منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   الشؤون الأمنية والعسكرية (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=167)
-   -   العسكرية العربية الإسلامية (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=12650)

ملك القلوب 20 - 12 - 2010 11:19 PM

[1] غياب العقيدة العسكرية الإسلامية:

إن العقيدة العسكرية الإسلامية، غائبة غياباً تاماً عن القوات المسلحة العربية والإسلامية في جميع أرجاء البلاد العربية والدول الإسلامية، مجهولة جهلاً كاملاً في المدارس والمعاهد والكليات العسكرية العربية والإسلامية، وفي سائر المؤسسات التعليمية العسكرية والمدنية أيضاً في الوطن العربي ودار الإسلام، لا يعرفها العسكريون العرب المسلمون، ولا يقدرون قيمتها العظيمة ومكانتها الرفيعة بين العقائد العسكرية الشرقية والغربية المعروفة، ولا يعملون بها لأنهم يجهلونها ويجهلون أثرها وتأثيرها في العرب والمسلمين، والمرء عدوّ ما جهل.

وقد يعرفها قسم من الفقهاء العرب والمسلمين، يتحدثون عنها في مجالاتهم التدريسية، كفرع من فروع الفقه فحسب، فهي مبادئ في كتب الفقه للعلم لا للعمل، مجمدة لا تُطبق.

أما القوات المسلحة العربية والإسلامية ضباطاً ومراتب وجنوداً، فتطبق في الوقت الحاضر ثلاثة أقسام، أو ثلاثة أنواع من العقائد العسكرية الأجنبية، كل قسم من الدول العربية والإسلامية يطبِّق نوعاً من أنواع العقائد العسكرية الأجنبية.

القسم الأول من الدول العربية الإسلامية، يطبق العقيدة العسكرية الغربية، وهذه العقيدة تقسم إلى ثلاثة أنواع: العقيدة العسكرية الأمريكية، والعقيدة العسكرية البريطانية، والعقيد العسكرية الفرنسية.

أما العقيدة العسكرية الأمريكية، فتسود في القوات المسلحة العربية الإسلامية التي تستورد السِّلاح من الولايات المتحدة الأمريكية، وتوفد طلابها العسكريين وضباطها إلى المؤسسات العسكرية الأمريكية.

أما العقيدة العسكرية البريطانية، فتسود في القوات المسلحة العربية والإسلامية التي تستورد السِّلاح من بريطانيا، وتوفد الطلاب العسكريين للدراسة في مؤسساتها العسكرية، أو كانت مستعمرة لبريطانيا وجرى تدريب قواتها المسلحة على أيدي الخبراء العسكريين البريطانيين.

أما العقيدة العسكرية الفرنسية، فتسود في القوات المسلحة التي تستورد السلاح من فرنسا، أو جرى تدريب جيشها على أيدي الفرنسيين يوم كانت بلادهم مستعمر لفرنسا.

والقسم الثاني من قوات العرب المسلمين المسلحة، يطبق العقيدة العسكرية الشرقية، وهي القوات التي كسرت احتكار السلاح، واستوردت أسلحتها من الدول الشرقية بعد أن كانت تستورده من الدول الغربية وأوفدت التلاميذ والطلاب إلى المدارس والمعاهد والكليات العسكرية الشرقية، واستقدمت الخبراء الشرقيين لتدريب جيشها.

والقسم الثالث من قوات العرب المسلمين المسلحة، يطبِّق العقيدة الغرابية، كما اصطلحت على تسميتها نسبة للغراب الذي أراد تقليد العصفور في مشيته، فأخفق في محاولته، ولكنه نسي مشيته الأصلية، فلا أصبح كالعصفور في مشيته، ولا بقي غراباً كأمثاله من الغربان.

هذه القوات العربية الإسلامية، كانت تطبق العقيدة الغربية، ثم طبقت العقيدة الشرقية، ثم بدَّلت رأيها فعادت أدراجها إلى العقيدة الغربية، وتبدَّلت عقيدتها في مدة زمنية قصيرة غير كافية لاستيعاب أية عقيدة من العقيدتين كما ينبغي، وأصبح لديها ضباط وضباط صف تخرج قسم منهم في العقيدة الغربية، وتخرج قسم منهم في العقيدة الشرقية، فاصبح كل قسم من هذين القسمين يدرِّب رجال على العقيدة التي تعلمها، فلم تبق تلك القوات المسلحة على إحدى العقيدتين، بل امتزجت العقيدتان امتزاجاً متناقضاً، فأصبح التدريب والتعليم العسكريان في تلك القوات المسلحة في تلك القوات المسلحة على إحدى العقيدتين، بل امتزجت العقيدتان امتزاجاً متناقضاً، فأصبح التدريب والتعليم العسكريان في تلك القوات المسلحة العربية الإسلامية أقرب إلى الفوضى منه إلى النظام.

إن العقيدة العسكرية الغربية تسود قسماً من القوات العربية الإسلامية المسلحة، وتسود قسماً آخر منها العقيدة العسكرية الشرقية، وتسود القسم الثالث والأخير منها العقيدة العسكرية الغرابية، أما العقيدة العسكرية العربية الإسلامية، فغائبة عن القوات العسكرية العربية الإسلامية غياباً كاملاً، ومن النادر جداً أن يعرف عسكري عربي مسلم، أن هناك عقيدة عسكرية عربية إسلامية سادت ردحاً من الزمن، وقادت العرب والمسلمين إلى النصر.

[2] لماذا العقيدة العسكرية الإسلامية؟

لكي نعلم لماذا العقيدة العسكرية الإسلامية وحدها تناسب العرب والمسلمين وتقودهم إلى النصر، ولا تناسبهم العقيدتان العسكريتان الغربية أو الشرقية، وتقودهم إلى الاندحار، لابد من مقارنة العقائد الثلاث، ليكون الجواب على هدى وبصيرة.

والمقارنة تقتصر على (المبادئ ) التي تميز تلك العقائد وتتسم بها، أما (الأساليب ) فقد تكون متشابهة أو متقارنة بين العقائد العسكرية الثلاث، وأهمية الأساليب بالنسبة لأهمية المبادئ لا قيمة لها.

والعقيدة العسكرية الغربية تنقسم إلى ثلاثة أنواع: العقيدة العسكرية الأمريكية، والعقيدة العسكرية البريطانية، والعقيدة العسكرية الفرنسية، وهي تختلف بالأساليب ولكنها تتفق في المبادئ ، وكانت العقيدة العسكرية الغربية قبل الحرب العالمية الثانية تنقسم إلى خمسة أنواع، يضاف إلى العقائد الغربية الثلاث، العقيدتان: الألمانية والإيطالية، فجمدت هاتان العقيدتان بعد هزيمة ألمانيا وإيطاليا في تلك الحرب.

والعقيدة الغربية ترتكز على المبدأ القائل: ((مزيد من النيران وقليل من المقاتلين ))، أي: أن الهدف الذي يعترض العمليات الحربية في القتال، يمكن السيطرة عليه بدكه دكاً بالنيران الأرضية والجوية الكثيفة بمختلف الأسلحة المتيسرة، مهما بلغت كثافة النيران كمية وكيفية ونفقات، وحينذاك يستولي على ذلك الهدف بعد إخماده بالنيران وإسكاته عدد محدود من المحاربين، لغرض التقليل من الخسائر في الأرواح جهد الإمكان.

وعلى هذا المبدأ: ((مزيد من النيران، وقليل من المقاتلين ))، يجري تدريب وتسليح وتجهيز وتنظيم وقيادة القوات المسلحة التي تعتمد العقيدة الغربية في العسكرية.

ولم يأت هذا المبدأ السائد في العقائد العسكرية الغربية من فراغ، ولم يفرض نفسه عبثاً، ولا يُعمل به من غير جدوى بل فرضه فرضاً عاملان حيويان:

الأول: هو أن الدول الغربية دول صناعية تنتج السلاح في مصانعها الخاصة بها، وبإمكانها إنتاج السلاح الذي تريده، بالكمية التي تريدها، وتزويدُ جيوشها بالسلاح التقليدي والسلاح المتطور ليس مشكلة بالنسبة لتلك الدول الغربية الصناعية، وهذا هو العامل الصناعي.

أما العامل الثاني: فهو عامل سياسي، فالديمقراطية التي تُتيح الحرية الكاملة لكل فرد، تجعل لحياة ذلك الفرد قيمة عظيمة لا يمكن التساهل بأي شكل من الأشكال في إهدارها دون مسوِّغاً يرتفع عالياً في التنديد بكل تبديد في الأرواح دون مسوِّغ وبغير حق أيضاً، فلا مجال للمغامرة بالأرواح، وهناك كل المجال للمغامرة بالنيران.

والقائد المنتصر في معركة من المعارك، لا يحاسب في الغرب على إسرافه في النيران، ولكن يحاسب على إسرافه في الأرواح، ولا تعتبر المعركة ناجحة إذا كانت الخسائر بالأرواح فوق المعدل وأكثر من المعقول.

أما العقيدة العسكرية الشرقية، فترتكز على المبدأ القائل: ((مزيدٌ من المقاتلين وقليل من النيران ))، أي: أن المبدأ الشرقي يناقض المبدأ الغربي من الناحية العسكرية على خط مستقيم، فالهدف الذي يعترض العمليات الحربية في القتال يمكن السيطرة عليه بموجات متعاقبة من المحاربين، يتعاقب تقدمها: قَدَمَة قتالية بعد قَدَمَة قتالية، حتى تستطيع إحدى القدمات القتالية النجاح في السيطرة على الهدف المطلوب، ويكون تقدم القدمات المقاتلة نحو هدفها مسنداً بالنيران المتيسرة من الأرض أو من الجو أو منهما معاً، ولا يحول نقص النيران كمية ونوعاً دون إقدام المقاتلين على النهوض بواجبهم في احتلال هدفهم في الوقت المناسب.

وبموجب هذا المبدأ ((مزيد من المقاتلين وقليل من النيران ))، يجري تدريب وتسليح وتجهيز وتنظيم وقيادة القوات المسلحة التي تعتمد العقيدة الشرقية في العسكرية.

وفرض هذا المبدأ عاملان رئيســان:

الأول: ضخامة نفوس الدول الشرقي عامة والاتحاد السوفييتي خاصة، وتسخير الحشود لمصلحة الدولة بحيث تذوب مصلحة الفرد في مصلحة الجماعة.

والثاني: هو عدم تكامل الإنتاج الصناعي للأسلحة في الدول الشرقية كما هو الحال في تكاملها في الدول الغربية، فلابد من الاقتصاد فيه واستعماله دون إسراف، كما يجري في العقيدة العسكرية الغربية.

وليس معنى ذلك عدم تكثيف النيران في العقيدة الشرقية، بل معناه أن معدل كمية النيران في العقيدة الشرقية أقل منها في العقيدة الغربية.

أن العقيدة العسكرية الغربية عبارة عن إفراط في النيران، وتفريط في المقاتلين، والعقيد العسكرية الشرقية عبارة عن إفراط في المقاتلين، وتفريط في النيران.

أما العقيدة العسكرية الإسلامية، فلا إفراط فيها ولا تفريط، بل هي وسط في كل شيء، وصدق الله العظيم: (وكذلك جعلناكم أُمَّةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسولُ عليكم شهيداً ) (البقرة:143).

لا إفراط في العقيدة العسكرية الإسلامية بالنيران، لأن الدول العربية والإسلامية تستورد معظم أسلحتها ولا تصنعها، فلا يمكن أن نفرط في استخدامها كالدول الصناعية الغربية التي تنتج أسلحتها وتصنعها في بلادها محلياً.

ولا إفراط في هذه العقيدة بالمقاتلين، لأن الروح البشرية قدسية خاصة في الإسلام، ينبغي الحرص على سلامتها وأمنها، والقائد المسلم الذي يفرط في تقديم الخسائر بالأرواح عبثاً ليس قائداً ولا مسلماً، وقد كان القادة المسلمون يحرصون أشد الحرص على أرواح المجاهدين، وغالباً ما كانوا يستأثرون بالخطر ويؤثرون رجالهم بالأمن.

والدول الإسلامية في مجموعها ليست كثيفة السكان إلا في باكستان وبنجلاديش، وبالرغم من كثافة سكان هذين القطرين الإسلاميين، فالحرص على أرواح المقاتلين في الحرب من أول واجبات القادة.

وما يقال عن الإفراط في النيران والمقاتلين، يقال في التفريط بهما، فلا يناسب الدول الإسلامية غير العقيدة الوسط، لا شرقية ولا غربية، بل وسطاً بين ذلك.

ومن مناقشة العقائد العسكرية الثلاثة، يتبين لنا، بأن العقيدة العسكرية الإسلامية هي أفضل من العقيدتين الشرقية والغربية، وهي التي تناسب العرب والمسلمين، تنفيذاً لتعاليم الإسلام، لأن العقيدة العسكرية الإسلامية جزء لا يتجزء من العقيدة الإسلامية، ولأنها تناسب المسلمين نفوساً وقدرات صناعية، ولأنها العقيدة التي جربناها فانتصرنا، وجربنا غيرها فلم ننتصر أبداً.

[3] سمـات العقيـدة العسكريـة الإسلاميـة:

انتصرنا بالعقيدة الإسلامية، لأن لها سمات معينة لا مثيل لها في العقائد العسكرية الأخرى.

إن الإسلام بتعاليمه السمحة الرضية جعل بحوافزه المادية والمعنوية المسلم الحق، مطيعاً لا يعصي، صابراً لا يتخاذل، شجاعاً لا يجبن، مقداماً لا يتردد، مُقبلاً لا يفر، ثابتاً لا يتزعزع، مجاهداً لا يتخلف، مؤمناً بمثل عُليا، مضحياً من أجلها بالمال والروح، يخوض حرباً عادلة لإحقاق الحق وإزهاق الباطل، ولتكون كلمة الله هي العليا، مدافعاً عن الأرض والعِرض وحرية وانتشار الدعوة وصيانتها، وعن المسلمين في دار الإسلام.

هذا المؤمن الحق، لا يخاف الموت ولا يخشى الفقر، ولا يهاب قوة الأرض، يسالم ولا يستسلم، ولا تضعف عزيمته الأراجيف والإشاعات، ولا يستكين للاستعمار الفكري، ويقاوم الغزو الحضاري الذي يناقض دينه، ولا يقنط أبداً ولا ييأس من رحمة الله.

وهذا المؤمن الحق، يقظ أشد اليقظة، حذر أعظم ما يكون الحذر، يتأهب لعدوِّه ويعُد العدة للقائه، ولا يستهين به، في السلم والحرب، ويجاهد بأمواله وروحه في سبيل الله.

وكل هذه التوجيهات العسكرية مستمدة من القرآن الكريم، الذي حوت آياته المحكمة على ترسيخ العقيدة العسكرية الإسلامية في عقل المسلمين وقلوبهم بكل ما فيها من أسس وتفاصيل.

وهذه العقيدة العسكرية الإسلامية، تفسر سر الفتوح الإسلامية العظيمة التي امتدت خلال تسع وثمانين سنة (من سنة إحدى عشرة الهجرية إلى سنة مائة الهجرية ) من الصين شرقاً، إلى فرنسا غرباً، ومن سيبيريا شمالاً، إلى المحيط جنوباً.

ذلك لأن شعار المسلمين كان: (قل هل تربَّصون بنا إلاَّ إحدى الحسنيين ) (التوبة:52): النصر أو الشهادة.

ولأن المسلمين كانوا يحرصون على الموت حرص غيرهم على الحياة: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبُنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمةٍ من الله وفضل لم يمسسهم سوءُُ واتبعوا رضوان الله والله ذو فضلٍ عظيم ٍ) (آل عمران:173 ـ174).

وأشهد أنني لم أقرأ، حتى في كتب التعبية وسَوْق الجيش الفنية الصادرة حديثاً، أوضح تعبيراً، وأدق تعريفاً، وأكثر شمولاً، وأوجز عبارة، مما جاء في القرآن الكريم في هذه الآية الكريمة أسلوباً فذاً لمصاولة الحرب النفسية المعادية، وتعريفاً لإرادة القتال في العقيدة العسكرية الإسلامية.

بل لا يقتصر معناها على ذلك فحسب، بل يشمل تعريف: المعنويات العالية التي يجب أن يتحلى بها الجندي المسلم أيضاً.

تلك هي عظمة القرآن الكريم حتى في المجالات العسكرية، ولكن يا ليت قومي يعلمون.

ونعود لنتساءل: أهذه العقيدة العسكرية الإسلامية أفضل وأقوم وأمتن وأجدى ... أم العقيدتان العسكريتان المستوردتان: الشرقية والغربية؟!!

[4] المصـــادر المعتمـــدة ..

أول المصادر للعقيدة العسكرية الإسلامية وأهمها هو القرآن الكريم، وقد اعتمدته وحده في إبراز سمات هذه العقيدة في الذي أوردته من سمات، ويمكن إجراء دراسة مستفيضة في: الجهاد بالمال، الجهاد بالنفس، عقاب المتخلف، الطاعة، الصبر، الشجاعة، الشهادة، والشهيد، الثبات، الحرب العادلة، العهود والمواثيق، الأسرى، الغنائم والفيء والجزية، مصاولة الحرب النفسية، الحذر واليقظة، الإعداد الحربي، وغيرها من الدراسات الحيوية المهمة.

والمصدر الثاني: كتب الحديث، وأهمها الصحاح الستة: البخاري، مسلم، أبو داود، الترمذي، النسائي، وابن ماجه.

وفي مصادر الحديث ذخيرة لا تقدر بثمن في العقيدة العسكرية الإسلامية.

والمصدر الثالث: كتب الفقه الإسلامي، وعلى رأسها كتب المذاهب الأربعة: أحمد بن حنبل، ومالك، وأبي حنيفة، والشافعي، فقد شرح الفقهاء عليهم رحمة الله العقيدة العسكرية الإسلامية شرحاً وافياً لا مزيد عليه.

ولعل من المفيد أن ألفت أنظار الباحثين إلى كتاب: ((السير الكبير )) لمحمد بن الحسن الشيباني تلميذ الإمام أبي حنيفة رضي الله عنهما، وشرحه لمحمد بن أحمد السرخسي الذي حققه الدكتور صلاح الدين المنجد، فهو مصدر عظيم الفائدة جليل القدر في العقيدة العسكرية الإسلامية.

المصدر الرابع: المصادر التاريخية المعتمدة وكتب المغازي، وعلى رأسها السيرة النبوية المطهرة، وأهم المصادر التاريخية المعتمدة: تاريخ الرسل والملوك لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، والكامل في التاريخ لعز الدين ابن الأثير وغيرهما كثير.

وفي هذه المصادر تفاصيل المعارك التي خاضها المسلمون في الفتح واستعادة الفتح، والمعارك الدفاعية، وغزوات النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه، وهي التطبيق العملي للعقيدة العسكرية الإسلامية، وفيها لمحات من سير القادة الذين طبقوا تلك العقيدة عملياً.

وهناك المصادر الجغرافية القديمة المعتمدة، وهي تعين على تفهم أماكن المواقع الحربية وتصفها وصفاً يقربها إلى القراء جهد المستطاع، وعلى رأس تلك المصادر: معجم البلدان لياقوت الحموي.

والذي نتوخاه من دراسة المصادر المعتمدة كافة ، هو كتابة العقيدة العسكرية الإسلامية بأسلوب سهل مبسط بعيد عن التعقيد، مع إدخال المصطلحات العسكرية الحديثة، بعد تثبيت المصطلحات الفقهية القديمة، لأنها من تراث العرب والمسلمين الذين ينبغي أن يحافظوا عليه ويعتزوا به، وكمثال على ذلك، فإذا الجهاد يكون (فَرْضَ عَيْن ) وهو النفير العام، أو (فرض كِفَاية )، وهو النفير الخاص، بموجب المصطلحات العسكرية الحديثة، وذكر هذه المصطلحات يقربها إلى أفهام العسكريين خاصة والقراء عامة، مع إبقاء المصطلحات الفقهية القديمة في المتن.

والهدف الحيوي من إعادة كتابة: العقيدة العسكرية الإسلامية، هو إعادة تدريسها في المدارس والمعاهد والكليات العسكرية الإسلامية، فقد طال تخلي العرب والمسلمين عن عقيدتهم العسكرية الإسلامية المستمدة من دينهم الحنيف وقد آن لهم أن يعودوا إليها من جديد.

إن العرب والمسلمين يريدون أن يستعيدوا الأرض المقدسة في فلسطين، ويريدون أن يستعيدوا القدس والمسجد الأقصى، ويريدون أن يدافعوا عن حقوق المسلمين المغتصبة في كثير من أرجاء العالم.

ولن يستطيعوا استعادة الأرض المقدسة والحقوق المغتصبة ويدافعوا عن العقيدة والأرض والعِرض إلا بالجهاد الإسلامي.

وهذا الجهاد غير وارد في العقيدتين العسكريتين الشرقية والغربية، بل تقف هاتان العقيدتان المستوردتان منه موقف الرفض، والعداء!

والعقيدة العسكرية الإسلامية، هي العقيدة الوحيدة التي تأمر بالجهاد، وتنهى عن تركه، وتعلم أسسه ومبادئه، وتخرج المجاهدين الصادقين.

والعود الأحمد إلى هذه العقيدة، هو طريق النصر والعزة والمجد وإلاّ فكيف ننتصر بدونها!!!

ملك القلوب 20 - 12 - 2010 11:20 PM

[1] الأهــــــــداف:

كان عبد العزيز فهمي (باشا ) يؤمن: ((أن تحسين الكتابة العربية لا يتأتى مطلقاً إلا بتغيير الحروف التي تكتب بها واتخاذ الحروف اللاتينية، وبذلك نتمكن من الكتابة ومن النطق صحيحين ))، وكان يتحدث بهذا الرأي ويبشِّر به، وأخيراً تقدم بهذا الرأي إلى مجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة اثنتين وستين وثلاثمائة وألف الهجرية (1943م ) (مجلة مجمع فؤاد الأول للغة العربية، 1951،6/18 ) ونشره في رسالته: (رسالة في اقتراح الحروف اللاتينية لكتابة العربية )، فاستنكر الرأي العام العربي والإسلامي هذا الرأي واستهجنه، فمات في مهده غير مأسوف عليه.

وكان ممن استنكر هذا الرأي الشيخ عبدالعزيز البشري (المتوفى سنة 1943م، وقد كان يعمل مراقباً إدارياً لمجمع اللغة العربية بالقاهرة )، المعروفة بنوادره وفكاهته، فقال لعبد العزيز فهمي: ((ماذا: تريد بإدخال الحروف اللاتينية في الكتابة العربية؟! ))، فردَّ عليه:

(( أريد أن أعمِّمها، فأجابه فوراً: )) ((تريد أن تُبَرْنِطها والله لا أن تُعَمِّمها! ))، فذهب جواب البشري عليه رحمة الله مثلاً، وأضحك الذين سمعوه في حينه، ولا يزال يضحك مَنْ يسمعه حتى اليوم.

وبالطبع أراد عبد العزيز فهمي: ((أريد أن أعمِّمها ))، أي أن أجعلها أكثر انتشاراً في العالم، فتظاهر الشيخ البشري بأنه فهم من هذا التعبير، أنه يريد أن ترتدي العمامة، فرد عليه إنك تريدها أن ترتدي (البرنيطة ) لا (العمامة ).

وقد أوردت هذه الحادثة في هذا المجال، لأنني أتذكرها كثيراً، حين أقرأ ما يكتبه قسم من الذين يعيدون كتابة العسكرية الإسلامية: عقيدة وتاريخاً، وقادة وتراثاً، ولغة وسلاحاً، فأجد أنهم يمسخون هذه العسكرية مسخاً، إما لجهلهم المطبق، وإما لأن أفكارهم ملوَّثة بالاستعمار الفكري البغيض، أو لأنهم جهلاء وملوثون أيضاً . ظلمات بعضها فوق بعض، أو لأنهم يكرهون العرب والمسلمين ويعادون كل ما يتصل بهم من قريب أو بعيد.

ولست أشك في حسن نية بعض الذين يعيدون كتابة العسكرية الإسلامية من العرب والمسلمين، وأغلبهم يقصدون خدمة هذه العسكرية خدمة صادقة أو يريدون إبراز مزاياها وعبقريتها، فيجعلون منها عسكرية غربية أو شرقية، وبذلك (يبرنطونها ) ، وهي في حقيقتها لا شرقية ولا غربية، بل هي عربية إسلامية، فما نريد من الذين يُعيدون كتابة العسكرية الإسلامية إلا أن يحافظوا على أصالتها عربية إسلامية، وألا يمسخها شرقية أو غربية، لأن ذلك يناقض الواقع، ويخالف التاريخ، ويجعلها ذنباً للعسكرية الأجنبية، ولا يبقيها رأساً عالياً من الرؤوس العالية.

والعقيدة العسكرية الإسلامية، جزء لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية التي نزل بها الكتاب العزيز، وجاءت بها السنة النبوية المطهرة، فلا ينبغي التلاعب بمبادئها لتوافق العقائد العسكرية الأجنبية لسبب أو لآخر، فذلك تحريف لا يقره الواقع ولا يرتضيه العقل السليم، ويخالف نصوص الكتاب والسنة.

أما الجزء الذي لم يرد فيه نص في الكتاب والسنة، أو ورد في نص اختلف الفقهاء في تفسيره، فلابد من العودة إلى أقوال الفقهاء المجتهدين في الدين من الأئمة، وموازنة آرائهم والأخذ بالأصلح للأمة زماناً ومكاناً.

والمعارك العسكرية الإسلامية، هي التطبيق العلمي للعقيدة العسكرية الإسلامية، فينبغي عند إعادة كتابتها ألا نبدِّل أو نحوِّر شيئاً من حقائقها التاريخية، بل نكتفي بنقل الوقائع كما حدثت فعلاً بأسلوب عصري حديث، لاستخلاص الدروس والعبر التي تفيد العرب في حاضرهم ومستقبلهم.

أما أن نحرِّفها لنجعل منها معارك تشابه المعارك الحديثة، فليس مقبولاً بأي عذر من الأعذار، ولأي سبب من الأسباب.

وكتابة قصة حياة قادة العرب والمسلمين، ينبغي أن يطابق واقعهم الحقيقي رجالاً أدُّوا دورهم القيادي في زمانهم، لا أن نحاول إبقاء أسمائهم وتحوير سيرة حياتهم، حتى نقارن بينهم وبين قادة الأجانب ونفخر بهذه المقارنة، فذلك هدم لقادة العرب والمسلمين، لأنه تشويه للحقائق وتزوير للتاريخ وتزييف للواقع.

ودراسة التراث العربي الإسلامي، ينبغي أن يُنشر محَّققاً كما هو لا كما نشتهي أن يكون، فالحق أحق أن يُتَّبع، والحقيقة أولى بالتحقيق، وإلا فما نشرنا تراثاً أصيلاً، بل زورنا تراثاً غير أصيل.

ووصف الأسلحة العربية الإسلامية وصفاً حقيقياً واقعياً، وإبراز أثرها العملي في القتال، أهم وأجدى من اختراع أوصاف لها غريبة عنها وعن الذين استخدموها في الحرب، وانتصروا على أعدائهم بها.

أما اللغة العسكرية العربية، واللغات العسكرية الإسلامية، فينبغي تطهير مفردات من الألفاظ والمصطلحات الأجنبية الدخيلة، وألا تُستعمل المصطلحات العسكرية الأجنبية بمناسبة وبغير مناسبة بحجة أنها شائعة أو مشهورة، لأن لغة القرآن الكريم لا تعجز عن استيعاب المصطلحات العسكرية الحديثة، ولغة الكتاب العزيز أحق بالحرص على سلامتها والاعتزاز بها من اللغات الأجنبية الأخرى.

ذلك ما كنت أبغي من إثارة موضوع إعادة كتابة العسكرية الإسلامية، وهدفي من إثارته ما وجدته من انحراف واضح في كتابة قسم من أقسام هذه العسكرية، وأملي الوطيد بإيقاف هذا الانحراف عند حِّده قبل أن يصبح تياراً جارفاً لا يُبقي ولا يذر، وحرصي على إعادة كتابة العسكرية الإسلامية بأقسامها كافة بأيدٍ أمينة لا غبار عليها، والعمل بها في المؤسسات العسكرية التدريبية والتعليمية، والالتزام بها في القوات المسلحة العربية الإسلامية نصاً وروحاً، لتقود العرب والمسلمين إلى النصر بإذن الله، هو من أهم أهدافي الحيوية التي آمُل أن يوفقني الله على تحقيقها بمعاونة العرب والمسلمين، والتي عشت من أجل تحقيقها كل حياتي العسكرية والعلمية.

[2] التيــارات المريبــــة:

(أ) لابد لنا من معرفة أبرز التيارات المريبة التي تبذل قصارى جهدها فيهدم الفكر العربي الإسلامي، لكي نستطيع أن نتبين القادرين حقاً على إعادة كتابة الحضارة العربية الإسلامية، ومنها العسكرية الإسلامية.

والهدف الرئيس لهذه التيارات الفكرية المريبة: تلويث الفكر العربي الإسلامي، وانتزاع ثقة العرب والمسلمين بحضارتهم العريقة وماضي أمتهم العربية الإسلامية المجيد، لتنهار معنوياتهم فلا يستطيعون الحرب والقتال، ويستسلمون استسلاماً كاملاً للأعداء.

(ب) فمن هذه التيارات، التيار الاستعماري الصهيوني الماسوني، الذي يقلب الحقائق رأساً على عقب، أو يعللها تعليلاً منحرفاً يصور فيه أمجاد العرب والمسلمين، وكأنها أشياء تافهة لا قيمة لها ولا تستحق الذكر أو الفخر.

والذي يتصيد (المثالب ) ويضخمها، ويبرز معالمها ويعمِّق آثارها، ويغض الطرف عن (المزايا ) أو يهون عمداً من قيمتها الحقيقية.

وأُطلِق على هؤلاء لقب: (الجُعَلِيُّون )، نسبة إلى دابَّة الأرض التي تسمى: (الجُعَل )، وهي دابة لا تستريح إلا في المواضع الندية القذرة ذات الرائحة الكريهة، فإذا وضعت في الأماكن الجافة النظيفة ذات الرائحة الطيبة الذكية، ماتت فوراً.

ويتألف هؤلاء من المستشرقين المغرضين الحاقدين على العرب والمسلمين، وطلابهم من المستغربين الذين حذوا حذوَ المستشرقين المغرضين الحاقدين، وتلوثت عقولهم بما كتبه أساتذتهم فنقلوها إلى العربية نقلاً وادَّعوه لأنفسهم كذباً وزوراً.

(ج) ومن هذه التيارات، التيار الصليبي، الذي يحاول أن يغزو كل مفاخر العرب والمسلمين في الفتوح والحضارة والعلوم والفلسفة والفنون إلى النصارى، فالنصارى عاونوا في الفتح الإسلامي العظيم، وهم الذين نقلوا العلوم والفنون والفلسفة من اللغات الأجنبية إلى العربية وحدهم دون سواهم من الناس.

ولا ينكر التاريخ العربي الإسلامي عليهم حقَّهم ولا حق غيرهم، ولكن إبراز ذلك الحق وجعله كل شيء، ينكره كل مؤرخ منصف، ويستنكره أيضاً.

وأُطلق على هؤلاء لقب: (الصليبيون ) نسبة إلى الحروب الصليبية التي كانت لخدمة الاستعمار لا لخدمة المسيح عليه السلام.

(د) ومن هذه التيارات، التيار الشيوعي، من أصحاب الولاء المزدوج: الولاء الأول للأجنبي، والولاء الثاني لوطنهم الأصلي، فإذا تناقض الولاءان كانت الأسبقية في التفضيل للولاء الأجنبي.

وهؤلاء يجعلون من كل مفخرة عربية إسلامية (إنجازاً )، اشتراكياً، فالفتح الإسلامي (مثلا ً) كان لأسباب اقتصادية، وكل شخصية إسلامية تحدب على الفقراء شخصية اشتراكية، دون أن يفقهوا أن هذا الحدب قد جعله الله (حقا ) للفقراء على الأغنياء، فقال تعالى: (والذين في أموالهم حقٌ معلومٌ للسائل والمحروم ) (المعارج:24)، وقال تعالى: (وفي أموالهم حقٌ للسائل والمحروم ) (الذاريات:19)، وهذا ما لا يحلمون به ولا يطمعون أن تحظى به شعوبهم المغلوبة على أمرها، فالنبي صلى الله عليه وسلم في زعم هؤلاء المنحرفين (يساويّ )، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه (وسط )، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه (يساري )، وعثمان بن عفان رضي الله عنه (يميني )، وعلى بن أبي طالب (يساري )، إلى غير ذلك من المهازل التي يرفضها العقل، ويدحضها المنطق، ويكذبها التاريخ، ويأباها الدين الحنيف!!

وأُطلق على هؤلاء لقب: (القَصَّابِيُّون ) نسبة إلى القصاب الذي ذبح الرجال وسحلهم، وخرَّب البيوت ونهبها، وروَّع الآمنين وانتهك الحرمات، باسم الحرية والتقدمية والاشتراكية، وهو لا يفقه من كل هذه المُثُل شيئاً (جرى ذلك في مدينة الموصل سنة 1959م ).

(هـ) ومن هذه التيارات التيار الجاهلي، الذي يحاول أن يعزو كل أثر للإسلام وتعاليمه ورجاله للعرب، والغرض من هذا الاتجاه هو تمجيد أثر الإسلام في الفتح والحضارة، فظاهره حب للعرب، وباطنه كره للإسلام.

ولا شك في أن الأمة العربية أمة مجيدة، ولا يكره العربَ مسلم حق سواء أكان عربياً أو غير عربي، ولأنني عربي فلا أكره أن أسمع على قومي أطيب الثناء.

ولكن الواقع شيء، والاختلاق شيء آخر.

ولست أعرف ديناً سماوياً، ولا عقيدة أرضية، كرَّمت العرب أُمة وأفراداً، كما كرمها الإسلام.

يكفي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم عربياً ويكفي أن يكون القرآن عربياً، ويكفي أن يكون الخلفاء الراشدون والأمويون والعباسيون عرباً.

ويكفي أن يكون كل قادة الفتح وجنوده (تقريباً ) من العرب.

وقد وردت إحدى وأربعون آية كريمة في سور مختلفة من سُور القرآن الكريم عن العرب بالذات. (تفصيل آيات القرآن الكريم:566 - 571 ).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يكره العرب إلا منافق )) (رواه الإمام أحمد)، كما جاء في فضل العرب كثير من الأحاديث النبوية ترويها كتب السُّنة، منها: (( إذا ذلَّ العرب ذل الإسلام )) (19)، ومنها: ((حُب العرب إيمان وبغضهم نفاق )) (20)، ومنها: ((أحبوا العرب لثلاث: لأني عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي ))(21)، ومنها: ((ألاَ مَنْ أحب العرب فبحُبي أحبَّهم، ومَنَ أبغض العرب فببغضي أبغضهم )) (رواه الطبراني).

وقال الإمام ابن تيمية: ((إن العرب أفضل من جنس العجم ))، وقال: ((الأحاديث الواردة في فضل قريش كثيرة، وهي تدل على فضل العرب )) (22).

ولم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم الجزية من عرب الجزيرة العربية، وهذا خلاف الحكم على غيرهم (الخراج لأبي يوسف:70 ).

وقد ضاعف عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصدقة على نصارى بني َتغْلِب وأسقط عنهم الجزية(23)، تكريماً للعرب.

وحتى الفقهاء أعطوا للعرب مكانتهم التي يستحقونها شرعاً، ففي بيان ما تعتبر فيه الكفاءة، في قضايا الزواج، ذكروا أشياء منها: النسب، فقالوا: ((والعرب بعضهم أكفاء لبعض: رجل برجل، والموالي أكفاء بعضهم لبعض: رجل برجل، لأن التفاخر والتعيير يقعان بالأنساب )) ولا تكون الموالي أكفاء للعرب، لفضل العرب على العجم (24).

وقال السرخسي: العرب بعضهم أكفاء لبعض، فإن فضيلة العرب بكون رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، ونزول القرآن بلغتهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( حب العرب من الإيمان )، وقال لسلمان الفارسي: (( لا تبغضني! قال: وكيف أبغضك وقد هداني الله بك؟! قال تبغض العرب فتبغضني )) (المبسوط: 5،44).

ولو أردنا أن نستقصي كل ما جاء في فضل العرب من الأقوال أئمة المسلمين، لجئنا بأقوال لا تُعَدُّ ولا تحصى . (انظر خاتمة كتابنا: قادة فتح الشام ومصر ).

ولا أظن أن هناك عربياً واحداً، مسلماً كان أو نصرانياً، مخلصاً (حقاً ) لقومه العرب، يرفض الإسلام ويتنكر لأثره العظيم في العرب، إلا إذا كان جاهلاً كل الجهل، أو صليبياً أو صهيونياً يكره الإسلام ويحاربه، أو عميلاً للاستعمار والصهيونية وأعداء العرب والمسلمين، أو مغرَّراً به كل التغرير.

وأُطلق على هؤلاء لقب: (الجاهليون )، نسبة إلى الجاهلية في عصبيتها القبلية وشركها وتخبطها وكرهها للإسلام، وهذا هو معنى الجاهلية: جهالة وضلالة، والحالة التي تكون عليها الأمة قبل أن يجيئها الهدى والنبوة.

(و) ومن هذه التيارات، التيار الشعوبي، وهو المفضل أمر العجم على العرب، والمصغِّر أمر العرب، والمحاول الحط منهم (متن اللغة: 3/328 )، وهو مفرد الشعوبية، وكانت نزعة في العصر العباسي تنكرت للعرب أي تنكر وعادتهم أي عداء.

وهؤلاء يقللون من شأن العرب، ويغمطون حقوقهم، ويحطون من أقدارهم، وينكرون عليهم كل فضل، ويتنكرون لهم بالتظاهر بالإخلاص للإسلام والدِّفاع عنه.

ولا يمكن أن يحب المرء الإسلام ويخلص له ويتمسك به بتعاليمه ويلتزم به، ثم يكره العرب الذين هم مادة الإسلام، فيتنكر لهم وينكر فضلهم، ويقلل من شأنهم ويغمط حقهم في أمجاد المسلمين حضارة وفتحاً.

إن العرب جسد، روحه الإسلام، والجسد بدون روح فناء، والجسد بالروح بقاء.

وأُطلِق على هؤلاء لقب: (الشُّعوبيون )، ولا يكره العرب إلا منافق، كما قال عليه أفضل الصلاة والسلام.

(ز) إن كل عربي ومسلم، لا يأتمن الجُعَلِيِّين والصليبيين والقصابين والجاهليين والشعوبيين على إعادة كتابة العسكرية الإسلامية عقيدة وتاريخاً، وقادة وتراثاً، ولغة وسلاحاً، فهؤلاء الحاقدون والمبغضون والمنحرفون والمرتدون والمنافقون يمسخون العسكرية الإسلامية ويشوهون معالمها، ويزيفون أحداثها، ويدسون فيها ويفترون عليها ويشكون بها باسم البحث العلمي والموضوعية والنقد وشعارات زائفة أخرى، وكل هذه الشعارات منهم براء.

إن كل عربي مسلم، لا يأتمن على إعادة كتابة العسكرية الإسلامية غير العربي الأصيل والمسلم الحق، فهؤلاء وحدهم يعيدون كتابتها بأسلوب العصر، وينقونها من الشوائب التي علقت بها عبر القرون.

ولكن هذا القول وحده، لا يُغني عن كل قول.

[3] العلمــاء القـادرون:

(أ) إن القادرين على إعادة كتابة العسكرية الإسلامية كثيرون من علماء العرب والمسلمين وقليلون من الضباط.

وهذا العصر أصبح عصر ذوي الاختصاص بالدرجة الأولى، والضباط وحدهم هم القادرون بحق على النهوض بهذه المهمة الصعبة الشاقة ذات المجالات المتشعبة الواسعة، التي تحتاج إلى الصبر الجميل والدأب المتواصل، والسهر المستمر، والحرص الشديد، والاختصاص والتفرغ الكامل.

ومن المهم جداً، أن يعاون الضباط علماء من ذوي الاختصاص، كل حسب اختصاصه، لأن الضباط يستطيعون تفهم العسكرية الإسلامية بأقسامها بشكل أفضل من غيرهم، لعلاقة العسكرية الإسلامية بعملهم المباشر ضباطاً في الجيش، ولكن ليس كل ضابط قادراً على النهوض بمثل هذا الواجب الحيوي العظيم.

إن الضابط الذي يستطيع أن ينتج في مجال العسكرية الإسلامية إنتاجاً سوياً، لابد من أن يكون عالماً في فنه العسكري، مجرِّباً تجارب طويلة ومثمرة في العمليات القتالية والأمور الإدارية، متقناً للغة العربية إتقاناً جيداً، نظيفاً في عقله لا يعاني داء الاستعمار الفكري، ليس مبهوراً بالعقائد العسكرية الأجنبية، سليماً في عقيدته الإسلامية، يعرف قيمة المعارك الإسلامية وأقدار والقادة المسلمين، خبيرً بالمصادر العربية الإسلامية المعتمدة وبالمصادر الأجنبية الموثوق بها، يعتبر العلم عبادة من أجلِّ العبادات لا تجارة من أربح التجارات، ويرى في جهده مهما يكن شاقاً وطويلاً جهاداً خالصاً لوجه الله، مستعداً للتضحية بجهده وماله من أجل إخراج إنتاجه العربي الإسلامي إلى حيز التنفيذ، دون أن ينتظر من أحد جزاء ولا شكوراً، وحسبه أجر الله في إخراج علماً يُنتفع به، ويبقى أجره متجدِّداً ما بقي المنتفعون به.

والضابط من هذا الطراز نادر جداً، لأن المستعمر رَبّى الضباط على حب لغة الأجنبي وتعلمها، وكره العربية الفصحى وجهلها، ودراسة القادة الأجانب وإغفال القادة العرب والمسلمين، والانبهار بالعقيدة العسكرية الأجنبية والاحتقار للعقيدة العسكرية العربية الإسلامية، والتفرغ للكأس والطاس والسهر في الحفلات الترفيهية والنوادي الرخيصة.

فإذا استطاع نفر قليل جداً من الضباط - برحمة الله - أن يتملصوا من تربية المستعمر ومناهجه التخريبية، فالفضل لله وحده، ولولا رحمة الله لما اهتدوا وما استقاموا.

وعلى هؤلاء النفر القليل من الضباط، يقع واجب قيادة عملية إعادة كتابة العسكرية الإسلامية من جديد.

(ب) ولكن العلماء المدنيين من ذوي الاختصاص، لهم دور مرموق في إعادة كتابة العسكرية الإسلامية بأسلوب عصري مفيد.

فالعلماء المفسرون والمحدِّثون والفقهاء، لهم أهمية خاصة في إعادة كتابة العقيدة العسكرية الإسلامية، خاصة وأن أهم مصادر هذه العقيدة هي القرآن الكريم، وكتب الحديث وكتب الفقه.

والمؤرخون الثقات، لهم أهمية كبيرة في إعادة كتبة المعارك العربية الإسلامية خاصة وأن أهم مصادر هذه المعارك هي: المصادر التاريخية العربية الإسلامية المعتمدة.

والجغرافيون الثقات، لهم دور في إعادة كتابة المعارك العربية الإسلامية، خاصة وأن أهم مصادر مواقع هذه المعارك هي المصادر: الجغرافية القديمة، كما أن رسم الخرائط والمخطَّطات ضروري لتوضيح هذه المعارك.

والمؤرخون والجغرافيون الثقات، لهم أهمية قصوى في كتابة سِيَر قادة العرب والمسلمين، لجمع المعلومات الخاصة بهؤلاء القادة من مظانها في المصادر المختلفة، ورسم الخرائط والمخططات التوضيحية لمعارك القادة.

وتحقيق التراث العربي الإسلامي بحاجة إلى علماء اللغة بالدرجة الأولى، فهم القادرون على تحقيق هذا التراث ونشره.

والمؤرخون واللغويون والمهندسون لهم أهمية خاصة في تحقيق أنواع الأسلحة العربية الإسلامية وأسلوب عملها واستخدامها، المؤرخون لتحقيق المعارك التي استعملت فيها، واللغويون لتحقيق أسمائها وأقسامها في اللغة، والمهندسون لرسم أشكالها وتفصيل عملها وآليتها.

واللغويون لهم دور عظيم في تطهير اللغة العسكرية في الألفاظ الدخيلة ووضع المصطلحات العسكرية الحديثة.

(ج) ولكن أي صنف من العلماء ينبغي أن يكون هؤلاء المرشحون للعمل في إعادة كتابة العسكرية الإسلامية؟

لابد أن يكون العالم متيناً في علمه، حتى يمكن أن يفيد فائدة كاملة ورصينة، ولا فائدة من عالم غير متمكن من علمه، لأنه يضر أكثر مما يفيد، وانحرافه عن الواقع تكون له عواقب وخيمة إلى أبعد الحدود.

وأن يكون مخلصاً بعمله، غايته النجاح في عمله، فإذا انتفع بعمله مادياً فذلك خير، لا أن تكون غايته الانتفاع مادياً أولاً وقبل كل شيء.

وبهذه المناسبة، أجد قسماً من الدول العربية الغنية تغدق الأموال الطائلة على العلماء، أو على المشتغلين بالعلم بتعبير أدق، لأن العالم حقاً لا يُغرى بالمال.

وأشهد أن إغداق الأموال الطائلة على المشتغلين بالعلم أو تجار العلم، أفسد العلم، لأن تجار العلم انتهزوها فرصة للإثراء السريع، فأخذوا يكتبون أي شيء ويحاضرون بأي كلام، ليقبضوا الأموال بسرعة، لأن الكتابة الأصلية تستغرق وقتاً طويلاً في البحث والتنقيب والإعداد، لذلك يكتبون أي كلام ليتقاضوا الأجر المادي، وهذه الكتابة المتهافتة الهزيلة تنجز بسرعة، ويتقاضى عليها الأجر نفسه الذي يتقاضاه على البحث الأصيل، بينما يستغرق إعداد البحث الأصيل أضعاف ما يستغرقه البحث الهزيل من وقت، ولهذا يُؤْثِر البحث الهزيل على البحث الأصيل حباً بالمال، مما أدى إلى ضعف مستوى الكلمة المكتوبة، فأصبحنا نشم رائحة المال منها ولا نشم رائحة العلم.

وما يقال عن الكلمة المكتوبة، يقال عن الكلمة المسموعة.

أما إذا جرى انتداب تجار العلم للنهوض بواجب علمي معين، فإنهم يستغرقون وقتاً لإنجازه، هو أضعاف الوقت المناسب لإنجازه، فهم يعملون من الحبة قُبَّة لكي يقتنصوا أضخم مبلغ ممكن من المال، ومن المشكوك جداً أن ينجز هؤلاء عملاً علمياً كما ينبغي، لأنهم تجار وليسوا علماء حتى ولو كانوا علماء حقاً.

وتجار العلم يكتبون ويقولون ما (يحب ُّ) أن يسمع دافع الأموال لهم سواء أكان الدافع حكومة أو شعبياً، وهذا ليس علماً بل نفاقاً.

أما العالم المخلص في عمله، فيكتب ويقول ما (يجب ) أن يسمع دافع الأموال، لأن كلمة العلم فوق كل كلمة، ونعم الأمراء على أبواب العلماء، وبئس العلماء على أبواب الأمراء.

إن أدعياء العلم، وتجار العلم، وعلماء السلطان، لا مكان لهم في كتابة العسكرية الإسلامية، لأنهم يضرون ولا ينفعون، ويعمرون جيوبهم بخراب قلوبهم.

وأخيراً، أن يكون العالم محافظاً على كرامة العلماء، فكل مَنْ هَبّ ودبّ يستطيع أن يكون رئيساً أو مسؤولاً أو يتولى سلطة كبيرة، ولكن ليس كل من هب ودب يستطيع أن يكون عالماً، ويمكن أن تولي (المراسيم ) أي شخص أي منصب، ولكنها لا يمكن أن تجعل من الجاهل عالماً.

وما أروع قولة هارون الرشيد: ((تكبر علينا علم مالك، فاستفدنا منه )) وما تكبر علم مالك على الفقراء، ولكنه لم يستخذ لذوي السلطان.

إن العالم الذي يفيد حقاً في كتابة العسكرية الإسلامية، هو العالم المتين في علمه، العامل بعلمه، المخلص بعمله، المحافظ على كرامة العلماء، المؤمن بأن العلم (عبادة ) من أجلِّ العبادات وليس (تجارة ) من أربح التجارات.

وهؤلاء العلماء الأعلام، إذا تعاونوا مع الضباط الذين ذكرنا مزاياهم، فإن إعادة كتابة العسكرية الإسلامية ستولد حَيَّة، تفيد حاضر العرب ومستقبلهم، وسيكون لها أثر وتأثير عظيمان في العقول والنفوس معاً، وستؤتي ثمراتها مرتين بإذن الله.

أما إذا تعاون تجار العلم مع الضباط الملوثين عقلياً فإن إعادة كتابة العسكرية الإسلامية ستولد ميِّتة، لا تفيد صديقاً ولا تضر عدواً، تفوح منها رائحة الدرهم والدينار أكثر مما تفوح منها رائحة العلم، ويكون مولدها من مصلحة أعداء العرب والمسلمين لا من مصلحة العرب والمسلمين.

[4] المنهــاج والأســلوب:

(أ) لا أثق بتشكيل اللجان كثيراً، وخاصة في القضايا العلمية، فقد كان نصيب اللجان الإخفاق الكامل إلا نادراً.

لهذا أرى أن يقوم بإعادة كتابة العسكرية الإسلامية ضابط واحد فقط، يعاونه في:

كتابة العقيدة الإسلامية مفسِّر واحد وفقيه واحد.

وكتابة المعارك العربية الإسلامية، مؤرخ واحد، وجغرافي واحد.

وكتابة قادة العرب والمسلمين، مؤرخ واحد، وجغرافي واحد أيضاً.

وكتابة الأسلحة العربية الإسلامية، مؤرخ واحد، ولغوي واحد، ومهندس واحد.

وكتابة اللغة العسكرية العربية، لغوي واحد، وعالم واحد باللغة الإنكليزية، وعالم واحد باللغة الفرنسية.

ويكون مع كل قسم من هذه الأقسام الخمسة إداريان: الأول كاتب على الآلة الطابعة، والثاني منسِّق للكلمات والمفردات والتصحيح.

أما تحقيق التراث العسكري الإسلامي العربي فيوزع التراث على اللغويين المختصين لإجراء التحقيق في دورهم، وتوقيت الانتهاء من التحقق، ثم يبعثون التراث الذي حققوه إلى مقر هيئة إعادة كتابة العسكرية الإسلامية، لمراجعة التحقيقات وإخراجها للناس.

إن ضخامة عدد العاملين في هذا الحقل لا فائدة فيه، وقد يؤدي إلى عرقلة إنجاز المشروع أكثر مما يؤدي إلى الإسراع بإنجازه.

وما يقال عن العاملين، يقال عن الإداريين أيضاً، والمهم هو تقسيم الواجبات بوضوح، ومطالبة كل فرد بأداء واجبه.

أما أن نحشر الإداريين حشراً، فهو يؤدي إلى ضياع المسؤولية، وبالتالي إلى الإخفاق.

لقد كتبت قادة الفتح وحدي، لا يعاونني أحد، أعمل كل شيء بنفسي، فأخرجت سلسلة قادة الفتح الإسلامي الأربع: قادة فتح العراق والجزيرة، وقادة فتح بلاد فارس، وقادة فتح بلاد الشام ومصر، وقادة فتح المغرب العربي، وهي مطبوعة.

وأنجزت حتى اليوم: قادة فتح السند وأفغانستان، وقادة فتح ما وراء النهر، وقادة فتح أرمينية، وقادة فتح بلاد الروم، وهي مخطوطة تنتظر أن أدفع بها إلى المطبعة قريباً إن شاء الله.

كما كنت رئيساً للجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية التي أخرجت للناس أربعة معجمات موحِّدة سبق ذكرها.

والقادة واللغة أصعب كثيراً من أقسام العسكرية الإسلامية الأخرى، وتجربتي هي التي أنارت لي الطريق في اقتراح منهاج العمل لإنجاز ما تبقى من هذه العسكرية.

ومن المهم إعداد المصادر التاريخية والجغرافية والفقهية واللغوية، التي تعين العاملين في هذا المجال للنهوض بمهمتهم على أحسن وجه وبأحسن طريقة وأسرع وقت.

وسنتان على الأكثر كافيتان لإنجاز ما تبقى من العسكرية الإسلامية.

(ب) أما أسلوب إعادة كتابة العسكرية الإسلامية، فقد ذكرت شطراً منه فيما سبق، وأسلوب إعادة كتابة العقيدة العسكرية الإسلامية، والمعارك العربية الإسلامية معروف جداً، والمهم فيه أن يكون عربياً إسلامياً لا مستورداً من الشرق أو الغرب الذي يعتمد أسلوب الإطناب الممل، ولا أسلوب المتون الذي يعتمد الإيجاز المخل، بل الأسلوب الوافي بالغرض . . البعيد عن الإطناب والإيجاز، الذي يحافظ على الحقائق ولا يحمل القضايا ما لا تطيق، والذي يمكن استنباط الدروس والعرب منه بسهولة ووضوح، بدون استعمال الألفاظ الأجنبية الدخيلة، والاكتفاء بالألفاظ العربية الأصيلة.

وقد حاولت أن أقرأ كل ما صدر من دراسات عسكرية حديثة في شتى أقسام العسكرية الإسلامية التي صنعها مؤلفون عرب ومسلمون، وسأعرض ما لمسته في تلك الدراسات في انحراف.

فقد ذكر أحد المؤلفين المحدثين، في دراسة خاصة بالحرب والسلام في الإسلام: أن لكل نبي معجزة، فمعجزة موسى العصا، ومعجز عيسى شفاء المرضى الذين لا يُرجى شفاؤهم بإذن الله، ومعجزة محمد (هكذا ) الحرب!

وقد وقع هذا المؤلف فريسة سهلة بيد المؤلفين الأجانب من أعداء العرب والمسلمين، فنقل مزاعمهم نقلاً ونسبها إلى نفسه.

والغريب العجيب أن أحد المؤلفين الأجانب نقل هذا الكلام عن المؤلف العربي المسلم، وبنى عليه أباطيل مذهلة في السراب!!

ولو لم يكتب المؤلف العربي المسلم ما كتب، لأسدى أعظم خدمة بسكوته للعسكرية الإسلامية، ولكن سبق السيف العذل.

أما في مجال إعادة كتابة المعارك العربية الإسلامية، فقد أكثر الذين أعادوا كتابتها في تحميلها ما لا تحتمل، فاحتفظوا بأسماء المعارك، ومسخوا فحواها مسخاً.

وإذا لم يستطع الذين يعيدون كتابة معارك الفتوح مثلاً أن يحتفظوا بالحقائق ويحافظوا عليها، فالأفضل لهم وللعرب والمسلمين وللتاريخ وللعسكرية الإسلامية أن يُبقوا كل شيء على ما هو عليه.

إن من الصعب جداً أن نقارن بين معركة إسلامية جرت قبل أربعة عشر قرناً، بمعركة حديثة جرت في الحرب العالمية الثانية، من ناحية التفاصيل والأساليب القتالية، لأنها مختلفة في المعركتين اختلافاً بعيداً، لاختلاف أنواع الأسلحة ووسائط النقل والمواصلات وتعداد المقاتلين، وزج هذه المقارنة بهذه الطريقة الناشزة، بمناسبة أو بدون مناسبة، خطأ فاحش لا مسوِّغ له، وقع فيه كثير من الذين حاولوا إعادة كتابة المعارك العربية الإسلامية، فأساؤوا وهم يحسبون أنهم أحسنوا صنعاً، لأنهم جعلوا من المعارك العربية الإسلامية ذنباً للمعارك الأجنبية، وهي ليست ذنباً بل رأساً، لأنها أقدم توقيتاً من المعارك الأجنبية، وقد يقتبس الحديث من القديم، والعكس ليس صحيحاً بل مستحيلاً.

ولكن يمكن مقارنة مبادئ الحرب في المعركتين القديمة والحديثة، لأن المبادئ ثابتة، والأساليب متغيرة.

وما يقال عن المعارك العربية الإسلامية، يقال عن القادة العرب والمسلمين، فلهؤلاء القادة سماتهم ومزاياهم التي تناسب عصرهم وعقيدتهم وسلوكهم وتقاليدهم، فينبغي الإبقاء على تلك المزايا والسِّمات كما كانت عليه دون أن نبقي أسماءهم كما هي ونمسخ سيرتهم بإضافة مزايا وسمات جديدة إليهم لم يكونوا يعرفونها ولم يسمعوا بها، ولو عادوا إلى الحياة لما تقبلوها.

لقد عاشوا قبل أربعة عشرا قرناً، والقادة الأجانب الذين عاشوا في القرن الحالي، يختلفون عنهم في كل شيء تقريباً، فإذا شبهنا قادة العرب والمسلمين بالقادة الأجانب كما يفعل قسم من المؤلفين المحدثين من العرب والمسلمين، فقد قللنا من أقدار قادتنا ومنزلتهم، وأسأنا إليهم من حيث أردنا الإحسان . .

وهذا ما لا يقبله العقل ولا يرتضيه المنطق ولا يُقرُّه الوجدان ويأباه القادة العرب والمسلمون.

(ج) ذلك غيض من فيض، تتسم به الدراسات العسكرية الإسلامية، أكفي بذكر أمثلة منها وأترك الباقي للدارس العربي المسلم الحصيف.

ولا أريد أن أشق على القارئ في سرد تفاصيل تلك الانحرافات والأخطاء، وحسبي ما ذكرته منها دليلاً على أنها ليست بالمستوى المؤمل .

وسبب هذه الانحرافات والأخطاء التي وقع فيها المؤلفون الأجانب، هو التنفيس عن حقدهم الدفين على العرب والمسلمين، بتزوير التاريخ وتشويهه، واتهام الحضارة الإسلامية بتهم هي منها براء.

وانتقل الزور والتشويه والدس والافتراء إلى العقول العربية بالأستاذ الذي تخرج في الجامعات الأجنبية، وبالكتاب الذي ألَّفه المؤلفون الأجانب، وبترجمة الكتب الأجنبية المريبة ونقلها إلى العربية دون تمحيص، وبتدريس تلك الكتب في المؤسسات التعليمية العربية والإسلامية، حتى استشرى التزوير والدس وشاع، فأصبح بالنسبة للجهلة هو الحق الذي لا مراء فيه، وبالنسبة للملوثة عقولهم بهذا الكذب الصارخ هو العلم الذي لا علم غيره.

وبالتدريج نقلت هذه الافتراءات في الكتب المؤلفة حديثاً، عن حسن نية أو سوء نية، لا فرق بينهما، لأن النتيجة واحدة، وهي أنها تثبت أن عقل المؤلف ملوَّث بالاستعمار الفكري البغيض، وأنه مطية للأجنبي الحاقد شاء أم أبى، وانه جاهل بمصادر المعتمدة التي ينبغي أن يعتمدها في تأليفه ولا يعتمد المصادر الأجنبية المريبة.

وقد حدثتك عن المؤلف العربي المسلم الذي نقل فرية: ((أن معجزة محمد هي الحرب )) من المصادر الأجنبية المعروفة بانحيازها للصهيونية والصليبية والماسونية وتحيزها على العرب والمسلمين، فالتقط هذه الفرية مؤلف أجنبي ونقلها فوراً عن المؤلف العربي المسلم، ليدعي أن هذه ليست فرية بل حقيقة ثابتة يتداولها المسلمون فيها بينهم ويعترفون بها، ويقرون بحقيقتها ... وهو يعلم حق العلم أنها فرية مكشوفة، زورها الأجانب الحاقدون، واستوردها العرب والمسلمون الجهلة، كما أنه يعلم حق العلم أن العربي الحق والمسلم الصحيح بعيد بُعد السماء عن لأرض عن مثل هذه الافتراءات التي لم يسجلها مصدر عربي إسلامي، ولا رواها أو عرفها ولا مسلم منذ جاء الإسلام حتى اليوم.

ومن أجل أن أذكِّر العرب والمسلمين بأهمية العسكرية العربية الإسلامية وضرورة إعادة كتابتها بأيدٍ أمينة قادرة، من جديد.

ومن أجل أن أضع الطريقة المثلى لإعادة كتابتها أمام العرب والمسلمين.

ومن أجل أن أستثير همم علماء العرب والمسلمين، ليعيدوا كتابتها لمصلحة حاضر العرب والمسلمين في كل مكان للاتجاه نحو غد أفضل.

ومن أجل تحقيق كل هذه الأهداف الحيوية الرئيسة، عكفت على تدوين هذه الدراسة، داعياً الله أن تكون خالصة لوجهه الكريم، وأن يحقق الأهداف التي دُوِّنت من أجلها، وحسبنا الله ونعم الوكيل ..

وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.

ورضي الله عن قادة الفتح وجنوده، وقادة الفكر وجنوده، وعن المجاهدين الصادقين، وعن جميع الذين خدموا الإسلام شريعة وعقيدة ومُثُلاً عُليا ولغة وتراثاً.

زهرة عمان 30 - 12 - 2010 07:49 PM



الساعة الآن 09:51 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى