![]() |
عائــــــــــدون هَـرِمَ الناسُ..وكانـوا يرضعـونْ شعر: أحمد مطر عندما قال المُغنّي: عائـدون. يا فلسطينُ ومازالَ المُغنّي يتغنّى وملايينُ اللحـونْ في فضـاءِ الجُـرحِ تفنى واليتامـى..مِن يتامى يولـدونْ. يا فلسطينُ وأربابُ النضالِ المدمنـونْ سـاءَهمْ ما يشهـدونْ فَمَضـوا يستنكِرونْ ويخوضـونَ النّضالاتِ على هَـزِّ القناني وعلى هَـزِّ البطـونْ! عائـدونْ ولقـدْ عادَ الأسـى للمـرّةِ الألفِ فلا عُـدنا.. ولا هُـم يحزنـونْ! |
طفلي يسأل طفلي يسأل أبتي أبتيشعر: حسن الثقمي هل للاقصى يوما يأتي دوما أحفظ في ذاكرتي هذا حقي لا أتعجل هذا عدوي وغدا يرحل طفلي يسأل أبتي أبتي كيف العزة تأتي إلينا ونحن ننعم لا نستشهد كيف نطالب عودة حق يشجب هذا وهذا يندد طفلي يسأل أبتي أبتي كيف أحفظ هذا حقي وهذا شعبي وهذا وطني وهذا ملجأ وهذه خيمي أنظر حولي قصص تروى طفل يصرخ أم ثكلى شيخ يهذي يشكوا همه فوق ركام بيت ظمه يشكوا عدوا دوما ظلمه طفلي يسأل أبتي أبتي أين المعتصم لا يأتي شرقت شمس شرقت شمس وأنا بهم العودة أحلم ذهبوا قومي رجعوا قومي لكن لا سيف ولا علم لا مؤتمر يرجع حقي دون حجارة لن تنتصروا طفلي يسأل أبتي أبتي أين النصر تأخر يأتي من حقك يا طفلي تسأل لكن لجوابي لا تعجل |
سنـرجـع يومـــاً سنـرجـع يومـــاًسنرجع يوما الى فلسطين لأن منزلنا ما زال بالانتظار … ما زال ينتظر أهله للعودة الى الأرض والاهتمام بها … نعم سنعود! فبيتنا الكبير هناك ما زال موجوداً أستطيع أن أراه ومازالت الزيتونة مغروسة في الأرض الطيبة يسقيها الحنين … هناك في منزلنا الحقيقي يقول والدي: "سنكون أحراراً ولن يسألنا أحد من نحن؟ ومن نكون؟ ولن يسألنا أحد من أين أتينا؟ ومتى سنعود؟" سنرجع يوماً، يؤكد والدي: "وسننسى كل الحروب والإهانات التي تعرضنا لها في المنافي، فالاجتماع بالأرض كفيل بمساعدتنا على نسيان آهات الماضي والعمل من أجل المستقبل!!" قال والدي هذا الكلام لأختي حين كانت تعود دائماً خائبة بعد البحث عن عمل مع أنها مجازة بالفلسفة بدرجة جيدة من الجامعة اللبنانية. وقال والدي هذا الكلام لأخي قبل وداعه الأخير واعداً إياه أنه سينقل زمانه الى فلسطين حيث سيشعر بالراحة. وقاله لأمي حين أصيبت بمرض القلب بعد موت أخي ولم تستقبلها أي من المستشفيات لعدم توفر المال لدينا. ويقوله لي دائماً حين أشعر بالخيبة لعدم قدرته على توفير حاجياتي. كنت مثل أبي وأخوتي أود العودة الى فلسطين كي تحصل أختي على عمل، ولكي تشفى أمي ولكي نعش عيشة كريمة. ولكني الآن أريد العودة … لأنه يحق لي أن أعود. فالقرار 194 ينص على حقي هذا. والقانون الدولي يعترف بحقنا في تقرير مصيرنا … ونحن نريد أن نعود. اكتمال شعبان، 12 عام، مخيم شاتيلا |
الـى أيـن بعـد؟ مللت من الترحال، وأصبحت أخاف من التعلق بالأصدقاء…أخاف من التعلق بالأماكن. من شاتيلا الى المزرعة الى الأوزاعي الى شاتيلا الى الروشة وبعدها الى شاتيلا من جديد، فإلى أين بـعـد؟! في مخيم شاتيلا ولدت لتندلع حرب المخيمات بعد سنة، فيقتل والدي وأختي، ونرحل أنا وأمي وأخوتي الى المزرعة الى بناية كان يسكنها مهجرون فلسطينيون ولبنانيون. في بيت المزرعة المؤلف من غرفة ومنافعها كانت طفولتي. فبيتي الأول في شاتيلا لم يكن يعني لي شيئاً. كنت صغيرة عندما تركته ولم أمن بعد قد تعلقت به، ولم تكن الأمكنة تعني لي شيئاً ربما حينها. في المزرعة بدأت أكتشف العالم. أربع سنوات في المزرعة علمتني أشياء كثيرة. عرفت جمانة، سامية، بلال، نضال، نهال وآمال. عرفت معنى التعاون من خلال تقاسم السكاكر التي كنا نشتريها معاً أو من خلال جمع عيديتنا والذهاب معاً الى مدينة الملاهي. في الخامسة من عمري، يأخذ صاحب البناية أمراً بإخلاء البناية. ذهب نضال ونهال الى الحرش وسامية الى الحمرا وجمانة الى شاتيلا. أما نحن فذهبنا الى الأوزاعي حيث استأجرت أمي بيتاً صغيراً. قضيت اليوم الأول في الأوزاعي وأنا أبكي حتى جفت أعيني من الدمع. خفت من هذا المكان وافتقدت فيه أصدقائي وجيراني في المزرعة. لم أسكت حتى وعدتني أمي بأننا سنقوم بزيارتهم في القريب العاجل...وتحت التينة في الأوزاعي ومع منال وزينب وحيث كان يغني لنا والدهما "مبارح تحت التينة قلتيلي بتحبيني" بدأت أحب المكان وأصدقائي الجدد. ولكن ما أن بدأت أشعر بالأمان في بيتي الجديد حتى قررت أمي الرحيل الى شاتيلا الى منزلنا!! الى المنزل الذي ولدت فيه ولم يعني لي الكثير. دارين، حليمة، سهيلة، رشا، إنصاف، محمد، إيهاب، صبحي وعثمان أصدقائي الجدد، أحبوني وأحببتهم ولعبت معهم الغريتة والشدة. وأم محمد "أمي الثانية" كانت تغنجني كثيراً وكنت في معظم الأحيان أصحو لأجد نفسي قد قضيت الليل بقربها. في شاتيلا تعلمت أني فلسطينية، كصبحي وعثمان ورشا وآن ونهال ومنال وأصدقائي في المزرعة كانوا لبنانيين…تتزوج أمي وتسلمنا الى بيت جدي الذي يقطنون في الروشة في بناية العطار للمهجرين...مكان جديد…هل سأحبه ويكون لي فيه أصدقاء…هل سأجد هناك أم محمد ثانية أو نهال أو أحمد وآخرين؟! ولكن ماذا لو أحببتهم واضطررت بعدها الى تركهم من جديد. لا لن أدع نفسي أحب المكان ولا أهله…لكن بائع "الآيس كريم" وتجمع أهالي البناية حول سيارته عند الغرب، البحر والمشي على الكرنيش وضجة الروشة علّقاني بالمكان وبأهله وفي ليلة بينما كنت عائدة مع اكتمال ونسرين من كزدورة المغربية نقرأ على حائط البناية "يجب إخلاء البناية من السكان خلال عشرين يوماً تحت طائلة المسؤولية". حزم الأمتعة ووداع المكان الى شاتيلا مرّة ثالثة. الى حيث اسكن في شاتيلا أعرف الكثير من الصغار والكبار ولكني أحاول دائماً أن لا أحبهم كثيراً…ولهذا فالكل يتهمني بأني قاسية! ربما، ولكني لا أريد أن احب أشخاصاً ربما سأفترق عنهم بعد حين. فبين شاتيلا والمزرعة والاوزاعي وشاتيلا والروشة وشاتيلا تعلمت معاني كلمات وعشتها، تعلمت وعشت الفراق والوداع واللا استقرار. ولكن هذه الأمكنة لم تعطني أبداً الشعور بالأمان…لم يدعني رحيلي المستمر أن أتعلق بها. أنا الآن في شاتيلا، ولكن من يدري أين سيصبح مصيري بعد حين…لا أريد أن أترك شاتيلا إلا الى فلسطين حيث أنتمي…أليس من حقي الاستقرار ككل البشر في مكان ما. في مكان يكون لي فيه بيت يشعرني بالأمان ويحتضنني. وهذا المكان لن يكون إلا هناك في فلسطين. سمر شعبان، 14 عاماً، مخيم شاتيلا |
الـمـنـفـى الـمـتــدرج بقلم: محمود درويش لم تنته الطريق لاقول، مجازا، ان الرحلة ابتدأت. فقد نفضي بي نهاية الطريق الى بداية طريق اخر. وهكذا تبقى ثنائية الخروج والدخول مفتوحة على المجهول. كنت في السادسة من عمري حين خرجت الى ما لا اعرف، حين انتصر جيش حديث على الطفولة لم يكن ياتيها من جهة الغرب الا رائحة البحر المالحة، وغروب شمس الذهب على حقول القمح والذرة. لم تتحول السيوف الى محاريث الا في وصايا الانبياء. وانكسرت محاريثنا في الدفاع عن طمأنينة العلاقة الابدية بين ريفيين طيبين وارض لم يعرفوا غيرها ولم يولدوا خارجها، امام حرب الغرباء المدججين بطائرات ودبابات وفرت لرواية حنينهم البعيد الى "ارض الميعاد" شرعية القوة. كان الكتاب يتغذى من القوة، وكانت القوة في حاجة اتلى كتاب. منذ البداية، صاحب الصراع على الارض صراع على الماضي والرموز. ومنذ البداية، كانت صورة داود هي التي ترتدي دروع جوليات، وكانت صورة جوليات هي التي تحمل حجر داود. ولكن ابن السادسة لم يكن في حاجة الى من يؤرخ له، ليعرف طريق المصائر الغامضة التي يفتحها هذا الليل الواسع الممتد من قرية على احد تلال الجليل، الى شمال يضيئه قمر بدوي معلق فوق الجبال: كان شعب باسره يقتلع من خبزه الساخن، ومن حاضره الطازج ليزج به في ماض قادم.هناك … في جنوب لبنان، نصبت خيام سريعة العطب لنا. ومنذ الان، ستتغير اسماؤنا. منذ الان سنصير شيئا واحدا، بلا فروق. منذ الان، سندمغ بختم واحد لاجئون. - ما اللاجئ يا ابي؟ - لا شيء، لا شيء لن تفهم. - ما اللاجئ ياجدي، اريد ان افهم. - ان لا تكون طفلا منذ الان! لم اعد طفلا، منذ صرت اميز بين الواقع والخيال، بين ما ان فيه الان وما كان قبل ساعات. فهل ينكسر الزمان كل الزجاج؟ لم اعد طفلا منذ ادركت ان مخيمات لبنان هي الواقع وان فلسطين هي الخيال. لم اعد طفلا منذ مسني ناي الحنين. فكلما كبر القمر على اغصان الشجر حضرت في رسائل مبهمة الى: دار مربعة الشكل، تتوسطها نوتة عالية، وحصان متوتر، وبرج حمام، وبئر. على سياجها قفير نحل يجرحني مذاق عسله، وطريقان معشوشبان الى مدرسة وكنيسة، واسترسال يفيض عن لغت… هل سيطول هذا الامر يا جدي؟ انها رحلة قصيرة. وعما قليل نعود. لم اعرف كلمة "المنفى" الا عندما ازدادت مفرداتي. كانت كلمة "العودة" هي خبزنا اللغوي الجاف. العودة الى المكان، العودة الى الزمان، العودة من المؤقت الى الدائم، العودة من الحاضر الى الماضي والغد معا، العودة من الشاذ الى الطبيعي، العودة من علب الصفيح الى بيت من حجر. وهكذا صارت فلسطين هي عكس ما عداها. وصارت هي الفردوس المفقود الى حين… حين تسللنا، عبر الحدود، لم نجد شيئا من اثارنا وعالمنا السابق. كانت الجرافات الاسرائيلية قد اعادت تشكيل المكان، بما يوحي بان وجودنا كان جزا من اثار رومانية، لا يسمح لنا بزيارتهم. وهكذا لم يجد العائد الصغير الى "الفردوس المفقود" غير ما بسر الى ادوات الغياب الصلبة، والطريق المفتوحة الى باب الجحيم. لم اكن بحاجة الى من يؤرخني، انا الحاضر الغائب. ولكن المخرجة السينمائية سيمون بيطون ستذهب بعد خمسين عاما الى مسقط رأسي لتصوير بئري الاولى وماء لغتي الاول، وستصطدم بمقاومة من سكان المكان الجدد، وتسجل هذا الحوار مع المسؤول عن المستوطنة الاسرائيلية: - لقد ولد الشاعر هنا - وانا ايضا. حين وصل ابي الى هنا لم يلق سوى الاطلال. اعطونا خياما ثم اكواخا. انفقت عشرين عاما في بناء بيت لي، وتريدني ان اعطيه اياه؟ - ما اريده هو ان اصور هذه الاطلال، اطلال ما تبقى من بيته. انه في عمر والد الا نخجل؟ - لا تكوني ساذجة، انهم يريدون حق العودة. - أتخاف من ان يحصلوا عليه؟ - نعم. - وان يطردوك كما طردناهم؟ - انا لم اطرد احدا. انزلونا من الشاحنات وقالوا لنا: ههنا تدبروا امركم. لكن من هو درويش هذا؟ - انه يكتب عن هذا المكان، عن شجرات الصبار هذه. عن هذه الاشجار، وعن البئر. - اية بئر. هنالك ثماني ابار. كم كان عمره؟ - ست سنوات. - وعن الكنيسة؟ هل يكتب عن الكنيسة. - كانت هنالك كنيسة لكن دمرت. ابقوا على المدرسة من اجل البقرات الحلوبات والعجول. - حولتهم المدرسة الى اسطبل؟ - لم لا؟ - صحيح لما لا بالنهاية؟ هم كان عندهم حصان؟ هل ما زال هنالك بعض اشجار الفاكهة؟ - طبعا، حين كنا لا نزال اولادا اعتشنا على ثمارها: تين وتوت وكل ما خلق الله. انها كل طفولتي تلك الاشجار. - وطفولته ايضا. - لم تكن صحراء اذا، زلا خالية من السكان. يولد طفل في سرير طفل اخر. يشرب حليبه. ياكل توته وتينه، ويواصل عمره، بلا منه، خائفا من عودته، وخاليا ايضا من الاحساس بالاثم، لان الجريمة من صنع ايد اخرى ومن صناعة القدر. فهل يتسع المكان الواحد لحياة مشتركة؟ وهل يقوى حلمان على الحركة الحرة تحت سماء واحدة، ام ان على الطفل الاول ان يكبر بعيدا وحيدا بلا وطن وبلا منفى، لا هو هنا وهوهو هنالك. سيموت جدي كمدا، وهو يطل على حياته التي يعيشها الآخرون، وعلى ارضه التي سقاها بدموع جلده ليورثها ابنائه. ستقتله راحة الجغرافيا المنكسرة على اطلال الزمان. لا حق العودة من رصيف الشارع الى الرصيف الاخر، لا يتحقق الا مع مرور الفي عام على غياب يكفي لتطابق الخرافة مع الحداثة. اما انا، فسأبحث عن ((اخوة الشعوب)) في حوار لا ينتهي، عبر باب الزنزانة، مع سجان لا يكف عن الايمان باني غائب. - من تحرس اذا؟ - نفسي القلقة - مم انت قلق يا سيدي؟ - من شبح يطاردني. كلما انتصرت عليه ازداد ظهورا. - ربما لان الشبح هو اثر الضحية على الارض؟ - لا ضحية سواي. انا الضحية. - ولكنك القوي، القادر، السجان، فلماذا تنازع الضحية على مكانتها؟ - لابرر افعالي، لاكون على حق دائما، لاصل الى مرتبة القداسة، ولانجو من داء الندم. - ولماذا تحتجزني هنا. هل تظنني شبحا. - ليس تماما. بيد انك تحفظ اسم الشبح. لعل الشعر هو حافظ الاسم بجنوحه الدائم الى تسمية العناصر والاشياء الاولى في لعبة لا تبدو بريئة لمن يسيج وجوده بالاستحواذ المطلق على المكان وذاكرته، على التاريخي والغيبي معا. لعل الشعر لا يكذب ولا يقول الحقيقة ايضا شانه شان الحلم. ولكن تجربة الاعتقال المتكررة اضاءت لي الوعي بجمالية الشعر وجدواه او فاعليته. لا، لم يكن الشعر لعبة بريئة ما دام يدل على كائن كان ينبغي له الا يكون. لكن المنفى مرة اخرى كالحشائش. البرية تحت ظلال الزيتون. وعلى الطائر وحده ان يوفر للسماء البعيدة نقطة العلاقة بارض اخرجت من خصالها السماوية. |
لا تتمتع جغرافيات كثيرة بوفرة التعدد الجمالي الذي تمتاز به ارضنا العاجزة عن اجراء الانفصال الضروري عليها بين الواقع والاسطورة. كل حجر هنا يروي، وكل شجرة تحكي عن الصراع بين المكان والزمان. كلما ازدادت وطأة الجمال ازداد احساسي بخفة الغريب: انا حاضر وغائب وسجين. نصف مواطن لاجئ كامل الحرمان. اذرع شوارع حيفا، على سفح الكرمل الموزع بين البحر والبر، وبي عطش الى توسيع رقعة الارض بحرية لا اجدها الا في قصيدة تاخذني الى الزنزانة. منذ عشر سنين لا يؤذن لي بمغادرة غرفتي منذ غروب الشمس حتى شروقها. وعلي ايضا ان اثبت وجودي في مركز الشرطة في الساعة الرابعة من بعد ظهر كل يوم. اما ليلي الخاص، ليلي الشخصي فلم يعد لي: من حق رجال الامن ان يطرقوا بابي في أي ساعة شاءوا، للتأكد من انني موجود!
لم اكن موجودا، كنت ارغم على العودة الى المنفى تدريجيا، منذ اختلطت حدود الوطن والمنفى في ضباب المعنى. وكنت أحدس ان في وسع اللغة ان ترمم ما انكسر، وان توحد ما تشتت. ولعل(هنا) ي الشعرية، المتحولة من افق الى قيد، كانت في حاجة الى توسيع منطق البعيد. لكن المسافة بين المنفى الداخلي والخارجي لم تكن مرئية اماما. كانت مجازية ما دامت هذه البلاد، معنى، اصغر من مكانها. وفي المنفى الخارجي ادركت كم انا قريب من بعيد معاكس، كم ان هنالك كانت هنا. لم يعد أي شيء شخصيا من فرط ما يحيل الى العالم. ولم يعد أي شيء شخصيا من فرط ما يحيل الى العالم. ولم يعد أي شيء عاما من فرط ما يسمى الشخصي. ستطول الرحلة على اكثر من طريق غالبا ما يحمل على كتفين. ستتأزم هوية محرمة تستعصي على التلخيص ب:هجرة و عودة. ولا نعرف اينا هو المهاجر: نحن، ام الوطن. والوطن فينا بتفاصيل مشهده الطبيعي، تتطور صورته بمفهوم نقيضه. وسيفسر كل شيء بضده. سينمو كثير من النرجس الجريح على ارض الهامش المؤقت. ستحل اللغة محل الواقع، وتبحث القصيدة عن اسطورتها في مجمل التجربة الانسانية، وسيصدر المنفي ادبا، او جزا من ادب الضياع الانساني، لا تبرد نار التراجيديا الخاصة بل لتدخل في تاريخها البشر العام. لكن الاسرائيليين سيطاردون هذه المكانة. سيقولون انهم المنفيون. هم المنفيون الذين عادوا، وان الفلسطينيين ليسوا منفيين، بعدما عادوا الى العيش في مجالهم العربي!.ستجرد الضحية مرة اخرى من اسمها. فكما ان من حق الضحية الخاصة ان تخلق ضحيتها، كذلك من حق المنفي الخاص ان يخلق منفيه! |
سيتاح لي، بعدما يزيد عن ربع قرن، ان ارى جزءا من بلادي، غزة التي لم ارها من قبل الا في قصائد شاعرها الراحل معين بسيسو التي جعلها جنته الخاصة. الطريق اليها عبر صحراء سيناء موحش، يسامره نبت صحراوي هنا وهنالك، نخيل حار ودبابة تذكارية، وبحر على الشمال. اما مشاعري فقد كانت مرتبة بعقلانية باردة حينا، ونهبا لحيرة من يعرف الفارق بين الطريق والهدف حينا اخر. تكاثر النخيل فجأة العريش. ها أنذا اقترب من المجهول الذي تمنيت لو يطول. ولكن سلطة الوعي على القلب تتراخى تتدريجيا: هيا بنا قبل ان يهبط المساء. انتظر، قال لي صاحبي وزير الثقافة، فالوطن في متناول اليد. والوطن هو ما تحس به الان. هو هذا التوجس وهذا الاضطراب. قلت: لعله هو هذا المساء الذي يتأهب فيه الحلم ليصبح اكثر واقعية.
لا احلم الان بشيء. من هنا تبدأ فلسطين الجديدة: من هذا الحاجز الاسرائيلي. سيارة جيب عسكرية، علم وجندي يسال المرافق بعربية رخوة: شو معك؟ فيقول له: معي وزير، اتحاشى النظر الى الكاميرات المصورين الباحثة عن فرح العائدين الى الجنة. وتلسعني اضواء المستوطنات وحواجز الجيش الاسرائيلي على جانب الطريق. ولعل اول ما يفاجئني هو انكسار القوائم الجغرافي وتشوه الخارطة. ولكن للمفاجأة جوابها الجاهز هذه هي البداية. غزة واريحا اولا، فنحن في اول الطريق، في اول الامل. لم اتكن من الوصول الى اريحا. فكيف اصل الى الجليل، وطني الشخصي؟ كان ذلك مشروط بشروط قال لي اميل حبيبي ولزيارة بيت امي. وهنالك احترقت بلهفة العودة، فمن هنا حرجت والى هنا اعود. ورأيت كيف يستطيع المرء ان يولد من جديد: كان المكان قصيدتي. لم ينقصني شيء لاحقق موتي المشتهي في ذروة هذه الولادة. وانا احرم من اكتمال الدائرة، كنت ادرك ان انسلاخ الاسطورة عن الواقع ما زال في حاجة الى مزيد من الماضي، وان تحرر الواقع من الاسطورة ما زال في حاجة الى المستقبل. واما الحاضر فلم يكن اكثر من زيارة يعود الزائرة بعدها الى توازنه الصعب بين منفى لا بد منه وبين وطن لا بد منه. فلا يعرف هذا العكس ذاك، ولاذاك بنقيض هذا. ففي كل وطن منفى، وفي منفى بيت من الشعر. ولم اعد بعد. لم تنته الطريق لاقول مجازا ان الرحلة ابتدأت. عن "الكرمل"، عدد 60، صيف 1999 |
عندمـا كنـت صغيـرة عندما كنت صغيرة، كنت أشعر أني عصفورة اطير من مكان الى مكان وأحط أينما أحببت. وكنت أقف أمام المرآة وأغني كما تغني العصافير وكنت أصنع جناحين من ورق. كنت أرسم على وجهي وجه عصفورة، وأقف على السرير وأحاول الطيران من والى الأرض. وكان جدي يشعر كأنه شجرة مغروسة في الأرض لأن الأرض هي كل شيء عن الإنسان ومن ليس له أرض ليس إنسان. فلو كنت شجرة لكنت قد بقيت في فلسطين. كنت أريد أن أبقى عصفورة وأحط على كتفيه فيصرخ بوجهي قائلاً إنزلي عني فسوف تكسري أغصاني فأنت طفلة ولست عصفورة. توفي جدي ولكني بقيت أشعر كأنني عصفورة. وعندما بدأت أكبر بدأت أعي أنه لا يمكن أن أكون عصفورة لأنني فلسطينية لاجئة، وهذا يعني أني لا أستطيع الطيران حين أريد، لأنه ليس لي أرض وبالتالي ليس لي هوية. وبدأت أشعر بأهمية أن يكون للإنسان أرض مغروس فيها. ولكن أرضي هناك وأنا أريد أن أعود الى أرضي هناك في فلسطين.أريد أن أعود إليها كي تكون لي هوية كما كان لجدي قبل الرحيل. أريد أن أعود لكي أختار بين أن أكون عصفورة كما أحببت دائماً أو أكون شجرة كما كان جدي يجبني أن أكون. منى زعرورة، 12 سنة |
الساعة الآن 05:15 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |