلي التعدينية، وعبرت فرق البوير العسكرية نهر الأورانج، واحتلت العديد من المدن مثل: أليوال نورث ودوردريخت. كسب البوير عمليات الحصار، إلا أن تقدمهم كان أبطأ، مما أتاح بعض الوقت للبريطانيين لطلب تعزيزات. في 31 أكتوبر وصل الجنرال ردفرز بولر إلى كيب تاون كقائد أعلى للقوات المسلحة البريطانية، فكر في محاولة وقف تقدم البوير في ناتال. وأرسل الجنرال اللورد ميثووين لإنقاذ كيمبرلي، وتوجّه اللواء السير وليم جات إلر مع الجنرال جون فرينش للدفاع عن الحدود الشمالية الشرقية للكاب. وفي 11 ديسمبر صد دولاري هجوم ميثووين على أعقابه في معركة ماجرز فونتين. وبعد يومين أصبحت محاولة بولر لإنقاذ ليدي سميث كارثة عندما لقي هزيمة كبرى في كولنسو. وتعرض لخسائر فادحة في سبيوونكوب وفالكرانس في يناير وفبراير عام 1900م. وفي 20 ديسمبر، هُزم جات إيكر هزيمة نكراء عندما كان يحاول طرد البوير من تقاطع شتورمبيرج. نتيجة لهذه الهزائم خسر بولر موقعه كقائد أعلى، ثم شغل المنصب المشير اللورد روبرتس الذي وصل في يناير 1900م مع اللورد كتشنر كرئيس لهيئة الأركان. ووصلت معهما آلاف التعزيزات من الرجال. أعد روبرتس العدة لغزو دولة أورانج الحرة واضعًا في تقديره نجدة كيمبرلي ومافيكنج في أثناء ذلك. سارت هذه الاستراتيجية كما ينبغي؛ ففي 15 فبراير قام الجنرال فرينش بنجدة كيمبرلي. وانقطع كرونجي في ماجرز فونتين فتقهقر إلى داخل دولة الأورانج الحرة، وتم حصاره في باردبيرج. وفي 27 فبراير استسلم لروبرتس الذي دخل بلومفونتين عاصمة دولة أورانج الحرة في 13 مارس. في 28 فبراير حُررت ليدي سميث، بعد أن استخدم بولر المدفعية لفك الحصار. وفي 17 مارس اجتمع قادة البوير المندحرون في كرونشتاد لوضع استراتيجيتهم المستقبلية. كان العديد من أتباعهم قد استسلم أصلاً لروبرتس، ولكن على الرغم من ذلك قرر القادة الاستمرار في الحرب، واقترحوا الابتعاد عن أسلوب تحركات القوات بأعداد كبيرة، وتفادي المعارك الرسمية كلما أمكن ذلك. وبدلاً من ذلك خططوا لاستخدام الفرق العسكرية، (الكوماندوز) كوحدات عصابات صغيرة لإزعاج القوات البريطانية بغارات متكررة، وتعطيل خطوط الاتصالات والإمدادات. تقدم روبرتس نحو بريتوريا، ودخلها في الخامس من يونيو. هربت الحكومة باتجاه خط السكك الحديدية إلى موزمبيق، وقام جيش البوير بقيادة قائده الجديد الجنرال لويس بوتا في أغسطس 1900م بمحاولة أخيرة للصمود في بيرج إندال بالقرب من بلفاست في أغسطس 1900م، وذلك قبل أن يتشتت شمله. أبحر الرئيس كروجر إلى هولندا في محاولة لكسب التأييد الأوروبي لقضية البوير. وجد البريطانيون فكرة حرب العصابات أصعب من أن يُتغلب عليها؛ إذ كان البوير على معرفة تامة بطبيعة المنطقة، ولديهم قدرة فائقة على الحركة بل أنهم شنوا غارات على مستعمرة الكاب في عدة مناسبات، على أمل تحريك الثورة الأفريكانية (الهولندية في جنوب إفريقيا) في تلك المستعمرة. قامت إحدى وحدات الفرق العسكرية (الكوماندوز) بقيادة جان سمتس بعمليات في قلب مستعمرة الكاب حتى بعد نهاية الحرب. لمواجهة مقاتلي العصابات بدأ اللورد روبرتس في حرق مزارعهم، ثم أقام مخيمات خاصة سميت بمعسكرات الاعتقال، بغرض إيواء اللاجئين الموالين للبريطانيين والعدد المتزايد من نساء وأطفال البوير، الذين تُركوا بدون مأوى نتيجة لحرق مزارعهم. بنهاية الحرب كان هناك أكثر من 40 مخيمًا من هذا النوع تؤوي نحو 116 ألف من البيض و60 مخيمًا آخر، تؤي نحو 115 ألف من السود. لذلك عانى الناس فيها من سوء التغذية والصحة والإهمال الإداري، نتيجة لذلك انتشرت الأمراض بسرعة عبر المخيمات، وتوفي أكثر من 27,900 من البوير، و 14 ألف من السود، وهذا أعلى معدل للوفيات خلال فترة الحرب. في نوفمبر 1900م، تولى كتشنر القيادة العليا من روبرتس، وكثف مقاومته للعصابات، فأمر بتدمير محاصيل البوير وماشيتهم بالإضافة إلى حرق مزارعهم. وشيّد أيضًا سلسلة من المعاقل متصلة بأسلاك شائكة ومرتبطة بالهاتف. أدت هذه المعاقل إلى تقييد حرية حركة البوير. واستطاع البريطانيون حينئذ اجتياح المناطق الريفية دافعين فرق البوير العسكرية (الكوماندوز) نحو سلسلة المعاقل. إلا أن بعض قادة العصابات مثل: بوتا ودولاري وكريستيان دي فيت حققوا انتصارات صغيرة على القوات البريطانية في عام 1902م. بيد أن خطط كتشنر أدت ـ تدريجيًا ـ إلى إنهاك البوير، وبدأت إمدادات الطعام والخيل في النفاد، كما بدأت أسرهم تعاني من حرمان شديد. وانقسم البوير على أنفسهم انقسامًا حادًا، ما بين الذين تخلوا عن المقاومة وأولئك الذين استمروا في القتال. السلام. بدأت محادثات السلام بصفة رسمية في أبريل 1902م. وفي 31 مايو من العام نفسه أقر اجتماع لممثلي البوير في فيرينيغينغ على شروط معاهدة السلام التي أقرها البريطانيون مساء اليوم نفسه في بريتوريا. وبموجب بنود اتفاقية فيرينيغينغ استسلم البوير دون شروط، وقبلوا بالحكم البريطاني. ومع ذلك وعد البريطانيون بمنحهم الحكم الذاتي في وقت ما مستقبلاً. وما إن يتحصل البوير على الحكم الذاتي، عليهم أن يقرروا بأنفسهم بخصوص حق الاقتراع للسود. ووافق البريطانيون على منح مبلغ ثلاثة ملايين جنيه إسترليني للمساعدة في إعادة البناء. كانت الحرب الثانية بين البوير والإنجليز حربًا مكلفة. وبالإضافة إلى المعدل العالي للوفيات في معسكرات الاعتقال، فقد لقي أكثر من 21,900 جندي بريطاني حتفهم، وغالبًا بسبب الأمراض. شملت الخسائر البريطانية 518 جنديًا أستراليًا. وكانت أستراليا قد أرسلت 16,175 جنديًا لمحاربة البوير. وفقد البوير نحو سبعة آلاف رجل، ولم يُسجل عدد الأفارقة الذين قتلوا في الحرب. |
17
الحرب الإنجليزية الزولوية الحرب الإنجليزية ـ الزولوية وقعت في جنوب إفريقيا عام 1879م. ويتفق معظم المؤرخين على أن البريطانين أشعلوا الحرب ليكسروا شوكة استقلال شعب الزولو أراد وزير المستعمرات البريطاني، اللورد كارنارفون، أن يسحق قوة الزولو، حتى يتمكن البريطانيون من توحيد دويلات جنوب إفريقيا المنفصلة في اتحاد قوي. كانت حربًا قصيرة ثانوية، إلا أنها كانت ذات آثار كبيرة على كل من جنوب إفريقيا وعبر الإمبراطورية البريطانية، لأن البريطانيين خسروا عدة معارك. تم تمحيص هذه الضربات التي تلقتها العسكرية البريطانية باهتمام متأن في أوروبا؛ حيث كانت بعض الدول تتطلع إلى تحدي قوة الإمبراطورية البريطانية. في السبعينيات من القرن التاسع عشر الميلادي أصبح سيتشوايو ملكًا على الزولو. وقد حاول أن يحافظ على علاقة سلمية مع جيرانه، إلا أنه كان عازمًا على حفظ احترام شعبه وكرامته. وكان يملك جيشًا قويًا قادرًا على حماية مملكته. بعد أن احتل البريطانيون إقليم الترانسفال عام 1877م، أصبحوا قلقين من وجود مملكة مستقلة للزولو على حدودها. اعترض سيتشوايو على حدود الترانسفال الجديدة، ودعمت لجنة لحدود المستعمرات ادعاءاته. إلا أن الحاكم العام البريطاني، السير بارتل فرير، كان عازمًا على تدمير سلطان الزولو. في عام 1878م، بعد الشكاوي حول عادات وممارسات الزولو، أرسل فرير إنذارًا إلى سيتشوايو مطالبًا فيه بأن يوافق ملك الزولو على شروط تعني عمليًا تخلي الزولو عن استقلالهم. حاول سيتشوايو أن يلبي معظم المطالب قبل انقضاء الإنذار، لكن قبل انتهاء الإنذار تقدمت القوات البريطانية إلى حدود الزولو. فقد كانوا يعتزمون شن هجوم ثلاثي الاتجاهات على أولندي، عاصمة الزولو. وفي مستعمرة ناتال البريطانية، حاول مناصرو سيتشوايو، بلا طائل، إيقاف الاشتباك الوشيك كما حذر الخبراء العسكريون من أن الغزو سيئ التوقيت بسبب الأمطار الصيفية. لكن في يناير من عام 1879م عبرت القوات البريطانية إلى زولو لاند، وتم إيقاف الطابور الشرقي عند إيشووي، وتعرض الطابور الأوسط لخسائر فادحة عند إيساندوانا، كما عجز الطابور الغربي عن التقدم عند كامبولا. لكن الصمود الباسل لقوة بريطانية صغيرة في مركز حدود روركس دريفت في مواجهة 4,000 من الزولو، ساعد جزئيًا على حفظ السمعة العسكرية البريطانية. وقد منحت الملكة فكتوريا 11ميدالية بسالة لهذا العمل. تراجعت القوات البريطانية المدحورة إلى ناتال لإعادة التجمع، واستدعاء تعزيزات. وقام المستوطنون المصابون بالهلع في ناتال والترانسفال ببناء دفاعاتهم. عبّرت الحكومة البريطانية عن استيائها لغزو أرض الزولو وفقدان الرجال والمعدات، إلا أن قائد القوات البريطانية، اللورد تشلمسفورد، كان عازمًا على استعادة سمعته. فشن هجومًا ثانيًا عام 1879م. كان سيتشو ايو، يأمل في التفاوض للتوصل لاتفاقية سلام مع البريطانيين، خاصة وأن الزولو لم يتمكنوا من حصاد محاصيلهم. لكن في يونيو 1879م اندحر جيش الزولو في معركة أولندي، وفرّ سيتشوايو. أُسر سيتشوايو فيما بعد، وخلع، ثم نفي من بلده. وجردت التسوية العائلة المالكة من مواشيهم وأرضهم وثروتهم، وقسمت أرض الزولو نفسها إلى 13 مشيخة. في عام 1883م انهارت التسوية واستحوذ سيتشوايو على سلطان محدود مرة أخرى. إلا أنه توفي في العام التالي، وقادت الحرب الأهلية بسرعة إلى دمار مملكة الزولو. وفي عام 1887م، وضعت بريطانيا المنطقة تحت الحماية، ثم ضمتها بعد عشر سنوات إلى ناتال. |
18
الحرب الإيطالية الإثيوبية الحرب الإيطالية الإثيوبية جرت بين إيطاليا والإمبراطورية الإثيوبية (الحبشة سابقًا) من عام 1935 إلى عام 1936م. وقد بدأ بنيتو موسوليني الحرب؛ لأنه كان يريد أن يحوّل اهتمام الإيطاليين بعيدًا عن مشاكل الوطن، كذلك كان يأمل في كسب مصدر للمواد الخام اللازمة للصناعة الإيطالية. بدأ غزو إثيوبيا في أكتوبر عام 1935م، وما لبث الإيطاليون أن استولوا على كثير من المدن الإثيوبية وقد حوّلت القنابل الإيطالية المدن الواهية البناء إلى خرائب. وأحس الإمبراطور هيلاسيلاسي الأول أنه من المستحيل مواصلة الحرب ضد عدو مجهّز بمثل هذه الأسلحة الحديثة، ففرّ من البلاد، وفي 5 مايو عام 1936م استولى المارشال بيترو بادليو على أديس أبابا عاصمة إثيوبيا، وأعلن موسوليني إثيوبيا أرضًا إيطالية. ولم يعد هيلاسيلاسي الأول إلى عرشه حتى عام 1941م. وكانت إيطاليا قد تصرفت بما يخالف مبادئ عصبة الأمم وحاولت العصبة إيقاف الحرب بمقاطعة كثير من التجارة الإيطالية؛ إلا أن جهود العصبة كانت غير مجدية. |
19
حروب الهنود الحمر حروب الهنود الحمر نزاعات عنيفة حدثت بسبب الصراع بين الهنود (الذين عرفوا باسم الهنود الحمر) والمستوطنين البيض على الأراضي الغنية الجديدة التي أصبحت فيما بعد الولايات المتحدة الأمريكية. أسس المستوطنون الإنجليز مستعمراتهم الصغيرة على امتداد الساحل الأطلسي في مستهل القرن السابع عشر الميلادي. ونشأ الصراع عندما بدأوا ينتقلون نحو الأراضي الهندية بأعداد كانت تتزايد باستمرار، وقد أدى هذا النزاع إلى مقتل الكثيرين من الجانبين. كان السبب الرئيسي للمعارك بين البيض والهنود الاختلاف في أسلوب المعيشة للمجموعتين؛ إذ كان الهنود يزرعون الذرة والخضراوات، ويعتمدون على صيد الحيوانات لتأمين الجانب الأكبر من طعامهم ولباسهم. أما المستوطنون فقد كانوا يعيشون على الزراعة، وقد قاموا في الشرق بقطع الغابات لتوفير الأراضي الزراعية. وبعد أن دمروا الغابات وما تحتها لم يعد في وسع الحيوانات البحرية أن تعيش في المنطقة. وقتل الصيادون البيض في الغرب ألوف الجواميس البرية لمجرد الحصول على جلودها، فكان على الهنود أن يختاروا بين الهجرة إلى أراضٍ جديدة تحتلها قبائل هندية أخرى معادية أو أن يحاربوا من أجل المحافظة على أراضيهم. وقد أدركوا أن البيض يهددون حياتهم وأمنهم عندما وجدوهم يتنافسون للحصول على الأراضي. وكان اللوم يقع على الطرفين؛ إذ أنكر البيض حقوق الهنود وكانوا يرون أنهم قوم متوحشون. وبالمقابل، فإن الهنود لم يكونوا يتفهمون طريقة المستعمرين في تنظيم بعض الأمور؛ فمثلاً، عندما كان الهنود يوقعون على صك لبيع أراضيهم فإنهم كانوا يعتقدون بأنهم يؤجرون تلك الأراضي ولا يبيعونها، لذلك كانوا يعودون إليها لأجل الصيد ولايعترفون ببيعها لمجرد أن زعيمهم وضع بعض الخطوط على قطعة من الورق. كان الهنود أناسًا محاربين انشغلوا بالحروب فيما بينهم قرونًا طويلة، وكانوا يُقدِّرون الرجل المحارب ويحترمونه. فلما جاء البيض دخلوا معهم في حالة حرب لأجل البقاء. وفد الأوروبيون بأعداد غفيرة، ومعهم عائلاتهم، وسرعان ما فاقوا الهنود عددًا، واغتصبوا أراضيهم، ودفعوهم غربًا. فلما جاء الأوروبيون إلى ما يعرف الآن بالولايات المتحدة كان بها نحو مليون هندي، ولكن الأمراض، والخمور القوية وما يقارب 300 عام من الحروب المستمرة قلّصت ذلك العدد إلى نحو 237,000 في عام 1900م. وتقول عالمة الإنسانيات مرجريت هدجن إن أول كتاب إنجليزي عن الهنود نشر في عام 1511 'وصفهم بالوحوش التي لا تعقل ولا تفكر وتأكل بعضها، بل إنهم كانوا يأكلون أبناءهم وزوجاتهم'. وكان عامة الانجليز يؤمنون بوجود كائنات نصفها بشر ونصفها وحش. وكالعادة فقد سكنت هذه الكائنات معظم الأعمال الفلسفية الانجليزية والاوروبية في تلك الفترة وشاعت في الأعمال الأدبية. وكان اليسوعي جوزيف فرانسوا لافيتو في كتابه عن عادات الهنود الامريكيين قد تحدث عن وجود 'كائن هندي بدون رأس، لكن له وجها في صدره'. وقد أطلق عليه اسما أسطوريا Acephal. لهذا لم يكن مستغربا إيمان عامة الانجليز في تلك الفترة بأن لكثير من هنود أمريكا أظلافا وأشكالا شيطانية. وهي أشكال نعثر عليها في كتابات معظم أنبياء الاستعمار الأوائل الذين اختلط عليهم شكل الكنعاني التاريخي الملعون بشكل الوحش الهندي المنحط في صورة أوفيدية ليس لها وجود إلا في مخيلاتهم. وكان أوليفر هولمز وهو من أشهر أطباء عصره قد لاحظ في عام 1855 أن إبادة الهنود هو الحل الضروري للحيلولة دون تلوث العرق الأبيض، وأن اصطيادهم اصطياد الوحوش في الغابات مهمة أخلاقية لازمة لكي يبقي الانسان فعلا علي صورة الله. هكذا بدأت دعوات الإبادة الشاملة تعلو عندما لم يكن في كل الشمال الأمريكي سوي ألفي إنجليزي. * * * ثم ازدادت هذه الدعوة حدة وجنونا حين تأكد الإنجليز أن الهنود قد يرحبون بهم ضيوفا ويكرمونهم بما يكفيهم من الأرض والرزق. ويعيشون معهم بسلام لكنهم لن يتنازلوا طوعا عن أراضيهم، ولن يتقبلوا فكرة السخرة والاستعباد. وكانت كل بادرة لمقاومة هذا الجشع والتعصب المقدس برهانا إضافيا علي صدق أسطورة أمريكا وعلي صدق الدعوي بأن الهنود متوحشون عدوانيون لا تنفع معهم إلا الإبادة. إن التسامح مع الشر ليس إلا تشجيعا للشرير، وليس هناك خطيئة أعظم من هذا. ومع تقدم الزمن صارت شيطانية الهندي الأحمر بديهية لا تحتاج إلي دليل مثلما أن انجليزية الله وتفوق شعبه من البديهيات التي لا تحتاج إلي دليل. لقد سكنت شيطانية الهنود أحلام الملائكة حتي إن المرأة ميرسي شورت التي زعمت أن الشيطان تلبسها وصفته علي شكل هندي له أظلاف شيطانية. إن هذا الشيطان الهندي هو الكابوس الذي يقض مضجع الزنابير. قبل مذبحة 'ووندد ني' الشهيرة بأيام كتب فرانك باوم في صحيفة The Aberdeem Saturdy pionee ولم تكن عبقريته القصصية قد تفتحت بعد، يدعو إلي الإبادة الشاملة لمن تبقي من الهنود. 'إن أصحاب البشرة الحمراء قد أبيدوا، ولم يبق منهم إلا مجموعة صغيرة من الكلاب الهجينة التي تعض اليد التي تطعمها ولا تتوقف عن النباح. أما البيض فإنهم بحكم الغلبة وبقضاء الحضارة أسياد القارة الأمريكية، وإن أفضل أمن لمستوطنات الثغور يجب أن يتحقق بالإبادة الكاملة لهذه البقية الباقية من الهنود.. إن موت هؤلاء الأشقياء خير لهم من الحياة'. * * * وكانت هذه البارانويا العنصرية هي التعبير الصادق عن مزاج الزنابير في نهاية القرن التاسع عشر. فبعد أيام قليلة ارتكبوا مذبحة 'ووندد ني' التي قتل فيها المئات من رجال لاكوتا ونسائهم وأطفالهم بالقصف العنيف. أما الناجون فقد تعقبوهم وقتلوهم واحدا فواحدا لا لشيء سوي أن بشرتهم حمراء ودمهم هندي وأرضهم كنعانية طيبة. وكتب شاهد عيان، وهو طبيب أديب نصف هندي يدعي شارل ايستمن : 'علي بعد ثلاثة أميال من مكان المذبحة وجدنا جثة امرأة مدفونة تحت الثلج. * * * وانطلاقا من تلك النقطة تناثرت الجثث علي طول الطريق وكأنها طوردت واصطيدت وذبحت بعزم وتصميم فيما كانت تحاول أن تنجو بأرواحها. بعض من معنا اكتشف بعض أهله أو أصدقائه بين القتلي، وكان هناك ندب ونواح يملأ الأرض. وحين وصلنا إلي حيث كان المخيم الهندي وجدنا بين بقايا الخيام والأمتعة المحترقة جثثا متجمدة تتلاصق هنا في صفوف أو تتراكم هناك فوق بعضها في أكوام.. ولم أستطع أن أحتفظ برباطة جأشي بسهولة أمام هذا المشهد الذي أتلف كل أعصابي وأمام ذلك الحزن العميق الذي طغي علي كل من معي من الرفاق بين من يجهش في بكائه أو يتلو نشيد موته' . ويضيف جيمس موني: 'تحت ركام الثلج، كان هناك نساء علي قيد الحياة، لكنهم تركوهن للموت البطيء، وكذلك حال الأطفال الرضع المقمطين والمرميين إلي جانب أمهاتهم.. كانت جثث النساء متناثرة فوق محيط القرية. وتحت علم الهدنة كانت هناك امرأة صريعة ومعها طفلها. لم يكن الطفل يعرف أن أمه ميتة، ولهذا فقد كان يرضع من ثديها. وبعد أن قتل معظم من في القرية أعلن الجنود أنهم يضمنون سلامة الجرحي أو كل من بقي علي قيد الحياة إذا ظهروا. وخرج بعض الأطفال من مخابئهم، لكن الجنود أحاطوا بهم وذبحوهم. لقد كان واضحا أن تعمد قتل الأطفال والنساء هو لجعل مستقبل الهنود مستحيلا'. في اليوم الرابع للمذبحة كتب باوم مزهوا بنشوة الانتصار: 'لقد فعلنا حسنا. ويجب علينا أن نتابع المسيرة لحماية حضارتنا.. إن علينا أن نقطع دابر هذه المخلوقات الوحشية ونمحو ذكرها من علي وجه الأرض'. * * * إن مقتل مائة هندي أو حرق قرية هندية كاملة بمن فيها قد تحيله هوليوود إلي مناسبة للضحك والتسلية فيما هي تنسج من تلويح الهندي بيده في وجه الرجل الأبيض دراما مخيفة تجعلها عنوانا للعنف والوحشية التي تؤهله للموت. 'وصورة الضحية علي الغالب فتاة جميلة شقراء مذعورة لا تختلف عن تلك التي يخطفها كنج كونج، وإن كانت هوليوود تضفي علي كنج كونج بعض المشاعر الإنسانية التي تضن بها علي الهندي'. إنهم قبل أن يسلبوا الهنود جهودهم في الحضارة الإنسانية ويعروهم من إنسانيتهم أسقطوا عليهم أشنع فظاعاتهم كالعنف وسلخ فروة الرأس والتمثيل بالجثث وغير ذلك مما يعتبر لازما لاعتبار إبادة 112 مليون إنسان من 'الأضرار الهامشية' التي تواكب انتشار الحضارة. * * * كل شهادات المستعمرين الأوائل كانت تسخر من مفهوم الحرب عند الهنود لافتقارها إلي عنصرين أساسيين في الثقافة الحربية الكلاسيكية: القتل، والتوسع في الأرض، ولأنها أشبه بمهرجانات لاستعراض الشجاعة والبطولة والمهارات وليس لاستعراض الجثث. أول ما لاحظه المستعمرون أن حروب الهنود 'كانت للتسلية والرياضة البدنية وليست لاخضاع الخصم. فقد يتحاربون سبع سنين دون أن يسقط بينهم سبعة قتلي. إنهم يقاتلون في السهول بالقفز والرقص، وعندما يجرح واحد منهم يتوقف الطرفان عن القتال وينكب المقاتلون جميعا علي إسعاف الجريح'. ولاشك في أن هذه الثقافة الحربية المختلفة التي لا تؤمن بالعنف المنظم كانت مقتلا من مقاتل الطالبيين الهنود وحجر زاوية في حرب الإبادة التي تنتمي إلي ثقافة وأخلاق مختلفتين تماما. عندما أعلن كورتيس للهنود أنه جاء إليهم في مهمة سلمية صدقوه ورحبوا بهذا الغازي الدموي وفتحوا له دورهم وقصورهم ومناجم ذهبهم. فمن قواعد الحرب بين الهنود أن إعلان السلام لا يعني شيئا غير السلام. ومن هذا المنطق اطمأن الهنود إلي أن كورتيس جاء فعلا في مهمة سلام. إنهم لم يستطيعوا أن يفهموا لماذا يعلن الأوروبي شيئا ولا يتقيد به، ولماذا يقول قولا ولا يفعله، ولماذا يوقع اتفاقية ثم يخرقها في أقرب فرصة ممكنة. ولعل هذا ما تعبر عنه هذه الكلمة البريئة التي ألقاها أحد هنود لونابه أمام أحد المستعمرين الانجليز : 'إننا نريد أن نعيش معكم بسلام كما عشنا مع غيركم من الشعوب. لو أننا فكرنا في أن نحاربكم يوما فإننا سنعلمكم بذلك سلفا، وسنبين لكم الأسباب التي نريد أن نحاربكم من أجلها. فإذا أبديتم ما يقنعنا أو يعوضنا عن الأضرار التي سنحاربكم من أجلها فإننا لن نحاربكم. وإذا أردتم أن تحاربونا يوما فنرجو أن تعلمونا بذلك وتبينوا لنا الأسباب، فإذا لم نقنعكم أو نعوضكم عن الأضرار التي ستحاربون من أجلها فلكم الحق في محاربتنا.. وإلا فليس لكم أن تحاربونا' . * * * لم يستطع الهندي أن يفهم دوافع الحرب التي يشنها الاوروبي والعنف المميت الذي يمارسه والفظاعات التي تواكب حروبه. لم يستطع أن يفك ألغاز تقديسه للملكية وهوسه باغتصابها من الآخرين. إن نظام قيمه لا يعني بالتراكم المادي ولا تستهويه 'ثروة الأمم' التي ألهبت خيال الإنجليزي وبندقيته، وجعلت الملكية في عيني مارتن لوثر معيارا للتفريق بين الإنسان والحيوان! هلا رأي نبي وول ستريت بأي ماء تسيج الضباع أطيانها؟ الحرب الهندية علي ندرتها لا تعلن إلا بسبب إهانة شخصية أو حوادث فردية. ولطالما أمكن تفاديها بالتعويض أو الاعتذار أو الدية. أبدا لم يزعم الهنود احتكار الحقيقة المطلقة، هذا الوباء المقدس الذي ألهب طقس العنف في أتباع كل الديانات التوحيدية. أبدا لم يعرف تاريخ الهنود سماء مركنتلية تتاجر بالعبيد وتعد هذا بأرض ذاك. أبدا لم يكن الغزو أو الاجتياح أو الاحتلال من أخلاقهم. 'كل هذا غريب عن ثقافتهم' في دراسة ميدانية لهنود السهول الذين صورتهم هوليوود مثلا أعلي للعنف والعدوان يقول الانثروبولوجي جورج غرينل: 'بين هنود السهول الذين أعرفهم جيدا يعتبر لمس العدو من أشنع أنواع التعبير عن العدوانية، أن تقوم بضرب العدو دون أن تؤذيه عمل من أعمال الفروسية. إن من مظاهر الشجاعة وتقاليدها أن يمضي الرجل إلي الحرب وليس في يده سلاح يؤذي عدوه من بعيد، فحمل الرمح أكثر شجاعة وفروسية من حمل السهام، وحمل البلطة القصيرة أولي من حمل الرمح. أما أعظم مظاهر الشجاعة فأن تسعي إلي الهيجا بدون سلاح'. ويروي ستانلي دايموند في دراسته المقارنة عن 'البدائية والحضارة' أن قتل الانسان عند الهنود كان حدثا تاريخيا، وأن حروبهم كانت تشبه الأعمال المسرحية. ومهما كانت طبيعة هذا الحدث التاريخي الذي يستوجب قتل الإنسان فإنه كان يخضع لطقس مشخصن شديد التعقيد. لقد كانوا يقدسون حياة النساء والأطفال ويعتبرون الاعتداء عليها وصمة عار في جبين المحارب. وهذا ما جعل حرب الإبادة الانجليزية نزهة في رياض الطبيعة الهندية المسالمة'. خلال عودة القديسين من حملة إبادة هنود الناراجنستس في عام 1637 بقيادة الكابتن جون انديكوت كانوا في أوج النشوة فأرادوا التحرش بهنود البيكو والتسلي بقتلهم. ويروي شاهد عيان أن البيكو 'عندما رأونا علي شواطئهم، أسرعوا للترحيب بنا، وهم يهتفون: أهلا بالانجليز، أهلا بالانجليز، ولم يكن يخطر ببالهم ما نعده لهم. وعمٌ الترحيب والتهليل ومظاهر الفرح بوجودنا في كل مكان حتي وصلنا إلي نهر بكويت وهناك مع سقوط أول قتلاهم. أدرك الهنود باستغراب شديد سبب وجودنا فهجروا قراهم وفروٌا إلي الغابات القريبة. ونزل الاحباط بالجنود فراحوا يحرقون القري والحقول ويتلفون المحاصيل' . وما أن عاد الجنود إلي مستعمرتهم حتي ظهر الهنود من مخابئهم ونظموا أنفسهم وهاجموا حصن سايبروك فاقتحموه، ولكن دون أن يقتلوا أو يجرحوا أحدا. وظنوا أن هذه 'البطولة الاستعراضية' كافية لاسترداد كرامتهم، ولإقناع المستعمرين بالتعايش السلمي. وبكل ما أعطاهم الله من براءة سأل هنود البيكو قائد الحصن ليون غاردينر عن إمكانية هذا التعايش السلمي، فأجابهم: 'قد دمرتم بعدوانكم هذا كل إمكانية للسلام بيننا'. وسأله الهنود أيضا ما إذا كان الانجليز سيقتلون الأطفال والنساء، فأجابهم 'ستعرفون ذلك في حينه'. بعد أيام قليلة قاد الكابتن جون مايسون قبيل الفجر جيشا من الميليشيا قسمه إلي فرقتين تولي قيادة احداها بينما تولي جون أندرهيل الفرقة الثانية. وتحت جنح الظلام هاجموا الهنود النائمين من جبهتين. وكان ذلك بتعبير جون مايسون 'آخر نوم لهم..' ويصف مايسون تلك الليلة بقوله: 'لقد أنزل الرب في قلوب الهنود رعبا شديدا، فحاولوا أن يطيرونا بين أسلحتنا ويقفزوا في اللهب الذي التهم كثيرا منهم. كان الرب يضحك من أعدائه وأعداء شعبه المختار.. يضحك حتي الاستهزاء والاحتقار، ويجعل منهم وقودا لهذا الفرن الذي تحولت إليه قريتهم. هكذا ينتقم الله منهم ويملأ الأرض بجثثهم.. ليعطينا أرضهم'. كان الجنود يقتلون الجرحي من الرجال والنساء والأطفال ويشعلون النار في البيوت ويحرقون الهنود في أكواخهم أحياء أو موتي،. وكأنهم في حفلة شواء 'باربكيو' بتعبير كوتون ماذر أحد أقدس أنبياء الاستعمار الانجليزي للعالم الجديد. استمرت حفلات الباربكيو طويلا قبل أن يتعلم الهنود أن البراءة مع شعب الله الانجليزي انتحار، وأن الدفاع عن أنفسهم يحتاج إلي معرفة طبيعة الحرب لدي أعدائهم وإلي عدم قياس نظام قيم وأخلاق الانجليز إلي نظام قيمهم وأخلاقهم. فالانجليزي لا يحب التمثيل المسرحي في ساحة القتال، وإذا أراد أن يرقص فإنه ينتظر حتي ينقشع غبار المعركة ليرقص علي أشلاء خصمه. لقد مضي وقت طويل قبل أن يتعلم الهنود كما يقول جننجز في 'اجتياح امريكا' 'أن وعد الانجليزي مهما كان صادقا مضمونا سوف يخلفه بمجرد أن يتعارض مع مصلحته التي لا تعرف حدودا، وأن أسلوب الحرب الانجليزية لا تعرف معني للرحمة أو للشرف أو للمواثيق أو للتردد.. ولقد حفظ الهنود ذلك الدرس غيبا، ولكن حين لا تنفع الدروس والعبر'. * * * تعرضت الثقافة الهندية المسالمة لحملة تشويه لازمت حرب الإبادة وكانت سلاحا من أسلحتها. لم يكتف التاريخ المنتصر بأن علي غزواته واجتياحاته وحملاته العسكرية اسم 'حروب الهنود' بل إنه أسقط كل عنفه وفظاعاته الدموية علي الهنود بدءا من سلخ فروة الرأس وانتهاء بالتمثيل بالجثث. 'ارتكب الانجليز جريمة سلخ فروة الرأس في معظم حروبهم' . وعلي نقيض ما تروج له هوليوود والرسميون والاعلاميون واكاديميو التاريخ المنتصر 'فإن الرجل الأبيض هو الذي خلق عادة السلخ' 'في العالم الجديد'. وإن أكثر جرائمها من صنع يديه' . وكانت عادة سلخ فروة الرأس متبعة أيام الحروب الانجليزية الايرلندية، ففي أواخر القرن السادس عشر لجأ القائد الانجليزي همفري جلبرت إلي قطع الرؤوس وسلخ فروتها لإثارة الذعر في نفوس الايرلنديين وقمع انتفاضتهم '1567 * 1570' في فظاعات أقلها زرع جانبي الطريق إلي مقر زعيم الانتفاضة بالرؤوس المقطوعة. وقبل أن يتوجه إلي العالم الجديد. يحاول ملكا، خلع عليه البلاط لقب 'فارس' اعترافا ببلائه في نشر الحضارة. ومع أنه عاد خائبا ولم يفلح في تأسيس مستعمرته فإن مسيرته ظلت تتابع نشاطها وتمضي علي خطاه إلي يومنا هذا، حتي إن الجنرال الفرد سولي أعاد هذا المشهد بكل تفاصيله بعد حوالي ثلاثة قرون عندما أمر بنصب الرؤوس المقطوعة لهنود اللاكوتا علي عصي، كل رأس علي عصا، وزرعها علي جانبي الطريق المؤدية إلي مقره العام للاستئناس وفرض الهيبة. ولقطف الرؤوس وظائف أخري غير الزينة أو فرض الهيبة كما كان الحال في ايرلندا والمستعمرات الامريكية الاولي. لقد استخدمت في البداية * بدلا من آلات الحساب الخرزية * للتأكد من عدد القتلي، ثم سرعان ما اكتشفت أخلاق السوق فيها وسيلة للرزق فاعتمدتها وطورتها وجعلت منها صناعة مستقلة. ويقول جننجز في 'اجتياح أمريكا' إن السلطات الاستعمارية رصدت مكافأة لمن يقتل هنديا ويأتي برأسه، ثم اكتفت بسلخ فروة الرأس إلا في بعض المناسبات التي تريد فيها التأكد من هوية الضحية. ولعل أقدم مكافأة انجليزية علي 'فروة الرأس'، بدلا من كامل الجمجمة تعود إلي عام .1694 في 12 أيلول/سبتمبر من ذلك العام رصدت المحكمة العامة في مستعمرة ماساشوستس مكافآت مختلفة لكل من يأتي بفروة رأس هندي مهما كان عمره أو جنسه. وتختلف هذه المكافآت بحسب مقام الصياد: خمسون جنيها للمستوطن العادي، وعشرون جنيها لرجل الميليشيا، وعشرة جنيهات للجندي. ولم تمض عشرون سنة حتي رصدت كل المستعمرات الانجليزية جوائز مماثلة. ثم تغيرت 'التعرفة' في عام 1704 فأصبحت مائة جنيه لكل فروة رأس. ومن المفارقات أن المكافأة المتواضعة التي رصدت لفروة رأس الفرنسي في عام 1696، وهي ستة جنيهات فقط، لم تتغير في التعرفة الجديدة، بل ظلت في أسفل القائمة، وظل الفرنسي الأبيض * برغم عداوته الدموية للانجليزي * آخر المطلوبين. * * * كانت مكافأة المائة جنيه تعادل أربعة أضعاف متوسط الدخل السنوي للمزارع في مستعمرات نيوانجلند. وكان بامكان أي مستوطن عجوز أن يصطاد طفلين وثلاث نساء هنديات سنويا ويتنعم بما لم يتنعم به جلالة الملك جيمس. هذا ما جعل صيد الرؤوس الهندية وسلخها أسرع طريقة لبناء الثروة، وسرعان ما وجدت 'ثروة الأمم' المعادلة الاقتصادية المناسبة لاستثمار بونانزا الارواح تجاريا. لقد اكتشف شعب الله نفطه في عروق الهنود. في فالموت، أو ما يعرف اليوم ببورتلاند أسس توماس سميث إحدي هذه الشركات التي تستأجر فرقة من المغامرين لقتل الهنود والعودة برؤوسهم أو فرواتها. كان سميث يزود الفرقة بالمعدات والذخائر ويتقاضي ثلث المكافأة. وتقول صفحة من يومياته إن حصته من مكافآت ذلك اليوم الكاسد '18 حزيران/ يونيو 1757' بلغت 165 جنيها. كان الصيادون يتعهدون قري معينة، يمشطونها قرية قرية ولا يبقون فيها فروة واحدة. حتي ان القري المكسيكية وراء الحدود صارت هدفا للصيادين. ولأن فروة رأس الهندي 'الحليف' لا تختلف عن فروة الهندي العدو، ولأن صيدها أسهل ، ولأن أخلاق السوق لا تعنيها هذه التفاصيل التافهة فقد ركزت هذه التجارة جهودها علي صيد رؤوس الحلفاء، ولاسيما منهم اولئك الذين تطهرت أرواحهم واستعاروا لأنفسهم أسماء القديسين. ويروي أكستل في بحثه عن 'السلخ' أن فرقة من أربعة رجال من مستوطني نيوجرسي زعموا انهم يصطادون هنود فيلادلفيا، لكنه في ليلة 12 نيسان/ أبريل 1756 تبين أن كل ضحاياهم كانوا من هنود المنطقة الذين أنقذ المستعمرون أرواحهم واستخدموهم في أعمال السخرة. في منتصف تلك الليلة اقتحم المستوطنون بيت عائلة هندية آمنت فأمنت ونامت قريرة العين. أما الرجل 'جورج' فتمكن من الهرب، لكن الزوجة 'كاثرين' تلقت بضع طلقات في صدرها ثم قطعت رأسها بالفأس. الطفلة ذات الأحد عشر ربيعا تهشم رأسها بالبلطة وتلقت عدة طعنات في كتفها، وأما رأس الطفل الذي لم يبلغ السنة فما كان علي الله الانجليزي بعسير . ويروي بيتر شمالز في كتابه عن هنود أوجيبوا كيف أن الإخوة في الإيمان لم تكن أفضل من التحالف، وكيف إن الذين طلبوا خلاص أرواحهم في الآخرة وطمعوا في خلاص أجسادهم في الدنيا صاروا فريسة سهلة. ففي إحدي قري دولاوير حاصرت كتيبة مسلحة بقيادة دافيد وليامس أفرادا من الهنود المورافيين. وتمضي الشهادة فتقول إن الجنود طمأنوهم إلي أنهم جاءوا لمرافقتهم إلي حيث يصلون ويجدون طعامهم بأمان. وقالوا لهم إن هذه المهمة النبيلة لا تحتاج إلي حمل السلاح. ووافق الهنود مطمئنين إلي اخوة الإيمان. ثم إنهم أسرعوا إلي إحضار من تبقي من أهلهم وذويهم في البيوت حتي لا تفوتهم بركات الصلاة. ولم يكن لدي الهنود وقت ليكتشفوا الخدعة فقد عاجلهم الجنود بالقتل وحصدوا في تلك المذبحة رؤوس 29 رجلا و 27 امرأة و 34 طفلا.. * * * ثم ازدهرت هذه التجارة مع الحرب الانجليزية الفرنسية في العالم الجديد، ومع تهافت الطرفين علي شراء 'الحلفاء' وتنافسهما علي دفع مكافآت مرتفعة لقاء فروات رؤوس أعدائهم. وفيما كانت الشركات التجارية الانجليزية والفرنسية توجه نشاطها الاكبر لصيد رؤوس الهنود 'الحلفاء' قبل الأعداء كانت الوعود السياسية والاقتصادية التي أمطرها البيض علي الهنود قد أوقعت بعضهم في الفخ. لم يتصور الهنود الذين أغرتهم الأطماع والوعود وقصر النظر أنهم سيموتون بنفس الطريقة عندما يدرك البيض غايتهم منهم. لقد أغروهم بارتكاب هذه الفظاعات التي كانوا فيها أكبر الخاسرين. فخلال حرب السنوات الست '1754 * 1760' كان الانجليز والفرنسيون هم الذين يديرون هذا المسلخ الذي لم يذبح فيه إلا الخراف. واضطر الانجليز إلي رفع مكافأة السلخ في السنة الثالثة للحرب بعد أن الحق الفرنسيون هزيمة ساحقة بالجنرال الانجليزي إدوارد برادوك وبحلفائه من الهنود. هكذا استغني كثير من المستوطنين عن البحث عن الذهب ليلتحقوا بركب 'العامل الطبيعي'، وصاروا يتنافسون فيما بينهم ويتباهون بسرعة الصيد وكثرة الغنائم. ويروي المغامر لويس وتز أن غنيمته من فروات رؤوس الهنود كانت لا تقل عن أربعين فروة في الطلعة الواحدة. ويعتبر 'وتزل' هو ابن مستوطنين مغامرين، من أبطال التاريخ الأمريكي وما يعرف بعمالقة الثغور. جرح صغيرا عندما كان أبواه يحاولان الاستيلاء علي أراض هندية بالقوة. في الرابعة عشرة دشن أول ضحاياه ونذر نفسه لقتل الهنود. لهذا لم يتزوج ولم يضع لحظة من حياته في عمل آخر. من بطولاته قتل زعيمين هنديين فيما كانا يجريان مفاوضات السلام مع المستعمرين، الأول زعيم الدولاوير عام 1871، والثاني زعيم السينيكا عام 1879، وبدءا من 'وتزل' صار قطع رأس الهندي وسلخ فروة رأسه من الرياضات الانجليزية المحببة، بل كان الكثير منهم يتباهي بأن ملابس صيده وأحذيته مصنوعة من جلود الهنود. ثم تغير الحال بعد عقد من الزمان عندما بدأ الانجليز الملكيون والانجليز الثوار يسلخون رؤوس بعضهم فيما يدعي كل منهم وصلا بالعناية الإلهية وينسب إليها جرائمه وفظائعه. وبالطبع فقد تنازع الطرفان علي صفة الاختيار والتفضيل وتمثيل 'شعب الله'. لكنهم جميعا ظلوا مخلصين لتقليد السلخ والتمثيل بالجثث طوال فترة ما يسمي بحرب الاستقلال. كانوا ينظمون لذلك حفلات خاصة ويدعون إليها علية القوم للتفرج والاستمتاع الشهواني بهذه المشاهد المثيرة حتي إن الكولونيل جورج روجرز كلارك في حفلة اقامها لسلخ 16 من الاسري الأحياء أثناء حصاره الاحتفالي لفانسين طلب من الجزارين أن يتمهلوا في الأداء، وأن يعطوا كل تفصيل حقه لتستمتع الحامية كلها بالمشاهد. وقد وصف الكولونيل هنري هاملتون في يومياته بهجة الحضور بأنهم خرجوا يختالون بنشوة انتصارهم ورائحة دم الضحايا تعبق منهم . ومايزال كلارك إلي الآن رمزا وطنيا أمريكيا وبطلا تاريخيا، و'مايزال من ملهمي القوات الخاصة في الجيش الأمريكي'. * * * وفي كولورادو تولت الشركات الخاصة، بتعاقد ضمني مع الدولة، مهمة الذبح والسلخ والقضاء علي الوجود الهندي. أما في كاليفورنيا فقد تأخرت حفلات السلخ قليلا لكنها سرعان ما اتبعت خطوات الولايات الاخري، ففي حادثة واحدة 'أيار/ مايو 1852' اشترك فيها 'شريف' ويفرفيل هوجم 148 هنديا من الرعاة فأصبحوا أثرا بعد عين. والغريب أن قطع الرؤوس صار خبرا عاديا في الصحافة البيضاء التي لم تعد تجد حرجا في الحديث عن أن هدف هذه المجازر هو 'الإبادة' وأن القتلة الذين ارتكبوا هذه البطولات تلقوا مكافآت من الحكومة بعد أن أبرزوا فروات رؤوس ضحاياهم . مع تأسيس الجيش الامريكي أصبح السلخ والتمثيل بالجثث تقليدا مؤسساتيا رسميا. فعند استعراض الجنود أمام وليم هاريسون 'الرئيس الامريكي لاحقا' بعد انتصار 1811 علي الهنود تم التمثيل ببعض الضحايا، ثم جاء دور الزعيم تيكومسه . وهنا تهافت صيادو التذكارات علي انتهاب ما يستطيعون من جلد الزعيم التاريخي أو فروة رأسه. ويروي جون سعدن في كتابه عن تيكومسه كيف شرط الجنود المنتشون جلد الزعيم من ظهره إلي فخذه، وكيف إن أحدهم قص قطعة من الجلد شرائط رفيعة لربط موسي الحلاقة، وكيف اقتتل الآخرون علي اقتسام فروة رأسه حتي إن بعضهم لم يحصل علي قطعة أكبر من السنت 'قطعة نقد معدنية لا يتجاوز قطرها السنتيمتر' مزينة بخصلة من شعر تيكومسه. وعندما أجريت مقابلة مع أحد هؤلاء المحظوظين في عام 1886 'أي بعد 75 سنة' تحدث عن تلك المناسبة التاريخية بافتخار وهو يحمل بين أصبعيه تذكاره البطولي . وكان الرئيس أندرو جاكسون الذي تزين صورته ورقة العشرين دولارا من عشاق التمثيل بالجثث، وكان يأمر بحساب عدد قتلاه باحصاء أنوفهم المجدوعة وآذانهم المقطوعة، وقد رعي بنفسه حفلة تمثيل بجثث 800 هندي يتقدمهم زعيمهم مسكوجي 'رد ستيكس'. ففي 27 آذار/ مارس 1814، كما يروي دافيد ستانارد، احتفل الرئيس جاكسون بانتصاره علي هنود الكريك وتولي جنوده التمثيل بجثث الضحايا من الأطفال والنساء والرجال، فقطعوا أنوفهم لإحصاء عددهم وسلخوا جلودهم لدبغها واستخدامها في صناعة أعنة مجدولة للخيول. * * * بعد مذبحة ساند كريك التي ذهب ضحيتها أكثر من 800 هندي أعزل اضطر الكونجرس إلي إجراء تحقيق في الفظاعات التي ارتكبها الجنود وقائدهم جون شفنجتون . ويعتبر شفنجتون اليوم من أعظم أبطال التاريخ الأمريكي، وهناك الآن أكثر من مدينة وموقع تاريخي تخليدا لذكره ولشعاره الشهير: 'اقتلوا 'الهنود' واسلخوا جلودهم. لا تتركوا صغيرا ولا كبيرا ، فالقمل لا يفقس إلا من بيوض القمل'. ولعل هذه هي العبارة التي ألهمت هملر تشبيه ما جري في معسكرات الإبادة النازية بأنه 'تنظيف قمل'. وكانت الحكومة قد أعلمت الكولونيل شفنجتون بأن القرية مسالمة، وأن معظم رجالها خرجوا لصيد الجواميس، لكن الكولونيل قال: 'حسنا، إنني متشوق للخوض في الدم' . وقد تحقق له ما يصبو إليه. فمع أول خيوط الفجر زحف رجاله إلي القرية. وكان فيها رجلان من البيض حاولا إعلام الجنود بأن القرية مسالمة، لكنهما جوبها بإطلاق النار. ثم إن الزعيم بلاك كتل رفع العلم الأبيض فوق سارية أحد البيوت كما رفع علما أمريكيا كان قد تلقاه من مفوض الشئون الهندية. وراح يطمئن أهل القرية ويهديء روعهم قائلا: لا تخافوا.. لا تخافوا، نحن في سلام مع البيض! وسرعان ما بدأ الجنود بإطلاق النار علي أهل القرية المتراكضين في كل الاتجاهات بينما أعطي شفنجتون أوامره بالقصف المدفعي، ومطاردة الهاربين. ويقول روبرت بنت أحد مساعدي شفنجتون في شهادته أمام الكونجرس 'بعد القصف حاول رجال القرية أن يجمعوا الاطفال والنساء ويحيطوا بهم لحمايتهم. ولقد شاهدت خمس نساء مختبئات تحت مقعد طويل. وعندما وصل الجنود إليهن بدأن يتوسلن ويطلبن الرحمة لكن الجنود قتلوهن جميعا. وكان هناك أيضا ثلاثون أو أربعون امرأة متكومات فوق بعضهن في حفرة، وقد أرسلن إلينا طفلة في السادسة تحمل راية بيضاء مربوطة علي عصا، لكنها لم تتقدم بعض خطوات حتي أطلقنا عليها النار وقتلناها، ثم قتلنا النساء اللواتي لم يبدين أية مقاومة. ثم أنني رأيتهن بعد ذلك مسلوخات الرأس، بينما كانت إحداهن مبقورة البطن وجنينها في بطنها واضح للعين. وأخبرني الكابتن شاول انه رأي ما رأيت، ورأي مثلي عددا كبيرا من الأطفال بين أيدي أمهاتهم المذبوحات'. * * * ويقول شاهد آخر هو الجندي آشبري بيرد أن 'عدد الضحايا يتراوح بين 400 و 500، وأنهم جميعا تعرضوا لسلخ فروات رؤوسهم. لقد رأيت امرأة تعرٌض فرجها للتمثيل به، كما شاهدت جثثا مقطعة تقطيعا فظيعا وعددا من الجماجم المحطمة. وإنني لعلي ثقة بأنها تحطمت بعد موت أصحابها بإطلاق النار عليهم كما هو واضح، 'وهذا ما يشهد عليه أيضا لاسيرجنت لوسيان بالمر انني لم أر قتيلا واحدا لم يسلخ رأسه أو رأسها. لقد رأيت كذلك أصابع مقطوعة للسطو علي الخواتم. كما رأيت عددا من الجثث وقد قطعت أعضاؤها التناسلية' . وتقول شهادة عاموس ميلكش : 'رأيت طفلا مايزال حيا بين الجثث المرمية في الخندق. ورأيت جنديا من الفرقة الثالثة يستل مسدسه ويطلق النار علي رأس الطفل. رأيت ضحايا مقطعة الأصابع للسطو علي خواتمها، ومقطعة الآذان للسطو علي زينتها، ورأيت عددا من الجنود ينبشون جثثا تم دفنها ليلا. وذلك ليسلخوها وليأخذوا زينتها. ورأيت امرأة هندية مهشمة الرأس. وفي الصباح التالي، بعد أن تيبست الجثث، بدأ الجنود بسحب جثث النساء و'فتحهن' بطريقة مشينة . وشهد دافيد لودرباك أحد الفرسان أن 'جثث النساء والأطفال تم التمثيل بها بطريقة مخيفة. لقد رأيت ثمانية منها فقط، ولم أجد في نفسي الشجاعة لرؤية المزيد فقد كانت شديدة التقطيع، وكانت مسلوخة الرؤوس. أما الزعيم وايت أنتولوب 'الظبي الأبيض' فإنه كان مقطوع الأنف والأذنين والأعضاء التناسلية'. ويقول المترجم جون سميث : 'لقد مارسوا كل أنواع السلب والنهب. لقد سلخوهم، واقتلعوا أدمغتهم،. واستخدم الجنود سكاكينهم لتمزيق أجساد النساء وشقهن، ولتعذيب الأطفال ودق رؤوسهم بأعقاب البنادق واقتلاع أدمغتهم والتمثيل بأجسادهم. وأسوأ تمثيل رأيته في حياتي هو تقطيع النساء إلي قطع صغيرة وتمزيق جثث الأطفال ذوي الشهرين أو ثلاثة أشهر. وعندما ذهبت إلي مكان المذبحة في اليوم التالي لم أر جسدا واحدا إلا وقد سلخ وقطعت أعضاؤه التناسلية. ويقول الليوتننت جيمس كانون : 'سمعت جنديا يقول إنه اقتطع فرج امرأة وعلقه علي عود لعرضه. وسمعت آخر يقول إنه قطع أصابع هندية ليأخذ خواتمها. كما سمعت جنودا قالوا إنهم اقتطعوا فروج الهنديات وشدوها علي مقدمات سروج خيولهم أو عرضوها علي قبعاتهم أثناء الاستعراض العسكري. وسمعت جنديا يقول إنه شق قلب امرأة هندية ورفعه علي عود * * * بعد انتهاء 'المهمة' عقد الكولونيل شفنجتون مؤتمرا صحفيا أعلن فيه أنه خاض مع رجاله 'إحدي أكثر المعارك دموية مع الهنود، حيث تم تدمير أعتي قري هنود الشايين'! فيما عمت النشوة بين الزنابير في طول البلاد وعرضها حتي إن افتتاحية إحدي الصحف شبهت فروات الرؤوس المقطوعة بالضفادع التي اجتاحت مصر قبل خروج بني اسرائيل منها، وأضافت 'ليس هناك أحد لم يتمتع بقطعة من فراء رؤوس الشايين، وهناك من بلغت به النشوة ان ارسلها 'إلي أصدقائه' في الشرق'. أما الرئيس تيودور روزفلت فإنه تسامي بهذه البطولات فوصفها بقوله 'إن مذبحة ساند كريك كانت عملا أخلاقيا ومفيدا 'ذلك لأن' إبادة الأعراق المنحطة حتمية ضرورية لا مفر منها. وفي عام المذبحة اكتشف أحد الصيادين امكانية استخدام الأعضاء الذكرية أكياسا للتبغ. ثم تطورت الفكرة المثيرة من هواية فردية للصيادين إلي صناعة رائجة بعد أن صار 'كيس التبغ' هذا، مثل الشاريين، من أبرز علامات الرجولة والفروسية والارستقراطية الاستعمارية، وصار الناس يتهادونه في أعيادهم وأفراحهم . لكن هذه الصناعة لم تعمر طويلا في داخل أمريكا بعد أن انخفض عدد الهنود في عام 1900 إلي ربع مليون، وضاق وجه الأرض الامريكية بالسلخ وقطع الرؤوس ولم يعد أمام الحضارة إلا أن تبحث وراء المحيط عن مجاهل جديدة ووحوش طازجة في باناما والفيليبين واليابان وهايتي وكوريا وفيتنام وما بين الحجون إلي الصفا. |
20
الثورة الأمريكية الثورة الأمريكية (1775 - 1783م). هي الثورة التي قامت ضد بريطانيا، وأدت إلى ميلاد دولة جديدة باسم الولايات المتحدة. كانت الثورة أو الحرب الثورية قد اندلعت بين بريطانيا والولايات الثلاث عشرة الممتدة على الساحل الأطلسي في أمريكا الشمالية. بدأت الحرب في 19 أبريل 1775م عندما اصطدم البريطانيون بالثوار الأمريكيين في مدينتي لكسنجتون وكونكورد في ماساشوسيتس، واستمرت ثماني سنوات وانتهت في 3 سبتمبر 1783م، عند توقيع معاهدة باريس بين بريطانيا والولايات المتحدة التي اعترفت فيها بريطانيا باستقلال الولايات المتحدة. مذبحة بوسطن حدثت في 5 مارس عام 1770م، عندما أطلق جنود بريطانيون النار على بعض الأمريكيين وقتلوا خمسة منهم. هذه الدعاية الوطنية التي قام بحفرها الفنان بول ريفير لإثبات الحدث، سماها مذبحة بوسطن لتحريض المستوطنين ضد الحكم البريطاني. أسباب الحرب وخلفياتها. كان النفوذ البريطاني في أمريكا الشمالية في أوجه قبل الثورة الأمريكية بسنوات قليلة. فقد تغلبت بريطانيا في حربها مع الفرنسيين والهنود، وكانت المعاهدة التي أنهت الحرب قد ضمنت لبريطانيا معظم الأراضي التي كانت بيد الفرنسيين في أمريكا الشمالية التي كانت تمتد من جبال الأبلاش في الشرق إلى نهر المسيسيبي، ومن ضمنها رقعة واسعة في كندا. كان معظم أهل المستعمرات الأمريكيين يفخرون بانتمائهم إلى الإمبراطورية البريطانية، في وقت كانت تُعتبر فيه أقوى الإمبراطوريات في العالم. كان من حق المستعمرات أن تنتخب ممثليها لجمعية تشريعية تقوم بسن القوانين وفرض الضرائب، ولكن حاكم المستعمرة كان له حق نقض أي من تلك القوانين. وكانت بريطانيا تأمل من المستعمرات الأمريكية أن تخدم مصالحها الاقتصادية وقد رضيت المستعمرات بذلك بصورة عامة. والمثال على ذلك أنها امتنعت عن صنع المواد والسلع المنافسة لمثيلاتها البريطانية. تغيُّر السياسة البريطانية. بدأت بريطانيا بتغيير سياستها بعد الحرب الفرنسية والهندية، وذلك بتشديد قبضتها على مستعمراتها الشاسعة في أمريكا، فصوت برلمانها على وجود جيش مرابط في أمريكا الشمالية. وصدر قانون يلزم المستعمرات بأن تؤمن لذلك الجيش الثكنات والتجهيزات كما صدر قرار بتخصيص أراضٍ واقعة غرب جبال الأبلاش لإسكان الهنود، ومنع البيض من إنشاء مستوطنات لهم في تلك الأراضي، وتعيين الحراس لإبعاد المستوطنين عنها. لقد اغتاظ المستوطنون من هذا القرار قائلين بأنه لا يحق لبريطانيا أن تمنعهم من الاستيطان، كما أن الكثيرين منهم كانوا يطمعون في تحقيق أرباح لهم في شراء الأراضي في الغرب. دعاية بريطانية تُظهر اللوحة جماعة ثائرة من المستوطنين تنقض على جابي الضرائب، وتسكب عليه القطران وتجبره على شرب الشاي وهو يغلي. أما خلفية الصورة فتوضح بعض المستوطنين وهم يفرغون الشاي الإنجليزي في البحر. قانون الطابع. رأت بريطانيا ضرورة مشاركة أهل المستعمرات في تحمل نفقات جيوشها في أمريكا، فأصدرت في سنة 1765م قانونًا عرف بقانون الطابع، بموجبه تُدفع رسوم على الصحف وورق اللعب والشهادات العلمية والعديد من المستندات الرسمية على غرار ما كان معمولاً به في بريطانيا. اندلعت أعمال الشغب في المستعمرات احتجاجًا على هذا القانون، ورفض الناس السماح ببيع تلك الطوابع متعللين بأنه لا يحق لمجلس البرلمان البريطاني أن يفرض ضرائب على المستعمرات، لاعتقادهم بأن ذلك هو من حق هيئتهم التشريعية التي انتخبوها. وقرر التجار في جميع الموانئ أنهم سيقاطعون البضائع البريطانية مالم يقم مجلس البرلمان بإلغاء ذلك القانون. وقد ألغى مجلس البرلمان قانون رسم الطابع في السنة التالية مصدرًا قرارًا آخر يجعل للملك والبرلمان الحق التشريعي في إصدار القوانين الخاصة بالمستعمرات في كل المسائل. قانونا تاونزهند. أصدر البرلمان البريطاني بعد ذلك قانوني تاونزهند، نسبة إلى وزير الخزانة آنذاك، فَرَض أحدهما ضريبة على الرصاص والأصباغ والورق والشاي كما فرض الآخر إنشاء مكتب للجمارك لجمع الضرائب في بوسطن. وتسبب القراران في تجدد الاحتجاجات التي ألغيت على أثرها تلك الضرائب باستثناء الضريبة المفروضة على الشاي. وخرجت المظاهرات ضد الضريبة مرة أخرى ولاسيما في مدينة بوسطن، فتصدى الجنود البريطانيون للمتظاهرين وقتلوا منهم خمسة أشخاص. وقد سمى الأمريكيون هذا الهجوم مذبحة بوسطن. قانون الشاي. بدأ الأمريكيون يُهرِّبون الشاي من هولندا لتلافي دفع ضريبته، وكانت شركة الهند الشرقية البريطانية الممولة للشاي إلى المستعمرات، قد أصيبت بأضرار بسبب المقاطعة والتمست المساعدة من البرلمان، فقرر تخفيض الرسوم فاستطاعت الشركة أن تخفض سعر الشاي إلى مستوى أدنى من سعر الشاي المهَّرب، غير أن المستوطنين استمروا في المقاطعة، ورفض التجار بيعه وقام عدد من أهالي بوسطن متنكرين في أزياء هندية بالهجوم على السفن المحملة بالشاي في الميناء، وألقوا بشحناتها في الماء. وعرفت هذه العملية ببوسطن تي بارتي. القوانين القسرية. غاظ ذلك الملك جورج ووزراءه فأصدروا عددًا من القوانين في 1774م سماها الأمريكيون القوانين غير المحتملة، من بينها قانون يأمر بإقفال ميناء بوسطن إلى أن يدفع الأهالي قيمة الشاي الذي أتلفوه، وقانون آخر أوقف فعاليات الهيئة التشريعية في ماساشوسيتس وتوسيع صلاحيات حاكمها البريطاني. الكونجرس القاري الأول. عقد الكونجرس القاري الأول اجتماعًا في فيلادلفيا من 5 سبتمبر إلى 26 أكتوبر 1774م وصوت لصالح قطع العلاقات التجارية مع بريطانيا ما لم تقم بإبطال القوانين القسرية، كما وافق على اقتراح بقيام المستعمرات بتدريب رجالها على فنون الحرب. ولم يتطرق أي من الوفود إلى موضوع الاستقلال. |
الساعة الآن 02:18 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |