منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   لكي لا ننسى .. (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=256)
-   -   مذكرات حصار الشهيد القائد ياسر عرفات :: (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=15415)

عاشق البندقيه 25 - 4 - 2011 08:52 AM

قلق القيادة الفلسطينية من خلق قيادة بديلة

طوال الثمانية الأولى من الحصار عاشت القيادة الفلسطينية قلقا حقيقيا من إمكانية تحقيق شارون لمخططه من خلق قيادة فلسطينية بديلة، وكيف لا وشارون بدأ بترجمة تصريحاته على الأرض، فهو الآن يحاصر الرئيس عرفات في مقره، ويقف على عتبة المقر، وحاول جديا اقتحام المقر، لكن صمود وبسالة المقاتلين دحرت مخططه بالاقتحام في الأيام الأولى من الحصار، حيث تأكد شارون أن أي محاولة اقتحام لا بد أن تصاحبها مجزرة حقيقية قد تكون لها حسابات عكسية لسياسته.

ومع ذلك أكد شارون أنه سيعزل الرئيس عرفات وسينفيه، وأن عرفات ليس شريكا له في عملية السلام.

تزامنت تصريحات شارون بتصريحات للرئيس الأميركي جورج بوش يبرر فيها العدوان الشامل والسافر على الشعب الفلسطيني بما فيها عملية حصار الرئيس عرفات في مقره، مشيرا إلى أن الرئيس عرفات فوت الفرصة على شعبه لتحقيق السلام.

وما زاد الطين بلة دعوة ممثل السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي خافير سولانا ، الرئيس عرفات وشارون إلى الاستقالة والتقاعد.

أدرك الرئيس عرفات حينها أن المؤامرة قد حيكت ضده شخصيا والتي بدأ شارون بتنفيذ فصولها.

الرئيس عرفات المحاصر والذي يتعرض لقصف الدبابات كان وحيدا في مواجهة هذا التحدي الوجودي، ولم يكن معه في حصاره أحد من القادة الفلسطينيين السياسيين سوى مستشاره نبيل أبو ردينة، وبعض القادة العسكريين، ومع انقطاع الاتصالات الهاتفية بدأت الأمور تزداد صعوبة وتعقيدا بالنسبة للرئيس عرفات، فالمطلوب أميركيا وإسرائيليا من القيادة الفلسطينية هو نفي ذاتها.

اقتصر الرئيس عرفات في اتصالاته في الأيام القادمة من الحصار على أربعة مسئولين فلسطينيين هم محمود عباس أبو مازن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وياسر عبد ربه وزير الثقافة والاعلام، وصائب عريقات وزير الحكم المحلي، والعقيد محمد دحلان رئيس جهاز الأمن الوقائي في غزة، وفيما بعد محمد رشيد المستشار الاقتصادي.

الرئيس عرفات لحق أيضا بالباحثين عن زاوية في محاولة لالتقاط الإرسال من هاتف نقال يعمل بنظام الأورنج بعد انقطاع الاتصالات الأرضية وصعوبة الاتصالات اللاسلكية.

ووجد هذا الركن في احدى زوايا المطبخ، وهذا اضطره للتنقل من الطابق الثاني إلى الثالث للقيام باتصالاته.

لقد أدرك الرئيس عرفات حجم وعمق المؤامرة الإسرائيلية والدولية، ورد عليها في أول حديث علني تمكن من إجرائه بأنه لن يكون أسيرا أو طريدا، بل شهيدا.

في الحقيقة لم تكن هذه الكلمات مجرد كلمات للاستهلاك المحلي أو للتحريض.. بل هي تلخيص حقيقي للموقف الذي اتخذه الرئيس عرفات في مواجهة معركة الوجود هذه.

لقد أراد أولا أن يوجه رسالة للمحاصرين معه أن الأمر قد حسم باتجاه المواجهة التي قد تؤدى إلى شهادة جميع من في المقر، وبالتالي فان عليهم ترتيب أوضاعهم على هذا النحو.

ثانيا: وجه رسالة للقيادة الفلسطينية في الخارج مفادها أن المواجهة ستكون حتى النهاية، وهذا النهج الذي اختطه رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأن لا مجال لعقد صفقات جانبية قد تضر بهذا التوجه، إلا إذا غيرت الولايات المتحدة من موقفها الحالي الداعم لشارون في عملياته العدوانية التي تستهدف القيادة والسلطة على حد سواء.

وثالثا: وهو الأهم قطع الطريق كلية أمام المخططات الإسرائيلية والأميركية في خلق قيادة فلسطينية بديلة، فمن سيتجرأ حتى على التفكير لأن يكون بديلا لمشروع الشهادة الذي أطلقه الرئيس عرفات.

لقد أخرج الرئيس عرفات بكل أوراقه ليواجه المعركة حتى وان كان وحيدا، فقد اعتاد اللعب بالنار وأجاد اللعب بها على مدى ثلاثين عاما، ولكن الورقة الأساسية التي كانت بيديه هي الجماهير الفلسطينية والعربية التي أثبتت بجدارة أنها قادرة بتحركها أن تكون عاملا مؤثرا في حقيقة المعادلة السياسية العربية القائمة.

وأدرك الرئيس عرفات بحسه الفطري أن حركة الجماهير العربية التي انطلقت في مختلف العواصم العربية مع مزيد من الصمود والثبات الفلسطيني قد يؤتي بثماره قريبا. رغم استمرار التصريحات الإسرائيلية والأميركية العدائية



عاشق البندقيه 25 - 4 - 2011 08:52 AM

الحلقة الخامسة:

بعد أربعة أيام على حصار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات جرت الاتصالات تباعا بين الرئيس عرفات والقيادة الفلسطينية لمواصلة اتصالاتها مع الأطراف الدولية.

وفي اليوم الثامن لحصار الرئيس عرفات في يوم الجمعة 5/4 كان مقررا أن يأتي المبعوث الأميركي أنتوني زيني لمقر الرئيس عرفات، تبادر لذهن البعض أن الجنرال زيني وهو مبعوث الرئيس الأميركي لن يأتي إلى المقر والدبابات الإسرائيلية تحاصره، بل أن احتمالية عالية بدأت تقترب لرفع الحصار، ولكن الحصار بقي مفروضا ولم تتزحزح الدبابات والمجنزرات عن البوابة الداخلية لمقر الرئيس.

الرئيس عرفات أدى صلاة الجمعة في غرفته، ولم يطلب من الطهاة إعداد طعام خاص كما جرت العادة إذا قدم أحد الضيوف الكبار للقائه وقت الطعام، وكيف يقدم الطعام وقوات الاحتلال تمنع دخوله إلى المقر.

وحضر الجنرال زيني إلى المقر الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرا وهو محروسا بقوات كبيرة من جيش الاحتلال أوصلته إلى بوابة المقر.

استمر اللقاء مدة تسعين دقيقة بين عرفات والجنرال زيني، وكان من الواضح أن زيني كان لديه قائمة مطالب يدركها الرئيس عرفات مسبقا.

أعاد زيني في هذا الاجتماع مطالب شارون والمتمثلة أساسا في تسليم أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطيني أحمد سعادات، وخمسة أعضاء من الجبهة الشعبية وهم عاهد أبو غلمه المتهم بمسئوليته عن كتائب الشهيد أبو على مصطفي الجناح العسكري للجبهة الشعبية، ومجدي رحيمي المتهم بمسئول الخلية التي قامت بتنفيذ قتل وزير السياحة الإسرائيلي المتطرف رحبعام زئيفي، وحمدي قرعان المتهم بتنفيذ عملية القتل، وباسل الأسمر المتهم بالمساعدة في عملية القتل، أضافة إلى العميد فؤاد الشوبكي مسئول الادارة المالية لقوات الأمن الوطني، والمتهم في قضية سفينة الأسلحة (كارين أيه).

عاشق البندقيه 25 - 4 - 2011 08:53 AM

والمطلب الآخر الذي جاء به زيني هو إعلان الرئيس عرفات لوقف اطلاق النار.

عمليا الاجتماع لم يحرز أية نتائج على صعيد وقف العدوان الإسرائيلي، وكان ذلك متوقعا من الرئيس عرفات سيما وأن الجنرال زيني جاء إلى المقر في ظل تواصل الحصار الإسرائيلي لمقر الرئيس عرفات.

رأى البعض في قدوم زيني ولقائه مع عرفات وأن لم يحرز نتائج على صعيد وقف العدوان، هو العودة الأميركية للشرعية الفلسطينية مرة أخرى ممثلة بالرئيس عرفات، بعد أن كانت الإدارة الأميركية قد بدأت عمليا بالابتعاد عن إجراء أي اتصال مع القيادة الفلسطينية.

لكن بعد هذا اللقاء أمر الرئيس عرفات بتشكيل لجنة فلسطينية يترأسها الدكتور صائب عريقات لاستكمال المباحثات مع الجنرال زيني في القدس، والتي سرعان ما منعها الإرهابي شارون من مواصلة عملها عبر منع وصول الوفد الفلسطيني وعدم الأحتجاج الأميركي على ذلك.

في الحقيقة أن لقاء زيني مع الرئيس عرفات اعتبر مهما في شكله وليس في نتائجه، وهذا ما جعل من بعض المحاصرون يؤكدون أن بالإمكان القول الآن أن السكين ابتعدت عن الرقبة بضع السنتيمترات، بعد أن بدأت بالتعامل مع الرئيس عرفات مجددا، وأعلان صريح بفشلها أنها لم تستطع إيجاد بديل عن الرئيس عرفات كقائد حقيقي للشعب الفلسطيني.
طبعا استفاد المحاصرون من مجيء زيني بأن سمحت قوات الاحتلال إدخال أول كمية تموين لمقر الرئيس وبالتالي نام المحاصرون لأول مرة بعد أن تناولوا وجبه طعام وشربوا المياه.
ومضى شارون في سياسة تنفيذ مجازره في مخيم جنين والبلدة القديمة في نابلس، وبدأت الأخبار عن المجازر وأن كانت تصل بصعوبة إلى الرئيس عرفات إلا أنها بدأت تثير قلقا حقيقيا لدى الرئيس الذي بدأ يدرك أن المقصود هو تدمير شامل للشعب الفلسطيني ولتقويض السلطة الفلسطينية.

ورغم قتامة الأيام القادمة وصعوبتها، إلا أن عصر يوم الثلاثاء 9/4 وهو اليوم الثاني عشر للحصار كان يوما مختلفا، فقد دخلت البسمة إلى قلوب المحاصرين بعد سماعهم نبأ طلب قوات الاحتلال من المقاتلين في مخيم جنين وقف إطلاق النار بعد مقتل أكثر من (16) جنديا إسرائيليا وأصابة عشرات الجرحى في كمين نصبه المقاتلون لجنود الاحتلال في المخيم، مما ترك الأثر الطيب في نفوس المحاصرين الذين هم في شوق لسماع القصص البطولية التي يصنعها المقاتلون مخيم جنين.

وعلى الفور أعلن عن استنفار في المقر المحاصر لم أعرف سببه، ولكن من الواضح أنه أعلن تحسبا من ردات فعل إسرائيلية انتقامية قد تقوم بها.

في هذه الأثناء تبادلت مع اللواء إسماعيل جبر مدير الأمن العام وقائد قوات الأمن الوطني في الضفة الغربية الحديث عن ما يجرى من مجازر في جنين ونابلس، كان قلقا للغاية لمصير مخيم جنين، وخاصة بعد الأنباء التي أفادت عن وجود مجزرة تنفذها قوات الاحتلال في مخيم جنين .

اليوم الثالث عشر للحصار الأربعاء 10 ـ 4

سمع المحاصرون بوقوع عملية استشهادية نفذتها كتائب عز الدين القسام على طريق حيفا ـ القدس، وأسفرت عن مقتل عشرة جنود إسرائيليين، وتوقع المحاصرون أن تقدم قوات الاحتلال على إجراءات انتقامية ضد المحاصرين، وفعلا بعد أقل من ساعة كانت عدد من الطائرات الحربية الإسرائيلية من نوع (أف 16) تحلق على ارتفاعات مختلفة فوق مقر الرئيس عرفات.

تبادر لذهني لبعض الوقت أن جنون شارون وفاشيته قد تجعله يأمر الطائرات بأطلاق صواريخها على المقر، هذا الخوف مرده دعوات من الائتلاف اليميني الحاكم الإسرائيلي بقصف مقر الرئيس على من فيه، لم تمض ساعة بدأنا نسمع دوى أنفجارات في محيط الرئاسة، حيث كانت قوات الاحتلال تقوم بتفجير مقر الأمن العام ومبني الادارة المالية وبعد المباني الملاصقة لمقر الرئيس عرفات.

شعر الرئيس عرفات والمحاصرون بخطورة الخطوة الإسرائيلية، فعمليات التفجير تجرى على بعد أمتار قليلة، ولذلك استنفر حرس الرئيس وقوات أمن الرئاسة الـ(17) استعدادا لأي محاولة إنزال جوية يمكن ان تقوم بها قوات الاحتلال على سطح المقر أو من عمليات اقتحام للبوابات الداخلية لمقر الرئيس.

وبعد ساعة من الاستنفار صعد الرئيس عرفات إلى الطابق الثالث رغم خطورة الوضع، وبدأ يتمشى في قاعة المؤتمرات، وهو متجهم الوجه ويقول على مسمع الحرس ليتفرج علينا العرب كما تفرجوا علينا في حصار بيروت عام 1982 وقاطعه أحد المقاتلين من كبار السن بقوله رؤيتك بهذه العزيمة يحينا أخ أبو عمار وتبعث فينا الأمل فرد عليه بارك الله فيك.. ثم تابع سيره ليتفقد الحرس.. كما شجع الوفد الأجنبي. ومن عادة الرئيس عرفات أن يحمل معه في هذه الظروف رشاشا صغيرا.

التوتر ازداد واكفهرت الأجواء مع منع وفد لجنة المفاوضات الفلسطينية من الوصول إلى مقر الرئيس عرفات، ولكن بعد تدخل عدة أطراف دولية سمح للوفد بأن يدخل للمقر وهم محمود عباس أبو مازن أمين سر اللجنة التنفيذية، وياسر عبد ربه وزير الثقافة، وصائب عريقات وزير الحكم المحلي، والعقيد محمد دحلان رئيس جهاز الأمن الوقائي في غزة.

وكان الأكثر طرافة في هذا اللقاء أن الرئيس عرفات ورغم حصاره وشح طعامه أعد مائدة طعام لأعضاء الوفد.

وكان أعطى الوفد تعليمات بخصوص اللقاء مع المبعوث الأميركي الجنرال زيني في الساعة السابعة من مساء اليوم ذاته، الذي تناول الترتيبات لأعداد زيارة وزير الخارجية الأميركي كولن باول.
أجواء اللقاءات الفلسطينية ـ الأميركية، والاستعداد لزيارة باول بعثت الأمل من جديد لفك الحصار عن مقر الرئيس، وبدأت الأجتهادات المقبولة المستندة إلى معطيات وكذلك غير المقبولة التي من الواضح ان الرغبة الذاتية كان مصدرها تسرى بين المحاصرين مع اقتراب زيارة باول للمنطقة، لكن هذه التأملات سرعان ما تلاشت مع التأكيد للقيادة الفلسطينية أن باول سيأتي إلى المقر والحصار عليه مستمر.

وفي ذلك اليوم تفاجأ المحاصرون من قيام قوات الاحتلال بإخراج جثة الشاب محمود فريد بواطنة 22 عاما من داخل الثكنة (منامة الجنود) التي كانت قوات الاحتلال دمرتها في اليوم الأول للحصار. والشاب محمود يعمل طاهيا لحرس الرئيس عرفات وفقد أثاره، وظن الجميع أن جنود الاحتلال تمكنوا من أسره، إلا أنهم أعدموه بدم بارد وقاموا بتفخيخ جثته التي بقيت طوال ثلاثة عشرة يوما داخل الثكنة.

في اليوم التالي الخميس وصل الأمن الأميركي المسبق صباحا لوضع ترتيبات لزيارة وزير الخارجية الأميركي باول التي كانت مقررة غدا الجمعة، وكنت مرهقا للغاية، فلليوم الثاني على التوالي لم يغمض لى جفن، فطوال الليلة الماضية وحتى فجر اليوم كان استنفارا متواصلا، واللواء اسماعيل جبر كان يتجول ويحث الحرس لرفع جاهزيتهم.. جلست القرفصاء أنظر من حولي.. ليل دامس يعم أرجاء المكان.. وهدوء لا يقطع سكونه سوى قرقعة السلاح.. وكنت أخشى أن تعم الفوضى خلال عملية إطلاق النار داخل الغرف والقاعات، ومع ذلك كنت من بين المستنفرين، ليس لأنني أحمل بندقية، بل لا أريد أن تصيبني رصاصة أو قذيفة وأنا مستلق على الأرض.

وصل الرئيس عرفات وبدأ يتفقد التحصينات، ولم يخلو الأمر من بعض التوجيهات للحرس ووضع المزيد من التحصينات، وفي هذه الأثناء أصر الرئيس عرفات أن يتوجه إلى بوابة السطح مما أثار قلق حراسه الشخصيين الذين حاولوا أن يشرحوا خطورة الوضع والموقف، لكنه أصر ووصل إلى بوابة السطح ليتفقدها بنفسه.

كان اليوم الجمعة 12/4 حدثا غير عاديا ومخيبا للآمال، فقد وصل وزير الخارجية المصري لمقر الرئيس ظهرا وهو مصحوبا بعدد من دوريات الاحتلال ويحمل معه بعض عصير المانجا وبعض عبوات المياه المعدنية مما أثار استياء لدى المحاصرين، ورغم ترحيب القيادة بزيارة ماهر الذي أطلع الرئيس عرفات على نتائج زيارة باول للقاهرة، إلا أن هذه الزيارة في مجملها كانت تعتبر في إطار المجاملة ليس إلا، فالوزير ماهر جاء وفقا للشروط الإسرائيلية لمقر الرئيس عرفات، ولم يقدم شيئا للمحاصرين في جنين أو المهد، ولم يحمل معه سوى رسالة تضامن من الرئيس حسني مبارك، وهذا ما عزز القناعة لدى الجميع بعمق حالة العجز العربي الرسمي عن فعل أي شئ لمساعدة الشعب الفلسطيني الذين يتعرضون لأباده جماعية.

عاشق البندقيه 25 - 4 - 2011 08:54 AM

الحلقة السادسة:

قلق وتوتر في مقر الرئيس جراء اقتراب زيارة وزير الخارجية الأميركي كولن باول ومن المطالب التي سيتقدم بها ، خاصة أنه جاء للمنطقة وهو متفهم للعمليات العسكرية التي يقوم بها شارون في الضفة الغربية ، وأنه سيناقش هذه العمليات مع شارون. والقيادة الفلسطينية في موقف لا تحسد عليه ، فرغم صمودها في وجه شارون ، إلا أن حقيقة المطالب الأميركية تنصب أساسا على الورقة الإسرائيلية التي ما زالت تطالب الرئيس عرفات بتنفيذ كافة البنود المتضمنة لتفاهمات تينت المتعلقة بالجوانب الأمنية ، والرئيس عرفات ما زال يخضع تحت حراب البنادق وفوهات المدافع الإسرائيلية ، ولكن الأخطر من ذلك هو الطلب الأميركي من القيادة الفلسطينية قيامها بحملة الاعتقالات وبجمع الأسلحة في غزة والقطاع. وهذا ما لا طاقة للسلطة الوطنية القيام به ضمن واقع الدمار الشامل الذي مارسته قوات الاحتلال في المدن الفلسطينية.

وتعززت هذه المخاوف للقيادة الفلسطينية عندما أجل باول زيارتة المقررة للرئيس عرفات يوم الجمعة 12/ 4 ، بسبب امتناع القيادة عن إصدار بيان أدانه للعملية الفدائية التي وقعت في القدس ونفذتها فتاه فلسطينية.

(اتصالات دولية وعربية كان في معظمها ساخنة)

وكان وصل ظهر السبت 13/ 4 إلى مقر الرئيس عرفات محمود عباس أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ، والوزير ياسر عبد ربه ، والعقيد محمد دحلان برفقة ممثل النرويج لدى السلطة الفلسطينية. وعكف المسئولون الفلسطينيون مع الرئيس عرفات على صياغة بيان الإدانة الذي شكل عقبة حقيقية في اللقاء بين الرئيس عرفات ووزير الخارجية باول. وبعد ساعة من الاجتماع صدر البيان والذي جاء بصيغة (إدانة قتل المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء).

وصعد أبو مازن مباشرة إلى الطابق الثالث ليفتش عن زاوية في المطبخ ليتمكن من الاتصال برئيس الوزراء الأردني. وما أن صدر البيان حتى انتهت أزمة اللقاء بين وزير الخارجية الأميركي كولن باول والرئيس ياسر عرفات. وعقد اللقاء المنتظر ظهر يوم الأحد 14/ 4 في اليوم الثامن عشر لحصار مقر الرئيس.وصل باول المقر مصحوبا بالدبابات الإسرائيلية وسط حراسة مكثفة حيث دقق حراسه الشخصيون الممرات التي سيسير بها باول ، وكانت الدبابات الإسرائيلية قد رابطت بالقرب من بوابة الرئيس عرفات الداخلية. وسبق مجيء باول قيام جرافات الاحتلال بإزالة السيارات المدمرة. وكانت سيارتي (الأودي) من تلك السيارات وكانت لعنتي متواصلة على الاحتلال وفاشيته عندما صعدت عليها دبابة وجعلتها صفيحة رقيقة ، كما أزالت جرافات الاحتلال الضخمة أثار الدمار الذي يعترض سيارة باول من أمام بوابة المقر.

استغرق اجتماع باول مع الرئيس عرفات ثلاث ساعات متواصلة ، ورغم أنه لم يرشح شيء حقيقي عن ما جرى في الاجتماع ، إلا أن نبيل أبو ردينة مستشار الرئيس عرفات أكد أن الرئيس عرفات عرض مطولا على الوزير باول ممارسات جيش الاحتلال الإسرائيلي ، وطالبه بانسحاب إسرائيلي فوري.

وفي الحقيقة أن باول لم يحمل في لقائه مع الرئيس عرفات أي أجابة إسرائيلية للجانب الفلسطيني بخصوص الانسحاب الإسرائيلي. ورغم ان باول تحدث بأنه عرض بعد الأفكار مع الرئيس عرفات والخطوات الواجب اتخاذها. وأنه تم الاتفاق على مواصلة المباحثات بين طاقمين أميركي وفلسطيني.

الاجتماع وصفه الفلسطينيون بالفاشل وعكس مدى التواطؤ الأميركي مع شارون في مواصلة تنفيذ مخططاته.

كنت مشدودا لمعرفة ما يجرى خلف الكواليس وتحت الطاولة وليس للمواقف العلنية التي يصرح بها الطرفان الفلسطيني والأميركي ، وكانت صلتي لمعرفة الخبر والأجواء داخل مقر الرئاسة هي نبيل أبو ردينة الذي رافق الرئيس عرفات منذ سنوات طويلة ، تسميته الرسمية مستشارا للرئيس عرفات ، لكن الحقيقة هو أكثر من مستشار خاص بالرئيس عرفات ، فهو إذا ما جازت تسميته بالدفتر المحتفظ والموُثق لكل الاتصالات والمباحثات التي يقوم بها الرئيس عرفات ، وبات دفتره الأزرق بخطه الأخضر يتضمن الحركة السياسية الفلسطينية بما تشمله من تموجات. فضل أبو ردينة أن يكون محاصرا مع الرئيس عرفات بدلا من المكوث في منزله ، وفعلا وصل عند الساعة الرابعة من فجر الجمعة إلى مقر الرئيس عرفات أي قبل عملية الاقتحام بفترة وجيزة.. كان يحمل الكلاشنكوف ، وهذه المرة الأولي التي أراه فيها حاملا سلاحا.

وللمفارقة العجيبة أن الشهيد شاهر أبو شرار هو الذي أوصله من بيته إلى مقر الرئيس وكان يسابق الدبابات للوصول إلى المقر. وكان استشهد في الساعة الأولي لاقتحام قوات الاحتلال للمقر.

وكان أبو ردينة هو المسئول الفلسطيني الوحيد على المستوى السياسي الذي كان لصيقا بالرئيس عرفات قبل الحصار ، وازداد هذا الالتصاق في زمن الحصار وفي اللحظات الصعبة التي عاشها الرئيس عرفات بحيث بات يشاركه غرفة نومه.

كنت دائم الحديث معه لأخذ ردود الفعل الرسمية على هذه القضية أو تلك ، ولكن في زمن الحصار لم أطلب هذه المرة تصريحا رسميا ، بل شرحا تفصيليا لحقيقة الموقف الفلسطيني في ظل هذه الأزمة الطاحنة ، لأنني ببساطة عشت تفاصيل الحدث بكل دقائقه الصغيرة والكبيرة ، ومع ذلك لا يعني الأدعاء بالاطلاع المطلق لما يدور في الكواليس الضيقة من اتصالات أو سيناريوهات محتملة كانت تطرح داخليا أو على مختلف الأطراف الدولية بشكل غير رسمي.

وحقيقة كنت أفضل كشف هذه التفاصيل والخفايا لقارئ (الوطن) لأنها ستكون وقائع تاريخية بكل تأكيد في زمن كشف فيه عن الوجه العاري للنظام السياسي العربي الذي وقف عاجزا عن اتخاذ موقف حقيقي يدعم فيه الرئيس عرفات في الوقت الذي كان شارون ينفذ فيه مخططه الرامي لتدمير السلطة الفلسطينية وحتى بإمكانية اغتيال رمز الشعب الفلسطيني الرئيس ياسر عرفات.
عرضت على أبو ردينة فكرة التوسع في الحديث في أكثر من مرة ، لكنه ما أن نبدأ حتى يستدعى مرة أخرى للرئيس عرفات ، ويتابع عددا من القضايا والمهام ، وتأجل الحديث إلى وقت آخر.

وفي هذه الأثناء يقطع مصور الرئيس عرفات خالد جحشن المنتدب من التليفزيون الفلسطيني محاولات استمراري في متابعة ما يجرى بحيرته وارتباكه ، فهو يفتش بين الأدراج عن كاسيت للكاميرا ، لكن محاولاته كانت بلا جدوى ، فقد نفدت الأشرطة ، ولا يستطيع الآن تصوير أي حدث أو مشهد طارئ قد يقع في مقر الرئاسة أو تغطية أي لقاء وخاصة ان الزيارة الثانية لوزير الخارجية الأميركية اقترب موعدها وهذا ما زاده توترا ، يمسك بجهاز اللاسلكي يتحدث عن حاجته للأشرطة وأهمية توفيرها في مستشفي الشيخ زايد لإحضارها مع سيارات الإسعاف أو التموين إن أمكن.

لعب خالد دورا هاما في حصار مقر الرئيس عرفات ، فقد أخرج للفضائيات العربية والعالمية صور الرئيس عرفات الأولي من الحصار وتبعها صور اللقاءات مع زيني وماهر وباول ، وكان الوزيران صائب عريقات وياسر عبد ربه والعقيد محمد دحلان يخرجون الأشرطة معهم للخارج ومن ثم توزيعها على وسائل الإعلام.

(اللقاء الثاني مع باول)
لم يحمل اللقاء الثاني بين الرئيس ياسر عرفات ووزير الخارجية الأميركي باول والذي عقد صبيحة يوم الأربعاء أي أضافة جديدة للجانب الفلسطيني ، وكما قيل لم يحمل باول في جعبته أيضا أية أجوبة إسرائيلية سوى الإصرار على مطالب شارون بوقف الرئيس الفلسطيني إطلاق النار وتسليم المطلوبين.

وفي هذا السياق وصف أبو ردينه الجهود الأميركية بالجهود الفاشلة أمام تعنت شارون ، لكن فشل مهمة باول فشل مهم باول لم ينهى المهمة الأميركية في المنطقة فأبقت على وليام بيرنز مساعد وزير الخارجية الأميركي لمواصلة الاتصالات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ، كما اتفق على قدوم جورج تينت رئيس وكالة المخابرات الأميركية للمنطقة

عاشق البندقيه 25 - 4 - 2011 08:55 AM

الرئيس عرفات سخر وأمام باول من الادعاءات الإسرائيلية بأنها انسحبت من 42 قرية ومن طولكرم وقلقيلية ، وأكد أن شارون يمارس عدوانه على الفلسطينيين بخلاف بيان الأطراف الدولية الأربعة التي اجتمعت في مدريد وهي (الولايات المتحدة ، روسيا ، الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة) ، وقال الرئيس عرفات: ( يطالبون مني تنفيذ قضايا وأنا ممنوع من الخروج من هذا الباب).

كانت الحكومة الإسرائيلية اتخذت خطوة هزلية بتحريك الدبابات والآليات الثقيلة من وسط مدينتي رام الله والبيرة في اليوم الرابع والعشرين من الحصار ، واعتبره شارون انسحابا من رام الله والبيرة ، وكانت في الحقيقة قامت بإعادة انتشار تواجدها في المدينتين ، وأبقت على الطرق المؤدية إلى مقر الرئاسة مغلقة ومحاطة بالدبابات ، كما لجأت إلى عمليات تجريف واسعة في المنطقة المحيطة بالرئاسة وشددت من حصارها على مقر الرئيس عرفات.

وخرج المواطنون في المدينتين ليشاهدوا حجم الدمار الذي خلفته قوات الاحتلال.. فالشوارع والمباني العامة والخاصة مدمرة ، كما تم تدمير مؤسسات السلطة الفلسطينية ومقارها الأمنية. ولم يبق داخل هذه المؤسسات أو المقار شيئا صالحا للاستعمال ، وكانت أبواب المحال التجارية قد فتحت ودمر ما في داخلها أو تم سرقته.

إن ما جرى يؤكد على الفاشية الجديدة التي يتميز بها الجندي الإسرائيلي.

الاتصالات عبر أجهزة اللاسلكي كانت تتوارد من الخارج للمقر ، وكانت تؤكد أن ما حدث كان كارثة بكل معنى الكلمة وجريمة لا يمكن أن تغتفر.

في هذه الأثناء نشطت اتصالات اللواء إسماعيل جبر مدير الأمن العام وقائد قوات الأمن الوطني في الضفة الغربية مع ما تبقى من قواته ومن أفراد الشرطة الذين اختفوا خلال عملية الاجتياح الإسرائيلي ، وكان يطالبهم بإعادة صفوفهم لإعادة تنظيم الحياة داخل المدينتين.

أنباء الانسحاب الهزلي لم تكن هي الوحيدة في إثارة الضجة داخل المقر المحاصر ، كان أيضا رد أعضاء وفد الحماية الشعبي الدولي للقنصل الفرنسي دينس بيتون الذي جاء صبيحة يوم الأحد طالبا من أعضاء الوفد اصطحابه إلى الخارج ضمن حماية الجيش الإسرائيلي ، وأكد بيتون أنه لا يستطيع أن يضمن للوفد ما يمكن حدوثه خلال الأيام القليلة القادمة ، وأشار إلى الضغوط الإسرائيلية التي تمارس عليه لأخراج أعضاء الوفد من مقر الرئيس عرفات.

وانتظر القنصل الفرنسي جواب الوفد المتضامن ، لكنهم فضلوا عقد اجتماع لهم ليقرروا في هذه القضية المصيرية بالنسبة لهم ، وكان ردهم مفاجئا للقنصل الفرنسي بأنهم سيواصلون تضامنهم مع الرئيس عرفات وسيربطون مصيرهم مع مصيره مهما كانت النتائج ، رغم أن ستة من أعضاء الوفد من أصل أربعين كانوا يخططون للخروج من الحصار لارتباطهم بظروف شخصية وبأعمالهم ، إلا أن هؤلاء الستة رفضوا الخروج تحت حماية الحراب الإسرائيلية ، وفضلوا الخروج من المقر مثلما دخلوه وأنهم سيتعرضون لمخاطر حقيقية.

عصر يوم الأحد 21 /4 كانت المفاجأة أكبر من رد الوفد الأجنبي ، حيث شاهدنا تجمهرا كبيرا من وفود أجنبية متضامنة عند بوابة مقر الرئيس الخارجية من الجهة الغربية ، وهذا ما استدعي لأن تقوم قوات الاحتلال بالتوجه عند البوابة الغربية ، وان يسلط جنود الاحتلال أنظارهم إلى الجهة الغربية ، وفي الأثناء تسلل عند زاوية البوابة الشرقية سبعة أعضاء من الوفد الأجنبي إلى باحة مقر الرئاسة وفتح جنود الاحتلال الرصاص فوق رؤوسهم ومع ذلك واصلوا ركضهم وتقدمهم إلى البوابة الداخلية وتمكن جنود الاحتلال من إلقاء القبض على أحدهم وأشبعوه ركلا وضربا. وأثر ذلك قام جنود الاحتلال بوضع المزيد من الأسلاك الشائكة لتكون بمثابة حواجز وموانع لمن يحاول التسلل سواء من داخل أو خارج المقر.. واستقبل الجميع الوفد الأجنبي بالتصفيق الحاد للمغامرة البطولية التي قاموا بها للوصول إلى المحاصرين والتضامن معهم ، وكان من حسن الطالع أن من بين الذين استطاعوا الدخول للمقر عددا من الأميركيين الذين يشكلون درعا جيدا في وجه أي حماقة شار ونية من الممكن أن يقدم عليها لاقتحام مقر الرئيس عرفات.

عاشق البندقيه 25 - 4 - 2011 08:56 AM

الحلقة السابعة:

بدأت التهديدات الإسرائيلية باقتحام مقر الرئيس عرفات تتصاعد، وأكد العميد توفيق الطيراوى مدير المخابرات العامة في الضفة الغربية أن قوات الاحتلال عززت من تواجدها في محيط مقر الرئيس عرفات، ووضعت بعض التقنيات العسكرية الخاصة بعملية الانقضاض على المقر. وقال العميد الطيراوي الذي كان يراقب وضع تحركات قوات الاحتلال من داخل المقر، إن التصريحات الإسرائيلية المتتالية تشير بوضوح إلى الاحتمالات المرتفعة لامكانية اقتحام مقر الرئيس عرفات.

رغم أن تصريحات المتحدث باسم البيت الأبيض مساء الجمعة بأنه ليس بالضرورة تسليم المتهمين بقتل الوزير الإسرائيلي المتطرف رحبعام زئيفي . والأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعادات، والعميد فؤاد الشوبكي المتهم بقضية سفينة الأسلحة (كارين آيه).

وأوضح المتحدث باسم البيت الأبيض أن صاحب العلاقة في قضية المتهمين هو القضاء الفلسطيني.

ورغم أن التصريحات الأميركية هذه كانت مطمئنة للقيادة الفلسطينية، إلا أن الرئيس عرفات لم يكن يركن أبدا على مجرد التصريحات رغم مؤشراتها الإيجابية، فقد لجأ إلى المزيد من الاحتياطات عبر تواصل الاستنفار داخل المقر خوفا من الخداع الإسرائيلي والقيام بمحاولات اقتحام متوقعة في كل دقيقة.

ما أن دخلت مقر الرئاسة في اليوم الأول للحصار حتى تفاجئت من تواجد الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعادات (أبو غسان) ومعه أيضا عاهد أبو غلمة المتهم بقيادة كتائب الشهيد أبو على مصطفي الجناح العسكري للجبهة الشعبية، ومجدي رحيمي المتهم بمسئولية الخلية التي قامت بقتل الوزير الإسرائيلي زئيفي، وكذلك حمدى قراعين وباسل الأسمر المتهمان بتنفيذ عملية القتل.

كانت المخابرات العامة نقلتهم على عجل من السجن إلى مقر الرئيس عرفات خوفا من قتلهم أو اعتقالهم من قبل قوات الاحتلال.

الرئيس عرفات كان يصُر قبل وبعد اقتحام المقر على أن محاكمة سعادات ورفاقه، والعميد فؤاد الشوبكي هو من حق السلطة الوطنية الفلسطينية وليس من حق حكومة شارون المطالبة بهم وفق الاتفاقات المبرمة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي والتي تتيح للسلطة الفلسطينية محاكمة من يخرق القانون.

سعادات الذي عاش حياته مطاردا أو معتقلا في سجون الاحتلال الإسرائيلية ، معروفا بصلابته وتحديه للمخاطر، اعتقلته السلطة الوطنية الفلسطينية بعد تعرضها لضغوط أميركية وإسرائيلية كبيرة، وحتى تفوت أيضا الفرصة على شارون تنفيذ مخططه العدواني على الشعب الفلسطيني والسلطة الوطنية.

كان يجلس سعادات على المرتبة وبجانبه عاهد أبو غلمة الذي كسرت رجلاه الاثنتين خلال عملية مطاردة ساخنة قامت بها المخابرات الفلسطينية في نابلس لاعتقاله مع حمدى وباسل اللذين لاجئا اليه لتخبئتهما في أحد المنازل في نابلس ووضعت في الجبس.

وكان حمدى قراعين (27) عاما المتهم الرئيسي بقتل الوزير الإسرائيلي المتطرف رحبعام زئيفي يدلك لعاهد أحد رجليه، فيما يغط مجدي رحيمي في المرتبة المجاورة في نوم عميق.

سعادات بدا حليق الذقن.. والشعر الأبيض كسا رأسه ولحيته إلا أن بريق عينيه ما زال قويا ومؤثرا.. ومع كل الهدوء الذي تميز به سعادات ورفاقه فأن ما يجرى من أحداث متلاحقة وخاصة محاصرة مقر الرئيس عرفات والذين هم بداخله وامكانية اقتحامه بين لحظة وأخرى ما زالت تثير قلقهم، كيف لا وهم المطلوبون الأشد للجزار شارون وزمرته الفاشية.

مجدي رحيمي استيقظ على دردشتنا، وعبر بكلمات بسيطة عن هذا القلق الذي يعيشه بقوله (صحيح أن السلطة تعاملنا باحترام، وتوفر لنا كافة مقومات الحياة الكريمة، ولكن في نهاية المطاف فان الأبواب تغلق علينا، ونكون داخل السجن)، وأضاف (الآن مصيرنا مجهول أو بالأحرى هي على كف (عفريت) كما يقال، لا نعرف حتى متى سيقتحمون المقر، أو متى ستكون القذيفة التالية من نصيبي).

كان يتمني هو ورفاقه أن تطلق السلطة سراحهم قبل اقتحام مقر الرئيس أو اجتياح رام الله ليتمكنوا من الاختفاء بطريقتهم الخاصة رغم صعوبة هذا الاختفاء في ظل اجتياح إسرائيلي شامل للأراضي الفلسطينية وبالتالي خطورة المغامرة، لكن تبقي هذه أمنية ورغبة مجدي ورفاقه الذين أكدوا لشبكة فلسطين الاخبارية أنهم لن يسلموا أنفسهم أحياء لجنود الاحتلال حتى وأن تم اقتحام المقر.

نظرت في عيون سعادات التي ما زالت تتجول في المكان بادرته بالسؤال عن صحته وأحواله ضمن هذه الظروف الصعبة والمعقدة، فكانت اجابته المعتادة جيدة و(ماشي الحال) لكن الألم من الحال الذي وصل إليه الواقع الفلسطيني بدا واضحا عليه ، تحدث أبو غسان عن التصعيد الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، وأن ما يقوم به شارون هو مخطط ما قبل قتل زئيفي، أكد على أهمية ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي في مواجهة الصلف والعدوان الإسرائيلي، قال لشبكة فلسطين الاخبارية من الممكن وضع هدنة لمدة ستة شهور مثلا مع قوات الاحتلال لكن شريطة ترتيب وضعنا الداخلي والتحضير لمعركة قادمة مع الاحتلال الذي يواصل قمعه للشعب الفلسطيني.

سعادات الذي يحمل رؤيا سياسية مختلفة عن رؤية الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، إلا أنه كان معجبا بموقف الرئيس عرفات والذي قال عنه حرفيا (أنه رجل المواقف الصعبة) و(رجل اللحظة، وقائد محنك متمرس) تحدث عن السمات الشخصية للرئيس عرفات الذي وقف في وجه الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية رافضا تسليم الأمين العام للجبهة الشعبية والمتهمين في قتل زئيفي والعميد فؤاد الشوبكي.

إعجابه بعرفات كشخصية مقاومة لم يمنعه من توجيه الانتقادات لبعض القيادات الفلسطينية وخاصة الأمنية والعسكرية وبعض الرموز السياسية. الذين اتهمهم بالقصور الواضح والذي أدى إلى هذه الحالة من الحصار.

قام أبو غسان بتوديع رفاقه في الغرفة وصعد إلى الطابق الثاني حيث يتواجد الرئيس عرفات الذي كان يصُر على دعوته لمائدة الطعام دائما، لا بل كان يذهب إليه في غرفته لمشاركته الحديث في مختلف القضايا، وطبعا كان الرئيس يطلعه على تطورات الوضع أولا بأول.

عاهد الذي استلقي جيدا على مرتبته المتواضعة بعد أن انتهي حمدي من عملية التدليك الطويلة والتي كان يشعر خلالها عاهد بأن الدماء تسرى في عروق رجليه وخاصة أنه لا يستطيع أن يقف عليهم أو يسير. تنهد عميقا نظر إلى حمدي وشكره على عمله هذا، الذي أجابه بالقول عفوا يا رفيق هذا لا شئ، طلب منى أن أنقل له صورة ما يجرى في الخارج بصفتي صحفيا، جوابي أني لا أملك الكثير ولكن الدنيا قائمة وقاعدة كما يقولون عندنا عليكم، قلت لهم مازحا (أنتم القتلة) وقوات الاحتلال لن تدعوكم أن تخرجوا بسلام، قال عاهد بالفعل الأوضاع صعبة، ولكن ما يضايقني حقيقة هو تكرار الفضائيات العربية للمصطلحات الإسرائيلية التي تقول وتكرر دائما (قتلة زئيفي)، قاطعنا حمدي قائلا: أصبحنا في هذا الاعلام قتلة وليس مناضلين.


عاشق البندقيه 25 - 4 - 2011 08:57 AM



المحكمة

في تمام الساعة التاسعة من صباح يوم الخميس 25/4 أي في اليوم الثامن والعشرين للحصار، عقدت المحكمة العسكرية الميدانية في مقر الرئيس ياسر عرفات المحاصر بتكليف من الرئيس جلستها برئاسة العميد ركن ربحي عرفات، وعضوية كل من العقيد شرطة محمد أبو صلاح، والنقيب منجد أبو غزالة، ومثل الدفاع العميد معاذ يونس (سامح)، فيما مثل الإدعاء العام النقيب سليم المدهون. وذلك لمحاكمة المتهمين الأربعة بقضية قتل الوزير الإسرائيلي رحبعام زئيفي.

المحكمة وبعد جلسات ثلاث حكمت خلالها على المتهم الأول حمدي عثمان قرعان بالسجن الفعلي لمدة (18 عاما) مع الأشغال، وهو المتهم الرئيسي في إطلاق النار على المحروق زئيفي.
وحكمت بالسجن الفعلي لمدة (12 عاما) على باسل عبد الرحمن الأسمر، وهو المتهم الثاني وهو المتهم بمساعدة قرعان في تنفيذ عملية القتل، أما مجدي حسين رحيمي فقد حكم عليه بالسجن لمدة (8 سنوات) بتهمة قيادته للخلية التي نفذت عملية القتل، فيما حكمت على عاهد أبو غملة لمدة عام واحد بتهمة إيواء مطلوبين. وصادق الرئيس عرفات على هذه الأحكام في ذات اليوم.

وكانت المحكمة العسكرية قد عقدت جلستين سابقتين لها في ظل الحصار، الأولي كانت مساء يوم الاثنين 22/4، حيث قرأ الإدعاء العام فيها لائحة اتهام المتهمين والتي استندت إلى أقوال حمدي قرعان كما قالوا، وهي قيام حمدي قبل يوم واحد من مقتل زئيفي باستئجار غرفة في فندق حياة ريجنسي في القدس، وفي الصباح وبعد عملية رصد حذرة قاموا بالدخول إلى الغرفة التي كان مقيما فيها وأطلقوا الرصاص عليه من مسدس كاتم للصوت كان سلمها مجدي رحيمي لقرعان.

من الواضح أن الرئيس عرفات المحاصر أراد من محاكمة الأربعة بعث رسالة للأميركيين والإسرائيليين والأوروبيين، بأن مطلب شارون بتسليم أعضاء الشعبية قد سقطت مع الحكم عليهم، وكانت الجلسة الأولي عقدت عقب لقاء الرئيس عرفات مع وليام بيرنز مساعد وزير الخارجية الأميركي.
فيما عقدت جلسة النطق بالحكم أثناء لقاء الرئيس عرفات مع وزير الخارجية اليوناني بابا أندريو والتركي إسماعيل جيم، وسلمهم الرئيس عرفات ورقة الحكم على المتهمين الأربعة.
ومع ذلك فقد رد شارون مباشرة على هذه الأحكام الصادرة بالرفض وعدم الاعتراف، وطالب مجددا بتسليمهم إلى إسرائيل إضافة إلى تسليم سعادات والشوبكي.

ويبدو أن البضاعة التي أراد الرئيس عرفات تسويقها للإسرائيليين ردت إليه، ولكن إمكانية تسويقها أميركيا وأوروبيا واردة سيما وأن المحكمة كانت مطلبا أميركيا وأوروبيا.

كان لوقع المحكمة صدى وتأثيرا سلبيا في أوساط العديد من المحاصرين، حيث شعروا بأن الظروف غير مواتية لعقد مثل هذه المحكمة والحصار الإسرائيلي يطبق على مقر الرئاسة، وفوهة المدفعية لا تبعد سوى ثلاثة أمتار عن البوابة الداخلية.

وما زاد هذه الأجواء قتامةً هو الجوع الذي بدأ يفعل فعله في الأجساد المنهكة، فقوات الاحتلال ما زالت تمنع دخول مواد التموين إلى مقر الرئاسة لليوم الثامن على التوالي، وكان المحاصرون قد عاشوا منذ أربعة أيام متتالية على كأس صغير من الحساء والذي هو أقرب للماء منه للحساء.

البعض شعر بغضب لآلام المعدة الخاوية، وبدأوا يتصرفون بعصبية. وبدأ الحديث يسرى حول طبقية الحصار (البعض يأكل، وآخرون لا يأكلون.

كان المعنيون في مقر الرئيس يقدمون كل الإمكانات من الطعام للوفد الأجنبي، ولكنهم وبعقلية التنظيم استطاعوا أن يحافظوا على وجباتهم القليلة.

وجود بعض علب الكورنفلكس والحليب لديهم، أثار حفيظة البعض وطالبوا بتوحيد ما يقدم إن وجد، وإلغاء مظاهر كل التميز.

لا أعرف إذا كان الرئيس عرفات مطلعا على تفاصيل كيفية توزيع الوجبات وخاصة على أصحاب الرتب العالية أم لا. ولكن أستطيع أن أجزم أن الرئيس يرفض أي تميز في تقديم الوجبات بين المحاصرين سواء كانوا رتبا عالية أو عاديين، وكانت له تجربة على ذلك، عندما قدم له أحد المقربين ذات ليلة تفاحة ليأكلها، فنال الرد فورا بالتعنيف والتقريع على هذا السلوك.

ومع ذلك فأن فوضى إدارة الطعام الذي يصل وتوزيع المسئوليات أدت لمثل هذا التمييز والطبقية في توزيعه.

عماد النحاس مدير مكتب الرئيس عرفات الذي كان يعمل بصمت شديد أربكته حالة الفوضى القائمة هذه، وأراد أكثر من مرة ان يكون التوزيع عادلا على الجميع بدون استثناء، لكنه يصطدم في كل مرة بكثير من المعوقات.

فمنذ اليوم الأول عين مجموعة من الموظفين في مكتب الرئاسة كمعاونين له في المستودعات، وليكونوا مسئولين عن توزيع الحصص والمخصصات حتى أن الأمر استدعى تعيين سعادة الدرسا المرافق الشخصي للدكتور رمزي خوري مدير عام مكتب الرئيس عرفات للعمل كمسئول لمستودع الطعام.

ومع ذلك فإن عملية توزيع الطعام أصابها إرباك شديد جراء نقص الكميات في التموين ولعدم السماح بدخول كميات كافية، إن سمحت قوات الاحتلال بدخوله أصلا.

يوم الجمعة 26/4 كان مربكا لي فقدت علبة سجائري التي حصلت عليها بعد ثمانية أيام متتالية، فرحت بها وأردت أن يكون صباح هذا اليوم خاصا واستثنائيا، كيف لا وقد تغنيت بوصولها، وعلى الفور هرعت إلى غرفة الوفد الأجنبي لعمل كأس من النسكافيه الخاصة بهذه المناسبة، وسرعان ما تلاشت هذه الفرحة بعد ان تبين أني فقدتها ولم أعثر عليها، سارع زميل لي في الغرفة واسمه إبراهيم باجس بالتبرع لى ببعض السجائر بعد أن رثي لحالي فهو يعرف جيدا أنني لا أستطيع الكتابة دون السيجارة اللعينة والتي كنت أعاني من غيابها طيلة ثمانية أيام متواصلة.

حالة الكدر هذه تواصلت مع قيام قوات الاحتلال بتدمير ما تبقي من سيارات في مقر الرئاسة والعمل منها سواتر إضافية، كما قامت بعمليات تفجير جديدة في عدة مبان داخل مقر الرئاسة.


عاشق البندقيه 25 - 4 - 2011 08:57 AM

فمنذ اليوم الأول عين مجموعة من الموظفين في مكتب الرئاسة كمعاونين له في المستودعات، وليكونوا مسئولين عن توزيع الحصص والمخصصات حتى أن الأمر استدعى تعيين سعادة الدرسا المرافق الشخصي للدكتور رمزي خوري مدير عام مكتب الرئيس عرفات للعمل كمسئول لمستودع الطعام.

ومع ذلك فإن عملية توزيع الطعام أصابها إرباك شديد جراء نقص الكميات في التموين ولعدم السماح بدخول كميات كافية، إن سمحت قوات الاحتلال بدخوله أصلا.

يوم الجمعة 26/4 كان مربكا لي فقدت علبة سجائري التي حصلت عليها بعد ثمانية أيام متتالية، فرحت بها وأردت أن يكون صباح هذا اليوم خاصا واستثنائيا، كيف لا وقد تغنيت بوصولها، وعلى الفور هرعت إلى غرفة الوفد الأجنبي لعمل كأس من النسكافيه الخاصة بهذه المناسبة، وسرعان ما تلاشت هذه الفرحة بعد ان تبين أني فقدتها ولم أعثر عليها، سارع زميل لي في الغرفة واسمه إبراهيم باجس بالتبرع لى ببعض السجائر بعد أن رثي لحالي فهو يعرف جيدا أنني لا أستطيع الكتابة دون السيجارة اللعينة والتي كنت أعاني من غيابها طيلة ثمانية أيام متواصلة.

حالة الكدر هذه تواصلت مع قيام قوات الاحتلال بتدمير ما تبقي من سيارات في مقر الرئاسة والعمل منها سواتر إضافية، كما قامت بعمليات تفجير جديدة في عدة مبان داخل مقر الرئاسة.


فمنذ اليوم الأول عين مجموعة من الموظفين في مكتب الرئاسة كمعاونين له في المستودعات، وليكونوا مسئولين عن توزيع الحصص والمخصصات حتى أن الأمر استدعى تعيين سعادة الدرسا المرافق الشخصي للدكتور رمزي خوري مدير عام مكتب الرئيس عرفات للعمل كمسئول لمستودع الطعام.

ومع ذلك فإن عملية توزيع الطعام أصابها إرباك شديد جراء نقص الكميات في التموين ولعدم السماح بدخول كميات كافية، إن سمحت قوات الاحتلال بدخوله أصلا.

يوم الجمعة 26/4 كان مربكا لي فقدت علبة سجائري التي حصلت عليها بعد ثمانية أيام متتالية، فرحت بها وأردت أن يكون صباح هذا اليوم خاصا واستثنائيا، كيف لا وقد تغنيت بوصولها، وعلى الفور هرعت إلى غرفة الوفد الأجنبي لعمل كأس من النسكافيه الخاصة بهذه المناسبة، وسرعان ما تلاشت هذه الفرحة بعد ان تبين أني فقدتها ولم أعثر عليها، سارع زميل لي في الغرفة واسمه إبراهيم باجس بالتبرع لى ببعض السجائر بعد أن رثي لحالي فهو يعرف جيدا أنني لا أستطيع الكتابة دون السيجارة اللعينة والتي كنت أعاني من غيابها طيلة ثمانية أيام متواصلة.

حالة الكدر هذه تواصلت مع قيام قوات الاحتلال بتدمير ما تبقي من سيارات في مقر الرئاسة والعمل منها سواتر إضافية، كما قامت بعمليات تفجير جديدة في عدة مبان داخل مقر الرئاسة.


عاشق البندقيه 25 - 4 - 2011 08:58 AM

الحلقة الثامنة والاخيرة

في الجمعة الخامسة للحصار وصلني نبأ استشهاد ابن عمتي رائد موسى نزال في مدينة قلقيلية، بقذيفة (أنيرجي) ظهر اليوم عندما أعادت هذه القوات احتلال المدينة، تمكنت والدتي من الاتصال بي عصر اليوم وتحدثت معى باكية قائلة (رشيد يسلم رأسك، ابن عمتك رائد، قتلوه.

عاش أسيرا في أقبية سجون الاحتلال لأكثر من أربعة عشرة سنة، كان صغيرا عندما اعتقل في إطار حملة هدفت اعتقال مجموعات للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في قلقيلية ولم يتجاوز عمره ستة عشرة ربيعا، خرج قبيل انتفاضة الأقصى بقليل تزوج وأنجب ابنا وحيدا أسماه (أسير)، وعاد ليكون مطاردا بين مدن الضفة الغربية لقوات الاحتلال وأجهزتها الأمنية التي بدأت تضيق عليه الخناق مجددا. ومع ذلك استطاع رائد أن ينشأ الذراع العسكري للجبهة العسكرية للجبهة الشعبية في منطقة قلقيلية، وأن يقض مضاجع الاحتلال في أكثر من موقعة.

ادعت قوات الاحتلال أن الشهيد رائد كان مسئولا عن مواد متفجرة تقدر 250 ضبطت في أحد منازل قلقيلية كانت في طريقها إلى إحدى البنايات التجارية في تل أبيب وتسمى عزرائيل، وادعت إسرائيل أن العملية كانت لو نفذت شبيه بعمليات التفجير في المركز التجاري في نيويورك ، وأن حجم الخسائر البشرية التي ستقع جراء هذه العملية بين 3000 و10000 قتيل وأن الخسائر المادية ستقدر بنحو 70 مليون دولار.

كانت قوات الاحتلال التي اجتاحت المدينة منذ فجر اليوم تقوم بعملية مطاردة واسعة النطاق للشهيد ورفاقة، من خلال مروحيات الأباتشي، وتمكنت عند ظهر اليوم من تضييق الخناق عليه في منطقة صغيرة ومغلقة، إلتجأ إلى أحد المنازل وتحصن فيه، ومع ذلك أمر رفاقه بالانسحاب لأنه سيغطي أنسحابهم وأستمرت المعركة بينه وبين قوات الاحتلال طيلة ثلث ساعة استخدمت فيها قوات الاحتلال قذائف الأنيرجا فسقط شهيدا وفاضت روحه إلى باريها.

تحدث شقيقه واصف بواسطة الهاتف الخلوى المشوش والذي أكاد أسمعه (رائد استشهد قصفوه بالقذائف أولاد الكلاب) وقطع الاتصال.

بكى قلبي المحاصر، ودمعت عيني التي تشاهد حجم مأساة شبعي.. فهذا طريد.. وهذا أسير وهذا شهيد، ولم يبق منزل فيه فلسطيني إلا وأصيب بنكبات الاحتلال.

وقفت أمام نافذة الجسر المؤدى بين غرفة الرئيس وقاعة المؤتمرات، لا لشيء سوى النظر لهضاب رام الله البعيدة، ولأتنفس الهواء المتسرب من شقوق أحدثها رصاص الاحتلال، لم أقف طويلا وإذا بقنابل الصوت والغاز يطلقها جنود الاحتلال على النوافذ مما اضطرني للتراجع مع من كانوا يمارسون لعبة تنفس الهواء الطلق إلى الداخل مرة أخرى.

المحاصرون واصلوا حياتهم الصعبة، ويتأملون أن ينتهي هذا الحصار البغيض، زميلي علي صوافطة من وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) كان متكدرا نوعا ما رغم أنه أظهر رباطة جأش حقيقية في الحصار، كان موعد زواجه الذي حدده مع خطيبته وأهلها قد مر وهو محاصر، وكان الموعد حدد يوم الخميس الموافق 11/4، ولم يعد علي إلى أهل خطيبته المنتظرة، وكيف يعود وهو يواجه الموت في كل لحظة، كان علي قد انقطع عن التدخين بتدخل من خطيبته سائدة، ولكنه عاد إلى التدخين، لا بل أصبح شغوفا للبحث عن سيجارة ينفث فيها همومه وشوقه لخطيبته سائدة التي تحاول دائما الاطمئنان عن خطيبها وفتى أحلامها، ولكن كان الاحتلال بدباباته ومجنزراته يقفون لأحلامها بالمرصاد. طمأنته بعض الشيء فالحديث بدأ يتسرب عن وجود اجتماعات بين الجانبين الفلسطيني واللجنة المشتركة والتي تضم بريطانيين وأميركيين، وأن هناك انفراجا ما قد يحدث في أي لحظة، أتحدث إليه والشك يخامرني من التوصل إلى أية نتائج ملموسة على الأرض بخصوص فك الحصار، لا بل أن المسائل تزداد تعقيدا بالنسبة لقضية المهد.

كان غبره من قوات الـ(17) متضايقا لأنه بحاجة إلى حمام حقيقي حتى يزيل الأوساخ التي علقت به طوال أيام الحصار، قلت له (الرئيس لم يستحم طوال أكثر من 22 يوما متواصلا ولم يغير ملابسه التي بدا عليها الاتساخ، واضطر للذهاب إلى حمامه وتدبير بعض كميات المياه القليلة ليستحم لأن الدكتور أشرف الكردي طبيه الخاص حضر من الأردن برفقة وزير الخارجية الأردني مروان المعشر للكشف عنه وليطمئن على وضعه الصحي، فأصبر كما صبر الرئيس عرفات).

أسماء تعلق بذهنك دائما ماجد السلمي، الياسيني، ضبع، أبو الليل، النقيب سعيد وغسان، ومحمد دعاجنة، والشرطي فايز، ونبال، وفادى، ومحمد، وأسد، وهاتى، هؤلاء وغيرهم من صناع الصمود في زمن القحط هذا، كانوا يجترعون المعجزات، نعم كانوا حالمون بوطنهم وهم على استعداد لاجتراع المعجزات، وكيف لا وأنت ترى أحد الموظفين في مكتب الرئيس إبراهيم الأدريسي، يؤثر غيره على ذاته حتى في بعض كسرات الخبز من مخصصه، يرفض أن ينام على مرتبة وغيره بحاجة إليها.

مساء يوم الأحد 28/4 وصل إلى مقر الرئيس عرفات القنصلان الأميركي رونالد شليكر والبريطاني جيفرى آدم، علمت أنهما يحملان خطة مشتركة، ولكن لم يرشح عنها أي تفصيلات، لكنها حملت بكل تأكيد تصورات عن حل لقضية المحاكمين بقتل الوزير المتطرف زئيفي، وتضمنت هذه الخطة أن يخضع المعتقلين لأشراف أميركي ـ بريطاني مشترك في أحد السجون الفلسطينية، ورشح أن يكون سجن أريحا هو السجن المرشح.

في هذا الاجتماع اتفق على أحضار لجنة من الخبراء من الخارج لمناقشة التفاصيل مع لجنة فلسطينية، ترأسها الوزير ياسر عبد ربه، وبعد أنتهاء الأجتماع أحضر الرئيس القنصلين البريطاني والأميركي للغرفة التي يتواجد بها المعتقلون المحاكمون بقتل زئيفي.

مساء الاثنين 29/4 كان مقررا أن يلتقي الرئيس عرفات بأعضاء اللجنة الفنية، ولكن استعيض عن هذا اللقاء، بلقاء آخر عقده معهم الوزير ياسر عبد ربه، وخالد سلام (محمد رشيد) المستشار الاقتصادي للرئيس عرفات، ودحلان.

أظهر الرئيس عرفات استياءه من الاجتماع، وأكد في محادثته مع المسئولين الفلسطينيين أنه سينسف الاتفاق مع الجانبين الأميركي والبريطاني إذا لم يلتزموا بما تم الاتفاق معهم، ففي أجواء اللقاءات والاتصالات هذه كانت إسرائيل تنفذ مجزرة جديدة في الخليل حيث استشهد صباح اليوم (8) فلسطينيين، ومنعت قوات الاحتلال من ادخال مواد التموين للمحاصرين في كميسة المهد في بيت لحم، وفي ذات الوقت تماطل الحكومة الإسرائيلية في فك الحصار عن الرئيس عرفات.

ومن الواضح أن الرئيس عرفات لم يعجب من اطالة الوقت في عمل اللجنة المشتركة الأميركية ـ البريطانية.

كان الرئيس عرفات تلقى اتصالا من ولي العهد السعودي الأمير عبد الله أكد فيه أن الأحد سيكون الانسحاب الإسرائيلي، وأن القضية قد حسمت، ولكن جاء الأحد والاثنين والقضية لم تحسم بل أن مباحثات الجانبين الفلسطيني والأميركي والبريطاني بدأت تدخل متاهات لم تكن موجودة أصلا. وخاصة تلك المتعلقة بإقامة المعتقلين الستة، فقد كان نص الاتفاق الذي أصر الرئيس عرفات عليه هو أن يقيم الأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات والعميد فؤاد الشوبكي كل في شقة خاصة وليس داخل السجن.

عادت اللجنة الفلسطينية صباح اليوم الثلاثاء 30/4 للاجتماع مع الخبراء الأجانب، وكان هذا الصباح بالنسبة للمحاصرين متوترين، فوسائل الاعلام تعلن عن قرب فك الحصار عن مقر الرئيس عرفات، في الوقت الذي تتواجد فيه الدبابات داخل المقر بل تقوم بعمليات وضع المتاريس والسواتر، والجميع يكذب ما يشاع في وسائل الاعلام.

كانت اللجنة والخبراء ذهبوا إلى أريحا لتفقد السجن الذي سينقل إليه المعتقلون من أعضاء الشعبية وسعدات والشوبكى، وعادت اللجنة في المساء لتجتمع مرة أخرى مع وفد الخبراء، والجميع بانتظارنا سيتمخض عنه هذا الاجتماع، كمن متشوقا لمعرفة ما يجرى في الاجتماع، سألت المستشار نبيل أبو ردينة قال (الرئيس بانتظار اللجنة لإطلاعه على التفاصيل التي بحثت في الاجتماع).

ومن الواضح أن إطالة أمد الحصار على المقر تأتي في إطار حملة الانتقام الشخصية التي يمارسها شارون على الرئيس عرفات.

في هذا الأنتظار لما قد يحدث تمشيت مع العميد توفيق الطيراوي الذي أكد فشل حملة شارون بأبعادها السياسية وحتى العسكرية وأن كان شارون وصل حتى باب مقر الرئيس عرفات، ورغم ارتكابه للمجازر في المناطق الفلسطينية، أراد شارون شطب الرئيس عرفات، لكن الرئيس عاد قويا أكثر من ذي قبل، وكما قال الرئيس يلمع في الأزمات.

لكن العميد الطيراوي أكد أن هذه التجربة قد طرحت حقيقة على الطاولة ضرورة استخلاص العبر والنتائج على القيادة التي يجب ان تسارع باجراء جملة من التغيرات التي تؤكد استخلاص العبرة مما حدث.

في الساعة الثامنة من مساء الأربعاء 1/5 كانت تقف على بوابة المقر (8) سيارات شفرليت أميركية مصفحة، وبداخلها عدد كبير من الأمن الأميركي والبريطاني، دخل عدد من رجال الأمن الأميركي للطابق الأول من المبنى وأخذوا معهم المعتقلين، طبع قيدوا باليدين، باستثناء سعدات والشوبكى، ورافقهم حرس الرئيس إلى أريحا، ودع المعتقلون من قبل المحاصرين، وودعهم المعتقلون وهم يلوحون بأشارت النصر، الأمر الذي خلق عند البعض أجواء من الكآبة.

الجميع بدأ ينتظر انسحابا إسرائيليا، حيث بدأت هذه المؤشرات تتضح في ساعات الليل، فقد رفعت قوات الاحتلال التشويش عن الهواتف الجوالة، وبدأت عدد من آلياتها ودباباتها بالخروج من المقر، كنت في هذه اللحظات أقف على الجسر وبجانبي اللواء إسماعيل جبر نرصد تحركات قوات الاحتلال، سيما وأن انفجارا قويا وقع قبل قليل بالقرب منا، ومع ذلك بقينا نرقب حركة قوات الاحتلال، وفي غرفة مجاورة كان سعد اليتيم يغنى الزجل ويرقص الدبكة الشعبية وبعض المحاصرين يلتفون حوله يشاركونه الغناء بالتصفيق وترديد أغاني الدلعونة وأبو الزلف.

أمسكت جهاز اللاسلكي اتصلت بالمصور الصحفي جمال العار وري بادرت بسؤاله أين أنت الآن، قال لأقف الآن بالقرب قصر الحمرا بعد أن لاحقتنا قوات الاحتلال عندما اقتربنا من الطريق المؤدية إلى مقر الرئاسة (طلبت منه التقدم ولكن بحذر لأن قوات الاحتلال التي قامت بمطاردتكم شاهدتها قد خرجت، وعلق اللواء جبر بالقول عليه أن يحذر الطريق خوفا من وجود قنابل مفخخة طرقها الاحتلال، رد بقوله: سأمشى ذات الطريق التي سلكتها قوات الاحتلال، وبالفعل ما هي لحظات حتى شاهدنا مجموعة من الصحفيين تدخل مهبط الرئاسة وتتوجه إلى البوابة الداخلية لمقر الرئيس عرفات، حيينها صفق جميع من في المقر، توجهت مباشرة إلى مكتب الرئيس عرفات الذي كان غاضبا لأقصي درجة من خرق قوات الاحتلال لاتفاقها بأن تحل قضيتي مقر الرئيس وكنيسة المهد في وقت واحد).

خرج المحاصرون إلى باحات المقر وبدأوا في عناق بعضهم بعض، وما أن سمع أهالي المحاصرين بفك الحصار وانسحاب قوات الاحتلال حتى سارعوا بالوصول إلى المقر.

الحرية التي كتبت من جديد للمحاصرين كانت بالنسبة حياة جديدة، ولكن معظمهم عادوا إلى المقر الذي أبقى الرئيس عرفات فيه كامل الاستعدادات والجاهزية خوفا من هجوما إسرائيلي آخر وشيك.

وبقى الفلسطيني ينتقل من حصار إلى حصار دون تردد أو خوف أو وجل، فهو يعشق حريته ووطنه



المفتش كرمبو 25 - 4 - 2011 11:35 AM

ويبقى السؤال الاصعب
اين اختفت رجولات من يدعون الان الوطنيه
ام كانوا يتساوقون مع المحتل
سيدى ابا عمار لم يقتلك حصار بيروت
لم يقتلك حصار المقاطعه
كنت تردد شهيدا شهيدا
فارتفعت الى عليين مع الشهداء والصالحين




الساعة الآن 06:48 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى