![]() |
صفين قرية قديمة البوار من بناء الروم بقرب الرقة على شاطيء الفرات من الجانب الغربي وما يليها غيضة ملتفة ذات بزور طولها نحو فرسخين وليس في ذينك الفرسخين طريق إلى الماء إلا طريق واحد مفروش بالحجارة وسائر ذلك عزب وخلاف ملتفة. ولما سمع معاوية أن علياً عبر الفرات بعث إلى ذلك الطريق أبا الأعور في عشرة آلاف ليمنع أصحاب علي من الماء فبعث علي صعصعة بن صوحان فقال: إنا سرنا إليكم لنعذر إليكم قبل القتال فإن أتيتم كانت العاقبة أحب إلينا! وأراك قد حلت بيننا وبين الماء فإن كان أعجب إليك أن ندع ما جئنا له تقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب فعلنا. فقال معاوية لصعصعة: ستأتيكم رايتي. فرجع إلى علي وأخبره بذلك فغم علي غماً شديداً لما أصاب الناس في يومهم وليلتهم من العطش. فلما أصبحوا ذهب الأشعث بن قيس والأشتر بن الأشجع ونحيا أبا الأعور عن الشريعة حتى صارت في أيديهم فأمر علي أن لا يمنع أحد من أهل الشام عن الماء فكانوا يسقون منه ويختلط بعضهم ببعض وكان ذلك سنة سبع وثلاثين غرة صفر. وكان علي في مائة وعشرين ألفاً ومعاوية في تسعين ألفاً. وقتل من الجانبين سبعون ألفاً: من أصحاب علي خمسة وعشرون ألفاً ومن أصحاب معاوية خمسة وأربعون ألفاً. وفي قوم علي قتل خمسة وعشرون صحابياً بدرياً منهم عمار بن ياسر. وكانت مدة المقام بصفين مائة يوم وعشرة أيام وكانت الوقائع تسعين وقعة وكانت الصحابة متوقفين في هذا الأمر لأنهم كانوا يرون علياً وعلو شأنه ويرون قميص عثمان على الرمح ومعاوية يقول: أريد دم ابن عمي! إلى أن قتل عمار بن ياسر والصحابة سمعوا أن النبي قال له: تقتلك الفئة الباغية! فعند ذلك ظهر للناس بغي معاوية فبذل قوم علي جهدهم في القتال حتى ضيقوا على قوم معاوية فعند ذلك رفعوا المصاحف وقالوا: رضينا بكتاب الله! فامتنع قوم علي عن القتال. فقال علي: كلمة حق أريد به باطل! فما وافقوا فقال علي عند ذلك: لا رأي لغير مطاع! فآل الأمر إلى الحكمين والقصة مشهورة. صقلية جزيرة عظيمة من جزائر أهل المغرب مقابلة لافريقية. وهي مثلثة الشكل بين كل زاوية والأخرى مسيرة سبعة أيام. وهي حصينة كثيرة البلدان والقرى كثيرة المواشي جداً من الخيل والبغال والحمير والبقر والغنم والحيوانات الوحشية. ومن فضلها أن ليس بها عاد بناب أو برثن أو إبرة وبها معدن الذهب والفضة والنحاس والرصاص والحديد وكذلك معدن الشب والكحل والزاج ومعدن النوشاذر ومعدن الزئبق. وبها المياه والأشجار والمزارع وأنواع الفواكه على اختلاف أنواعها لا تنقطع شتاء ولا صيفاً. وأرضها تنبت الزعفران. وكانت قليلة العمارة خاملة الذكر إلى أن فتح المسلمون بلاد افريقية فهرب أهل افريقية إليها وعمروها حتى فتحت في أيام بني الأغلب في ولاية المأمون فبقيت في يد المسلمين مدة ثم ظهر عليها الكفار وهي الآن في أيديهم. وبهذه الجزيرة جبال شامخة وعيون غزيرة وأنهار جارية ونزهة عجيبة وقال ابن حمديس وهو يشتاق إليها: ذكرت صقلّيّة والهوى يهيّج للنّفس تذكارها فإن كنت أخرجت من جنةٍ فإني أحدّث أخبارها ذكر أن دورها مسيرة ستة عشر يوماً وقطرها مسيرة خمسة أيام وهي مملوءة من الخيرات والمياه والأشجار والمزارع والفواكه. بها جبل يقال له قصر يانه وهو من عجائب الدنيا. على هذا الجبل مدينة عظيمة شامخة وحولها مزارع وبساتين كثيرة وهي شاهقة في الهواء وكل ذلك يحويه باب المدينة لا طريق إليها إلا بذلك الباب والأنهار تنفجر من أعلاها. وبها جبل النار ذكر أبو علي الحسن بن يحيى أنه جبل مطل على البحر دورته ثلاثة أيام بقرب طبرمين فيه أشجار كثيرة وأكثرها البندق والصنوبر والارزن وفيه أصناف الثمار وفي أعلاه منافس النار يخرج منه النار والدخان وربما سالت النار منه إلى جهة تحرق كل ما مرت به وتجعل الأرض مثل خبث الحديد لا تنبت شيئاً ولا تمر الدابة بها ويسميه الناس الاخباث. وفي أعلى هذا الجبل السحاب والثلوج والأمطار دائمة لا تكاد تقلع عنه في صيف ولا شتاء والثلج لا يفارق أعلاه في الصيف. وأما في الشتاء فيعم الثلج أوله وآخره. وزعمت الروم أن كثيراً من الحكماء يرحلون إلى جزيرة صقلية للنظر إلى عجائب هذا الجبل واجتماع النار والثلج فيه فترى بالليل نار عظيمة تشعل على قلته وبالنهار دخان عظيم لا يستطيع أحد الدنو إليها فإن اقتبس منها طفئت إذا فارقت موضعها. وبها البركان العظيم قال أحمد بن عمر العذري: ليس في الدنيا بركان أشنع منه منظراً ولا أعجب مخبراً! فإذا هبت الريح سمع له دوي عظيم كالرعد القاصف ويقطع من هذا وقال أيضاً: بها آبار ثلاث يخرج منها من أول الربيع إلى آخره زيت النفط فينزل في هذه الآبار على درج ويتقنع النازل ويسد منخره فإن تنفس في أسفلها هلك من ساعته يغترف ماءها ويجعله في اجانات فما كان نفطاً علا فيجمع ويجعل في القوارير. صور مدينة مشهورة على طرف بحر الشام استدار حائطها على مبناها استدارة عجيبة بها قنطرة من عجائب الدنيا وهي من أحد الطرفين إلى الآخر على قوس واحد. ليس في جميع البلاد قنطرة أعظم منها. ومثلها قنطرة طليطلة بالأندلس إلا أنها دون قنطرة صور في العظم ينسب إليها الدنانير الصورية التي يتعامل عليها أهل الشام والعراق. طبرستان ناحية بين العراق وخراسان بقرب بحر الخزر ذات مدن وقرى كثيرة. من مفاخرها القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري أستاذ الشيخ أبي إسحق الشيرازي. والقاضي أبو الطيب عاش مائة سنة ولم يختل منه عقله ولا فهمه وكان يفتي إلى آخر عمره ويقضي بين الناس ويناظر الفقهاء. وله مصنفات كثيرة في الفقه والأصول منها تعليقة الطبري مائة مجلد ثم كتاب في مذهب الشافعي قال الشيخ أبو إسحق الشيرازي صاحب المهذب: لازمت حلقة درسه بضع عشرة سنة رتبني في حلقته وسألني أن أجلس في مجلس التدريس ففعلت ذلك. وانه ولي القضاء بكرخ وكان رأى النبي عليه السلام في المنام فقال له: يا فقيه! ففرح بذلك فرحاً شديداً. يقول: سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيهاً. مات سنة خمس وأربعمائة ببغداد عن مائة سنة وسنتين وصلى عليه الخليفة أبو الحسن المهتدي. طبرية مدينة بقرب دمشق بينهما ثلاثة أيام مطلة على بحيرة معروفة ببحيرة طبرية وجبل الطور مطل عليها. وهي مستطيلة على البحر نحو فرسخ. بناها ملك من ملوك الروم اسمه طبارى. بها عيون جارية حارة بنيت عليها حمامات لا تحتاج إلى الوقود وهي ثمانية حمامات قال أبو بكر بن علي الهروي: أما حمامات طبرية التي قالوا إنها من عجائب الدنيا فليست التي على باب طبرية إلى جانب بحيرتها فإن مثل هذه كثيرة والتي هي من عجائب الدنيا في موضع من أعمال طبرية يقال له الحسنية وهي عمارة قديمة يقال انها من بناء سليمان بن داود عليه السلام. وهو هيكل يخرج الماء من صدره وقد كان يخرج من اثنتي عشرة عيناً كل عين مخصوصة بمرض إذا اغتسل فيها صاحب هذا المرض عوفي بإذن الله تعالى والماء شديد الحرارة جداً عذب صاف طيب الرائحة يقصده المرضى يستشفون به. وبينها وبين بيسان حمة سليمان عليه السلام يزعمون أنها نافعة لكل داء. وبها بحيرة عشرة أميال في ستة أميال غؤورها علامة خروج الدجال. وهي كبركة أحاطت بها الجبال ينصب إليها فضلات أنهار تأتي من حمة بانياس. وبها معدن المرجان. وحولها قرى كثيرة كبيرة وتخيل في وسط هذه البحيرة صخرة منقورة طبقت بصخرة أخرى تظهر للناظرين من بعيد يزعم أهل النواحي انها قبر سليمان عليه السلام. وبطبرية قبر لقمان الحكيم عليه السلام من زاره أربعين يوماً يظهر منه الحكمة. وبها عقارب قتالة كعقارب الاهواز. وقال صاحب تحفة الغرائب: بطبرية نهر عظيم والماء الذي يجري فيه نصفه حار ونصفه بارد ولا يمتزج أحدهما بالآخر. فإذا أخذ من النهر في إناء يبقى خارج النهر بارداً. وبأرض طبرية موضع به سبع عيون ينبع الماء منه سبع سنين متواليات وييبس سبع سنين متواليات ينسب إليها سليمان بن أحمد بن يوسف الطبراني أحد الأئمة المعروفين والحفاظ المكثرين والمشايخ المعمرين من تصانيفه المعجم الكبير في أسماء الصحابة لم ينصف مثله. ذكر أبو الحسن أحمد بن فارس صاحب المجمل قال: سمعت الأستاذ ابن العميد وزير آل بويه يقول: كنت أظن لا حلاوة في الدنيا فوق الرئاسة حتى شاهدت مذاكرة سليمان الطبراني وأبي بكر الجعابي فكان الطبراني يغلب الجعابي بكثرة حفظه والجعابي يغلب الطبراني بزيادة فطنته حتى ارتفعت أصواتهما ولا يكاد يغلب أحدهما الآخر إلى أن قال الجعابي: عندي حديث ليس عند أحد! فقال الطبراني: هاته! فقال: حدثني أبو خليفة قال: حدثنا سليمان بن أيوب. وذكر الحديث فقال الطبراني: أنا سليمان بن أيوب ومني سمع أبو خليفة فاسمعه مني حتى يعلو اسنادك! فخجل الجعابي قال ابن العميد: فوددت أن الوزارة للطبراني وانا الطبراني وفرحت له كما فرح هو. قيل: ان الطبراني ورد أصفهان وأقام بها سبعين سنة وتوفي سنة ستين ومائتين عن مائة سنة. طرسوس مدينة بين انطاكية وحلب. مدينة جليلة سميت بطرسوس بن الروم بن اليقن بن سام بن نوح قال محمد بن أحمد الهمذاني: لم تزل طرسوس موطن الزهاد والصالحين لأنها كانت بين ثغور المسلمين إلى أن قصدها فغفور ملك الروم سنة أربع وخمسين وثلاثمائة في عسكر عظيم وكان فيها رجل من قبل سيف الدولة يقال له ابن الزيات عجز عن مقاومة الروم سلم إليهم على الأمان على شرط أن من خرج منها متاعه لم يتعرض ومن أراد المقام مع اداء الجزية فعل. فلما دخل الكفار المدينة خربوا مساجدها وأخذوا من السلاح والأموال ما كان جمع فيها من أيام بني أمية وأخذ كل واحد من النصارى دار رجل من المسلمين ولم يطلق لصاحبها إلا حمل الخف واحتوى على جميع ما فيها وتقاعد بالمسلمين أمهات أولادهم. فمنهن من منعت الرجل ولده واتصلت بأهلها فيأتي الرجل إلى معسكر الروم ويودع ولده باكياً ولم تزل طرسوس في أيديهم إلى هذه الغاية. بها موضع زعموا أنه من حمى الجن نزل به المأمون لما غزا الروم. وكان هناك عين ماؤها في غاية الصفاء وكان المأمون جالساً على طرفها فرأى في الماء سمكة مقدار ذراع فأمر بإخراجها فأخرجوها فإذا هي سمكة في غاية الحسن بيضاء مثل الفضة فوثبت وعادت إلى الماء فوقعت رشاشات الماء على ثياب المأمون فغضب وأمر بإخراجها مرة أخرى فأخرجوها والمأمون ينظر إليها ويقول: الساعة نشويك! ثم أمر بشيها فأتى المأمون على المكان قشعريرة فأتى صاحب طبخه بالمكة مشوية وهو لم يقدر على تناول شيء منها واشتد الأمر به حتى مات. قال الشاعر: هل رأيت النّجوم أغنت عن المأ مون في عزّ ملكه المأسوس غادروه بعرصتي طرسوس مثل ماغادروا أباه بطوس العباسة بليدة بأرض مصر في غاية الحسن والطيب سميت بعباسة بنت أحمد بن طولون كان خمارويه زوج ابنته من المعتضد بالله وانه خرج بها من مصر إلى العراق فعملت عباسة في هذا الموضع قصراً وبرزت إليه لوداع بنت أخيها قطر الندى ثم زيدت في عمارته حتى صارت بليدة طيبة كثيرة المياه والأشجار من متنزهات مصر. وبها مستنقع يأوي إليه من الطير ما لم ير في شيء من المواضع غيرها والصيد بها كثير جداً. وكان الملك الكامل يكثر الخروج إليها للتنزه والصيد. العريش مدينة جليلة من أعمال مصر. هواؤها صحيح طيب وماؤها عذب حلو.قيل: ان اخوة يوسف عليه السلام لما قصدوا مصر في القحط لامتيار الطعام فلما وصلوا إلى موضع العريش وكان ليوسف عليه السلام حراس على أطراف البلاد من جميع نواحيها فسكنوا هناك وكتب صاحب الحرس إلى يوسف: ان أولاد يعقوب الكنعاني قد وردوا يريدون البلد للقحط الذي أصابهم فإلى أن أذن لهم عملوا عريشاً يستظلون به فسمي الموضع العريش. فكتب يوسف عليه السلام يأذن لهم فدخلوا مصر وكان من قصتهم ما ذكره الله تعالى. وبها من الطير الجوارح والمأكول والصيد شيء كثير والرمان العريشي يحمل إلى سائر البلدان لحسنه وبها أصناف كثيرة من التمر. وغدر دهقانها يضرب به المثل. يقال: أغدر من دهقان العريش! وذاك أن علياً لما سمع أن معاوية بعث سراياه إلى مصر وقتل بها محمد بن أب بكر ولى الأشتر النخعي مصر وأنفذه إليها في جيش كثيف فبلغ معاوية ذلك فدس إلى دهقان كان بالعريش وقال: احتل بالسم في الأشتر فإني أترك خراجك عشرين سنة! فلما نزل الأشتر العريش سأل الدهقان: أي طعام أعجب إليه قالوا: العسل! فأهدى إليه عسلاً وكان الأشتر صائماً فتناول منه شربة فما استقر في جوفه حتى تلف فأتى من كان معه على الدهقان وأصحابه وأفنوهم.بليدة بقرب حلب لها قهندز ورستاق وهي طيبة الهواء عذبة الماء صحيحة التربة. من عجائبها أنه لا يوجد بها عقرب أصلاً وترابها إذا ذر على العقرب ماتت وليس بها شيء من الهوام أصلاً. عسقلان مدينة على ساحل بحر الشام من أعمال فلسطين كان يقال لها عروس الشام لحسنها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشركم بالعروسين غزة وعسقلان! افتتحت في أيام عمر بن الخطاب على يد معاوية بن أبي سفيان ولم تزل في يد المسلمين إلى أن استولى الفرنج عليها سنة ثمان وأربعين وخمسمائة. حكى بعض التجار أن الفرنج اتخذوا مركباً علوه قدر سور عسقلان وشحنوه رجالاً وسلاحاً واجروه حتى لصق بسور عسقلان ووثبوا منه على السور وملكوها قهراً وبقيت في يدهم خمساً وثلاثين سنة إلى أن استنقذها صلاح الدين يوسف بن أيوب ثم عاد الفرنج وفتحوا عكة وساروا نحو عسقلان فخشي أن يتم عليها ما تم على عكة فخربها في سنة سبع وثمانين وخمسمائة.بها مشهد رأس الحسين عليه السلام وهو مشهد عظيم مبني بأعمدة الرخام. وفيه ضريح الرأس والناس يتبركون به وهو مقصود من جميع النواحي وله نذر كثير. عسكر مكرم مدينة مشهورة بأرض الاهواز بناها مكرم بن معاوية بن الحرث بن تميم وكانت قرية قديمة بعث الحجاج مكرم بن معاوية لقتال خورزاد لما عصى وتحصن بقلعة هناك فنزل مكرم هناك وطال حصاره فلم يزل يزيد بناء حتى صارت مدينة. بها عقارب جرارات عظيمة يعالج بلذعها المفلوجون حكى الفقيه عبد الوهاب بن محمد العسكري أن مفلوجاً من أصفهان حمل إلى عسكر مكرم ليعالج بلذع العقارب فطرح على باب خان من الجانب الشرقي وقد فزعت وهجرت لكثرة ما بها من الجرارات فرأيت العليل طريحاً بها لا يمكنه أن ينقلب من جنب إلى جنب ولا أن يتكلم فبات بها ليلة فلما كان من الغد وجدوه جالساً يتكلم فصيحاً وقام ومشى. فقال له الطبيب: انتقل الآن من هذا المكان فإنه لذعتك واحدة ابرأتك وقام بحرارتها برد الفالج فإن لذعتك أخرى تقتلك! فانتقل من هذا الموضع وصلح حاله.مدينة على ساحل بحر الشام من عمل الأردن من أحسن بلاد الساحل في أيامنا وأعمرها وفي الحديث: طوبى لمن أرى عكة! قال البشاري: عكة مدينة حصينة على البحر كبيرة لم تكن على هذه الحصانة حتى قدمها ابن طولون وقد رأى مدينة صور واستدارة الحائط على مبناها فأحب أن يتخذ لعكة مثل ذلك فجمع صناع البلاد فقالوا: لا نهتدي إلى البناء في الماء حتى ذكر عنده جدي أبو بكر البناء فأحضره وعرض عليه فاستهان ذلك وأمر بإحضار فلق من خشب الجميز غليظة نصبها على وجه الماء بقدر الحصن البري وبنى عليها الحجارة والشيد وجعل كلما بنى عليها خمس دوامس ربطها بأعمدة غلاظ ليشتد البناء والفلق كلما ثقلت نزلت حتى إذا علم أنها استقرت على الرمل تركها حولاً حتى أخذت قرارها ثم عاد فبنى عليها وكلما بلغ البناء إلى الحائط الذي قبله داخله فيه. وقد ترك لها باباً وجعل عليه قنطرة. فالمراكب في كل ليلة تدخل الميناء وتجر سلسلة بينها وبين البحر الأعظم مثل مدينة صور فدفع ابن طولون إليه ألف دينار سوى الخلع والمراكب واسمه مكتوب على السور. ولم تزل في أيدي المسلمين حتى أخذها الفرنج في سنة سبع وتسعين وأربعمائة وكان عليها زهر الدولة الجيوشي من قبل المصريين فقاتل أهل عكة حتى عجزوا. فأخذها الفرنج قهراً وقتلوا وسلبوا ولم تزل في أيديهم إلى زمن صلاح الدين فافتتحها سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة وشحنها بالسلاح والرجال والميرة فعاد الفرنج ونزلوا عليها فأتاهم صلاح الدين وأزاحهم عنها وقاتل الفرنج أشد القتال وقتل خلق كثير حول عكة وثارت روائح الجيف وتأذى المسلمون منها وظهرت فيهم الأمراض ومرض صلاح الدين أيضاً فأمر الأطباء بمفارقة ذلك الموضع ففارقه فجاء الفرنج وتمكنوا من حوالي عكة وخندقوا دونهم فكان الفرنج محيطين بالمدينة والخندق محيطاً بالفرنج فعاودهم صلاح الدين وأقام حذاءهم ثلاث سنين حتى استعادها الفرنج سنة سبع وثمانين وخمسمائة وقتلوا فيها المسلمين وهي في أيديهم إلى الآن. بها عين البقر وهي بقرب عكة يزورها المسلمون واليهود والنصارى يقولون: إن البقر الذي ظهر لآدم عليه السلام فحرث عليه خرج منها وعلى العين مشهد منسوب إلى علي بن أبي طالب. عين جارة ضيعة من أعمال حلب قال أبو علي التنوخي: إن بين عين جارة وبين الكوبة وهي قرية أخرى حجراً قائماً فربما وقع بين الضيعتين شر فيكيد أهل الكوبة بأن يلقوا ذلك الحجر القائم فكلما وقع الحجر خرج نساء عين جارة ظاهرات متبرجات لا يعقلن بأنفسهن في طلب الرجال ولا يستحين من غلبة الشهوة إلى أن يتبادر رجال عين جارة إلى الحجر يعيدونه إلى حاله فعند وهذه الضيع أقطعها سيف الدولة أحمد بن نصر البار وكان أحمد يتحدث بذلك وكتب أيضاً بخطه. عين الشمس مدينة كانت بمصر محل سرير فرعون موسى بالجانب الغربي من النيل والآن انطمست عمارات فرعون بالرمل وهي بقرب الفسطاط. قالوا: بها قدت زليخا على يوسف القميص. من عجائبها ما ذكر الحسن بن إبراهيم المصري أن بها عمودين مبنيين على وجه الأرض من غير أساس طول كل واحد منهما خمسون ذراعاً فيهما صورة إنسان على دابة وعلى رأسها شبه الصومعتين من نحاس فإذا جرى النيل رشحتا والماء يقطر منهما ولا تجاوزهما المشمس في الانتهاء فإذا نزلت أول دقيقة من الجدي وهو أقصر يوم في السنة انتهت إلى العمود الجنوبي وقطعت على قبة رأسه فإذا نزلت أول دقيقة من السرطان وهو أطول يوم في السنة انتهت إلى العمود الشمالي وقطعت على قبة رأسه ثم تطرد بينهما ذاهبة وجائية سائر السنة ويترشح منهما ماء وينزل إلى أسفلهما فينبت العوسج وغيره من الشجر. ومن عجائب عين شمس أن يحمل منذ أول الإسلام حجارتها إلى غيرها من البلاد وما وبها زرع البلسان وليس في جميع الدنيا شجرته ويستخرجه منها دهنه. قال أبو حامد الاندلسي: بعين شمس تماثيل عملتها الجن لسليمان عليه السلام. بها منارة من صخرة واحدة من رخام أحمر منقط بسواد ومربعه أكثر من مائة ذراع على رأسها غشاء من النحاس والوجه الذي إلى مطلع الشمس من ذلك الغشاء فيه صورة آدمي على سرير وعلى يمينه وشماله صورتان كأنهما خادمان ويترشح من تحت ذلك الغشاء أبداً ماء على تلك المنارة. ينبت الطحلب الأخضر على موضع مسيله من تلك المنارة وينزل مقدار عشرة أذرع ولا يتعدى ذلك القدر ولا ينقطع نهاراً ولا ليلاً. قال: وكنت أرى لمعان الماء على تلك الصخرة وأتعجب من ذلك فإنه ليس بقرب تلك المدينة نهر ولا عين وإنما كان شربهم من الآبار والله أعلم بالأمور الخفية الغريان بناءان كالصومعتين كانا بأرض مصر بناهما بعض الفراعنة وأمر كل من يمر بهما أن يصلي لهما ومن لم يصل قتل. إلا أنه تقضى له حاجتان إلا النجاة والملك ويعطى ما تمنى في الحال ثم يقتل ! فأتى على ذلك برهة فأقبل قصار من افريقية معه حمار له وكدين فمر بهما ولم يصل فأخذه الحرس وجروه إلى الملك فقال له الملك: ما منعك أن تصلي فقال: أيها الملك اني رجل غريب من افريقية أحببت أن أكون في ظلك وأصيب في كنفك خيراً ولو عرفت لصليت لهما ألف ركعة! فقال له: تمن كل ما شئت غير النجاة من القتل والملك! فأقبل القصار وأدبر وتضرع وخضع فما أفاده شيئاً فلما أيس من الخلاص قال: أريد عشرة آلاف دينار وبريداً أميناً! فأحضر فقال للبريد: أريد أن تحمل هذا إلى افريقية وتسأل عن بيت فلان القصار وتسلمه إلى أهله! قال له: تمن الثانية! قال: اضرب كل واحد منكم بهذا الكدين ثلاث ضربات إحداها شديدة والثانية وسطاً والثالثة دون ذلك! فمكث الملك طويلاً ثم قال لجلسائه: ما ترون قالوا: نرى أن لا تقطع سنة آبائك! قالوا: بمن تبدأ قال: بالملك! فنزل الملك عن السرير ورفع القصار الكدين وضرب به قفاه فأكبه على وجهه وغشي على الملك ثم رجع نفسه إليه وقال: ليت شعري أي الضربات هذه والله إن كانت هينة وجاءت الوسطى لأموتن دون الشديدة! ثم نظر إلى الحرس وقال: يا أولاد الزنا كيف تزعمون انه لم يصل واني رأيته صلى خلوا سبيله واهدموا الغريين. وبنى مثلهما المنذر بن امريء القيس بن ماء السماء بالكوفة وسيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى.مدينة طيبة بين الشام ومصر على طرف رمال مصر قال صلى الله عليه وسلم: أبشركم بالعروسين غزة وعسقلان. فتحها معاوية بن أبي سفيان في أيام عمر بن الخطاب. وكفاها معجزاً انها مولد الإمام محمد بن إدريس الشافعي. ولد بها سنة خمسين ومائة. انه كان يجعل الليل اثلاثاً: ثلثاً لتحصيل العلم وثلثاً للعبادة وثلثاً للنوم. وقال الربيع: كان يختم في رمضان ستين ختمة كل ذلك في الصلاة. وحكي أن عامل اليمن كتب إلى الرشيد: إن ههنا شاباً قرشياً يميل إلى العلوية ويتعصب فكتب الرشيد إليه: ابعثه إلي تحت الاستظهار. فحمل إلى الرشيد. حدث الفضل بن الربيع وقال: أمرني الرشيد بإحضار الشافعي وكان غضبان عليه فأحضرته فدخل عليه وهو يقرأ شيئاً. فلما رآه أكرمه وأمر له بعشرة آلاف درهم فدخل خائفاً وخرج آمناً. فقلت: يا أبا عبد الله أخبرني بم كنت تقرأ عند دخولك فقال: إنها كلمات حدثني بها أنس بن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قرأها يوم الأحزاب فقلت: اذكرها لي. فقال: اللهم اني أعوذ بنور قدسك وعظمة طهارتك وبركة جلالك من كل آفة وعاهة وطارق الجن والانس إلا طارقاً يطرق بخير! اللهم أنت عياذي فبك أعوذ وأنت ملاذي فبك ألوذ! يا من ذلت له رقاب الجبابرة وخضعت له مقاليد الفراعنة أعوذ بجلال وجهك وكرم جلالك من خزيك وكشف سترك ونسيان ذكرك والاضراب عن شكرك! إلهي أنا في كنفك في ليلي ونهاري ونومي وقراري وظعني وأسفاري ذكرك شعاري وثناؤك دثاري! لا إله إلا أنت تنزيهاً لأسمائك وتكريماً لسبحات وجهك الكريم! أجرنا يا ربنا من خزيك ومن شر عقابك واضرب علينا سرادقات فضلك وقناسيات عذابك واعنا بخير منك وأدخلنا في حفظ عنايتك يا أرحم الراحمين! وقد جربت هذه الكلمات لا يقولها خائف إلا آمنه الله تعالى وكان الرشيد يقربه ويكرمه لما عرف فضله وغزارة علمه. وكان القاضي أبو يوسف ومحمد بن حسن رتبا عشرين مسألة وبعثاها على يد حدث من أصحابهما فقال الشافعي له: من حملك على هذا فقال: من أراد حكمها. فقال: متعنت أو متعلم فسكت الغلام فقال الشافعي: هذا من تعنت أبي يوسف ومحمد! ثم نظر فيها وحفظها ورد الدرج إلى الحدث فأخبر الخليفة بذلك فأحضر أبا يوسف ومحمداً وسألهما عن حال الدرج فاعترفا به فأحضر الشافعي وقال: بين أحكامها ولك الفضل. فقال: يا أمير المؤمنين قل لهما يسألاني عن واحدة واحدة ويسمعان جوابها بتوفيق الله. فعجزا عن استحضارها فقال الشافعي: أنا أكفيهما. سألاني عن رجل ابق له عبد فقال: هو حر ان طعمت طعاماً حتى أجده كيف الخلاص من ذلك الجواب: يهبه لبعض أولاده ويطعم حتى لا يعتق. وسألاني عن رجلين كانا فوق سطح فوقع أحدهما من السطح ومات فحرمت على الآخر امرأته. الجواب: ان امرأة الحي كانت أمة للميت وكان الزوج بعض ورثته فصارت الأمة ملكاً للزوج بحق الارث فحرمت عليه. وسألاني عن رجلين خطبا امرأة في حالة واحدة وانها لم تحل لأحدهما وحلت للآخر. الجواب: لأحد الرجلين أربع وهي خامسة فلا تحل له والآخر ما كان كذلك فحلت له. وسألاني عن رجل ذبح شاة في منزله وخرج لحاجة ورجع قال لأهله: كلوا فإنها حرمت علي فقال له أهله: ونحن أيضاً قد حرمت علينا. الجواب: كان الرجل مجوسياً أو وثنياً فذبح شاة وخرج لحاجة وأسلم وأهله أيضاً أسلموا فقال لأهله: كلوا فإني أسلمت لا تحل لي ذبيحة المجوس ! فقال له أهله: نحن أيضاً قد أسلمنا وحرمت علينا أيضاً. وسألاني عن امرأة تزوجت في شهر واحد ثلاثة أزواج كل ذلك حلال غير حرام. الجواب: إن هذه المرأة طلقها زوجها وهي حامل فوضعت. انقضت عدتها بالوضع فتزوجت ثم ان هذا الزوج خالعها قبل الدخول فلا عدة عليها فتزوج بها آخر وهكذا ان أردت رابعاً وخامساً وسألاني عن رجل حرمت عليه امرأته سنة من غير حنث أو طلاق أو عدة. الجواب: هذا الرجل وامرأته كانا محرمين فلم يدركا الحج فلم تزل امرأته تحرم عليه إلى العام القابل فإذا فرغت من الحج في العام المقبل حلت لزوجها. وسألا عن امرأتين لقيتا غلامين فقالتا: مرحباً بابنينا وابني زوجينا وهما زوجانا! الجواب: إن للمرأتين ابنين وكل واحدة منهما مزوجة بابن صاحبتها فكان الغلامان ابنيهما وابني زوجيهما وهما زوجاهما. وسألا عن رجلين شربا الخمر فوجب الحد على أحدهما دون الآخر. الجواب: كان أحدهما غير موصوف بأوصاف وجوب الحدث كالعقل والبلوغ. وسألا عن مسلمين سجدا لغير الله وهما مطيعان في هذه السجدة. الجواب: هذه سجدة الملائكة لآدم عليه السلام. وسألا عن رجل شرب من كوز بعض الماء وحرم الباقي عليه. الجواب: انه رعف فوقع في باقيه شيء من الدم فحرم عليه. وسألا عن امرأة ادعت البكارة وزوجها يدعي أنه أصابها فكيف السبيل إلى تحقيق هذا الأمر الجواب: تؤمر القابلة بأن تحملها بيضة فإن غابت البيضة كذبت المرأة وإن لم تغب صدقت.وسألا عن رجل سلم إلى زوجته كيساً وقال لها: أنت طالق إن فتحته أو فتقته أو خرقته أو حرقته! وأنت طالق إن لم تفرغيه! الجواب: يكون في الكيس سكر أو ملح أو ما شابههما فيوضع في الماء الحار ليذوب ويفرغ الكيس. وسألا عن امرأة قبلت غلاماً وقالت: فديت من أمه ولدت أمه وأنا امرأة أبيه. الجواب: انها أمه. وسألا عن خمسة نفر زنوا بامرأة: فعلى أحدهم القتل وعلى الثاني الرجم وعلى الثالث الحد وعلى الرابع نصف الحد وعلى الخامس لا يجب شيء. الجواب: الأول مشرك زنا بامرأة مسلمة يجب قتله والثاني محصن فعليه الرجم والثالث بكر فعليه الحد والرابع مملوك عليه نصف الحد والخامس مجنون لا شيء عليه. وسألا عن امرأة قهرت مملوكاً على وطئها وهو كاره لوطئها فما يجب عليهما الجواب: إن كان المملوك يخشى أن تقتله أو تضربه أو تحبسه فلا شيء عليه وإلا فعليه نصف الحد. وأما مولاته إن كانت محصنة فعليها الرجم وإلا فالحد ويباع المملوك عليها. وسألا عن رجل يصلي بقوم فسلم عن يمينه طلقت امرأته وعن يساره بطلت صلاته ونظر إلى السماء فوجب عليه ألف درهم. الجواب: لما سلم عن يمينه رأى رجلاً كان زوج امرأته وكان غائباً فثبت عند القاضي موته فتزوج بامرأته هذا المصلي فرآه وقد قدم من سفره فحرمت عليه زوجته. ثم سلم عن شماله فرأى على ثوبه دماً فلزم عليه إعادة الصلاة ونظر إلى السماء فرأى الهلال فحل عليه الدين المؤجل إلى رأس الشهر. وسألا عن رجل ضرب رأس رجل بعصاً وادعى المضروب ذهاب إحدى عينيه وتجفيف الخياشيم والخرس من تلك الضربة فيوميء بذلك كله إيماء أو يكتب كتابة. الجواب: يقام في مقابل الشمس فإن لم يطرق رأسه فهو صادق ويشم الحراق فإن لم ينفعل فهو صادق ويغرز لسانه فإن خرج منه دم فهو صادق. وسألا عن إمام يصلي بقوم وكان وراءه أربعة نفر فدخل المسجد رجل فصلى عن يمين الإمام فلما سلم الإمام عن يمينه رآه الرجل الداخل فله قتل الإمام وأخذ امرأته وجلد الجماعة وهدم المسجد. الجواب: ان الداخل أمير تلك البقعة وسافر وخلف أخاً مقامه في البلد فقتله المصلي وشهد الجماعة أن زوجة الأمير في نكاح القاتل وأخذ دار الأمير غصباً جعلها مسجداً فلما سلم رآه الأمير فعرفه فله قتله وأخذ منكوحته منه وجلد الذين شهدوا زوراً ورد المسجد داراً كما كانت. فقال الرشيد: لله درك يا ابن ادريس ما أفطنك! وأمر له بألف دينار وخلعة فخرج الشافعي من مجلس الخليفة يفرق الدنانير في الطريق قبضة قبضة فلما انتهى إلى منزله لم يبق معه إلا قبضة واحدة أعطاها لغلامه. وحكى أبو عبد الله نصر المروزي قال: كنت قاعداً في مسجد رسول الله عليه السلام إذ أغفيت إغفاءة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت له: اكتب يا رسول الله رأي أبي حنيفة قال: لا! قلت: اكتب رأي مالك قال: اكتب ما وافق حديثي! قلت: اكتب رأي الشافعي طأطأ رأسه شبه الغضبان وقال: هو رد على من خالف سنتي! فخرجت في إثر هذه الرؤيا إلى مصر وكتبت كتب الشافعي. وقال الربيع بن سليمان: قال لي الشافعي: رضى الناس غاية لا تدرك فعليك بما يصلحك فإنه لا سبيل إلى رضاهم. واعلم أن من تعلم القرآن جل عند الناس ومن تعلم الحديث قويت حجته ومن تعلم النحو هيب ومن تعلم العربية رق طبعه ومن تعلم الحساب جزل رأيه ومن تعلم الفقه نبل قدره ومن لم يصن لم ينفعه علمه وملاك ذلك كله التقوى. قال محمد بن المنصور: قرأت في كتاب طاهر بن محمد النيسابوري بخط الشافعي: إنّ امرأً وجد اليسار فلم يصب حمداً ولا شكراً لغير موفّق الجدّ يدني كلّ شيءٍ شاسعٍ والجدّ يفتح كلّ بابٍ مغلق وإذا سمعت بأنّ محروماً أتى ماءً ليشربه فغاض فحقّق ومن الدّليل على القضاء وكونه بؤس اللّبيب وطيب عيش الأحمق قال المزني: دخلت على الشافعي في مرض موته فقلت له: كيف أصبحت قال: أصبحت في الدنيا راحلاً ولإخواني مفارقاً ولكأس المنية شارباً ولسوء أعمالي ملاقياً وعلى الله وارداً فلا أدري أصير إلى الجنة فأهنيها أم إلى النار فأعزيها ثم بكى وأنشأ يقول: ولمّا قسا قلبي وضاقت مسامعي جعلت الرّجا مني لعفوك سلّما تعاظمني ذنبي فلمّا قرنته بعفوك ربّي كان عفوك أعظما وما زلت ذا عفوٍ عن الذّنب لم تزل بجودك تعفو منّةً وتكرّما ذهب إلى جوار الحق سنة أربع ومائتين عن أربع وخمسين سنة. الغوطة الكورة التي قصبتها دمشق. وهي كثيرة المياه نضرة الأشجار متجاوبة الأطيار مونقة الأزهار ملتفة الأغصان خضرة الجنان استدارتها ثمانية عشر ميلاً كلها بساتين وقصور. تحيط بها جبال عالية من جميع جهاتها. ومياهها خارجة من تلك الجبال وتمتد في الغوطة عدة أنهر وهي أنزه بلاد الله وأحسنها قال أبو بكر الخوارزمي: جنان الدنيا أربع: غوطة دمشق وصغد سمرقند وشعب بوان وجزيرة الأبلة وقد رأيتها كلها فأحسنها غوطة دمشق! فارس الناحية المشهورة التي يحيط من شرقها كرمان ومن غربها خوزستان ومن شمالها مفازة خراسان ومن جنوبها البحر سميت بفارس بن الأشور ابن سام بن نوح عليه السلام بها مواضع لا تنبت الفواكه لشدة بردها كرستاق اصطخر وبها مواضع لا يسكنها الطير لشدة حرها كرستاق الاغرسان. وأما أهلها فذكروا أنهم من نسل فارس بن طهمورث سكان الموضع الذي يسمى ايرانشهر وهو وسط الاقليم الثالث والرابع والخامس ما بين نهر بلخ إلى منتى اذربيجان وارمينية إلى القادسية وإلى بحر فارس. وهذه الحدود هي صفوة الأراضي وأشرفها لتوسطها في قلب الأقاليم وبعدها عما يتأذى به أهل المشرق والمغرب والجنوب والشمال وأهلها أصحاب العقول الصحيحة والآراء الراجحة والأبدان السليمة والشمائل الظريفة والبراعة في كل صناعة فلذلك تراهم أحسن الناس وجوهاً وأصحهم أبداناً وأحسنهم ملبوساً وأعذبهم أخلاقاً وأعرفهم بتدبير الأمور! جاء في التواريخ: ان الفرس ملكوا أمر العالم أربعة آلاف سنة: كان أولهم كيومرث وآخرهم يزدجرد بن شهريار الذي قتل في وقعة عمر بن الخطاب بمرو فعمروا البلاد وأنعشوا العباد. وجاء في الخبر: ان الله تعالى أوحى إلى داود أن يأمر قومه أن لا يسبوا العجم فإنهم عمروا الدنيا وأوطنوها عبادي. وحسن سيرة ملوك الفرس مدون في كتب العرب والعجم ولا يخفى أن المدن العظام القديمة من بنائهم وأكثرها مسماة بأسمائهم. وأخبار عدلهم وإحسانهم في الدنيا سائرة وآثار عماراتهم إلى الآن ظاهرة. زعم الفرس أن فيهم عشرة أنفس لم يوجد في شيء من الأصناف مثلهم ولا في الفرس أيضاً: أولهم افريدون بن كيقباذ بن جمشيد ملك الأرض كلها وملأها من العدل والإحسان بعدما كانت مملوءة من العسف والجور من ظلم الضحاك بيوراسب وما أخذه الضحاك من أموال الناس ردها إلى أصحابها وما لم يجد له صاحباً وقفه على المساكين وذكر بعض النساب أن افريدون هو ذو القرنين الذي ذكره الله تعالى في كتابه العزيز لأنه ملك المشرق والمغرب وأمر بعبادة الله تعالى وكان ذا عدل وإحسان. وثانيهم اسكندر بن دارا بن بهمن كان ملكاً عظيماً حكيماً حصل العلوم وعرف علم الخواص وتلمذ لارسطاطاليس واستوزره وكان يعمل برأيه وانقاد له ملوك الروم والصين والترك والهند ومات وعمره اثنتان وثلاثون سنة وسبعة أشهر. وثالثهم أنوشروان بن قباذ كسرى الخير كثرت جنوده وعظمت مملكته وهادنته ملوك الروم والصين والهند والخزر وروي عن النبي عليه السلام أنه قال: ولدت في زمن الملك العادل! ومن عدله ما ذكر أنه علق سلسلة فيها جرس على بابه ليحركها المظلوم ليعلم الملك حضوره من غير واسطة فأتى عليها سبع سنين ما حركت. ورابعهم بهرام بن يزدجرد ويقال له بهرام جور. كان من أحذق الناس بالرمي لم يعرف رام مثله. ذكر أنه خرج متصيداً وكان معه جارية من أحظى جواريه فظهر لهم سرب من الظباء فقال لها: كيف تريدين أن أرمي ظبية منها قالت: أريد أن تلصق ظلفها بأذنها! فأخذ الجلاهق ورمى بندقة أصابت أذنها فرفعت ظلفها تحك بها أذنها فرمى نشابة وخاط ظلفها بأذنها. وخامسهم رستم بن زال الشديد ذكروا أنه لم يعرف فارس مثله. كان من أمره أنه إذا لاقى في ألف فارس ألفين غلبهم وإذا لاقى في خمسة آلاف فارس عشرة آلاف غلبهم وإذا دعا إلى البراز وخرج إليه القرن يرفعه برمحه من ظهر الفرس ويرميه إلى الأرض.وسادسهم جاماسب المنجم. كان وزيراً لكشتاسف بن لهراسب لم يعرف منجم مثله حكم على القرانات وأخبر بالحوادث التي تحدث وأخبر بخروج موسى وعيسى ونبينا عليه السلام وزوال الملة المجوسية وخروج الترك ونهبهم وقتلهم وخروج شخص يقهرهم وكثير من الحوادث بعدهم كل ذلك في كتاب يسمى أحكام جاماسب بلعجمية. وله بعد موته خاصية عجيبة وهي ان قبره على تل بأرض فارس وقدام التل نهر فمن زار قبره من الولاة راكباً يعزل وأكثر الناس عرفوا تلك الخاصية فإذا وصلوا إلى ذلك النهر نزلوا. وسابعهم بزرجمهر بن بحتكان كان وزير الأكاسرة وكان ذا علم وعقل ورأي وفطنة كان بالغاً في الحكم الخطابية ولما وضع الهند الشطرنج بعثوا به هدية إلى كسرى ولم يذكروا كيفية اللعب به فاستخرجه بزرجمهر ووضع في مقابلته النرد وبعث به إلى الهند. وثامنهم بلهبد المغني فاق جميع الناس في الغناء وكان مغنياً لكسرى ابرويز فإذا أراد أحد أن يعرض أمراً على كسرى وخاف غضبه ألقى ذلك الأمر إلى بلهبد وبذل له حتى جعل لذلك المغني شعراً وصوتاً ويغني به بين يديه فعرف كسرى ذلك الأمر. وتاسعهم صانع شبديز وسيأتي ذكره ودقة صنعته في قرميسين في الإقليم الرابع. وعاشرهم فرهاذ الذي تحت ساقية قصر شيرين وهي باقية إلى الآن. وأراد أن ينقب جبل وبأرض فارس جمع يقال لهم آل عمارة لهم مملكة عريضة على سيف البحر. وهم من نسل جلندى بن كركر وهو الذي ذكره الله تعالى في كتابه المجيد: وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً. زعموا أن ملكهم كان قبل موسى عليه السلام وإلى زماننا هذا لهم بأس ومنعة وارصاد البحر وعشور السفن. فرغانة ناحية مشتملة على بلاد كثيرة بعد ما وراء النهر متاخمة لبلاد الترك. أهلها من أتم الناس أمانة وديانة على مذهب أبي حنيفة وأحسن الناس صورة! كانت ذات خيرات وغلات وثمرات وخربت في محاربة خوارزمشاه محمد والخطأ لأنها كانت على ممر العساكر فخربت تلك البلاد الحسنة وفارقها أهلها قبل خروج التتر إلى ما وراء النهر وخراسان. وسمعت أن من عاداتهم قطع الآذان حزناً على موت الأكابر. ينسب إليها الشيخ عمر الملقب برشيد الدين الفرغاني رأيته كان شيخاً فاضلاً كاملاً مجمع الفضائل الأدب والفقه والأصول والحكمة والكلام البليغ واللفظ الفصيح والخط الحسن والخلق الطيب والتواضع. كان مدرساً بسنجار تأذى من الملك الأشرف فارق سنجار فلم يلتفت إلى مفارقته فطلبه المستنصر لتدريس المستنصرية. فلما ولاه التدريس بعث صاحب الروم بطلبه وجاء رسول من عنده إلى بغداد طالباً له فقال المستنصر: اخبروا الملك انه مدرسنا فإن طلبه بعد ذلك بعثناه إليه! قبض في سنة إحدى وثلاثين وستمائة. الفسطاط هي المدينة المشهورة بمصر بناها عمرو بن العاص قيل: انه لما فتح مصر عزم الإسكندرية في سنة عشرين وأمر بفسطاطه أن يقوض فإذا يمامة قد باضت في أعلاه فقال: تحرمت بجوارنا اقروا الفسطاط حتى ينقف وتطير فراخها ووكل به من يحفظه ومضى نحو الإسكندرية وفتحها فلما فرغ من القتال قال لأصحابه: أين تريدون تنزلون قالوا: يا أيها الأمير نرجع إلى فسطاطك لنكون على ماء وصحراء! فرجعوا إليها وخط كل قوم بها خطأ بنوا فيها وسمي بالفسطاط. وبنى عمرو بن العاص الجامع في سنة إحدى وعشرين يقال: قام على اقامة قبلته ثمانون صحابياً منهم: الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود وعبادة ابن الصامت وأبو الدرداء وأبو ذر الغفاري. وهذا الجامع باق في زماننا. كتب القرآن جميعه على ألواح من الرخام الأبيض بخط كوفي بين في حيطانه من أعلاها إلى أسفلها وجعل أعشار القرآن وآياته وأعداد السور بالذهب واللازورد فيقرأ الإنسان جميع القرآن منها وهو قاعد ثم استولى الفرنج عليها وخربوها. فلما كانت سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة قدم صلاح الدين وأمر ببناء سور على الفسطاط والقاهرة فذرع دورتها فكانت فرسخين ونصفاً وكان بها طلسم للتماسيح قال أبو الريحان الخوارزمي: كان بجبال الفسطاط طلسم للتماسيح وكانت لا تستطيع الإضرار حولها وكان إذا بلغ حولها استلقى وانقلب على ظهره وكان يلعب به الصبيان فكسر ذلك الطلسم وبطل حكمه. وبالفسطاط محلة تسمى الجزيرة لأن النيل إذا زاد أحاط الماء بها وحال بينها وبين معظم الفسطاط فاستقلت هي بنفسها. وبها أسواق وجامع وبساتين وهي من متنزهات مصر قال الساعاتي الدمشقي: ما أنس لا أنس الجزيرة ملعباً للأنس تألفها الحسان الخرّد يجري النّسيم بغصنها وغديرها فيهزّ رمحٌ أو يسلّ مهنّد ويريك دمع الطّلّ كلّ سفيقةٍ كالخدّ دبّ به عذارٌ أسود قرية من قرى شيراز بناها فيروز ملك الفرس فيما أظنه. ينسب إليها الشيخ الإمام أبو إسحق إبراهيم الفيروزابادي. كان عالماً ورعاً زاهداً له تصانيف في الفقه. ولما صنف كتاب التنبيه صلى بكل مسألة فيها ركعتين ودعا لمن يشتغل به. وهو كتاب مبارك سهل الضبط والحفظ. ومن ورعه انه سلم إلى شخص رغيفين وأمره أن يشتري بكل واحدة حاجة فاشتبه على الوكيل فاشترى كيف اتفق فعلم الشيخ بذلك ودفعهما وقال: خالفت الوكالة لا يحل المشتري. وذكر أنه كان يمشي مع أصحابه فكان على طريقهم كلب فصاح على الكلب بعض أصحابه فقال الشيخ: أليست الطريق مشتركة بيننا وحكي انه لما بنى نظام الملك المدرسة النظامية ببغداد طلب الشيخ للتدريس فسمع الشيخ من صبي قال: ان أرضها مغصوب! فامتنع عن التدريس حتى بينوا له أن الأمر ليس كذلك فقبلها. وحكي انه كتب جواب مسألة فعرض على ابن الصباغ صاحب الشامل فقال للمستفتي: ارجع إلى الشيخ وقل له انظر فيها مرة أخرى فلما رآه الشيخ كتب: الحق ما قاله الشيخ وأبو إسحق مخطيء. فارق الدنيا ولم يترك ديناراً ولا درهماً سنة ست وسبعين وأربعمائة عن ست وثمانين سنة. الفيوم ناحية في غربي مصر في منخفض من الأرض والنيل مشرف عليها. ذكر ان يوسف الصديق عليه السلام لما ولي مصر ورأى ما لقي أهلها من القحط وكان الفيوم يومئذ بطيحة تجتمع فيها فضول ماء الصعيد أوحى الله تعالى إليه أن احفر ثلاثة خلج: خليجاً من أعلى الصعيد وخليجاً شرقياً وخليجاً غربياً كل واحد من موضع كذا إلى موضع كذا. فأمر يوسف العمال بها فخرج ماؤها من الخليج الشرقي وانصب في النيل وخرج من الخليج الغربي وانصب في الصحراء ولم يبق في الجوبة ماء ثم أمر الفعلة بقطع ما كان بها من القصب والطرفاء فصارت الجوبة أرضاً نفية ثم ارتفع ماء النيل فدخل خليجها فسقاها من خليج أعلى الصعيد فصارت لجة من النيل كل ذلك في سبعين يوماً. فخرج وأصحابه فرأوا ذلك وقالوا: هذا عمل ألف يوم فسمي الموضع الفيوم. ثم صارت تزرع كما تزرع أرض مصر. بنى بالفيوم ثلاثمائة وستين قرية وقدر أن كل قرية تكفي أهل مصر يوماً واحداً على أن النيل إن لم يزد اكتفى أهلها بما يحصل من زراعتها وجرى الأمر على هذا. وزرعوا بها النخيل والأشجار فصار أكثرها حدائق فتعجب الناس مما فعل يوسف الصديق عليه السلام فقال للملك: عندي من الحكمة غير ما رأيت انزل الفيوم من كل كورة من كور مصر أهل بيت وأمر كل أهل بيت أن يبنوا لأنفسهم قرية وكانت قرى الفيوم على عدد كور مصر فإذا فرغوا من البناء صير لكل قرية من الماء قدر ما يصير لها من الأرض لا زائداً ولا ناقصاً. صير لكل قرية شرباً في زمان لا ينالهم الماء إلا فيه وصير مطأطئاً للمرتفع ومرتفعاً للمطأطيء بأوقات من الساعات في الليل والنهار وصير لها قدراً معلوماً فلا يأخذ أحد دون حقه ولا زائداً عليه فقال له فرعون: هذا من ملكوت السماء فقال: نعم. فلما فرغ منها تعلم الناس وزن الأرض والماء واتخاذ موازينها. وحدث يومئذ هندسة استخراج المياه والله الموفق. القادسية بليدة بقرب الكوفة على سابلة الحجاج. سميت بقادس هراة وهو دهقانها بعثه كسرى أبرويز إلى ذلك الموضع لدفع العرب قال هشام عن ابيه: ان ثمانية آلاف من ترك الخزر ضيقوا على كسرى بلاده من كثرة النهب والفساد. فبعث دهقان هراة إلى كسرى: إن كفيتك أمر هؤلاء تعطيني ما احتكم قال: نعم. فبعث الدهقان إلى أهل القرى يقول: إني سأنزل عليك الترك فافعلوا بهم ما آمركم وبعث إلى الترك وقال: تشتون في أرضي العام. فنزلوا عنده. بعث إلى كل قرية طائفة وقال: ليذبح كل رجل منكم نزيله في الليلة الفلانية ويأتني بسبلته! فذبحوهم عن آخرهم وذهبوا إليه بسبلاتهم فنظمها في خيوط وبعث بها إلى كسرى فبعث إليه كسرى شكر سعيه وقال: اقدم إلي واحتكم! فقدم إليه وقال: أريد أن تجعل لي سريراً مثل سريرك وتاجاً مثل تاجك وتنادمني من غدوة إلى الليل. فاستدل كسرى باحتكامه على ركاكة عقله ففعل ذلك ثم قال: لا ترى هراة أبداً فيجلس ويتحدث بما جرى وأنزله هذا الموضع فبنى هذه البلدة وسكنها. القاهرة هي المدينة المشهورة بجنب الفسطاط بمصر يجمعها سور واحد. وهي اليوم المدينة العظمى وبها دار الملك أحدثها جوهر غلام المعز سعد بن إسماعيل الملقب بالمنصور. وهي أجل مدينة بمصر لاجتماع أسباب الخيرات منها تجلب الطرائف المنسوبة إلى مصر. بها قصران عظيمان يقصر الوصف دونهما عن يمين السوق وشماله وليس في شيء من البلاد مثلهما. كان يسكنها ملوكها العلوية الذين انقرضوا وبها موضع يسمى الفراقة. وبها أبنية جليلة ومواضع واسعة وسوق قائم ومشاهد للصالحين. وهي من متنزهات أهل القاهرة والفسطاط سيما في المواسم. وبها مدرسة الشافعي وفيها قبره. وبالقرافة باب للمحلة التي بها مدرسة الشافعي في عتبته حجر كبير إذا احتبس بول الدابة تمشي على ذلك الحجر مراراً فينفتح بولها. وبظاهر القرافة مشهد صخرة موسى عليه السلام وفيه اختفى من فرعون لما خافه وعلى باب درب الشعارين مسجد ذكر ان يوسف الصديق عليه السلام بيع هناك. قبرس جزيرة بقرب طرسوس دورها مسيرة ستة عشر يوماً قال أحمد بن محمد بن عمر العذري: يجلب منها اللادن الجيد ولا يجمع في غيرها والذي يجمع من الشجر يحمل إلى ملك القسطنطينية لأنه يعادل العود الطيب وسائر ما يجمع على وجه الأرض هو الذي يستعمله الناس. والزاج القبرسي مشهور كثير المنافع جداً عزيز الوجود أفضل الزاجات كلها. قرية صاهك من كورة ارجان.بها بئر ذكر ان أهلها امتحنوا قعرها بالمثقلات والأرسان فلم يقفوا منها على عمق يغور الدهر كله منها ماء بقدر ما يدير الرحى يسقي تلك القرية. قرية عبد الرحمن بأرض فارس. عمقها قامات كثيرة جافة القعر عامة السنة حتى إذا كان الوقت المعلوم عندهم في السنة نبع ماء يرتفع على وجه الأرض قدر يدير الرحى ويجري وينتفع به في سقي الزروع ثم يغور. قفط مدينة بأرض مصر بالصعيد الأعلى كثيرة البساتين والمزارع وبها النخل والاترج والليمون قال صاحب عجائب الأخبار: بها بيت عجيب تحت سقفه ثلاثمائة وستون عموداً كل عمود قطعة واحدة من حجارة على رأس العمود صورة رجل عليه قلنسوة والسقف حجارة كله قد وضعت أطراف الحجر على زواياه وعلى أرباع رؤوس الأساطين ثم ألحمت الحاماً لا يرى فيها فصل يحسبها الناظر قطعة واحدة. يقولون: إن تلك الصور صور أهل تلك الدولة وعلى كل عمود كتابة لا يدرى ما هي ولا يحسن أحد في زماننا قراءتها. قلعة النجم قلعة حصينة مطلة على الفرات وعندها جسر الفرات يعبر عليه قوافل الشام والعراق والروم وتحتها ربض به طائفة يتعاطون أنواع القمار فإذا رأوا غريباً أظهروا أنهم مرمدون ويلعبون لعباً دوناً ليظن الغريب أنهم في طبقة نازلة يطمع فيهم ويخرجون المال إذا قمروا من غير اكتراث فتتوق نفس الغريب أن يلعب معهم فكلما جلس لا يتركونه يقوم ومعه شيء حتى سراويله وربما استرهنوا نفسه ومنعوه من الذهاب حتى يأتي أصحابه ويؤدوا عنه ويخلصوه. القيروان مدينة عظيمة بافريقية مصرت في أيام معاوية وذلك انه لما ولي عقبة بن نافع القرشي افريقية ذهب إليها وفتحها وأسلم على يده كثير من البربر فجمع عقبة أصحابه وقال: ان أهل افريقية قوم إذا غصبهم السيف أسلموا وإذا رجع المسلمون عنهم عادوا إلى دينهم ولست أرى نزول المسلمين بين أظهرهم رأياً لكن رأيت أن أبني ههنا مدينة يسكنها المسلمون. فجاؤوا إلى موضع القيروان وهي أجمة عظيمة وغيضة لا تشقها الحيات من تشابك شجرها فقالوا: هذه غيضة كثيرة السباع والهوام وكان عقبة مستجاب الدعوة فجمع من كان في عسكره من الصحابة وكانوا ثمانية عشر نفساً ونادى: أيتها السباع والحشرات نحن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ارحلوا عنا فإنا نازلون فمن وجدناه بعد قتلناه! فرأى الناس ذلك اليوم عجباً لم يروه قبل ذلك وكان السبع يحمل أشباله والذئب اجراءه والحية أولادها وهي خارجة سرباً سرباً فحمل ذلك كثيراً من البربر على الإسلام. ثم بنى المدينة فاستقامت في سنة خمس وخمسين. ذكر الجيهاني ان بالقيروان أسطوانتين لا يردى جوهرهما ما هو وهما تترشحان ماء كل يوم جمعة قبل طلوع الشمس وموضع العجب كونه يوم الجمعة. وقد قيل: ان ملوك الروم طلبوهما بثمن بالغ فقال أهل القيروان: لا نخرج أعجوبة من العجائب من بيت الله إلى بيت الشيطان! قيس جزيرة في بحر فارس دورها أربعة فراسخ ومدينتها حسنة مليحة المنظر ذات سور وأبواب وبساتين وعمارات وهي مرفأ مراكب الهند والفرس ومنقلب التجارة ومتجر العرب والعجم. شربها من الآبار ولخواص الناس صهاريج. وحولها جزائر كلها لصاحب قيس لكنها في الصيف أشبه شيء ببيت حمام حار شديدة السخونة وفي هذا الوقت يطول جلد خصي الناس حتى يصير ذراعاً فيرى كل أحد يتخذ كيساً فيه عفص مسحوق وقشر رمان ويترك خصيتيه فيه حتى لا تطول صفته. يجلب منها كل أعجوبة وقعت في بلاد الهند. وكان ملكها في قوم ورثوها إلى أن ملك منهم ظالم يظلمهم فخامروه وبعثوا إلى صاحب هرمز فطلبوه فجاء الهرمزي ملكها وكان يظلم أفحش من ظلم القيسي فخامروه وبعثوا إلى صاحب شيراز فطلبوه فجهز عسكراً بعثهم في مراكب وخرج عسكر الهرمزي لقتالهم في مراكب فنزلوا في سيرهم على نشز للاستراحة فوصلت مراكب الفرس وهم على النشز فاضرموا النار في مراكب الهرامزة وساروا نحو قيس وملكوها بأسهل طريق وكانت الهرامزة أقوى من الفرس وأعرف بقتال البحر إلا أن جدهم قعد بهم. كابل مدينة مشهورة بأرض الهند. بها ما يوجد من الجروم إلا النخل ويقع بنواحيها الثلج ولا يقع بها. وأهلها مسلمون وكفار. وزعمت الهند ان الشاهية لا تنعقد إلا بكابل وإن كان بغيرها فلا يصير واجب الطاعة حتى يصير إليها ويعقد له الملك هنا. يجلب منها النوق البخاتي وهي أحسن أنواع الإبل. كاريان بليدة بأرض فارس بها بيت نار معظم عند المجوس تحمل ناره إلى بيوت النار في الآفاق. قال الاصطخري: من القلاع التي لم تفتح قط عنوةً قلعة كاريان وهي على جبل من طين حوصرت كازرون مدينة بفارس عامرة حصينة كثيرة الغلات وافرة الثمرات كلها قصور وبساتين ونخيل ممتدة عن يمين وشمال قال الاصطخري: ليس بأرض فارس أصح هواءً وتربةً من كازرون. يقال لها دمياط العجم لأنه تنسج بها ثياب الكتان على عمل القصب والشطوى وإن لم يكن رقاعاً. ومعظم دورها والجامع على تل والأسواق وقصور التجار تحت التل. بنى عضد الدولة بها داراً جمع فيها السماسرة كان دخلها كل يوم عشرة آلاف درهم. بها تمر يقال له الجيلان لا يوجد في غير كازرون يحمل إلى العراق للهدايا مع كثرة تمر العراق. كدال ولاية في جبال افريقية. ذكر بعض أهلها أن الحنطة بها تريع ريعاً مفرطاً حتى ان أحدهم ربما يزرع مكوكاً يحصل منه خمسمائة مكوك وأكثر. كرد فناخسرو مدينة بناها عضد الدولة بقرب شيراز وساق إليها نهراً كبيراً من مسيرة يوم أنفق عليه مالاً عظيماً وجعل إلى جنبها بستاناً سعته نحو فرسخ. ولما فرغ من شق النهر ووصول الماء إليها كان لثمان بقين من ربيع الأول سنة أربع وخمسين وثلاثمائة جعل هذا اليوم عيداً في كل سنة يجتمع فيه الناس من النواحي للهو ويقيمون سبعة أيام. ونقل إليها الصناع الخز والديباج والصوف وأمرهم بكتابة اسمه على طرزها واتخذ قواده بها دوراً وقصوراً فكثرت عماراتها. وبقاضيها يضرب المثل في الخيانة وذلك ما حكي أن بعض الناس أودعه مالاً كثيراً فلما استرده جحد فاجتمع المودع بعضد الدولة وقال: أيها الملك اني ابن فلان التاجر ورثت من أبي خمسين ألف دينار أودعت عشرين ألف دينار في قمقمتين عند هذا القاضي للاستظهار وكنت أتصرف بالباقي فوقعت في بعض أسفاري في أسر كفار الروم وبقيت في الأسر أربع سنين حتى مرض ملك الروم وخلى الأسارى فتخلصت وأنا رخي البال استظهاراً بالوديعة فلما طلبتها جحد وأظهر أنه لم يعرفني وكررت الطلب فقال لي: انك رجل استولت السوداء على دماغك وأطعموك شيئاً وإني ما رأيتك إلا الآن! دع عنك هذا الجنون وإلا حملتك إلى المارستان وأدخلتك في السلسلة! فبكى عضد الدولة وقال: أنا ظلمتك لما وليت مثل هذا! أعطاه مائتي دينار وبعثه إلى أصبهان وكتب إلى عامل أصبهان إن يحسن إليه وقال له: لا ترجع تذكر هذا الأمر لأحد وأقم في اصبهان حتى يأتيك أمري. وصبر عضد الدولة على ذلك شهراً ثم طلب القاضي يوماً عند الظهيرة بالخلوة وأكرمه وقال له: أيها القاضي ان لي سراً ما وجدت في جميع مملكتي له محلاً غيرك لما فيك من كمال العلم ووفور العقل والدين وهو ان لي أولاداً ذكوراً واناثاً. أما الذكور فلست أهتم بأمرهم وأما الاناث فعندهن التقاعد عن الأمور وأنا أخشى عليهن فأردت أن تتخذ في دارك موضعاً صالحاً لوديعة لا يعلم بها أحد غير الله تدفعها إلى بناتي بعد موتي. ودفع إلى القاضي مائتي دينار وقال: اصرفها إلى عمارة ازج قعير يتسع لمائتين وأربعين قمقمة وإذا تم أخبرني حتى أبعث القماقم على يد بعض من يستحق القتل ثم اقتله. فقال القاضي: سمعاً وطاعة! وقام من عنده فرحاً يقول في نفسه: ذهبت بألفي ألف دينار أتمتع بها أنا وأولادي وأحفادي وإذا مات عضد الدولة من يطالب بالمال ولا حجة ولا شاهد واشتغل بعمل الازج وبعث عضد الدولة إلى أصبهان لإحضار الفتى المظلوم. فلما أخبر القاضي عضد الدولة بإتمام الازج قال عضد الدولة للفتى المظلوم: اذهب إلى القاضي وطالبه بالوديعة وهدده برفع الأمر إلى عضد الدولة! فذهب إليه وقال: أيها القاضي ساء حالي وطال ظلمك علي. لآخذن غداً بلجام عضد الدولة! فقام القاضي ودخل الحجرة وطلب الفتى وعانقه وقال: يا ابن الأخ ان أباك كان صديقي واني ما حبست حقك إلا لمصلحتك لأني سمعت أنك أتلفت مالاً كثيراً فأخرت وديعتك إلى أن أعرف رشدك والآن وأخرج القمقمتين وسلمهما إليه فأخذهما الفتى ومضى إلى عضد الدولة بهما. فأحضر القاضي وقال: أيها الشيخ القاضي اني أجريت عليك رزقك لتقطع طمعك عن أموال الناس ولولا أنك شيخ لجعلتك عبرةً للناس وصح عندي أن جميع ما تتقلب فيه حرام من أموال الناس ! فختم على جميع ما كان له وعزله ورد مال الفتى إليه وقال: الحمد لله الذي وفقني لإزالة ظلم هذا الظالم! |
كركويه مدينة بسجستان قديمة. بها قبتان عظيمتان زعموا أنهما من عهد رستم الشديد وعلى رأس القبتين قرنان قد جعل ميل كل واحد منهما إلى الآخر تشبيهاً بقرني الثور بقاؤهما من عهد رستم إلى زماننا هذا من أعجب الأشياء وتحت القبتين بين نار للمجوس تشبيهاً بأن الملك يبني قرب داره معبداً يتعبد فيه ونار هذا البيت لا تطفأ أبداً. ولها خدم يتناوبون في إشعال النار يقعد الموسوم مع الخدمة على بعد النار عشرين ذراعاً ويغطي فمه وأنفاسه ويأخذ بكلبتين من فضة عوداً من الطرفاء نحو الشبر يقلبه في النار. وكلما همت النار بالخبو يلقي كرمان ناحية مشهورة شرقها مكران وغربها فارس وشمالها خراسان وجنوبها بحر فارس. تنسب إلى كرمان بن فارس بن طهمورث. وهي بلاد واسعة الخيرات وافرة الغلات من النخل والزرع والمواشي. وبها ثمرات الصرود والجروم والجوز والنخل. وبها معدن التوتيا يحمل منها إلى جميع الدنيا بها خشب لا تحرقه النار ولو ترك فيها أياماً ينبت في بعض جبالها يأخذه الطرقيون ويقولون: انه من الخشب الذي صلب عليه المسيح. وشجر القطن بكرمان يبقى سنين حتى يصير مثل الأشجار الباسقة وكذلك شجر الباذنجان والشاهسفرم. وبها شجر يسمى كادي من شمه رعف ورقه كورق الصبر إن ألقي في النار لا يحترق. ومن عجائب الدنيا أرض بين كرمان وجاريح إذا احتك بعض أحجارها بالبعض يأتي مطر عظيم وهذا شيء مشهور عندهم حتى ان من اجتاز بها يتنكب عنها كيلا تحتك تلك الحجارة بعضها ببعض فيأتي مطر يهلك الناس والدواب! وبها معدن الزاج الذهبي يحمل من وحكى ابن الفقيه أن بعض الملوك غضب على جمع من الفلاسفة فنفاهم إلى أرض كرمان لأنها كانت أرضاً يابسة بيضاء لا يخرج ماؤها إلا من خمسين ذراعاً. فهندسوا حتى أخرجوا الماء على وجه الأرض وزرعوا عليه وغرسوا فصارت كرمان أحسن بلاد الله ذات شجر وزرع. فلما عرف الملك ذلك قال: اسكنوهم جبالها فعملوا الفوارات وأظهروا الماء على رؤوس جبالها فقال الملك: اسجنوهم فعملوا في السجن الكيميا وقالوا: هذا علم لا نخرجه إلى أحد! وعملوا مقدار ما يكفيهم مدة عمرهم وأحرقوا كتبهم وانقطع علم الكيميا. وبأرض كرمان في رساتيقها جبال بها أحجار تشتعل بالنار مثل الحطب. وينسب إلى كرمان الشيخ أبو حامد أحمد الكرماني الملقب بأوحد الدين. كان شيخاً مباركاً صاحب كرامات وله تلامذة وكان صاحب خلوة يخبر عن المغيبات وله أشعار بالعجمية في الطريقة كان صاحب اربل معتقداً به بقي عنده مدة ثم تأذى منه وفارقه وهو يقول: با دل كفتم خدمت شاهي كم كير جون سر نهاده كلاهي كم كير دل كفت مرا ازين سخن كمتر كو كردي ودهي وخانقاهي كم كير مات سنة خمس وثلاثين وستمائة ببغداد.بلدة بين حلب والمعرة في برية معطشة أعز الأشياء عند أهلها الماء ذكر أنهم حفروا ثلاثمائة ذراع لم ينبط لهم ماء وليس لها إلا ما يجمعونه من مياه الأمطار وقال سنان الخفاجي: بالله يا حادي المطايا بين حناك وأرضايا عرّج على أرض كفرطاب وحيّها أحسن التّحايا واهد لها الماء فهي ممّن يفرح بالماء في الهدايا ومن العجب إقامة جمع من العقلاء بأرض هذا شأنها. كفرمندة قرية بالأردن بين مكة والطبرية. قيل: انها مدين المذكور في القرآن وكان منزل شعيب عليه السلام. وبها قبر بنت شعيب صافورا زوجة موسى عليه السلام. وبها الجب الذي قلع موسى الصخرة عن رأسه وسقى مواشي شعيب والصخرة باقية إلى الآن. كفرنجد قرية كبيرة من أعمال حلب في جبل السماق بها عين ماء حار. لها خاصية عجيبة وهي ان من تشبث بحلقه العلق من الحيوانات شرب من مائها ودار حولها فألقاها بإذن الله حدث بهذا بعض سكانها. كلز قرية من نواحي عزاز بين حلب وانطاكية جرى في أواخر ربيع الأول سنة تسع عشرة وستمائة بها أمر عجيب وشاع ذلك بحلب وكتب عامل كلز إلى حلب كتاباً بصحة ذلك وهو أنهم رأوا هناك تنيناً عظيماً غلظه شبه منارة أسود اللون ينساب على الأرض والنار تخرج من فيه ودبره فما مر على شيء إلا أحرقه حتى أحرقت مزارع وأشجار كثيرة. وصادف في طريقه بيوت التركمان وخرقاهاتهم فأحرقها بما فيها من الناس والمواشي ومر نحو عشرة فراسخ كذلك والناس يشاهدونه من البعد حتى أغاث الله أهل تلك النواحي بسحابة أقبلت من البحر وتدلت حتى اشتملت عليه ورفعته نحو السماء والناس يشاهدونه حتى غاب عن أعين الناس ولقد لف ذنبه على كلب والكلب ينبح في الهواء. كوزا قلعة بطبرستان من عجائب الدنيا قال الأبي: هي تناطح النجوم ارتفاعاً وتحكيها امتناعاً حتى لا تعلوها الطير في تحليقها ولا السحب في ارتفاعها فتحتف بها الغمام وتقف دون قلتها ولا تسمو عليها فيمطر سفحها دون أعلاها والفكر قاصر عن ترتيب مقدمات استخلاصها. الكوفة هي المدينة المشهورة التي مصرها الإسلاميون بعد البصرة بسنتين قال ابن الكلبي: اجتمع أهل الكوفة والبصرة وكل قوم يرجع بلده فقال الحجاج: يا أمير المؤمنين إن لي بالبلدين خبراً قال: هات غير متهم! قال: أما الكوفة فبكر عاطل لا حلي لها ولا زينة وأما البصرة فعجوز شمطاء بخراء دفراء أوتيت من كل حلي وزينة! فاستحسن الحاضرون وصفه إياهما. قال ابن عباس الهمداني: الكوفة مثل اللهاة من البدن يأتيها الماء بعذوبة وبرودة والبصرة مثل المثانة يأتيها الماء بعد تغيره وفساده. ولمسجدها فضائل كثيرة منها ما روى حبة العرني قال: كنت جالساً عند علي فجاءه رجل وقال: هذا زادي وهذه راحلتي أريد زيارة بيت المقدس! فقال له: كل زادك وبع راحلتك وعليك بهذا المسجد يريد مسجد الكوفة ففي زاويته فار التنور وعند الأسطوانة الخامسة صلى إبراهيم وفيه عصا موسى وشجرة اليقطين ومصلى نوح عليه السلام. ووسطه على روضة من رياض الجنة وفيه ثلاث أعين من الجنة لو علم الناس ما فيه من الفضل لأتوه حبواً. بها مسجد السهلة قال أبو حمزة الثمالي: قال لي جعفر بن محمد الصادق: يا أبا حمزة أتعرف مسجد السهلة قلت: عندنا مسجد يسمى مسجد السهلة. قال: لم أرد سواه! لو ان زيداً أتاه وصلى فيه واستجار فيه بربه من القتل لأجاره! ان فيه موضع البيت الذي كان يخيط فيه ادريس عليه السلام ومنه رفع إلى السماء ومنه خرج إبراهيم إلى العمالقة وهو موضع مناخ الخضر وما أتاه مغموم إلا فرج الله عنه. كان بها قصر اسمه طمار يسكنه الولاة. أمر عبيد الله بن زياد بإلقاء مسلم ابن عقيل بن أبي طالب من أعلاه قبل مقتل الحسين وكان بالكوفة رجل اسمه هانيء يميل إلى الحسين فجاء مسلم إليه فأرادوا إخراجه من داره فقاتل حتى قتل قال عبد الله بن الزبير الأسدي: إذا كنت لا تدرين ما الموت فانظري إلى هانيءٍ في السّوق وابن عقيل إلى بطلٍ قد عفّر السّيف وجهه وآخر يلقى من طمار قتيل وكان في هذا القصر قبة ينزلها الأمراء فدخل عبد الملك بن عمير على عبد الملك بن مروان وهو في هذه القبة على سرير وعن يمينه ترس عليه رأس مصعب بن الزبير فقال: يا أمير المؤمنين رأيت في هذه القبة عجباً! فقال: ما ذاك قال: رأيت عبيد الله بن زياد على هذا السرير وعن يمينه ترس عليه رأس الحسين ثم دخلت على المختار بن عبيد وهو على هذا السرير وعن يمينه ترس عليه رأس عبيد الله بن زياد ثم دخلت على مصعب بن الزبير وهو على هذا السرير وعن يمينه ترس عليه رأس المختار ثم دخلت عليك يا أمير المؤمنين وأنت على هذا السرير وعن يمينك ترس عليه رأس مصعب! فوثب عبد الملك عن السرير وأمر بهدم القبة. زعموا أن من أصدق ما يقوله الناس في أهل كل بلدة قولهم: الكوفي لا يوفي! ومما نقم على أهل الكوفة أنهم طعنوا الحسن بن علي ونهبوا عسكره وخذلوا الحسين بعد أن استدعوه وشكوا من سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقالوا: انه ما يحسن الصلاة! فدعا عليهم سعد أن لا يرضيهم الله عن وال ولا يرضي والياً عنهم ودعا علي عليهم وقال: اللهم أمرهم بالغلام الثقفي! يعني الحجاج. وادعى النبوة منهم كثيرون. ولما قتل مصعب بن الزبير أرادت زوجته سكينة بنت الحسين الرجوع إلى المدينة فاجتمع عليها أهل الكوفة وقالوا: حسن الله صحابتك يا ابنة رسول الله! فقالت: لا جزاكم الله عني خيراً ولا أحسن إليكم الخلافة! قتلتم أبي وجدي وعمي وأخي! تظلم أهل الكوفة إلى المأمون من واليهم فقال: ما علمت من عمالي أعدل وأقوم بأمر الرعية منه! فقال أحدهم: يا أمير المؤمنين ليس أحد أولى بالعدل والانصاف منك! فإن كان هو بهذه الصفة فعلى الأمير أن يوليه بلداً بلداً ليلحق كل بلدة من عدله ما لحقناه فإذا فعل الأمير ذلك لا يصيبنا أكثر من ثلاث سنين! فضحك المأمون وأمر بصرفه. ينسب إليها الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت كان عابداً زاهداً خائفاً من الله تعالى. ودعي أبو حنيفة إلى القضاء فقال: إني لا أصلح لذلك! فقيل: لم فقال: إن كنت صادقاً فلا أصلح لها وإن كنت كاذباً فالكاذب لا يصلح للقضاء. وأراد عمر بن هبيرة أبا حنيفة للقضاء فأبى فحلف ليضربنه بالسياط على رأسه وليحبسنه ففعل ذلك حتى انتفخ وجه أبي حنيفة ورأسه من الضرب فقال: الضرب بالسياط في الدنيا أهون من مقامع الحديد في الآخرة! قال عبد الله بن المبارك: لقد زان البلاد ومن عليها إمام المسلمين أبو حنيفه بآثار رفقه في حديثٍ كآيات الزّبور على الصّحيفه فما إن بالعراق له نظيرٌ ولا بالمشرقين ولا بكوفه وحكي أن الربيع صاحب المنصور كان لا يرى أبا حنيفة فقال له يوماً: يا أمير المؤمنين هذا أبو حنيفة يخالف جدك عبد الله بن عباس فإن جدك يقول إذا حلف الرجل واستثنى بعد يوم أو يومين جاز وأبو حنيفة يقول: لا يجوز! فقال أبو حنيفة: هذا الربيع يقول ليس لك في رقاب جندك بيعة! قال: كيف قال: يحلفون عندك ويرجعون إلى منازلهم يستثنون فتبطل اليمين! فضحك المنصور وقال: يا ربيع لا تتعرض لأبي حنيفة فلما خرج من عند المنصور قال له الربيع: أردت أن تشط بدمي! قال: لا ولكنك أردت أن تشط بدمي فخلصتك وخلصت نفسي! وحكى قاضي نهروان أن رجلاً استودع رجلاً بالكوفة وديعةً ومضى إلى الحج. فلما عاد طلبها فأنكر المودع وكان يجالس أبا حنيفة فجاء المظلوم وشكا إلى أبي حنيفة فقال له: اذهب لا تعلم أحداً بجحوده! ثم طلب الظالم وقال: إن هؤلاء بعثوا إلي يطلبون رجلاً للقضاء فهل تنشط لها فتمانع الرجل قليلاً ثم رغب فيها. فعند ذلك بعث أبو حنيفة إلى المظلوم وقال: مر إليه وقل له: أظنك نسيت أليس كان في يوم كذا وفي موضع كذا فذهب المظلوم إليه وقال ذلك فردها إليه. فجاء الظالم إلى أبي حنيفة يريد القضاء فقال: نظرت في قدرك أريد أن أرفعه بأجل من هذا. وذكر أن أبا العباس الطوسي كان سيء الرأي في أبي حنيفة وأبو حنيفة يعلم ذلك. فرآه يوماً عند المنصور فقال: اليوم اقتل أبا حنيفة! فقال له: يا أبا حنيفة ما تقول في أن أمير المؤمنين يدعو أحداً إلى قتل أحد ولا ندري ما هو أيسع لنا أن نضرب عنقه قال أبو حنيفة: يا أبا العباس الأمير يأمر بالحق أو بالباطل قال: بالحق! قال: انفذ الحق حيث كان ولا تسأل عنه ! ثم قال لمن كان بجنبه: هذا أراد أن يوبقني فربطته! توفي سنة خمسين ومائة عن اثنتين وسبعين. ينسب إليها أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري منسوب إلى ثور أطحل كان من أكثر الناس علماً وورعاً. وكان إماماً مجتهداً وجنيد البغدادي يفتي على مذهبه كان يصاحب المهدي فلما ولي الخلافة انقطع عنه فقال له المهدي: إن لم تصاحبني فعظني! قال: إن في القرآن سورة أولها: ويل للمطففين! والتطفيف لا يكون إلا شيئاً نزراً فكيف من يأخذ أموالاً كثيرة وحكي أن المنصور رآه في الطواف فضرب يده على عاتقه فقال: ما منعك أن تأتينا قال: قول الله تعالى: ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار! فالتفت المنصور إلى أصحابه وقال: القينا الحب إلى العلماء فلقطوا إلا ما كان من سفيان فإنه أعيانا! ثم قال له: سلني حاجتك يا أبا عبد الله! فقال: وتقضيها يا أمير المؤمنين قال: نعم. قال: حاجتي أن لا ترسل إلي حتى آتيك وأن لا تعطيني شيئاً حتى أسألك. وخرج ليلة أراد العبور على دجلة فوجد شطيها قد التصقا فقال: وعزتك لا أعبر إلا في زورق! وكان في مرض موته يبكي كثيراً فقال له: أراك كثير الذنوب! فرفع شيئاً من الأرض وقال: ذنوبي أهون علي من هذا وإنما أخاف سلب الإيمان قبل أن أموت. وقال حماد بن سلمة: لما حضر سفيان الوفاة كنت عنده قلت: يا أبا عبد الله ابشر فقد نجوت مما كنت تخاف وإنك تقدم على رب غفور! فقال: يا أبا سلمة أترى يغفر الله لمثلي قلت: إي والذي لا إله إلا هو! فكأنما سري عنه. توفي سنة إحدى وستين ومائة عن ست وستين سنة بالبصرة. وينسب إليها أبو أمية شريح بن الحرث القاضي يضرب به المثل في العدل وتدقيق الأمور بقي في قضاء الكوفة خمساً وسبعين سنة استقضاه عمر وعلي واستعفى من الحجاج فأعفاه ذكر أن امرأة خاصمت زوجها عنده وكانت تبكي بكاء شديداً فقال له الشعبي: أصلح الله القاضي! أما ترى شدة بكائها فقال: أما علمت أن اخوة يوسف جاؤوا أباهم عشاء يبكون وهم ظلمة الحكم إنما يكون بالبينة لا بالبكاء. وشهد رجل عنده شهادة فقال: ممن الرجل قال: من بني فلان. قال: أتعرف قائل هذا الشعر: ماذا أؤمّل بعد آل محرّقٍ تركوا منازلهم وبعد إياد قال: لا! فقال: توقف يا وكيل في شهادته فإن من كان في قومه رجل له هذه النباهة وهو لا وكتب مسروق بن عبد الله إلى القاضي شريح وقد دخل زياد ابن أبيه في مرض موته ومنعوا الناس عنه وكتب إليه: أخبرنا عن حال الأمير فإن القلوب لبطء مرضه مجروحة والصدور لنا حزينة غير مشروحة! فأجابه القاضي: تركت الأمير وهو يأمر وينهى! فقال: أما تعلمون أن القاضي صاحب تعريض يقول: تركته يأمر الوصية وينهى عن الجزع! وكان كما ظن. والقاضي شريح توفي سنة اثنتين وثمانين عن مائة وعشرين سنة. وينسب إليها أبو عبد الله سعيد بن جبير كان الناس إذا سألوا بالكوفة ابن عباس يقول: أتسألونني وفيكم سعيد بن جبير وكان سعيد ممن خرج على الحجاج وشهد دير الجماجم فلما انهزم ابن الأشعث لحق سعيد بمكة وبعد مدة بعثه خالد بن عبد الله القسري وكان والياً على مكة من قبل الوليد ابن عبد الملك إلى الحجاج تحت الاستظهار وكان في طريقه يصوم نهاراً ويقوم ليلاً فقال له الموكل به: إني لا أحب أن أحملك إلى من يقتلك فاذهب أي طريق شئت! فقال له سعيد: انه يبلغ الحجاج أنك خليتني وأخاف أن يقتلك! فلما دخل على الحجاج قال له: من أنت قال: سعيد بن جبير! قال: بل أنت شقي بن كسير! قال: سمتني أمي! قال: شقيت! قال: الغيب يعلمه غيرك! فقال له الحجاج: لأبدلنك من دنياك ناراً تتلظى! فقال سعيد: لو علمت أن ذاك إليك ما اتخذت إلهاً غيرك! قال: ما تقول في الأمير قال: إن كان محسناً فعند الله ثواب إحسانه وإن كان مسيئاً فلن يعجز الله! قال: فما تقول في قال: أنت أعلم بنفسك! فقال: تب في علمك! فقال: اذم أسوءك ولا أسرك. قال: تب! قال: ظهر منك جور في حد الله وجرأة على معاصيه بقتلك أولياء الله! قال: والله لأقطعنك قطعاً قطعاً ولأفرقن أعضاءك عضواً عضواً! قال: فإذن تفسد علي دنياي وأفسد عليك آخرتك والقصاص أمامك! قال: الويل لك من الله! قال: الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار! فقال: اذهبوا به واضربوا عنقه. فقال سعيد: اني أشهدك اني أشهد ان لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لتستحفظه حتى ألقاك بها يوم القيامة! فذهبوا به فتبسم فقال الحجاج: لم تبسمت فقال: لجرأتك على الله تعالى! فقال الحجاج: اضجعوه للذبح! فأضجع. فقال: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض. فقال الحجاج: اقلبوا ظهره إلى القبلة. قال سعيد: فأينما تولوا فثم وجه الله! قال: كبوه على وجهه. فقال: مها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى! فذبح من قفاه فبلغ ذلك الحسن البصري فقال: الله يا قاصم الجبارة اقصم الحجاج. وعن خالد بن خليفة عن أبيه قال: شهدت مقتل سعيد بن جبير فلما بان رأسه قال: لا إله إلا الله مرتين والثالثة لم يتمها وعاش الحجاج بعده خمسة عشر يوماً وقع الدود في بطنه وكان يقول: ما لي ولسعيد بن جبير كلما أردت النوم أخذ برجلي! وتوفي سعيد سنة خمس وتسعين عن سبع وخمسين سنة. وينسب إليها أبو الطيب أحمد المتنبي. كان نادر الدهر شاعراً مفلقاً فصيحاً بليغاً أشعاره تشتمل على الحكم والأمثال قال ابن جني: سمعت أبا الطيب يقول: إنما لقبت بالمتنبي لقولي: ما مقامي بأرض نخلة إلاّ كمقام المسيح بين اليهود أنا في أمّةٍ تداركها اللّ ه غريبٌ كصالحٍ في ثمود وكان لا يمدح إلا الملوك العظماء وإذا سمع قصيدة حفظها بمرة واحدة وابنه يحفظها بمرتين وغلامه يحفظها بثلاث مرات فربما قرأ أحد على ممدوح قصيدة بحضوره فيقول: هذا الشعر لي ! ويعيدها ثم يقول: وابني أيضاً يحفظها ثم يقول: وغلامي أيضاً يحفظها. اتصل بسيف الدولة وقرأ عليه: أجاب دمعي وما الدّاعي سوى طلل فلما انتهى إلى قوله: أقل أنل اقطع احمل سلّ علّ أعد زد هشّ بشّ تفضّل ادن سرّ صل أمر سيف الدولة أن يفعل جميع هذه الأوامر التي ذكرها فيقول المتنبي: حكى ابن جني عن أبي علي النسوي قال: خرجت من حلب فإذا أنا بفارس متلثم قد أهوى نحوي برمح طويل سدده في صدري فكدت أرمي نفسي من الدابة فثنى السنان وحس لثامه فإذا المتنبي يقول: نثرت رؤساً بالأحيداب منهم كما نثرت فوق العروس دراهم ثم قال: كيف ترى هذا البيت أحسن هو قلت: ويحك قتلني! قال ابن جني: حكيت هذا بمدينة السلام لأبي الطيب فضحك. وحكى الثعالبي أن المتنبي لما قدم بغداد ترفع عن مدح الوزير المهلبي ذهاباً بنفسه إلى أنه لا يمدح غير الملوك فشق ذلك على الوزير فأغرى به شعراء بغداد في هجوه ومنهم ابن سكرة الهاشمي والحاتمي وابن لنكك فلم يجبهم بشيء وقال: اني قد فرغت عن جوابهم بقولي لمن هو أرفع طبقة منهم في الشعر: أفي كلّ يوم تحت ضبني شويعرٌ ضعيفٌ يقاويني قصيرٌ يطاول لساني بنطقي صامتٌ عنه عادلٌ وقلبي بصمتي ضاحكٌ منه هازل وأتعب من ناداك من لا تجيبه وأغيظ من عاداك من لا تشاكل وما التّيه طبّي فيهم غير أنّني بغيضٌ إليّ الجاهل المتعاقل وفارق بغداد قاصداً عضد الدولة بفارس ومدحه بقصائده المذكورة في ديوانه وربحت تجارته عند عضد الدولة وبقي عنده مدة ووصل إليه من مبراته أكثر من مائتي ألف درهم فاستأذن في المسير ليقضي حوائجه فأذن له وأمر له بالخلع والصلات فقرأ عليه قصيدته الكافية وكأنه نعى فيها نفسه ويقول: ولو أني استطعت حفظت طرفي ولم أبصر به حتّى أراكا وفي الأحباب مختصٌّ بوجدٍ وآخر يدّعي معه اشتراكا إذا اجتمع الدّموع على خدودٍ تبيّن من بكى ممّن تباكى وأنّى شئت يا طرقي فكوني أذاةً أو نجاةً أو هلاكا وهذه الأبيات مما يتطير بها وجعل قافية آخر شعره هلاكا فهلك. ولما ارتحل من شيراز بحسن حال ووفور مال فلما فارق أعمال فارس حسب أن السلامة تستمر كما كانت في أعمال عضد الدولة فخرج عليه سرية من الأعراب فحاربهم حتى انكشفت الوقعة عن قتله وقتل ابنه محسد ونفر من غلمانه في سنة أربع وخمسين وثلاثمائة. اللاذقية مدينة من سواحل بحر الشام عتيقة سميت باسم بانيها رومية وفيها أبنية قديمة ولها مرقاة جيدة وقلعتان متصلتان على تل مشرف على ربضها ملكها الفرنج فيما ملكوه من بلاد الساحل في حدود سنة خمسمائة. وللمسلمين بها جامع وقاض وخطيب فإذا أذن المسلمون ضرب الفرنج بالناقوس غيظاً قال المعري: باللاّذقيّة فتنةٌ ما بين أحمد والمسيح هذا يعالج دلبه والشّيخ من حنقٍ يصيح! أراد بالدلب الناقوس وبالصياح الأذان. قال ابن رطلين: رأيت باللاذقية أعجوبة وذلك أن المحتسب يجمع الفواجر والغرباء المؤثرين للفجور في حلقته وينادي على واحدة ويتزايدون حتى إذا وقف سلمها إلى صاحبها مع ختم المطران. وهو يأخذها إلى الفنادق فإذا وجد البطريق إنساناً لم يكن معه ختم المطران ألزمه جناية فلما كانت سنة أربع وثمانين وخمسمائة استرجعها صلاح الدين يوسف وهي إلى الآن في يد المسلمين. اللجون حكي أن الخليل عليه السلام دخل هذه المدينة ومعه غنم له وكانت المدينة قليلة الماء فسألوه أن يرتحل لقلة الماء فضرب بعصاه هذه الصخرة فخرج منها ماء كثير اتسع على أهل المدينة حتى كانت قراهم ورساتيقهم تسقى من هذا الماء والصخرة باقية إلى الآن. ماردين قلعة مشهورة على قلة جبل بالجزيرة ليس على وجه الأرض قلعة أحسن منها ولا أحكم ولا أعظم وهي مشرفة على دنيسر ودارا ونصيبين وقدامها ربض عظيم فيه أسواق وفنادق ومدارس وربط. وضعها وضع عجيب ليس في شيء من البلدان مثلها وذلك أن دورهم كالدرج كل دار فوق أخرى وكل درب منها مشرف على ما تحته وعندهم عيون قليلة جل شربهم من الصهاريج المعدة في دورهم. وقال بعض الظرفاء: في ماردين حماها الله لي سكنٌ لولا الضّرورة ما فارقتها نفسا لأهلها ألسنٌ لان الحديد لها وقلبهم جبليٌّ قد قسا وعسا ماسبدان مدينة مشهورة بقرب السيروان كثيرة الشجر كثيرة الحمات والكباريت والزاجات والبوارق والاملاح. بها عين عجيبة من شرب منها قذف اخلاطاً كثيرة لكنه يضر بأعصاب الرأس وإن احتقن بمائها أسهل إسهالاً عظيماً. مجانة بلدة بإفريقية تسمى قلعة بسر لأن بسر بن أرطاة فتحها. أرضها أرض طيبة ينبت بها زعفران كثير بها معادن الفضة والحديد والمرتك والرصاص والكحل وفي جنوبيها جبل تقطع منه أحجار الطواحين وتحمل إلى سائر بلاد العرب. محجة من قرى حوران. بها حجر يزوره الناس وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس عليه. مدين مدينة قوم شعيب عليه السلام. بناها مدين بن إبراهيم الخليل جد شعيب وهي تجارة تبوك بين المدينة والشام. بها البئر التي استقى منها موسى عليه السلام لماشية شعيب قيل: إن البئر مغطاة وعليها بيت يزوره الناس. وقيل: مدين هي كفرمندة من أعمال طبرية وبها البئر مرسى الخرز بليدة على ساحل بحر افريقية عندها يستخرج المرجان وليس للسلطان فيه حصة فيجتمع بها التجار ويستأجرون أهل تلك النواحي على استخراج المرجان من قعر البحر حكى من شاهد كيفية استخراجه أنهم يتخذون خشبتين طول كل واحدة ذراع ويجعلونهما صليباً ويشدون فيه حجراً ثقيلاً ويصلونه بحبل ويركب صاحبه في قارب ويتوسط البحر نحو نصف فرسخ ليصل إلى منبت المرجان. ثم يرسل الصليب إلى البحر حتى ينتهي إلى قرار البحر ويمر بالقارب يميناً وشمالاً ومستديراً ليتعلق المرجان في ذوائب الصليب ثم يقلعه بالقوة ويرقيه فيخرج جسم أغبر اللون فيحك قشره فيخرج أحمر اللون حسناً. المرقب بلدة وقلعة حصينة مشرفة على سواحل بحر الشام قال أبو غالب المغربي في تاريخه: عمر المسلمون حصن المرقب في سنة أربع وخمسين وأربعمائة فجاء في غاية الحصانة والحسن حتى يتحدث الناس بحسنه وحصانته فطمع الروم فيه وطمع المسلمون في الحيلة بالروم بسببه فما زالوا حتى بيع الحصن منهم بمال عظيم. وبعثوا شيخاً وولديه إلى انطاكية لقبض المال وتسليم الحصن فبعثوا المال مع ثلاثمائة رجل لتسلم الحصن وأخروا الشيخ عندهم. فلما وصل المال إلى المسلمين قبضوه وقتلوا بعض الرجال وأسروا آخرين وباعوهم بمال آخر وبالشيخ وولديه وحصل الحصن والمال للمسلمين وقتل كثير من الروم. مريسة قرية بمصر من ناحية الصعيد. تجلب منها الحمر المريسية وهي من أجود حمر مصر وأمشاها وأحسنها صورة وأكبرها تحمل إلى سائر البلاد للتحف ليس في شيء من البلاد مثلها والبلاد الباردة لا توافقها فتموت فيها سريعاً. وينسب إليها بشر المريسي المعتزلي. كان في زمن المأمون وزعم انه يبين ان القرآن مخلوق وكل من شاء يناظره فيه. وكان دليله أن القرآن لا يخلو اما أن يكون شيئاً أو لم يكن لا جائز أن يقال إن القرآن ليس بشيء لأنه كفر فتعين أن يكون شيئاً وقد قال تعالى: الله خالق كل شيء. فيكون خالقاً للقرآن أيضاً. وقد غلب الناس بهذا وقبلوا منه وصاروا على هذا فاتصل هذا الخبر إلى مكة إلى عبد العزيز المكي فقام قاصداً لبغداد لدفع هذه الغمة وسأل المأمون أن يجمع بينه وبين بشر بن غياث فجمع بينهما وجرى بينهما مناظرات حاصلها أن عبد العزيز قد حجه بدليله وقال: الالهية شيء أو ليس بشيء لا جائز أن يقال ليس بشيء لأنه كفر فتعين أن يكون شيئاً قال الله تعالى لبلقيس: وأوتيت من كل شيء ينبغي أن تؤتى الالهية فدليلك يدل على أن بلقيس إلاهة فما ظنكم بدليل يدل على أن المخلوق إله فقيل لعبد العزيز: هذا نقض حسن فما معنى قوله تعالى: الله خالق كل شيء قال: معناه الله خالق كل شيء قابل للخلق والايجاد والقديم غير قابل للخلق والايجاد وكذلك قوله تعالى: وأوتيت من كل شيء معناه كل شيء يحتاج إليه الملوك. فترى أوتيت الالهية والنبوة والذكورة كلها أشياء. فاستحسن المأمون ذلك ورجع القوم عن الاعتقاد الفاسد وقام المريسي محجوجاً خائباً. وحكى عبد الله الثقفي قال: لما مات المريسي رأيت زبيدة في المنام فقلت لها: ما فعل الله بك قالت: غفر لي بأول معول ضربت في طريق مكة وأنا حفرت في طريق مكة آباراً كثيرة. فقلت لها: اني أرى في وجهك صفرة! قالت: قد حمل إلينا بشر المريسي فزفرت جهنم زقرة لقدومه هذه الصفرة من اثرها. مريوط قرية بمصر قرب الإسكندرية. من عجائبها طول عمر سكانها قال ابن زولاق: كشف الطوال المزة قرية كبيرة غناء في وسط بساتين دمشق على نصف فرسخ منها. من جميع جهاتها أشجار ومياه وخضر وهي من أنزه أرض الله وأحسنها. يقال لها مزة كلب يقصدها أرباب البطالة للهو والطرب قال قيس بن الرقيات: حبّذا ليلتي بمزّة كلبٍ غال عني بها الكوانين غول بتّ أسقى بها وعندي حبيبٌ إنّه لي وللكرام خليل عندنا المشرفات من بقر الإن س هواهنّ لابن قيسٍ دليل مصر ناحية مشهورة عرضها أربعون ليلة في مثلها. طولها من العريش إلى اسوان وعرضها من برقة إلى ايلة. سميت بمصر بن مصرايم بن حام بن نوح عليه السلام وهي أطيب الأرض تراباً وأبعدها خراباً ولا يزال فيها بركة ما دام على وجه الأرض إنسان. ومن عجائبها انه إن لم يصبها مطر زكت بخلاف سائر النواحي وإن أصابها ضعف زكاؤها. ووصف بعض الحكماء مصر فقال: إنها ثلاثة أشهر لؤلؤة بيضاء وثلاثة أشهر مسكة أما ترى مصر كيف قد جمعت بها صنوف الرّياحين في مجلس السّوسن الغضّ والبنفسج وال ورد وصفّ البهار والنّرجس كأنّها الأرض ألبست حللاً من فاخر العبقريّ والسّندس كأنّها الجنّة التي جمعت ما تشتهيه العيون والأنفس ومن عجائبها زيادة النيل عند انتقاص جميع المياه في آخر الصيف حتى يمتليء منه جميع أرض مصر فإذا زاد اثني عشر ذراعاً ينادي المنادي كل يوم: زاد الله في النيل المبارك كذا وكذا. وفي وسط النيل مسجد بناه المأمون لما ذهب إلى مصر وخلف المسجد صهريج وفي وسط الصهريج عمود من الرخام الأبيض طوله أربعة وعشرون ذراعاً وكتب على كل ذراع علامة وقسم كل ذراع أربعاً وعشرين إصبعاً وكل إصبع ستة أقسام. وللصهريج منفذ إلى النيل يدخل إليه الماء فأي مقدار زاد في النيل عرف من العمود وعلى العمود قوم أمناء يشاهدون ذلك ويخبرون عن الزيادة فإذا بلغ ستة عشر ذراعاً وجب الخراج على أهل مصر فإذا زاد على ذلك يزيد في الخصب والخير إلى عشرين فإن زاد على ذلك يكون سبباً للخراب. واليوم الذي بلغ الماء فيه ستة عشر ذراعاً يكون يوم الزينة يخرج الناس بالزينة العظيمة لكسر الخلجان فتصير أرض مصر كلها بحراً واحداً. والماء يخرج الفئران والثعابين من جحرتها فتدخل على الناس في القرى ويأكلها الكلاب والزيغان ويبقى ماء النيل على وجه الأرض أربعين يوماً ثم يأخذ في الانتقاص. وكلما ظهر شيء من الأرض يزرعها الاكرة وتمشي عليها الأغنام لغيب البذر في الطين ويرمون بذراً قليلاً فيأتي بريع كثير لأن الله تعالى جعل فيه البركة. وبها نهر النيل قالوا: ليس على وجه الأرض نهر أطول من النيل لأن مسيره شهر في بلاد الإسلام وشهران في بلاد النوبة وأربعة أشهر في الخراب إلى أن يخرج ببلاد القمر خلف خط الاستواء. وليس في الدنيا نهر يصب من الجنوب إلى الشمال ويمد في شدة الحر عند انتقاص المياه والأنهار كلها ويزيد بترتيب وينقص بترتيب إلا النيل. قال القضاعي: من عجائب مصر النيل جعله الله تعالى سقياً يزرع عليه ويستغنى عن المطر به في زمان القيظ إذا نضبت المياه. وسبب مده ان الله تعالى يبعث ريح الشمال فيقلب عليه البحر الملح فيصير كالسكر فيزيد حتى يعم الربى والعوالي ويجري في الخليج والمساقي فإذا بلغ الحد الذي هو تمام الري وحضرت أيام الحراثة بعث الله ريح الجنوب فأخرجته إلى البحر الملح وانتفع الناس بما أروى من الأرض. ولهم مقياس ذكرنا قبل يعرفون به مقدار الزيادة ومقدار الكفاية.قال القضاعي: أول من قاس النيل بمصر يوسف عليه السلام وبنى مقياسه بمنف وذكر أن المسلمين لما فتحوا مصر جاء أهلها إلى عمر بن العاص حين دخل بؤونه من شهر القبط وقالوا: أيها الأمير إن لبلدنا سنة لا يجري النيل إلا بها وذلك انه إذا كان لاثنتي عشرة ليلة من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون ثم ألقيناها في النيل ليجري. فقال لهم عمرو: إن هذا في الإسلام لا يكون وإن الإسلام يهدم ما قبله! فأقاموا بؤونه وابيب ومسرى وهو لا يجري قليلاً ولا كثيراً حتى هم الناس بالجلاء. فلما رأى عمرو ذلك كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك فكتب عمر إليه: قد أصبت إن الإسلام يهدم ما قبله! وقد بعثت إليك بطاقة فألقها في داخل النيل. وإذا في الكتاب: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر أما بعد فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك! فألقى عمرو بن العاص البطاقة في النيل قبل الصليب بيوم وقد تهيأ أهل مصر للجلاء لأن مصالحهم لا تقوم إلا بالنيل فأصبحوا وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعاً في ليلة واحدة. وأما أصل مجراه فإنه يأتي من بلاد الزنج فيمر بأرض الحبشة حتى ينتهي إلى بلاد النوبة ثم لا يزال جارياً بين جبلين بينهما قرى وبلدان والراكب فيه يرى الجبلين عن يمينه وشماله حتى يصب في البحر. وقيل: سبب زيادته في الصيف أن المطر يكثر بأرض الزنجبار وتلك البلاد ينزل الغيث بها كأفواه القرب ويصب السيول إلى النيل من الجهات فإلى أن يصل إلى مصر ويقطع تلك المفاوز يكون القيظ ووقت الحاجة إليه. من عجائب النيل التمساح لا يوجد إلا فيه وقيل بنهر السند أيضاً يوجد إلا أنه ليس في عظم النيلي وهو يعض الحيوان وإذا عض اشتبكت أسنانه واختلفت فلم يتخلص منها الذي يقع فيها حتى يقطعه. ويحترز الإنسان من شاطيء النيل لخوف التمساح قال الشاعر: أضمرت للنّيل هجراناً ومقليةً مذ قيل لي: إنّما التّمساح في النّيل فمن رأى النّيل رأي العين عن كثبٍ فما أرى النّيل إلاّ في البواقيل والبواقيل: كيزان يشرب منها أهل مصر. وبها شجرة تسمى باليونانية موقيقوس تراها بالليل ذات شعاع متوهج يغتر برؤيتها كثير من الناس يحسبها نار الرعاة فإذا قصدها كلما زاد قرباً زادت خفاء حتى إذا وصل إليها انقطع ضوؤها. وبها حشيشة يقال لها الدلس يتخذ منها حبال السفن وتسمى تلك الحبال القوقس. تؤخذ طعة من هذا الحبل وتشعل فتبقى مشتعلة بين أيديهم كالشمع ثم تطفأ وتمكث طول الليل فإذا وبها نوع من البطيخ الهندي تحمل اثنتان منه على جمل قوي وهي حلوة طيبة. وبها حمير في حجم الكباش ملمعة بشبه البغال ليس مثلها في شيء من البلاد إذا أخرجت من موضعها لم تعش. وبها طير كثير أسود البدن أبيض الرأس يقال له عقاب النيل إذا طار يقول: الله فوق الفوق! بصوت فصيح يسمعه الناس يعيش من سمك النيل لا يفارق ذلك الموضع. والبرغوث لا ينقطع بمصر شتاءً ولا صيفاً وتولد الفأر بها أكثر من تولدها في سائر البلاد فترى عند زيادة النيل تسلط الماء على جحرتها فلا يبقى في جميع ممر الماء فأرة ثم تتولد بعد ذلك بأدنى زمان. ومن عجائب مصر الدويبة التي يقال لها النمس قال المسعودي: هي دويبة أكبر من الجرذ وأصغر من ابن عرس أحمر أبيض البطن إذا رأت الثعبان دنت منه فينطوي عليها الثعبان ليأكلها فإذا حصلت في فمه ترخي عليه ريحاً فينقطع الثعبان من ريحها وهذه خاصية هذه الدويبة قالوا ينقطع الثعبان من شدته قطعتين فإنها لأهل مصر كالقنافذ لأهل سجستان. ومن عجائب مصر الهرمان المحاذيان للفسطاط قال أبو الصلت: كل واحد منهما جسم من أعظم الحجارة مربع القاعدة مخروط الشكل ارتفاع عموده ثلاثمائة ذراع وسبعة عشر ذراعاً يحيط بها أربعة سطوح مثلثات متساويات الأضلاع كل ضلع منها أربعمائة ذراع وستون ذراعاً وهو مع هذا العظم من أحكم الصنعة واتقان الهندام وحسن التقدير لم يتأثر من تضاعف الرياح وهطل السحاب وزعزعة الزلازل. وذكر قوم أن على الهرمين مكتوباً بخط المسند: إني بنيتهما فمن يدعي قوة في ملكه فليهدمهما فإن الهدم أيسر من البناء قود كسوناهما بالديباج فمن استطاع فليكسهما بالحصير. وقال ابن زولاق: لا نعلم في الدنيا حجراً على حجر أعلى ولا أوسع منهما طولهما في الأرض أربعمائة ذراع وارتفاعهما كذلك وقال أبو عبد الله بن سلامة القضاعي في كتاب مصر: إنه وجد في قبر من قبور الأوائل صحيفة فالتمسوا لها قارئاً فوجدوا شيخاً في دير قلمون يقرأها فإذا فيها: إنا نظرنا فيها تدل عليه النجوم فرأينا أن آفة نازلة من السماء وخارجة من الأرض ثم نظرنا فوجدناه مفسداً للأرض ونباتها وحيوانها فلما تم الهرم الغربي بنى لابن أخيه الهرم المؤزر وكتبنا في حيطانها أن آفة نازلة من أقطار العالم وذلك عند نزول قلب الأسد أول دقيقة من رأس السرطان وتكون الكواكب عند نزولها إياها في هذه المواضع من الفلك الشمس والقمر في أول دقيقة من الحمل وزحل في درجة وثمان وعشرين دقيقة من الحمل والمشتري في تسع وعشرين درجة وعشرين دقيقة من الحمل والمريخ في تسع وعشرين درجة وثلاث دقائق من الحوت والزهرة في ثمان وعشرين درجة من الحوت وعطارد في تسع وعشرين درجة من الحوت والجوزهر في الميزان وأوج القمر في خمس درجات ودقائق من الأسد. فلما مات سوريل دفن في الهرم الشرين ودفن أخوه هرجيت في الهرم الغربي ودفن ابن أخيه كرورس في الهرم الذي أسفله. ولهذه الأهرام أبواب في ازج تحت الأرض طول كل ازج منها مائة وخمسون ذراعاً. فأما باب الهرم الشرقي فمن الناحية الشرقية وأما باب الهرم الغربي فمن الناحية الغربية وأما باب الهرم المؤزر فمن الناحية الشمالية. وفي الأهرام من الذهب ما لا يحتمله الوصف. ثم ان المترجم لهذا الكلام من القبطي إلى العربي أجمل التاريخات إلى سنة خمس وعشرين ومائتين من سني الهجرة فبلغت أربعة آلاف وثلاثمائة وإحدى وعشرين سنة شمسية ثم نظر كم مضى من الطوفان إلى وقته هذا فوجده ثلاثة آلاف وتسعمائة وإحدى وأربعين سنة فألقها من الجملة الأولى فبقي ثلاثمائة وتسع وتسعون سنة فعلم أن تلك الصحيفة كتبت قبل الطوفان بهذه المدة. وقال بعضهم: حسرت عقول ذوي النّهى الأهرام واستصغرت لعظيمها الأحلام ملسٌ منبّقة البناء شواهقٌ قصرت لغالٍ دونهنّ سهام أقبور أملاك الأعاجم هنّ أم طلّسم رملٍ كنّ أم أعلام وزعم بعضهم أن الأهرام بمصر قبور ملوك عظام بها آثروا أن يتميزوا بها على سائر الملوك بعد مماتهم كما تميزوا عنهم في حياتهم وأرادوا أن يبقى ذكرهم بسبب ذلك على تطاول الدهور. وذكر محمد بن العربي الملقب بمحيي الدين: ان القوم كانوا على دين التناسخ فاتخذوا الأهرام علامة لعلهم عرفوا مدة ذهابهم ومجيئهم إلى الدنيا بعلامة ذلك. ومن الناس من يزعم أن هرمس الأول الذي يسميه اليونانيون أخنوخ بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن انوش بن شيث بن آدم عليه السلام وهو ادريس علم بطوفان نوح إما بالوحي أو بالاستدلال على ذلك من أحوال الكواكب فأمر ببناء الأهرام وإيداعها الأموال وصحائف العلوم إشفاقاً عليها من الدروس واحتياطاً عليها وحفظاً لها. ومن عجائب مصر أبو الهول. وهو صورة آدمي عظيمة مصنعة وقد غطى الرمل أكثره. يقال: انه طلسم للرمل لئلا يغلب على كورة الجيزة فإن الرمال هناك كثيرة شمالية متكاثفة فإذا انتهت إليها لا تتعداه والمرتفع من الرمل رأسه وكتفاه. وهو عظيم جداً وصورته مليحة كأن الصانع الآن فرغ منه. وقد ذكر من رأى أن نسراً عشش في أذنه وهو مصبوغ بالحمرة قال ظافر الإسكندري: كمثل عمارتين على رحيلٍ لمحبوبين بينهما رقيب وماء النّيل تحتهما دموعٌ وصوت الرّيح عندهما نحيب ولما وصل المأمون إلى مصر نقب أحد الهرمين المحاذيين للفسطاط بعد جهد شديد وعناء طويل فوجد في داخله مراقي ومهادي هائلة يعسر السلوك فيها ووجد في أعلاه بيتاً مكعباً طول كل ضلع منه ثمانية أذرع وفي وسطه حوضاً رخاماً مطبقاً فلما كشف غطاؤه لم يوجد فيه غير رمة بالية فأمر المأمون بالكف عن نقب ما سواه. وقال بعضهم: ما سمعت بشيء عظيم فجئته إلا رأيته دون صفته إلا الهرمين فإني لما رأيتهما كانت رؤيتهما أعظم من صفتهما. ومن عجائب مصر حوض لعين ماء منقور في حجر عظيم يسيل الماء إلى الحوض من تلك العين من جبل بجنب كنيسة فإذا مس ذلك الماء جنب أو حائض انقطع الماء السائل من ساعته وينتن الماء الذي في الحوض فيعرف الناس سببه فينزفون الماء الذي في الحوض وينظفونه فيعود إليه الماء على حالته الأولى. وقد ذكر أمر هذا الحوض أبو الريحان الخوارزمي في كتابه الآثار الباقية وان هذا الحوض يسمى الطاهر. وبها جبل المقطم وهو جبل مشرف على القرافة ممتد إلى بلاد الحبشة على شاطيء النيل الشرقي وعليه مساجد وصوامع لا نبت فيه ولا ماء غير عين صغيرة تنز في دير للنصارى يقولون انه معدن الزبرجد وسأل المقوقس عمرو بن العاص أن يبيعه سفح المقطم بسبعين ألف دينار فكتب عمرو بن العاص إلى عمر ابن الخطاب فكتب إليه: ان استخبره لأي شيء بذل ما بذل فقال المقوقس: إننا نجد في كتبنا انه غراس الجنة! فقال عمر: غراس الجنة لا نجد إلا للمؤمنين. فأمره أن يتخذه مقبرة قالوا: ان الميت هناك لا يبلى! وبها موتى كثيرون بحالهم ما بلي منهم شيء وبها قبر روبيل بن يعقوب وقبر إليع عليه السلام. وبها قبر عمران بن الحصين صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن عجائبها عين الناطول وناطول اسم موضع بمصر فيه غار وفي الغار عين ينبع الماء منها ويتقاطر على الطين فيصير ذلك الطين فأراً قال صاحب تحفة الغرائب: حكى لي رجل أنه رأى من ذلك الطين قطعة انقلب بعضها فأراً والبعض الآخر طين بعد. ومن عجائبها نهر سنجة قال الأديبي: هو نهر عظيم يجري بين حصن المنصور وكيسوم من ديار مصر لا يتهيأ خوضه لأن قراره رمل سيال إذا وطئه واطيء غاص به وعلى هذا النهر قنطرة من عجائب الدنيا وهي طاق واحد من الشط إلى الشط وتشتمل على مائتي خطوة وهي متخذة من حجر مهندم طول الحجر عشرة أذرع في ارتفاع خمسة أذرع وحكي ان عندهم طلسماً على لوح إذا عاب من القنطرة موضع أدلى ذلك اللوح على موضع العيب فينعزل عنه الماء حتى يصلح ثم يرفع اللوح فيعود الماء إلى حاله. ومن عجائبها جبل الطير. وهو بصعيد مصر في شرقي النيل قرب انصنا وإنما سمي بذلك لأن صنفاً من الطير الأبيض يقال له البوقير يأتي في كل عام في وقت معلوم فتعكف على هذا الجبل وفيه كوة يأتي كل واحد من هذه الطيور ويدخل رأسه في تلك الكوة ثم يخرجه ويلقي نفسه في النيل فيعوم ويذهب من حيث شاء إلى أن يدخل واحد رأسه فيقبض عليه شيء في تلك الكوة فيضطرب ويبقى معلقاً منها إلى أن يتلف فيسقط بعد مدة. فإذا كان ذلك انصرف الباقي لوقته فلا يرى شيء من هذا الطير في هذا الجبل إلى مثل ذلك الوقت من العام القابل. وذكر بعض أعيان مصر: ان السنة إذا كانت مخصبة قبضت الكوة على طائرين وإن كانت متوسطة على واحد وإن كانت مجدبة لم تقبض شيئاً. المطرية قرية من قرى مصر عندها منبت شجر البلسان وبها بئر يسقى منها قيل: إنه من خاصية البئر لأن المسيح عليه السلام اغتسل فيها. حدث من رآها أن شجر البلسان يشبه شجر الحنا أو شجر الرمان أول ما ينشا وأرضها نحو مد البصر في مثله محوط عليه ولها قوم يخرجون شجرتها من سوقها ويتخذون منها ماءً لطيفاً في آنية زجاج ويجمعونه بجد واجتهاد عظيم فيحصل في العام نحو مائتي رطل بالمصري. وهناك رجل نصراني يطبخه بصناعة يعرفها لا يطلع عليها أحد ويصفي منها الدهن وقد اجتهد الملوك أن يعلمهم فأبى وقال: لو قتلت ما علمت أحداً ما بقي لي عقب. قال الحاكي: شربت من هذه البئر وهي عذبة فيها نوع دهنية لطيفة وقد استأذن الملك الكامل أباه الملك العادل أن يزرع شيئاً من شجر البلسان فأذن له فغرم غرامات وزرعه فلم ينجح ولا حصل منه دهن البتة فسأل أباه أن يجري لها ساقية من البئر المذكورة فأذن له ففعل وأنجح فعلموا أن ذلك من خاصية البئر. وليس في جميع الدنيا موضع ينبت شجر البلسان وينجع دهنه إلا هناك ورأى رجل من أهل الحجاز شجر البلسان فقال: انه شجر البشام بعينه إلا أنا ما علمنا استخراج الدهن منه. معرة النعمان بليدة بين حلب وحماة كثيرة التين والزيتون. ينسب إليها أبو العلاء أحمد ابن عبد الله المعري الضرير المشهور بالذكاء. ومن عجيب ما ذكر عنه أنه أخذ حمصة وقال: هذا يشبه رأس البازي! وهذا تشبيه عجيب من أولي الأبصار فضلاً عن الأكمه وقد ذكر البعير عنده أنه حيوان يحمل حملاً ثقيلاً فينهض به فقال: ينبغي أن تكون رقبته طويلة ليمتد نفسه فتقدر على النهوض به! وكان له سرير يجلس عليه فجعلوا في غيبته تحت قوائمه أربعة دراهم تحت كل قائمة درهماً فقال: ان الأرض قد ارتفعت عن مكانها شيئاً يسيراً والسماء نزلت! ومن العجائب انه مع ذكائه اختفت عليه الموجودات التي ليست بمجسمة كالجواهر الروحانية فاعتقد ان كل موجود يكون مجسماً حتى قال: قالوا: إلهٌ لنا قديمٌ! قلت لهم: هكذا يقول قالوا: قديمٌ بلا مكانٍ قلت: أين هو فقولوا! هذا الكلام لنا خفاءٌ معناه: ليست لنا عقول وقال أيضاً: يدٌ بخمس ماءٍ من عسجدٍ قرنت ما بالها قطعت في ربع دينار وقال الرضي الموسوي: صيانة النّفس أغلتها وأرخصها صيانة المال فانظر حكمة الباري مكران ناحية بين أرض السند وبلاد تيز ذات مدن وقرى كبيرة ومن عجائبها ما ذكره صاحب تحفة الغرائب أن بأرض مكران نهراً عليه قنطرة من الحجر قطعة واحدة من عبر عليها يتقيأ جميع ما في بطنه بحيث لا يبقى فيها شيء ولو كانوا ألوفاً هذا حالهم فمن أراد من الناس القيء عبر على تلك القنطرة. |
مليانة مدينة كبيرة بالمغرب من أعمال بجاية مستندة إلى جبل زكار وهي كثيرة الخيرات وافرة الغلات مشهورة بالحسن والطيب وكثرة الأشجار وتدفق المياه. حدثني الفقيه أبو الربيع سليمان الملتاني أن جبل زكار مطل على المدينة وطول الجبل أكثر من فرسخ ومياه المدينة تتدفق من سفحه وهذا الجبل لا يزال أخضر صيفاً وشتاء وأعلى الجبل مسطح يزرع وبقرب المدينة حمامات لا يوقد عليها ولا يستقى ماؤها بنيت على عين حارة عذبة الماء يستحم بها من شاء. منبج مدينة بأرض الشام كبيرة ذات خيرات كثيرة وأرزاق واسعة وذات مدارس وربط. عليها سور بالحجارة المهندسة حصينة جداً. شربهم من قني تسيح على وجه الأرض. ينسب إليها عبد الملك بن صالح الهاشمي المشهور بالبلاغة قيل: لما قدم الرشيد منبج قال لعبد الملك: أهذا منزلك قال: هو لك يا أمير المؤمنين ولي بك! قال: كيف صفتها قال: طيبة الهواء قليلة الادواء! قال: كيف ليلها قال: كله سحر! قال: صدقت إنها طيبة! قال: طابت بك يا أمير المؤمنين! وأين تذهب بها عين الطيب برها حمراء وسنبلها صفراء وشجراء في فياف فيح بين قيصوم وشيح. فأعجب الرشيد كلامه. منف مدينة فرعون موسى قيل: إنها أول مدينة عمرت بمصر بعد الطوفان وهي المراد بقوله تعالى: {ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها}. وهي بقرب الفسطاط. كان فيها أربعة أنهار تخلط مياهها في موضع سرير فرعون ولهذا قال: وهذه الأنهار تجري من تحتي! حكى من رأى منف قال: رأيت فيها دار فرعون ودرت في مجالسها ومشاربها وغرفها فإذا جميع ذلك حجر واحد منقور ما رأيت فيها مجمع حجرين ولا ملتقى صخرتين. وآثار هذه المدينة بمصر باقية قال ابن زولاق: سمعت بعض علماء مصر يقول: إن منف كانت ثلاثين ميلاً بيوتاً متصلة وفيها قصر فرعون قطعة واحدة وسقفه وفرشه وحيطانه حجر أخضر. وقال أيضاً: دخلت منف فرأيت عثمان بن صالح جالساً على باب كنيسة فقال لي: أتدري ما هذا المكتوب على هذا الباب قلت: لا! قال: عليه مكتوب: لا تلوموني على صغرها فإني اشتريت كل ذراع بمائتي دينار لشدة العمارة. وقال أيضاً: على باب هذه الكنيسة وكر موسى عليه السلام القبطي فقضى عليه. ومن عجائبها كنيسة الأسقف وهي من عجائب الدنيا لا يعرف طولها وعرضها مسقفة بحجر واحد. منية هشام قرية بأرض طبرية حكى الثعالبي أن بها عيناً يجري ماؤها سبع سنين دائماً ثم ينقطع سبع سنين هكذا على وجه الدهر وانه مشهور عندهم. موتة قال الجيهاني: مؤتة من أعمال البلقاء من حدود الشام أرضها لا تقبل اليهود ولا يتهيأ أن يدفنوا ومن عجائبها أن لا تلد بها عذراء فإذا قربت المرأة ولادتها خرجت منها فإذا وضعت عادت إليها. والسيوف المشرفية منسوبة إليها لأنها من مشارف الشام قال الشاعر: أبى الله للشّمّ الأنوف كأنّهم ** صوارم يجلوها بمؤتة صيقل مورجان من أعمال فارس. بها جبل فيه كهف يقطر الماء من سقفه زعموا أن عليه طلسماً إن دخل ذلك الكهف واحد خرج من الماء ما يكفيه وإن خرج ألف خرج قدر حاجة الألف والله الموفق. المهدية مدينة بافريقية بقرب القيروان اختطها المهدي المتغلب على تلك البلاد في سنة ثلاثمائة. قيل: إنه كان يرتاد موضعاً يبني فيه مدينة حصينة خوفاً من خارجي يخرج عليه حتى ظفر بهذا الموضع. وكانت جزيرة متصلة بالبر كهيئة كف متصلة بزند فوجد فيها راهباً في مغارة فسأله عن اسم الموضع فقال: هذه تسمى جزيرة الخلفاء. فأعجبه هذا الاسم فبنى بها بناء وجعلها دار مملكة وحصنها بسور عال وأبواب حديد وبنى بها قصراً عالياً. فلما فرغ من إحكامها وحكي انه لما فرغ من البناء أمر رامياً أن يرمي سهماً إلى جهة المغرب فرمى فانتهى إلى موضع المصلى فقال: إلى هذا الموضع يصل صاحب الحمار! يعني أبا يزيد الخارجي لأنه يركب حماراً. فقالوا: ان الأمر كان كما قال وان أبا يزيد وصل إلى موضع السهم ووقف ساعة ثم رجع ولم يظفر ثم أمر بعمارة مدينة أخرى إلى جانب المهدية وجعل بين المدينتين طول ميدان وأفردها بسور وأبواب وسماها زويلة وأسكن أرباب الصناعات والتجارات فيها وأمر أن تكون أموالهم بالمهدية وأهاليهم بزويلة. قال: إن أرادوني بكيد بزويلة فأموالهم عندي بالمهدية وإن أرادوني بالمهدية خافوا على أهاليهم بزويلة فإني آمن منهم ليلاً ونهاراً! وشرب أهلها من الصهاريج ولهم ثلاثمائة وستون صهريجاً على عدة أيام السنة يكفيهم كل يوم صهريج إلى تمام السنة ومجيء مطر العام المقبل. ومرساها منقورة في حجر صلد تسع مائتي مركب وعلى طرف المرسى برجان بينهما سلسلة حديد إذا أريد إدخال سفينة أرسل الحراس أحد طرفي السلسلة لتدخل الخارجة ثم يمدها. ثم تناقصت حال ملوكها مع حصانة الموضع حتى استولى عليها الفرنج سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة وبقيت في يدهم اثنتي عشرة سنة حتى قدم عبد المؤمن افريقية سنة خمس وخمسين وخمسمائة واستعادها. وهي في يد بني عبد المؤمن إلى الآن.مدينة مشهورة بأرض فلسطين بين جبلين مستطيلة لا عرض لها وبها اجتماع السامرة وهم طائفة من اليهود واليهود بعضهم يقول: انهم مبتدعة ملتنا! ومنهم من يقول: انهم كفار ملتنا! ذكر بعض مشايخ نابلس انه ظهر هناك تنين عظيم فتوسل الناس في هلاكه وكان شيئاً هلائلاً له ناب عظيم فعلقوا نابه هناك ليتعجب الناس من عظمها وليس باصطلاحهم التنين فعرف الموضع بها وقيل نابلس. بظاهر المدينة مسجد يقولون: ان آدم عليه السلام سجد لربه هناك. وبها جبل يقول اليهود ان الخليل عليه السلام أمر بذبح ولده عليه لأن في اعتقادهم أن الذبيح كان إسحق عليه السلام. وبها عين تحت كهف تعظمه السامرة. وبها بيت عبادة للسامرة يسمى كزيرم. ناصرة قرية بقرب طبرية قيل: اسم النصارى مشتق منها لأنهم كانوا من ناصرة. وأهلها عيروا مريم عليها السلام فهم قوم إلى هذه الغاية يعتقدون انه لا تلد بكر من غير زوج. من عجائبها شجرة الأترج ثمرتها على هيئة النساء لها ثديان وما يشبه اليدين والرجلين وموضع القبل مفتوح وهذا أمر مشهور عندهم.مدينة بافريقية قرب القيروان قال البكري: هي على نهر وهي كثيرة الأشجار والنخيل والثمار. وبها عين عجيبة لا يدرك قعرها البتة ومنها يسير السائر إلى قسطنطينة في أرض لا يهتدى إلى الطريق فيها إلا بأخشاب منصوبة فإن أخذ يميناً أو شمالاً غرق في أرض دهسة تشبه الصابون في الرطوبة وقد هلك قالوا: في تلك الأرض جماعات وعساكر ممن دخلها ولم يعرف حالهم. وادي الرمل واد بأرض المغرب بعد بلاد الأندلس. قال صاحب عجائب الأخبار: لما ملك أبو ناشر ينعم سار نحو المغرب حتى انتهى إلى وادي الرمل وأراد العبور فيه فلم يجد مجازاً لأنه رمل يجري كالماء وسمع أن الرمل يسكن يوم السبت دون سائر الأيام فأرسل نفراً من أصحابه يوم السبت وأمرهم أن يقطعوه ويقيموا بالجانب الآخر إلى السبت الآخر فساروا يومهم ذلك ونجم الرمل عليهم بالليل قبل أن يقطعوه فغرقوا. فلما أيس من رجوعهم أمر بصنم ونصبه على حافة الوادي وهو صورة رجل على فرس من نحاس وكتب على جبهته: ليس ورائي مذهب فلا أبو ناشر الأنعام قد رام خطّةً علت فوق خطّات الملوك الأقادم إلى الجانب الغربيّ يهوي بجحفلٍ يجرّون أطراف القنا والصّوارم فلمّا دنا وادٍ خبيثٍ مسيله برملٍ تراه كالجبال الرّواكم أشار بتمثالٍ وخطّ مترجمٍ بأن ليس من بعدي مرورٌ لقاحم وادي موسى في قبلي بيت المقدس واد طيب كثير الزيتون. نزل به موسى عليه السلام وعلم بقرب أجله فعمد إلى الحجر الذي يتفجر منه اثنتا عشرة عيناً سمره في جبل هناك فخرجت منه اثنتا عشرة عيناً وتفرقت إلى اثنتي عشرة قرية كل قرية لسبط من الأسباط ثم قبض موسى عليه السلام وبقي الحجر هناك. وذكر القاضي أبو الحسن علي بن يوسف انه رأى الحجر هناك وانه في حجر رأس عنز وانه ليس في جميع ذلك الجبل حجر يشبهه. وادي النمل بين جبرين وعسقلان. مر به سليمان عليه السلام يريد غزو الشام إذ نظر إلى كراديس النمل مثل السحاب فأسمعته الريح كلام النملة تقول: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده! فأخذت النمل تدخل مساكنها والنملة تناديهم: الوحى الوحى! قد وافتكم الخيل! فصاح بها سليمان وأراها الخاتم فجاءت خاضعة فسألها سليمان عن قولها فقالت: يا نبي الله لما رأيت موكبك أمرت النمل بدخول مساكنها لئلا يحطمها جندك فإني أدركت ملوكاً قبلك كانوا إذا ركبوا الخيل أفسدوا! فقال عليه السلام: لست كأولئك إني بعثت بالاصلاح! أخبريني كم عددكم وأين تسكنون وما تأكلون ومتى خلقتم فقالت: يا نبي الله لو أمرت الجن والشياطين بحشر نمل الأرض لعجزوا عن ذلك لكثرتها فما على وجه الأرض واد ولا جبل ولا غاية إلا وفي أكنافها مثل ما في سلطاني. ونأكل رزق ربنا ونشكره وخلقنا قبل أبيك آدم بألفي عام. وإن النملة الواحدة منا لا تموت حتى تلد كراديس النمل وليس على وجه الأرض ولا في بطنها حيوان أحرص من النمل فإنها تجمع في صيفها ما يملأ بيتها وتظن أنها لا تشبع به. ولها تسبيح وتقديس تسأل بهما ربها أن يوسع الرزق على خلقه. فتعجب سليمان من كثرتها وهدايتها وعجائب صفاتها. واقصة منزل بطريق مكة. بها منارة من قرون الوحش وحوافرها. كان السلطان ملكشاه بن الب أرسلان السلجوقي خرج بنفسه يشيع الحاج في بعض سني ملكه فلما رجع اصطاد من الوحوش شيئاً كثيراً فبنى من قرونها وحوافرها منارة هناك كما فعله سابور والمنارة باقية إلى الآن. ودان قال البكري: مدينة في جنوبي افريقية لها قلعة حصينة وهي مشتملة على مدينتين فيهما قبيلتان من العرب: سهميون وحضرميون. تسمى مدينة السهميين لباك ومدينة الحضرميين توصي وبابهما واحد. وبين القبيلتين قتال وبقربهم صنم من حجارة منصوب على ربوة يسمى كرزة وحواليها قبائل البربر يستسقون بالصنم ويقربون له القرابين إلى زماننا هذا. هجر مدينة كبيرة قاعدة بلاد البحرين ذات خيرات كثيرة من النخل والرمان والتين والأترج والقطن. وبقلالها شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم نبق الجنة وكذلك قال صلى الله عليه وسلم: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثاً. أراد بهما قلال هجر سعتهما خمسمائة رطل. من عجائبها: من سكنها عظم طحاله.مدينة بفارس قرب إصطخر كثيرة البساتين والخيرات قالوا: ان نساءها يغتلمن إذا زهرت الغبيراء كما تغتلم السنانير. هنديجان من قرى خوزستان. يتبرك بها المجوس ويعظمونها وبنو بها بيوت النار قال مسعر بن مهلهل: سببه ان الهند غزت الفرس فالتقى الجمعان بهذا المكان وكان الظفر للفرس وهزمتهم هزيمة قبية فتبركوا بهذا الموضع. والآن بها آثار عجيبة وأبنية عادية. وتثار منها الدفائن كما تثار من أرض مصر. هنديان قرية بأرض فارس بين جبلين. بها بئر يعلو منها دخان لا يتهيأ لأحد أن يقربها وإذا طار طائر فوقها سقط محترقاً. هيت بليدة طيبة على الفرات ذات أشجار ونخيل وخيرات كثيرة وطيب الهواء والتربة وعذوبة الماء ورياض مؤنقة قال أبو عبد الله السنبسي شاعر سيف الدولة: فيا حبّذا تيك من بلدةٍ ومنبتها الرّوض غضّاً نضيرا وبرد ثراها إذا قابلت رياح السّمائم فيها الهجيرا أحنّ إليها على نأيها وأصبر عن ذاك قلباً ذكورا حنين نواعيرها في الدّجى إذا قابلت بالضّجيج السّكورا ولو أنّ ما بي بأعوادها منوطٌ لأعجزها أن تدورا يابسة جزيرة طويلة في البحر المتوسط الشامي طولها خمسة وأربعون ميلاً وعرضها خمسة عشر ميلاً. بها مدن وقرى والغالب عليها الجبال. وفيها شجر الصنوبر. وليس بها شيء من السباع لا صغيرها ولا كبيرها إلا القط البري ولا حية ولا عقرب. وذكر أهلها انه إن حمل إليها سبع أو حية أو عقرب لم يلبث إلا ريثما يستنشق هواءها يفوت على المقام. وانها جزيرة كثيرة الفواكه والأعناب وزبيبها في غاية الحسن. وبها حجل كثير يفرخ في جبالها وفراخ البزاة الجيدة والنخل بها كثير جداً.قرية من أعمال حلب. كانت بها امرأة تزعم أن الوحي يأتيها وآمن بها أبوها وكان يقول في أيمانه: وحق بنتي النبية فهزأ أبو سنان الخفاجي بها وقال: بحياة زينب يا ابن عبد الواحد وبحقّ كلّ نبيّةٍ في ياقد ما صار عندك روشن بن محسّنٍ فيما يقول الناس أعدل شاهد نسخ التّغافل عنه خلط عمارةٍ وافاه في هذا الزّمان البارد يزد مدينة بأرض فارس آهلة كثيرة الخيرات والغلات والثمرات. بها صناع الحرير السندس في غاية الحسن والصفاقة يحمل منها إلى سائر البلاد. والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب. |
الاقليم الرابع أوله حيث يكون الظل إذا استوى الليل والنهار نصف النهار أربعة أقدام وثلاثة أخماس قدم وثلث خمس قدم وآخره حيث يكون الظل نصف النهار عند الاستواء خمسة أقدام وثلاثة أخماس قدم وثلث خمس قدم. يبتديء من أرض الصين والتبت والختن وما بينهما ويمر على جبال قشمير وبلور وأرجان وبذخشان وكابل وغور وخراسان وقومس وجرجان وطبرستان وقوهستان وآذربيجان وأدنى العراق والجزيرة ورودس وصقلية إلى البحر المحيط من الأندلس. وطول نهار هؤلاء في أول الإقليم أربع عشرة ساعة وربع وأوسطه أربع عشرة ساعة ونصف وآخره أربع عشرة ساعة ونصف وربع ساعة. وطوله من المشرق إلى المغرب ثمانية آلاف ومائتان وأربعة عشر ميلاً وأربع عشرة دقيقة وعرضه مائتا ميل وتسعة وتسعون ميلاً وأربع دقائق وتكسيره ألفا ألف وأربعمائة ألف وثلاثة وسبعون ألفاً وستمائة واثنان وسبعون ميلاً واثنتان وعشرون دقيقة. ولنذكر بعض ما فيه من المدن والقرى مرتبة على حروف المعجم والله المستعان وعليه التكلان. بليدة بقرب ساوة طيبة إلا أن أهلها شيعة غالية جداً وبينهم وبين أهل ساوة منافرة لأن أهل ساوة كلهم سنية وأهل آبه كلهم شيعة قال القاضي أبو نصر الميمندي: وقائلةٍ: أتبغض أهل آبه وهم أعلام نظمٍ والكتابه فقلت: إليك عني إنّ مثلي يعادي كلّ من عادى الصّحابه بينها وبين ساوة نهر عظيم سيما وقت الربيع. بنى عليه أتابك شيركير رحمه الله قنطرة عجيبة وهي سبعون طاقاً ليس على وجه الأرض مثلها. ومن هذه القنطرة إلى ساوة أرض طينها الأزب يمتنع على السابلة المرور عليها عند وقع المطر عليها فاتخذ عليها أتابك جادة من الحجارة المفروشة مقدار فرسخين لتمشي عليها السابلة من غير تعب. آذربيجان ناحية واسعة بين قهستان واران. بها مدن كثيرة وقرى وجبال وأنهار كثيرة. بها جبل سبلان قال أبو حامد الأندلسي: انه جبل بآذربيجان بقرب مدينة أردبيل من أعلى جبال الدنيا. روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: من قرأ: سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون إلى قوله تخرجون كتب له من الحسنات بعدد كل ورقة ثلج تسقط على جبل سبلان! قيل: وما سبلان يا رسول الله قال: جبل بين أرمينية وآذربيجان عليه عين من عيون الجنة وفيه قبر من قبور الأنبياء. وقال أيضاً: على رأس الجبل عين عظيمة ماؤها جامد لشدة البرد وحول الجبل عيون حارة يقصدها المرضى وفي حضيض الجبل أشجار كبيرة وبينها حشيشة لا يقربها شيء من البهائم فإذا قرب شيء منها هرب وإن أكل منها مات. وفي سفح الجبل قرية اجتمعت بقاضيها أبي الفرج بن عبد الرحمن الأردبيلي قال: ما هي إلا قرية يحميها الجن! وذكر أنهم بنوا مسجداً في القرية فاحتاجوا إلى قواعد لأعمدة المسجد فأصبحوا وعلى باب المسجد قواعد من الصخر المنحوت أحسن ما يكون. وبها نهر الرس وهو نهر عظيم شديد جري الماء. وفي أرضه حجارة كبيرة لا تجري السفن فيه وله أجراف هائلة وحجارة كبيرة. زعموا أن من عبر نهر الرس ماشياً إذا مسح برجله ظهر امرأة عسرت ولادتها وضعت وكان بقزوين شيخ تركماني يقال له الخليل يفعل ذلك وكان يفيد. حكى ديسم بن إبراهيم صاحب اذربيجان قال: كنت أجتاز على قنطرة الرس مع عسكري فلما صرت في وسط القنطرة رأيت امرأة حاملة صبياً في قماط فرمحها بغل محمل طرحها وسقط الطفل من يدها في الماء فوصل إلى الماء بعد زمان طويل لطول مسافة ما بين القنطرة وسطح الماء فغاص وطفا بعد زمان يسير وجرى به الماء وسلم من الحجارة التي في النهر.وكان للعقبان أوكار في اجراف النهر فحين طفا الطفل رآه عقاب فانقض عليه وشبك مخالبه في قماطه وخرج به إلى الصحراء فأمرت جماعة أني ركضوا نحو العقاب ومشيت أيضاً فإذا العقاب وقع على الأرض واشتغل بخرق القماط فأدركه القوم وصاحوا به فطار وترك الصبي فلحقناه فإذا هو سالم يبكي فرددناه إلى أمه. وبها نهر زكوير بقرب مرند لا يخوضه الفارس فإذا وصل إلى قرب مرند يغور ولا يبقى له أثر ويجري تحت الأرض قدر أربعة فراسخ ثم يظهر على وجه الأرض أخبر به الشريف محمد بن ذي العقار العلوي المرندي. وبها نهر ذكر محمد بن زكرياء الرازي عن الجيهاني صاحب المسالك المشرقية ان باذربيجان نهراً ماؤه يجري فيستحجر ويصير صفائح حجر! وقال صاحب تحفة الغرائب: باذربيجان نهر ينعقد ماؤه صخراً صلداً كبيراً وصغيراً. وبها عين قال صاحب تحفة الغرائب: باذربيجان عين يجري الماء عنها وينعقد حجراً والناس يملأون قالب اللبن من ذلك الماء ثم يتركونه يسيراً فالماء في القالب يصير لبناً حجرياً. آرشت وناشقين ضيعتان من ضياع قزوين على ثلاثة فراسخ منها. من عجائبهما أن الحديد ينطبع بآرشت ولا ينطبع بناشقين ولو أوقدوا عليه ما أوقدوا وقدر الصباغ يستوي بناشقين ولا يستوي بارشت ولو أوقدوا تحتها ما أوقدوا فلا يكون بآرشت صباغ ولا بناشين حداد أصلاً. وإذا تحول أحد الصانعين إلى الموضع الآخر لم ينجع عمله وهذا شيء مشهور يعرفه أهل تلك البلاد. http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif آمل مدينة بطبرستان مشهورة. حدثني الأمير أبو المؤيد حسام الدين بن النعمان أنه إذا دخلها شيء من الضائنة وإن كانت من أسمن ما يكون تهزل بها جداً بهزل لا يقال إلى هزال المعز. وذكر أنه أخبر بذلك فأمر أن يساق عدة رؤوس من الضائنة. قال: رأيتها بعد ستة أشهر عظاماً مغشية بجلود وبقيت الألايا كالأذناب. http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif أبلة كورة بالبصرة طيبة جداً نضرة الأشجار متجاوبة الأطيار متدفقة الأنهار مؤنقة الرياض والأزهار لا تقع الشمس على كثير من أراضيها ولا تبين القرى من خلال أشجارها. قالوا: جنان الدنيا أربع: أبلة البصرة وغوطة دمشق وصغد سمرقند وشعب بوان.والأبلة جانبان: شرقي وغربي أما الشرقي فيعرف بشاطيء عثمان قديماً وهو عثمان بن ابان بن عثمان بن عفان وهو العامر الآن بها الأشجار والأنهار والقرى والبساتين وهو على دجلة. وأنهارها مأخوذة من دجلة. وبها أنواع الأشجار وأجناس الحبوب وأصناف الثمار لا تكاد تبين قراها في وسطها من التفاف الأشجار. وبها مشهد كان مسلحة لعمر بن الخطاب وكانت بها شجرة سدر عظيمة كل غصن منها كنخلة ودورة ساقها سبعة أذرع والناس يأخذون قشرها ويتبخرون به لدفع الحمى وكان ينجع وذكروا انه قلما يخطيء. فلما ولي بابكين البصرة أشاروا إليه بقطعها لمصلحة وكان قد ولي البصرة مدة طويلة وحسنت سيرتهم وكان هو في نفسه رجلاً خيراً فلما قطعها أنكر الناس فعزل عن قريب عن البصرة. وأما الجانب الغربي من الابلة فخراب غير ان فيه مشهداً يعرف بمشهد العشار وهو مشرف على دجلة وهو موضع شريف قد اشتهر بين الناس ان الدعاء فيه مستجاب. وكان في قديم الزمان بهذا الجانب بنيان مشرف على دجلة وبساتين وقصور في وسطها وكان الماء يجري في دورها وقصورها وقد امتحقت الآن آثارها فسبحان من لا يعتريه التغير والزوال! مدينة بأرض الجبال كثيرة المياه والأشجار بناها سابور ذو الأكتاف. قالوا: كانت عيوناً كلها فسدها سابور بالصوف والجلود وبنى المدينة عليها وهي في غاية النزاهة من طيب الهواء وكثرة المياه والبساتين وخارجها أطيب من داخلها. بها بساتين يقال لها بهاء الدين اباد لم ير أكبر منها طولاً وعرضاً. وهي عامة ينزل فيها القفل والعساكر لا يمنع أحد منها. ولها قهندز يتحصن بها من خالف صاحب البلاد فبطلوها والآن قالوا يأوي إليها السباع لا يجسر أحد أن يأتيها. بها عين كل نصل يسقى من مائها يبقى حاداً قطاعاً جداً. والمدينة كلها مشتملة على طواحين تدور على الماء وأكثر ثمارها العنب والجوز ونوع من الكمثرى مدورة في حجم النارنج يقال لها العباسي لذيذة جداً ما في البلاد شيء مثلها وعندهم من ذلك كثير جداً يحملونها إلى البلاد للبيع ويعلقونها حتى يأكلوها طول شتائهم يتفكهون بها. وأهلها أحسن الناس صورة كلهم أهل السنة لا يوجد فيهم إلا كذلك. وفيهم أدباء وفضلاء ولهم اجتماع كلمة على دفع ظلم الولاة لا يغلبم وال أي وقت رأوا منه خلاف عادة قاموا كلهم قيام رجل واحد لدفعه. ينسب إليها الشيخ أبو بكر الطاهري كان من الابدال معاصر الشبلي. وله بأبهر رباط ينسب إليه وفي رباطه سرداب يدخل فيه كل جمعة ويخرج بأرض دمشق ويصلي الجمعة بجامع دمشق وهذا حديث مشهور عندهم. وذكروا أن رجلاً تبعه ذات يوم فإذا هو بأرض لم يرها أبداً والناس مجتمعون لصلاة الجمعة فسأل بعضهم عن ذلك الموضع فضحك وقال: أنت في دمشق وتسأل عنها! فقام طالع المدينة فلما عاد لم يجد الشيخ هناك فجعل ينادي ويقول للناس ما جرى له فلا يصدقه أحد إلا رجل صالح قال له: دع عنك هذا الجزع وانتظره يوم الجمعة المستقبلة فإذا حضر الشيخ ارجع معه! فلما حضر الشيخ في الجمعة الأخرى تمسك بذيله فقال له: لا تذكر هذا لأحد وأنا آخذك معي! ثم أخذه معه وعاد به إلى مكانه وهذه حكاية مشهورة عنه بأبهر. وتنسب إليها سكينة الابهرية كانت في زمن الشيخ أبي بكر. وينسب إليها الوزير الفاضل الكامل أبو عمرو الملقب بكمال الدين كان حاله شبيهاً بحال إبراهيم بن أدهم وكان وزيراً بقزوين وكان رجلاً لطيفاً فطناً شاعراً بالعربية والعجمية محباً لأهل الخير في زمان وزارته. فإذا في بعض الأيام ركب في موكبه ومماليكه وحواشيه فلما خرج عن المدينة قال لمماليكه: أنتم أحرار لوجه الله! ونزل عن الدابة ولبس اللباد وذهب إلى بيت المقدس وكان يحمل الحطب على ظهره ثم عاد إلى الشام وكان بها إلى أن توفي في سنة تسعين وخمسمائة.مدينة بخراسان بقرب سرخس بناها باورد بن جودرز وانها مدينة وبيئة رديئة الماء من شرب من مائها يحدث به العرق المديني أما الغريب فلا يفوته البتة وأما المقيم ففي أكثر أوقاته مبتلى به. ينسب إليها أبو علي الفضيل بن غياض كان أول أمره يقطع الطريق بين سرخس وأبيورد حتى كان في بعض الربط في بعض الليالي وفي الرباط قفل فيقول بعضهم: قوموا لنرحل! فيقول البعض الآخر: اصبروا فإن الفضيل في الطريق فقال لنفسه: أنت غافل والناس يفزعون منك أعود بالله من هذه الحالة! فتاب وذهب إلى مكة وأقام بها إلى أن مات. وحدث سفيان بن عيينة: لما حج الرشيد ذهب إلى زيارة الفضيل ليلاً فلما دخل عليه قال لي: يا سفيان أيهم أمير المؤمنين فأومأت إليه وقلت: هذا! فقال: أنت الذي تقلدت أمر هذا الخلق بأحسن الوجه لقد تقلدت أمراً عظيماً! فبكى الرشيد وأمر له بألف دينار فأبى أن يقبلها فقال: أبا علي ان لم تستحلها فأعطها ذا دين واشبع بها جائعاً واكس بها عارياً! فأبى فلما خرج الرشيد قلت له: أخطأت لو أخذت وصرفت في شيء من أبواب البر! فأخذ بلحيتي وقال: أبا محمد أنت فقيه البلد وتغلط مثل هذا الغلط لو طابت لأولئك لطابت لي! وحكي أن الفضيل رؤي يوم عرفة على عرفات يبكي إلى آخر النهار ثم أخذ بلحيته وقال: واخجلتاه وإن غفرت! ومضى. وحكي انه كان في جبل من جبال منى فقال: لو أن ولياً من أولياء الله أمر هذا الجبل أن يمتد لامتد! فتحرك الجبل فقال الفضيل: اسكن لم أردك لهذا! فسكن الجبل. ولد الفضيل بسمرقند ونشأ بأبيورد ومات بمكة سنة سبع وثمانين ومائة. http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif إربل مدينة بين الزابين لها قلعة حصينة لم يظفر بها التتر مع أنهم ما فاتهم شيء من القلاع والحصون بها مسجد يسمى مسجد الكف فيه حجر عليه أثر كف إنسان ولأهل إربل فيه أقاويل كثيرة ولا ريب انه شيء عجيب. ينسب إليها الملك مظفر الدين كوكوبري بن زين الدين علي الصغير. كان ملكاً شجاعاً جواداً غازياً له نكايات في الفرنج يتحدث الناس بها وكان معتقداً في أهل التصوف بنى لهم رباطاً لم يزل فيه مائتا صوفي شغلهم الأكل والرقص في كل ليلة جمعة. وكل من جاءه من أهل التصوف آواه وأحسن إليه وإذا أراد السفر أعطاه ديناراً. ومن أتاه من أهل العلم والخير والصلاح أعطاه على قدر رتبته. وفي العاشر من ربيع الأول كان له دعوات وضيافات وفي هذا الوقت يجتمع عنده خلق كثير من الأطراف. وفي اليوم الثاني عشر مولد النبي عليه السلام كان له دعوة عظيمة يحضرها جميع الحاضرين ويرجع كل واحد بخير. وكان يبعث إلى الفرنج أموالاً عظيمة يشترى بها الأسارى. عمر عمراً طويلاً ومات سنة تسع وعشرين وستمائة. اردبهشتك قرية من قرى قزوين على ثلاثة فراسخ منها. من عجائبها عين ماء من شرب منها انطلق انطلاقاً عظيماً ويقصدها الناس من الأطراف في فصل الربيع لتنقية الباطن وبينها وبين قزوين نهر إذا جاوزوا بمائها ذلك النهر تبطل خاصيته وقد حمل من ذلك الماء إلى قزوين في جرار واستعمل ولم يعمل شيئاً. ومن خاصية هذا الماء ان أحداً يقدر أن يشرب منه خمسة أرطال أو ستة بخلاف غيره. http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif أردبيل مدينة بآذربيجان حصينة طيبة التربة عذبة الماء لطيفة الهواء في ظاهرها وباطنها أنهار كثية ومع ذلك فليس بها شيء من الأشجار التي لها فاكهة. والمدينة في فضاء فسيح وأحاط بجميع ذلك الفضاء الجبال بينها وبين المدينة من كل صوب مسيرة يوم. ومن عجائبها أنه إذا بناها فيروز الملك وهي من البحر على يومين بينهما دخلة شعراء عظيمة كثيرة الشجر جداً يقطعون منها الخشب الذي منه الأطباق وقصاع الخلنج. وفي المدينة صناع كثير لإصلاحها. ومن عجائبها ما ذكره أبو حامد الأندلسي قال: رأيت خارج المدينة في ميدانها حجراً كبيراً كأنه معمول من حديد أكبر من مائتي رطل إذا احتاج أهل المدينة إلى المطر حملوا ذلك الحجر على عجلة ونقلوه إلى داخل المدينة فينزل المطر ما دام الحجر فيها فإذا أخرج منها سكن المطر. والفأر بها كثير جداً بخلاف سائر البلاد وللسنانير بها عزة ولها سوق تباع فيه ينادون عليها انها سنورة صيادة مؤدبة لا هرابة ولا سراقة ولها تجار وباعة ودلالون ولها راضة وناس يعرفون. قال سندي بن شاهك وهو من الحكماء المشهورين: ما أعناني سوقة كما أعناني أصحاب السنانير يعمدون إلى سنور يأكل الفراخ والحمام ويكسر قفص القماري والحجل والوراشين ويجعلونه في بستوقة يشدون رأسها ثم يدحرجونها على الأرض حتى يأخذه الدوار فيجعلونه في القفص مع الفراخ فيشغله الدوار عن الفراخ. فإذا رآه المشتري رأى عجيباً وظن انه ظفر بحاجته فيشتريه بثمن جيد فإذا مضى به إلى البيت وزال دواره يبقى شيطاناً يأكل جميع طيوره وطيور جيرانه ولا يترك في البيت شيئاً إلا سرق وأفسد وكسر فيلقى منه التباريح.وأهل أردبيل مشهورون بكثرة الأكل حكى بعض التجار قال: رأيت بها راكباً وقدامه طبول وبوقات سألت عن شأنه فقالوا: إنه تراهن على أكل تسعة أرطال أرز ورأس بقر وقد فعل ورطل أردبيل ألف وأربعون درهماً وأرزهم إذا طبخ يصير ثلاثة أضعاف فإنه قد غلب. http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif أرسلان كشاد قلعة كانت على فرسخين من قزوين على قلة جبل. ذكر أن الإسماعيلية في سنة خمس وتسعين وخمسمائة جاؤوا بالآلات على ظهر الدواب إليها في ليلة فلما أصبح أهل قزوين سدت مسالكها فصعب عليهم ذلك فشكوا إلى ملوك الأطراف فما أفادهم ذلك شيئاً حتى قال الشيخ علي اليوناني وكان صاحب كرامات وعجائب: أنا أكشف عنكم هذه الغمة! فكتب إلى خوارزمشاه تكش بن ايل ارسلان بن اتسز: بعلامة انك كنت في ليلة كذا وكذا كنت وحدك تفكر في كذا وكذا انهض لدفع هذا الشر عن أهل قزوين وإلا لتصابن في ملكك ونفسك! فلما قرأ خوارزمشاه كتابه قال: هذا سر ما اطلع عليه غير الله! فجاء بعساكره وحاصر القلعة وأخذها صلحاً وشحنها بالسلاح والرجال وسلمها إلى المسلمين وعاد. وكانت الباطنية قد نقبوا طريقاً من القلعة إلى خارجها وأخفوا بابها فدخلوا من ذلك النقب ليلاً فلما أصبحوا كانت القلعة تموج من الرجال الباطنية فقتلوا المسلمين وملكوا القلعة فبعث الشيخ إلى خوارزمشاه مرة أخرى فجاء بنفسه وحاصرها بعساكره وأهل قزوين شهرين والباطنية عرفوا أن السلطان لا يرجع دون العرض فاختاروا تسليمها على أمان من فيها فأجابهم السلطان إلى ذلك. قالوا: نحن ننزل عن القلعة دفعتين فإن لم تتعرضوا للفرقة الأولى تنزل الثانية والقلعة لكم وإن تعرضتم للفرقة الأولى فالفرقة الثانية تمنعكم عن القلعة. فلما نزلوا خدموا للسلطان وذهبوا كلهم فانتظر المسلمون نزول الفرقة الثانية فما كان فيها أحد نزلوا كلهم دفعة فأمر السلطان بتخريبها وابطال حصانتها وهي كذلك إلى زماننا هذا والله الموفق. http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif أرمية بلدة حصينة بآذربيجان كثيرة الثمرات واسعة الخيرات بقربها بحيرة يقال لها بحيرة أرمية وهي بحيرة كريهة الرائحة لا سمك فيها. وفي وسط البحيرة جزيرة بها قرى وجبال وقلعة حصينة حولها رساتيق لها مزارع واستدارة البحيرة خمسون فرسخاً يخرج منها ملح يجلو شبه التوتيا وعلى ساحلها مما يلي الشرق عليون ينبع الماء منها وإذا أصابه الهواء يستحجر. ومن عجائبها ما ذكر صاحب تحفة الغرائب: ان في بطائح بحر ارمية سمكة تتخذ من دهنها ومن الموم شمعة وتنصب على طرف سفينة فارغة تخلى على وجه الماء فإن السمك يأتي بنور ذلك الشمع ويرمي نفسه في السفينة حتى تمتليء السفينة من السمك ولتكن سفينة مقعرة حتى لا يفلت السمك منها. أستوناوند قلعة مشهورة بدنباوند من أعمال الري. وهي من القلاع القديمة والحصون الحصينة عمرت منذ ثلاثة آلاف سنة لم يعرف انها أخذت قهراً إلى أن تحصن بها ابن خوارزمشاه ركن الدين غورسايحي عند ورود التتر سنة ثماني عشرة وستمائة وقد عرض عليه استوناوند وأردهن فترجح استوناوند في نظره مع حصانة أردهن. قالوا: لو كان على اردهن رجل واحد لم تؤخذ منه قهراً أبداً إلا إذا أعوزته الميرة فتحصن بها فعلم التتر به ونزلوا عليها وجمعوا حطباً كثيراً جعلوه حولها ثم أضرموا في النار فانصدع صخرها وتفتت وزالت حصانتها ثم صعدوا وابن خوارزمشاه قاتل حتى قتل. أسفجين قرية من قرى همذان من ناحية يقال لها ونجر بها منارة الحوافر وهي منارة عالية من حوافر حمر الوحش حكى أحمد بن محمد بن إسحق الهمذاني أن شابور بن أردشير الملك حكم منجموه انه يزول الملك عنه ويشقى ثم يعود إليه فقال لهم: ما علامة عود الملك قالوا: إذا أكلت خبزاً من الذهب على مائدة من الحديد! فلما ذهب ملكه خرج وحده تخفضه أرض وترفعه أخرى إلى أن صار إلى هذه القرية فأجر نفسه من شيخ القرية يزرع له نهاراً ويطرد الوحش عن الزرع ليلاً فبقي على ذلك مدة وكانت نفسه نفس الملوك فرأى شيخ القرية منه أمانة وجلادة فزوج بنته منه فلما تم على ذلك أربع سنين وانقضت أيام بؤسه اتفق ان كان في القرية عرس اجتمع فيه رجالهم ونساؤهم وكانت امرأة شابور تحمل إليه كل يوم طعامه فكانت في ذلك اليوم اشتغلت عنه إلى ما بعد العصر. فلما ذكرت عادت إلى بيتها فما وجدت إلا قرصين من الدخن فحملتهما إليه فوجدته يسقي الزرع وبينها وبينه ساقية. فمد المسحاة إليها فجعلت القرصين عليها فقعد يأكلهما فتذكر قول المنجمين: أكل خبز الذهب على مائدة الحديد. فعرف أن أيام البؤس انقضت فظهر للناس واجتمع عليه العساكر وعاد إلى ملكه. فقالوا: ما أشد شيء عليك في أيام البؤس قال: طرد الوحوش عن الزرع بالليل! فصادوا في ذلك الموضع من حمر الوحش ما لا يحصى وأمر أن يبنى من حوافرها منارة فبنوا منارة ارتفاعها خمسون ذراعاً ودورتها ثلاثون مصمتة بالكلس والحجارة وحوافر الوحش حولها مسمرة بالمسامير والمنارة مشهورة في هذا الموضع إلى زماننا. أسفرايين بلدة بأرض خراسان مشهورة أهلها أهل الخير والصلاح. من مفاخرها أبو الفتوح محمد بن الفضل الاسفراييني. كان إماماً فاضلاً عالماً زاهداً أسرع الناس عند السؤال جواباً وأسكتهم عند الايراد خطاباً مع صحة العقيدة والخصال الحميدة وقلة الالتفات إلى الدنيا وذويها. سكن بغداد مدة فلما اعتزم العود إلى خراسان شكا إليه أصحابه من مفارقته فقال: لعل الله أراد أن تكون تربتي في جوار رجل صالح! فلما وصل إلى بسطام فارق الدنيا ودفن بجنب الشيخ أبي يزيد البسطامي. وحكى شيخ الصوفية ببسطام وهو عيسى بن عيسى قال: رأيت أبا يزيد في النوم يقول: يصل إلينا ضيف فأكرموه! فوصل في تلك الأيام الشيخ أبو الفتح وفارق الدنيا. وكنت جعلت لنفسي موضعاً عند تربة الشيخ أبي يزيد فآثرت الشيخ أبا الفتح به ودفنته بجنب أبي يزيد. http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif اشتروين ضيعة كبيرة من ضياع قزوين على مرحلتين منها. انها كانت قرية غناء كثيرة الخيرات وافرة الغلات. نزل بها الشيخ نور الدين محمد بن خالد الجيلي وكان رجلاً عظيم الشأن صاحب الآيات والكرامات اتخذها وطناً وتزوج بها فحلت بها البركة وصارت أعمر مما كانت وأوفر ريعاً وأكثر أهلاً. وكان الشيخ يزرع بها شيئاً يسيراً فيحصل منه ريع كثير يفي بنفقته أهله وضيافة زواره. وكان الشيخ كثير الزوار يقصده الناس من الأطراف. ومن العجب انه وقع بتلك الأرض في بعض السنين جراد ما ترك رطبها ولا يابسها وما تعرضت لزرع الشيخ بسوء. وكانت تلك القرية محط الرحال ومحل البركة بوجود هذا الشيخ إلى أن جهلت سفهاؤها نعم الله تعالى عليهم بجوار هذا الشيخ فقالوا: ان زروعنا تيبس بسبب زرع الشيخ لأن الماء يقصر عن زروعنا بسبب زرعه! فلما سمع الشيخ ذلك فارق تلك القرية وتحول بأهله إلى قزوين في سنة أربع عشرة وستمائة. فلما خرج الشيخ منها كانت كبيت نزع عماده وانهارت قبابها وانقطع الماء الذي كانوا يبخلون به على الشيخ فأخرج دهاقينها أموالاً كثيرة لعمارة القناة فما أفادهم شيئاً. وإلى الآن هي خراب.مدينة عظيمة من أعلى المدن ومشاهيرها جامعة لأشتات الأوصاف الحميدة من طيب التربة وصحة الهواء وعذوبة الماء وصفاء الجو وصحة الأبدان وحسن صورة أهلها وحذقهم في العلوم والصناعات حتى قالوا: كل شيء استقصى صناع أصفهان في تحسينها عجز عنها صناع جميع البلدان قال الشاعر: لست آسى من أصفهان على شيءٍ ** سوى مائها الرّحيق الزّلال ونسيم الصّبا ومنخرق الرّي **ح وجوٍّ صافٍ على كلّ حال يبقى التفاح بها غضاً سنةً والحنطة ** لا تتسوس بها واللحم لا يتغير أياماً. المدينة القديمة تسمى جي قالوا: إنها من بناء الإسكندر. والمدينة العظمى تسمى اليهودية وذاك أن بختنصر أخذ أسارى بيت المقدس أهل الحرف والصناعات فلما وصلوا إلى موضع أصفهان وجدوا ماءها وهواءها وتربتها شبيهة ببيت المقدس فاختاروها للوطن وأقاموا بها وعمروها. وهي مدينة ترابها كحل وحشيشها زعفران وونيم ذبابها عسل. من عجائبها أمر تفاحها فإنها ما دامت في أصفهان لا يكون لها كثير رائحة فإذا أخرجت منها فاحت رائحتها حتى لو كانت تفاحة في قفل لا يبقى في القفل أحد إلا يحس برائحتها. وبها نوع من الكمثرى يقال له ملجي ليس في شيء من البلاد مثله. وإذا وصلوا شجرة الكمثرى ولصناعها يد باسطة في تدقيق الصناعات لا ترى خطوطاً كخطوط أهل أصفهان ولا تزويقاً كتزويقهم وهكذا صناعهم في كل فن فاقوا جميع الصناع حتى ان نساجها ينسج خماراً من القطن أربعة أذرع وزنها أربعة مثاقيل. والفخار يعمل كوزاً وزنه أربعة مثاقيل يسع ثمانية أرطال ماء وقس على هذا جميع صناعاتهم. وأما أرباب العلوم كالفقهاء والأدباء والمنجمين والأطباء فأكثر من أهل كل مدينة سيما فحول الشعراء أصحاب الدواوين فاقوا غيرهم بلطافة الكلام وحسن المعاني وعجيب التشبيه وبديع الاقتراح مثل رفيع فارسي دبير وكمال زياد وشرف شفروه وعز شفروه وجمال عبد الرزاق وكمال إسماعيل ويمن مكي. فهؤلاء أصحاب الدواوين الكبار لا نظير لهم في غير أصفهان. وينسب إليها الأديب الفاضل أبو الفرج الأصفهاني صاحب كتاب الأغاني ذكر في ذلك أخبار العرب وعجائبها وأحسن أشعارهم. كتاب في غاية الحسن كثير الفوائد لم يسبقه في ذلك أحد. وينسب إليها الأستاذ أبو بكر بن فورك كان أشعرياً لا تأخذه في الله لومة لائم درس ببغداد مدة. وكان جامعاً لأنواع العلوم صنف أكثر من مائة مجلد في الفقه والتفسير وأصول الدين. ثم ورد نيسابور فبنوا له داراً ومدرسة قال الأستاذ أبو القاسم القشيري: حكى أبو بكر بن فورك قال: حملت إلى شيراز مقيداً لفتنة في الدين فوافينا البلد ليلاً فلما أسفر النهار ورأيت في مسجد على محرابه مكتوباً: أليس الله بكاف عبده فعلمت أن الأمر سهل وطبت به نفساً وكان الأمر كذلك ثم دعي إلى غزنة وجرت له بها مناظرات مع الكرامية. فلما عاد سم في الطريق ودرج ودفن بنيسابور ومشهده ظاهر بها يستسقى به ويجاب الدعاء فيه. وينسب إليها الحافظ أبو نعيم الأصفهاني واحد عصره وفريد دهره. هو صاحب حلية الأولياء وله تصانيف كثيرة وله كرامات: حكي أن أهل أصفهان تعصبوا عليه ومنعوه من الجامع فبعث السلطان محمود إليهم والياً فوثبوا إليه وقتلوه فذهب السلطان إليهم بنفسه وآمنهم حتى اطمأنوا ثم قصدهم يوم الجمعة وأخذ أبواب الجامع وقتل فيهم مقتلة عظيمة. فمن كان في الجامع قتل والحافظ أبو نعيم كان ممنوعاً من الجامع فسلم. وينسب إليها صدر الدين عبد اللطيف الخجندي. كان رئيساً مطاعاً في أصفهان عالماً واعظاً شاعراً يهابه السلاطين ويتبعه مائة ألف مسلح: محمد بن ايلدكز أتابك السلجوقية أخذه معه لا يخليه يرجع إلى أصفهان مدة مديدة لأنه ما أراد أن يقبض عليه ظاهراً ولا أن يخليه لأنه يخاف شره فكان يستصحبه فاتخذ يوماً مجلس الوعظ وأتابك حاضر في ملجس وعظه وله ابنان صغيران واقفان بين يديه فصدر الدين شاهد ذلك على المنبر فاتخذ الفرصة وأنشد: شاه با بندكان جفا نكند وركند رحمتش رها نكند هر كرا طفلكان خرد بود بدر از طفلكان جدا نكند بكى أتابك بكاء شديداً وكان ملكاً عادلاً رحيماً رحمه الله. وتوفي صدر الدين في شوال سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة. ذكر أن أهل أصفهان موصوفون بالشح. نقل عن الصاحب أبي القاسم بن عباد وزير مجد الدولة من آل بويه انه كان يقول لأصحابه إذا أراد دخول أصفهان: من له حاجة فليسأل قبل دخول أصفهان فإني إذا دخلتها وجدت في نفسي شحاً لم أجد في غيرها! حكى رجل أنه تصدق برغيف على ضرير بأصفهان فقال الضرير: أحسن الله غربتك! فقال الرجل: كيف عرفت غربتي قال: لأني منذ ثلاثين سنة ما أعطاني أحد رغيفاً صحيحاً! وحدث الأمير حسام الدين النعمان: أن البقر بأصفهان يقوى حتى لو حصل فيها أعجف ما يكون بعد مدة يسيرة يبقى قوياً سميناً حتى يعصي ولا ينقاد. بها مسجد يسمى مسجد خوشينه. زعموا أن من حلف كاذباً في هذا المسجد تختل أعضاؤه وهذا أمر مستفيض عند أهل أصفهان. بها نهر زرنروذ وهو موصوف بعذوبة الماء ولطافته يغسل الغزل الخشن بهذا الماء فيبقى ليناً ناعماً مثل الحرير مخرجه من قرية يقال لها بناكان ويجتمع إليه مياه كثيرة فيعظم أمره ويمتد ويسقي بساتين أصفهان ورساتيقها ثم يمر على مدينة أصفهان ويغور في رمال هناك. ويخرج بكرمان على ستين فرسخاً من الموضع الذي يغور فيه فيسقي مواضع بكرمان ثم يصب في بحر الهند. ذكر أنهم أخذوا قصبة وعلموها بعلائم وأرسلوها في الموضع الذي يغور فيه فوجدوها بعينها بأرض كرمان فاستدلوا بذلك على أنه نهر زرنروذ. أفشنة قرية من ناحية خرميثن من ضياع بخارى قال أبو عبيد الجوزجاني: حدثني أستاذي أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا أن أباه كان من بلخ انتقل إلى بخارى في زمن نوح بن نصر الساماني وتصرف في الأعمال وتزوج بأفشنة فولدت بها وطالعي السرطان والمشتري والزهرة فيه والقمر وعطارد في السنبلة والمريخ في العقرب والشمس في الأسد وكان المشتري في السرطان على درجة الشرف والشعرى مع الرأس على درجة الطالع فكانت الكواكب كلها في الحظوظ قال: فلما بلغت سن التمييز سلمني إلى معلم القرآن ثم إلى معلم الأدب فكان كل شيء قرأه الصبيان على الأديب احفظه والذي كلفني أستاذي كتاب الصفات وكتاب غريب المصنف ثم أدب الكتاب ثم إصلاح المنطق ثم كتاب العين ثم شعر الحماسة ثم ديوان ابن الرومي ثم تصريف المازني ثم نحو سيبويه فحفظت تلك الكتب في سنة ونصف ولولا تعويق الأستاذ لحفظتها بدون ذلك وهذا مع حفظي وظائف الصبيان في المكتب. فلما بلغت عشر سنين كانوا في بخارى يتعجبون مني ثم شرعت في الفقه فلما بلغت اثنتي عشرة سنة صرت أفتي في بخارى على مذهب أبي حنيفة ثم شرعت في علم الطب وصنفت القانون وأنا ابن ست عشرة سنة فمرض نوح بن نصر الساماني فجمعوا الأطباء لمعالجته فجمعوني أيضاً معهم فرأوا معالجتي خيراً من معالجات كلهم فصلح على يدي فسألت أن يوصي لخازن كتبه أن يعيرني كل كتاب طلبت ففعل فرأيت في خزانته كتب الحكمة من تصانيف أبي نصر بن طرخان الفارابي فاشتغلت بتحصيل الحكمة ليلاً ونهاراً حتى حصلتها. فلما انتهى عمري إلى أربع وعشرين كنت أفكر في نفسي أنه لا شيء من العلوم لا أعرفه. إلى ههنا نقل الجوزجاني عن الشيخ الرئيس. وحكى غيره أن دولة السامانية لما انقرضت صارت مملكة ما وراء النهر لبني سبكتكين فلما ولي السلطان محمود سعى الحساد إلى السلطان في حق أبي علي فهرب من بخارى إلى خراسان واجتمع بصاحب نسا فإنه كان ملكاً حكيماً فأكرمه فعرف أعداؤه السلطان أنه عند صاحب نسا فقال لوزيره: اكتب إلى صاحب نسا ان ابعث إلينا رأس أبي علي! فكتب إلى صاحب نسا: ان كان أبو علي عندك فابعده سريعاً! وكتب بعد يوم على يد قاصد آخر ان ابعث إلينا رأس أبي علي. فلما وصل القاصد الأول أبعده فلما وصل الثاني قال: إنه كان عندنا فمشى منذ مدة! فعزم أبو علي طبرستان خدمة شمس المعالي قابوس بن وشمكير وكان ملكاً فاضلاً حكيماً فلما ورد طبرستان كان قابوس محبوساً في قلعة فأتى ارض الجبال مملكة آل بويه خائفاً فورد همذان وقصد فصاداً يفصد الناس. فطلب يوماً لفصد امرأة فلما رآها قال: الفصد لا يصلح لها وأبى. فطلبوا غيره فلما فصدها غشي عليها فقالوا لأبي علي: كنت أنت مصيباً فدبر أمرها. فوصف شيئاً من المقويات فصلحت فتعجبوا من ذكائه وقالوا: إنه طبيب جيد. ومرضت امرأة من بنات الملوك وعجز الأطباء عن علاجها فرآها أبو علي وقال: مرضها العشق! فأنكرت المرأة. قال أبو علي: إن شئتم أعين لكم من تعشقه! اذكروا أسامي من يكون صالحاً لذلك وأنا أجس نبضها! فلما ذكروا اسم معشوقها اضطرب نبضها وتغير حالها فعرف ذلك منها. قالوا: فما علاجها قال: ان العشق تمكن منها تمكناً شديداً إن لم تزوجوها تتلف! فاشتهر عند أهل همذان انه طبيب جيد حتى جاء ناس من بخارى خدموا لأبي علي خدمة الملوك. فسأل أهل همذان عنهم فقالوا: هذا أبو علي بن سينا. فعرف بهمذان وذكروا أن شمس الدولة صاحب همذان كان مبتلى بالقولنج فعالجه أبو علي فاستوزره شمس الدولة فبقي في وزارته مدة وكانت دولة آل بويه متزلزلة بين أولاد الأعمام يحارب بعضهم بعضاً فلقي من الوزارة تعباً شديداً حتى نهب داره وكتبه. فلما مات شمس الدولة وجلس ابنه مكانه استعفى أبو علي عن الوزارة واتصل بعلاء الدولة صاحب أصفهان وكان ملكاً حكيماً أكرم مثواه وكان عنده إلى أن فارق الدنيا سنة ثمان وعشرين وأربعمائة عن ثمان وخمسين سنة ودفن بهمذان. الموت قلعة حصينة من ناحية روذبار بين قزوين وبحر الخزر على قلة جبل وحولها وهاد لا يمكن نصب المنجنيق عليها ولا النشاب يبلغها. وهي كرسي ملك الإسماعيلية قيل: ان بعض ملوك الديلم أرسل عقاباً للصيد وتبعها فرآها وقعت على هذا الموضع فوجده موضعاً حصيناً فاتخذه قلعة وسماها إله أموت أي تعليم العقاب بلسان الديلم. ومنهم من قال: اسم القلعة بتاريخها لأنها بنيت في سنة ست وأربعين وأربعمائة وهي م و ت. ينسب إليها حسن الصباح داعي الباطنية وكان عارفاً بالحكمة والنجوم والهندسة والسحر ونظام الملك كان يكرمه لفضله فقال يوماً بطريق الفراسة: عما قريب يصل هذا جمعاً من ضعفاء العوام! فذهب الصباح إلى مصر ودخل على المستنصر واستأذن منه أن يدعو الناس إلى بيعته وكان خلفاء مصر يزعمون أنهم من نسل محمد بن إسماعيل بن جعفر فعاد الصباح إلى بلاد العجم حتى وصل إلى ناحية روذبار فرأى شخصاً على غصن شجرة وهو يضرب أصل الغصن بالفأس فقال في نفسه: لا أجد قوماً أجهل من هؤلاء! فألقى جرانه هناك وأظهر النسك وكان كوتوال الموت رجلاً علوياً حسن الظن في الصباح فأحكم الصباح أمره مع الناس وأخرج العلوي من القلعة. وكان معه صبي قال هو من نسل محمد بن إسماعيل والإمامة كانت لأبيه والآن له واحكم أساس دعوته فيهم وقال للقوم: لا بد للناس من معلم ومعلمكم هذا الصبي وطاعة هذا المعلم واجب عليكم فإذا رضي عنكم سعدتم في الدنيا والآخرة ولا حاجة بكم إلى شيء سوى طاعة المعلم. فاستخف قومه فأطاعوه حتى صاروا يفدون أنفسهم له فلما عرف علماء الإسلام اعتقادهم وإخلالهم بأركان الدين افتوا بإلحادهم وجعلوا يغزونهم ويسبون منهم فقتلوا جمعاً من العظماء على يد الفداية منهم: الخليفة المسترشد ونظام الملك وبكتمر صاحب أرمن وانقلمس صاحب العراق. فخاف منهم ملوك جميع الأطراف. وفي زمن المستعصم ظهر شخص باليمن يدعي الخلافة فاجتمع عليه قوم بعثوا إليه فقتلوه وكانت شوكتهم باقية إلى أن قتلوا واحداً من عظماء التتر فحاصروهم سبع سنين فتلفوا على القلاع جوعاً وهلكوا ومنهم من نزل فقتلوهم عن آخرهم واندفع شرهم. |
الاقليم الرابع أوله حيث يكون الظل إذا استوى الليل والنهار نصف النهار أربعة أقدام وثلاثة أخماس قدم وثلث خمس قدم وآخره حيث يكون الظل نصف النهار عند الاستواء خمسة أقدام وثلاثة أخماس قدم وثلث خمس قدم. يبتديء من أرض الصين والتبت والختن وما بينهما ويمر على جبال قشمير وبلور وأرجان وبذخشان وكابل وغور وخراسان وقومس وجرجان وطبرستان وقوهستان وآذربيجان وأدنى العراق والجزيرة ورودس وصقلية إلى البحر المحيط من الأندلس. وطول نهار هؤلاء في أول الإقليم أربع عشرة ساعة وربع وأوسطه أربع عشرة ساعة ونصف وآخره أربع عشرة ساعة ونصف وربع ساعة. وطوله من المشرق إلى المغرب ثمانية آلاف ومائتان وأربعة عشر ميلاً وأربع عشرة دقيقة وعرضه مائتا ميل وتسعة وتسعون ميلاً وأربع دقائق وتكسيره ألفا ألف وأربعمائة ألف وثلاثة وسبعون ألفاً وستمائة واثنان وسبعون ميلاً واثنتان وعشرون دقيقة. ولنذكر بعض ما فيه من المدن والقرى مرتبة على حروف المعجم والله المستعان وعليه التكلان. بليدة بقرب ساوة طيبة إلا أن أهلها شيعة غالية جداً وبينهم وبين أهل ساوة منافرة لأن أهل ساوة كلهم سنية وأهل آبه كلهم شيعة قال القاضي أبو نصر الميمندي: وقائلةٍ: أتبغض أهل آبه وهم أعلام نظمٍ والكتابه فقلت: إليك عني إنّ مثلي يعادي كلّ من عادى الصّحابه بينها وبين ساوة نهر عظيم سيما وقت الربيع. بنى عليه أتابك شيركير رحمه الله قنطرة عجيبة وهي سبعون طاقاً ليس على وجه الأرض مثلها. ومن هذه القنطرة إلى ساوة أرض طينها الأزب يمتنع على السابلة المرور عليها عند وقع المطر عليها فاتخذ عليها أتابك جادة من الحجارة المفروشة مقدار فرسخين لتمشي عليها السابلة من غير تعب. آذربيجان ناحية واسعة بين قهستان واران. بها مدن كثيرة وقرى وجبال وأنهار كثيرة. بها جبل سبلان قال أبو حامد الأندلسي: انه جبل بآذربيجان بقرب مدينة أردبيل من أعلى جبال الدنيا. روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: من قرأ: سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون إلى قوله تخرجون كتب له من الحسنات بعدد كل ورقة ثلج تسقط على جبل سبلان! قيل: وما سبلان يا رسول الله قال: جبل بين أرمينية وآذربيجان عليه عين من عيون الجنة وفيه قبر من قبور الأنبياء. وقال أيضاً: على رأس الجبل عين عظيمة ماؤها جامد لشدة البرد وحول الجبل عيون حارة يقصدها المرضى وفي حضيض الجبل أشجار كبيرة وبينها حشيشة لا يقربها شيء من البهائم فإذا قرب شيء منها هرب وإن أكل منها مات. وفي سفح الجبل قرية اجتمعت بقاضيها أبي الفرج بن عبد الرحمن الأردبيلي قال: ما هي إلا قرية يحميها الجن! وذكر أنهم بنوا مسجداً في القرية فاحتاجوا إلى قواعد لأعمدة المسجد فأصبحوا وعلى باب المسجد قواعد من الصخر المنحوت أحسن ما يكون. وبها نهر الرس وهو نهر عظيم شديد جري الماء. وفي أرضه حجارة كبيرة لا تجري السفن فيه وله أجراف هائلة وحجارة كبيرة. زعموا أن من عبر نهر الرس ماشياً إذا مسح برجله ظهر امرأة عسرت ولادتها وضعت وكان بقزوين شيخ تركماني يقال له الخليل يفعل ذلك وكان يفيد. حكى ديسم بن إبراهيم صاحب اذربيجان قال: كنت أجتاز على قنطرة الرس مع عسكري فلما صرت في وسط القنطرة رأيت امرأة حاملة صبياً في قماط فرمحها بغل محمل طرحها وسقط الطفل من يدها في الماء فوصل إلى الماء بعد زمان طويل لطول مسافة ما بين القنطرة وسطح الماء فغاص وطفا بعد زمان يسير وجرى به الماء وسلم من الحجارة التي في النهر.وكان للعقبان أوكار في اجراف النهر فحين طفا الطفل رآه عقاب فانقض عليه وشبك مخالبه في قماطه وخرج به إلى الصحراء فأمرت جماعة أني ركضوا نحو العقاب ومشيت أيضاً فإذا العقاب وقع على الأرض واشتغل بخرق القماط فأدركه القوم وصاحوا به فطار وترك الصبي فلحقناه فإذا هو سالم يبكي فرددناه إلى أمه. وبها نهر زكوير بقرب مرند لا يخوضه الفارس فإذا وصل إلى قرب مرند يغور ولا يبقى له أثر ويجري تحت الأرض قدر أربعة فراسخ ثم يظهر على وجه الأرض أخبر به الشريف محمد بن ذي العقار العلوي المرندي. وبها نهر ذكر محمد بن زكرياء الرازي عن الجيهاني صاحب المسالك المشرقية ان باذربيجان نهراً ماؤه يجري فيستحجر ويصير صفائح حجر! وقال صاحب تحفة الغرائب: باذربيجان نهر ينعقد ماؤه صخراً صلداً كبيراً وصغيراً. وبها عين قال صاحب تحفة الغرائب: باذربيجان عين يجري الماء عنها وينعقد حجراً والناس يملأون قالب اللبن من ذلك الماء ثم يتركونه يسيراً فالماء في القالب يصير لبناً حجرياً. آرشت وناشقين ضيعتان من ضياع قزوين على ثلاثة فراسخ منها. من عجائبهما أن الحديد ينطبع بآرشت ولا ينطبع بناشقين ولو أوقدوا عليه ما أوقدوا وقدر الصباغ يستوي بناشقين ولا يستوي بارشت ولو أوقدوا تحتها ما أوقدوا فلا يكون بآرشت صباغ ولا بناشين حداد أصلاً. وإذا تحول أحد الصانعين إلى الموضع الآخر لم ينجع عمله وهذا شيء مشهور يعرفه أهل تلك البلاد. آمل مدينة بطبرستان مشهورة. حدثني الأمير أبو المؤيد حسام الدين بن النعمان أنه إذا دخلها شيء من الضائنة وإن كانت من أسمن ما يكون تهزل بها جداً بهزل لا يقال إلى هزال المعز. وذكر أنه أخبر بذلك فأمر أن يساق عدة رؤوس من الضائنة. قال: رأيتها بعد ستة أشهر عظاماً مغشية بجلود وبقيت الألايا كالأذناب. أبلة كورة بالبصرة طيبة جداً نضرة الأشجار متجاوبة الأطيار متدفقة الأنهار مؤنقة الرياض والأزهار لا تقع الشمس على كثير من أراضيها ولا تبين القرى من خلال أشجارها. قالوا: جنان الدنيا أربع: أبلة البصرة وغوطة دمشق وصغد سمرقند وشعب بوان.والأبلة جانبان: شرقي وغربي أما الشرقي فيعرف بشاطيء عثمان قديماً وهو عثمان بن ابان بن عثمان بن عفان وهو العامر الآن بها الأشجار والأنهار والقرى والبساتين وهو على دجلة. وأنهارها مأخوذة من دجلة. وبها أنواع الأشجار وأجناس الحبوب وأصناف الثمار لا تكاد تبين قراها في وسطها من التفاف الأشجار. وبها مشهد كان مسلحة لعمر بن الخطاب وكانت بها شجرة سدر عظيمة كل غصن منها كنخلة ودورة ساقها سبعة أذرع والناس يأخذون قشرها ويتبخرون به لدفع الحمى وكان ينجع وذكروا انه قلما يخطيء. فلما ولي بابكين البصرة أشاروا إليه بقطعها لمصلحة وكان قد ولي البصرة مدة طويلة وحسنت سيرتهم وكان هو في نفسه رجلاً خيراً فلما قطعها أنكر الناس فعزل عن قريب عن البصرة. وأما الجانب الغربي من الابلة فخراب غير ان فيه مشهداً يعرف بمشهد العشار وهو مشرف على دجلة وهو موضع شريف قد اشتهر بين الناس ان الدعاء فيه مستجاب. وكان في قديم الزمان بهذا الجانب بنيان مشرف على دجلة وبساتين وقصور في وسطها وكان الماء يجري في دورها وقصورها وقد امتحقت الآن آثارها فسبحان من لا يعتريه التغير والزوال! مدينة بأرض الجبال كثيرة المياه والأشجار بناها سابور ذو الأكتاف. قالوا: كانت عيوناً كلها فسدها سابور بالصوف والجلود وبنى المدينة عليها وهي في غاية النزاهة من طيب الهواء وكثرة المياه والبساتين وخارجها أطيب من داخلها. بها بساتين يقال لها بهاء الدين اباد لم ير أكبر منها طولاً وعرضاً. وهي عامة ينزل فيها القفل والعساكر لا يمنع أحد منها. ولها قهندز يتحصن بها من خالف صاحب البلاد فبطلوها والآن قالوا يأوي إليها السباع لا يجسر أحد أن يأتيها. بها عين كل نصل يسقى من مائها يبقى حاداً قطاعاً جداً. والمدينة كلها مشتملة على طواحين تدور على الماء وأكثر ثمارها العنب والجوز ونوع من الكمثرى مدورة في حجم النارنج يقال لها العباسي لذيذة جداً ما في البلاد شيء مثلها وعندهم من ذلك كثير جداً يحملونها إلى البلاد للبيع ويعلقونها حتى يأكلوها طول شتائهم يتفكهون بها. وأهلها أحسن الناس صورة كلهم أهل السنة لا يوجد فيهم إلا كذلك. وفيهم أدباء وفضلاء ولهم اجتماع كلمة على دفع ظلم الولاة لا يغلبم وال أي وقت رأوا منه خلاف عادة قاموا كلهم قيام رجل واحد لدفعه. ينسب إليها الشيخ أبو بكر الطاهري كان من الابدال معاصر الشبلي. وله بأبهر رباط ينسب إليه وفي رباطه سرداب يدخل فيه كل جمعة ويخرج بأرض دمشق ويصلي الجمعة بجامع دمشق وهذا حديث مشهور عندهم. وذكروا أن رجلاً تبعه ذات يوم فإذا هو بأرض لم يرها أبداً والناس مجتمعون لصلاة الجمعة فسأل بعضهم عن ذلك الموضع فضحك وقال: أنت في دمشق وتسأل عنها! فقام طالع المدينة فلما عاد لم يجد الشيخ هناك فجعل ينادي ويقول للناس ما جرى له فلا يصدقه أحد إلا رجل صالح قال له: دع عنك هذا الجزع وانتظره يوم الجمعة المستقبلة فإذا حضر الشيخ ارجع معه! فلما حضر الشيخ في الجمعة الأخرى تمسك بذيله فقال له: لا تذكر هذا لأحد وأنا آخذك معي! ثم أخذه معه وعاد به إلى مكانه وهذه حكاية مشهورة عنه بأبهر. وتنسب إليها سكينة الابهرية كانت في زمن الشيخ أبي بكر. وينسب إليها الوزير الفاضل الكامل أبو عمرو الملقب بكمال الدين كان حاله شبيهاً بحال إبراهيم بن أدهم وكان وزيراً بقزوين وكان رجلاً لطيفاً فطناً شاعراً بالعربية والعجمية محباً لأهل الخير في زمان وزارته. فإذا في بعض الأيام ركب في موكبه ومماليكه وحواشيه فلما خرج عن المدينة قال لمماليكه: أنتم أحرار لوجه الله! ونزل عن الدابة ولبس اللباد وذهب إلى بيت المقدس وكان يحمل الحطب على ظهره ثم عاد إلى الشام وكان بها إلى أن توفي في سنة تسعين وخمسمائة.مدينة بخراسان بقرب سرخس بناها باورد بن جودرز وانها مدينة وبيئة رديئة الماء من شرب من مائها يحدث به العرق المديني أما الغريب فلا يفوته البتة وأما المقيم ففي أكثر أوقاته مبتلى به. ينسب إليها أبو علي الفضيل بن غياض كان أول أمره يقطع الطريق بين سرخس وأبيورد حتى كان في بعض الربط في بعض الليالي وفي الرباط قفل فيقول بعضهم: قوموا لنرحل! فيقول البعض الآخر: اصبروا فإن الفضيل في الطريق فقال لنفسه: أنت غافل والناس يفزعون منك أعود بالله من هذه الحالة! فتاب وذهب إلى مكة وأقام بها إلى أن مات. وحدث سفيان بن عيينة: لما حج الرشيد ذهب إلى زيارة الفضيل ليلاً فلما دخل عليه قال لي: يا سفيان أيهم أمير المؤمنين فأومأت إليه وقلت: هذا! فقال: أنت الذي تقلدت أمر هذا الخلق بأحسن الوجه لقد تقلدت أمراً عظيماً! فبكى الرشيد وأمر له بألف دينار فأبى أن يقبلها فقال: أبا علي ان لم تستحلها فأعطها ذا دين واشبع بها جائعاً واكس بها عارياً! فأبى فلما خرج الرشيد قلت له: أخطأت لو أخذت وصرفت في شيء من أبواب البر! فأخذ بلحيتي وقال: أبا محمد أنت فقيه البلد وتغلط مثل هذا الغلط لو طابت لأولئك لطابت لي! وحكي أن الفضيل رؤي يوم عرفة على عرفات يبكي إلى آخر النهار ثم أخذ بلحيته وقال: واخجلتاه وإن غفرت! ومضى. وحكي انه كان في جبل من جبال منى فقال: لو أن ولياً من أولياء الله أمر هذا الجبل أن يمتد لامتد! فتحرك الجبل فقال الفضيل: اسكن لم أردك لهذا! فسكن الجبل. ولد الفضيل بسمرقند ونشأ بأبيورد ومات بمكة سنة سبع وثمانين ومائة. إربل مدينة بين الزابين لها قلعة حصينة لم يظفر بها التتر مع أنهم ما فاتهم شيء من القلاع والحصون بها مسجد يسمى مسجد الكف فيه حجر عليه أثر كف إنسان ولأهل إربل فيه أقاويل كثيرة ولا ريب انه شيء عجيب. ينسب إليها الملك مظفر الدين كوكوبري بن زين الدين علي الصغير. كان ملكاً شجاعاً جواداً غازياً له نكايات في الفرنج يتحدث الناس بها وكان معتقداً في أهل التصوف بنى لهم رباطاً لم يزل فيه مائتا صوفي شغلهم الأكل والرقص في كل ليلة جمعة. وكل من جاءه من أهل التصوف آواه وأحسن إليه وإذا أراد السفر أعطاه ديناراً. ومن أتاه من أهل العلم والخير والصلاح أعطاه على قدر رتبته. وفي العاشر من ربيع الأول كان له دعوات وضيافات وفي هذا الوقت يجتمع عنده خلق كثير من الأطراف. وفي اليوم الثاني عشر مولد النبي عليه السلام كان له دعوة عظيمة يحضرها جميع الحاضرين ويرجع كل واحد بخير. وكان يبعث إلى الفرنج أموالاً عظيمة يشترى بها الأسارى. عمر عمراً طويلاً ومات سنة تسع وعشرين وستمائة. اردبهشتك قرية من قرى قزوين على ثلاثة فراسخ منها. من عجائبها عين ماء من شرب منها انطلق انطلاقاً عظيماً ويقصدها الناس من الأطراف في فصل الربيع لتنقية الباطن وبينها وبين قزوين نهر إذا جاوزوا بمائها ذلك النهر تبطل خاصيته وقد حمل من ذلك الماء إلى قزوين في جرار واستعمل ولم يعمل شيئاً. ومن خاصية هذا الماء ان أحداً يقدر أن يشرب منه خمسة أرطال أو ستة بخلاف غيره. أردبيل مدينة بآذربيجان حصينة طيبة التربة عذبة الماء لطيفة الهواء في ظاهرها وباطنها أنهار كثية ومع ذلك فليس بها شيء من الأشجار التي لها فاكهة. والمدينة في فضاء فسيح وأحاط بجميع ذلك الفضاء الجبال بينها وبين المدينة من كل صوب مسيرة يوم. ومن عجائبها أنه إذا بناها فيروز الملك وهي من البحر على يومين بينهما دخلة شعراء عظيمة كثيرة الشجر جداً يقطعون منها الخشب الذي منه الأطباق وقصاع الخلنج. وفي المدينة صناع كثير لإصلاحها. ومن عجائبها ما ذكره أبو حامد الأندلسي قال: رأيت خارج المدينة في ميدانها حجراً كبيراً كأنه معمول من حديد أكبر من مائتي رطل إذا احتاج أهل المدينة إلى المطر حملوا ذلك الحجر على عجلة ونقلوه إلى داخل المدينة فينزل المطر ما دام الحجر فيها فإذا أخرج منها سكن المطر. والفأر بها كثير جداً بخلاف سائر البلاد وللسنانير بها عزة ولها سوق تباع فيه ينادون عليها انها سنورة صيادة مؤدبة لا هرابة ولا سراقة ولها تجار وباعة ودلالون ولها راضة وناس يعرفون. قال سندي بن شاهك وهو من الحكماء المشهورين: ما أعناني سوقة كما أعناني أصحاب السنانير يعمدون إلى سنور يأكل الفراخ والحمام ويكسر قفص القماري والحجل والوراشين ويجعلونه في بستوقة يشدون رأسها ثم يدحرجونها على الأرض حتى يأخذه الدوار فيجعلونه في القفص مع الفراخ فيشغله الدوار عن الفراخ. فإذا رآه المشتري رأى عجيباً وظن انه ظفر بحاجته فيشتريه بثمن جيد فإذا مضى به إلى البيت وزال دواره يبقى شيطاناً يأكل جميع طيوره وطيور جيرانه ولا يترك في البيت شيئاً إلا سرق وأفسد وكسر فيلقى منه التباريح.وأهل أردبيل مشهورون بكثرة الأكل حكى بعض التجار قال: رأيت بها راكباً وقدامه طبول وبوقات سألت عن شأنه فقالوا: إنه تراهن على أكل تسعة أرطال أرز ورأس بقر وقد فعل ورطل أردبيل ألف وأربعون درهماً وأرزهم إذا طبخ يصير ثلاثة أضعاف فإنه قد غلب. http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif أرسلان كشاد قلعة كانت على فرسخين من قزوين على قلة جبل. ذكر أن الإسماعيلية في سنة خمس وتسعين وخمسمائة جاؤوا بالآلات على ظهر الدواب إليها في ليلة فلما أصبح أهل قزوين سدت مسالكها فصعب عليهم ذلك فشكوا إلى ملوك الأطراف فما أفادهم ذلك شيئاً حتى قال الشيخ علي اليوناني وكان صاحب كرامات وعجائب: أنا أكشف عنكم هذه الغمة! فكتب إلى خوارزمشاه تكش بن ايل ارسلان بن اتسز: بعلامة انك كنت في ليلة كذا وكذا كنت وحدك تفكر في كذا وكذا انهض لدفع هذا الشر عن أهل قزوين وإلا لتصابن في ملكك ونفسك! فلما قرأ خوارزمشاه كتابه قال: هذا سر ما اطلع عليه غير الله! فجاء بعساكره وحاصر القلعة وأخذها صلحاً وشحنها بالسلاح والرجال وسلمها إلى المسلمين وعاد. وكانت الباطنية قد نقبوا طريقاً من القلعة إلى خارجها وأخفوا بابها فدخلوا من ذلك النقب ليلاً فلما أصبحوا كانت القلعة تموج من الرجال الباطنية فقتلوا المسلمين وملكوا القلعة فبعث الشيخ إلى خوارزمشاه مرة أخرى فجاء بنفسه وحاصرها بعساكره وأهل قزوين شهرين والباطنية عرفوا أن السلطان لا يرجع دون العرض فاختاروا تسليمها على أمان من فيها فأجابهم السلطان إلى ذلك. قالوا: نحن ننزل عن القلعة دفعتين فإن لم تتعرضوا للفرقة الأولى تنزل الثانية والقلعة لكم وإن تعرضتم للفرقة الأولى فالفرقة الثانية تمنعكم عن القلعة. فلما نزلوا خدموا للسلطان وذهبوا كلهم فانتظر المسلمون نزول الفرقة الثانية فما كان فيها أحد نزلوا كلهم دفعة فأمر السلطان بتخريبها وابطال حصانتها وهي كذلك إلى زماننا هذا والله الموفق. أرمية بلدة حصينة بآذربيجان كثيرة الثمرات واسعة الخيرات بقربها بحيرة يقال لها بحيرة أرمية وهي بحيرة كريهة الرائحة لا سمك فيها. وفي وسط البحيرة جزيرة بها قرى وجبال وقلعة حصينة حولها رساتيق لها مزارع واستدارة البحيرة خمسون فرسخاً يخرج منها ملح يجلو شبه التوتيا وعلى ساحلها مما يلي الشرق عليون ينبع الماء منها وإذا أصابه الهواء يستحجر. ومن عجائبها ما ذكر صاحب تحفة الغرائب: ان في بطائح بحر ارمية سمكة تتخذ من دهنها ومن الموم شمعة وتنصب على طرف سفينة فارغة تخلى على وجه الماء فإن السمك يأتي بنور ذلك الشمع ويرمي نفسه في السفينة حتى تمتليء السفينة من السمك ولتكن سفينة مقعرة حتى لا يفلت السمك منها. أستوناوند قلعة مشهورة بدنباوند من أعمال الري. وهي من القلاع القديمة والحصون الحصينة عمرت منذ ثلاثة آلاف سنة لم يعرف انها أخذت قهراً إلى أن تحصن بها ابن خوارزمشاه ركن الدين غورسايحي عند ورود التتر سنة ثماني عشرة وستمائة وقد عرض عليه استوناوند وأردهن فترجح استوناوند في نظره مع حصانة أردهن. قالوا: لو كان على اردهن رجل واحد لم تؤخذ منه قهراً أبداً إلا إذا أعوزته الميرة فتحصن بها فعلم التتر به ونزلوا عليها وجمعوا حطباً كثيراً جعلوه حولها ثم أضرموا في النار فانصدع صخرها وتفتت وزالت حصانتها ثم صعدوا وابن خوارزمشاه قاتل حتى قتل. أسفجين قرية من قرى همذان من ناحية يقال لها ونجر بها منارة الحوافر وهي منارة عالية من حوافر حمر الوحش حكى أحمد بن محمد بن إسحق الهمذاني أن شابور بن أردشير الملك حكم منجموه انه يزول الملك عنه ويشقى ثم يعود إليه فقال لهم: ما علامة عود الملك قالوا: إذا أكلت خبزاً من الذهب على مائدة من الحديد! فلما ذهب ملكه خرج وحده تخفضه أرض وترفعه أخرى إلى أن صار إلى هذه القرية فأجر نفسه من شيخ القرية يزرع له نهاراً ويطرد الوحش عن الزرع ليلاً فبقي على ذلك مدة وكانت نفسه نفس الملوك فرأى شيخ القرية منه أمانة وجلادة فزوج بنته منه فلما تم على ذلك أربع سنين وانقضت أيام بؤسه اتفق ان كان في القرية عرس اجتمع فيه رجالهم ونساؤهم وكانت امرأة شابور تحمل إليه كل يوم طعامه فكانت في ذلك اليوم اشتغلت عنه إلى ما بعد العصر. فلما ذكرت عادت إلى بيتها فما وجدت إلا قرصين من الدخن فحملتهما إليه فوجدته يسقي الزرع وبينها وبينه ساقية. فمد المسحاة إليها فجعلت القرصين عليها فقعد يأكلهما فتذكر قول المنجمين: أكل خبز الذهب على مائدة الحديد. فعرف أن أيام البؤس انقضت فظهر للناس واجتمع عليه العساكر وعاد إلى ملكه. فقالوا: ما أشد شيء عليك في أيام البؤس قال: طرد الوحوش عن الزرع بالليل! فصادوا في ذلك الموضع من حمر الوحش ما لا يحصى وأمر أن يبنى من حوافرها منارة فبنوا منارة ارتفاعها خمسون ذراعاً ودورتها ثلاثون مصمتة بالكلس والحجارة وحوافر الوحش حولها مسمرة بالمسامير والمنارة مشهورة في هذا الموضع إلى زماننا. أسفرايين بلدة بأرض خراسان مشهورة أهلها أهل الخير والصلاح. من مفاخرها أبو الفتوح محمد بن الفضل الاسفراييني. كان إماماً فاضلاً عالماً زاهداً أسرع الناس عند السؤال جواباً وأسكتهم عند الايراد خطاباً مع صحة العقيدة والخصال الحميدة وقلة الالتفات إلى الدنيا وذويها. سكن بغداد مدة فلما اعتزم العود إلى خراسان شكا إليه أصحابه من مفارقته فقال: لعل الله أراد أن تكون تربتي في جوار رجل صالح! فلما وصل إلى بسطام فارق الدنيا ودفن بجنب الشيخ أبي يزيد البسطامي. وحكى شيخ الصوفية ببسطام وهو عيسى بن عيسى قال: رأيت أبا يزيد في النوم يقول: يصل إلينا ضيف فأكرموه! فوصل في تلك الأيام الشيخ أبو الفتح وفارق الدنيا. وكنت جعلت لنفسي موضعاً عند تربة الشيخ أبي يزيد فآثرت الشيخ أبا الفتح به ودفنته بجنب أبي يزيد. اشتروين ضيعة كبيرة من ضياع قزوين على مرحلتين منها. انها كانت قرية غناء كثيرة الخيرات وافرة الغلات. نزل بها الشيخ نور الدين محمد بن خالد الجيلي وكان رجلاً عظيم الشأن صاحب الآيات والكرامات اتخذها وطناً وتزوج بها فحلت بها البركة وصارت أعمر مما كانت وأوفر ريعاً وأكثر أهلاً. وكان الشيخ يزرع بها شيئاً يسيراً فيحصل منه ريع كثير يفي بنفقته أهله وضيافة زواره. وكان الشيخ كثير الزوار يقصده الناس من الأطراف. ومن العجب انه وقع بتلك الأرض في بعض السنين جراد ما ترك رطبها ولا يابسها وما تعرضت لزرع الشيخ بسوء. وكانت تلك القرية محط الرحال ومحل البركة بوجود هذا الشيخ إلى أن جهلت سفهاؤها نعم الله تعالى عليهم بجوار هذا الشيخ فقالوا: ان زروعنا تيبس بسبب زرع الشيخ لأن الماء يقصر عن زروعنا بسبب زرعه! فلما سمع الشيخ ذلك فارق تلك القرية وتحول بأهله إلى قزوين في سنة أربع عشرة وستمائة. فلما خرج الشيخ منها كانت كبيت نزع عماده وانهارت قبابها وانقطع الماء الذي كانوا يبخلون به على الشيخ فأخرج دهاقينها أموالاً كثيرة لعمارة القناة فما أفادهم شيئاً. وإلى الآن هي خراب.مدينة عظيمة من أعلى المدن ومشاهيرها جامعة لأشتات الأوصاف الحميدة من طيب التربة وصحة الهواء وعذوبة الماء وصفاء الجو وصحة الأبدان وحسن صورة أهلها وحذقهم في العلوم والصناعات حتى قالوا: كل شيء استقصى صناع أصفهان في تحسينها عجز عنها صناع جميع البلدان قال الشاعر: لست آسى من أصفهان على شيءٍ ** سوى مائها الرّحيق الزّلال ونسيم الصّبا ومنخرق الرّي **ح وجوٍّ صافٍ على كلّ حال يبقى التفاح بها غضاً سنةً والحنطة ** لا تتسوس بها واللحم لا يتغير أياماً. المدينة القديمة تسمى جي قالوا: إنها من بناء الإسكندر. والمدينة العظمى تسمى اليهودية وذاك أن بختنصر أخذ أسارى بيت المقدس أهل الحرف والصناعات فلما وصلوا إلى موضع أصفهان وجدوا ماءها وهواءها وتربتها شبيهة ببيت المقدس فاختاروها للوطن وأقاموا بها وعمروها. وهي مدينة ترابها كحل وحشيشها زعفران وونيم ذبابها عسل. من عجائبها أمر تفاحها فإنها ما دامت في أصفهان لا يكون لها كثير رائحة فإذا أخرجت منها فاحت رائحتها حتى لو كانت تفاحة في قفل لا يبقى في القفل أحد إلا يحس برائحتها. وبها نوع من الكمثرى يقال له ملجي ليس في شيء من البلاد مثله. وإذا وصلوا شجرة الكمثرى ولصناعها يد باسطة في تدقيق الصناعات لا ترى خطوطاً كخطوط أهل أصفهان ولا تزويقاً كتزويقهم وهكذا صناعهم في كل فن فاقوا جميع الصناع حتى ان نساجها ينسج خماراً من القطن أربعة أذرع وزنها أربعة مثاقيل. والفخار يعمل كوزاً وزنه أربعة مثاقيل يسع ثمانية أرطال ماء وقس على هذا جميع صناعاتهم. وأما أرباب العلوم كالفقهاء والأدباء والمنجمين والأطباء فأكثر من أهل كل مدينة سيما فحول الشعراء أصحاب الدواوين فاقوا غيرهم بلطافة الكلام وحسن المعاني وعجيب التشبيه وبديع الاقتراح مثل رفيع فارسي دبير وكمال زياد وشرف شفروه وعز شفروه وجمال عبد الرزاق وكمال إسماعيل ويمن مكي. فهؤلاء أصحاب الدواوين الكبار لا نظير لهم في غير أصفهان. وينسب إليها الأديب الفاضل أبو الفرج الأصفهاني صاحب كتاب الأغاني ذكر في ذلك أخبار العرب وعجائبها وأحسن أشعارهم. كتاب في غاية الحسن كثير الفوائد لم يسبقه في ذلك أحد. وينسب إليها الأستاذ أبو بكر بن فورك كان أشعرياً لا تأخذه في الله لومة لائم درس ببغداد مدة. وكان جامعاً لأنواع العلوم صنف أكثر من مائة مجلد في الفقه والتفسير وأصول الدين. ثم ورد نيسابور فبنوا له داراً ومدرسة قال الأستاذ أبو القاسم القشيري: حكى أبو بكر بن فورك قال: حملت إلى شيراز مقيداً لفتنة في الدين فوافينا البلد ليلاً فلما أسفر النهار ورأيت في مسجد على محرابه مكتوباً: أليس الله بكاف عبده فعلمت أن الأمر سهل وطبت به نفساً وكان الأمر كذلك ثم دعي إلى غزنة وجرت له بها مناظرات مع الكرامية. فلما عاد سم في الطريق ودرج ودفن بنيسابور ومشهده ظاهر بها يستسقى به ويجاب الدعاء فيه. وينسب إليها الحافظ أبو نعيم الأصفهاني واحد عصره وفريد دهره. هو صاحب حلية الأولياء وله تصانيف كثيرة وله كرامات: حكي أن أهل أصفهان تعصبوا عليه ومنعوه من الجامع فبعث السلطان محمود إليهم والياً فوثبوا إليه وقتلوه فذهب السلطان إليهم بنفسه وآمنهم حتى اطمأنوا ثم قصدهم يوم الجمعة وأخذ أبواب الجامع وقتل فيهم مقتلة عظيمة. فمن كان في الجامع قتل والحافظ أبو نعيم كان ممنوعاً من الجامع فسلم. وينسب إليها صدر الدين عبد اللطيف الخجندي. كان رئيساً مطاعاً في أصفهان عالماً واعظاً شاعراً يهابه السلاطين ويتبعه مائة ألف مسلح: محمد بن ايلدكز أتابك السلجوقية أخذه معه لا يخليه يرجع إلى أصفهان مدة مديدة لأنه ما أراد أن يقبض عليه ظاهراً ولا أن يخليه لأنه يخاف شره فكان يستصحبه فاتخذ يوماً مجلس الوعظ وأتابك حاضر في ملجس وعظه وله ابنان صغيران واقفان بين يديه فصدر الدين شاهد ذلك على المنبر فاتخذ الفرصة وأنشد: شاه با بندكان جفا نكند وركند رحمتش رها نكند هر كرا طفلكان خرد بود بدر از طفلكان جدا نكند بكى أتابك بكاء شديداً وكان ملكاً عادلاً رحيماً رحمه الله. وتوفي صدر الدين في شوال سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة. ذكر أن أهل أصفهان موصوفون بالشح. نقل عن الصاحب أبي القاسم بن عباد وزير مجد الدولة من آل بويه انه كان يقول لأصحابه إذا أراد دخول أصفهان: من له حاجة فليسأل قبل دخول أصفهان فإني إذا دخلتها وجدت في نفسي شحاً لم أجد في غيرها! حكى رجل أنه تصدق برغيف على ضرير بأصفهان فقال الضرير: أحسن الله غربتك! فقال الرجل: كيف عرفت غربتي قال: لأني منذ ثلاثين سنة ما أعطاني أحد رغيفاً صحيحاً! وحدث الأمير حسام الدين النعمان: أن البقر بأصفهان يقوى حتى لو حصل فيها أعجف ما يكون بعد مدة يسيرة يبقى قوياً سميناً حتى يعصي ولا ينقاد. بها مسجد يسمى مسجد خوشينه. زعموا أن من حلف كاذباً في هذا المسجد تختل أعضاؤه وهذا أمر مستفيض عند أهل أصفهان. بها نهر زرنروذ وهو موصوف بعذوبة الماء ولطافته يغسل الغزل الخشن بهذا الماء فيبقى ليناً ناعماً مثل الحرير مخرجه من قرية يقال لها بناكان ويجتمع إليه مياه كثيرة فيعظم أمره ويمتد ويسقي بساتين أصفهان ورساتيقها ثم يمر على مدينة أصفهان ويغور في رمال هناك. ويخرج بكرمان على ستين فرسخاً من الموضع الذي يغور فيه فيسقي مواضع بكرمان ثم يصب في بحر الهند. ذكر أنهم أخذوا قصبة وعلموها بعلائم وأرسلوها في الموضع الذي يغور فيه فوجدوها بعينها بأرض كرمان فاستدلوا بذلك على أنه نهر زرنروذ. أفشنة قرية من ناحية خرميثن من ضياع بخارى قال أبو عبيد الجوزجاني: حدثني أستاذي أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا أن أباه كان من بلخ انتقل إلى بخارى في زمن نوح بن نصر الساماني وتصرف في الأعمال وتزوج بأفشنة فولدت بها وطالعي السرطان والمشتري والزهرة فيه والقمر وعطارد في السنبلة والمريخ في العقرب والشمس في الأسد وكان المشتري في السرطان على درجة الشرف والشعرى مع الرأس على درجة الطالع فكانت الكواكب كلها في الحظوظ قال: فلما بلغت سن التمييز سلمني إلى معلم القرآن ثم إلى معلم الأدب فكان كل شيء قرأه الصبيان على الأديب احفظه والذي كلفني أستاذي كتاب الصفات وكتاب غريب المصنف ثم أدب الكتاب ثم إصلاح المنطق ثم كتاب العين ثم شعر الحماسة ثم ديوان ابن الرومي ثم تصريف المازني ثم نحو سيبويه فحفظت تلك الكتب في سنة ونصف ولولا تعويق الأستاذ لحفظتها بدون ذلك وهذا مع حفظي وظائف الصبيان في المكتب. فلما بلغت عشر سنين كانوا في بخارى يتعجبون مني ثم شرعت في الفقه فلما بلغت اثنتي عشرة سنة صرت أفتي في بخارى على مذهب أبي حنيفة ثم شرعت في علم الطب وصنفت القانون وأنا ابن ست عشرة سنة فمرض نوح بن نصر الساماني فجمعوا الأطباء لمعالجته فجمعوني أيضاً معهم فرأوا معالجتي خيراً من معالجات كلهم فصلح على يدي فسألت أن يوصي لخازن كتبه أن يعيرني كل كتاب طلبت ففعل فرأيت في خزانته كتب الحكمة من تصانيف أبي نصر بن طرخان الفارابي فاشتغلت بتحصيل الحكمة ليلاً ونهاراً حتى حصلتها. فلما انتهى عمري إلى أربع وعشرين كنت أفكر في نفسي أنه لا شيء من العلوم لا أعرفه. إلى ههنا نقل الجوزجاني عن الشيخ الرئيس. وحكى غيره أن دولة السامانية لما انقرضت صارت مملكة ما وراء النهر لبني سبكتكين فلما ولي السلطان محمود سعى الحساد إلى السلطان في حق أبي علي فهرب من بخارى إلى خراسان واجتمع بصاحب نسا فإنه كان ملكاً حكيماً فأكرمه فعرف أعداؤه السلطان أنه عند صاحب نسا فقال لوزيره: اكتب إلى صاحب نسا ان ابعث إلينا رأس أبي علي! فكتب إلى صاحب نسا: ان كان أبو علي عندك فابعده سريعاً! وكتب بعد يوم على يد قاصد آخر ان ابعث إلينا رأس أبي علي. فلما وصل القاصد الأول أبعده فلما وصل الثاني قال: إنه كان عندنا فمشى منذ مدة! فعزم أبو علي طبرستان خدمة شمس المعالي قابوس بن وشمكير وكان ملكاً فاضلاً حكيماً فلما ورد طبرستان كان قابوس محبوساً في قلعة فأتى ارض الجبال مملكة آل بويه خائفاً فورد همذان وقصد فصاداً يفصد الناس. فطلب يوماً لفصد امرأة فلما رآها قال: الفصد لا يصلح لها وأبى. فطلبوا غيره فلما فصدها غشي عليها فقالوا لأبي علي: كنت أنت مصيباً فدبر أمرها. فوصف شيئاً من المقويات فصلحت فتعجبوا من ذكائه وقالوا: إنه طبيب جيد. ومرضت امرأة من بنات الملوك وعجز الأطباء عن علاجها فرآها أبو علي وقال: مرضها العشق! فأنكرت المرأة. قال أبو علي: إن شئتم أعين لكم من تعشقه! اذكروا أسامي من يكون صالحاً لذلك وأنا أجس نبضها! فلما ذكروا اسم معشوقها اضطرب نبضها وتغير حالها فعرف ذلك منها. قالوا: فما علاجها قال: ان العشق تمكن منها تمكناً شديداً إن لم تزوجوها تتلف! فاشتهر عند أهل همذان انه طبيب جيد حتى جاء ناس من بخارى خدموا لأبي علي خدمة الملوك. فسأل أهل همذان عنهم فقالوا: هذا أبو علي بن سينا. فعرف بهمذان وذكروا أن شمس الدولة صاحب همذان كان مبتلى بالقولنج فعالجه أبو علي فاستوزره شمس الدولة فبقي في وزارته مدة وكانت دولة آل بويه متزلزلة بين أولاد الأعمام يحارب بعضهم بعضاً فلقي من الوزارة تعباً شديداً حتى نهب داره وكتبه. فلما مات شمس الدولة وجلس ابنه مكانه استعفى أبو علي عن الوزارة واتصل بعلاء الدولة صاحب أصفهان وكان ملكاً حكيماً أكرم مثواه وكان عنده إلى أن فارق الدنيا سنة ثمان وعشرين وأربعمائة عن ثمان وخمسين سنة ودفن بهمذان. الموت قلعة حصينة من ناحية روذبار بين قزوين وبحر الخزر على قلة جبل وحولها وهاد لا يمكن نصب المنجنيق عليها ولا النشاب يبلغها. وهي كرسي ملك الإسماعيلية قيل: ان بعض ملوك الديلم أرسل عقاباً للصيد وتبعها فرآها وقعت على هذا الموضع فوجده موضعاً حصيناً فاتخذه قلعة وسماها إله أموت أي تعليم العقاب بلسان الديلم. ومنهم من قال: اسم القلعة بتاريخها لأنها بنيت في سنة ست وأربعين وأربعمائة وهي م و ت. ينسب إليها حسن الصباح داعي الباطنية وكان عارفاً بالحكمة والنجوم والهندسة والسحر ونظام الملك كان يكرمه لفضله فقال يوماً بطريق الفراسة: عما قريب يصل هذا جمعاً من ضعفاء العوام! فذهب الصباح إلى مصر ودخل على المستنصر واستأذن منه أن يدعو الناس إلى بيعته وكان خلفاء مصر يزعمون أنهم من نسل محمد بن إسماعيل بن جعفر فعاد الصباح إلى بلاد العجم حتى وصل إلى ناحية روذبار فرأى شخصاً على غصن شجرة وهو يضرب أصل الغصن بالفأس فقال في نفسه: لا أجد قوماً أجهل من هؤلاء! فألقى جرانه هناك وأظهر النسك وكان كوتوال الموت رجلاً علوياً حسن الظن في الصباح فأحكم الصباح أمره مع الناس وأخرج العلوي من القلعة. وكان معه صبي قال هو من نسل محمد بن إسماعيل والإمامة كانت لأبيه والآن له واحكم أساس دعوته فيهم وقال للقوم: لا بد للناس من معلم ومعلمكم هذا الصبي وطاعة هذا المعلم واجب عليكم فإذا رضي عنكم سعدتم في الدنيا والآخرة ولا حاجة بكم إلى شيء سوى طاعة المعلم. فاستخف قومه فأطاعوه حتى صاروا يفدون أنفسهم له فلما عرف علماء الإسلام اعتقادهم وإخلالهم بأركان الدين افتوا بإلحادهم وجعلوا يغزونهم ويسبون منهم فقتلوا جمعاً من العظماء على يد الفداية منهم: الخليفة المسترشد ونظام الملك وبكتمر صاحب أرمن وانقلمس صاحب العراق. فخاف منهم ملوك جميع الأطراف. وفي زمن المستعصم ظهر شخص باليمن يدعي الخلافة فاجتمع عليه قوم بعثوا إليه فقتلوه وكانت شوكتهم باقية إلى أن قتلوا واحداً من عظماء التتر فحاصروهم سبع سنين فتلفوا على القلاع جوعاً وهلكوا ومنهم من نزل فقتلوهم عن آخرهم واندفع شرهم. |
بلخ مدينة عظيمة من أمهات بلاد خراسان. بناها منوجهر بن ايرج بن افريدون. أهلها مخصوصون بالطرمذة من بين سائر بلاد خراسان. كان بها النوبهار وهو أعظم بيت من بيوت الأصنام. لما سمع ملوك ذلك الزمان بشرف الكعبة واحترام العرب إياها بنوا هذا البيت مضاهاة للكعبة وزينوه بالديباج والحرير والجواهر النفية ونصبوا الأصنام حوله. والفرس والترك تعظمه وتحج إليه وتهدي إليه الهدايا. وكان طول البيت مائة ذراع في عرض مائة وأكثر من مائة ارتفاعاً وسدانته للبرامكة وملوك الهند والصين يأتون إليه فإذا وافوا سجدوا للصنم وقبلوا يد برمك. وكان برمك يحكم في تلك البلاد كلها ولم يزل برمك بعد برمك إلى أن فتحت خراسان في أيام عثمان بن عفان رضي الله عنه وانتهت السدانة إلى برمك أبي خالد فرغب في الإسلام وسار إلى عثمان وضمن المدينة بمال وفتح عبد الله بن عامر بن كريز خراسان وبعث إلى النوبهار الأحنف بن قيس بن الهيثم فخربها. ينسب إليها من المشاهير إبراهيم بن أدهم العجلي رحمه الله كان من ملوك بلخ وكان سبب تركه الدنيا انه كان في بعض متصيداته يركض خلف صيد ليرميه فالتفت الصيد إليه وقال: لغير هذا خلقت يا إبراهيم! فرجع ومر على بعض رعاته ونزل عن دابته وخلع ثيابه وأعطاها للراعي ولبس ثياب الراعي واختار الزهد. وحكي أنه ركب سفينة في بعض أسفاره فلما توغل في البحر طالبه الملاح بالأجرة وألح عليه فقال له إبراهيم: اخرجني إلى هذه الجزيرة حتى أؤدي أجرتك! فأخرجه إليها وذهب معه فصلى إبراهيم ركعتين وقال: إلهي يطلب أجرة السفينة! فسمع قائلاً يقول: خذ يا إبراهيم. فمد يده نحو السماء وأخذ دينارين دفعهما إلى الملاح وقال: لا تذكر هذا لأحد! ورجعا إلى السفينة فهبت ريح عاصف واضطربت السفينة فأشرفت على الهلاك فقال الملاح: اذهبوا إلى هذا الشيخ ليدعو الله. فذهب القوم إليه وهو مشغول بنفسه في زاوية قالوا: إن السفينة أشرفت على الهلاك ادع الله تعالى لعله يرحمنا! فنظر إبراهيم بموق عينه نحو السماء وقال: يا مرسل الرياح من علينا بالعاطفة والنجاح! فسكنت الريح في الحال. وحكي أنه مر به بعض رعاته من بلخ فرآه جالساً على طرف ماء يرقع دلقاً فجلس إليه يعيره بترك الملك واختيار الفقر فرمى إبراهيم إبرته في الماء وقال: ردوا إلي إبرتي! فأخرج سمك كثير من الماء رؤوسها وفي فم كل واحدة إبرة من الذهب. فقال: لست أريد غير إبرتي! وحكي أنه اجتاز به جندي سأل منه الطريق فأشار إلى المقبرة فتأذى الرجل الجندي وضربه فشج رأسه. فلما عرف انه إبراهيم جاء إليه معتذراً فقال له: إنك وقت ضربتني دعوت لك لأنك حصلت لي ثواباً فقابلت ذلك بالدعاء. وحكي أن إبراهيم كان ناطوراً في بستان بأجرة فإذا هو نائم وحية تروحه بطاقة نرجس. وجاءه رجل جندي يطلب منه شيئاً من الثمرة وهو يقول: أنا ناطور ما أمرني صاحب البستان ببذل شيء منها! فجعل الجندي يضربه وهو يقول: اضرب على رأس طالما عصى الله تعالى! توفي سنة إحدى وستين ومائة. وينسب إليها أبو علي شقيق بن إبراهيم البلخي من كبار مشايخ خراسان أستاذ حاتم الأصم. وكان أول أمره رجلاً تاجراً سافر إلى بلاد الهند. دخل بيتاً من بيوت الأصنام فرأى رجلاً حلق رأسه ولحيته يعبد الصنم فقال له: ان لك إلهاً خالقاً رازقاً فاعبده ولا تعبد الصنم فإنه لا يضر ولا ينفع! فقال عابد الصنم: إن كان كما تقول فلم لا تقعد في بيتك وتتعب للتجارة فإنه يرزقك في بيتك فتنبه شقيق لقوله وأخذ في طريق الزهد. وحكي أن أهله شكت إليه من الفاقة فقام يظهر أنه يمشي إلى شغل الطين ودخل بعض المساجد وصلى إلى آخر النهار وعاد إلى أهله وقال: عملت مع الملك فقال اعمل أسبوعاً حتى أوفيك أجرتك دفعة واحدة. وكان كل يوم يمشي إلى المسجد ويصلي فلما كان اليوم السابع قال في نفسه: لو لم يكن اليوم معي شيء تخاصمني أهلي! فأجر نفسه من شخص ليعمل له يومه وأهله تنتظر مجيئه آخر النهار بأجرة الأيام إذ دق الباب أحد وقال: بعثني الملك بأجرة الأيام التي عمل له فيها شقيق ويقول لشقيق: ما الذي صدك عنا حتى اشتغلت اليوم بشغل غيرنا فذهبت المرأة إليه فسلم إليها صرة فيها سبعون ديناراً. وحكى حاتم الأصم أن علي بن عيسى بن ماهان كان أمير بلخ وكان يحب كلاب الصيد ففقد كلب من كلابه يوماً فاتهم به جار شقيق فاستجار به فدخل شقيق على الأمير وقال: خلوا سبيله فإني أرد لكم كلبكم إلى ثلاثة أيام فخلوا سبيله فانصرف شقيق مهتماً لما صنع فلما كان اليوم الثالث كان رجل من أهل بلخ غائباً وكان من رفقاء شيق وكان لشقيق فتىً وهو رفيقه رأى في الصحراء كلباً في رقبته قلادة فقال: أهديه إلى شقيق. فحلمه إليه فإذا هو كلب الأمير سلمه إليه. استشهد شقيق في غزوة كولان سنة أربع وتسعين ومائة. وينسب إليها أبو حامد أحمد بن حضرويه من كبار مشايخ خراسان. صحب أبا تراب النخشبي وكان زين العارفين أبو يزيد يقول: أستاذنا أحمد ذكر أنه اجتمع عليه سبعمائة دينار ديناً فمرض وغرماؤه حضروا عنده فقال: اللهم إنك جعلت الرهون وثيقةً لأرباب الأموال وأنت وثيقتي فادعني فدق بابه أحد وقال: اين غرماء أحمد وقضى عنه جميع ديونه ثم فارق الدنيا وذلك في سنة أربع ومائتين عن خمس وتسعين سنة. وينسب إليها عبد الجليل بن محمد الملقب بالرشيد ويعرف بوطواط. كان كاتباً للسلطان خوارزمشاه إتسز. وكان أديباً فاضلاً بارعاً ذا نظم ونثر بالعربية والعجمية والسلطان يحبه لا يفارقه ساعة لظرافته وحسن مجالسته فأمر أن يبنى له قصر بحذاء قصر السلطان حتى يحادثه من الروشن فأخرج الرشيد رأسه مرة من الروشن فقال السلطان: يا رشيد أرى رأس ذئب خارجاً من روشنك! فقال: أيها الملك ما هو رأس الذئب ذاك سجنجل أنا أخرجته! فضحك السلطان من عجيب جوابه! وحكي أن أحداً من أصحاب الديوان يستعير دوابه كثيراً فكتب إليه: بلغني من النوادر المطربة والحكايات المضحكة أن تاجراً استأجر حماراً من نيسابور إلى بغداد وكان حماراً ضعيفاً لا يمكنه السير ولا يرجى منه الخير إذا حرك سقط وإذا ضرب ضرط من مكاري قليل السكون كثير الجنون طول الطريق يبكي دماً ويتنفس الصعداء ندماً فبعد اللتيا والتي وصل إلى بغداد والحمار ضئيل ولم يبق من المكاري إلا القليل إذ سمع صيحةً هائلة تصرع القلوب وتشق الجيوب فالتفت المكاري فإذا المحتسب بدرته وصاحب الشرطة لابس ثوب شرته فقال المكاري: ماذا حدث قالوا: ههنا تاجر فاجر أخذ مع غلام الخطيب كالغصن الرطيب تواتر عليه الصفعات المغمية والضربات المدمية طلبوا حماراً وكان حمار المكاري حاضراً فتعادوا إليه وأركبوا التاجر عليه فالمكاري ذهب عنه القرار وينادي بالويل ويعدو خلف الحمار إلى أن طيف بجيمع المحال والبلد بغداد فلما كان المساء ردوا الحمار إلى المكاري جائعاً سلم الطوى إلى التوى والصدى إلى الردى! فأخذه المكاري مترحماً مد أذنيه وتفل ما بين عينيه وزاد في علفه خوفاً من تلفه. فلما دنا الصباح وظهر أثر النهار ولاح قرع سمعه صوت أهول من الصيحة الأمسية فالتفت المكاري فإذا المحتسب على الباب وصاحب الشرطة كاشر الناب فقال المكاري: ماذا حدث قالوا: ذاك التاجر أخذ مرة أخرى مع غلام القاضي كالسيف الماضي فأراد المكاري أن يواري الحمار فسبقت العامة إليه وأركبوا التاجر عليه والمكاري يعدو خلفه ويصيح بعين باكية وقلب جريح إلى أن طيف به في جميع المحال ثم ردوه إلى المكاري وقد أشرف على الهلاك ولا يقدر على الحراك فبات المكاري مسلوب القرار في مداواة الحمار فلما انتشرت أعلام الضوء في أقطار الجو صكت أذنه من الصيحتين الأوليين فالتفت فإذا المحتسب في الدرب وصاحب الشرطة منشمر للضرب فقال المكاري: ماذا حدث قالوا: ذاك التاجر أخذ مرة أخرى مع غلام الرئيس كالدر النفيس والعامة رأت حمار المكاري فعدت إليه فعدا المكاري إلى التاجر وقال: يا خبيث! ان لم تترك صنعتك الشنيعة ولم ترجع عن فعلتك القبيحة فاشتر حماراً يركبونك عليه كل يوم فقد أهلكت حماري وأزلت قراري! وها أنا أقول ما قال المكاري للتاجر إن أردت أن تكون كاتباً للأمير فهييء النقس والطرس وإلا فالزم البيت والعرس. بلد قرية من أعمال الموصل يقال لها بلد باشاي. حكى الشيخ عمر التسليمي وكان من أهل التصوف قال: وصلت إلى هذه القرية فلما كان وقت خروج نور الغبيراء اهتاج بنسائها شهوة الوقاع يستحيين من ذلك لغلبة الشهوة ولا قدرة للرجال على قضاء أوطرهن. فعند ذلك أخرجن إلى واد بقرب الضيعة وهن بها كالسنانير عند هيجانها إلى أن انقضت مدتهن ثم تراجعن إلى بيوتهن وقد عاد إليهن التمييز! قال: وسمعت أن كل سنة في هذا الوقت تحدث بهن هذه الحالة. بلور ناحية بقرب قشمير قال صاحب تحفة الغرائب: بها موضع في كل سنة ثلاثة أشهر يدوم فيه الثلج والمطر بحيث لا يرى فيها قرص الشمس. وحكي ان بهذه الأرض بيتاً فيه صنم على صورة امرأة لها ثديان وكل من طال مرضه وضجر منه يدخل على هذا الصنم ويمسح يده على ثديها فيتقاطر من ثديها ثلاث قطرات فيمزج تلك القطرات بالماء ويشرب فإما يزول مرضه أو يموت سريعاً ويستريح من تعب المرض. بنان موضع لست أعرف أرضه. ينسب إليه أبو الخير البناني صاحب العجائب رحمه الله. سمع بفضله إبراهيم بن المولد فذهب إليه فقام أبو الخير يصلي بالقوم فما أعجب إبراهيم قراءته الفاتحة فأنكر عليه في باطنه فعرف أبو الخير ذلك بنور الباطن. فلما فارقه إبراهيم وخرج من عنده اعترضه سبع وكانت صومعة أبي الخير في غيضة كان فيها سباع فعاد إلى الشيخ وقال: ان سبعاً صال علي! فخرج الشيخ وقال للسبع: ما قلت لكم لا تتعرضوا لأضيافي فولى الأسد وذهب فقال الشيخ: يا إبراهيم اشتغلتم بتقويم الظاهر ونحن اشتغلنا بتقويم الباطن فخفتم أنتم من السبع وخاف السبع منا! مدينة كبيرة من مدن خراسان ذات مياه وبساتين وأشجار كثيرة. ينسب إليها منصور بن عمار. كان واعظاً عظيماً عجيب الكلام طيب الوعظ مشهوراً حكى سليم بن منصور قال: رأيته في المنام فقلت: ما فعل الله بك قال: غفر لي وأدناني وقربني وقال: يا شيخ السوء أتدري لم غفرت لك قلت: لا يا رب! قال: انك جلست للناس يوماً فبكيتهم فبكى فيهم عبد من عبادي لم يبك من خشيتي قط فغفرت له ووهبت أهل المجلس له ووهبتك فيمن وهبت له. وحكي أن منصور بن عمار وجد رقعة عليها بسم الله الرحمن الرحيم فأخذها فلم يجد لها موضعاً فأكلها. فرأى في نومه قائلاً يقول: فتح الله عليك باب الحكمة باحترامك اسم الله تعالى. وحكى أبو الحسن السعدي قال: رأيت منصور بن عمار في النوم بعد موته فقلت: ما فعل الله بك فقال لي: قال أنت منصور بن عمار قلت: نعم يا رب! قال: أنت الذي تزهد في الدنيا وترغب فيها. قلت: قد كان ذلك ولكن ما اتخذت مجلساً إلا بدأت بالثناء عليك وثنيت بالصلاة على نبيك وثلثت بالنصيحة لعبادك. فقال: صدق! ضعوا له كرسياً يمجدني في سمائي بين ملائكتي كما مجدني في الأرض بين عبادي. والله الموفق. وحكي أن رجلاً شريفاً جمع يوماً ندماءه للشرب وسلم إلى غلامه أربعة دراهم ليشتري لهم بها فواكه فاجتاز الغلام بمجلس منصور بن عمار وكان يطلب لفقير أربعة دراهم فقال: من يعطي له أربعة دراهم ادعو له أربع دعوات. فدفع إليه الغلام الدراهم فقال منصور: ما الذي تريد من الدعوات فقال: أريد العتق! فقال: اللهم ارزقه العتق! قال: وما الآخر قال: أن يخلف الله علي دراهمي. فدعا له به. قال: وما الآخر قال: ان يتوب الله على سيدي. فدعا له به. قال: وما الآخر قال: أن يغفر الله لي ولك ولسيدي وللحاضرين. فدعا به. فلما رجع إلى سيده قال: ما الذي أبطأ بك فقص عليه القصة فقال: سألت لنفسي العتق. فقال: أنت حر لوجه الله تعالى! قال: وان يخلف علي الدراهم. قال: لك أربعة آلاف درهم. قال: وما الثالث قال: أن يتوب الله عليك. قال: تبت إلى الله عز وجل. قال: وما الرابع قال: أن يغفر الله لي ولك وله وللحاضرين. فقال: هذا ليس إلي! فلما نام رأى في نومه قائلاً يقول له: أنت فعلت ما كان إليك أترى اني لم أفعل ما إلي قد غفرت لك وللغلام وللحاضرين ولمنصور. http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif باخرز بلدة من بلاد خراسان. ينسب إليها أبو الحسن الباخرزي. كان أديباً فاضلاً بارعاً لطيفاً أشعاره في غاية الحسن ومعانيه في غاية اللطف. وله ديوان كبير أكثره في مدح نظام الملك وبعض الأدباء. التقط من ديوانه الأبيات العجيبة قدر ألف بيت سماه الأحسن. وكان بينه وبين أبي نصر الكندري مخاشنة في دولة بني سبكتكين فلما ظهرت الدولة السلجوقية ما كان أحد من العمال يجسر على الاختلاط بهم فأول من دخل معهم أبو نصر الكندري. استوزره السلطان طغرلبك فصار مالك البلاد. أحضر أبا الحسن الباخرزي وأحسن إليه وقال: إني تفاءلت بهجوك لي. إذا كان أوله أقبل فإن أبا الحسن هجاه بأبيات أولها: اقبل من كندرٍ مسخرةٌ للشّؤم في وجهه علامات واقطعوا باخرز لأمير زوج امرأة من نساء بني سلجوق فرأت أبا الحسن وقالت: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام على هذه الصورة. فصار محظوظاً عندهم وآخر الأمر قتل بسبب هذه المرأة وصار حسن صورته وبالاً عليه كريش الطاووس وشعر الثعلب. بيهق بليدة بخراسان.ينسب إليها الإمام أبو بكر أحمد البيهقي. كان أوحد زمانه في الحديث والفقه والأصول وله السنن الكبير وتصانيف كثيرة. كان على سيرة علماء السلف قانعاً من الدنيا بالقليل الذي لا بد منه. قال إمام الحرمين: ما من أحد من أصحاب الشافعي إلا وللشافعي عليه منة إلا البيهقي فإن له على الشافعي منة لأن تصانيفه كلها في نصرة مذهب الشافعي. حكى الفقيه أبو بكر بن عبد العزيز المروزي: رأيت في المنام تابوتاً يعلو فوقه نور نحو السماء فقلت: ما هذا قالوا: فيه تصانيف أبي بكر البيهقي. وحكى بعض الفقهاء قال: رأيت الشافعي قاعداً على سرير وهو يقول: استفدت من كتاب أحمد البيهقي حديث كذا وحديث كذا. تبريز مدينة حصينة ذات أسوار محكمة. وهي الآن قصبة بلاد آذربيجان. بها عدة أنهر والبساتين محيطة بها. زعم المنجمون أنها لا تصيبها من الترك آفة لأن طالعها عقرب والمريخ صاحبها فكان الأمر إلى الآن كما قالوا ما سلم من بلاد آذربيجان مدينة من الترك غير تبريز. وهي مدينة آهل كثيرة الخيرات والأموال والصناعات وبقربها حمامات كثيرة عجيبة النفع يقصدها المرضى والزمنى ينتفعون بها. وتحمل منها الثياب العتابي والسقلاطون والأطلس والنسج إلى الآفاق. ونقودها ونقود أكثر بلاد آذربيجان الصفر المضروب فلوساً. وقطاع الطنجير والهاون والمنارة إذا أرادوا المعاملة عليها اشتروا بها المتاع فما فضل أخذوا به قطعة صغيرة. ينسب إليها أبو زكرياء التبريزي. كان أديباً فاضلاً كثير التصانيف. فلما بنى نظام الملك المدرسة النظامية ببغداد جعلوا أبا زكرياء خازن خزانة الكتب. فلما وصل نظام الملك إلى بغداد دخل المدرسة ليتفرج عليها وفي خدمته أعيان جميع البلاد ووجوهها فقعد في المدرسة في محفل عظيم والشعراء يقومون ينشدون مدائحه والدعاة يدعون له. فقام رجل ودعا لنظام الملك وقال: هذا خير عظيم قد تم على يدك! ما سبقك بها أحد وكل ما فيها حسن إلا شيئاً واحداً وهو أن أبا زكرياء التبريزي خازن خزانة الكتب وانه رجل به أبنة يدعو الصبيان إلى نفسه! فانكسر أبو زكرياء انكساراً شديداً في ذلك المحفل العظيم. فلما قام نظام الملك قال لناظر المدرسة: كم معيشة أبي زكرياء قال: عشرة دنانير! قال: اجعلها خمسة عشر ان كان كما يقول لا تكفيه عشرة دنانير! فانكسر أبو زكرياء من فضيحة ذلك المتعدي وكفاه ذلك كفارة لجميع ذنوبه ومن ذلك اليوم ما حضر شيئاً من المحافل والمجامع حياء وخجالة. تهران قرية كبيرة من قرى الري كثيرة البساتين كثيرة الأشجار مؤنقة الثمار. ولهم تحت الأرض بيوت كنافقاء اليربوع إذا جاءهم قاصد عدو اختبأوا فيها فالعدو يحاصرهم يوماً أو أياماً ويمشي. فإذا خرجوا من تحت الأرض أكثروا الفساد من القتل والنهب وقطع الطريق. وفي أكثر الأوقات أهلها عصاة على السلاطين ولا حيلة إلى ضبطهم إلا بالمداراة. وفيها اثنتا عشرة محلة كل محلة تحارب الأخرى وإذا دخلوا في طاعة السلطان يجتمع عاملها بمشايخ القرية يطالبهم بالخراج وتوافقوا على اداء الخراج المعهود للسلطان. يأتي أحدهم بديك ويقول: هذا بدينار! والآخ يأتي باجانة ويقول: هذا بدينار! ويؤدون الخراج على هذا الوجه وإلا فلا فائدة منهم أصلاً. وهم موترصدون للخلاف ويرضى الوالي منهم بأن يقال: انهم في الطاعة وأدوا الخراج. وانهم لا يزرعون على البقر خوفاً من أنهم إذا خالفوا يؤخذ عواملهم وإنما يزرعون بالمساحي ولا يقتنون الدواب والمواشي لما ذكرنا أن أعداءهم كثيرون فيأخذون مواشيهم. وفواكههم كثيرة وحسنة جداً سيما رمانهم فإن مثلها غير موجود في شيء من البلاد. جاجرم مدينة بأرض خراسان مشهورة بقرب اسفرايين. بها عين تنبع قناة بين جاجرم واسفرايين حدثني بعض فقهاء خراسان: من غاص في ماء هذه العين يزول جربه. الجبال ناحية مشهورة يقال لها قهستان. شرقها مفازة خراسان وفارس وغربها آذربيجان وشمالها بحر الخزر وجنوبها العراق وخوزستان. وهي أطيب النواحي هواء وماء وتربة. وأهلها أصح الناس مزاجاً وأحسنهم صورة قالوا: إنها تربة ديلمية لا تقبل العدل والانصاف ومن وليها عصى ! وكتب الإسكندر إلى أرسطاطاليس: أرى بأرض الجبال ملوكاً حساناً لا أختار قتلهم وان تركتهم لا آمن عصيانهم فماذا ترى فكتب إليه أرسطاطاليس: أن سلم كل بقعة إلى أحد. ففعل ذلك وظهرت ملوك الطوائف فلما مات الإسكندر اختلفوا فغلبهم أردشير بن بابك جد ملوك ساسان. فاتخذها الأكاسرة مصيفاً لطيب هوائها وسلامتها من سموم العراق وسخونة مائه وكثرة ذبابه وهوامه وحشراته ولذلك قال أبو دلف العجلي: وإني امرؤٌ كسرويّ الفعال أصيف الجبال وأشتو العراقا لا ينبت بها النخل والنارنج والليمون والأترج ولا يعيش بها الفيل والجاموس ولو حملا إليها ماتا بها جبل أروند وهو جبل نزه خضر نضر مطل على همذان حكى بعض أهل همذان قال: دخلت على جعفر بن محمد الصادق فقال: من أين أنت قلت: من همذان. قال: أتعرف جبلها راوند قلت: جعلني الله فداك! جبلها أروند قال: نعم إن فيها عيناً من عيون الجنة! وأهل همذان يرون الماء الذي على قلة الجبل فإنها يخرج منها الماء في وقت من أوقات السنة معلوم ومنبعه من شق في صخر وهو ماء عذب شديد البرد فإذا جاوزت أيامه المعدودة ذهب إلى وقته من العام المقبل لا يزيد ولا ينقص وهو شفاء للمرضى يأتونه من كل جهة وذكروا أنه يكثر إذا كثر الناس عليه ويقل إذا قلوا. وبها جبل بيستون بين همذان وحلوان وهو عال ممتنع لا ترتقى ذروته ومن أعلاه إلى أسفله أملس كأنه منحوت وعرضه ثلاثة أيام وأكثر. ذكر في تواريخ العجم أن حظية كسرى ابرويز شيرين المشهورة بالحسن والجمال عشقها رجل حجار اسمه فرهاذ وتاه في حبها واشتهر ذلك بين الناس فذكر أمره لأبرويز فقال لأصحابه: ماذا ترون في أمر هذا الرجل ان تركته وما هو عليه فهتك وقبح وإن قتلته أو حبسته فعاقبت غير مجرم فقال بعض الحاضرين: اشغله بحجر حتى يصرف عمره فيه! فاستصوب كسرى رأيه وأمر بإحضاره فدخل وهو رجل ضخم البدن طويل القامة مثل الجمل الهائج فأمر كسرى بإكرامه وقال: ان على طريقنا حجراً يمنعنا من المرور نريد أن تفتح فيه طريقاً يصلح لسلوكنا فيه وقد عرفنا دربتك وذكاءك! وأشار إلى بيستون لفرط شموخه وصلابة حجره. فقال الصانع: ارفع هذا الحجر من طريق الملك ان وعدني بشيرين! فتأذى كسرى من هذا لأنها كانت حظيته لكن قال في نفسه: من يقدر على قطع بيستون فقال في جوابه: نفعل ذلك إذا فرغت! فخرج فرهاذ من عند كسرى وشرع في قطع الجبل ورسم فيه درباً يتسع لعشرين فارساً عرضاً وسمكه أعلى من الرايات والأعلام فكان يقطع طول نهاره وينقل طول ليله ويرصف القطاع الكبار شبه الأعدال في سفح الجبل ترصيفاً حسناً يحشو خللها بالنحاتة ويسويها مع الطريق. وكان ينحت من الجبل شبه منارة عظيمة ثم يقطعها قطعاً كل قطعة كعدل ويرميها ولقد رأيت عند اجتيازي به شبه منارة فتح جوانبها وما قطعها بعد ورأيت قطعاً من الحجر كالأعدال عليها آثار ضرب الفاس وفي كل قطعة حفرتان في جانبيها ليجعل اليد فيها عند رفعها. فذكر يوماً عند كسرى شدة اهتمامه بقطع الجبل فقال بعض الحاضرين: رأيته يرمي بكل ضربة شبه جبل ولو بقي على ما هو عليه لا يبعد أن يفتح الطريق. فانفرق كسرى فقال بعضهم: أنا أكفيك أمره! فبعث إليه من أخبره بموت شيرين. فلما سمع ذلك ضرب فأسه على الحجر وأثبته فيه ثم جعل يضرب رأسه على الفأس إلى أن مات. ومقدار فتحه من الجبل غلوة سهم وتلك الآثار باقية إلى الآن لا ريب وقال أحمد بن محمد الهمذاني: في سفح جبل بيستون ايوان منحوت من الحجر وفي وسط الايوان صورة فرس كسرى شبديز وابرويز راكب عليه وعلى حيطان الايوان صورة شيرين ومواليها قيل: صورها فطرس بن سنمار وسنمار هو الذي بنى الخورنق بظاهر الحيرة وسببه أن شبديز كان أذكى الدواب وأعظمها خلقاً وأظهرها خلقاً وأصبرها على طول الركض كان لا يبول ولا يروث ما دام عليه سجره ولا يخر ولا يزبد ما دام عليه لجامه. كان ملك الهند أهداه إلى ابرويز فاتفق انه اشتكى وزاد شكواه فقال كسرى: من أخبرني بموته قتلته! فلما مات خاف صاحب خيله أن يسأل عنه فيجب عليه الخبر بموته فجاء إلى البلهبد مغنيه وسأله أن يخبر كسرى ذلك في شيء من الغناء وكان البلهبد أحذق الناس بالغناء ففعل ذلك. فلما سمع كسرى به فطن بمعناه وقال: ويحك! مات شبديز فقال: الملك يقوله! فقال كسرى: زه! ما أحسن ما تخلصت وخلصت غيرك! وجزع عليه فطرس بن سنمار فصوره على أحسن مثال بحيث لا يكاد يفرق بينهما إلا بإدارات الروح وجاء كسرى فتأمله باكياً وقال: يشد ما بقي هذا التمثال إلينا وذكرنا ما يصير حالنا إليه بموت جسدنا وطموس صورتنا ودروس أثرنا الذي لا بد منه وسيبقى هذا التمثال أثراً من جمال صورتنا للواقفين عليه حتى كأننا بعضهم ونشاهدهم.وحكي من عجائب هذا التمثال انه لم ير مثله ولم يقف أحد منذ صور من أهل الفكر اللطيف والنظر الدقيق عليه إلا تعجب منه حتى قال بعض الناس: انها ليست من صنعة البشر ! ولقد أعطي ذاك المصور ما لم يعط غيره فأي شيء أعجب من أن سخرت له الحجار كما أراد حتى في الموضع الذي أراد أحمر جاء أحمر وفي الموضع الذي أراد أبيض جاء أبيض وكذلك سائر الألوان والظاهر أن الأصباغ التي فيه عالجها بصنف من المعالجات العجيبة لم يغيرها طول الليالي وصور الفرس واقفاً في وسط الإيوان وكسرى راكب عليه لابس درعاً كأنه زرد به من حديد يتبين مسامير الزرد في حلقها وصور شيرين بحيث يظهر الحسن والملاحة في وجهها كأنها تسلب القلوب بغنجها. وسمعت أن بعض الناس عشق على صورة شيرين وصار من عشقها متيماً فكسروا أنفها لئلا يعشق عليها غيره. وذكر قصة شبديز خالد الفياض فقال: والملك كسرى شهنشاه يقبضه سهمٌ بريش جناح الموت مقطوب إذ كان لذّته شبديز يركبه وغنج شيرين والدّيباج والطّيب بالنّار آلى يميناً شدّ ما غلظت ان من يد أفعى الشبديز مصلوب حتى إذا أصبح الشّبديز منجدلاً وكان ما مثله في الناس مركوب ورنّم الهربد الأوتار فالتهبت من سحر راحته اليسرى شآبيب فقال: مات فقالوا: أنت فهت به فأصبح الحنث عنه وهو مجذوب! لولا البلهبد والأوتار تندبه لم يستطع نعي شبديز المزاريب أخنى الزّمان عليهم فاجر هدبهم فما ترى منهم إلاّ الملاعيب وبها جبل دماوند وهو بقرب الري يناطح النجوم ارتفاعاً ويحكيها امتناعاً لا يعلوه الغيم في ارتفاعه ولا الطير في تحليقه قال مسعر بن مهلهل: انه جبل مشرف عال شاهق لا يفارق أعلاه الثلج صيفاً ولا شتاءً ولا يقدر الإنسان أن يعلو ذروته يراه الناظر من عقبة همذان والناظر من الري يظن أنه مشرف عليه وبينهما فرسخان فصعدت الجبل حتى وصلت إلى نصفه بمشقة شديدة ومخاطرة بالنفس فرأيت عيناً كبريتية وحولها كبريت مستحجر فإذا طلعت عليه الشمس الهتبت ناراً والدخان يصعد من العين الكبريتية. وحكى أهل تلك النواحي أنهم إذا رأوا النمل يذخر الحب الكثير تكون السنة سنة جدب وإذا دامت عليهم الأمطار حتى تأذوا منها صبوا لبن الماعز على النار فانقطعت. قال: جربت هذا مراراً فوجدته صحيحاً. وقالوا: إذا رأينا قلة هذا الجبل في وقت من الأوقات متحسراً عن الثلج وقعت فتنة وأريقت دماء من الجانب الذي نراه متحسراً. وبقرب الجبل معدن الكحل الرازي والمرتك والاسرب والزاج. هذا وحكى محمد بن إبراهيم الضراب قال: ان أبي سمع أن بدماوند معدن الكبريت الأحمر فاتخذ مغارف حديد طول السواعد واحتال في إخراجه فذكر انه لا يقرب من ناره حديدة إلا ذابت من ساعتها. وذكر أهل دماوند أن رجلاً من أهل خراسان اتخذ مغارف حديدية طويلة مطلية بها عالجها بها وأخرج من الكبريت لبعض الملوك. وحكى علي بن رزين وكان حكيماً له تصانيف قال: وجهت جماعة إلى جبل دماوند وهو جبل عظيم شاهق في الهواء يرى من مائة فرسخ وعلى رأسه أبداً مثل السحاب المتراكم لا ينحسر شتاء ولا صيفاً ويخرج من أسفله نهر ماؤه أصفر كبريتي فذكر الجماعة أنهم وصلوا إلى قلته في خمسة أيام وخمس ليال فوجدوا قلته نحواً من مائة جريب مساحة على أن الناظر إليها من أسفله يراها كالمخروط. قالوا: وجدنا رملاً تغيب فيه الأقدام وانهم لم يروا عليها دابة ولا أثر حيوان وان الطير لا يصل إلى أعلاها والبرد فيها شديد والريح عاصف. وانهم عدوا سبعين كوة يخرج منها الدخان الكبريتي ورأوا حول كل ثقب من تلك الكوى كبريتاً أصفر كأنه ذهب وحملوا معهم شيئاً منه. وذكروا أنهم رأوا على قلته الجبال الشامخة مثل التلال ورأوا بحر الخزر كالنهر الصغير وبينهما عشرون فرسخاً. وبها جبل ساوة وهو على مرحلة منها. رأيته جبلاً شامخاً إذا أصعدت عليه قدر غلوة سهم رأيت ايواناً كبيراً يتسع لألف نفس وفي آخرهم قد برز من سقفه أربعة أحجار شبيهة بثدي النساء يتقاطر الماء من ثلاثة والرابع يابس. أهل ساوة يقولون: انه مصه كافر فيبس! وتحتها حوض يجتمع فيه الماء الذي يتقاطر منها وعلى باب الإيوان ثقبة لها بابان وفيها انخفاض وارتفاع يقول أهل ساوة: ان ولد الرشدة يقدر أن يدخل من باب ويخرج من الآخر وولد الزنية لا يقدر! وبها جبل كركس كوه جبل دورته فرخان في مفازة بين الري والقم وهو جبل وعر المسلك في مفازة بعيدة عن العمارات في وسطه ساحة فيها ماء والجبال محيطة بها من جميع جوانبها فمن كان فيها كأنه في مثل حظيرة. وسمي كركس كوه لأن النسر كان يأوي إليه وكركس هو النسر فلو اتخذ معقلاً حصيناً إلا أنه في مفازة بعيدة عن البلاد قلما يجتاز بها أحد. وبها جبل نهاوند وهو بقرب نهاوند قال ابن الفقيه: على هذا الجبل طلسمان صورة سمك وثور قالوا: إنهما لأجل الماء لئلا يقل ماؤه وماؤه ينقسم قسمين: قسم يجري إلى نهاوند والآخر إلى الدينور. وبها جبل يله بشم. هذا الجبل بقرب قرية يقال لها يل وهي من ضياع قزوين على ثلاثة فراسخ منها. حدثني من صعد هذا الجبل قال: عليه صور حيوانات مسخها الله تعالى حجراً منها راع متكيء على عصاه يرعى غنمه وامرأة تحلب بقرة وغير ذلك من صور الإنسان والبهائم. وهذا شيء يعرفه أهل قزوين. وينسب إليها الوزير مهلب بن عبد الله. كان وزيراً فاضلاً قعد به الزمان حتى صار في ضنك من العيش شديد فرافقه بعض أصدقائه في سفره فاشتهى لحماً ولم يقدر على ثمنه فاشترى رفيقه له بدرهم لحماً فأنشأ يقول: الا موتٌ يباع فأشتريه فهذا العيش ما لا خير فيه! إذا أبصرت قبراً من بعيدٍ وددت لو انّني من ساكنيه! ألا رحم الإله ذنوب عبدٍ تصدّق بالوفاة على أخيه! ثم بعد ذلك علا أمره وارتفعت مكانته فقصده ذلك الرفيق والبواب منعه من الدخول عليه فكتب على رقعة: ألا قل للوزير: فدتك نفسي وأهلي ثمّ ما ملّكت فيه أتذكر إذ تقول لضنك عيشٍ: ألا موتٌ يباع فأشتريه فأحضره وحياه وجعله من خاصته.قرية بين النعمانية وواسط وكانت في قديم الزمان مدينة يضرب بقاضيه المثل في قلة العقل! ومن حديثه ما ذكر أن المأمون أراد المضي إلى واسط فاستكرى القاضي جمعاً ليثنوا عليه عند وصول الخليفة فاتفق أن شبارة الخليفة وصلت وما كان من الجمع المستكرين أحد حاضراً فخاف القاضي أن تفوت الفرصة فجعل يعدو على شاطيء دجلة مقابل الشبارة وينادي بأعلى صوته: يا أمير المؤمنين نعم القاضي قاضي جبل! فضحك يحيى بن اكثم وكان راكباً في الشبارة مع الخليفة وقال: يا أمير المؤمنين هذا المنادي هو قاضي جبل يثني على نفسه! فضحك المأمون وأمر له بشيء وعزله وقال: لا يجوز أن يلي شيئاً من أمور المسلمين من هذا عقله. جرباذقان بليدة من بلاد قهستان بين أصفهان وهمذان ذات سور وقهندز لها رئيس يقال له جمال باده لا يمشي إلى أحد من ملوك قهستان البتة. وله موضع حصين وإلى داره عقود وأبواب وحراس والملوك كانوا يسامحونه بذلك ويقولون: إن أذيته وإزعاجه غير مبارك! وكان الأمر على ذلك إلى أن ملك الجبال خوارزمشاه محمد سلمها إلى ابنه وإلى عماد الملك فوصل عماد الملك إلى جرباذقان. أخبر بعادة الرئيس انه لا يمشي إلى أحد فغضب من ذلك وبعث إليه يطلبه فأبى. فبعث إليه عسكره دخلوا المدينة قهراً وتحصن الرئيس بالقلعة فحاصروها أياماً وقتل من الطرفين. فلما اشتد الأمر عليه نزل بالليل وهرب فخرب عماد الملك القلعة وقتل أكثر أهلها لأنهم قتلوا أصحاب عماد الملك. فعما قريب ورد عساكر التتر وهرب عماد الملك فقتلوه في الطريق وقتلوا ابن خوارزمشاه وعاد الرئيس إلى حاله كما كان. جرجان مدينة عظيمة مشهورة بقرب طبرستان. بناها يزيد بن المهلب بن أبي صفرة وهي أقل ندى ومطراً من طبرستان يجري بينهما نهر تجري فيه السفن بها فواكه الصرود والجروم وهي بين السهل والجبل والبر والبحر. بها البلح والنخل والزيتون والجوز والرمان والأترج وقصب السكر وبها من الثمار والحبوب السهلية والجبلية المباحة يعيش بها الفقراء. ويوجد في صيفها جني الصيف والشتاء من الباذنجان والفجل والجزر وفي الشتاء الجدي والحملان والألبان والرياحين: كالخزامى والخيري والبنفسج والنرجس والأترج والنارنج. وهي مجمع طير البر والبحر لكن هواءها رديء لأنه وحكي انه كان بنيسابور في أيام الطاهرية ستمائة رجل من بني هلال يقطعون الطريق فظفروا بهم ونقلوا ثلاثمائة إلى جرجان وثلاثمائة إلى جرجانية بخوارزم. فلما تم عليهم الحول لم يبق ممن كان بجرجان إلا ثلاث أنفس ولم يمتممن كان بجرجانية إلا ثلاثة. وبجرجان من العناب الجيد والخشب الخلنج الذي يتخذ منه النشاب والظروف والأطباق ويحمل إلى سائر البلاد. وبها ثعابين تهول الناظر ولا ضرر لها. وذكر أبو الريحان الخوارزمي انه شوهد بجرجان مدرة صار بعضها قاراً والبعض الآخر بحالها. بها عين سياه سنك قال صاحب تحفة الغرائب: بجرجان موضع يسمى سياه سنك به عين ماء على تل يأخذ الناس ماءها للشرب وفي الطريق إليها دودة فمن أخذ من ذلك الماء وأصاب رجله تلك الدودة يصير الماء الذي معه مراً فيبدده ويعود إليها يأخذ مرة أخرى وهذا عندهم مشهور. ينسب إليها كرز بن وبرة كان من الأبدال قال فضيل: إذا خرج كرز بن وبرة يأمر بالمعروف يضربونه حتى يغشى عليه فسأل ربه أن يعرفه الاسم الأعظم بشرط أن لا يسأل به شيئاً من أمور الدنيا فأعطاه الله ذلك فسأل أن يقويه على قراءة القرآن فكان يختم كل يوم وليلة ثلاث ختمات. حكى أبو سليمان المكتب قال: صحبت كرز بن وبرة إلى مكة فكان إذا نزل القوم أدرج ثيابه في الرحل واشتغل بالصلاة فإذا سمع رغاء الإبل أقبل فتأخر يوماً عن الوقت فذهبت في طلبه فإذا هو في وهدة في وقت حار وإذا سحابة تظله فقال: يا أبا سليمان أريد أن تكتم ما رأيت! فحلفت أن لا أخبر أحداً في حياته. وحكي انه لما توفي رأوا أهل القبور في النوم عليهم ثياب جدد فقيل لهم: ما هذا قالوا: ان أهل القبور كلهم لبسوا ثياباً جدداً لقدوم كرز بن وبرة! وينس إليها أبو سعيد إسماعيل بن أحمد الجرجاني. كان وحيد دهره في الفقه والأصول والعربية مع كثرة العبادة والمجاهدة وحسن الخلق والاهتمام بأمور الدين والنصيحة للمسلمين وهو القائل: إني ادّخرت ليوم ورد منيّتي عند الإله من الأمور خطيرا قولي بأنّ إلهنا هو أوحدٌ ونفيت عنه شريكه ونظيرا وشهادتي أنّ النّبّي محمّداً كان الرّسول مبشّراً ونذيرا ومحبّتي آل النّبّي وصحبه كلاًّ أراه بالثّناء جديرا وتمسّكي بالشّافعّي وعلمه ذاك الّذي فتق العلوم بحورا وجميل ظنّي بالإله وإن جنت نفسي بأنواع الذّنوب كثيرا فاشهد إلهي أنّني مستغفرٌ لا أستطيع لما مننت شكورا هذا الذي أعددته لشدائدي وكفى بربّك هادياً ونصيرا! قبض أبو سعيد في صلاة المغرب عند قوله: وإياك نستعين وفاضت روحه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة. وينسب إليها القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني. كان أديباً فقيهاً شاعراً وهو القائل: يقولون لي: فيك انقباضٌ! وإنّما رأوا رجلاً عن موقف الذلّ أحجما أرى الناس من داناهم هان عندهم ومن أكرمته عزّة النّفس أكرما وينسب إليها الإمام عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني. كان عالماً فاضلاً أديباً عارفاً بعلم البيان له كتاب في إعجاز القرآن في غاية الحسن ما سبقه أحد في ذلك الأسلوب. من لم يطالع ذلك الكتاب لا يعرف قدره ودقة نظره ولطافة طبعه واطلاعه على معجزات القرآن. وبها مشهد لبعض أولاد علي الرضا العجم يسمونه كور سرخ النذر له يفضي إلى قضاء الحاجة وهذا أمر مشهور في بلاد العجم يحمل إليها أموال كثيرة ويصرف إلى جمع من العلويين هناك.قرية من أعمال بغداد مشهورة. ينسب إليها علي الجرجرائي كان من الابدال لا يدخل العمران ولا يختلط بأحد حكى بشر الحافي قال: لقيته على عين ماء فلما أبصرني عدا قال: بذنب مني رأيت اليوم إنسياً! فعدوت خلفه وقلت: أوصني! فالتفت إلي وقال: عانق الفقر وعاشر الصبر وخالف الشهوة واجعل بيتك أخلى من لحدك يوم تنقل إليه على هذا طاب المصير إلى الله تعالى! الجزيرة بلاد تشتمل على ديار بكر ومضر وربيعة وإنما سميت جزيرة لأنها بين دجلة والفرات وهما يقبلان من بلاد الروم وينحطان متسامتين حتى يصبا في بحر فارس وقصبتها الموصل وحران والجزيرة بليدة فوق الموصل تدور دجلة حولها كالهلال ولا سبيل إليها من اليبس إلا واحد قالوا: من خاصية هذه البلاد كثرة الدماميل. قال ابن همام السلولي: أبداً إذا يمشي يحيك كأنّما به من دماميل الجزيرة ناخس وحكي أن ضرار بن عمرو طلع به الدماميل وهو ابن تسعين سنة فتعجب الناس فقالوا: احتملها من الجزيرة! ينسب إليها بنو الأثير الجزريون. كانوا ثلاثة اخوة فضلاء رأيت منهم الضياء كان شيخاً حسن الصورة فاضلاً حلو الحديث كريم الطبع له تصانيف كثيرة منها: المثل السائر كتاب في علم البيان في غاية الحسن وكتاب في شرح الألفاظ الغريبة التي وردت في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهما. |
جوهسته قرية من قرى همذان. بها قصر برام جور وبهرام من ملوك الفرس. كان أرمى الناس لم ير رام مثله وهذا القصر عظيم جداً وكله حجر واحد منقورة بيوته ومجالسه وخزائنه وغرفه وشرفاته وسائر حيطانه وهو كثير المجالس والخزائن والدهاليز والغرف. وفي مواضع منها كتابات بالعجمية تتضمن أخبار ملوكهم الماضين وحسن سيرتهم وفي كل ركن من أركانه صورة جارية عليها كتابة وبقربه ناووس الطيبة وسيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى. جوين ناحية بين خراسان وقهستان كثيرة الخيرات وافرة الغلات. وهي أربعمائة قرية على أربعمائة قناة. والقنوات منشأها من مرتفع من الأرض والقرى على متسفل أحدهما بجانب الآخر.ينسب إليها أبو المعالي عبد الملك بن محمد إمام الحرمين الإمام العلامة ما رأت العيون قبله ولا بعده مثله في غزارة العلم وفصاحة اللسان وجودة الذهن. من رآه من العلماء تحير فيه شاع ذكره في الآفاق فلما كان زمان أبي نصر الكندري وأمر بلعن المذاهب على رأس المنبر فارق الإمام خراسان وذهب إلى الحجاز ودرس بمكة. فانقضت تلك المدة سريعاً بموت طغرلبك وقتل الكندري فعاد إمام الحرمين إلى خراسان وبنى له نظام الملك مدرسة بنيسابور فظهرت تلامذته وانتشرت تصانيفه. وكان في حلقته ثلاثمائة فقيه من الفحول بلغوا مبلغ التدريس كأبي حامد الغزالي وصنف نهاية المطلب عشرين مجلداً. توفي سنة ثمان وثمانين وأربعمائة. جيلان غيضة بين قزوين وبحر الخزر صعبة المسلك لكثرة ما بها من الجبال والوهاد والأشجار والمياه في كل بقعة ملك مستقل لا يطيع غيره والحرب بينهم قائمة والمطر كثير جداً ربما يستمر أربعين يوماً لا ينقطع ليلا ولا نهاراً ويضجر الناس منه. وبيوتهم من الأخشاب والاخصاص وسط الأشجار ولا حد لكثرة أشجارها الطوال لو كانت بأرض أخرى كان لها قيمة. ونساؤها أحسن النساء صورة لا يستترن عن الرجال يخرجن مكشوفات الوجه والرأس وبها من الخيل الهماليج ما لا يوجد في غيرها من البلاد ولم ير أحسن منها صورة ومشياً. ومن عجائبها ما سمعت ولا صدقت حتى جربت وهو ان المطر إذا دام عندهم ضجروا منه فإن سمعوا بالليل صوت ابن آوى وعقبه نباح كلب يبشر بعضهم بعضاً بصحو الغد وعندهم من بنات آوى والكلاب كثير وهذا شيء أشهر عندهم وجربت مراراً ما أخطأ شيء. مأكولهم الرز الجيد المولاني والسمك ويؤدون زكاة الرز ولا يتركونه أصلاً. ويقتنون دود الابريسم شغل رجالهم زراعة الرز وشغل نسائهم تربية دود القز والرزق الحلال في زماننا عندهم. ونساؤهم ينسجن الميازر والمشدات الفرية الملاح وتحمل منها إلى سائر البلاد. ومن عاداتهم أن فقهاءهم في كل سنة يستأذنون من الأمير الأمر بالمعروف فإذا أذن لهم أحضروا كل واحد كائناً من كان وضربوه مائة خشبة فربما يحلف الرجل أيماناً انه ما شرب ولا زنى فيقول الفقيه: ايش صنعتك فيقول: بقال أنا! فيقول: أما كان بيدك الميزان فيقول: نعم. فيأمر بضربه مائة! ينسب إليها الشيخ محمد بن خالد الملقب بنور الدين. كان شيخاً عظيم الشأن ظاهر الكرامات. رأيته في صغر سني كان شيخاً مهيباً وضيء الوجه طويل القامة كث اللحية طويلها ما رآه أحد ولو كان ملكاً إلا أخذته هيبته. له مصنفات في عجائب أحواله ومشاهدته الملائكة والجنة والنار وأحوال الأموات وخواص الأذكار والآيات. حكى بعض من صحبه قال: سرنا ذات يوم فرفع لنا خان فقصدناه فقال بعض السابلة: لا تدخلوا الخان فإن يأوي إليه سبع! فقال الشيخ: نتكل على الله. فدخلناها وفرش الشيخ مصلاءة يصلي فسمعت زئير الأسد فأنكرت في نفسي على الشيخ لدخول الخان فدخل الخان سبع هائل فلما رآنا جعل يأتينا إتياناً ليناً لا إتيان صائل وأنا أنظر إلى شكله فذهب عقلي فهربت إلى الشيخ وجعلته بيني وبين الأسد فجاء وافترش عند مصلى الشيخ فلما فرغ الشيخ من صلاته مسح رأسه وقال بالعجمية: فارق هذا الموضع ولا ترجع تفزع الناس ههنا! فقام السبع وخرج من الخان ولم يره أحد بعد ذلك هناك. الحضر مدينة كانت بين تكريت وسنجار مبنية بالحجارة المهندمة كان على سورها ستون برجاً كباراً بين البرج والبرج تسعة أبراج صغار بإزاء كل برج قصر وإلى جانبه حمام. وبجانب المدينة نهر الثرثار وكان نهراً عظيماً عليه جنان بناها الضيزن بن معاوية وكان من قضاعة من قبل شابور بن اردشير ملك الفرس وقد طلسمها أن لا يقدر على هدمها إلا بدم الحمامة الورقاء ودم حيض المرأة الزرقاء وإياها أراد عدي بن زيد: وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجلة تجبى إليه والخابور شاده جندلاً وجلّله كلساً وللطّير في ذراه وكور فاتفق أنه ظهر لشابور خصم بخراسان فذهب إليه وطالت غيبته فعصى ضيزن عليه واستوى على بلاد الجزيرة وأغار على بلاد الفرس وخرب السواد وأسر ماه أخت شابور الملك. فلما عاد شابور من خراسان وأخبر بما فعل ضيزن ذهب إليه بعساكره وحاصره سنين ولم يظفر بشيء فهم بالرجوع فصعدت النصيرة بنت الضيزن السطح ورأت شابور فعشقته فبعثت إليه أن ما لي عندك ان دللتك على فتح هذه المدينة فقال شابور: آخذك لنفسي وأرفعك على نسائي. فقالت: خذ من دم حمامة ورقاء واخلطه بدم حيض امرأة زرقاء واكتب بهما واشدده في عنق ورشان وأرسله فإنه إذا وقع على السور تهدم! ففعل كما قالت فدخل المدينة وقتل مائة ألف رجل وأسر البقية وقتل ضيزن وأنسابه فقال الحدس بن الدلهاث: ألم يجزيك والأبناء تمنى بما لاقت سراة بني العبيد أتاهم بالفيول مجلّلاتٍ وبالأبطال شابور الجنود فهدّم من بروج الحضر صخراً كأنّ ثقاله زبر الحديد! ثم سار شابور إلى عين التمر وعرس بالنصيرة هناك فلم تنم هي تلك الليلة تململاً على فراشها فقال لها شابور: ما أصابك فقالت: لم أنم قط على فراش أخشن من هذا! فنظر فإذا في الفراش ورقة آس لصقت بين عكنتين من عكنها فقال لها شابور: بم كان أبواك يغذوانك قالت: بشهد الأبكار ولباب البر ومخ الثنيان! فقال شابور: أنت ما وفيت لأبويك مع حسن صنيعهما بك فكيف تفين لي ثم أمر أن تصعد بناء عالياً وقال: ألم أرفعك فوق نسائي قالت: بلى! فأمر بفرسين جموحين وشدت ذوائبها في ذنبيهما ثم استحضرا فقطعاها قال عدي بن زيد: والحضر صبّت عليه داهيةً شديدة أيدٍ مناكبها ربيبةٌ لم ترقّ والدها بحبّها إذ ضاع راقبها فكان حظّ العروس إذ جشر الصّبح دما يجري سبايبها حصن حصين بطبرستان كان في قديم الزمان خزانة ملوك الفرس وأول من اتخذه منوجهر بن ايرج بن فريدون وهو نقب في موضع عال في جبل صعب المسلك والنقب يشبه باباً صغيراً فإذا دخله الإنسان مشى نحو ميل في ظلمة شديدة ثم يخرج إلى موضع واسع شبيه بمدينة قد أحاطت به الجبال من جميع الجوانب. وهي جبال لا يمكن صعودها لارتفاعها وفي هذه السعة مغارات وكهوف وفي وسطها عين غزيرة الماء ينبع من ثقبة ويغور في أخرى وبينهما عشرة أذرع. وكان في أيام الفرس يحفظ هذا النقب رجلان معهما سلم يدلونه من الموضع إذا أراد أحدهما النزول في دهر طويل وعندهما ما يحتاجان إليه لسنين كثيرة. ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن ملك العرب طبرستان فحاولوا الصعود عليه فتعذر عليهم ذلك إلى أن ولي المازيار طبرستان فقصد هذا الموضع وأقام عليه مدة حتى صعد رجل من أصحابه إليه فدلى حبالاً وأصعد قوماً فيهم المازيار فوقف على ما في تلك الكهوف من الأموال والسلاح والكنوز وكان بيده إلى أن مات. وانقطع السبيل إليه إلى هذه الغاية. ومن العجائب ما ذكره ابن الفقيه انه إلى جانب هذا الطاق شبيه بالدكان إذا لطخ بعذرة أو شيء من الأقذار ارتفعت في الحال سحابة فمطرت عليه حتى تغسله وتنظفه وان ذلك مشهور عندهم لا يتمارى فيه اثنان.مدينة بين همذان وبغداد. كانت عامرة طيبة والآن خراب وتينها ورمانها في غاية الطيب لم يوجد في شيء من البلاد مثلهما. وفي حواليها عدة عيون كبريتية ينتفع بها من عدة أدواء. وكان بها نخلتان مشهورتان على طريق السابلة وصل إليهما مطيع بن اياس فقال: أسعداني يا نخلتي حلوان وابكيا لي من ريب هذا الزّمان واعلما أنّ ريبه لم يزل يفرّق بين الألاّفي والجيران واسعداني وأيقنا أنّ نحساً سوف يأتيكما فتفترقان! حكى المدائني أن المنصور اجتاز عليهما وكان إحداهما على الطريق ضيقت على الأحمال والثقال فأمر بقطعها فأنشد قول مطيع فقال: والله لا كنت ذلك النحس! ثم اجتاز المهدي بهما واستطاب الموضع ودعا لحسنه المغنية وقال لها: أما ترين طيب هذا الموضع غنيني بحياتي! فغنت: أيا نخلتي وادي بوانة حبّذا إذا نام حرّاس النّخيل جناكما! فقال لها: أحسنت! لقد هممت بقطع هاتين النخلتين فمنعتني. فقالت: أعيذك بالله أن تكون نحسهما! وأنشدت قول مطيع ثم اجتاز بهما الرشيد عند خروجه إلى خراسان وقد هاج به الدم بحلوان فأشار عليه الطبيب بأكل الجمار فطلب ذلك من دهقان حلوان فقال: ليست أرضنا أرض نخل لكن على العقبة نخلتان فاقطعوا إحداهما. فقطعوا. فلما اجتاز الرشيد بهما وجد إحداهما مقطوعة والأخرى قائمة وعليها مكتوب: واعلما إن بقيتما أنّ نحساً سوف يأتيكما فتفترقان! فاغتم الرشيد لذلك وقال: لقد عز علي ان كنت نحسهما ولو كنت سمعت هذا الشعر ما قطعت هذه النخلة ولو قتلني الدم! فاتفق انه لم يرجع من ذلك السفر. http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif الحويزة كورة بين واسط والبصرة وخوزستان في وسط البطائح في غاية الرداءة. كتب وفادار بن خودكام إلى صديق له كتاباً من الحويزة: وما أدراك ما الحويزة! دار الهوان ومنزل الحرمان! ثم ما أدراك ما الحويزة! أرضها رغام وسماؤها قتام وسحابها جهام وسمومها سهام ومياهها سمام وطعامها حرام وأهلها لئام وخواصها عوام وعوامها طغام! لا يروي ريعها ولا يرجى نفعها ولا يمري ضرعها ولا يرعى زرعها ولقد صدق الله قوله فيها: ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات! وأنا منها بين هواء وبيء وماء رديء وشباب غمر وشيخ غوي يتخذون الغمر أدباً والزور إلى أرزاقهم سبباً يأكلون الدنيا سلباً إذا سقى الله أرضاً صوب غاديةٍ فلا سقاها سوى النّيران تضطرم ينسب إليها أبو العباس أحمد بن محمد الحويزي وكان من أعاجيب الزمان في الجمع بين الأمور المتضادة: كان ذا فضل وتمييز وجور وظلم مع إظهار الزهد والتقشف والتسبيح الدائم والصلاة الكثيرة. وإذا عزل اشتغل بمطالعة الكتب ويظهر انه أراد العزل وكره العمل وخدمة الظلمة فقال أبو الحكم الأندلسي: رأيت الحويزيّ يهوى الخمول ويلزم زاوية المنزل لعمري لقد صار حلساً له كما كان في الزّمن الأوّل يدافع بالشّعر أوقاته وإن جاع طالع في المجمل! وإذا خرج صار أظلم مما كان حتى انه في بعض ولاياته كان نائماً على سطح فصعدوا إليه ووجأوه بالسكين. الحيرة مدينة كانت في قديم الزمان بأرض الكوفة على ساحل البحر فإن بحر فارس في قديم الزمان كان ممتداً إلى أرض الكوفة والآن لا أثر للمدينة ولا للبحر ومكان المدينة دجلة.ينسب إليها النعمان بن امريء القيس صاحب الحيرة من ملوك بني لخم. بنى بالحيرة قصراً يقال له الخورنق في ستين سنة قصراً عجيباً ما كان لأحد من الملوك مثله. فبينا هو ذات يوم جالس على الخورنق إذ رأى البساتين والنخل والأشجار والأنهار مما يلي المغرب والفرات مما يلي المشرق والخورنق مكانه فأعجبه ذلك وقال لوزيره: أرأيت مثل هذا المنظر وحسنه فقال: ما رأيت أيها الملك لا نظير له لو كان دائماً! فقال له: ما الذي يدوم فقال: ما عند الله في الآخرة! فقال: بم ينال ذلك فقال: بترك الدنيا وعبادة الله! فترك النعمان الملك وليس المسح ورافقه وزيره ولم يعلم خبرهما إلى الآن قال عدي بن زيد: وتبيّن ربّ الخورنق إذ أشرف يوماً وللهدى تفكير سرّه ما رأى وكثرة ما يم لك والبحر معرضاً والسّدير فارعوى قلبه وقال: فما غب طة حيٍّ إلى الممات يصير ثمّ بعد الفلاح والملك والإ مّة وارتهم هناك القبور! ثمّ صاروا كأنّهم ورقٌ جفّ فألوت به الصّبا والدّبور وينسب إليها أبو عثمان إسماعيل الحيري. كان من عباد الله الصالحين. حكي من كرم أخلاقه ان رجلاً دعاه إلى ضيافته فذهب إليه فلما انتهى إلى باب داره قال: ما لي وجه الضيافة! فرجع ثم طلبه بعد ذلك مرة أخرى فأجابه فلما انتهى إلى باب داره قال له مثل ذلك ثم دعاه مرة ثالثة وقال له مثل ذلك. فعاد الشيخ فقال الداعي: اني أردت أن أجربك وجعل يمدحه فقال الشيخ: لا تمدحني على خلق يوجد في الكلاب إذا دعي الكلب أجاب وإن زجر انزجر! توفي سنة ثمان وتسعين ومائتين. حيزان بليدة ذات بساتين كثيرة ومياه غزيرة من بلاد ديار بكر بقرب إسعرت. بها الشاهبلوط وليس الشاهبلوط في شيء من بلاد الجزيرة والشام والعراق إلا بها. والبندق أيضاً بها كثير. خاوران ناحية ذات قرى بخراسان. بها خيرات كثيرة وينسب إليها الوزير أبو علي شاذان كان وزيراً لملوك بني سامان وبقي في الوزارة مدة طويلة حتى يوزر الآباء والأبناء منهم ولطول مدة وزارته قيل فيه: وقالوا العزل للعمّال حيضٌ نجاه الله من حيضٍ بغيض فإن يك هكذا فأبو عليٍّ من اللاّتي يئسن من المحيض وينسب إليها أسعد الميهني. كان عالماً فاضلاً مشهوراً بالعلم والعمل مدرساً للمدرسة النظامية ببغداد. وينسب إليها الشيخ أبو سعيد بن أبي الخير. وهو الذي وضع طريقة التصوف وبنى الخانقاه ورتب السفرة في اليوم مرتين وآداب الصوفية كلها منسوبة إليه وكذا الانقطاع عن الدنيا. ذكر في مقاماته انه قال: ان الله تعالى وكل بي أسود على عاتقه عصاً كلما فترت عن الذكر تعرض لي وقال لي: قل الله! وحكي انه كان لأبي سعيد رفيق أول أمره في طلب العلم فلما كان آخره قال له ذلك الرفيق: بم وصلت فقال له أبو سعيد: أتذكر وقتاً كنا نقرأ التفسير على أستاذنا فلان قال: نعم. قال: فلما انتهينا إلى قوله: قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون. عملت بهذه الآية! وحكي انه كان في خدمته رجلان: كان لأحدهما مئزران والآخر لا مئزر على رأسه فوقع في قلبه ان صاحب المئزرين يؤثر أحدهما له ثم منعه عن ذلك مانع حتى كان ذلك ثلاث مرات فقال للشيخ: الخاطر الذي يخطر لنا من الله أو من أنفسنا فقال: ان كان لخير فمن الله ولا يخاطب في مئزر أكثر من ثلاث مرات. ومشايخ الصوفية كلهم تلامذة أبي سعيد وآدابهم مأخوذة من أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم.وينب إليها الأنوري الشاعر شعره في غاية الحسن ألطف من الماء شعره بالعجمية كشعر أبي العتاهية بالعربية. خراسان بلاد مشهورة. شرقيها ما وراء النهر وغربيها قهستان. قصبتها مرو وهراة وبلخ ونيسابور. وهي من أحسن أرض الله وأعمرها وأكثرها خيراً وأهلها أحسن الناس صورة وأكملهم عقلاً وأقومهم طبعاً وأكثرهم رغبة في الدين والعلم. أخبرني بعض فقهاء خراسان أن بها موضعاً يقال له سفان به غار من دخله برأ من مرضه أي مرض كان. وبها جبل كلستان. حدثني بعض فقهاء خراسان أن في هذا الجبل كهفاً شبه ايوان وفيه شبه دهليز يمشي فيه الإنسان منحنياً مسافة ثم يظهر الضوء في آخره ويتبين محوط شبه حظيرة فيها عين ينبع الماء منها وينعقد حجراً على شبه القضبان. وفي هذه الحظيرة ثقبة يخرج منها ريح شديدة لا يمكن دخولها من شدة الريح. بها نهر الرزيق بمرو عليه سقي بساتينهم وزروعهم وعليه طواحينهم. وانه نهر مبارك تبرك به المسلمون في الوقعة العظيمة التي كانت بين المسلمين والفرس. قتل فيه يزدجرد بن شهريار آخر الأكاسرة في زمن عمر بن الخطاب. وذاك أن المسلمين كشفوا الفرس كشفاً قبيحاً فمنعهم النهر عن الهرب ودخل كسرى طاحونة تدور على الرزيق لما فاته الهرب وكان عليه سلب نفيس طمع الطحان في سلبه فقتله وأخذ سلبه. بها عين فراوور وفراوور اسم موضع بخراسان. حدثني بعض فقهاء خراسان قال: من المشهور عندنا أن من اغتسل بماء العين التي بفراوور أو غاص فيه يزول عنه حمى الربع. وينسب إليها أبو عبد الرحمن حاتم بن يوسف الأصم من أكابر مشايخ خراسان وكان تلميذ شقيق البلخي لم يكن أصم لكن تصامم فسمي بذلك وسببه أن امرأة حضرت عنده تسأله مسألة فسبقت منها ريح فقال لها: إني ثقيل السمع ما أسمع كلامك فارفعي صوتك! وإنما قال ذلك لئلا تخجل المرأة ففرحت المرأة بذلك. حكى عن نفسه انه كان في بعض الغزوات فغلبه رجل تركي وأضجعه يريد ذبحه. قال: ولم يشتغل قلبي به بل انتظر ماذا حكى الله تعالى قال: فبينا هو يطلب السكين من جفنه إذ أصابه سهم عرب قتله وقمت أنا. توفي سنة سبع وثلاثين ومائتين. وينسب إليها الشيخ حبيب العجمي وكان من الابدال ظاهر الكرامات. حكي ان حسناً البصري دخل عليه وقت صلاة المغرب فدخل مسجداً ليصلي فيه وكان حبيب العجمي يصلي فيه فكره أن يصلي خلفه لكونه عجمياً يقع في قراءته لحن فما صلى خلفه. فرأى في نومه: لو صليت خلفه لغفرنا ما تقدم من ذنبك وما تأخر! ورئي حبيب في النوم بعد وفاته فقيل له: ما فعل الله بك فقال: ذهبت العجمة وبقيت النعمة. وبها الثعلب الطيار. ذكر الأمير أبو المؤيد بن النعمان أن بخراسان شعباً يسمى بحراً ومن ناحية بروان بها صنف من الثعلب له جناحان يطير بهما فإذا ابتدأ بالطيران يطير مقدار غلوة سهم أو أكثر ثم يقع ويطير طيراناً دون الأول ثم يقع ويطير طيراناً دون الثاني. وبها فارة المسك. وهو حيوان شبيه بالخشف حين تضعه الظبية تقطع منه سرته فيصير مسكاً. خرقان مدينة بقرب بسطام بينهما أربعة فراسخ ينسب إليها الشيخ أبو القاسم الخرقاني من المشايخ الكبار المذكور في طبقاتهم. له بخرقان قبر ذكروا أن من حضر هناك يغلبه قبض شديد جداً. خوار بلدة من بلاد قهستان بين الري ونيسابور. بها قطن كثير يحمل منها إلى سائر البلاد. ينسب إليها الجلال الخواري. كان واعظاً عديم النظير في زمانه صاحب النظم والنثر والبديهة والقبول التام عند الخواص والعوام. حكي أن السلطان طغرل بن أرسلان وصل إلى الري وعساكره أرسلوا خيلهم في مزدرعاتهم فذهب صدر الدين الوزان وأخذ معه الجلال الخواري حتى يذكر عند السلطان فصلاً ويعرفه حال المزارع. فلما دخل صدر الدين على السلطان مع أصحابه تخلف الجلال منعه البواب فلما دخلوا أرادوا الجلال ليتكلم فقالوا: منعه البواب. فاستأذنوا له من السلطان فأذن فلما دخل شرع في الكلام. قال له السلطان: اجلس. فجلس وقال: داعي دولتت كه بفرمان نشسته است انجا بباي بوذ كي دربان نشسته است بروانه زشمع سلاطين بذو رسيد كفتاكي اندر آي كه سلطان نشسته است جون سجده كه بديذم بروانه سهو كفت كه اسكندر بجاي سليمان نشسته است دعوى همي كنم كه جوتو نيست درجهان واينك كواه عدل كه وزان نشسته است كردستور توكه جو مور اند وجون ملخ بر خوشهاء ودانه دهقان نشسته است باران عدل بار كه اين خاك بيالهاست تا براميد وعده باران نشسته است أنشد هذه الأبيات ارتجالاً فتعجب الحاضرون واستحسن السلطان ذلك وأمر بإزالة التعرض خواف مدينة بخراسان بقرب نسا كبيرة آهلة ذات قرى وبساتين ومياه كثيرة. ينسب إليها الإمام أبو المظفر الخوافي مشهور بالفضل سيما في علم الجدل. وكان من خيار تلامذة إمام الحرمين وكان إمام الحرمين تعجبه مناظرته ومطالبه الصحيحة وفنونه الدقيقة فاختاره لمصاحبته ومحادثته. حكي أن بعض الفضلاء حضر حلقة إمام الحرمين واستدل استدلالاً جيداً وقام مشهوراً وكان الخوافي غير حاضر فلما حضر ذكر له ذلك فقال: ان المقدمة الفلانية ممنوعة فكيف سلمتموها وذهب إلى المستدل وطلب منه إعادة الدليل وما قام من عنده حتى أفحمه. خوست مدينة من بلاد الغور بقرب باميان حدثني أوحد المقري الغزنوي ان في بعض السنين أصاب أهل هذه المدينة قحط فوجدوا صنفاً من الحب زرعوه وأكلوا منه ضرورة فأصابهم مرض في أرجلهم فصاروا جميعاً عرجاً فكان يأتي كل واحد بعصاتين. دامسيان من قرى قزوين بينهما عشرة فراسخ لأهل هذه القرية شبكة عظيمة جداً وهي مشتركة بين أهل القرية: لأحدهم حبة ولآخر نصف حبة وعلى هذا يبيعونها ويشترونها ويرثونها. وفي كل سنة أو مرتين ينصبون هذه الشبكة ويسوقون الصيد إليها فإذا دخلت فيها سدوا بابها ودخلوا فيها يرمونها بالنشاب والمقالع والعصي فيدخلها شيء كثير من الصيد فيقسمونها فيما بينهم على قدر ملكهم في الشبكة ويقددون لحومها. دامغان بلد كبير بين الري ونيسابور كثير الفواكه والمياه والأشجار قال مسعر ابن مهلهل: الرياح لا تنقطع بها ليلاً ونهاراً. من عجائبها مقسم للماء كسروي يخرج ماؤه من مغارة ثم ينقسم إذا انحدر منه على مائة وعشرين قسماً لمائة وعشرين رستاقاً لا يزيد أحد الأقسام على الآخر ولا يمكن تأليفه إلا على هذه النسبة وإنه مستطرف جداً. ومن عجائبها فلجة في جبل بين دامغان وسمنان تخرج منها في وقت من السنة ريح لا تصيب أحداً إلا أهلكته. وهذه الفلجة طولها فرسخ وعرضها نحو أربعمائة ذراع وإلى فرسخين ينال المارة أذاها ليلاً ونهاراً من إنسان أو دابة أو حيوان وقل من يسلم منها إذا صادف زمانها.وبها جبل قال صاحب تحفة الغرائب: هو جبل مشهور عليه عين ان ألقي فيها نجاسة يهب هواء قوي بحيث يخاف منه الهدم والخراب. وبها عين يقال لها باذخاني قال صاحب تحفة الغرائب: من أعمال دامغان قرية يقال لها كهن بها عين تسمى باذخاني إذا أراد أهل القرية هبوب الريح لتنقية الحب عند الدياس أخذوا خرقة الحيض ورموها في تلك العين فيتحرك الهواء ومن شرب من ذلك الماء ينتفخ بطنه ومن حمل معه شيئاً منه فإذا فارق منبعه يصير حجراً. داوردان بلدة كانت من غربي واسط على فرسخ منها قال ابن عباس: وقع فيها طاعون فهرب منها عامة أهلها ونزلوا ناحية منها فهلك بعض من أقام بها وسلم بعض. فلما ارتفع الطاعون رجع الهاربون فقال من بقي من المقيمين: أصحابنا الطاعنون احرم منا فلو وقع الطاعون مرة أخرى لنخرجن! فوقع الطاعون في القابل فهربوا وهم بضعة وثلاثون ألفاً حتى نزلوا ذلك المكان وكان واد أفيح فناداهم ملك من أسفل الوادي وأعلاه أن موتوا فماتوا عن آخرهم. فاجتاز عليهم حزقيل النبي عليه السلام فسأل الله تعالى أن يحييهم فأحياهم الله في ثيابم التي ماتوا فيها فرجعوا إلى قومهم أحياء ويعرفون أنهم كانوا موتى بوجوههم حتى حتى ماتوا بآجالهم المحتومة وذلك قوله تعالى: ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا فماتوا ثم أحياهم! وبنوا في الموضع الذي ذهبوا إليه ديراً يسمى دير حزقيل وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى. دور قرية من قرى بغداد من أعمال دجيل. ينسب إليها يحيى بن محمد بن هبيرة وزير المقتفي. كان وزيراً ذا رأي وعلم ودين وثبات في الأمور. حكى الوزير وقال: تطاول علينا مسعود بن محمود السلجوقي فعزم المقتفي أن يحاربه فقلت: هذا ليس بصواب! ولا وجه لنا إلا الالتجاء إلى الله. فاستصوب رأيي فخرجت من عنده يوم الجمعة لأربع وعشرين من جمادى الأولى وقلت: ان النبي عليه السلام دعا شهراً فينبغي أن ندعو شهراً. ثم لازمت الدعاء كل ليلة إلى أن كان يوم الرابع والعشرين من جمادى الآخرة فجاء الخبر بأن السلطان مات على سرير ملكه وتبدد شمل أصحابه وأورثنا الله أرضهم وديارهم. حكي أنه قبل وزارته كان بينه وبين رجل بغدادي ساكن بالجانب الغربي صداقة فسلم الرجل إلى يحيى ثلاثمائة دينار وقال له: إذا أنا مت جهزني منها وادفني بمقبرة معروف الكرخي وتصدق بالباقي على الفقراء. فلما مات قام يحيى وجهزه ودفنه كما وصى والذهب في كمه عائداً إلى الجانب الشرقي قال: فوقفت على الجسر فسقط الذهب من كمي في الماء وهو مربوط في منديل فضربت بيدي على الأخرى وحولقت فقال رجل: ما لك فحكيت له فخلع ثيابه وغاص وطلع والمنديل في فمه فأخذت المنديل وأعطيته منها خمسة دنانير ففرح بذلك ولعن أباه فأنكرت عليه فقال: انه مات وأزواني! فسألته عن أبيه فإذا هو ابن الرجل الميت فقلت: من يشهد لك بذلك فأتى بمن شهد له انه ابن ذلك الميت فسلمت إليه المال. وكان كثيراً ما ينشد لنفسه: يا أيّها النّاس إني ناصحٌ لكم فعوا كلامي فإني ذو تجاريب لا تلهينّكم الدّنيا بزخرفها فما يدوم على حسنٍ ولا طيب! وحكى عبد الله بن زر قال: كنت بالجزيرة فرأيت في نومي فوجاً من الملائكة يقولون: مات الليلة ولي من أولياء الله! فتحدثت بها وأرختها فلما رجعت إلى بغداد وسألت قالوا: مات في تلك الليلة الوزير ابن هبيرة رحمة الله عليه! وحكى عبد الله بن عبد الرحمن المقري قال: رأيت الوزير ابن هبيرة في النوم فسألته عن حاله فأجاب: فوجدنا مضاعفاً ما كسبنا ووجدنا محمّصاً ما اكتسبنا دوراق بلدة بخوزستان. بها حمات كثيرة يقصدها أصحاب العاهات قال الشيخ عمر التسليمي: إنها عيون كثيرة تنبع في جبل كلها حارة فربما يصعد منها دخان يلتهب فترى شعلته أحمر وأخضر وأصفر وأبيض ويجتمع في حوضين أحدهما للرجال والآخر للنساء فمن نزل فيه يسيراً يسيراً ينتفع به ومن طفر فيه يحترق بطنه ويتنفط. ديار بكر ناحية ذات قرى ومدن كثيرة بين الشام والعراق قصبتها الموصل وحران وبها دجلة والفرات. من عجائبها عين الهرماس وهي بقرب نصيبين على مرحلة منها وهي مسدودة بالحجارة والرصاص لئلا يخرج منها ماء كثير فتغرق المدينة. حكي أن المتوكل على الله لما وصل إلى نصيبين سمع بأمر هذه العين وعجيب شأنها وكثرة مائها فأمر بفتح بعضها ففتح منها شيء يسير فغلب الماء غلبة عظيمة فأمر في الحال بسدها وردها إلى ما كانت فمن هذه العين تحصل عين الهرماس وتسقي نصيبين وفاضلها ينصب إلى الخابور ثم إلى الثرثار ثم إلى دجلة.دير بين الموصل وإربل يقصده الناس لدفع الصرع فيبرأ منهم كثير. دير الجودي وهو دير مبني على قلة الجودي وهو جبل استوت عليه سفينة نوح عليه السلام قيل: انه مبني منذ أيام نوح ولم تجدد عمارته إلى هذا الوقت زعموا أن سطحه يشبر فيكون عشرين شبراً مثلاً ثم يشبر فيكون اثنين وعشرين ثم يشبر فيكون ثمانية عشر فكلما شبر اختلف عدده. دير حزقيل دير مشهور بين البصرة وعسكر مكرم وهو بالموضع الذي ذهب إليه أهل داوردان الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا فماتوا ثم أحياهم. فبنوا ذلك الموضع ديراً وهو منسوب إلى حزقيل النبي عليه السلام حكى أبو العباس المبرد قال: اجتزت به فقلت لأصحابي: أريد أن أدخله. فدخلناه فرأينا منظراً حسناً وإذا في بعض بيوته كهل مشدود حسن الصورة عليه آثار النعمة فسلمنا عليه فرد علينا السلام وقال: من أين أنتم يا فتيان قلنا: من البصرة. فقال: ما أقدمكم هذا البلد الغليظ هواؤه الثقيل ماؤه الجفاة أهله لمّا اناخوا قبيل الصّبح عيسهم وثوّروها فسارت بالهوى الإبل وأبرزت من خلال السّجف ناظرها ترنو إليّ ودمع العين منهمل وودّعت ببنانٍ خلته عنماً فقلت: لا حملت رجلاك يا جمل! إني على العهد لم أنقض مودّتهم يا ليت شعري بطول العهد ما فعلوا فقال له فتى من المجان كان معنا: مات! قال: أفأموت أنا أيضاً قال له: مت راشداً! فتمطى وقضى نحبه. دير الخنافس قال الخالدي: هذا الدير بغربي دجلة بقرب الموصل على قلة جبل شامخ وهو دير صغير لا يسكنه أكثر من راهبين وهو نزه لعلوه على الضياع وإشرافه على أنهار نينوى. وله عيد في كل عام مرة يقصده أهل تلك الضياع ثلاثة أيام تسود حيطانه وسقوفه وفرشه من الخنافس الصغار اللواتي كالنمل فإذا انقضت تلك الأيام لا يوجد في تلك الأرض من تلك الخنافس واحدة. فإذا علم الرهبان بدنو تلك الأيام يخرج ما في الدير من القماش وهذا أمر مشهور هناك يعرفه أهل تلك الناحية.بغربي الموصل وهو دير حسن البناء واسع الفناء يكتسي أيام الربيع طرائف الأزهار وغرائب الأنوار. ولتربتها خاصية عجيبة في دفع أذية لدغ العقارب حتى لو ذرت في بيتها ماتت. دير العذارى بين الموصل وباجرمى وهو دير قديم به نساء عذارى قد ترهبن وأقمن به للعبادة. حكى أبو الفرج الأصفهاني انه بلغ بعض الملوك ان فيهن نساء ذوات جمال فأمر بحملهن إليه ليختار منهن ما شاء فبلغهن ذلك فقمن ليلتهن يصلين ويستكفين شره. فطرق ذلك الملك طارق أبلغه من ليلته فأصبحن صياماً فلذلك تصوم النصارى صوم العذارى إلى الآن. وحكى الجاحظ أن فتياناً من ثعلبة أرادوا القطع على مال يمر بهم بقرب دير العذارى فجاءهم من أخبرهم أن السلطان قد علم بهم وبعث الخيل في طلبهم فاختفوا في دير العذارى إلى أن عرفوا أن الخيل رجعت من الطلب فأمنوا فقال بعضهم: ما الذي يمنعكم أن تأخذوا هذا القس وتشدوه وثيقاً ثم يخلو كل واحد منكم بواحدة من هؤلاء الأبكار فإذا طلع الفجر تفرقتم في البلاد ففعلوا ما أجمعوا عليه فوجدوا كلهن ثيبات فرع القس منهن قبلهم فقال بعضهم: ودير العذارى فضوحٌ لهنّ وعند القسوس حديثٌ عجيب إذا هنّ يزهرن زهر الظّراف وباب المدينة فجٌّ رحيب وقد بات بالدّير ليل التّمام فحولٌ صلابٌ وجمعٌ مهيب وللقسّ حزنٌ يهيض القلوب ووجدٌ يدلّ عليه النّحيب وقد كان عيراً لذي عانةٍ فصبّ على العير ليثٌ هبوب دير القيارة بقرب الموصل في الجانب الغربي مشرف على دجلة تحته عين تفور بماء حار يصب في دجلة ويخرج معه القار فما دام القار في مائة فهو لين فإذا فارق الماء وبرد جف. ويحصل منها قير كثير يحمل إلى البلاد وأهل الموصل يقصدون هذا الموضع للنزه ويستحمون بهذا الماء فإنه يقلع البثور وينفع من أمراض كثيرة. دير كردشير في وسط مفازة معطشة مهلكة بين الري والقم. لولا هذا الدير لم يتيسر قطعها. بناها أردشير بن بابك وهو حصن عظيم هائل البناء عالي السور مبني بآجر كبار وفيه أبنية وآزاج وعقود وصحنه قدر جريبين أو أكثر. وحوله صهاريج منقورة في الحجارة واسعة تشرب السابلة منها طول السنة. وعلى بعض أساطينه مكتوب: كل آجرة من هذا الدير تقوم بدرهم وثلثين وثلاثة أرطال خبز ودانق توابل وقنينة خمر فمن صدق فبذلك وإلا فلينطح رأسه بأي أركانه شاء. دير متى بشرقي الموصل على جبل شامخ من أشرفه ينظر إلى جميع رستاق نينوى. وهو دير عجيب البناء أكثر بيوته منقورة في الصخر فيه نحو مائة راهب لا يأكلون إلا جمعاً في بيت الشتاء أو بيت الصيف وهما منقوران في صخر كل بيت منهما يسع جميع الرهبان وفي كل بيت عشرون مائدة منقورة من الصخر وفي ظهر كل واحدة منها بويت عليه باب مغلق فيه آلة المائدة من غضارة وظروفية وسكرجة لا تختلط آلة هذه بآلة هذه. ولرأس الدير مائدة لطيفة على دكان في صدر البيت يجلس إليها وحده. وكل ذلك منحوت من الحجر ملصق بالأرض. دير مر توما بميافارقين على فرسخين منها في جبل عال. له عيد يجتمع الناس إليه وينذر له النذور ومر توما شاهد فيه تزعم النصارى أن له ألف سنة وزيادة وانه ممن شاهد عيسى عليه السلام دير مر جرجيس على جبل عال بقرب جزيرة ابن عمر. على بابه أشجار لا يدرى ما هي لها ثمرة شبيهة باللوز طيبة الطعام وبها زرازير لا تفارقه صيفاً ولا شتاء ولا يقدر أحد على صيد شيء منها البتة وبالليل يظهر حوله أفاع لا يستطيع أحد أن يسير في جبله ليلاً من كثرة الأفاعي كل ذلك عن الخالدي. رأس العيس مدينة بين حران ونصيبين في فضاء من الأرض بها عيون كثيرة عجيبة صافية تجتمع كلها فيصير نهر الخابور وأشهرها عين الصرار فإنها لصفاء مائها تبين الحصاة في قعرها وعمقها أكثر من عشرة أذرع نثر المتوكل فيها عشرة آلاف درهم فأخرجها أهل المدينة جميعاً ما ضاع منها درهم ومنبع هذا الماء من صخر صلد يخرج منه ماء كثير بقوة. رحبة الشام مدينة مشهورة ينسب إليها أبو جابر الرحبي كان من أصحاب الكرامات الظاهرة. حكى أبو جابر قال: رأيت أهل الرحبة ينكرون كرامات الأولياء فركبت سبعاً ذات يوم ودخلت المدينة روذبار بلاد بأرض الجبال كلها جبال ووهاد وأشجار ومياه وعماراتها قرى وقلاع حصينة وسكانها ديالم. ينسب إليها أبو علي أحمد بن محمد الروذباري أصله من روذبار وسكن بغداد وسمع الحديث من إبراهيم الحربي وأخذ الفقه من أبي العباس بن شريح والأدب من ثعلب وصحب الجنيد. حكى أبو منصور معمر الأصفهاني انه قال: سمعت أبا علي الروذباري انه قال: أنفقت على الفقراء كذا وكذا ألفاً وما جعلت يدي فوق يد فقير بل كانوا يأخذونه مني ويدهم فوق يدي. توفي بمصر سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة. وينسب إليها أبو عبد الله أحمد بن عطاء الروذباري. كان ابن أخت أبي علي حكي انه كان راكباً على جمل فغاصت رجله في الرمل فقال: جل الله! فقال الجمل أيضاً: جل الله! وحكي أنه دعي يوماً هو وأصحابه إلى دعوة فإذا هم يمشون على الطريق فقال إنسان: هؤلاء الصوفية مستحلون أموال الناس! وبسط لسانه فيهم وقال: ان واحداً منهم استقرض مني مائة درهم ولم يردها إلي ولست أدري أين أطلبه فقال أبو عبد الله لصاحب الدعوة وكان محباً له ولهذه الطائفة: ائتني بمائة درهم! فأتى بها فقال لبعض أصحابه: احمل إلى ذلك الإنسان وقل له ان هذا الذي استقرض منك بعض أصحابنا وقد وقع لنا خبره عذر. روذراور كورة بقرب همذان على ثلاثة فراسخ منها. وهي ثلاث وتسعون قرية متصلة المزارع ملتفة الجنان مطردة الأنهار. في أشجارها جميع أنواع الفواكه لطيب تربتها وعذوبة مائها ولطافة هوائها. أرضها تنبت الزعفران وليس في جميع الأرض موضع ينبت به الزعفران إلا أرض روذراور منها يحمل إلى ميع البلاد. رويان ناحية بين طبرستان وبحر الخزر من بلاد مازندران ينسب إليها الإمام فخر الإسلام أبو المحاسن الروياني وهو أول من أفتى بإلحاد الباطنية لأنهم كانوا يقولون: لا بد من معلم يعلم الناس الطريق إلى الله وذلك المعلم يقول: لا يجب عليكم إلا طاعتي وما سوى ذلك فإن شئتم فافعلوا وإن شئتم لا تفعلوا. فالشيخ جاء إلى قزوين وأفتى بإلحادهم ووصى لأهل قزوين أن لا يكون بينهم وبين الباطنية اختلاط أصلاً وقال: إن وقع بينكم اختلاط فهم قوم عندهم حيل يخدعون بعضكم وإذا خدعوا بعضكم وقع الخلاف والفتنة. فالأمر كان على ما أشار إليه فخر الإسلام إن جاء من ذلك الجانب طائر قتلوه فلما عاد إلى رويان بعثوا إليه الفدائية وقتلوه. عاش حميداً ومات شهيداً. الري مدينة مشهورة من أمهات البلاد وأعلام المدن كثيرة الخيرات وافرة الغلات والثمرات قديمة البناء قال ابن الكلبي: بناها هوشنج بعد كيومرث. وقال غيره: بناها راز بن خراسان لأن النسبة إليها رازي. وهي مدينة عجيبة في فضاء من الأرض وإلى جانبها جبل أقرع لا ينبت شيئاً يقال له طبرك. قالوا: انه معدن الذهب إلا ان نيله لا يفي بالنفقة عليه ولهذا تركوا معالجته. ودور هذه المدينة كلها تحت الأرض ودورهم في غاية الظلمة وصعوبة المسلك وإنما فعلوا ذلك لكثرة ما يطرقهم من العساكر فإن كانوا مخالفين نهبوا دورهم وإن كانوا موافقين نزلوا في دورهم غصباً فاتخذوا مسالك الدور مظلمة ليسلموا من ذلك. والناس يحفرون بها يجدون جواهر نفيسة وقطاع الذهب وبها كنوز في كل وقت يظهر منها شيء لأنها ما زالت موضع سرير الملك. وفي سنة أربع عشرة وستمائة في زمن ايلقلمش ظهر بها حباب كان فيها دنانير عجيبة ولم يعرف انها ضرب أي ملك وذكر انها خربت مراراً بالسيف والخسف. وقال جعفر بن محمد الرازي: لما ورد المهدي في خلافة المنصور بنى المدينة التي بها الناس اليوم على يد عمار بن الخصيب وتمت عمارتها سنة ثمان وخمسين ومائة ومياه هذه المدينة جارية في نفس المدينة لكنها من أقذر المياه لأنهم يغسلون فيها جميع النجاسات وتمشي إليها مياه الحمامات وأهل المدينة لا يأخذون منها إلا نصف الليل لأنه في هذا الوقت يصفو عن النجاسات التي تلقى فيه. وهواؤها في فصل الخريف سهام مسمومة قلما تخطيء سيما في حق الغرباء فإن الفواكه في هذا الوقت بها كثيرة رخيصة كالتين والخوخ والعنب فإن العنب لا يقدرون على تحصيله إلى الشتاء. وبها نوع من العنب يسمونه الملاحي حباته كحبات البسر وعنقوده كعذق التمر ربما يكون مائة رطل. هذا النوع يبقى إلى الشتاء ويحمل من الري إلى قزوين طول الشتاء ومع كبر حباته قشره رقيق وطعمه طيب. وبها نوع آخر من العنب شبيه الرازقي إلا أن ثجيره ضعيف جداً إذا قطفوه تركوه في الظل حتى يتزبب ويكون زبيبه طيباً جداً يحمل إلى سائر البلاد.ويجلب من الري طين يغسل به الرأس في غاية النعومة يحمل هدية إلى سائر البلاد. وصناع المشط بالري لهم صنعة دقيقة يعملون أمشاطاً في غاية الحسن تحمل هدية إلى البلاد. والآلات والأثاث المتخذة من الخشب الخلنج خشبها بطبرستان يتخذون منها هناك وهي خشبة لا لطف فيها ويحملونها إلى الري فيتركها أهل الري في الخرط مرة أخرى ويلطفونها ثم يزوقونها بأنواع التزاويق من الري تحمل إلى جميع البلاد. وأهل الري شافعية وحنفية. وأصحاب الشافعي أقل عدداً من أصحاب أبي حنيفة والعصبية واقعة بينهم حتى أدت إلى الحروب وكان الظفر لأصحاب الشافعي في جميعها مع قلة عددهم. والغالب على أهل الري القتل والسفك ومعهم شيء من الأريحية من ذلك حكي أن رجلاً من أرباب الثروة كان جاراً لبعض العيارين فجاء وقت وضع حمل زوجة صاحب الثروة ومن عادتهم أنهم يزينون الدار في هذا الوقت ويظهرون الأثاث والقماش فلما أمسوا وكان لهم داران اجتمعوا كلهم عند صاحبة الطلق وخلت الدار الأخرى فقال العيار: ما منعكم أن تنزلوا وتجمعوا جميع ما في هذه الدار فنزلوا وأصعدوا جميع ما فيها إذ سمعوا ضجيج النساء يقلن: وضعت غلاماً! فقال العيار لأصحابه: إن هؤلاء فرحوا بهذا المولود وإذا أحسوا بالقماش يتبدل فرحهم بالترح ويعدون الولد شؤماً. ردوا القماش إليهم ليزداد فرحهم ويكون وينسب إليها الإمام العلامة أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي إمام الوقت ونادرة الدهر وأعجوبة الزمان: لقد وجدت مكان القول ذا سعةٍ فإن وجدت لساناً قائلاً فقل ذكر أبو القاسم علي بن حسن بن عساكر عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة في كل مائة سنة من يجدد لها دينها. قال: فكان على رأس المائة الأولى عمر بن عبد العزيز وعلى الثانية محمد بن ادريس الشافعي وعلى رأس المائة الثالثة أبو العباس أحمد ابن شريح وعلى رأس المائة الرابعة القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني وعلى رأس الخامسة أبو حامد محمد بن محمد الغزالي وعلى رأس المائة السادسة أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي. حكي أن فخر الدين الرازي ورد بخارى وحضر حلقة رضى الدين النيسابوري وكان في حلقته أربعمائة فاضل مثل ركن الدين العميدي وركن الدين الطاووسي ومن كان من طبقاتهم ومن كان دونهم واستدل في ذلك المجلس فلم يبق من القوم إلا من أورد عليه سؤالاً أو سؤالين فأعادها كلها فلما قال: والاعتداد عن هذه الفوائد قال رضى الدين: لا حاجة إلى الجواب فإنه لا مزيد على هذا. وتعجب القوم ضبطه وإعادته وترتيبه. وحكي انه قبل اشتهاره ذهب إلى خوارزم مع رسول فقال أهل خوارزم للرسول: سمعنا ان معك رجلاً فاضلاً نريد أن نسمع منه فائدة وكانوا في الجامع يوم الجمعة بعد الصلاة فأشار الرسول إلى فخر الدين بذلك فقال فخر الدين: افعل ذلك بشرط أن لا يبحثوا إلا موجهاً. فالتزموا ذلك. فقال: من أي علم تريدون قالوا: من علم الكلام فإنه دأبنا. قال: أي مسألة تريدون اختاروا مسألة شرع فيها وقررها بأدنى زمان وكان هناك من العوام خلق كثير وعوام خوارزم متكلمة كلهم عرفوا أن فخر الدين قرر الدليل وغلبهم كلهم. فاراد مرتب القوم أن يخفي ذلك محافظة لمحفل الرئيس فقال: قد طال الوقت وكثرت الفوائد. اليوم نقتصر على هذا وتمامه في مجلس آخر في حضرة مولانا فقال فخر الدين: أيها الخوارزمي إن مولانا لا يقوم من هذا المجلس إلا كافراً أو فاسقاً لأني ألزمته الحكم بالحجة فإن لم يعتقد فهو كافر على زعمه وان اعتقد ولم يعترف به فهو فاسق على زعمه. وحكي انه ورد بخارى وسمع أن أحداً من أهل بخارى ذكر اشكالات على إشارات أبي علي فلما ورد فخر الدين بخارى أوصى لأصحابه أن لا يعرضوا ذلك على فخر الدين فقال فخر الدين لأحد من أصحاب الرجل: اغزني ليلة واحدة. ففعل فضبطها كلها في ليلة واحدة وقام وذهب إليه أول النهار وقال له: سمعت أنك أوردت الاشكالات على أبي علي فمعنى كلام أبي علي هذا كيف تورد عليه الاشكال حتى أتى على جميعها ثم قال له: أما تتقي الله فهو كلام الرجل ما تعرف وتفسرها من عندك تفسيراً فاسداً وتورد عليه الاشكال فقال الرجل: أظن انك الفخر الرازي! فقال: ما أخطأت في هذا الظن! وقام وخرج. وحكي انه كان يعظ على المنبر بخوارزم وعوام خورازم كلهم متكلمة يبحثون بحثاً صحيحاً وكان يأتي بمسألة مختلفة بين المعتزلة والأشاعرة ثم يقررها تقريراً تاماً ويقول: أئمة المعتزلة لا يقدرون على مثل هذا التقرير. ويقول لهم: أما هذا تقرير حسن يقولون: نعم. فيقول: اسمعوا إبطاله! فيبطله بأدلة أقوى منها فالمعتزلة عزموا على ترك الاعتزال لأن الواجب عليهم اتباع الدليل فقال لهم مشايخهم: لا تخالفوا مذهبكم فإن هذا رجل أعطاه الله في التقرير قوة عجيبة فإن هذا لقوته. لا لضعف مذهبكم. وحكي انه كان على المنبر فنقل شيئاً من التوراة فقالوا له: كيف عرفت انه في التوراة فقال: أي سفر شئتم عينوا حتى أقرأه عليكم! وجاءته حمامة خلفها باشق يريد صيدها فدخلت الحمامة خلف ظهر الشيخ فقال بعض الحاضرين: جاءت سليمان الزّمان بشجوها والموت يلمع من جناح الخاطف من عرّف الورقاء أنّ جنابكم حرمٌ وأنّك مأمنٌ للخائف وينسب إليها أبو إسحق إبراهيم بن أحمد الخواص. كان من أقران الجنيد والنوري. كان إبراهيم متوكلاً يمشي في أسفاره بلا زاد وحكى منصور ابن عبد الله الهروي قال: كنت مع قوم في مسجد رسول الله. صلى الله عليه وسلم نتحدث في كرامات الأنبياء ومعنا رجل مكفوف يسمع حديثنا فلما فرغنا قال: آنسكم الله فإني أنست بحديثكم فاسمعوا عني أيضاً حديثاً عجيباً. قال: كنت رأيت قبل عماي رجلاً غريباً يخرج من المدينة يمشي مسرعاً فمشيت خلفه حتى أدركته قلت له: اخلع ثيابك! فقال لي: اذهب حتى لا يصيبك ضرر! فشددت عليه وكلفته خلع ثيابه فدفعني مراراً بالكلام فأبيت إلا خلع الثياب. فلما علم اني لست أندفع عنه أشار إلي عيني فعميتا وذهب عني فبت تلك الليلة فرأيته في النوم فقلت: يا عبد الله وحق من أكرمك هذه الكرامة من أنت قال: إبراهيم الخواص! وحكى الخواص رحمة الله عليه: انتهيت إلى رجل صرعه الشيطان فجعلت أؤذن في أذنه فناداني الشيطان من خوفه يقول: دعني أقتله فإنه يقول: القرآن مخلوق! وحكى بعضهم قال: صحب الخواص مع اثنين فانتهينا إلى مسجد في المفازة فأوينا إليه وكان الوقت شاتياً والمسجد لا باب له فلما أصبحنا وجدنا إبراهيم واقفاً على باب المسجد يستر الباب ببدنه قال: خشيت أن تجدوا البرد فسترت الباب ببدني.وحكى الخواص رحمه الله قال: رافقني في بعض أسفاري راهب فمضينا أسبوعاً ما أكلنا. فقال لي الراهب: يا راهب احنفية هات إن كان عندك انبساط فقد بلغنا في الجوع! فقلت: اللهم لا تفضحني عند هذا الكافر! فرأيت طبقاً فيه خبز وشواء ورطب وماء فأكلنا ومشينا أسبوعاً آخر فقلت: يا راهب النصارى هات إن كان عندك انبساط فالنوبة لك! فدعا فرأيت طبقاً فيه أكثر مما كان على طبقي فتحيرت وأبيت أن آكل منها فقال لي الراهب: كل فإني أبشرك ببشريين: أحدهما أني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله والثاني اني قلت يا رب ان كان لهذا الرجل خطر فافتح علي فتحاً! فأكلنا ومشينا إلى مكة فأقام بها مدة ثم توفي بها ودفن في البطحاء. وحكى إبراهيم قال: في بعض أسفاري انتهيت إلى شجرة قعدت تحتها فإذا سبع هائل يأتي نحوي فلما دنا مني رأيته يعرج فإذا يده منتفخة وفيها فنخ فهمهم وتركها في حجري وعرفت انه يقول: عالج هذه! فأخذت خشبة فتحت بها الفنخ ثم شددته بخرقة خرقتها من ثوبي فغاب ثم جاءني ومعه شبلان يبصبصان ورغيف تركه عندي ومشى. وحكى إبراهيم رحمه الله قال: ركبت البحر مرة فجاءنا ريح عاصف يمشي بالمركب على غير اختيارنا فالركاب كانوا يدعون الله تعالى وكل واحد ينذر نذراً وأنا قلت: ان نجاني الله تعالى من هذه لا آكل لحم الفيل! هكذا جرى على لساني فالريح رمتنا إلى جزيرة فرأينا في الجزيرة ولد فيل فالقوم أخذوه وذبحوه وجعلوا يأكلونه فأشاروا إلي بأكله فأبيت أن آكل لأجل النذر. فأكل القوم كلهم من لحم ولد الفيل فلما كان الليل جاء الفيل فما وجد الولد فرأى القوم فجعل يشم واحداً واحداً ويحطمه بخفه حتى فرغ عن الكل فأنا وقعت على وجهي حتى لا أراه وأيقنت بالهلاك. فلما شمتني لف خرطومه علي وحملني على ظهره وجعل يمشي طول الليل بي فلما أصبحت وصل إلى بيش فتركني هناك ومضى. وحكى أبو حامد الأسود قال: سافرت مع الخواص ذات مرة فانتهينا إلى ظل شجرة فأقبل إلينا سبع هائل فصعدت الشجرة خوفاً وإبراهيم نام تحت الشجرة فجاء السبع فشمه من رأسه إلى قدمه وذهب فلما كانت الليلة أوينا إلى مسجد فوقعت بقة على إبراهيم فأن أنيناً فقلت له: هذا عجب! البارحة ما كنت تئن من أسد والآن تئن من بقة فقال: هذه الحالة غير تلك الحالة البارحة كنت بالله والليلة أنا بنفسي! وحكي أن الخواص رحمة الله عليه لما دنت وفاته طلب الماء وتوضأ وتوفي سنة إحدى وتسعين ومائتين فرئي بعد وفاته في النوم فقيل له: ما فعل الله بك فقال: أثابني على كل عم عملته ثم أنزلني منزلاً فوق منازل أهل الجنة وقال: يا إبراهيم هذا المنزل بسبب انك قدمت إلينا بالطهارة! وينسب إليها يحيى بن معاذ الرازي. كان شيخ الوقت وصاحب اللسان في الوعظ والقبول عند الناس إلى أن اتصل بزين العارفين أبي يزيد البسطامي فرأى من حالاته ما تحير فيها فعلم أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء فلازم خدمته وذكر عنه حكايات عجيبة. وحكي انه رأى بايزيد من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر مستوفزاً على صدور قدميه رافعاً أخمصيه ضارباً بدفيه على صدره شاخصاً بعينيه لا يطرف ثم سجد عند الفجر فأطال ثم قعد وقال: اللهم إن قوماً طلبوك فأعطيتهم المشي على الماء والمشي على الهواء فرضوا منك بذلك وإني أوذ بك من ذلك وإن قوماً طلبوك فأعطيتهم كنوز الأرض ورضوا بذلك وإني أعوذ بك من ذلك وإن قوماً طلبوك فأعطيتهم طي الأرض فإنهم رضوا بذلك واني أعوذ بك من ذلك حتى عد نيفاً وعشرين مقاماً من مقامات الأولياء ثم التفت إلي فرآني فقال: يحيى! قلت: نعم يا سيدي! فقال: منذ متى أنت هنا قلت: منذ حين. فسكت فقلت: يا سيدي حدثني بشيء. فقال: أحدثك بما يصلح لك ادخلني في الفلك الأسفل فدورني في الملكوت السفلي وأراني الأرض وما تحتها إلى الثرى ثم أدخلني في الفلك العلوي فطوف في السموات وأراني ما فيها من الجنان إلى العرش ثم أوقفني بين يديه وقال: سلني أي شيء رأيت حتى أهبه لك! فقلت: يا سيدي ما رأيت شيئاً استحسنته فأسالك إياه. فقال: أنت عبدي حقاً بعبدي لأجلي صدقاً لأفعلن بك ولأفعلن! وذكر أشياء قال يحيى: فهالني ذلك وامتلأت به وعجبت منه فقلت: يا سيدي لم ما سألته المعرفة به وقد قال لك سلني ما شئت قال: فصاح في صيحة وقال لي: اسكت! ويلك غرت عليه مني لا أحب أن يعرفه سواه. وحكي أن من لطف الله تعالى في حق يحيى انه تكلم ببلخ وفضل الغنى على الفقر فأعطي ثلاثين ألف درهم فسمع بعض المشايخ ذلك فقال: ما أعجبه لا بارك الله له في هذا المال! فخرج من بلخ يريد نيسابور فوقع عليه اللصوص وأخذوا منه المال. وحكى يحيى انه دخل المسجد فوقعت جنية على باب المسجد فقلت: ان ذلك لذنب مني حتى تذكرت اني قدمت رجلي اليسرى فقلت: تبت لا أعود إلى مثله! فنوديت: يا يحيى أدركت سوء الأدب بحسن المعذرة فأدركناك بالفضل والمغفرة. توفي سنة ثمان وخمسين ومائتين. |
زاوه كورة بخراسان. ينسب إليها الشيخ حيدر وهو رجل مشهور كان عجيب الشأن: في الصيف يدخل في النار وفي الشتاء يدخل في وسط الثلج والناس من الأطراف يقصدونه لرؤية هذا الأمر العجيب. فمن رآه على تلك الحالة لا يملك نفسه أن يترك الدنيا ويلبس اللباد ويمشي حافياً وسمعت أن كثيراً ما يأتي الأمراء وأرباب الدنيا فكلما رأوه رموا أنفسهم من الفرس ولبسوا اللباد. ولقد رأيت من الأتراك مماليك في غاية الحسن وقد لبسوا اللباد يمشون حفاة قالوا: انهم أصحاب حيدر! وحكى بعض المتصوفة أن الشيخ رئي يوماً فوق قبة عالية لا يمكن صعودها فتعجبوا منه كيف صعد إليها ثم انه جعل ينزل منها كما يمشي أحدكم على الأرض المستوية! وكان هذا الشيخ باقياً إلى مجيء التتر سنة سبع عشرة وستمائة. زراعة قرية في شرقي الموصل قرب باعشيقا بها عين النيلوفر وهي عين فوارة يجتمع فيها ماء كثير ينبت في ذلك الماء النيلوفر ويعد نوعاً من أنواع دخل القرية ويضمنه العامل في القرية بمال. زز كورة بهمذان. يجلب منها الززي وهي ثمرة عجيبة مشهورة تربى بالخل لها منافع كثيرة ويكون طعم خلة طيباً جداً ولا يوجد في جميع البلاد إلا هناك ومنها يحمل إلى سائر البلاد. زنجان مدينة مشهورة بأرض الجبال بين أبهر وخلخال جادة الروم وخراسان والشام والعراق لا تزال الحرامية كامنة حواليها. والبلدة في غاية الطيب وأهلها أحسن الناس صورة وظرافة وبذلة. وفي جبالها معادن الحديد ويحمل منها إلى البلاد وإذا وقع عندهم جدب لا يبيعون الخبز إلا مع الحديد فمن أراد شري الخبز يزن ثمن الخبز والمسامير. وحكي انه وصل إليها قفل آخر النهار فقال بعضهم لبعض: المصلحة أن لا نبيت ها هنا ونرحل حتى إذا كان الغد بعدنا عن هذه الأرض. فدخلوا المدينة حتى يشتروا شيئاً من الخبز فما وجدوا الخبز إلا عند خباز واحد وكان عنده برذعة فقال: لست أبيع الخبز إلا مع البرذعة! وكل واحد يؤدي ثمن الخبز وثمن البرذعة يأخذ الخبز ويترك البرذعة حتى جاء رجل ظريف قال الخباز: هات ثمن البرذعة! فقال الرجل: حاجتي إلى البرذعة أمس من حاجتي إلى الخبز وأدى ثمنها وأخذها من عند الخباز وأحرقها. وحكي أن رجلاً طوالاً أراد شري البطيخ فأخذ يستامه وقال للبائع: انها صغار! فقال البائع: من الموضع الذي تنظر يرى الجمل عصفوراً وانها ليست بصغار. وحكي أن رجلاً من أوساط الناس حلف بأبيه فقال بعض الحاضرين: وهل كان لك أب فقال: وهل يكون الإنسان بلا أب قال: ما كان أباً يذكر في المحافل! ومن عجائبها ما ذكره أبو الريحان الخوارزمي عن أبي الفرج الزنجاني: أنه لا يرى بزنجان عقرب إلا في موضع يسمى مقبرة الطير فإن أخرجت منها عادت إليها سريعاً وما ذاك إلا لطيب تربتها ولطافة هوائها. وبها جبل بزاو قالوا: انه من أنزه المواضع وأطيبها وليس على وجه الأرض موضع أرق منه هواء ولا أعذب ماءً ولا أطيب رائحة نباته الرياحين فراسخ في فراسخ تفوح روائحها من بعد بعيد فإذا كان فصل الربيع يرى أديمه مثل الديباج المنقش من ألوان الرياحين. ينسب إليها جلال الطبيب. كان طبيباً عديم النظير في الآفاق كان في خدمة ازبك بن محمد بن ايلدكز صاحب آذربيجان وأران لا يفارقه يقول: ان حياتي محفوظة بهذا الرجل! وكان آية في المعالجات ما كان يمشي إلى المريض بل يستخبر عنه ويأمر بدواء حقير ويكون البرء حاصلاً كان وجوده فائدة عظيمة للناس ما وجد مثله بعده. ساباط بليدة كانت بقرب مدائن كسرى أصله بلاشاباد يعني عمارة بلاش وهو من ملوك الفرس فعربته العرب وقالوا ساباط. ينسب إليها حجام كان يحجم الناس نسيئة فإذا لم يأته أحد يحجم أمه حتى لا يراه الناس بطالاً فما زال يحجمها حتى ماتت فقالت العرب: افرغ من حجام ساباط! وكان كسرى ابرويز ألقى النعمان بن المنذر تحت أرجل الفيل بساباط لما قتل عدي بن زيد وجاء إلى كسرى مستغفراً فما قبل توبته قال الشاعر: فأدخل بيتاً سقفه صدر فيله بساباط والحيطان فيه قوائمه سامرا مدينة عظيمة كانت على طرف شرقي دجلة بين بغداد وتكريت بناها المعتصم سنة إحدى وعشرين ومائتين وسبب بنائها أن جيوشه كثروا حتى بلغ مماليكه سبعين ألفاً فمدوا أيديهم على حرم الناس. وإذا ركبوا انحطم كثير من الصبيان والعميان والضعفاء من ازدحام الخيل فاجتمع عامة أهل بغداد ووقفوا للمعتصم وقالوا: قد عمنا أذى جيوشك! إما تمنعهم أو تقلبهم عنا وإلا حاربناك بدعاء السحر! فقال: اما تقلبهم فلا يكون إلا بتقلبي ولكني أوصيهم بترك الأذى فما زادتهم الوصية إلا زيادة الفساد فوقفوا له مرةً أخرى وقالوا: إما تحولت عنا وإلا حاربناك بدعاء السحر! فقال: هذه الجيوش لا قدرة لي بها نعم أتحول وكرامةً. وساق من فوره حتى نزل سامرا وبنى بها داراً وأمر عسكره بمثل ذلك حتى صارت أعظم بلاد الله بناء وأهلاً. وأنفق على جامعها خمسمائة ألف دينار وجعل وجوه حيطانها كلها المينا وبنى المنارة التي كانت إحدى العجائب وحفر الاسحقي. وبنى الملوك والأمراء بها دوراً وقصوراً وبنى الخلفاء بها أيضاً قصوراً عجيبة وكان المعتصم والواثق والمتوكل بنوا بها قصوراً والمتوكل اشتق من دجلة قناتين شتوية وصيفية وتدخلان الجامع وتتخللان شوارع المدينة. وفي جامعها السرداب المعروف الذي تزعم الشيعة ان مهديهم يخرج منه لأنهم زعموا أن محمد بن الحسن دخل فيه وكان على باب هذا السرداب فرس أصفر سرجه ولجامه من الذهب إلى زمن السلطان سنجر بن ملكشاه. جاء يوم الجمعة إلى الصلاة فقال: هذا الفرس ههنا لأي شيء فقالوا: ليخرج من هذا الموضع خير الناس يركبه. فقال: ليس يخرج منه خير مني! وركبه. زعموا أنه ما كان مباركاً لأن الغز غلبته وزال ملكه. ولم تزل سامرا في زيادة عمارة من أيام المعتصم إلى أيام المستعين فعند ذلك قويت شوكة الأتراك ووقعت المخالفة في الدولة فلم تزل في نقص إلى زمان المعتضد بالله فإنه انتقل إلى بغداد وترك سامرا بالكلية فلم يبق بها إلا كرخ سامرا وموضع المشهد والباقي خراب يباب يستوحش الناظر إليها بعد ان لم يكن في الأرض أحسن ولا أجمل ولا أوسع ملكاً منها. فسبحان من يقلب الأمور ولا يتغير بتغير الأزمنة والدهور! قال ابن المعتز: غدت سرّ من را في العفاء فيا لها قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزل تفرّق أهلوها ولم يعف رسمها لما نسجته من جنوبٍ وشمأل إذا ما امرؤٌ منهم شكا سوء حاله يقولون: لا تهلك أسىً وتجمّل! ساوه مدينة طيبة كثيرة الخيرات والثمرات والمياه والأشجار في وهدة من الأرض. وكانت في قديم الزمان على ساحل بحيرة غاضت عند مولد النبي صلى الله عليه وسلم ورأيت موضع البحيرة زرعوه شعيراً. وحدثني بعض مشايخها انه شاهد السفينة تجري فيها. وأهل ساوه مخصوصون بحسن الصورة واستقامة الطبع ومعرفة وزن الشعر وعلم الغناء وذلك يترشح منهم حتى من نسائهم وصبيانهم وكلهم على مذهب الشافعي ما فيها واحد يخالفهم إلا الغريب. وبها رباطات ومدارس ومارستانات والطاق الذي على باب الجامع وهو طاق عال جداً مثل طاق كسرى على طرفيه منارتان في غاية العلو ليس في شيء من البلاد مثله. وفي وسط الجامع خزانة الكتب المنسوبة إلى الوزير أبي طاهر الخاتوني فيها كل كتاب معتبر كان في زمانه مع أشياء نادرة من الخطوط المنسوبة والاصطرلابات والكرات. ومن عجائبها أن الترنجبين يقع في كل ثلاثين سنة بأرضها على الشوك الذي يختص به ويكثر حتى يجمع ويبتاع على الناس منه شيء كثير وأنا شاهدت ذلك مرة. وينسب إليها القاضي عمر بن سهلان. كان أديباً فقيهاً حكيماً خصه الله تعالى بلطافة الطبع وفطانة الذهن وفصاحة الكلام ومتانة البيان. جميع تصانيفه حسن وكان معاصر الإمام حجة الاسلام الغزالي. ومن عجائب ما حكي من لطف الله تعالى في حقه انه قال: أردت الاشتغال بالعلوم وما كان لي مال ولم يبن في ذلك الوقت شيء من المدارس وكان له خط في غاية الحسن قال: كتبت ثلاث نسخ من كتاب الشفاء لأبي علي بن سينا وكان إذ ذاك للشفاء رواج عظيم بعت كل نسخة بمائة دينار وأودعت ثمنها ثلاثمائة دينار عند بزاز صديق لي. وكلما احتجت أخذت منها وأنفقت حتى غلب علي ظبي اني استوفيتها فانقطعت عنه فرآني الرجل وقال: ما لي أراك تأخرت عن طلب النفقة قلت: لأني استوفيتها! قال: لا بعد أكثره باق! فكنت أمشي إليه بعد ذلك مرة أخرى ثم انقطعت لما علمت اني استوفيت أكثر من مالي فرآني وقال: ما سبب انقطاعك قلت: جزاك الله عني خيراً! اني استوفيت أكثر من مالي! فقال: لا تنقطع فإنه قد بقي منها بعد كثير! فكنت أمشي مرة أخرى مستحياً ثم انقطعت بالكلية فرآني الرجل وسأل ان لا أنقطع فامتنعت فلما ايس عن ذلك أخرج من كمه ثلاثمائة دينار وقال: هذا رأس مالك والذي أخذته مكسبها لأني كنت أتجر لك عليها ولله تعالى الحمد إذ وفقني لبعض قضاء حاجة مثلك. وينسب إليها القاضي عدة. كان واعظاً ظريفاً حلو الكلام يرى الملوك له. حكي انه كان يعقد مجلس الوعظ بهمذان وينفي التشبيه والقوم لم يقدروا عليه لمكانته عند السلطان فكانوا يكتبون إليه رقاعاً ويشتمونه فيها في نفسه وأهله وأولاده وهو يقول: قد كتبوا كيت وكيت وهذا ممكن لكن وجود الإله على العرش محال! وحكي أن بعض الملوك أراد رسولاً يبعثه إلى ملك آخر فعينوا على القاضي عدة فقالوا: انه جيد لكنه يفسد الرسالة بطلب المال! فقال: حلفوه أن لا يطلب شيئاً! فحلفوه وبعثوه فلما ذهب إليهم صبر أياماً لم يبعث إليه أحد شيئاً غير المرسل إليه فعقد مجلساً وقال: يا قوم إن مرسلي حلفني أن لا أطلب من أحد شيئاً فقولوا أنتم من حلفكم أن لا تبعثوا إلي شيئاً وله وينسب إليها التاج محمد الواعظ المعروف بشجويه. كان واعظاً فقيهاً حلو الكلام عذب اللهجة ذا قبول عند الخواص والعوام وكان وعظه معائب طبقات الناس فإذا حضر ملك يقول: أيها الملك ماذا تقول في عبد لبعض الملوك اصطفاه سيده في حال هوانه وأفاض إليه أنواع إحسانه وفوض إليه أمر البلاد وجعل بيده أزمة العباد ثم ان هذا العبد خرب بلاده وقهر بالظلم عباده وخالف أمر سيده وعصى وتجاوز عن حده واعتدى فهل يستحق هذا العبد من سيده إلا العذاب العظيم والعقاب الأليم ثم قال: أنت ذلك العبد أيها الملك إن الله اصطفاك على العباد وجعل بيدك أمر البلاد وأمرك بالعدل والإحسان ونهاك عن الظلم والطغيان وأنت نهارك مصروف في غصب الأموال وسفك الدماء وليلك بالفسق والفجور فما استحق من الله تعالى كفى بنفسك! وكان يقول في العالم: أيها العالم إذا جاءك المستفتي تقول لا مساغ لسؤالك في الشرع أصلاً وإذا ترك القرطاس تحت المصلى يكون ذلك وجهاً عن الصيدلاني أو الكرابيسي أو الاصطخري. ويقول في المتصوفية: أيها الشيخ إذا حضرت الدعوة تأكل أكل البعير ولو كان حراماً وتسمي ابن صاحب المنزل شاهداً وزوجته سكرجة وتترك العفاف خلف الزلى. وهذا من اصطلاحات الصوفية والعفاف ليس يتخذونه لمذاكيرهم بتركه خلف الزلى. وفي اليوم الثاني يمشي يقول: فقير قد نسي خرقة خلف الزلى ليعرفهم أنه صاحب العفاف الكبير فمن له إليه حاجة يطلبه فكان يتخذ لكل طبقة من طبقات الناس عيباً على هذا المثال. وينسب إليها جماعة ما كان لهم نظير في وقتهم مثل عماد الملك وزير السلطان خوارزمشاه كان وزيراً ذا رأي وعلم. وتاج الدين كمالان. كان عالماً ذا فنون من الخلاف والأصول والمذهب. وبها المسكوي الطبيب. كان طبيباً فاضلاً وحيد دهره. وسعد المغني فإنه جمع بين الصوت والصنعة وله أقوال يتعجب منها أهل تلك الصنعة. ومنها رتك المصارع. طاف أكثر البلاد وصارع كل مصارع فيها وغلبه ولم يغلب قط. ومنها الصفي كانون الشطرنجي فإنه كان يطرح الفرس لمن كان في الطبقة العالية. ومن عاداتهم المحاجزة وهي أن القوم إذا كان فصل الربيع كل جمعة بعد الصلاة خرج من محلتين من كل واحدة منهما مائتان أو ثلاثمائة غلام يلتقون صفين عراة ويتلاكمون أشد الملاكمة ولا يزال كذلك إلى أن ينهزم أحد الصفين. سبران صقع من نواحي الباميان بين بست وكابل قال نصر: به جبال فيها عيون ماء لا تقبل النجاسات وإذا ألقي فيها شيء من النجاسات ماج وغلا نحو جهة الملقي فإن أدركه أحاط به وغرقه. سرجهان قلعة على قلة جبل من جبال الديلم مشرف على قاع قزوين وابهر وزنجان وهي قلعة عجيبة من أحصن القلاع وأحكمها وعليها قلة وهي حصن على حصن بعد استخلاص الطبقة السفلى تبقى قلتها حصناً حيناً لا يسهل استخلاصها. سرخس مدينة بين مرو ونيسابور بناها سرخس بن جودرز وهي كبيرة آهلة غناء كثيرة الخيرات لا ماء لها في الصيف إلا من الآبار ولأهلها يد باسطة في عمل العصائب والمقانع المنقوشة بالذهب منها تحمل إلى سائر الآفاق. وينسب إليها أحمد بن الطيب السرخسي الحكيم الظريف الذي تظهر حكمته مع الظرافة. ذكر أنه سئل عن لذات الدنيا فقال: لذات الدنيا ثلاث: أكل اللحم وركوب اللحم وإدخال ألم تر لذّة الدّنيا ثلاثاً إليها مال كلٌّ بالطّباع فذلك كلّها في اللّحم توجد بأكلٍ أو ركوبٍ أو جماع ومن كلامه: أربعة أشياء لا قبل لها: الدين والمرض والنار والسلطنة. سلماس مدينة بآذربيجان بين تبريز وأرمية. بها ماء من اغتسل به ذهب عنه الجذام. سمعت أن مجذوماً موصلياً ذهب إليه فما رجع إلا سليماً نقي الجسد. سميرم كورة بين أصفهان وشيراز. بها عين ماء يدفع الجراد بها وهي من أعجب عجائب الدنيا: وهو أن الجراد إذا وقعت بأرض يحمل من ذلك الماء إلى تلك الأرض بشرط أن لا يوضع الظرف الذي فيه الماء على الأرض ولا يلتفت حامله إلى ورائه فيتبع ذلك الماء من الطير السودانية عدد لا يحصى ويقتل الجراد. ورأيت في سنة ست وستمائة بأرض قزوين جراداً كانت تستر شعاع الشمس عند طيرانها وما تركت بها ورقة خضراء وباضت بها قيل ان كل جرادة تبيض مائة بيضة فإذا تفرخت بيضها في السنة القابلة لا تقدر فراخها على الطيران فتقيم بها حتى تقوى ثم تطير عنها إلى أرض أخرى فبعث أهل قزوين رجلين أمينين في طلب ذلك الماء لدفع الجراد للسنة القابلة فأتيا به في إناء فجاء عقيب الماء من السودانية عدد لا يحصى وشرعت في قتل الجراد وأهلكتها عن آخرها. قيل: إن كل واحد من السودانية كان يقتل كل يوم من الجراد شيئاً كثيراً حتى قالوا قريباً من ألف لأنها كانت تأكل وتقذف ثم تأكل وتقذف ولا تفارق تلك الأرض حتى تقتل جميعها. وحدث حامل ذلك الماء انه ما رأى شيئاً من السودانية عند المنبع قال: فلما اغترفت وشرعت في الرجوع رأيت في كل منزل يحوم الطير حولنا وهذا من الخواص العجيبة الكثيرة النفع وانه مشهور ببلاد قهستان فسبحان من لا يطلع على أسرار حكمته إلا هو! سناباذ من قرى طوس على ميل منها بها قبر الرشيد حكي أن بعض المنجمين حكم أن موت الرشيد يكون بأرض طوس فقال: إذاً لا نطأ تلك الأرض أبداً! حتى ظهر بخراسان رافع بن الليث بن نصر بن سيار وعظم أمره فأشاروا إلى الرشيد أنه لا يندفع إن لم يمض إليه بنفسه. وكان الرشيد يكره ذلك قالوا: ان مصالح الملك لا تترك بقول منجم ونحن نجمع بينهما نمشي إلى خراسان على وجه يكون بيننا وبين طوس مسافة بعيدة. فلما وصلوا إلى نيسابور ضلوا عن الطريق في بعض الليالي فساقوا سوقاً شديداً فأصبحوا وهم على باب طوس فأتى الرشيد قشعريرة فأراد أن يتحول منها فما أمكنه وزاد به حتى مات ودفن هناك قال عباس بن الأحنف وكان مع الرشيد: قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا ثمّ القفول فقد جئنا خراسانا أين الذي كنت أرجوه وآمله ذاك الذي كنت أخشاه فقد كانا وكان المأمون مع الرشيد بخراسان جعل قبر الرشيد وقبر علي بن موسى الرضا في قبة واحدة قال دعبل الخزاعي وهو شيعي: قبران في طوس: خير الناس كلّهم وقبر شرّهم هذا من العبر ما ينفع الرّجس من قرب الزّكيّ ولا على الزّكيّ بقرب الرّجس من ضرر وذكر بعض مشايخ طوس أن الرشيد في القبر الذي يعرفه الناس للرضا والرضا في القبر الذي يعرفه الناس للرشيد وذلك من تدبير المأمون. والقبران متقاربان في قبة واحدة وأهل تلك القرية شيعة بالغوا في تزيين القبر الذي اعتقدوا أنه للرضا وهو للرشيد! مدينة مشهورة بأرض الجزيرة بقرب الموصل ونصيبين في لحف جبل عال وهي طيبة جداً كثيرة المياه والبساتين والعمارات الحسنة كأنها مختصر دمشق وما رأيت أحسن من حماماتها. بيوتها واسعة جداً وفرشها فصوص وكذلك تأزيرها وتحت كل أنبوبة حوض حجرية مثمنة في غاية الحسن وفي سقفها جامات ملونة الأحمر والأصفر والأخضر والأبيض على وضع النقوش فالقاعد في الحمام كأنه في بيت مدبج. قال أحمد الهمذاني: إن سفينة نوح عليه السلام نطحت جبل سنجار بعد ستة أشهر وثمانية أيام فطابت نفسه عليه السلام وعلم أن الماء أخذ في النضوب فقال: ليكن هذا الجبل مباركاً! فصارت مدينة طيبة كثيرة الأنهار والأشجار والنخل والأترج والنارنج. وحكي أن جارية السلطان ملكشاه ضربها الطلق بأرض سنجار فقال المنجمون: إن كان وضعها لا يكون اليوم يكون ولدها ملكاً عظيماً! فأمر السلطان أن تجعل معلقة ففعلوا فولدت السلطان سنجر فسموا المدينة باسمه وكان ملكاً عظيماً كما قالوا. وبقرب سنجار قصر عباس بن عمرو الغنوي والي مصر. كان قصراً عجيب العمارة مطلاً على بساتين ومياه كثيرة من أطيب المواضع وأحسنها. وكان بعد العباس ينزل بها الملوك لطيب مكانها وحسن عمارتها حكى عمران بن شاهين قال: نزلنا بها مع معتمد الدولة قرواش بن يا قصر عبّاس بن عمروٍ كيف فارقك ابن عمرك قد كنت تغتال الدّهور فكيف غالك ريب دهرك واهاً لعزّك! بل لجودك بل لمجدك بل لفخرك! كتبه علي بن عبد الله بن حمدان بخطه سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وهو سيف الدولة ممدوح المتنبي وتحته مكتوب: يا قصر ضعضعك الزّمان وحطّ من علياء قدرك ومحا محاسن أسطرٍ شرفت بهنّ متون جدرك واهاً لكاتبها الكريم وقدره الموفي بقدرك! وكتبه الغضنفر بن الحسن بن عبد الله بن حمدان في سنة اثنتين وستين وثلاثمائة وهو ناصر الدولة ابن أخي سيف الدولة وتحته مكتوب: يا قصر ما فعل الأولى ضربوا قبابهم بعقرك! أخنى الزّمان عليهم وطواهم تطويل نشرك! واهاً لقاصر عمر من يحتال فيك وطول عمرك يا قصر أين ثوى الكرام السّاكنون قديم عصرك ولقد أطال تفجّعي يا ابن المسيّب رقم سطرك! وعلمت أني لاحقٌ بك تابعٌ في صوب إثرك سهرورد بليدة بأرض الجبال بقرب زنجان. ينسب إليها أبو الفتوح محمد بن يحيى الملقب بشهاب الدين وكان حكيماً عالماً تاركاً الدنيا صاحب العجائب والأمور الغريبة. كان مرتاضاً منقطعاً عن الناس. حكى بعض فقهاء قزوين قال: نزلت برباط بأرض الروم في وقت الشتاء فسمعت صوت قراءة القرآن فقلت لخادم الرباط: من هذا القاريء فقال: شهاب الدين السهروردي. قلت: إني منذ مدة سمعت به وأردت أن أراه. فأدخلني عليه فقال: لا يدخل عليه أحد لكن إذا علت الشمس يخرج ويصعد السطح ويقعد في الشمس فأبصره! قال: فقعدت على طرف الصفة حتى خرج فرأيته عليه لباد أسود وعلى رأسه أيضاً قلنسوة من لباد أسود فقمت وسلمت عليه وعرفته أني قصدت زيارته وسألته أن يجلس معي ساعة على طرف الصفة فطوى مصلاي وجلس فجعلت أحدثه وهو في عالم آخر فقلت: لو لبست شيئاً غير هذا اللباد! فقال: يتوسخ. فقلت: تغسله. فقال: يتوسخ. فقلت: تغسله. فقال: ما حييت لغسل الثياب لي شغل أهم من ذلك. وكان معاصراً لفخر الدين الرازي جرى بينهما مباحثات ورأى فخر الدين بعد موته كتابه التلويحات في الحكمة فقبله. وحكي انه كان جالساً على طرف بركة مع جمع فتحدثوا في معجزات الأنبياء فقال بعضهم: فلق البحر أعجبها. فقال الشهاب: ليس ذلك شيئاً بالنسبة إلى معجزات الأنبياء. وأشار إلى البركة فانشق الماء فيها نصفين حتى رأوا أرض البركة. وحكي انه لما قبض عليه بحلب حبس في دار فرأوا مكتوباً على جائزة لا يوصل إليها إلا بالسلاليم: بيت الظالم خراب ولو بعد حين! وكان كذلك: ذهب الملك عن الملك الظاهر عن قريب وخرب بيتهم. شاذياخ اسم مدينة بخراسان على قرب نيسابور. كانت بستاناً لعبد الله بن طاهر بن الحسين. ذكر الحاكم أبو عبد الله في تاريخ نيسابور أن عبد الله بن طاهر قدم نيسابور بعساكره فنزلوا في دور الناس غصباً فاتفق أن بعض أصحابه دخل دار رجل له زوجة حسناء وكان رجلاً غيوراً لا يفارق داره غيرةً على زوجته فقال له الجندي يوماً: اذهب بفرسي واسقه ماء! فلم يجسر على خلافه ولم يستطع مفارقة أهله فقال لزوجته: اذهبي أنت بفرسه واسقيه حتى احفظ أنا أمتعتنا! فمضت المرأة وكانت وضيئة حسناء فاتفق ركوب عبد الله بن طاهر فرأى المرأة تقود الفرس فقال لها: ما شأنك لست أهلاً لهذا! فقالت: هذا فعل عبد الله بن طاهر! فأخبرته الحال فغضب وحولق فأمر العرفاء في عسكره: من بات بالمدينة حل ماله ودمه! وسار إلى شاذياخ وبنى بها قصراً والجند كلهم بنوا بجنبه دوراً فعمرت وصارت أحسن الأماكن وأطيبها قال الشاعر: فاشرب هنيئاً عليك التّاج مرتفقاً بالشّاذياخ ودع غمدان لليمن فأنت أولى بتاج الملك تلبسه من ابن هوذة فيها وابن ذي يزن فلما استولى الغز على خراسان في عهد سنجر بن ملكشاه سنة ثمان وأربعين وخمسمائة وخربوا نيسابور وأحرقوها انتقل من بقي منهم إلى شاذياخ وعمروها حتى صارت أحسن بلاد الله وأطيبها وكانت ذات سور حصين وخندق وكثرة خلق إلى سنة ثمان عشرة وستمائة استولى عليها التتر وخربوها فإنا لله وإنا إليه راجعون! قلعة حصينة كانت على قلة جبل بقرب أصفهان بناها السلطان ملكشاه ابن ألب ارسلان سنة خمس مائة. وسبب بنائها أن رجلاً من بطارقة الروم جاء إلى السلطان وأسلم وصار من مقربيه وكان معه يوماً في الاصطياد فهرب منهم كلب حسن الصيد وصعد هذا الجبل فتبعه السلطان والبطريق فقال للسلطان: لو كان مثل هذا الجبل عندنا لاتخذنا عليه معقلاً وانتفعنا به ! فأمر السلطان أن يبنى عليه قلعة فمنعه نظام الملك فلم يقبل قوله فبنوا عليه قلعة في غاية الحصانة لا حيلة في استخلاصها. ففرح السلطان به وجعل كوتواله بعض من كان من خواص السلطان أميراً معتبراً وكان ابن عطاش أحمد بن عبد الملك معلماً لوشاقية هذا الأمير وهو داع من دعاة الباطنية حمله الأمير معه إلى القلعة. فلما استقر فيها دعا القوم إلى مذهب الباطنية فأجابوه وبعث الدعاة إلى أصفهان فأجابه من أصفهان أيضاً خلق كثير. فلما علم نظام الملك ذلك قال للسلطان: منعتك عن بناء القلعة فما قبلت والآن أقول استدرك أمر هذا الملحد وإلا يفضي إلى فساد لا يمكن دفعه! فنزل السلطان على القلعة وحاصرها سبع سنين حتى استخلصها وأنزل ابن عطاش منها وكان عالماً بعلم النجوم وقد أركبوه على جمل وأدخلوه في أصفهان واستقبله جميع أهل أصفهان بالطبول والبوقات والدفوف والمساخرة يرقصون قدامه والعوام يرمونه بالأبعار والأقذار قيل له: ما رأيت هذا في طالعك قال: رأيت في طالعي ارتقاء لكن ما رأيت انه يكون على هذا الوجه! وصلب في أصفهان وكفي شره فقالوا للسلطان: قلعة دل عليها كلب وأشار إلى عمارتها كافر وملكها ملحد لا يرجى منها الخير! فأمر بخرابها. شكمبة بليدة من ناحية دنباوند كثيرة المزارع والبساتين والثمار والأعناب. وهي أشد تلك النواحي برداً يضرب أهل جرجان وطبرستان بقاضيها المثل في تشويش الصورة واضطراب الحلقة فإذا رأوا أحداً كريه الصورة قالوا: مثل قاضي شكمبة! قال قائلهم: رأيت رأساً كدبّةٍ ولحيةً كمذبّه فقلت: ذا التّيس من هو فقال: قاضي شكمبه! شهرزور كورة واسعة في الجبال بين اربل وهمذان. بها قرى ومدن. أهلها أكراد قطاع الطريق قال مسعر بن مهلهل: بلدهم ينشيء ستين ألف بيت من الأكراد وقصبتها دزدان. وكانت مدينة ذات سور عريض عال حتى تركض الخيل على سورها لسعته وكان رئيسها عاصياً على السلاطين قال: وكنت أنظر إلى رئيسها وهو جالس على برج مبني على بابها عال ينظر إلى عدة فراسخ وبيده سيف مجرد فمتى رأى خيلاً من بعض الجهات لمع بسيفه. فانجفلت المواشي والقوافل إلى المدينة وقالوا: انها مدينة منصورة ممتنعة عمن يرومها. دعا لها داود وسليمان عليهما السلام. ينسب إليها طالوت الذي بعثه الله تعالى ملكاً إلى بني إسرائيل فقالوا: أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه والمتغلبون عليها إلى اليوم يزعمون أنهم من ولد طالوت. وهي مخصوصة بقلة رمد العين والجدري هذا آخر كلام مسعر. وبها جبل ينبت حب الزلم الصالح لأدوية الباه لم يعرف في مكان غيره. وبها نوع من الكرم يأتي سنة بالعنب وسنة بثمرة شبيهة بالجزر شديدة الحمرة أسود الرأس يقولون له الودع. وبها عقارب قتالة أضر من عقارب نصيبين. شهرستان مدينة بخراسان بين نيسابور وخوارزم على طرف بادية الرمل. وبساتينها ومزارعها بعيدة عنها والرمال متصلة بها لا تزال تسف. ولها وقف على رجال وثيران ينحون الرمل عنها أبداً. وربما يغشاها في يوم واحد أضعاف ما ينحون عنها زماناً طويلاً والناس ينظرون إليه وهو وينسب إليها الشهرستاني صاحب كتاب الملل والنحل وكان رجلاً فاضلاً متكلماً ويزعم أنه انتهى إلى مقام الحيرة وهو القائل: لقد طفت في تلك المعاهد كلّها وصيّرت طرفي بيت تلك المعالم فلم أر إلاّ واضعاً كفّ حائرٍ على ذقنٍ أو قارعاً سنّ نادم! شيز مدينة بآذربيجان بين المراغة وزنجان قال مسعر بن مهلهل: بها معدن الذهب والفضة والزئبق والزرنيخ الأصفر والاسرب. ولها سور محيط بها. وفي وسطها بحيرة لا يدرك قعرها. وإني أرسيت فيه أربعة عشر ألف ذراع وكسوراً من ألف ما استقر واستدارتها نحو جريب بالهاشمي. ومتى بل بمائها تراب صار لوقته حجراً صلداً. بها بيت نار عظيم الشأن عند المجوس منها تذكى نيران المجوس من المشرق إلى المغرب وعلى رأس قبته هلال فضة قيل هو طلسم حاول كثير من المتغلبين قلعه فلم يقدروا. ومن عجائب هذا البيت انهم يوقدون منه منذ سبعمائة سنة فلا يوجد فيه رماد البتة ولا ينقطع الوقود عنه ساعة من الزمان.ومن عجائب هذه المدينة انه إذا قصدها عدو ونصب المنجنيق عليها فإن حجر المنجنيق يقع خارج السور ولا يصل إليه وإن كان يرمى إليه من مسافة ذراع. إلى ههنا كلام مسعر وكان رجلاً سياحاً طاف البلاد ورأى عجائبها وأكثر عجائب البلدان منقول منه. وحكى غير مسعر أن بالشيز نار اذرخس وهي نار عظيمة عند المجوس كان إذا الملك منهم زارها أتاها راجلاً. وينسب إليها زرادشت نبي المجوس قيل: انه كان من شيز ذهب إلى جبل سبلان معتزلاً عن الناس وأتى بكتاب اسمه باستا وهو بالعجمية لم يفهم معناه إلا من المفسر. وأتى يدعي النبوة في عهد كشتاسف بن لهراسف ابن كيخسروا ملك الفرس واراد الوصول إليه فلم يتمكن من ذلك وكان كشتاسف جالساً في ايوان فانشق سقف الإيوان ونزل زرادشت منه والناس الذين كانوا عند الملك ما بين هارب ومغشي عليه والملك ما تحرك عن مكانه وقال له: من أنت فقال زرادشت: إني رسول الله إليكم! فقال الملك: نحن وإن رأينا هذا العجب يعني النزول من السقف لكن لا نقتصر على ذلك بل عندنا علماء وحكماء يناظرونك فإن شهدوا لك الحق اتبعناك! فرضي زرادشت به وأمر الملك العلماء والحكماء في ذلك الزمان أن يسمعوا كلامه ويعرفوا الملك. فسمعوا كلامه وقالوا للملك: سمعنا كلامه وانه مستقيم ولم يبق إلا شيء واحد وهو طلب معجزة على نبوته فقالوا: اخترنا أن نطلي بدنه بما أردنا من الأدوية ونأخذ شيئاً من النحاس المذاب ونشد وثاقه ونصب ذلك القطر عليه فإن تلف فقد كفينا أمره وإن سلم من ذلك فيجب علينا متابعته. فرضي زرادشت بذلك واختار الملك هذا الرأي فعروه وشدوا وثاقه وصبوا عليه قطراً فصار القطر كرات وتشبثت بكل شعرة كرة وما ضربه شيء ومع المجوس من تلك الكرات يتبركون بها. فعند ذلك قالوا: لم يبق إلا إجابة دعوته! فأمر في جميع مملكة كشتاسف ببناء بيوت النار وجعل النار قبلةً لا إلهاً وبقيت تلك الملة إلى مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم والآن يقولون بأرض سجستان منها بقية. صيمرة كورة بها عدة قرى من أعمال البصرة على فم نهر معقل. أهلها موصوفون بقلة العقل حتى جاءهم رجل يقال له ابن شاس في حدود سنة خمسين وأربعمائة وادعى أنه إله فعبدوه! ينسب إليها أبو العنبس وهو محمد بن إسحق كان شاعراً أديباً ظريفاً ذا تصانيف في الهزل والنزهات وقد حظي بذلك عند المتوكل. حكي أنه مات له حمار فحزن عليه ورثاه بمرثية وقال: رأيته في النوم قلت: يا حماري! أما أحسنت علفك وماءك فقال: ما مت إلا في وحكي أن البحتري دخل على المتوكل وأنشد قصيدته في مدحه وقال في مطلعها: عن أيّ ثغرٍ تبتسم وبأيّ طرفٍ تحتكم فقال أبو العنبس: عن أيّ سلحٍ تلتقم وبأيّ كفٍّ تلتطم فقال: حسنٌ يضنّ بحسنه والحسن أشبه بالكرم فقال أبو العنبس: نهمٌ يفوه بهجوه والصّفع أليق بالنّهم فقال البحتري: انتقلت إلى مدح الخليفة وتركت النسيب لعله يسكت فقلت: قل للخليفة أيّها المتوكّل بن المعتصم فقال أبو العنبس: قل للمماليك الضّخام وذي النّشاط من الخدم! قال البحتري: فالتفت يميناً وشمالاً حتى أرى هل ينكر عليه أحد فما رأيت إلا مبتسماً فعلمت إن أنشدت زيادة يأتي بزيادة شتم وهتك فسكت وخرجت فلما رآه أبو العنبس قال: فضحك الخليفة والحاضرون وأمر لأبي العنبس بألف دينار فقال الفتح بن خاقان: يا أمير المؤمنين والبحتري أنشد وشوتم وصفع يرجع بخفي حنين فأمر له أيضاً بألف دينار. ومن شعر أبي العنبس: كم مريضٍ قد عاش من بعد موت الطّبيب والعوّاد قد يصاد القطا فينجو سليماً ويحلّ القضاء بالصّيّاد! طالقان كورة ذات قرى بقهستان بين قزوين وجيلان في جبال الديلم. في جبالهم الزيتون والرمان يجلب إلى قزوين منها الزيتون وحب الرمان الكثير. ينسب إليها أبو الخير أحمد بن إسماعيل الملقب برضى الدين. كان عالماً فاضلاً ورعاً صاحب كرامات. حكي انه كان في بدء أمره يتفقه فأستاذه يلقنه الدرس ويكرر عليه مراراً حتى يحفظه فما حفظ حتى ضجر الأستاذ وتركه لبلادته فانكسر هو من ذلك ونام الأستاذ فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: لم آذيت أحمد قال: فانتبهت وقلت: تعال يا رضى الدين حتى ألقنك! فقال: بشفاعة النبي تلقنني! ففتح الله تعالى عليه باب الذكاء حتى صار أوحد زمانه علماً وورعاً ودرس بالمدرسة النظامية ببغداد مدة وأراد الرجوع إلى قزوين فما مكنوه فاستأذن للحج وعاد إلى قزوين بطريق الشام. وكان له بقزوين قبول ما كان لأحد قبله ولا بعده. يوم وعظه يأتي الناس بالضوء حتى يحصلوا المكان ويشتري الغني المكان من الفقير الذي جاء قبله وما سمعوا منه يروونه عنه كما كانت الصحابة تروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكي أن الشيخ كثيراً ما كان يتعرض للشيعة وكان على باب داره شجرة عظيمة ملتفة الأغصان فإذا في بعض الأيام رأوا رجلاً على ذلك الشجر فإذا هو من محلة الشيعة قالوا: ان هذا جاء لتعرض الشيخ! فهرب الرجل وقال الشيخ: لست أقيم في قزوين بعد هذا! وخرج من المدينة فخرج بخروجه كل أهل المدينة والملك أيضاً. فقال: لست أعود إلا بشرط أن تأخذ مكواة عليها اسم أبي بكر وعمر وتكوي بها جباه جمع من أعيان الشيعة الذين أعين عليهم. فقبل منه ذلك وفعل فكان أولئك يأتون والعمائم إلى أعينهم حتى لا يرى الناس الكي. وحكى الشيخ عز الدين محمد بن عبد الرحمن الوارني وكان من المشايخ الكبار بقزوين أن الشيخ عقد المجلس يوم الجمعة أول النهار الثاني عشر من المحرم سنة تسعين وخمسمائة وذكر تفسير قوله تعالى: واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله وان النبي صلى الله عليه وسلم ما عاش بعد ذلك إلا سبعة أيام وكان ذلك تعريضاً ينعى نفسه فرجع إلى بيته محموماً وبقي سبعة أيام ورفع نعشه في اليوم الثامن. ولما بلغوا به الوادي قرب تربته أنار الله تعالى من فضله عليه ورحمته له آيات بينات وأمارات واضحات أنواراً متلألئة وأضوا متضاعفة وألواناً غريبة في السماء ولقد عددت النور الساطع والوميض المتلأليء في سبعة مواضع من الهواء. وعند ذلك صار الخلق حيارى مبهوتين ودمعت العيون ووجلت القلوب وضجت الأصوات والخلق بين ساجد وممرغ في التراب خده لا يستطيع المتحرك سكوناً ولا الساكن حراكاً إلى أن وضع في لحده فعادت السماء إلى حالها وعاد الهواء لهيئته وما ذلك بعجيب من لطف الله تعالى بأرباب العلوم وأصحاب الديانات عليه رحمة الله ورضوانه. الطاهرية قرية من قرى بغداد. بها مستنقع يجتمع فيه في كل سنة ماء كثير عند زيادة دجلة فيظهر فيه السمك المعروف بالبني فيضمنه السلطان بمال وافر. ولسمكه فضل على سائر السمك لطيب لحمه وانه غلة من حاصل هذه القرية مع سائر غلاتها والله الموفق. طبرستان بلاد معروفة والعجم يقولون مازندران وهي بين الري وقومس وبحر الخزر. أرضها كثيرة الأشجار والمياه والأنهار إلا أن هواءها وخم جداً. حكي أن بعض الأكاسرة اجتمع في حبسه جناة كثيرون فقال وزيره: غربهم إلى بعض البلاد ليعمروها فإن عمروها كان العمران لك وانتلفوا برئت من دمهم! واختار أرض طبرستان وهي يومئذ جبال وأشجار فأرادوا قطع الأشجار فطلبوا فؤوساً والفأس بالعجمية تبر فكثرت بها الفؤوس فقالوا: طبرستان وطبر معرب تبر. وقالوا: كانت أيمانهم مغلولة فكانوا يعملون بشمالهم فلهذا ترى فيها أكثرهم عسراً. ونفوا الفواجر أيضاً إليها فتزوجوا بهن فلهذا قلة الغيرة بينهم. وأكثرهم يتعانون تربية دود القز فيرتفع منها الابريسم الكثير ويحمل إلى سائر البلاد. وبها الخشب الخلنج يتخذ منه الظروف والآلات والأطباق والقصاع ثم يحمل إلى الري وصناع بلد الري يجعلونه في الخرط مرة أخرى حتى يبقى لطيفاً ويزوقونه ومن الري يحمل إلى سائر البلاد ومن هذا الخشب تتخذ النشاشيب الجيدة. وبها المآزر والمناديل الرفيعة الطبرية تحمل منها إلى سائر البلاد وكذلك الثياب الابريسمية والأكسية والصوف. وبها شجر إذا ألقيت شيئاً من خشبها في الماء يموت ما فيه من السمك وتطفو. وبها جبل طارق قال أبو الريحان الخوارزمي: بطبرستان جبل فيه مغارة فيها دكة تعرف بدكان سليمان بن داود عليه السلام إذا لطخت بشيء من الأقذار انفتحت السماء ومطرت حتى تزيل الأقذار منها هذا في الآثار الباقية من تصانيف أبي الريحان الخوارزمي. وقال صاحب تحفة الغرائب: بها حشيش يسمى جوز ماثل من قطعه ضاحكاً وأكله غلب عليه الضحك ومن قطعه باكياً وأكله في تلك الحالة يغلب عليه البكاء ومن قطعه راقصاً وأكله كذلك على كل حال قطعه وأكله تغلب عليه تلك الحالة. حكى أبو الريحان الخوارزمي أن أهل طبرستان أجدبوا في أيام الحسن ابن زيد العلوي فخرجوا للاستسقاء فما فرغوا من دعائهم حتى وقع الحريق في أطراف البلد وبيوتهم من الخشب اليابس فقال أبو عمر في ذلك: خرجوا يسألون صوب غمامٍ فأجيبوا بصيّبٍ من حريق! جاءهم ضدّ ما تمنّوه إذ جاءت قلوبٌ محشوّةٌ بالفسوق! وحكى الشيخ الصالح محمد الهمداني قال: رأيت بطبرستان أمراً عجيباً من الأمور وهو: شاهدت بطبرستان دودة إذا وطئها من كان حامل ماء صار الماء مراً وأعجب من هذا انه لو كان خلف الواطيء حمال الماء صار كل المياه مراً ولو كانوا مائة فترى نساءهم يحملن الماء من النهر في الجرار وقدامهن واحدة معها مكنسة تكنس الطريق والنساء الحاملات للماء يمشين وحكى علي بن رزين الطبري وكان حكيماً فاضلاً قال: عندنا طائر يسمونه ككو وهو على حجم الفاختة وذنبه ذنب الببغاء يظهر أيام الربيع فإذا ظهر نبعه صنف من العصافير موشاة الريش يخدمه طول نهاره يأتي له بالغداء فيزقه فإذا كان آخر النهار وثب على ذلك العصفور وأكله وإذا أصبح صاح فجاء آخر فإذا أمسى أكله فلا يزال كذلك مدة أيام الربيع فإذا زال الربيع فقد ذلك النوع واتباعه إلى الربيع القابل. وينسب إليها أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ الطبري والمصنفات الكثيرة وكان كثيراً ما ينشد: أاقتبس الضّياء من الضّراب وألتمس الشّراب من الشراب أريد من الزّمان النّذل بذلاً وأرياً من جنى سلعٍ وصاب! أأرجو أن ألاقي لاشتياقي خيار النّاس في زمن الكلاب وينسب إليها أبو الحسن المعروف بالكيا الهراسي. كان عالماً فاضلاً تالي أبي حامد الغزالي إلا أن الغزالي أثقب منه ذهناً وأسرع بياناً وأصوب خاطراً. كان مدرساً بالمدرسة النظامية ببغداد دخل ديوان الخليفة والقاضي أبو الحسن اللمغاني كان حاضراً ما قام له فشكا إلى الخليفة الناصر لدين الله فقال الخليفة: إذا دخل القاضي أنت أيضاً لا تقم له! ففعل ذلك ونظم حجابٌ وحجّابٌ وفرط حماقةٍ ومدّ يدٍ نحو العلى بالتّكلّف فلو كان هذا من وراء تكلّفٍ لهان ولكن من وراء التّخلّف فشكا القاضي إلى الخليفة فأمر الكيا أن يمشي إليه ويعتذر فقال الكيا: والله لأمشين على وجه يود لو كنت لم أمش! فلما وصل إلى باب دار القاضي أخبر القاضي بأن الكيا جاء إليه فقام واستقبله وواجهه بالكلية. قال الكيا: حفظ الله الخليفة فإنه تارة يشرفنا وتارة يشرف بنا! فانكسر ابن اللمغاني انكساراً شديداً. فلما مات الكيا وقف ابن اللمغاني عند دفنه وقال: فما تغني النّوادب والبواكي وقد أصبحت مثل حديث أمس! ومن عجائب ما حكي أن بعض السلاطين غضب على صاحب طبرستان فبذل الطبري جهده في إزالة ذلك فما أمكنه. فبعث السلطان إليه جيشاً كثيفاً فعلم الطبري أن الجيش لا ينزلون إلا بغيضة معينة تحت جبل فأمر بقطع أشجار تلك الغيضة وتركها كما كانت قائمة وستر موضع القطع بالتراب. فلما وصل الجيش ونزلوا بها كمن الطبري هو وأصحابه خلف ذلك الجبل وشد الجيش دوابهم في أشجار تلك الغيضة وكانت كلها مقطوعة فخرج عليهم الطبري بأصحابه وصاح بهم فنفرت الدواب وتساقطت الأشجار لأن الدواب جرتها فولى الجند هاربين فزعين لا يلوي أحد إلى أحد وتبعهم الطبري بالقتل والأسر فنجا أقلهم وتلف أكثرهم. فلما رجعوا إلى السلطان سألهم عن شأنهم فقالوا: نزلنا بالموضع الفلاني أتانا في جنح الليل جند من الشياطين تضربنا بالأشجار الطويلة! فلم يجسر أحد من المتقومين بعد ذلك على المشي إلى طبرستان! طبس مدينة بين أصفهان ونيسابور مشهورة. ينسب إليها فخر الأئمة أبو الفضل محمد بن أحمد الطبسي صاحب كتاب الشامل في تسخير الجن. وهو كتاب كبير يذكر فيه كيفية تسخير الجن ولكل واحد من رؤسائهم طريق من الطرق يذكر في ذلك الكتاب وحاصله أنه يذكر عزائم وشرائطها ويقول: من أتى بها على هذا الوجه سلط الله تعالى عليهم ناراً تحرقهم ولا يندفع عنهم إلا بالإجابة. وذكروا أن الجن كانوا مسرين لفخر الأئمة وكان هو معاصراً للإمام الغزالي قال له: أريد أن تعرض الجن علي! فأجابه إلى ذلك قال الغزالي: رأيتهم مثل الظل على الحائط. فقلت له: إني أريد أن أحادثهم وأسمع كلامهم. فقال: أنت لا تقدر ترى منهم أكثر من ذلك.وينسب إليها شمس الطبسي الشاعر. كان شاباً حسن الصورة حلو الكلام جيد الشعر من تلامذة الشيخ رضى الدين النيسابوري وكان معاصر الخاقاني فرأى شعر الخاقاني وسلك ذلك المسلك إلا أن شعر الشمس كان ألطف وأعذب فقال له رضى الدين: داوم على هذا الفن فإنه يجيء منك وترى منه الخير. وله أشعار في غاية الحسن وأسلوب هو منفرد به. وكان قاضي مدينة بخارى صدر الشريعة شاعراً مفلقاً عديم النظير نظم قصيدة حسنة قافيتها ضيقة بالعجمية وهذا مطلعها: بر خير كه شمعست وشرابست ومن تو اواز خروسان سحر خاست زهر سو بر خير كه برخاست بياله بيكي باي بنشين كه نشستست صراحي بد وزانو بر خير اران بيس كه معشوقه شب را باروز بكيرند وببرند دو كيسو واين قصيده در بخارى مشهور كست همه معترف شدند بخوى آن شمس طبس مثل اين قصيده بكفت وهذا مطلعها: ازروى تو جون كرد صبا طره بيكسو فرياد براورد شب غاليه كيسو از زلف سياه تو مكر شد كرهي باز كر مشك براورد صبا تعبيه هر سو اخر دل رنجور مرا جند براري زنجير كشان تا بسرطاق دوابرو فلما عرف صدر الشريعة بهذه القصيدة نادى: من قائلها وما كان يقدر أن يقول شيئاً لأنها كانت في مدح وزير بخارى. وسمعت انه كان شاباً مثل القمر. مات فجأة وديوانه صغير لأنه ما وجد العمر. طرابلس مدينة على شاطيء بحر الروم عامرة كثيرة الخيرات والثمرات لها سور منحوت من الصخر وبساتين جليلة ورباطات كثيرة يأوي إليها الصالحون. بها مسجد الشعاب وهو مسجد مشهور مقصود يأتيه الناس لبركته واحترامه. وبها بئر الكنود وهي بئر زعموا أن من شرب من مائها يتحمق فإذا أتى رجل من أهل طرابلس بما يلام عليه يقولون له: لا نعيبك فإنك شربت من بئر الكنود! طرق مدينة بقرب أصفهان. لأهلها يد باسطة في الآلات المستظرفة من العاج والآبنوس يحمل منها إلى سائر البلاد كل آلة ظريفة يعجز عن مثلها صناع غيرها من البلاد. ينسب إليها تاج الطرقي. كان أديباً شاعراً ظريفاً. له حكايات عجيبة وأشعار فصيحة مثل إذا ما رآني العاذلون وغرّدت حمائم دوحٍ أيقظتها النّسائم يقولون: مجنونٌ جفته سلاسلٌ وممسوس حيٍّ فارقته التّمائم فتعجب من ذلك وقال: ما ظننت أن أحداً من العجم يوصل كلامه إلى هذا الحد! فبعث إليه خلعة سوداء فوصل إليه خلعة الخليفة بغتةً فجأة فلبسها وعمل قصيدة طويلة في مدح الخليفة وبعثها إلى بغداد مطلعها: ترتاح أندية النّدى والباس في مدح مولانا أبي العبّاس وحكي انه سافر إلى همذان وكان ابن قاضي قزوين ورئيسها بهمذان فسمع أن تاجاً الطرقي وصل فأحب أن يراه لأنه كان مشهوراً بالفضل فقيل انه ذهب إلى دار الكتب فمشى إليه فوجده يطالع كتاباً فسلم عليه فقال: عليك السلام! وما تحرك له ولا نظر إليه. وإنه كان رجلاً ذا هيئة وجثة وغلمان ومماليك واشتغل بمطالعة الكتاب فتأذى الرجل من ذلك وقال من أذيته: تاج الدين ما تعرفني قال: لا! قال: أنا رجل من أعيان قزوين ذو أمر ونهي وقطع ووصل فقال: مدينتكم لا يكون لها شحنة قال: نعم. قال: فلم لا يصلبنك فقام الرجل وقال: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه! وحكي انه كان في دار وحده فقام في جنح الليل ينادي: اللص! اللص! فاجتمع الجيران فإذا الأبواب والاغلاق بحالها والدار فقالوا له: أين اللص فقال: إني سمعت أن اللصوص إذا دخلوا بيوت الناس شدوا قطاع اللباد على أقدامهم لئلا يسمع دبيبهم وإني لما انتبهت ما سمعت شيئاً من الدبيب قلت: لعل اللص دخل وشد على رجله اللباد! وله حكايات مثل هذه رحمه الله. طرزك قرية من قرى قزوين مشهورة. حكي أن بعض الصلحاء رأى في نومه أو في واقعة أن هناك صحابياً وما كان بها قبر ولا عرف أحد ذلك فلما كشفوا إذا رجل طويل القامة عليه درع والدم ينزف من جراحته فبنوا عليه مشهداً واشتهر بين الناس أن الدعاء فيه مستجاب فصار مقصوداً يقصده الناس من الأطراف كلها. وحدثني أبي رحمة الله عليه انه ذهب إليه زائراً وقدام المشهد مسجد قال: فتركت الدابة مع الغلام ودخلت المسجد أصلي وفرشت مصلاي في المحراب قال: فرفعت رأسي من السجود فرأيت على مصلاي رمانة كبيرة طرية كأنها قطعت من شجرها في الحال وشجرها لا ينبت بأرض قوين ونواحيها وإنما يجلب إليها من الري وكان الوقت صيفاً لا يوجد الرمان في شيء من البلاد أصلاً قال: فلما فرغت من الزيارة خرجت وقلت للغلام: هل دخل المسجد أحد قال: لا. قلت: هل خرج منه أحد قال: لا. فتعجبت والرمانة معي حتى وصلت إلى ضيعتنا وطروز كان على طريقي والرمانة بعد معي فعرضتها على أخي وجمع كانوا هناك فتعجبوا منه فتركتها مع رحلي ومضيت لحاجة وعدت فما رأيتها فسألت غلامي عنها فقال: لا علم لي بها! ومر على ذلك مدة حتى كنت في بعض أسفاري وحدي فإذا أنا برجل شيخ طويل القامة كث اللحية يناديني: يا محمد! ما صنعت بتلك الرمانة فقصدت نحوه لأتبرك به فغاب عن عيني ولم أدر أين ذهب عليه رحمة الله. طروز قرية كبيرة من قرى قزوين غناء كثيرة المياه والأشجار والبساتين والثمار. ولطيبها ونزاهتها اتخذها أتراك العجم مماليك السلاطين مسكناً وبنوا بها قصوراً وتوالدوا وتناسلوا هناك فمن دخلها تحير فيها من كثرة خيراتها وفواكهها وثمارها وحسن عمارتها وطيب هوائها وحسن صور أهلها فكأن فيها من أولاد الأتراك صوراً مليحة ووجوهاً صبيحة فمن دخلها ما أراد الخروج عنها وكان الأمر على ذلك إلى ورود التتر.مدينة مشهورة كبيرة من بلاد الترك ذات قرى كثيرة وقراها بين جبلين في مضيق لا سبيل إليها إلا من ذلك المضيق ولا يمكن دخولها لو منع مانع فلا يتعرض لها أحد من ملوك الترك لعلمهم بأن قصدها غير مفيد وسلطانها ذو قدر ومكانة عند ملوك الترك. بها معادن الذهب فلذلك كثر الذهب عندهم حتى اتخذوا منه الظروف والأواني. وأهلها زعر لا شعر على جسدهم ورجالهم ونساؤهم على السواء في ذلك. وفي نسائها خاصية عجيبة وهي أنهن يوجدن كل مرة عند غشيانهن أبكاراً. وحكى بعض التجار أنه اشترى جارية تركية وجدها كذلك. وحكى الأمير أبو المؤيد بن النعمان أنه بها عينان: إحداهما عذب والأخرى ملح وهما تنصبان إلى حوض وتمتزجان فيه ويمتد من الحوض ساقيتان: إحداهما عذب ولا ملوحة فيه والأخرى ملح. وذكر انه من كرامات رجل صالح اسمه مليح الملاح وصل إلى تلك الديار ودعا أهلها إلى الإسلام وظهر من كراماته أمر هذا الحوض والسواقي فأسلم بعض أهلها وهم على الإسلام إلى الآن. طوس مدينة بخراسان بقرب نيسابور مشهورة ذات قرى ومياه وأشجار والمدينة تشتمل على محلتين يقال لإحداهما طابران والأخرى نوقان. وفي جبالها معادن الفيروزج وينحت منها القدور البرام وغيرها من الآلات والظروف حتى قال بعضهم: قد ألان الله لأهل طوس الحجر كما ألان لداود عليه السلام الحديد. منها جمع عقم الزمان بمثلهم ممن ينسب إليها الوزير نظام الملك الحسن ابن علي بن إسحق لم ير وزير أرفع منه قدراً ولا أكثر منه خيراً ولا أثقب منه رأياً. وكان مؤيداً من عند الله. حكي أن قيصر الروم جاء لقتال السلطان الب أرسلان فقال السلطان لنظام الملك: ماذا ترى يقولون عسكره أكثر من عسكرنا! فقال نظام الملك: ليس النصر من الكثرة إنما النصر من عند الله نحن نتوكل على الله ونلتقيه يوم الجمعة وقت تقول الخطباء على المنابر: اللهم انصر جيوش المسلمين! ففعلوا ذلك فنصرهم الله. وحكي أن السلطان الب أرسلان دخل مدينة نيسابور فاجتاز على باب مسجد فرأى جمعاً من الفقهاء على باب ذلك المسجد في ثياب رثة لا خدموا للسلطان ولا دعوا له فسأل السلطان نظام الملك عنهم فقال: هؤلاء طلبة العلم وهم أشرف الناس نفساً لا حظ لهم من الدنيا ويشهد زيهم على فقرهم. فأحس بأن قلب السلطان لان لهم فعند ذلك قال: لو أذن السلطان بنيت لهم موضعاً وأجريت لهم رزقاً ليشتغلوا بطلب العلم ودعاء دولة السلطان! فأذن له فأمر نظام الملك ببناء المدارس في جميع مملكة السلطان وأن يصرف عشر مال السلطان الذي هو مختص بالوزير في بناء المدارس وهو أول من سن هذه السنة الحسنة. وحكى نظام الملك في كتابه سير الملوك أن بعض المفسدين قال للسلطان ملكشاه: ان في معيشك أربعمائة ألف فارس وأمر المملكة يتمشى بسبعين ألفاً فإن سبعين ألفاً لم يغلبوا من القلة فلو أسقطتهم امتلأت الخزانة من المال! ومال السلطان إلى قوله فلما عرفت ذلك قلت للسلطان: هذا قول من أراد اثارة الفتنة وفساد المملكة! إن ملكك خراسان وما وراء النهر إلى كاشغر من غور وخوارزم واللان واران وآذربيجان والجبال والعراق وفارس وكرمان والشام وارمن وأنطاكية وانها إنما تبقى محفوظة بهذه العساكر ولم يذكر أن دولة الخلفاء العظام والملوك الكبار قد خلت من خروج خارجي وظهور مخالف وهذه الدولة المباركة بسعادة السلطان سلمت عن الكدورات فلو كانت العساكر ثمانمائة ألف لكانت السند والهند والصين ومصر والبربر والحبشة والروم أيضاً في طاعتنا. ثم ان السلطان ان أثبت سبعين ألفاً وأسقط ثلاثمائة وثلاثين ألفاً فالساقطون ليسوا أصحاب حرف يشتغلون بصنعتهم يجتمعون على يد واحد ويدخلون تحت طاعته فنشأ من ذلك فساد عظيم ويكون الخصم في ثلاثمائة وثلاثين ألفاً ونحن في سبعين ألفاً فتمشي الأموال وتهلك ويكون ذلك نتيجة نصيحة هذا الناصح الذي ينصح بجمع الأموال وتفريق الرجال. وحكي انه كان شديد التعصب على الباطنية وقد خرج من أصفهان وبه عقابيل المرض في العمارية. فلما وصل إلى قرية من قرى نهاوند يقال لها قيدسجان تعرض له رجل ونادى: مظلوم! مظلوم! فقال الوزير: ابصروا ما ظلامته. فقال: معي رقعة أريد أسلمها إلى الوزير ! فلما دنا منه وثب عليه وضربه بالسكين وكانت ليلة الجمعة الحادي والعشرين من رمضان سنة خمس وثمانين وأربعمائة فحمل إلى أصفهان ودفن في مدرسته. وينسب إليها الإمام حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي. لم تر العيون مثله لساناً وبياناً وخاطراً وذكاء وعلماً وعملاً. فاق أقرانه من تلامذة إمام الحرمين وصار في أيام إمام الحرمين مفيداً مصنفاً وإمام الحرمين يظهر التبجح به. وكان مجلس نظام الملك مجمع الفضلاء فوقع لأبي حامد في مجلسه ملاقاة الفحول ومناظرة الخصوم في فنون العلوم فأقبل نظام الملك عليه وانتشر ذكره في الآفاق فرسم له تدريس المدرسة النظامية ببغداد وصنف كتباً لم يصنف مثلها ثم حج وترك الدنيا واختار الزهد والعبادة وبالغ في تهذيب الأخلاق ودخل بلاد الشام وصنف كتباً لم يسبق إلى مثلها كإحياء علوم الدين ثم عاد إلى خراسان مواظباً على العبادات إلى أن انتقل إلى جوار الحق بطوس سنة خمس وخمسمائة عن أربع وخمسين سنة. قيل: ان تصانيفه وزعت على أيام عمره فأصاب كل يوم كراس. حكى الشيخ أبو الفتح عامر الساوي قال: كنت بمكة سنة خمس وأربعين وخمسمائة فبينا أنا بين النوم واليقظة إذ رأيت عرضة عريضة فيها ناس كثيرون وفي يد كل واحد مجلد يحلقون على شخص فقالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم! وهؤلاء أصحاب المذاهب يعرضون مذاهبهم عليه. فبينا أنا كذلك إذ جاء واحد بيده كتاب قيل إنه هو الشافعي فدخل وسط الحلقة وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد الجواب عليه وهو عليه السلام في ثياب بيض على زي أهل التصوف فقعد الشافعي بين يديه وقرأ من كتاب مذهبه واعتقاده عليه ثم جاء بعده رجل آخر قالوا انه أبو حنيفة وبيده كتاب فسلم وقعد بجنب الشافعي وقرأ مذهبه واعتقاده ثم يأتي صاحب كل مذهب حتى لم يبق إلا القليل وكل يقرأ ويقعد بجنب الآخر. ثم جاء واحد من الروافض وبيده كراريس غير مجلدة فيها مذهبهم واعتقادهم وهم أن يدخل الحلقة فخرج واحد ممن كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ الكراريس ورماها خارج الحلقة وطرده وأهانه. فلما رأيت أن القوم قد فرغوا قلت: يا رسول الله هذا لاكتاب معتقدي ومعتقد أهل السنة لو أذنت لي قرأت عليك. فقال: صلى الله عليه وسلم: أي شيء ذلك قلت: قواعد العقائد للغزالي. فأذن لي بالقراءة فقعدت وابتدأت: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله المبديء المعيد الفعال لما يريد ذي العرش المجيد والبطش الشديد الهادي صفوة العبيد إلى النهج الرشيد والملك الشديد المنعم عليهم بعد شهادة التوحيد بحراسة عقائدهم من ظلمات التشكيك والترديد إلى أن وصلت إلى قوله: وانه تعالى بعث الأمي القرشي محمداً صلى الله عليه وسلم إلى العرب والعجم كافة من الجن والانس فرأيت البشاشة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتفت إلي وقال: أين الغزالي كأنه كان واقفاً في الحلقة! فقال: ها أنا ذا يا رسول الله! فقدم وسلم على رسول الله عليه السلام فرد عليه الجواب وناوله يده المباركة. فصار الغزالي يقبل يده المباركة ويضع خديه عليها تبركاً بها فما رأيت رسول الله عليه السلام أكثر استبشاراً بقراءة أحد مثل استبشاره بقراءتي فسأل الله تعالى أن يميتنا على عقيدة أهل الحق وأن يحشرنا مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين قال الأبيوردي: بكى على حجّة الإسلام حين ثوى من كلّ حيٍّ عظيم القدر أشرفه مضى وأعظم مفقودٍ فجعت به من لا نظير له في النّاس يخلفه وينسب إليها ملك الابدال أحمد بن محمد بن محمد الغزالي. كان صاحب كرامات ظاهرة.كان أخوه حجة الإسلام يقول: ما حصل لنا بطريق الاشتغال ما حصل لأحمد بطريق الرياضة. حكي أن الشيخ محمداً كان يصلي والشيخ أحمد حاضر فلما فرغ من صلاته قال له: أيها الأخ قم أعد صلاتك لأنك كنت في الصلاة تحاسب حساب البقال! وحكي أن السلطان ملكشاه كان مريداً للشيخ أحمد فذهب ابنه سنجر إلى زيارة الشيخ وكان حسن الصورة جداً فالشيخ قبله في خده فكره الحاضرون ذلك وذكروه للسلطان فقال السلطان لابنه سنجر: الشيخ قبل خدك قال: نعم. قال: ملكت نصف الأرض ولو قبل الجانب الآخر ملكت كلها! وكان الأمر كذلك. وحكي أن رجلاً أراد أن يأخذ امرأة خاطئة ليلة بأجرة معلومة فالشيخ زاد في أجرتها وأخذها إلى بيته وأقعدها في زاوية من البيت واشتغل هو بالصلاة إلى الصباح. فلما كان النهار وقد أعطاها أجرتها قال لها: قومي واذهبي إلى حيث شئت! وغرضه دفع الزنا عنهما رحمة الله عليه ورضوانه. وينسب إليها الحكيم الفردوسي. كان من دهاقين طوس له ملك في ضيعة يظلمه عامل الضيعة فذهب إلى باب السلطان محمود بن سبكتكين لدفع ظلم العامل وكان يطلب وسيلة. قيل له: الشعراء مقربون الآن لأن السلطان يريد أن يجعلوا له تاريخ ملوك العجم منظوماً وأقربهم إلى السلطان العنصري فطلبه الفردوسي فوجده في بستان ومعه الفرخي والعسجدي فذهب إليهم وسلم وجلس عندهم فقالوا: نحن شعراء لا نجالس إلا من كان مثلنا! فقال: أنا أيضاً شاعر! فقالوا: أجز معنا هذا البيت: قال العنصري: جون روي تو خورشيذ نباشذ روشن قال الفرخي: مانند رخت كل نبود در كلشن قال العسجدي: مر كانت همي كذر كند بر جوشن قال الفردوسي: مانند سنان كيو در جنك بشن فقالوا: ما أدراك بحال كيو وجنك بشن قال: أنا عارف بوقائع ملوك العجم. فاستحسنوا ما أتى به الفردوسي وذكروه عند السلطان فأعطى السلطان لكل شاعر جزاء وأعطى للفردوسي أيضاً جزاء. فرأوا شعر الفردوسي خيراً من شعرهم وكان شعر كل واحد لا يشابه شعر الآخر لأن شأنها كان فصيحاً وشأنها كان ركيكاً فقال: إني أتولى نظم الكتاب كله ولا حاجة إلى غيري! فنظم الكتاب من أول زمان كيومرث وهو أول ملك ملك إلى زمان يزدجرد بن شهريار آخر ملوك العجم في سبعين ألف بيت مشتملاً على الحكم والمواعظ والزواجر والترغيب والترهيب بعبارة فصيحة وحمل الكتاب إلى السلطان فأعجبه وأمر له بحمل فيل ذهباً. فقال الوزير: جائزة شاعر حمل فيه ذهباً كثير ألا حمل فيل فضة وكان الفردوسي يطمع بمنصب رفيع من المناصب مثل الوزارة فلما رأى حمل فيه فضة اشترى به فقاعاً وشربه وألحق بالكتاب هذه الأبيات الثلاثة: برين سال بكذشت از سي وبنج بدرويشي وناتواني ورنج بذان تا بيري مرا بر دهذ مرا شاه مر تخت واسفر دهذ جو اندر نهاذش بزركي نبوذ نيارست نام بزركان شنوذ وحكي أن الشيخ قطب الدين أستاذ الغزالي اجتاز على قبر الفردوسي مع أصحابه فقال بعضهم: نزور الفردوسي! فقال الشيخ: دعه فإنه صرف عمره في مدح المجوس! فرأى ذلك القائل الفردوسي في نومه يقول له: قل للشيخ لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذاً لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الانسان قتوراً.بليدة بين واسط وخوزستان قال داود بن أحمد الطيبي: مدينة طيب من عمارة شيث بن آدم عليه السلام وما زال أهلها على ملة شيث إلى أن جاء الإسلام. والمدينة قديمة أحدث القدماء بها أشياء وطلسمات منها ما زال ومنها ما بقي. ومما زال قالوا: كان بها طلسم لدفع العقارب والحيات وكان باقياً إلى قريب من زماننا. ومن عجائبها الباقية أن لا يدخلها زنبور البتة فإن دخلها مات ولا يدخلها غراب أبقع ولا عقعق. طي+ناباد معناه عمارة الضراط.قرية بين الكوفة والقادسية على جادة الحاج من أنزه المواضع. وهي محفوفة بالكروم والأشجار والخانات والمعاصر كانت أحد المواضع المقصودة بالبطالة والآن خراب لم يبق بها إلا قباب يسمونها قباب أبي نواس قال أبو نواس: قالوا: تنسّك بعد الحجّ قلت لهم: أرجو الإله وأخشى طيزنابادا أخشى قضيّب كرمٍ أن ينازعني رأس الحطام إذا أسرعت إعدادا فإن سلمت وما نفسي على ثقةٍ من السّلامة لم أسلم ببغدادا! بطيزناباد كرمٌ ما مررت به إلاّ تعجبّت ممّن يشرب الماء فهتف هاتف أسمع صوته ولا أراه: وفي الجحيم حميمٌ ما تجرعه خلقٌ فأبقى له في البطن أمعاء! عانة بليدة بين هيت والرقة يطوف بها خليج من الفرات. وهي كثيرة الأشجار والثمار والكروم ولها قلعة حصينة ولكثرة كرومها تنسب العرب إليها الخمر. وأهل بغداد إذا شاهدوا ظلماً قالوا: الخليفة إذاً في عانة! لأن البساسيري استولى على بغداد وحمل القائم بأمر الله إلى عانة وخطب باسم خلفاء مصر سنة فجاء السلطان طغرلبك السلجوقي في سنة أربعين وأربعمائة وحارب البساسيري وقتله وجاء بالخليفة من عانة ورده إلى مقره ومشى قدام مهده راجلاً حتى خاطبه الخليفة بنفسه وقال: اركب يا ركن الدين! وهو أول سلاطين السلجوقية وأرفعهم قدراً وهو الذي انتزع الملك من سلاطين بني سبكتكين. عبادان جزيرة تحت البصرة قرب البحر الملح فإن دجلة إذا قاربت البحر تفرقت فرقتين عند قرية تسمى المحرزي: فرقة تذهب إلى ناحية البحرين وهي اليمنى واليسرى تذهب إلى عبادان وسيراف والحنابة وعبادان في هذه الجزيرة وهي مثلثة الشكل وإنما قالوا: ليس وراء عبادان قرية لأن وراءها بحراً. ومن عجائبها أن لا زرع بها ولا ضرع وأهلها متوكلون على الله يأتيهم الرزق من أطراف الأرض. وفيها مشاهد ورباطات وقوم مقيمون للعبادة منقطعون عن أمور الدنيا وأكثر موادهم من النذور. |
عبد الله اباذ قرية بين قزوين وهمذان. بها حمة عجيبة ليس في شيء من البلاد مثلها وذلك ان الماء يفور منها فوراناً شديداً قدر قامة وأكثر وإذا تركت البيضة على عمود الماء النابع تبقى عليها وتسلقها حرارة الماء. ويجتمع هذا الماء في حوض يأتيه أصحاب العاهات ويستحمون به ينفعهم نفعاً عظيماً بيناً. العراق ناحية مشهورة وهي من الموصل إلى عبادان طولاً ومن القادسية إلى حلوان عرضاً. أرضها أعدل أرض الله هواء وأصحها تربة وأعذبها ماء. وهي كواسطة القلادة من الاقليم وأهلها أصحاب الأبدان الصحيحة والأعضاء السليمة والعقول الوافرة والآراء الراجحة وأرباب البراعة في كل صناعة. والغالب عليهم الغدر لكثرة الأشرار ومكر الليل والنهار. أقام بها عبد الله بن المبارك سبعة عشر يوماً تصدق بسبعة عشر درهماً كفارة لذلك. وأهلها مخصوصون ببغض الغرباء خصوصاً العجم. ويقال لأهل العراب نبط قالوا: نبط كان اسم رجل شرير كثرت جناياته في زمن سليمان بن داود عليه السلام فأمر بحبسه فاستغاث منه أهل الحبس إلى سليمان من كثرة سعايته ونميمته والقائه الشر بين أهل الحبس فأمر سليمان عليه السلام بتقييده وحمله إلى حبس الشياطين فاستغاث الشياطين وقالوا: يا نبي الله لا تجمع بين الحبس ومقاساة نبط! فرأى سليمان أن يأمره بشغل حتى يقل شره. وكان في الحبس امرأة مومسة قيل لنبط: نريد منك أن تغسل هذا الصوف الأسود وتبيضه بالغسل وأن تروح هذه المرأة حتى يلتحم فرجها بالترويح فأمر بذلك ووكل به ففعل ذلك مدة طويلة حتى ضجر ثم أراد أن يجرب هل التحمت أم لا فباشرها فحملت منه وأتت بولد وصار له نسل بأرض العراق فلهذا ترى السعاية والنميمة والفجور في النبط كثيراً لأنها شيمة أبيهم نبط! وحكي أن عبد الله بن المبارك قيل له: كيف رأيت أهل العراق قال: ما رأيت بها إلا شرطياً غضبان! بها نهر دجلة مخرجه من جبل بقرب آمد عند حصن يعرف بحصن ذي القرنين وهي هناك ساقية كلما امتد ينضم إليها مياه جبال ديار بكر ثم يمتد إلى ميافارقين وإلى حصن كيفا ثم إلى جزيرة ابن عمر ويحيط بها ثم إلى الموصل ثم إلى تكريت وقبل ذلك ينصب إليه الزابان ويعظم بهما ثم إلى بغداد ثم إلى واسط ثم البصرة ثم إلى عبادان وينصب إلى البحر. وماء دجلة من أعذب المياه وأخفها وأكثرها نفعاً لأن مجراه من مخرجه إلى مصبه في العمارات وفي آخر الصيف يستعملونه كله بواسط والبصرة. وروي عن ابن عباس أن الله تعالى أوحى إلى دانيال عليه السلام أن فجر لعبادي نهرين واجعل مصبهما البحر فقد أمرت الأرض أن تطيعك. فأخذ خشبة يجرها في الأرض والماء يتبعه فكلما مر بأرض يتيم أو أرملة أو شيخ ناشده الله فيحيد عنها فعواقيل دجلة والفرات من ذلك. وبها نهر الفرات. مخرج الفرات من أرمينية ثم من قاليقلا ويدور بتلك الجبال حتى يدخل أرض الروم ويخرج إلى ملطية ثم إلى سميساط ثم إلى قلعة نجم ثم إلى الرقة ثم إلى عانة ثم إلى هيت فيصير أنهاراً تسقي زروع السواد وما فضل منها انصب في دجلة بعضه فوق واسط وبعضه بين واسط والبصرة فيصير الفرات ودجلة نهراً عظيماً يصب في بحر فارس. وروي أن أربعة أنهار من الجنة: النيل والفرات وسيحان وجيحان. وروي عن علي رضي الله عنه انه قال: يا أهل الكوفة إن نهركم هذا يصب إليه ميزابان من الجنة. وروي عن جعفر بن محمد الصادق انه شرب من الفرات فحمد الله وقال ما أعظم بركته! لو علم الناس ما فيه من البركة لضربوا على حافتيه القباب! ولولا ما يدخله من خطائين ما اغتمس فيه ذو عاهة إلا برأ. وحكى السدي أن الفرات مد في زمن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فألقى رمانة في غاية العظم فأخذت فكان فيها كر حب قسمها بين المسلمين فكانوا يرون أنها من الجنة. وهذا حديث مشهور في عدة كتب للعلماء. ينسب إليها هشام بن الحكم وكان معتزلياً يرجح علياً فقال رجل: إني ألزمه أن يقول عند الخليفة إن علياً كان ظالماً! فلما حضر هشام عند الخليفة قال: أبا محمد أنشدك بالله أما تعلم أن علياً نازع العباس عند أبي بكر قال: نعم. قال: فمن كان الظالم منهما فكره أن يقول العباس خوفاً من الخليفة وكره أن يقول علي خوفاً من مخالفة اعتقاده فقال: ما منهما ظالم! فقال الرجل: كيف يتنازعان ولا يكون أحدهما ظالماً فقال: كما اختصم الملكان إلى داود عليه السلام وما منهما ظالم وغرضهما تنبيه داود على الخطيئة هكذا كان العباس وعلي كان غرضهما تنبيه أبي بكر على خطيئته. وينسب إليها يحيى بن معمر أحضره الحجاج وقال: أنت الذي تقول الحسين بن علي من ذرية رسول الله قال: نعم. قال: فوالله لتأتين بالمخرج عما قلت أو لأضربن عنقك! فقال يحيى: إن جئت بالمخرج فأنا آمن قال: نعم. قال: اقرأ وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم إلى قوله ومن ذريته داود وسليمان إلى قوله وزكريا ويحيى وعيسى فمن يعد عيسى من ذرية إبراهيم لا يعد الحسين من ذرية محمد عليه السلام فقال الحجاج: والله كأني ما قرأت هذه الآية قط! فولاه قضاء المدينة وكان قاضيها إلى أن مات. وينسب إليها أبو محمد سليمان بن مهران الأعمش. قال عيسى بن يونس: ما رأينا في زماننا من الأعمش فكان الأغنياء والملوك في مجلسه أحقر شيء وهو محتاج إلى درهم! حكي انه يوم الشك من رمضان يأتيه الناس يستخبرون منه فضجر من ذلك وترك بين يديه رمانة كل من دخل عليه قبل أن يستخبر منه أخذ حبةً رماها في فمه ليعلم أن اليوم ليس يوم صوم. وحكي أن أبا حنيفة ذهب إليه فلما أراد الذهاب قال له: لا يكون ثقلت عليك! فقال: أنت وحكى أبو بكر بن عياش قال: دخلت على الأعمش في مرض موته فقلت: أدعو لك طبيباً فقال: ما أصنع به والله لو كانت نفسي بيدي لطرحتها في الحش! لا تؤذين أحداً واطرحني في لحدي! ولد الأعمش يوم قتل الحسين يوم عاشوراء سنة ستين وتوفي في سنة ثمان وأربعين ومائة وهو ابن ثمان وثمانين سنة. وينسب إليها أبو الحسين سمنون بن حمزة صحب السري السقطي. كان من أولياء الله ذكر انه لما أنشد: وليس لي في سواك حظٌّ فكيفما شئت فاختبرني أخذ الأسر من ساعته وكان يدور على المكاتب للصبيان ويقول: ادعوا لعمكم الكاذب! وحكى أبو أحمد المغازلي أنه كان ببغداد رجل أنفق على الفقراء أربعين ألف درهم فقال لي سمنون: يا أبا أحمد أما ترى هذا أنفق أربعين ألف درهم ونحن ما نجد شيئاً فامض بي إلى موضع كذا نصلي بكل درهم أنفقه ركعة! فمضينا وصلينا أربعين ألف ركعة! وينسب إليها إبراهيم الآجري رحمه الله قال: أتاني يهودي له علي دين يتقاضاه وأنا عند الشاخورة أوقدت ناراً تحت الآجر فقال: يا إبراهيم أرني آية أسلم! قلت: أوتفعل ذلك قال: نعم. فأخذت ثيابه ولففتها في وسط ثيابي ورميتها في الشاخورة ثم دخلت الشاخورة وأخذت الثياب وخرجت من الباب الآخر فإذا ثيابه في وسط ثيابي صارت حراقاً وثيابي بحالها. فلما رأى اليهودي ذلك أسلم! وينسب إليها أبو الحسن علي بن الموفق كان يقول: اللهم إن كنت تعلم أني أعبدك خوفاً من نارك فعذبني بها وإن كنت تعلم اني أعبدك حباً لجنتك فاحرمنيها وإن كنت تعلم أني أعبدك حباً مني لك وشوقاً إلى وجهك فاحنيه واصنع ما شئت! وحكي أنه وجد قرطاساً في الطريق قال: فأخذته ووضعته في كمي وجلست أقرأه فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن الموفق تخاف الفقر وأنا ربك وحكي انه قال: تممت ستين حجة فلما فرغت من الطواف قعدت تحت الميزاب فأنكرت في حالي عند الله تعالى وكثرة ترددي إلى هذا المكان فغلبتني عيني فإذا قائل يقول: يا علي هل تدعو إلى بيتك إلا من تحبه فسري عني ما كنت فيه. حكى محمد بن إسحق السراج قال: سمعت علي بن الموفق يقول: حججت نيفاً وخمسين حجة فنظرت إلى ضجيج أهل الموقف فقلت: اللهم إن كان فيهم واحد لم تقبل حجه فقد وهبت حجتي له! فرجعت إلى المزدلفة وبت فيها فرأيت في نومي رب العزة تعالى فقال لي: يا علي بن الموفق أتتسخى علي قد غفرت لأهل الموقف ولأمثالهم وشفعت كل واحد في أهل بيته وذريته وعشيرته وإنا أهل التقوى وأهل المغفرة. توفي علي بن الموفق سنة خمس وستين ومائتين. عزان مدينة كانت على الفرات للزباء بنت مليح بن البراء. قتله جذيمة الأبرش صاحب الحيرة فلحقت الزباء بالروم وجمعت الرجال وبذلت الأموال وعادت إلى ملك أبيها وأزالت جذيمة عنها وبنت على طرف الفرات مدينتين متقابلتين من شرقي الفرات وغربيه وجعلت بينهما نفقاً تحت الفرات فكانت إذا رهقها الأعداء أوت إليه وجرت بينها وبين جذيمة مهادنة قال ابن الكلبي: لم يكن في نساء عصرها أجمل منها وكان اسمها فارغة وكانت تسحب شعرها وراءها إذا مشت وإذا نشرته جللها فسميت الزباء. فأراد جذيمة أن يتزوجها ويضم ملكها إلى ملكه فخطبها فأجابته على شرط أن يصير إليها. وكان لجذيمة وزير اسمه قصير. قال لجذيمة: لا تمش إلى هذه المرأة فإني لست آمنها عليك! فقال: لا يطاع لقصير أمر! فأرسلها مثلاً. فلما دخل عليها أمرت جواريها فأخذن يده. قالت له: أي قتلة تريد أن أقتلك فقال: إن كان لا بد فاقتليني قتلة كريمة! فأطعمته حتى شبع وسقته حتى ثمل وفصدت شريانه حتى نزف دمه ومات. فبلغ قصيراً خبره فجدع أنف نفسه وأظهر أنه جدعه عمرو بن عدي ابن أخت جذيمة لأنه أشار إليه بتزويج الزباء. فراسل قصير الزباء وأطمعها في ملك جذيمة فركبت إليه وصار قصير إليها بأمان وأخبرها بسعة التجارات فدفعت إليه مالاً فأتاها بربح كثير ثم زادته في المال فأتاها بربح عظيم فأنست به وجعلته من بطانتها. وأخبرته: اني حفرت من قصري على الفرات هذا إلى القصر الآخر على الجانب الآخر من الفرات سرباً تحت الماء وجعلت باب السرب تحت سريري هذا ومخرجه تحت سريري الآخر فإن راعني أمر خرجت إلى الجانب الآخر. فحفظه قصير ومضى بالمال وحصل ألفي رجل في ألفي صندوق على ألف جمل وعلى الرجال الدروع ومعهم السيوف وأقبل بهم إلى الزباء. فلما قرب من مدينتها صعدت الزباء سور مدينتها تنظر إلى العير مثقلة فقالت: ما للجمال مشيها وئيدا أجندلاً يحملن أم حديدا أم صرفاناً بارداً شديدا أم الرّجال جثّماً قعودا فجاء قصير بالعير ودخل المدينة فأناخ الجمال وثار الرجال من الصناديق بالسيوف وضربوا من أدركوه فلما علمت الزباء قصدت السرب لتدخل فيه فبادرها عمرو بن عدي وكان من رجال الصناديق وقف على باب السرب بالسيف فعلمت انه قاتلها فمصت سماً تحت خاتمها وقالت: بيدي لا بيد عمرو! فأرسلته مثلاً. ومن الأمثال: لأمر ما جدع قصير أنفه! عقرقوف قرية قديمة من قرى بغداد قالوا: بناها عقرقوف بن طهمورث وإلى جانب هذه القرية تل عظيم من تراب يرى من خمسة فراسخ كأنه قلعة عظيمة. للناس فيه أقاويل كثيرة قال ابن قطيفة: ملك الروم كلما رأى أحداً من أهل العراق سأله عن تل عقرقوف فإن قال: انه بحاله يفرح ويقول: انه لا بد أن نطأه. غرشستان ناحية واسعة كثيرة القرى الغور في شرقيها وهراة في غربيها ومرو الروذ في شمالها وغزنة في جنوبها. والغرش بلغتهم الجبال ومعناه قهستان. والغالب على أرضها الجبال وبها دروب وأبواب لا يمكن دخولها إلا بإذن الشار والشار اسم ملوكهم. وأهلها صلحاء مجبولون على الخير عندهم بقية من عدل عمر. قال الاصطخري: غرج الشار مدينتان يقال لإحداهما نشين وللأخرى سورمين وهما وحكى بعض التجار قال: مشيت إلى غرشستان فاتفق لهم غرس فوضعوا دستاً عالياً وجاء الزوج وجلس فيه وأسبلوا على وجهه سجفاً سخيفاً شبه وقاية وجاء المغني يغني بالدفوف وغيرها وتأتي نساء أقاربهم وجيرانهم يرقصن بين يدي الزوج فرادى ومثنى وجماعة والزوج يراهن ويتفرج على رقصهن حتى لا تبقى واحد إلا رقصت ثم تأتي العروس في الآخر وترقص بين يديه أحسن رقص ثم خلوا بينها وبينه. غريان بناءان كالصومعتين بظهر الكوفة قرب مشهد أمير المؤمنين علي. بناهما المنذر بن امريء القيس بن ماء السماء وسببه انه كان له نديمان من بني أسد فثملا فراجعا الملك ببعض كلامه فأمر وهو سكران أن يحفر لهما حفرتان ويدفنا فيهما حيين. فلما أصبح استدعاهما فأخبر بما أمضى فيهما فغمه ذلك وقصد حفرتيهما وأمر ببناء طربالين عليهما وقال: لا يمر وفود العرب إلا بينهما! وجعل لهما في السنة يوم بؤس ويوم نعيم يذبح يوم بؤسه من يلقاه ويغري بدمه الطربالين فإن وقعت لهما الوحش طلبها بالخيل وإن وقع طائر أرسل عليه الجوارح. وفي يوم نعيمه يجيز من يلقاه ويخلع عليه. ولبث بذلك برهة من دهره فخرج يوماً من أيام بؤسه إذ طلع عبيد بن الأبرص الأسدي الشاعر جاء ممتدحاً فلما رآه قال: هلا كان الذبح لغيرك يا عبيد فقال بعض الحاضرين: أبيت اللعن! عنده من حسن القريض ما هو خير مما تريد منه! فاسمع فإن كان حسناً استرده وإن كان غير ذلك فالأمر بيدك. فأنزله حتى طعم وشرب وقال له: أنشدني فقد كان يعجبني شعرك! فقال عبيد: حال الجريض دون القريض. فقال المنذر: أنشدني قولك اقفر من أهله ملحوب. فقال عبيد: أقفر من أهله عبيد فاليوم لا يبدي ولا يعيد عنّت له منيّةٌ نكود وحان منه لهما ورود! فقال المنذر: يا عبيد لا بد من الموت! ولقد علمت لو أن النعمان ابني عرض لي يوم بؤسي لا بد لي من ذبحه! واستدعى له الخمر فلما أخذت منه نفسه وطابت وقدم للقتل أنشد. ألا أبلغ بنّي وأعمامهم بأنّ المنايا هي الوارده! لها مدّةٌ فنفوس العباد إليها وإن كرهت قاصده فلا تجزعوا لحمامٍ دنا فللموت ما تلد الوالده فأمر به ففصد حتى نزف دمه وغرى بدمه الغريين. وحكي أن في بعض أيام بؤسه وقع رجل من طيء يقال له حنظلة فقال له المنذر: لا بد من قتلك! سل حاجتك. فقال: أجرني سنة حتى أرجع إلى أهلي وأفعل ما أريد ثم أصير إليك ! فقال المنذر: ومن يكفلك أنك تعود فنظر إلى جلسائه فعرف شريك بن عمرو بن شراحيل الشيباني فقال: يا شريكٌ يا ابن عمروٍ ويا أخا من لا أخا له يا أخا المنذر فكّ اليوم رهناً قد أنى له إنّ شيبان قبيلٌ أكرم النّاس رجاله وأبو الخيرات عمروٌ وشراحيل الحماله ورثاك اليوم في المجد وفي حسن المقاله فوثب شريك وقال: أبيت اللعن! يدي بيده ودمي بدمه! فأطلقه المنذر فلما كان من القابل قعد المنذر ينتظر حنظلة فأبطأ فقدم شريك ليقتل فلم يشعر إلا براكب قد طلع فإذا هو حنظلة قد تكفن وجاء بنادبته. فلما رآه المنذر عجب من وفائه فقال: ما حملك على قتل نفسك فقال: إن لي ديناً يمنعني من الغدر! قال له: ما دينك قال: النصرانية! فاستحسن ذلك منه وأطلقهما معاً وأطلق تلك السنة. وكان المنذر بنى الغريين على مثال ما بناهما ملوك مصر وقد مر ذكرهما في موضعهما. ونظر لو أنّ شيئاً مقيماً لا يبيد على طول الزّمان لما باد الغريّان قد خرّب الدّهر بالتّصريف بينهما فكلّ إلفٍ إلى بينٍ وهجران! غزنة ولاية واسعة في طرف خراسان بينها وبين بلاد الهند مخصوصة بصحة الهواء وعذوبة الماء وجودة التربة وهي جبلية شمالية بها خيرات واسعة إلا أن البرد بها شديد جداً. ومن عجائبها العقبة المشهورة بها فإنها إذا قطعها القاطع وقع في أرض دفئة شديدة الحر ومن هذا الجانب برد كالزمهرير ومن خواصها أن الأعمار بها طويلة والأمراض قليلة وما ظنك بأرض تنبت الذهب ولا تولد الحيات والعقارب والحشرات المؤذية وأكثر أهلها أجلاد وأنجاد. ومن عجائبها أمر الصفارين يعقوب وعمرو وظاهر وعلي. كان يعقوب غلام صفار وعمرو مكارياً صاروا ملوكاً عظماء واستولوا على بلاد فارس وكرمان وسجستان وخراسان وبعض العراق يقال لهم بنو الليث الصفار. وبها تفاح في غاية الحسن يقال له الأميري لم يوجد مثله في شيء من البلاد قال أبو منصور تفّاخ غزنة نفّاعٌ ونفّاح كأنّه الشّهد والرّيحان والرّاح! أحبّه لصفاتٍ حازها قمرٌ في وجهه أبداً وردٌ وتفّاح! وينسب إليها مجدود بن آدم السنائي. كان حكيماً عارفاً شاعراً تاركاً للدنيا وله ديوان كبير كله حكم ومواعظ من حقها أن تكتب بالذهب ليس فيها مدح أصلاً. وكان يحب العزلة والانزواء عن الناس ويسكن الخرابات ويمشي حافياً وكان بعض الوزراء يرى له والسنائي يأتيه في أوقات فإذا جاءه يقوم الوزير ويجلسه مكانه في دسته وهو ربما كانت ملطخة بالطين فقعد في مسند الوزير ومد رجليه لئلا يتلطخ المطرح بالطين. وحكي أن السنائي كان يمشي حافياً ولا يقبل من أحد شيئاً فاشترى له بعض أصدقائه مداساً وألح عليه بالشفاعة أن يلبسه ففعل فاتفق أنه تلاقاه في اليوم الثاني وسلم على السنائي فخلع المداس ورده إليه فسئل عن ذلك فقال: سلامه في اليوم الثاني ما كان يشبه السلام الذي كان قبل ذلك وما كان له سبب إلا المداس! وبها عين إذا ألقي فيها شيء من القاذورات يتغير الهواء ويظهر البرد والريح العاصف والمطر في أوانه والثلج في أوانه وتبقى تلك الحالة إلى أن تنحى عنها النجاسة. وحكي أن السلطان محمود بن سبكتكين لما أراد فتح غزنة كلما قصدها بادر أهلها وألقوا شيئاً من القاذورات في هذه العين ولم تمكن الإقامة عندهم للعسكر. وكان الأمر على ذلك حتى عرف السلطان ذلك منهم وتلك العين خارج المدينة بقربها فبعث أولاً على العين حفاظاً ثم سار نحوها فلم ير شيئاً مما كان قبل ذلك فافتتحها. الغور ولاية بين هراة وغزنة عامرة ذات عيون وبساتين كثيرة خصبة جداً والجبال محتوية عليها من جميع جوانبها مثل الحظيرة ونهر هراة يقطعها يدخلها من جانب ويخرج من آخر. وإنها شديدة البرد جداً لا تنطوي على مدينة مشهورة وأكبر ما فيها قلعة يقال لها فيروزكوه وحكى الأمير عماد الدين والي بلخ أن بأرض الغور عيناً يذهب الناس إليها في ليلة من السنة معلومة بقسي وسهام ويرمي كل واحد إليها نشابة وعليها علامة فإذا أصبحوا وجدوا النشابات خارجة من العين وعلى نصل بعضها رؤوس الحيوانات من الذهب إما رأس طير أو سمك أو إوز أو حيوان آخر وبعض الناس لا يصيب على نشابه شيئاً والله أعلم بصحته في ذلك والعهدة على الراوي. وبها السمندل وهو حيوان كالفأر يدخل النار ولا يحترق ويخرج والنار قد أزالت وسخه وصفت لونه وزادته بريقاً. يتخذ من جلده مناديل الغمر للملوك فإذا توسخت تلقى في النار ليزول وسخها. ينسب إليها أبو الفتح محمد بن سام الملقب بغياث الدين. كان ملكاً عالماً عادلاً مظفراً في جميع وقائعه وحروبه كانت مع كفار خطاء. وكان كثير الصدقات جواداً شافعي المذهب وقد بنى مدارس ورباطات وكتب بخطه المصاحف وقفها عليها. وكان من عادته إذا مات غريب في بلده لا يتعرض لتركته حتى يأتي وارثه ويأخذها. وكان أول أمره كرامي المذهب وفي خدمته أمير عالم عاقل ظريف شاعر يقال له مباركشاه الملقب بعز الدين علم أن هذا الملك الجليل القدر على اعتقاد باطل وكان يأخذه الغبن لأنه كان محسناً في حقه وكان في ذلك الزمان رجل عالم فاضل ورع يقال له محمد بن محمود المروروذي الملقب بوحيد الدين عرفه إلى الملك وبالغ في حسن أوصافه حتى صار الملك معتقداً فيه ثم ان الرجل العالم صرفه عن ذلك الاعتقاد الباطل وصار شافعي المذهب. وينسب إليها أبو المظفر محمد بن سام بشهاب الدين. كان ملكاً عادلاً حسن السيرة. كان يقعد حتى يفصل قاضيه الحكومات بحضوره. ومن مات أو قتل من مماليكه وعليه دين لا يقطع معيشته حتى يستوفى الدين. وحكي أن صبياً علوياً لقيه في طريقه وقال له: إني منذ خمسة أيام ما أكلت شيئاً! فغضب وحولق وعاد في الحال وأخذ الصبي معه وأطعمه أطيب الطعام وأعطاه من المال ما أغناه. فراهان قرية من قرى همذان مشهورة بها مملحة عجيبة وهي بحيرة أربعة فراسخ في أربعة فإذا كان أيام الخريف واستغنى الناس من أهل تلك الناحية عن سقي المزارع والبساتين صوبوها إلى تلك البحيرة. فإذا جاء الربيع والصيف واحتاج الناس إلى الماء انقطع عن البحيرة انصبابه فما بقي فيها يصير ملحاً يأخذه الناس ويحملونه إلى البلاد. ومن عجائبها أن الناس إن منعوا عنها لم تنعقد ملحاً بل ينصب ولا يبقى له أثر وإن لم يمنع الناس عنها تصير ملحاً قال ابن الكلبي: إنه طلسم من عمل بليناس. وكان بفراهان سبخة يغوص فيها الراكب بفرسه والجمل بحمله فاتخذ لذلك طلسماً استراح الناس عنه. فم الدبل قرية من قرى واسط على شاطيء شعبة من دجلة منسوبة إلى الرفيعية وهم مشايخ تلك الناحية وبيتهم بيت مبارك. عادتهم ضيافة الناس وخدمة الصلحاء والفقراء والمسافرين والقاطنين وفي فقرائهم جمع قالوا يأكلون الحيات وقوم قالوا يدخلون النار وغير ذلك من الأمور العجيبة. وهم أقوام في زي الفقراء براء من التكلف ولا أدب لهم إلا خدمة الناس ولا يفرحون إلا به. فنك قلعة حصينة على قلة جبل عال بقرب جزيرة ابن عمر على فرسخين منها وعلى القلعة قلة مرتفعة عنها ارتفاعاً كثيراً من صخرة كبيرة وهي قلعة مستقلة بنفسها وإنها بيد الأكراد البشنوية من ثلاثمائة سنة وهم قوم فيهم مروة وعصيبة يحمون من التجأ إليهم. وكانت هذه القلعة في شهور ستمائة بيد رجل اسمه إبراهيم وله أخ اسمه عيسى أراد أن ينتزعها من يد إبراهيم. وكان إبراهيم مع خواصه يسكن القلة وباقي الأجناد في نفس القلعة فأطاع عيسى جمع من بطانة إبراهيم وفتح باب القلة حتى صعدها نيف وعشرون رجلاً وقبضوا على إبراهيم ومن عنده وحبسوا إبراهيم في بيت وحبست زوجته في بيت آخر. ولهذا البيت شباك إلى القلعة فملك أصحاب عيسى القلة وينتظرون مجيء عيسى فقلعت زوجة إبراهيم الشباك وكان عندها ثياب خام فأوصلت بعضها ببعض ودلتها إلى القلعة وجعلت تسعى الرجال ولا علم لأصحاب القلة بها. فحضر عيسى وأصحابه تحت القلعة فرأوا الرجال يصعدون القلة بالحبل فصاحوا إلى أصحاب القلة ليعرفوا ذلك فكلما صاح أصحاب عيسى صاح أصحاب القلعة معهم لتتزاحم الأصوات فلا يفهم أصحاب القلة كلامهم حتى صعد بالحبل عشرون رجلاً فأخرجوا إبراهيم من الحبس وفتحوا باب القلة حتى صعد إليه أصحابه وأهلكوا قوم عيسى ورجع عيسى خائباً وبقيت القلعة إلى إبراهيم. قاشان مدينة بين قم وأصفهان.أهلها شيعة إمامية غالية جداً. وألف أحمد بن علي ابن بابه القاشاني كتاباً ذكر فيه فرق الشيعة فلما انتهى إلى الإمامية وذكر المنتظر قال: من العجب أن في بلادنا قوماً وأنا شاهدتهم على هذا المذهب ينتظرون صباح كل يوم طلوع القائم عليهم ولا يقنعون بالانتظار بل يركبون خيلهم متوشحين بالسيوف شاكين السلاح ويخرجون من مساكنهم إلى خارج البلد مستقبلين للإمام كأنهم قد أتاهم بريد أخبرهم بوروده فإذا طلع النهار عادوا متأسفين وقالوا: اليوم أيضاً ما جاء! ومنها الآلات الخزفية المدهونة ولهم في ذلك يد باسطة ليس في شيء من البلاد مثلهم. تحمل الآلات والظروف من قاشان إلى سائر البلاد. بها مشمش طيب جداً يتخذ منه المطوي المجفف ويحمل للهدايا إلى سائر البلاد ليس في شيء من البلاد إلا بها. وبها من العقارب السود الكبار المنكرة ما ليس في غيرها. قرميسين بقرب كرمانشاهان بليد بين همذان وحلوان على جادة الحاج ذكر ابن الفقيه أن قباذ بن فيروز نظر في بلاده فلم يجد بين المدائن وبلخ موضعاً أطيب هواء ولا أعذب ماء ولا أصح تربة من قرميسين فاختاره لسكناه وبنى به قصراً يقال له قصر اللصوص. ومن عجائبه الدكة التي كانت به مائة ذراع في مائة ذراع في ارتفاع عشرين ذراعاً مربعاً. وحجارتها كانت مهندمة مسمرة بمسامير الحديد لا تبين دروز الأحجار منها ويظن الناظر انها حجر واحد. اجتمع عليها ملوك الأرض عند كسرى ابرويز وهم: فغفور ملك الصيف وخاقان ملك الترك وداهر ملك الهند وقيصر ملك الروم. وكان في هذا القصر أبواب وجواسق وخزائن حكي أن مطبخ كسرى كان في موضع بينها وبين هذا الموضع أربعة فراسخ فإذا أراد أن يتغدى اصطف الغلمان من القصر إلى المطبخ وتناول الغضائر والصحون بعضهم من بعض إلى محل جلوس الملك وهذا بعيد لأن الطبيخ لا يبقى حاراً إلى أن يحمل إلى فراسخ فلعله قد فعل ذلك مرة ليذكر ذلك من قوة ملكه. قزوين مدينة كبيرة مشهورة عامرة في فضاء من الأرض طيبة التربة واسعة الرقعة كثيرة البساتين والأشجار نزهة النواحي والأقطار بنيت على وضع حسن لم يبن شيء من المدن مثلها. وهي مدينتان: إحداهما في وسط الأخرى والمدينة الصغرى تسمى شهرستان لها سور وأبواب والمدينة الكبيرة المحيطة بها. ولها أيضاً سور وأبواب والكروم والبساتين محيطة بالمدينة العظمى من جميع الجوانب والمزارع محيطة بالبساتين ولها واديان: أحدهما وادي درج والآخر وادي اترك وهذه صورتها: قال ابن الفقيه: أول من استحدث قزوين شابور ذو الأكتاف وبناء شابور في زماننا هذا يسمى شهرستان. فلما اجتاز الرشيد بأرض الجبال قاصداً خراسان اعترضه أهل قزوين وأخبروه بمكانهم من أرض الديلم فسار إلى قزوين وبنى سور المدينة العظمى وجامعها سنة أربع وخمسين ومائتين. وأول من فتحها البراء ابن عازب الأنصاري وقد وقع النفير وقت كان الرشيد بها فرأى أهلها أغلقوا حوانيتهم وأخذوا أسلحتهم وخرجوا إلى وجه العدو مسرعين فأشفق عليهم وبنى لهم السور وحط عنهم خراجهم جاعلاً إياه عشرة آلاف دينار في كل سنة وقد ورد في فضائل قزوين أحاديث كثيرة تتضمن الحث على المقام بها لكونها ثغراً. منها ما رواه علي بن أبي طالب عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بالإسكندرية أو بقزوين فإنهما ستفتحان على يد أمتي وإنهما بابان من أبواب الجنة من رابط فيهما أو في إحداهما ليلة خرج عن ذنوبه كيوم ولدته أمه! وعن سعيد بن المسيب مرفوعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: سادات الشهداء شهداء قزوين! وأمثال هذه كثيرة. وبين قزوين وبين الديلم جبل كان ملوك الفرس يجعلون عليه رابطة إذا لم يكن بينهم هدنة وذلك الجبل هو الحاجز بين القزاونة والإسماعيلية أحد جانبيه لهؤلاء والجانب الآخر لهؤلاء. وبها مواضع يرجى فيها إجابة الدعاء منها مسجد شالكان ومسجد شهرستانك ومسجد دهك ومسجد باب المشبك الملصق بالسور فإنها مواضع يأتيها الابدال. ومن عجائبها مقصورة الجامع التي بناها الأمير الزاهد خمارتاش مولى عماد الدولة صاحب قزوين فإن قبتها في غاية الارتفاع على شكل بطيخ ليس مثلها في بلاد الإسلام ولا في بلاد الكفر أكبر منها ولا أحسن عمارة. وحكي أن الصناع لما رفعوا قواعدها وأرادوا انضمام رأسها عجزوا عن ذلك لفرط سعتها وعمقها فلم يكن شيء من الاجذاع والسلاليم يفي بها فوقفت العمارة حتى مر بها صبي وقال: لو ملؤوها تبناً يمكنهم إتمامها! فتعجب الصناع من حذقه وقالوا: لا طريق لها إلا ما ذكره الصبي! فملؤوها تبناً وتمموها. ومن عجائبها أمر باغاتها فإنها لا تشرب في السنة إلا مرة واحدة وتأتي بفواكه غضة طرية وربما لا تشرب في السنة وتأتي بعنب ضعيف. ومن عجائبها مقابر اليهود فإنها فضاء واسع ليس بها آثار القبور فإذا وجعت بطون دوابهم قادوها إليها وذهبوا بها في ذلك الفضاء يمنة ويسرة فإنه يزول وجعها. ومن عجائبها سوق الخيل بموضع يسمى رستق الشعير. ذكروا أن كل فرس يحمل إليه للبيع فإن كان به حران يظهر في الحال. ومن عجائبها مقبرة باب المشبك فإنها مقبرة شريفة بها قبور العلماء والشهداء والصلحاء والزهاد. يأتيها الناس ليلة الجمعة فيرون بها أنواراً عجيبة تصعد من القبور وتنزل فيها وهذا أمر ظاهر يراه كل من يمشي إليها صالحاً أو طالحاً. ولقد رأيت في بعض الليالي عجيباً وهو انه قد طلع من بعض القبور كرة قدر إبريق وصعدت نحو الهواء أكثر من غلوة سهم وأضاءت الجوانب من نورها ورآها غيري خلق كثير شرعوا في التكبير والتهليل وما كانت على لون النار بل كانت على لون القمر ضارباً على الخضرة ثم عادت إلى مكانها. ينسب إليها الشيخ أبو بكر المعروف بشابان. كان شيخاً عظيم الشأن يأتيه الابدال. كان له كرم وقطعة أرض وبقرة: ويزرع قطعة الأرض حنطة ويأخذ عنب الكرم ولبن البقرة وانها شيء يسير يضيف بها من زاره. استشهد على يد الفداية يوم الجمعة في جامع دمشق بعد الصلاة في ازدحام الناس سنة إحدى وستمائة عن اثنتين وتسعين سنة. وينسب إليها أبو حاتم محمود بن الحسن القزويني. كان فقيهاً أصولياً وكان من أصحاب القاضي أبي الطيب طاهر الطبري له كتاب في حيل الفقه مشهور. وكان من أولاد أنس بن مالك وابن عمي. وينسب إليها الشيخ أبو القاسم بن هبة الله الكموني. كان عالماً عابداً ورعاً من أولاد أنس بن مالك. حكي انه جاء في زماه وال إلى قزوين وبقزوين واديا ماء وهما من السيل وسقي كروم أهل قزوين من هذين الواديين وهما مباحان فأراد هذا الوالي أن يجعل عليهما خراجاً فشكا أهل قزوين إلى الشيخ فذهب الشيخ إلى دار الوالي وقال لحاجبه: إن هذا الماء لم يزل مباحاً لا يحل بيعه وأصحاب هذه الكروم أرامل وأيتام والكروم ضعيفة لها في السنة سقية واحدة حاصلها لا يفي بمال الخراج. فدخل الحاجب على الملك وقال: ههنا شيخ ما يخلي ان هذا الأمر يتمشى! فغضب الملك وسل سيفه وخرج بسيفه المسلول وقال: من الذي يمنع من بيع هذا الماء فقام الشيخ وقال: أنا! فعاد الملك إلى داخل وقال: افعلوا ما يقول هذا الشيخ! فإنه لما قام رأيت على يمينه ويساره ثعبانين يقصدانني! فبطل ذلك العزم وذاك الماء مباح إلى الآن. وهذا الشيخ جدي الخامس. وينسب إليها أبو محمد بن أحمد النجار. كان عالماً فاضلاً أديباً فقيهاً أصولياً ذا فهم مستقيم وذهن وقاد وكان عديم المثل في زمانه مع كثرة فضلاء قزوين. كان أبوه نجاراً وهو أيضاً كان بالغاً في صنعة النجارة وصاحب قزوين كان يرى له وبنوا له بقزوين مدرسة وأصابه في آخر عمره الفالج. وله تصانيف كثيرة كلها حسن. وحكي أن صاحب قزوين أخذ قاصداً من الباطنية ومعه كتاب فلما فتحوا كان الكتاب أبيض فأخبر الشيخ أبو محمد عن ذلك فأمر أن يعرض على النار فلما عرضوه على النار ظهر عليه كتابة كتبوها إلى رجل من أهل قها وطلبوا منه الإبل والحمام. وقها ناحية من أعمال الري. فقال الملك: الإشكال بعد بحاله لأنه ليس بقها الإبل ولا الحمام! فقال الشيخ أبو محمد: طلبوا القسي والنبال. فقيل له: من أين قلت حوصٌ كأشباح الحنايا ضمّر وتشبيه النبل بالحمام في قوله: وإذا رمت ترمي تموّت طائر وينسب إليها الشيخ أبو القاسم محمد بن عبد الكريم الرافعي. كان عالماً فاضلاً ورعاً بالغاً في النقليات كالتفسير والحديث والفقه والأدب. وله تصانيف كثيرة كلها حسن. كان يعقد مجلس العلم في جامع قزوين كل يوم بعد العصر ويحضر عنده أكثر من مائتي نفس يذكر لهم تفسير القرآن. ومن عجيب أحواله انه جاء ذات يوم على عادته فلما فرغ من وظيفته بكى وقال: يا قوم قد وقعت لي واقعة ما وقعت لي مثلها عاونوني بالهمة! فضاقت صدور القوم وسأل بعضهم بعضاً عن الواقعة فقالوا: ان تاجراً أودع عنده خمسمائة دينار وغاب مدة طويلة والآن قد جاء وطلبها فذهب الشيخ إلى مكان الوديعة ما وجدها والذي أخذها أمين لطول المدة فيخبر القوم حتى قال أحدهم: ان امرأة ضعيفة كانت خدامة لبيت الشيخ والآن ترى حالها أحسن مما كانت. فطلبوا منها فوجدوا عندها فجاء الشيخ في اليوم الثاني وأخبر القوم بأن همتهم أثرت والواقعة اندفعت. وحكي أن وزير خوارزمشاه كان معتقداً فيه فقبل يده فقال له الشيخ: قبلت يداً كتبت كذا وكذا مجلداً تصنيفاً! فوقع من الدابة وانكسرت يمناه وكان يقول: مدحت يدي فأبلاني الله تعالى بها! توفي سنة ثلاث وعشرين وستمائة عن نيف وستين سنة. وينسب إليها الشيخ أبو علي حسنويه بن أحمد بن حسنويه الزبيري الملقب بمعين الدين. كان شيخاً معتبراً من أعيان قزوين. ومن أعجب ما روي عنه أن أحداً إذا أصابه مس من الجن هو يحضر الجن ويشفع إليهم ويخلونه. وينسب إليها الشجاع باك باز. كان صاحب آيات وعجائب وكان ذا هيبة. من رآه يمتليء من هيبته وكان الملك والفقير عنده سواء يخاطب هذا كما يخاطب ذاك. وإذا رأى أحداً يقول: معك دنانير وزنها كذا اخرجها للفقراء! فيخرجها فيكون كما قال. وحكي انه طلب يوماً من رجل تاجر شيئاً وكان الرجل حنفياً معتزلياً لا يقول بكرامات الأولياء فتخاشن في الجواب فحرد وشتم فقال له: المال الذي مع ابنك في السفر وقع عليه اللصوص الآن وأخذوه! فازداد الرجل غيظاً وشتماً. قال: وابنك قد قتل على يد الحرامية! فأرخوا ذلك فجاء الخبر بأخذ المال وقتل ابنه. وحكي انه كان في رباط اربل فجاء الشيخ شهاب الدين عمر السهروردي إلى اربل فاستقبله أهل اربل فجاء إلى الرباط ودخل بين الجماعة ووقف على المصلى يصلي ركعتين والخف في رجليه. فلما رأى باك باز ذلك قال: أيها الشيخ كيف تقف مع الخف على مصلى المشايخ أليس هؤلاء القوم إذا رأوا منك ذلك اعتقدوا أنه جائز في الطريقة فوثب عليه الصوفية وهم تلامذة الشيخ وأسبغوه ضرباً ومدوه برجله إلى خارج الرباط. فلما عرف الشيخ ذلك أنكر على الصوفية وقال: انه كان على الصواب مروا إليه واعتذروا منه! فمروا إليه فإذا هو قاعد في السوق على دكة فاعتذروا مستغفرين فقال: ما جرى شيء يحتاج إلى العذر وإن جرى فأنتم في أوسع الحال. فقالوا: ارجع إلى الباط إن أنت راض. فقال: إني كنت على عزم السفر وتوقفي لإصلاح هذا المثقل لمداسي وإذا فرغ منه لبست وسافرت! فعاد القوم إلى الرباط فعرف الحال الملك فأمر شيخ الرباط مع جميع الصوفية بالمشي إليه معتذرين فذهبوا وما أجابهم فقال الملك: أنا أمشي! فركب وجاء إلى السوق وهو قاعد على دكة والمثقل يعمل في نعله فقال: إني قد جئت شفيعاً فاسلك مع القوم مسلك التصوف وعد إلى المكان راضياً منافساً! فقال: لا أرجع حتى تفعل ما أريده. فقال الملك: ما تريد قال: أريد ثلاثمائة دينار! قال: لك ذلك! قال: احضره الآن! فأحضره وقال: أريد جوقتين من المغنين. فأحضروا وقال: أريد أن يحملني فلان على رقبته والمغنون يغنون قدامي والقوم خلفي وقدامي يؤدونني إلى الرباط على هذه الحال! ففعلوا ذلك كله فلما دخل الرباط والذهب معه قال: من الذي ضربني فيقول كل واحد: أنا ما ضربت شيئاً! فقال: من ضربني ضربة فله دينار ومن ضربني ثنتين فله ديناران ومن ضربني ثلاثاً فله ثلاثة دنانير! فجاء كل واحد يقول: أنا لكمت كذا وكذا. ففرق الذهب عليهم وسافر. توفي في نيف وعشرين وستمائة. قصران اسم قرية من قرى الري. وهي قسمان: يقال لأحدهما قصران الداخل وللآخر قصران الخارج. قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض الري قرية تسمى قصران بيروني عند بابها الأعلى يرى كل ليلة سراج مشعل بحيث يبصره كل أحد من البعيد من جميع الجوانب وإذا دنا منه لا يبين شيء. ينسب إليها القصراني المهندس. كان عالماً بالهندسة وكان عديم المثل في زمانه وله كتب مصنفة في الهندسة مشهورة. قصر شيرين بين بغداد وهمذان في فضاء من الأرض على طرف نهر جار. بناها كسرى أبرويز لشيرين وهي خطيبة كانت له من أجمل خلق الله تعالى والفرس يقولون: كان لكسرى أبرويز ثلاثة أشياء لم تكن لملك قبله ولا بعده: خطيبته شيرين ومغنيه بلهبد وفرسه شبديز وقصر شيرين باق إلى الآن وهي أبنية عظيمة شاهقة وايوانات عالية وعقود وقصور وأروقة ومتشرفات واختلفوا في سبب بنائه: ذكر في كتب العجم أن شيرين كانت من بنات بعض ملوك أرمن وكانت أجمل خلق الله صورة ذكر لكسرى أبرويز وكان مشغوفاً بالنساء بعث إليها من خدعها فهربت على ظهر شبديز. فلما وصلت إلى العراق وكان كسرى غائباً فرأتها أزواج كسرى وولائده علمن أن كسرى يختارها عليهن فأخذهن من الغيرة ما يأخذ الضرات فاخترن لها أرضاً سبخة وهواء ردياً وقلن: ان الملك أمرنا أن نبني لك ها هنا قصراً. وهي موضع قصر شيرين على طرف نهر عذب الماء. وحكي أن شيرين كانت تحب اللبن الحليب وكان القصر بعيداً عن مرعى المواشي فإلى أن حمل إلى القصر زالت سخونته فطلبوا الحيلة في ذلك فاتفق رأيهم على أن يتخذوا جدولاً حجرياً من المرعى إلى القصر فطلبوا صانعاً يعمل ذلك فدلوا على صانع اسمه فرهاذ فطلبت اتخاذ جدول مسافته فرسخان من المرعى إلى القصر على أن يأتي اللبن منها إلى القصر بسخونته وكان القصر على نشز من الأرض والمرعى في منحدر فاتخذ حائطاً طوله أكثر من فرسخين وارتفاعه عند المرعى عشرون ذراعاً وعند القصر مساوياً لأرضه وركب على الحائط جدولاً حجرياً وغطى رأسه بالصفائح الحجرية واتخذ عند المرعى حوضاً كبيراً وفي القصر أيضاً مثله وهذا كله باق إلى زماننا رأيته عند اجتيازي به لا شك في شيء منه. وذكر محمد الهمذاني انه كان سبب بناء قصر شيرين وهو أحد عجائب الدنيا أن كسرى أبرويز وكان مقامه بقرميسين أمر أن يبنى له باغ فرسخين في فرسخين وأن يجعل فيه من الطيور والوحوش حتى تتناسل فيه ووكل بذلك ألف رجل أجرى عليهم الرزق حتى عملوا فيه سبع سنين. فلما تم نظر إليه الملك وأعجبه وأمر للصناع بمال. فقال في بعض الأيام لشيرين: سليني حاجة فقالت: أريد أن تبني لي قصراً في هذا البستان لم يكن في ملكك لأحد مثله وتجعل فيه نهراً من حجارة يجري فيه الخمر! فأجابها إلى ذلك ونسي ولم تجسر شيرين على أن تذكره به فقالت للبلهبد المار ذكره: حاجتي في غناء ولك ضيعتي التي بأصفهان! فأجابها إلى ذلك وعمل شعراً وصوتاً في ذلك. فلما سمع كسرى قال له: لقد ذكرتني حاجة شيرين. فأمر ببناء القصر وعمل النهر فبنى على أحسن ما يكون وأتقنه ووفت شيرين للبلهبد بالضيعة فنقل إليها عياله وله نسل بأصفهان ينتمون إلى بلهبد. ودخل بعض الشعراء قصر شيرين فرأت تلك العمارات الرفيعة ورأى ايوان شيرين وصورتها يا طالبي غرر الأماكن حيّوا الدّيار ببرزماهن وسلوا السّحاب تجودها وتسحّ في تلك الأماكن واهاً لشيرين التي قرعت فؤادك بالمحاسن! واهاً لمعصمها المليح وللسّوالف والمغابن! في كفّها الورق الممسّك والمطيّب والمداهن وزجاجةٌ تدع الحكيم إذا انتشى في زيّ ماجن وشغفت حين رأيتها واهتاج مني كلّ ساكن فسقى رباع الكسرويّة بالجبال وبالمدائن دانٍ يسفّ ربابه وتناله أيدي الحواضن قم مدينة بأرض الجبال بين ساوة وأصفهان وهي كبيرة طيبة خصبة مصرت في زمن الحجاج بن يوسف سنة ثلاث وثمانين. أهلها شيعة غالية جداً والآن أكثرها خراب. ومياههم من الآبار أكثرها ملح فإذا أرادوا حفرها وسعوا في حفرها وبنوا من قعرها بالأحجار إلى شفيرها فإذا وبها بساتين كثيرة على السواقي وفيها الفستق والبندق. بها ملاحة طلسمها بليناس في صخرة ليدوم جريان مائها ولا ينقطع ما لم يخطر عليه وماء هذه العين ينعقد ملحاً ويأخذه كل مجتاز. أخبرني بعض الفقهاء أن بقرب قم معدن ملح من أخذ منه الملح ولم يترك هناك ثمنه يعرج حماره الذي حمل عليه ذلك الملح. وبها معدن الذهب والفضة أخفوه عن الناس حتى لا يشتغلوا به ويتركوا الزراعة والفلاحة. وبها طلسم لدفع الحيات والعقارب وكان أهل قم يلقون منها ضرراً عظيماً فانحازت إلى جبل هناك فإلى الآن لا يقدر أحد أن يجتاز بذلك الجبل من كثرة الحيات والعقارب. من عجائبها أن العود لا يكون له في هواء قم أثر كثير ولو كان من أذكى العود. وبها واد كثير الفهود. وحكي أنه أتاهم في بعض الأوقات وال سني وقال لهم: بلغني أنكم لشدة بغضكم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسمون أولادكم بأسمائهم فإن لم تأتوني منكم بمن اسمه عمر أو كنيته أو بكر لأفعلن بكم! فداروا في جميع المدينة وفتشوا ثم أتوا بواحد أحول أقرع كريه اللقاء معوج الأعضاء وكان أبوه غريباً ساكن قم فكناه أبا بكر. فلما رآه الوالي غضب وشتمهم وقال: إنكم إنما كنيتموه بأبي بكر لأنه أسمج خلق الله منظراً! وهذا دليل على بغضكم لصحابة رسول الله. فقال بعض الظرفاء منهم: أيها الأمير اصنع ما شئت فإن تربة قم وهواءها لا يأتي بصورة أبي بكر أحسن من هذا! فضحك الوالي عفا عنهم. ولقاضيها قال الصاحب ابن عباد: أيّها القاضي بقم قد عزلناك فقم وكان القاضي يقول: أنا معزول السجع! كران بلدة بأرض الترك من ناحية تبت قال الحازمي: بها معدن الفضة. وبها عين ماء لا يغمس فيها شيء من الجواهر المنطبعة إلا ذاب. كرخ قرية فوق بغداد على ميل منها. أهلها شيعة غالية ويهود. وبها دكاكين الكاغد والثياب الابريسمية. ينسب إليها أبو محفوظ معروف بن فيروز الكرخي. وكان من المشايخ الكبار مستجاب الدعوة من موالي علي بن موسى الرضا. كان أستاذ السري السقطي فقال له يوماً: إذا كان حكي أن زبيدة بنت جعفر عبرت على معروف مع مواليها وخدمها فدعا عليها بعض الحاضرين فقال له معروف: يا رجل كن عون رسول الرحمن ولا تكن عون رسول الشيطان إن رسول الرحمن يريد نجاة الخلق كلهم. قال الله تعالى: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين. ورسول الشيطان يريد هلاك الخلق كلهم. قال الله تعالى مخبراً عنه: بعزتك لأغوينهم أجمعين! إن الذي أعطاهم الدنيا على هواهم قادر أن يعطيهم الآخرة على مناهم. وحكى إبراهيم الأطروش انه قال لمعروف: أبا محفوظ بلغني أنك تمشي على الماء! فقال: ما مشيت على الماء ولكن إذا هممت بالعبور يجمع لي طرفها. وحكى خليل الصياد قال: غاب ابني إلى الانبار فوجدت أمه وجداً شديداً فذكرت ذلك لمعروف فقال: ما تريد قلت: أن تدعو الله ليرده علينا. فقال: اللهم إن السماء سماؤك والأرض أرضك وما بينهما لك فأت به! قال خليل: أتيت باب الشام فإذا ابني قائم منبهر يقول: الساعة كنت بالانبار. وحكى محمد بن صبيح انه مر بمعروف رجل سقاء ينادي: رحم الله من شرب! فشرب منه وكان صائماً وقال: لعل الله أن يستجيب منه. وحكى عبد الله بن سعيد الأنصاري أنه رأى معروفاً في النوم واقفاً تحت العرش فيقول الله لملائكته: من هذا فقالت الملائكة: أنت أعلم يا ربنا هذا معروف الكرخي قد سكر من حبك لا يفيق إلا بلقائك! وحكى أمد بن أبي الفتح قال: رأيت بشراً الحافي في المنام قاعداً في بستان وبين يديه مائدة يأكل منها فقلت: أبا نصر ما فعل الله بك فقال: رحمي وغفر لي وأباحني الجنة بأسرها وقال: كل من ثمرها واشرب من أنهارها وتمتع بجميع ما فيها لما كنت تحرم نفسك شهوات الدنيا! قلت: أين أحمد بن حنبل قال: قائم على باب الجنة يشفع لأهل السنة ممن يقول القرآن كلام الله غير مخلوق! قلت: وما فعل معروف الكرخي فحرك رأسه وقال: هيهات! حالت بيننا وبينه الحجب إن معروفاً ما كان يعبد الله شوقاً إلى جنته ولا خوفاً من ناره وإنما عبده شوقاً إليه فرفعه الله إلى الرفيع الأعلى ووقعت الحجب بيننا وبينه ذاك الترياق المقدس المجرب فمن كانت له إلى الله حاجة فليأت قبره وليدع فإنه يستجاب له. وحكي انه قال: إذا مت تصدقوا بقميصي فإني أحب أن أخرج من الدنيا عرياناً كما دخلتها. توفي سنة إحدى ومائتين. |
كركان قرية كانت بقرب قرميسين قال ابن الفقيه: كانت قرية كثيرة العقارب وكان يقول بها سوق في كل سنة يتأذى بها خلق كثير من لدغ العقارب فأمر بعض الأكاسرة بليناس الحكيم أن يدفع عنها العقارب بطلسم ففعل ذلك فلم يوجد بعد ذلك بها شيء من العقارب أصلاً. ومن أخذ من ترابها وطين به حيطان داره في أي بلد كان لم ير في داره عقرب وإذا لدغت عقرب أحداً يؤخذ من تراب هذه القرية ويطرح في الماء ويشربه الملدوغ فيبرأ في الحال ومن أخذ من هذا التراب شيئاً وأخذ العقرب بيده لا تضره. http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif كسكر ناحية بين واسط والبصرة على طرف البطيحة. وهي نيف وثلاثون فرسخاً في مثلها. وهذه البطيحة كانت قرى ومزارع في زمن الأكاسرة. وكان لها بثق ففي السنة التي قتل فيها كسرى اضطربت الأمور وتقاعدوا عن عمارة البثوق وظهر الماء على تلك المواضع فصارت بطيحة والآن منابت القصب ومصيد السمك وطير الماء يتولد فيها أشكال من الطيور غريبة وصور غريبة لم يعرفها أحد ولا يراها الناس كما قال تعالى: ويخلق ما لا تعلمون. فاسفلها ميسان وأعلاها كسكر وربما فصل المركب في هذه البطيحة شهراً أو أكثر وربما يأخذه اللصوص.ويجلب من كسكر الرز الجيد والسمك الشبوط والجواميس والفراريج والجدي والبطوط والبقر والصحناة والربيثي فإن هذه الأشياء بكسكر فاقت أنواعها في غيرها. كشم قرية من رستاق بشت من أعمال نيسابور كانت بها سروة من غرس كشتاسب الملك لم ير مثلها في حسنها وطولها وعظمها وكانت من مفاخر خراسان. جرى ذكرها عند المتوكل فأحب أن يراها ولم يقدر له المسير إلى خراسان فكتب إلى طاهر بن عبد الله وأمره بقطعها وحمل قطاع جذعها وأغصانها إليه على الجمال لتنصب بين يديه حتى يبصرها فأنكر عليه ذلك وخوف بالطيرة فلم تنفع السروة شفاعة الشافعين وحكي ان أهل الناحية اجتمعوا وتضرعوا وقدموا مالاً على إعفائها فلم ينفع فقطعت وعظمت المصيبة لمن حولها وارتفع الصياح والبكاء عليها فلفوها في اللباد وبعثوها إلى بغداد على الجمال فقال علي بن جهم: قالوا: سرى لسبيله المتوكّل فالسّرو يجري والمنيّة تنزل ما سربلت إلاّ لأنّ إمامنا بالسّيف من أولاده متسربل فقتل المتوكل على يد مماليكه قبل وصول السرو والفأل على ما جرى. قرية من قرى خراسان كثيرة الخيرات وافرة الغلات ينسب إليها الوزير أبو نصر الكندري. كان وزيراً ذا رأي وعقل استوزره السلطان طغرلبك السلجوقي. ولما ملك الملوك السلجوقية خراسان وأخذوها من ملوك بني سبكتكين لم يجسر أحد أن يدخل معهم خوفاً من سلاطين بني سبكتكين. فابتدأ أبو نصر الكندري فاستوزره طغرلبك وكان قد هجاه أبو الحسن الباخرزي بأبيات أولها: أقبل من كندر مسخرةٌ للشّؤم في وجهه علامات فطلب أبا الحسن وأحسن إليه وولاه وقال: إني تفاءلت بشعرك كان أوله أقبل. إلا أنه كان شيعياً غالياً متعصباً وكان السلطان معتزلياً فأمر بلعن جميع المذاهب يوم الجمعة على المنبر فشق ذلك على المسلمين وفارق إمام الحرمين نيسابور وذهب إلى مكة وكذلك الأستاذ أبو القاسم القشيري ودخل على الناس من ذلك أمر عظيم وأثار همة صلحاء المسلمين. كانت أيام طغرلبك أياماً قلائل مات وقام مقامه ابن أخيه ألب أرسلان بن داود. واستوزره نظام الملك الحسن بن علي بن إسحق وقبض على الكندري وقتله سنة ست وخمسين وأربعمائة وانقطع لعن المسلمين على رؤوس المنابر وعاد أرباب الدين إلى أماكنهم وشكروا الله تعالى.بليدة بين همذان وقرميسين في فضاء واسع طيبة الهواء عذبة الماء صحيحة التربة كثيرة الخيرات والثمرات. ولذلك اتخذها كسرى ابرويز مسكناً وأمر أن يبنى له قصر لا يكون لأحد من الملوك مثله. فاتخذ للقصر أساساً مائة ذراع في مائة ذراع في ارتفاع عشرين ذراعاً يراه الناظر كأنه حجر واحد لا يظهر فيه أثر الدرز وبنى فيه ايوانات وجواسق وخزائن على اسطوانات حجرية تحير الناظر في صنعته وحسن نقوشه. قال صاحب عجائب الأخبار: إذا أردت أن ترى عجباً من العجائب فانظر إلى أسطوانات هذا القصر إلى رؤوسها وأسافلها وتعجب من تسخير الحجر الصلد لهؤلاء الصناع. وحكي انه لما حضر عند كسرى فغفور ملك الصين وخاقان ملك الترك وداهر ملك الهند وقيصر ملك الروم أحضرهم في هذا القصر ليبصروا عجائبه وقوة ملك بانيه وصنعة صناعه وعجزهم عن بناء مثله. وذكر أن المسلمين لما وصلوا إليها في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب سرقت دوابهم في ذلك المكان فسموه قصر اللصوص. وحكي انه لما قتل كسرى ابرويز بقي من هذا القصر بقية قال الحاكي: نظرت إلى بعض أساطينها نحت أكثرها وهندم وبقي أقلها على حاله فسألت عنها فذكروا انه لما قتل ابرويز انصرف الصناع عنها وتركوها ثم طلبوهم لإتمامها فما كانت تعمل كوثى قرية بسواد العراق قديمة. ينسب إليها إبراهيم الخليل عليه السلام وبها كان مولده وطرح في النار بها ولذلك قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: من كان سائلاً عن نسبنا فإنا نبط من كوثى. ومن الاتفاقات العجيبة اتفاق عامل كوثى. حكى بعض أهلها: انه جاءنا عامل واشتد في المطالبات وكان للعرب عندنا مزارعة وكان العمال الذين قبله يسامحونهم. فهذا العامل طالبهم وأهانهم بالضرب فانصرفوا إلى بني أعمامهم شاكين وتوافقوا على الكبس على العامل ليلاً فورد الناحية عامل آخر صارفاً للأول وطالباً بالبقايا فقبض عليه وقيده وضربه بالخشب وحمله إلى قرية أخرى ووكل به عشرة من الغلمان. فلما أصبح المصروف دخل عليه غلامه وقال له: أخرج رجلك حتى أكسر القيد! قال: أين الموكلون قال: هربوا والعرب الذين أخذت منهم الخراج كبسوا البارحة دار العمالة وقتلوا العامل على أنه أنت ولم يكن عندهم خبر صرفك. فقام الرجل وورد بغداد وذكر أن العامل الصارف أساء السيرة وأثار فتنة من العرب فأقر على حاله في الناحية وضم إليه جيشاً فعاد إلى كوثى وأرب العرب وأرهب لنبان قرية من قرى أصفهان ينسب إليها الأديب الفاضل البارع عبد العزيز الملقب بالرفيع له أشعار في غاية الحسن وديوان ورسائل. ورد جمال الدين الخجندي قزوين وعقد مجلس الوعظ بالجامع وذكر هذه الأبيات على المنبر وذكر أنها للرفيع: بأبي أين أنت ألقاك طال شوقي إلى محيّاك! ورد الورد يدّعي سفهاً أنّ ريّاه مثل ريّاك! ووقاح الأقاح يوهمنا أنه افترّ عن ثناياك! ضحك الورد هاتها عجلاً قهوةً مثل عبرة الباك لست أدري لفرط خمرتها أمحيّاك أم حميّاك هام قلبي بهذه وبذاك آه من هذه ومن ذاك! فهذه الأبيات حفظها أهل قزوين ويقولون هدية جمال الدين الخجندي من أصفهان. وحكي أن صدر الدين الخجندي عزل خازن دار كتبه فأراد الرفيع اللنباني أن يكون مكانه فكتب إلى صدر الدين: سمع العبد أن خازن دار الكتب اختزل حتى اعتزل وخان حتى هان ولم يزالوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير والعبد خير منه زكاة وأقرب رحماً! وإن له أباً شيخاً كبيراً فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين. وحكي أن الرفيع كان في خدمة الخجندية فلما وقع الخلاف بين السلطان طغرل وأولاد أتابك محمد كان صدر الدين الجندي مع السلطان فظفر أمير من أمراء أتابك محمد بجمع من أصحاب صدر الدين الخجندي وكانوا يمشون من أصفهان إلى بغداد وعليهم الرفيع فظفر بهم قيماز الأتابكي فنهبهم وقتل الرفيع فلما عرف أنه كان رجلاً فاضلاً من أهل العلم ندم والرفيع كان قد نظم هذين البيتين: جون كشته بينم دولت كرده فران وار جان تهي اين قالب برورده بنان بر بالينم نشين ومي كوي بران اي من تو بكشته ونشيمان شده بان فكان الفأل على ما جرى. ليخواست قرية من قرى نهاوند.كان بها صورة فرس من حشيش يراه الناس أخضر في الشتاء والصيف قالوا: انه كان طلسم الكلأ وكانت أكثر بلاد الله كلأ وحشيشاً.موضع بأرض قومس قال مسعر بن مهلهل: بين سمنان والدامغان في بعض الجبال فلجة يخرج منها ريح شديدة في أوقات من السنة فلا تصيب حيواناً إلا أتلفته ولو كان مشتملاً بالوبر. وهذه الفلجة فرسخ واحد وفتحها نحو أربعمائة ذراع ومقدار ما ينال أذاها فرسخان لا تأتي على شيء إلا جعلته كالرميم. يقال لهذه الفلجة وما يقرب منها ماذران قال مسعر بن مهلهل: كنت مجتازاً بها في قفل فيه نحو مائتي إنسان ودواب فهبت علينا الريح فما سلم منهم غيري ورجل آخر. كانت تتنا دابتان جيدتان فوافتا بنا ازج صهريج كان في الطريق فاستكنا بالازج وسدرنا ثلاثة أيام بلياليهن ثم رجعنا إلى حالنا والدابتان نفقتا ومن الله علينا بالنجاة. ماذروستان موضع على مرحلتين من حلوان به ايوان عظيم وبين يديه دكة عظيمة وأثر بستان يقولون إنه بستان بهرام بن جور زعموا أن الثلج يقع على نصفه الذي من ناحية الجبال وأما النصف الذي يلي جانب العراق فلا يقع به الثلج أبداً والله الموفق. ماهاباذ قرية كبيرة قرب قاشان. أهلها شيعة امامية ينسب إليها الأستاذ الفاضل البارع الحسن بن علي بن أحمد الملقب بافضل الماهاباذي. كان بالغاً في علم الأدب عديم النظير في زمانه. وكان يقصده الناس من الأطراف للاشتغال وكان عنده حلقة من الأدباء وكان مخصوصاً بلطافة الطبع مع وفور الذكاء وحسن الشعر ويوصي تلامذته بتحصيل العلم وتحقير المال. ومن شعره: يا ساعياً وطلاب المال همّته إني أراك ضعيف العقل والدّين! عليك بالعلم لا تطلب به بدلاً واعلم بأنّك فيه غير مغبون العلم يجدي ويبقى للفتى أبداً والمال يفنى وإن أجدى إلى حين! هذاك عزٌّ وذا ذلٌّ لصاحبه! ماذا من البعد بين العزّ والهون ماوشان كورة من كور همذان في واد بسفح جبل أروند مسيرة أيام كثيرة الأشجار والمياه والثمار ذكرها عين القضاة أبو المعالي عبد الله بن محمد رحمه الله في رسالته فقال: وكأني بالركب العراقي يوافون همذان ويحطون رحالهم في محاني ماوشان وقد اخضرت منها التلاع والوهاد وألبسها الربيع حبرة يحسدها عليها البلاد وهي تفوح كالمسك أزهارها ويجري بالماء الزلال أنهارها فنزلوا منها في رياض مؤنقة واستظلوا بظلال أشجار مورقة فجعلوا يكررون إنشاد هذا البيت وهم يتنعمون بنوح الحمام وتغريد الهزار: حباك يا همذان الغيث من بلدٍ سقاك يا ماوشان القطر من وادي ومن عادة أهل همذان الخروج إلى ماوشان في الصيف وقت إدراك المشمش وأصحاب الأشجار لا يمنعون عنها أحداً ويمكثون هناك أيام المشمش للتفرج والتنزه ويأكلون من ثمارها ويكسرون من أشجارها ولا يمنعهم مانع فإذا انتهت أيام المشمش رجعوا وذكر أن صاحب ماوشان منع الناس عنها في بعض السنين فلما كان من القابل لم تثمر أشجارها شيئاً فعادوا لإطلاق الناس فيها. المدائن كانت سبع مدن من بناء الأكاسرة على طرف دجلة وقيل: إنها من بناء كسرى الخير أنوشروان. سكنها هو وملوك بني ساسان بعده إلى زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وإنما اختار هذا الموضع للطافة هوائه وطيب تربته وعذوبة مائه قال حمزة: هذا الموضع سمته العرب مدائن لأنها كانت سبع مدن بين كل واحدة والخرى مسافة وآثارها إلى الآن باقية وهي: فلما ملك العرب ديار الفرس واختطت الكوفة والبصرة انتقل الناس إليهما ثم اختط الحجاج واسطاً وكانت دار الامارة فانتقل الناس إليها فلما اختط المنصور بغداد انتقل أكثر الناس إليها. فأما في وقتنا هذا فالمسمى بالمدائن بليدة شبيهة بقرية في الجانب الغربي من دجلة. أهلها فلاحون شيعة إمامية. ومن عادتهم أن نساءهم لا يخرجن نهاراً أصلاً. وبها مشهد رفيع البناء لأحد العلويين وفي الجانب الشرقي منها مشهد سلمان الفارسي رضي الله عنه وله موسم في منتصف شعبان ومشهد حذيفة ابن اليمان مشير رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان للأكاسرة هناك قصر اسمه أبيض كان باقياً إلى زمن المكتفي في حدود سنة تسعين ومائتين فأمر بنقضه وبنائه التاج الذي بدار الخلافة ببغداد وتركوا منه الإيوان المعروف بإيوان كسرى. ذكر أنه من بناء انوشروان كسرى الخير وانه تعاون على بنائه الملوك وهو من أعظم الأبنية وأعلاها والآن قد بقي منه طاق الإيوان وجناحات وازجة قد بنيت بآجر طوال عراض. وحكي أن أنوشروان لما أراد بناء هذا القصر أمر بشري ما حوله وأرغب الناس في الثمن الوافر ومن جملتهم عجوز لها بيت صغير قالت: لست ابيع جوار الملك بالدنيا كلها! فاستسحسن أنوشروان منها هذا القول وأمر بترك ذلك البيت على حاله وإحكام عمارته وبناء الإيوان محيطاً به. وإني رأيت الإيوان وفي جانب منه قبة محكمة العمارة يعرفها أهل الناحية بقبة العجوز. وكان على افيوان نقوش وصور بالتزاويق وصورة مدينة أنطاكية وانوشروان يحاصرها ويحارب أهلها راكباً على فرس أصفر وعليه ثياب خضر وبين يديه صفوف الفرس والروم وكانت هذه النقوش على الإيوان باقية إلى زمان أبي عبادة البحتري فإنه شاهدها وذكرها في قصيدته السينية: حضرت رحلي الهموم فوجّه ت إلى أبيض المدائن عنسي أتسلّى عن الخطوب وآسى لمحلٍّ من آل ساسان درس حللٌ لم تكن كأطلال سعدى في قفارٍ من البسابس ملس لو تراه علمت أنّ اللّيالي جعلت فيه مأتماً بعد عرس فإذا ما رأيت صورة أنطا كيّة ارتعت بين رومٍ وفرس والمنايا مواثلٌ وأنوشر وان يزجي الصّفوف تحت الدّرفس في اخضرارٍ من اللّباس على اص فر يختال في صبيغة ورس وعراك الرّجال بين يديه في خفوتٍ منهم وإغماض جرس من مشيحٍ يهوي بعامل رمحٍ ومليحٍ من السّنان بترس وكأنّ الإيوان من عجب الصّن عة جوبٌ في جنب أرعن جلس لم يعبه أن بزّ من بسط الدّيبا ج واستلّ من ستور الدّمقس مشمخرٌّ تعلو له شرفاتٌ رفعت من رؤوسٍ رضوى وقدس وحكي أن غلمان الدار شكوا إلى أنوشروان وقالوا: إن العجوز تدخن في بيتها ودخانها يفسد نقوش الإيوان! فقال: كلما أفسدت أصلحوها ولا تمنعوها من التدخين! وكان للعجوز بقرة تأتيها آخر النهار لتحلبها فإذا وصلت إلى الإيوان طووا فرشه لتمشي البقرة إلى باب قبة العجوز فإذا فرغت من حلبها رجعت البقرة وسووا البساط. وكان هذا مذهبهم في العدل والرفق بالرعايا ولولا مخالفة النبوة التي شرفها الله تعالى وشرف بها عباده كانت معدلتهم تقتضي دوام دولتهم. مرو الروذ ناحية بين الغور وغزنة واسعة. ينسب إليها القاضي الإمام العالم الفاضل حسين المروروذي عديم النظير في العلم والورع: عقرت حوامل أن يلدن نظيره إنّ النّساء بمثله عقم حكي أن رجلاً جاء القاضي حسيناً وقال له: إني حلفت بالطلاق ثلاثاً ان ليس في هذا الزمان أعلم منك! فماذا تقول وقع طلاقي أم لا فأطرق رأسه ساعة ثم رفع رأسه وبكى وقال: يا هذا لا يقع طلاقك وإنما ذلك لعدم الرجال لا لوفور علمي! مرو من أشهر مدن خراسان وأقدمها وأكثرها خيراً وأحسنها منظراً وأطيبها مخبراً. بناها ذو القرنين وقهندزها أقدم منها. قيل: إنه من بناء طهمورث. وروى بريدة بن الحصيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا بريدة إنه ستبعث من بعدي بعوث فإذا بعثت فكن في بعث المشرق ثم في بعث خراسان ثم في بعث أرض يقال لها مرو فإذا أتيتها فانزل مدينتها فإنه بناها ذو القرنين وصلى فيها عزير وأنهارها تجري بالبركة على كل نقب منها ملك شاهر سيفه يدفع عن أهله السوء إلى يوم القيامة. فقدمها بريدة غازياً وأقام بها إلى أن مات. حكي أن قهندزها عمارة عظيمة ولما أراد طهمورث الملك بناء قهندز مرو بني بألف رجل وأقام لها سوقاً فيه ما يحتاجون إليه فكان إذا أمسى الرجل أعطي درهماً فيشتري به ما يحتاج إليه فتعود الدراهم إلى أصحاب الملك حتى إذا تم لم يخرج على البناء إلا ألف درهم. وحكى أبو إسحق الطالقاني قال: كنت على الزربق في مسجد العرب عند عبد الله بن المبارك فانهار ركن من القهندز فسقطت منها جماجم فتناثرت من جمجمة أسنانها فوزنت سنان منها فكان في كل واحدة منهما منوان فجعل عبد الله بن المبارك ينقلهما بيده ويتعجب منها ويقول: إذا كانت هذه سنهم فكيف تكون بقية أعضائهم وقال: أتيت بسنّين قد قدما من الحصن لمّا أثاروا الدّفينا على وزن منوين إحداهما لقد كان يا صاح سنّاً رزينا ثلاثون أخرى على قدرها تباركت يا أحسن الخالقينا فماذا يقوم بأفواهها وما كان يملأ تلك البطونا إذا ما تذكّرت أجسامهم تصاغرت النّفس حتى تهونا فكلٌّ على ذاك لاقى الرّدى فبادوا جميعاً وهم خامدونا وأما المدينة فطيبة كثيرة الخيرات وافرة الغلات. في أهلها من الرفق ولين الجانب وحسن المعاشرة. وكانت كرسي ملك بني سلجوق لهم بها آثار خيرات حكى صاحب عجائب الأخبار انه كان بمرو بيت كبير ارتفاعه قدر قامة وكان محمولاً على صور أربع من الخشب في جوانبه الأربعة وكانت الصور تمثال رجلين وامرأتين فزعم قوم أن ذلك البيت بيت ملكهم فنقضوه وانتفعوا بأخشابه فأصاب مرو وقراها جوائح وآفات وقحط متواتر فعلموا أن ذلك البيت كان طلسماً لدفع الآفت. وليس لهذه المدينة عيب إلا ما يعتري أهلها من العرق المديني فإنهم في شدة عظيمة منه قل ما ينجو منهم أحد في كل عام. ينسب إليها عبد الله بن المبارك الإمام العالم العابد حكي انه كان بمرو قاض اسمه نوح بن مريم وكان رئيسها أيضاً وكانت له بنت ذات جمال خطبها جماعة من الأعيان والأكابر وكان له غلام هندي ينطر بستانه فذهب القاضي يوماً إلى البستان وطلب من غلامه شيئاً من العنب فأتى بعنب حامض فقال له: هات عنباً حلواً! فأتى بحامض فقال له القاضي: ويحك ! ما تعرف الحلو من الحامض فقال: بلى ولكنك أمرتني بحفظها وما أمرتني بأكلها ومن لم يأكل لم يعرف. فتعجب القاضي من كلامه وقال: حفظ الله عليك أمانتك! وزوج ابنته منه فولدت عبد الله بن المبارك المشهور بالعلم والورع. كان يحج في سنة ويغزو في أخرى. وحكي انه كان معاصراً لفضيل بن عياض وفضيل قد جاور مكة وواظب على العبادة بمكة والمدينة فقال عبد الله بن المبارك: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنّك بالعبادة تلعب من كان يخضب خدّه بدمائه فنحورنا بدمائنا تتخضّب وغبار خيل الله في أنف امريءٍ ودخان نار جهنّمٍ لا يذهب حكي عنه قال: خرجت للغزوة فلما تراءت الفتيان خرج من صف الترك فارسل يدعو إلى البراز فخرجت إليه فإذا قد دخل وقت الصلاة قلت له: تنح عني حتى أصلي ثم افرغ لك! فتنحى فصليت ركعتين وذهبت إليه فقال لي: تنح عن حتى أصلي أنا أيضاً! فتنحيت عنه فجعل يصلي للشمس فلما خر ساجداً هممت أن أغدر به فإذا قائل يقول: اوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً. فتركت الغدر. فلما فرغ من صلاته قال لي: لم تحركت قلت: أردت أن أغدر بك! فقال: لم تركته قلت: لأني أمرت بتركه. قال: الذي أمرك بترك الغدر أمرني بالإيمان. وآمن والتحق بصف المسلمين. وحكى الحسن بن الربيع انه خرج ذات سنة مع جيوش المسلمين إلى الغزوة فلما تقاتل الصفان خرج من صف الكفار فارس يطلب القرن فذهب إليه فارس من المسلمين فما أمهله فأحجم الناس عن مبادرته ودخل المسلمين منه حزن. فإذا فارس خرج إليه من صف المسلمين وجال معه زماناً ثم رماه وحز رأسه فكبر المسلمون وفرحوا ولم يكن يعرفه أحد فعاد إلى مكانه ودخل في غمار الناس! قال الحسن: فبذلت جهدي حتى دنوت منه وحلفته أن يرفع لثامه فإذا هو عبد الله بن المبارك فقلت له: يا إمام المسلمين كيف أخفيت نفسك مع هذا الفتح الذي يسر الله على يدك فقال: الذي فعلت له لا يخفى عليه.وحكي أن عبد الله بن المبارك عاد من مرو إلى الشام لعلم رآه معه بمرو صاحبه بالشام. ورئي سفيان الثوري في المنام بعد موته فقيل له: ما فعل الله بك قال: رحمني! فقيل: ما حال عبد الله بن المبارك قال: هو ممن يدخل على ربه كل يوم مرتين. ولد سنة مائة وعشرين وتوفي سنة مائة وإحدى وثمانين. وينسب إليها أبو زيد المروزي أستاذ أبي بكر القفال المروزي حج سنة فعادله أبو بكر البزاز النيسابوري من نيسابور إلى مكة. قال: ما علمت أن الملك كتب عليك خطيئة قال أبو زيد: فلما فرغت من الحج وعزمت الرجوع إلى خراسان قلت في نفسي: متى تنقطع هذه المسافة وقد طعنت في السن لا أحتمل مشقتها! فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً في صحن المسجد الحرام وعن يمينه شاب قلت: يا رسول الله عزمت على الرجوع إلى خراسان والمسافة بعيدة. فالتفت النبي عليه السلام إلى الشاب الذي بجنبه وقال: يا روح الله تصحبه إلى وطنه قال أبو زيد: فأريت انه جبريل فانصرفت إلى مرو ولم أحس بشيء من مشقة السفر. وينسب إليها أبو بكر عبد الله بن أحمد بن عبد الله القفال المروزي. كان وحيد زمانه فقهاً وعلماً. رحل إليه الناس وصنف كتباً كثيرة وانتشر علمه في الآفاق. حكي أن القفال الشاشي صنع قفلاً وفراشة ومفتاحاً وزنها دانق فأعجب الناس ذلك وسار ذكره في البلاد فسمع به القفال المروزي فصنع قفلاً وزنه طسوج فاستحسنه الناس ولكن ما شاع ذكره فقال ذات يوم: كل شيء يحتاج إلى الحظ! قفل الشاشي طنت به البلاد وقفلي بقدر ربعه ما يذكره أحد فقال له صديق له: إنما الشاشي شاع بعلمه لا بقفله. فعند ذلك رغب في العلم وهو ابن أربعين سنة فجد في طلب العلم حتى وصل إلى ما وصل وعاش تسعين سنة: أربعين سنة قفالاً وخمسين سنة عالماً ومتعلماً. ومات سنة سبع عشرة وأربعمائة. وينسب إليها أبو الحرث سريج المروزي. كان شيخاً صالحاً صدوقاً. جاء له ولد فذهب إلى بقال بثلاثة دراهم: يريد بدرهم عسلاً وبدرهم سمناً وبدرهم سويقاً. فقال البقال: ما عندي من ذلك شيء لكن احصله لك في الغد. فقال للبقال: فتش لعلك تجد قليلاً! قال: فمشيت فوجدت البراني والجرار مملوءة فأعطيته منها شيئاً كثيراً. فقال: أوليس قلت ما عندي شيء منها قلت له: خذ واسكت. فقال: لا آخذ حتى تصدقني. فأخبره بالحال فقال: لا تحدث به ما دمت حياً. وحكى أبو الحرث قال: رأيت في المنام كأن الناس وقوف بين يدي الله تعالى صفوفاً وأنا في الصف الأخير ونحن ننظر إلى رب العزة فقال: أي شيء تريدون أصنع بكم فسكت الناس. قال أبو الحرث: فقلت في نفسي: ويحهم! قد أعطاهم كل ذا من نفسه وهم سكوت! فجعلت أمشي حتى جزت الصفوف إلى الأول فقال لي: أي شيء تريد فقلت: يا رحمن إن أردت أن تعذبنا فلم خلقتنا خلقتكم ولا أعذبكم أبداً. ثم غاب في السماء. http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif المشان بليدة قريبة من البصرة كثيرة التمر والفواكه. وجرى المثل فيها بعلة الورشان تأكل رطب المشان قيل: ان بعض الملوك مرض فأمره الأطباء بلحم الورشان فأمر أن لا يمنع من يطلب له الوراشين في البساتين من النخيل وكان طالب الوراشين يمد يده إلى الاعذاق فقالوا: بعلة الورشان تأكل رطب المشان وهي وخمة جداً ومما يحكي العوام: قيل لملك الموت أين نجدك قال: عند قنطرة حلوان قيل: فإن لم نجدك قال: لا أبرح عن مشرعة المشان. وإذا سخط ببغداد على أحد من أهل الفساد ينفى إلى المشان ليتأدب بالغربة ووخامة الهواء وملوحة الماء وكثرة المرض. وينسب إليها أبو محمد القاسم بن علي الحريري صاحب المقامات الحريرية التي هي من الأعاجيب. ومن عجيب ما حكي عنه انه كان مشغوفاً بنتف اللحية وهو مرض من غلبة السوداء فوكل به شخص يمنعه من ذلك. فلما عرض المقامات على الوزير وأعجب الوزير المطيرة من قرى سامرا أشبه أرض الله بالجنان من لطافة الهواء وعذوبة الماء وطيب التربة وكثرة الرياحين. وهي من متنزهات بغداد يأتيها أهل الخلاعة. وصفها بعض الشعراء فقال: سقياً ورعياً للمطيرة موضعاً! أنوارها الخيريّ والمنشور فيها البهار معانقاً لبنفسجٍ فكأنّ ذلك زائرٌ ومزور وكأنّ نرجسه عيونٌ كحلها بالزّعفران جفونها الكافور تحيا النّفوس بطيبها فكأنّها وصل الحبيب يناله المهجور الموصل المدينة العظيمة المشهورة التي هي إحدى قواعد بلاد الإسلام رفيعة البناء ووسيعة الرقعة محط رحال الركبان. استحدثها راوند بن بيوراسف الازدهاق على طرف دجلة بالجانب الغربي. والآن لها سور وفصيل وخندق عميق وقهندز وحواليها بساتين. وهواؤها طيب في الربيع أما في الصيف فأشبه شيء بالجحيم! فإن المدينة حجرية جصية تؤثر فيها حرارة الصيف تبقى كالشاخورة وخريفها كثير الحمى تكون سنة سليمة والأخرى موبئة يموت فيها بها أبنية حسنة وقصور طيبة على طرف دجلة. وفي نفس المدينة مشهد جرجيس النبي عليه السلام. وفي الجانب الشرقي منها تل التوبة وهو التل الذي اجتمع عليه قوم يونس لما عاينوا العذاب وتابوا وآمنوا فكشف الله تعالى عنهم العذاب. وعلى التل مشهد مقصود يقصده الناس كل ليلة جمعة وينذر له النذور. وبها بساتين نزهة. وفيها جواسق في غاية الحسن والطيب. وأهل الموصل انتفعوا بدجلة انتفاعاً كثيراً مثل شق القناة منها ونصب النواعير على الماء يديرها الماء بنفسه ونصب العربات وهي الطواحين التي يديرها الماء في وسط دجلة في سفينة وتنقل من موضع إلى موضع وفي الجانب الشرقي عند انتقاص الماء يبقى على طرف دجلة ضحضاح على أرض ذات حصباء يتخذ الناس عليها سرراً وقباباً من القصب في وسط الماء يسمونها السواريق ويبيتون فيها ليالي الصيف. يكون هواؤها في غاية الطيب وإذا نقص الماء وظهرت الأرض زرعوا بها القثاء والخيار فتكون حول القباب مقثاة ويبقى ذلك إلى أول الشتاء. وأهلها أهل الخير والمروءة والطباع اللطيفة في المعاشرة والظرافة والتدقيق في الصناعات وما فيهم إلا من يحب المختطين قال الشاعر: كتب العذار على صحيفة خدّه سطراً يلوح لناظر المتأمّل ينسب إليها جمال الدين الموصلي. كان من كرام الدنيا أصله من أصفهان. توزر من صاحب الموصل وكان يعطي أكثر من عبر الموصل فعرف الناس أن عنده الكيمياء وكل من سأله أعطاه. وحكي أن رجلاً صوفياً قال له: أنت الجمال الموصلي قال: نعم. قال: اعطني شيئاً ! قال له: سل ما شئت. فنزع طرطوره وقال: املأ هذا دراهم! فقال: اتركه عندي وارجع غداً خذه! فتركه عنده فلما عاد أعطاه إياه مملوءاً من الدراهم فأخذه وخرج ثم عاد وقال: ما لي إلى هذا حاجة وإنما أردت أن أجربك هل أنت أهل لهذه الصنعة أم لا فعرفت أنك أهل وأنت ما تعرف إلا عمل الفضة أريد أن أعلمك عمل الذهب أيضاً. فعلمه وذهب. وحكي انه استأذن من الخليفة أن يلبس الكعبة في بعض السنين فأذن له فأخذ للكعبة لباساً أخضر ونثر على الكعبة مالاً كثيراً وأعطى أهل مكة وضعفاء الحاج أموالاً وسار ذكره. في الآفاق. وحكي أنه كان بينه وبين بعض الأمراء صداقة فتعاهدا على أن من مات منهما أولاً فصاحبه يحمله إلى البقيع فمات الجمال الموصلي أولاً في سنة خمسين وخمسمائة. فاشترى ذلك الأمير جمالاً كثيرة. وعين قوماً من الصلحاء وأقواماً من المقرئين وأموالاً للصدقة عنه في كل منزل وقال: الجمال الموصلي لا يبعث إلى البقيع إلا هكذا. ودفنه بالبقيع بهذا الاحترام.وينسب إليها الشيخ كمال الدين بن يونس. كان جامعاً لفنون العلوم عديم النظير في زمانه في أي فن باحثته فكأنه صاحب ذلك الفن من المنقول والمعقول. وأما فن الرياضيات فكان فيه منفرداً. ومن عجيب ما رأيت منه أن الفرنج في زمن الملك الكامل بعثوا إلى الشام مسائل ارادوا جوابها: منها طبية ومنها حكمية ومنها رياضية. أما الطبية والحكمية فأجاب عنها أهل الشام والهندسية عجزوا عنها. والملك الكامل أراد أن يبعث جواب الكل فبعثوا إلى الموصل إلى المفضل ابن عمر الأبهري أستاذنا وكان عديم النظير في علم الهندسة فأشكل الجواب عليه فعرضه على الشيخ ابن يونس فتفكر فيه وأجاب عنه والمسألة هذه نريد أن تبين قوساً أخرجنا لها وتراً والوتر أخرج من الدائرة عملنا عليه مربعاً تكون مساحة المقوس كمساحة المربع هذه صورتها: فكتب برهانه المفضل وجعله رسالة بعث بها إلى الشام إلى الملك الكامل فلما مشيت إلى الشام رأيت فضلاء الشام يتعجبون من تلك الرسالة ويثنون على استخراج ذلك البرهان فإنه كان نادر الزمان. وينسب إليها الشيخ فتح الموصلي. كان الغالب عليه الخوف والبكاء وفي أكثر أوقاته كان باكياً. فلما توفي رئي في المنام قيل له: ما فعل الله بك قال: أوقفني بين يديه وقال: ما الذي أبكاك فقلت: يا رب الخجالة من ذنوبي! فقال: وعزتي وجلالي أمرت ملك الذنوب أن لا يكتب عليك أربعين سنة لبكائك من هيبتي! ميسان كورة كثيرة القرى والنخيل بين البصرة وواسط أهلها شيعة طغاة بها مشهد عزير النبي عليه السلام مشهور معمور يقوم بخدمته اليهود وعليه وقوف وتأتيه النذور. وحكي أن النعمان بن عدي كان من صلحاء الصحابة من مهاجرة الحبشة وكان عمر بن الخطاب يولي أحداً من بني النعمان لصلاحة ميسان فأراد النعمان أن يخرج معه زوجته فأبت فكتب النعمان إليها من ميسان ما يحرضها على المجيء إلى زوجها: ألا هل أتى الحسناء أنّ حليلها بميسان يسقى من زجاجٍ وحنتم إذا شئت عنّيني دهاقين قريةٍ وصنّاجةٍ يجثو على حرف ميسم فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني ولا تسقني بالأصغر المتثلّم لعلّ أمير المؤمنين يسوءه ينادمنا في الجوسق المتهدّم! فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فكتب إليه: أما بعد فقد بلغني قولك لعل أمير المؤمنين يسوءه. وايم الله قد ساءني وعزلتك! فلما قدم وسأله عن ذلك قال: والله ما كان من ذلك شيء وما شربتها قط وإنما كان ذلك فضل شعر! فقال عمر: أظن ذلك لكن لا تعمل لي عملاً قط. ناووس الظبية موضع بقرب همذان وقال ابن الفقيه: هذا الموضع عند قصر بهرام جور وهو على تل مشرف حوله عيون كثيرة وأنهار غزيرة ومن حديثه: انه خرج بهرام جور وهو أحد الأكاسرة متصيداً وكان حاذقاً بالرمي وأخرج معه جارية من أحظى جواريه. فعن له سرب ظباء فقال لها: كيف تريدين أن أرمي ظبية منها فقالت: أريد أن تلصق ظلفها بأذنها! فتحير بهرام وقال في نفسه: إن لم أفعل قيل انه شهى جارية ولم يف بها. فأخذ الجلاهق وعين ظبية فرماها ببندقية فأصاب أذنها فرفعت رجلها تحك بها أذنها فانتزع سهماً فرماها فخاط به ظلفها بأذنها ثم قتل الجارية ودفنها مع الظبية في ناووس واحد وبنى عليهما علماً من حجارة وكتب عليها قصتها وقال: إنما قتلت الجارية لأنها قصدت تعجيزي وكادت تفضحني! قال ابن الفقيه: والموضع معروف إلى وقتنا بناووس الظبية. نسا مدينة بخراسان بقرب سرخس وابيورد بناها فيروز بن يزدجرد أحد الأكاسرة. وكان يقال لها شهر فيروز وهي مدينة طيبة كثيرة الأنهار والأشجار إلا أنها وبئة ويكثر بها العرق المديني حتى انه في الصيف قل من ينجو منه. بها رباط بناه رئيسها عماد الدين حمزة النسوي وهو رباط عظيم خارج المدينة بين الباغات ليس في شيء من البلاد مثله في عظم العمارة وكثرة الخير. حكي عنه انه قال: كنت على عزم أن أبني موضعاً لأهل الخير متردداً في أن أجعله مدرسة أو خانقاهاً حتى رأيت في نومي أن قائلاً يقول: من آتاه الله روحاً فأعطه الخير! فأمر بعمارة بناء عظيم للفقهاء موضعاً وللصوفية موضعاً وللقدرية موضعاً وللعلويين موضعاً وللقفل السابلة موضعاً ولدوابهم موضعاً. وأجرى الخبز والمأكول على كل من له روح وجعل فيها حمامات ولها بساتين. واشترى لها مماليك برسم الفرش والخدمة والطبخ وفلاحة البساتين فكل من نزل بها يمشي إلى مكانه ويقوم القوام بخدمته. ولها قراء ومغنون ولا تزال قدورها على النار فربما نزل بهم قفل عظيم أو جيش كثيف فأخرجوا وظائفهم حتى لدوابهم وكلابهم. ومن أراد من أهل المدينة خرج إليها وتفرج في بساتينها واستحم في حمامها وتغدى أو تعشى فيها وعاد إلى مكانه. وكان الأمر على ذلك إلى ورود التتر. والآن سألت بعض فقهاء خراسان نخشب مدينة مشهورة بأرض خراسان. منها الأولياء والحكماء ينسب إليها الحكيم ابن المقفع الذي أنشأ بنخشب بئراً يصعد منها قمر يراه الناس مثل القمر واشتهر ذلك في الآفاق والناس يقصدون نخشب لرؤيته ويتعجبون منه وعوام الناس يحسبونه سحراً وما كان إلا بطريق الهندسة وانعكاس شعاع القمر لأنهم وجدوا في قعر البئر طاساً كبيراً مملوءاً زئبقاً وفي الجملة قد اهتدى إلى أمر عجيب سار في الآفاق واشتهر حتى ذكره الناس في الأشعار والأمثال وبقي ذكره بين الناس. وينسب إليها أبو تراب عسكر بن الحصين النخشبي صاحب حاتم الأصم. كان يقول: بيني وبين الله عهد أن لا أمد يدي إلى حرام إلا وقد قصرت عنه حكي انه دخل بادية البصرة يريد مكة فسئل عن أكله بمكة فقال: خرجت من البصرة فأكلت بالنباج ثم بذات عرق ومن ذات عرق إليك. وحكي عنه انه قال: كنت في بعض أسفاري فاشتهيت الخبز السميد مع بيض الدجاج فعدلت عن طريقي وقصدت قرية لتحصيل ذاك فإذا أنا في الطريق إذ تعلق بي شخص وقال: هذا لص قاطع الطريق أخذ مني متاعي في الطريق! فحملوني إلى رئيس القرية فضربني سبعين خشبة فإذا رجل منهم عرفني وقال: هذا أبو تراب النخشبي ليس من شأنه ما تدعون عليه فنزعني من يدهم وأدخلني بيته وجعل بين يدي الخبز السميد وبيض الدجاج فقلت لنفسي: خذ شهوتك مع سبعين خشبة! وتبت أن أشتهي بعد ذلك. توفي سنة خمس وأربعين ومائتين. http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif نصراباذ من قرى خراسان ينسب إليها أبو القاسم إبراهيم بن محمد النصراباذي من مشايخ خراسان. صحب الشبلي وأبا علي الروذباري والمرتعش. حج ستين حجة قال: فلما تممت الستين أراد الشيطان أن يلقي إلي شيئاً من العجب فقال: من مثلك وقد حججت ستين حجة فقام على ملإ من الناس ونادى: أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أبو القاسم النصراباذي حججت ستين حجة من يشتري ثوابها برغيفين فقام واحد وقال: خذ ثمنها يا أبا القاسم. فأخذ منه ورماهما إلى كلب فسمع هاتف يقول: غفرنا لك يا أبا القاسم وأثبتنا ثواب الحج لك ولمن اشتراها وقبلنا حج كل من حج في هذه السنة لأجلك! جاور مكة سنة ست وثلاثين وثلاثمائة. وتوفي بها سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة.مدينة عامرة من بلاد الجزيرة بقرب سنجار. وهي كثيرة المياه والأشجار والبساتين مسورة ولا قهندز. ذكر أن لها ولقراها أربعين ألف بستان ظاهرها في غاية النزاهة وباطنها يضاد ظاهرها. وهي وخمة لكثرة مياهها وأشجارها مضرة سيما بالغرباء فإنه قلما تخطيء سهامها في الغرباء. وحكي أن بعض التجار أراد دخول نصيبين وكان به عقابيل المرض وصفرة اللون فتمسك بكمه بعض ظرفاء نصيبين وقال: ما أخليك تدخل حتى تشهد على نفسك شاهدين عدلين انك ما دخلت نصيبين إلا على هذه الصفة كيلا يقال امرضته نصيبين! وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: رفعت لي ليلة أسري بي مدينة فأعجبتني فقلت لجبريل: ما هذه المدينة فقال: نصيبين. قلت: اللهم عجل فتحها واجعل فيها بركة للمسلمين! ومن خاصية نصيبين أنها لا تقبل العدل البتة بل سوق الظلم بها قائم ولو كان واليها كسرى الخير ولهذا قال بعض الشعراء: نصيب نصيبين من ربّها ولاية كلّ ظلومٍ غشوم! فباطنها منهم في لظىً وظاهرها من جنان النّعيم! وعقارب نصيبين مما يضرب بها المثل حكى أحمد بن الطيب السرخسي أن أنوشروان حاصر نصيبين فامتنع أهلها ولم يستطع فتحها فأشار إليه بعض الحكماء ان يحمل عقارب طيرانشاه وهي قرية من أعمال شهرزور كثيرة العقارب في جرار وتحمل إلى نصيبين وترمى إليها بالعرادة ففعل ذلك فانتشرت العقارب في جميع المدينة ولدغت أهلها فأصابوا منها بلاء عظيماً وتقاعدوا عن القتال ففتحها أنوشروان وذلك أصل عقارب نصيبين. وحكي أن عامل معاوية بنصيبين كتب إلى معاوية أن جماعة كثيرة من المسلمين الذين كانوا معه أصيبوا بالعقارب فكتب إليه معاوية يأمره أن يوظف على كل أهل خير من المدة عدة عقارب في كل ليلة ففعل ذلك فهم يأتون بها وهو يأمر بقتلها حتى قلت. نضيراباذ قرية من قرى قزوين قريبة منها كثيرة الخيرات والغلات وكانت ملكاً لفخر المعالي بن نظام الملك. وكان شيخ القرية رجلاً ظريفاً وفخر المعالي أيضاً كذلك كانا يتظارفان حكي أن شيخ القرية دخل على فخر المعالي فوجده يسرح لحيته بمشط فقال: أيها المولى لم تسرح اللحية فقال: لأنه يزيل الغم. فقال: من كان لهغم يسرح لحيته فيزول غمه قال: نعم فقد اتفق انه جاء ذات مرة عسكر وأكلوا زرع القرية ونهبوها فجاء شيخ القرية إلى فخر المعالي وقال: وحكي أنه استقرض شيخ القرية من فخر المعالي شيئاً من الحنطة فقال فخر المعالي: ابعث إليك. فبعث إليه أحمالاً من البعر! فلما كان وقت النيروز وعادتهم ان الاكرة يحملون إلى الدهخدا هدايا من جملتها سلال فيها أقراص مدهونة وكليجات وجرادق فبعث شيخ القرية في السلال أقراصاً من السرجين فلما رآها فخر المعالي غضب. قال له شيخ القرية: يا مولاي لا تغضب انها من الحنطة التي بعثتها إلي! ولهم مثل هذا تظارف كثيرة يعرفها أهل قزوين وبهذا مقنع. النعمانية بليدة بين بغداد وواسط كثيرة الخيرات وافرة الغلات ولها قرى ورساتيق. بناها النعمان بن المنذر بن قيس بن ماء السماء. سكنها زماناً رافيء الحال فارغ البال في أيام الأكاسرة إلى أن قضى الله تعالى ما شاء. وصلت ذات مرة إليها فنزلت في جامعها فاجتمع علينا من النمل الكبير الأسود شيء كثير فقال بعض أهلها: نصف البلد هكذا والنصف الآخر لا يوجد فيه شيء منها. وحكي أن النعمان كان له صاحبان: أحدهما عدي بن زيد العبادي والآخر الربيع بن زياد.والربيع كان أقرب إليه حتى كان يأكل معه في قصعة واحدة فحسدهما الحاسدون. أما الربيع فرموه بالبرص لأن النعمان كان شديد التنفر من البرص. كتبوا إليه: يا ابن الملوك السادة الهبنقعه الضاربين الهام تحت الخيضعه مهلاً أبيت اللعن لا تأكل معه! ان استه من برص ملمعه وانه يدخل فيه إصبعه كأنه يطلب شيئاً ضيعه! فأبعده النعمان وتنفر منه أشد التنفر فقال الربيع: أبيت اللعن! لا تسمع كلام الأعداء وقل لمن يبصرني ويجربني! فقال النعمان: شرّد برجلك عنّا حيث شئت ولا تكثر عليّ ودع عنك الأقاويلا فقد رميت بداءٍ لست غاسله ما جاوز النّيل يوماً شطّ ابلبلا قد قيل ذلك إن حقّاً وإن كذباً فما اعتذارك عن قولٍ إذا قيلا وأما عدي بن زيد فقد سعوا به حتى أبعده النعمان وكان ابنه زيد بن عدي كاتباً لكسرى في المكاتبات العربية فذكر لكسرى حبس أبيه فبعث كسرى إلى النعمان يأمره بالإفراج فلما وصل الرسول بعث عدي إلى الرسول يقول: أبصرني قبل أن تمشي إلى النعمان حتى لا يقول النعمان انه مات! فقال الرسول: أخاف من مؤاخذة كسرى فإنه ما بعثني إلا إلى النعمان. فلما أدى الرسول الرسالة قال النعمان: عدي من زمان مات! وأمر بقتله. وعرف الحال زيد بن عدي فطلب فرصة لينتقم من النعمان وكان كسرى مشغوفاً بالنساء أي امرأة حسناء ذكرت عنده يرسل إلى تحصيلها فكان يجري في مجلسه ذكر النساء. قال زيد بن عدي: ان لعبدك النعمان بنات في غاية الحسن والجمال إن اقتضى رأي الملك يبعثني إليه أخطب بناته للملك! فبعثه كسرى مع بعض خواصه من العجم فقال النعمان: إن للملك في مها العجم لمندوحة عن سودان العرب! فقال زيد للعجمي: احفظ ما يقوله حتى تقول لكسرى! فلما عاد إلى كسرى قال: ما معنى هذا الكلام قال زيد: يقول الملك له بقر العجم ما له ولكحلاوات العرب فتأذى كسرى من هذا وبعث إليه يطلبه فهرب النعمان في البرية فما كان حي من الأحياء يحويه خوفاً من كسرى وكلما أتى عليه الوقت ذهب ماله وقل عدده فرأى أن يأتي كسرى تائباً. فلما وصل أمر كسرى بنصب القباب وإخراج جميع جواريه يرقصن في غناء عجمي معناه: من له كلنا أي حاجة له إلى البقر فلما دخل دهليز كسرى قبض عليه وأمر بإلقائه تحت أرجل الفيل قال الشاعر: فأدخل بيتاً سقفه صدر فيلةٍ بساباط والحيطان منه قوائمه نهاوند مدينة بقرب همذان قديمة قالوا: إنها من بناء نوح عليه السلام واللفظ دل عليه وأصله نوح اوند أي نوح وضع. بها عجائب. بها موضع يقال له وازوان البلاعة به حجر كبير فيه ثقبة فتحها أكبر من شبر يفور منها الماء كل يوم مرة فيخرج وله صوت عظيم يسقي أراضي كثيرة ثم يتراجع حتى يدخل ذلك الموضع الذي خرج منه. وحكى ابن الكلبي أن هذا الحجر مطلسم لا يخرج الماء منه إلا وقت الحاجة ويفور حتى يستغنى عنه قال: وهذا مشهور في تلك الناحية. وبها صخرة عظيمة في جبلهم من غاب له غائب أو أبق له آبق أو مرض له مريض أو سرق منه شيء فياتي تلك الصخرة ويبيت عندها فإنه يرى في نومه حاصل ذلك الأمر من خير وشر قال صاحب تحفة الغرائب: بقرب نهاوند عين في شعب جبل من احتاج إلى الماء لسقي الأرض يمشي إليها ويدخل الشعب ويقول بصوت رفيع: إني محتاج إلى الماء. ثم يمشي نحو زرعه فالماء يمشي نحوه فإذا انقضت حاجته يرجع إلى الشعب نحو العين ويقول: قد كفاني الماء. ويضرب برجله على الأرض فالماء ينقطع هذا كلام صاحب تحفة الغرائب. ومن عجائبها ما ذكره ابن الفقيه من أمر قصب الذريرة فما دام بنهاوند أو شيء من رساتيقها فهو بمنزلة الخشب لا رائحة له فإذا حمل منها وجاوزوا به العقبة التي يقال لها عقبة الركاب فاحت رائحته فإن سلكوا به غير تلك العقبة يبقى بحاله لا يصلح إلا للوقود.ومن عجائبها طين أسود يوجد على حافات نهر نهاوند. له خواص كثيرة: زعم أهل الناحية أن ذلك الطين تخرجه السراطين من جوف النهر وتلقيه ولو حفروا جميع جوانب النهر وقراره لم يجدوا شيئاً من ذلك الطين. وحكى مسعر بن مهلهل أن على جبل نهاوند ثوراً وسمكة منحوتة من الحجر في أحسن صنعة قالوا: إنهما طلسمان لآفات المدينة. ويكثر بنهاوند شجر الخلاف ما في شيء من البلاد بكثرتها تتخذ منها الصوالج وتحمل إلى سائر البلاد. النهروان كورة واسعة بين بغداد وواسط في شرقي دجلة كانت من أجمل نواحي بغداد وأكثرها دخلاً وأحسنها منظراً وأبهاها فخراً. أصابتها عين الزمان فخربت بسبب الاختلاف بين الملوك السلجوقية وقتال بعضهم بعضاً. وكانت ممر العساكر فجلا عنها أهلها واستمر خرابها والآن مدنها وقراها تلال والحيطان قائمة ثم بعد خرابها من شرع في عمارتها من الملوك مات قبل تمامها حتى اشتهر ذلك واستشعر الملوك من تجديد عمارتها وتطيروا بها إلى زمن المقتفي. فاراد بهرور الخادم عمارتها فقالوا له: ما شرع في عمارتها أحد إلا مات قبل تمام عمارتها! فشرع في عمارتها غير ملتفت إلى هذا القول فمات أيضاً قبل تمامها فبقيت على حالها إلى زماننا هذا. ينسب إليها القاضي أبو الفرج بن المعافى بن زكرياء النهرواني. كان عالماً فاضلاً مشهوراً وحيد دهره. قال: حججت سنة فإذا أنا بمنى ينادي مناد يقول: يا أبا الفرج! قلت: يطلب غيري. ثم قال: يا أبا الفرج بن المعافى! قلت: لعل شخصاً وافق اسمه واسم أبيه اسمي واسم أبي. ثم قال: يا أبا الفرج بن المعافى بن زكرياء! فما أجبت. ثم قال: يا أبا الفرج بن المعافى بن زكرياء النهرواني! فقلت: الآن اتضح اني أنا المطلوب. فقلت: ها أنا ذا ماذا تريد فقال: لعلك أنت من نهروان الشرق! قلت: نعم! قال: إني أريد من هو من نهروان الغرب. نيسابور مدينة من مدن خراسان ذات فضائل حسنة وعمارة كثيرة الخيرات والفواكه والثمرات جامعة لأنواع المسرات وعتبة الشرق ولم يزل القفل ينزل بها. وانها كانت مجمع العلماء ومعدن الفضلاء. وكان عمرو بن الليث الصفار يقول: أقاتل على بلدة حشيشها الريباس وترابها البقل وحجرها الفيروزج. وإنما قال ذلك لأن بها ريباساً ليس في جميع الأرض مثله قد يكون واحدها خمسة أرطال وأكثرها رطلان أو ثلاثة. وهي صادقة البياض كأنها الطلع وإنما عنى بالبقل الطين المأكول الذي لا يوجد مثله في جميع الأرض. يحمل إلى أداني الأرض وأقاصيها لتحفة الملوك وربما بيع رطل منه بمصر بدينار واحد وبالغ محمد بن زكرياء في خواص هذا الطين ومنافعه. وقال أبو طالب المأموني: خذ لي من البقل فذاك الذي منها خلقنا وإليها نصير كأنّه للعين لمّا بدا أحجار كافورٍ عليها عبير وبها معادن الفيروزج. ذكروا أن تلك المعادن آبار ظهر فيها العقارب فامتنع الناس عنها ولما دخلها إسماعيل بن أحمد الساماني. وكان ملكاً عادلاً قال: يا لها من مدينة لو لم يكن بها عيبان! قيل: ما هما قال: كان ينبغي أن تكون مياهها التي في باطن الأرض على ظاهرها ومشايخها الذين على ظاهرها في باطنها. وكانت نيسابور من أحسن بلاد الله وأطيبها. خرج الغز على السلطان سنجر ابن ملكشاه السلجوقي وكسروه وأسروه وبعثوا جمعاً إلى مدينة نيسابور وذلك في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة فقاتلهم أهل نيسابور أشد القتال لأنهم كانوا كفاراً نصارى فجاءهم ملك الغز وحاصرهم حتى استخلصها عنوة وقتلوا كل من وجدوه وخربوها وأحرقوها فانتقل الناس إلى الشاذياخ وعمروها وسوروها حتى بقيت مدينة طيبة أحسن من المدينة الأولى وصارت المدينة الأولى متروكة وصارت مجامع أهلها مكان الوحوش ومراتع البهائم فسبحان من لا يعتريه الزوال وكل ما سواه يتغير من حال إلى حال! ينسب إليها الإمام العلامة رضى الدين النيسابوري قدوة العلماء وأستاذ البشر. كان أصله من نيسابور ومسكنه بخارة وكان على مذهب الإمام أبي حنيفة وكان في حلقة درسه أربعمائة فقيه فضلاء وانه سلك طريقاً لم يسلكه من كان قبله. وكان علم المناظرة قبله غير مضبوط فأحدث له ضبطاً وترتيباً وبذلك فاقت تلامذته جميع علماء زمانهم. وله على كل من يسمى باسم الفقيه منة لأن الفقهاء بعده على طريقه وترتيبه. وينسب إليها الأستاذ قدوة المشايخ أبو القاسم القشيري صاحب الرسالة القشيرية كان وحيد دهره علماً وورعاً. حكي انه إذا دخل على نظام الملك الحسن بن علي بن إسحق قام من مكانه وقعد بين يديه وإذا دخل عليه إمام الحرمين يقوم له ويقعده بجنبه فسئل نظام الملك عن ذلك فقال: لأن أبا القاسم القشيري إذا دخل علي يذمني فيما أعمله وأما إمام الحرمين فإنه يمدحني فيما أعمله. فيا لله من شيخ إذا دخل على وزير المشرق والمغرب يذم أفعاله ولا يبالي بسلطنته! ويا لله من وزير من ذمه في أفعاله أكرم عليه ممن مدحه! وحكي أن الملك لما صار لطغرلبك السلجوقي واستوزر أبا نصر الكندري كان السلطان معتزلياً والوزير شيعياً أمرا بلعن جميع المذاهب يوم الجمعة على رؤوس المنابر. فعند ذلك فارق الأستاذ أبو القاسم مملكة طغرلبك وقال: لا أقيم في أرض يلعن بها المسلمون! وإمام الحرمين أيضاً ذهب إلى أرض الحجاز. وتوفي أبو القاسم سنة خمس وستين وأربعمائة. ينسب إليها من الحكماء عمر الخيام. كان حكيماً عارفاً بجميع أنواع الحكمة سيما نوع الرياضيات. وكان في عهد السلطان ملكشاه السلجوقي سلم إليه مالاً كثيراً ليشتري به آلات الرصد ويتخذ رصد الكواكب فمات السلطان وما تم ذلك. وحكي انه نزل ببعض الربط فوجد أهلها شاكين من كثرة الطير ووقوع ذرقها وتنجس ثيابهم بها فاتخذ تمثال الطير من الطين ونصبه على شرفة من شرفات الموضع فانقطع الطير عنها. وحكي أن بعض الفقهاء كان يمشي إليه كل يوم قبل طلوع الشمس ويقرأ عليه درساً من الحكمة فإذا حضر عند الناس ذكره بالسوء فأمر عمر بإحضار جمع من الطبالين والبوقيين وجباهم في داره فلما جاء الفقيه على عادته لقراءة الدرس أمرهم بدق الطبول والنفخ في البوقات فجاءه الناس من كل صوب فقال عمر: يا أهل نيسابور هذا عالمكم يأتيني كل يوم في هذا الوقت ويأخذ مني العلم ويذكرني عندكم بما تعلموني فإن كنت أنا كما يقول فلأي شيء وينسب إليها أبو حمزة الخراساني. كان من أقران الجنيد وأبي تراب النخشبي وأبي سعيد الخراز. قال: حججت في بعض السنين فبينما أنا أمشي في الطريق إذ وقعت في بئر فنازعتني نفسي أن أستغيث حتى يأتيني أحد فخالفت النفس وقلت: والله لا أستغيث فما استتمت هذه الخطرة حتى أتى برأس البئر رجلان أحدهما يقول للآخر: تعال تى نسد رأس هذه البئر كيلا يقع إنسان فيها. فأتيا بقصب وبارية وسدا رأس البئر فهممت أن أصيح ثم قلت في نفسي: أصيح إلى من هو أقرب منهما.فسكت. فبينما أنا بعد ساعة إذ جاء شيء وكشف رأس البئر وأدلى رجليه فكأنه يقول في همهمته: تعلق بي! فتعلقت به فأخرجني فإذا هو سبع فهتف بي هاتف: أليس هذا أحسن نجيناك بالمتلف من التلف! وينسب إليها أبو القاسم المنادي. وينسب إليها أبو الطيب سهل الصعلوكي. تصدر للقضاء والتدريس بنيسابور واجتمع عليه فقهاء خراسان ووضع في مجلسه خمسمائة محبرة عند إملائه. قيل: جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى على رأس كل مائة يبعث من يجدد دينه. فذكر الأصحاب انه على رأس المائة عمر ابن عبد العزيز وعلى المائتين محمد بن ادريس الشافعي وعلى الثلاثمائة أبو العباس أحمد بن سريج ونظم هذا المعنى بعض أهل العلم فقال: الشّافعيّ الألمعيّ محمّدٌ إرث النّبوّة وابن عمّ محمّد وابشر أبا العبّاس إنّك ثالثٌ من بعدهم سقياً لتربة أحمد فقام رجل في مجلس أبي الطيب سهل الصعلوكي وأنشد تلك الأبيات وألحق بها: والرّابع المشهور سهلٌ بعدهم أضحى إماماً عند كلّ موحّد لا زال فيما بيننا علم الهدى للمذهب المختار خير مؤيّد فسكت الشيخ وغمه ذلك وتوفي في تلك السنة. حكى أبو سعيد الشحامي قال: رأيت أبا الطيب الصعلوكي في النوم بعد وفاته فقلت: أيها الشيخ! فقال: دع الشيخ! قلت: وتلك الأحوال التي شاهدتها قال: لم تغن عنا شيئاً! قلت: ما فعل الله بك قال: غفر لي بمسائل كانت تسألها العجائز! وينسب إليها أبو سعيد بن أبي عثمان الخركوشي. كان من مشاهير علماء خراسان بالعلم والزهد والورع وحسن الطريقة. صنف كتباً كثيرة في العلوم الشرعية وبنى مدرسة ودار مرضى ووقف عليهما أملاكاً كثيرة. وفي آخر عمره اختار الفقر وكان يأكل من كسب يده: يعمل القلانس ويبيعها خفية حتى لا يدرى أنها عمله. حكى أبو الفضل محمد بن عبد الله الصرام قال: رأيت الأستاذ أبا سعيد خرج مع القوم إليك جئنا حسبنا ربّنا وليس ربٌّ سواك يغنينا بابك رحبٌ فناؤه كرمٌ إرحم على بابك المساكينا ثم قال: اللهم اسقنا! فما أتم ثلاثاً حتى سقينا كأفواه القرب. وينسب إليها أبو محمد عبد الله بن محمد المرتعش. كان عظيم الشأن. صحب الجنيد قيل له: إن فلاناً يمشي على الماء! فقال: عندي من مكنة الله تعالى من مخالفة الهواء ما هو أعظم من المشي على الماء. توفي سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة. نينوى بلاد وقرى كانت بشرقي دجلة عند الموصل. في قديم الزمان بعث الله تعالى إليهم يونس النبي عليه السلام فدعاهم إلى الله تعالى فكذبوه فخوفهم بعذاب الله في وقت معين وفارقهم. فلما دنا ذلك الوقت وشاهدوا آثار عذاب الله خرجوا بالنساء والذراري إلى تل هناك في شرقي دجلة وكشفوا رؤوسهم وتابوا وآمنوا فكشف الله عنهم العذاب. والتل باق إلى الآن ويسمى تل التوبة وعليه مشهد مقصود ينذر له ويقصده الناس كل ليلة جمعة. حكى صاحب تحفة الغرائب انه كان بها طاحونة جميع آلاتها من الحجر وكانت سبيلاً فإذا أراد الطحان وقوف الحجر قال: اسكن بحق يونس! فوقف الحجر والماء يجري على حاله ولا تدور الرحى حتى يفرغ الطحان من شغله فإذا فرغ قال: إني فرغت من شغلي فشرع في الدوران. |
الساعة الآن 09:31 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |