منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   القرآن الكريم والأحاديث وسيرة الأنبياء والصحابة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=95)
-   -   عجائب القصص اخرجها لكم من تراجم الصحابة (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=22535)

ابو رضوان 22 - 2 - 2012 12:53 AM

"فإنّ الملائكة وارَتْ جُثّتَه وأُنْزِلَ عِلّيّينَ"

صحابي كان من الرّهط الذين قُتلوا يوم بئر معونة، ولم يجدوا جسده ليدفنوه، وكان قد طعنه جبّار بن سُلْمَى الكِلابَيّ يومئذٍ فأنفذه، فقال الصحابي: فُزْتُ والله! ولما بلغ ذلك رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: "فإنّ الملائكة وارَتْ جُثّتَه وأُنْزِلَ عِلّيّينَ". فمن هذا الصحابي؟
الاجابة
عامر بن فهيرة التيمي

((عامر بن فُهَيرة التيميّ)) الإصابة في تمييز الصحابة.
((يكنى أَبا عمرو))
((كان مولدًا من مولَّدي الأَزد، أَسودَ اللون)) أسد الغابة.
((قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني مَعْمَر عن الزّهريّ عن عروة عن عائشة في حديث لها طويل قالت: وكان عامر بن فُهَيْرَة للطّفيل بن الحارث أخي عائشة لأمّها أمّ رومان، فأسلم عامر فاشتراه أبو بكر فأعتقه، وكان يرعى عليه مَنيحة من غنم له.

قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني محمّد بن صالح عن يزيد بن رُومان قال: أسلم عامر بن فُهيرة قبل أن يدْخُلَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، دار الأرقم وقبل أن يدعو فيها. قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا معاوية بن عبد الرّحمن بن أبي مزرّد عن يزيد بن رُومان عن عروة بن الزُّبير قال: كان عامر بن فُهيرة من المستضعفين من المؤمنين، فكان ممّن يعذّب بمكّة ليرجع عن دينه.)) الطبقات الكبير.
((لما خرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأَبو بكر إِلى الغار بثور مهاجِرَيْن، أَمر أَبو بكر مولاه عامر بن فُهيرة أَن يروح بغنم أَبي بكر عليهما، وكان يرعاها، فكان عامر يرعى في رعيان أَهل مكة، فإِذا أَمسى أَراح عليهما غَنَمَ أَبي بكر فاحتلباها، وإِذا غَدَا عبد اللّه بن أَبي بكر من عندهما اتّبع عامر بن فهيرة أَثره بالغنم حتى يُعَفِّيَ عليه، فلما سار النبي صَلَّى الله عليه وسلم وأَبو بكر من الغار هاجر معهما، فأَردفه أَبو بكر خلفه، ومعهم دليلهم من بني الدِّيل، وهو مشرك)) أسد الغابة.
((قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا محمّد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة قال: لمّا هاجر عامر بن فُهيرة إلى المدينة نزل على سعد بن خيثمة.)) الطبقات الكبير.
((شهد عامر بدرًا وأُحدًا)) أسد الغابة.
((مولى أبي بكر الصّديق، أحد السّابقين. وكان ممن يعذَّب في الله. له ذكر في الصّحيح، حديثه في الهجرة عن عائشة قالت: خرج معهم عامر بن فُهيرة. وعنها: لما قدمنا المدينةَ اشتكى أصحابُ النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، منهم أبو بكر، وبلال، وعامر بن فهيرة... الحديث. وفيه: وكان عامر بن فُهيرة إذا أصابته الحمى يقول:


إِنِّي وَجَدْتُ المَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ

إِنَّ الجَبَانَ حَتْفُهُ مِنْ فَوْقِهِ
كُلُّ امْرِىءٍ مُجَاهدٌ بِطَوْقِهِ
كَالثَّورِ يَحْمِي جِلْدَهُ بِرَوْقِهِ
وقال ابْنُ إِسْحَاقَ في "المغازي"، عن عائشة: كان عامر بن فُهيرة مولدًا من الأزد، وكان للطّفيل بن عبد الله بن سَخْيَرة، فاشتراه أبو بكر منه فأعتقه، وكان حسنَ الإسلام. وذكره ابْنُ إِسْحَاقَ وجميع مَنْ صنف في المغازي فيمن استشهد ببئر معونة.
وقال ابْنُ إِسْحَاقَ: حدّثني هشام بن عُروة، عن أبيه أنّ عامر بن الطفيل كان يقول مَنْ رجلٌ منكم لما قُتِل رأيته رفع بين السّماء والأرض؟ فقالوا: عامر بن فهيرة.
وروى البُخَارِيُّ، من طريق أبي أسامة، عن هشام ـ أنّ عامر بن الطّفيل سأل عَمْرو بن أميّة عن ذلك.)) الإصابة في تمييز الصحابة.
((قالوا: آخى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بين عامر بن فُهيرة والحارث بن أوس بن معاذ)) الطبقات الكبير.
((أورد ابن مَنْدَه في ترجمته حديثًا مِنْ رواية جابر، عن عامر بن فهيرة، قال: تزوّد أبو بكر مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في جيش العُسْرة بنِحْيٍ من سَمْن وعُكَيْكَة من عسل على ما كنّا عليه من الجهد.
عن عامر بن فهيرة، قال: تزوّد أبو بكر مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في جيش العُسْرة بنِحْيٍ من سَمْن وعُكَيْكَة من عسل على ما كنّا عليه من الجهد.

هذا الحديث لم نجد له تخريجا في الكتب التسعة


وهذا منكر؛ فإن جيش العسرة هو غزوة تَبُوك باتفاق، وعامر قُتِل قبل ذلك بست سنين. وقد عاب أَبُو نُعَيْمٍ على ابن منده إخراجَه هذا الحديث، ونسبه إلى الغَفْلَة والجهالة فبالغ؛ وإنما اللّوم في سكوته عليه؛ فإن في الإسناد عمر بن إبراهيم الكرديّ، وهو متَّهم بالكذب؛ فالآفةُ منه، وكان ينبغي لابن منده أن ينَبّه على ذلك.)) الإصابة في تمييز الصحابة.
((قتل يوم بئر معونة، سنة أَربع من الهجرة، وهو ابن أَربعين سنة، وقال عامر بن الطفيل لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، لما قَدِم عليه: من الرجل الذي لما قتل رأَيتُه رُفِع بين السماءِ والأَرض حتى رأَيتُ السماءَ دونه، قال: "هو عامر بن فُهَيرة". أَخبرنا به أَبو جعفر بن السمين بإِسناده إِلى يونس بن بَكير، عن هشام بن عُرْوة، أَو محمد بن إِسحاق، عن هشام ـــ شك يونس ـــ عن أَبيه، قال: قَدِم عامر بن الطُّفيل على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مثله.
وروى ابن المبارك وعبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة قال: طُلِب عامر يومئذ في القتلى فلم يوجد، فَيُرَوْنَ أَنَّ الملائكة دَفنته، ودعا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على الذين قتلوا أَصحابه ببئر معونة أَربعين صباحًا، حتى نزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}[آل عمران/ 128]
عن عروة قال: طُلِب عامر يومئذ في القتلى فلم يوجد، فَيُرَوْنَ أَنَّ الملائكة دَفنته، ودعا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على الذين قتلوا أَصحابه ببئر معونة أَربعين صباحًا، حتى نزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}[آل عمران/ 128] البخاري

وقيل: نزلت في غير هذا. وروى ابن منده بإِسناده، عن أَيوب بن سيار عن محمد بن المنكدر، عن جابر، عن عامر بن فُهَيْرة، قال: تَزَوَّدَ أَبو بكر مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في جَيْش العُسْرة بِنِحْيٍ من سَمْن، وعُكَيْكَة من عسل، على ما كنا عليه من الجهد. قال أَبو نعيم: أَظهر، يعني ابن منده، في روايته هذا الحديث غفلته وجهالته؛ فإِن عامرًا لم يختلف أَحد من أَهل النقل أَنه استشهد يوم بئر معونة وأَجمعوا أَن جيش العسرة هو غزوة تبوك، وبينهما ست سنين، فمن استشهد ببئر معونة كيف يَشْهَدُ جيش العسرة. وصوابه أَنه تزود مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في مخرجه إِلى الهجرة، والحق مع أَبي نعيم.)) أسد الغابة.
((قال: أخبرنا محمّد بن عمر عمن سُمّي من رجاله في صدر هذا الكتاب أنّ جبّار بن سُلْمَى الكِلابَيّ طعن عامر بن فُهيرة يومئذٍ فأنفذه، فقال عامر: فُزْتُ والله! قال: وذُهِبَ بعامر عُلُوًّا في السماء حتّى ما أراه. فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "فإنّ الملائكة وارَتْ جُثّتَه وأُنْزِلَ عِلّيّينَ"، وسألَ جَبّارُ بن سُلْمى ما قوله فُزْتُ والله، قالوا: الجنّة. قال فأسلم جبّار لمِا رأى من أمر عامر بن فُهيرة فحَسُنَ إسلامه.

قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني محمّد بن عبد الله عن الزُّهريّ عن عروة عَن عائشة قالت: رُفع عامر بن فُهيرة إلى السماء فلم توجد جثّته، يرون أنّ الملائكة وارته‏.)) الطبقات الكبير.

ابو رضوان 22 - 2 - 2012 12:55 AM

دعوته مستجابة
ادعت أَرْوَى بنت أُويس علي صحابي أنه ظلمها في أرضها، وشكته إلى مروان بن الحكم، فقال الصحابي:‏ كيف أظلمها؟ وقد سمعْتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول:‏ ‏"‏مَنْ ظَلَمَ مَن الأَرْضِ شِبْرًا طُوّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَة مَنْ سَبْعِ أَرَضِينَ‏"، وأوجب مروان عليه اليمين، فترك الصحابي لها ما ادّعَتْ، وقال:‏ اللهم إن كانت أروى كاذبةً فأعْمِ بصرَهَا، واجعل قَبْرَهَا في بئرِها، فعميت أروى، وجاء سيل فأبدى ضفيرتها، فرأوا حقَها خارجًا من حق الصحابي. ثم إن أروى خرجت في بعض حاجتها بعدما عميت، فوقعت في البئر فماتت، قال: ‏وكان أهلُ المدينة يَدْعُو بعضُهم على بعض يقولون:‏ أعماكَ الله كما أعمى أَرْوَى... فمن هذا الصحابي؟

الاجابة
سعيد بن زيد
((ذكر الزَّبير عن إبراهيم بن حمزة، عن المغيرة بن عبد الرَّحمن، عن العمريّ، عبد الله بن عمر بن حفص، عن نافع، عن ابن عمر أنّ مَرْوان أرسل إلى سعيد بن زيد ناسًا يكلّمونه في شأن أَرْوَى بنت أُويس، وكانت شكَتْه إلى مروان.‏ فقال سعيد‏:‏ تروني ظَلْمتُها وقد سمعْتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول:‏ ‏"‏مَنْ ظَلَمَ مَن الأَرْضِ شِبْرًا طُوّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَة مَنْ سَبْعِ أَرَضِينَ‏".‏ اللهم إن كانت كاذبة فلا تُمِتْها حتى تُعْمِي بصرها، وتجعل قبرها في بئر‏.‏ قال:‏ فوالله ما ماتت حتى ذهب بَصَرُها، وجعلت تمشي في دارها وهي حذرة فوقعت في بئرها فكانت قَبْرها.
قال الزبير:‏ وحدّثني إبراهيم بن حمزة، قال حدّثني عبد العزيز بن أبي حازم، عن العلاء بن عبد الرّحمن، عن أبيه أنّ أَرْوَى بنت أُويس استعدت مروان بن الحكم على سعيد بن زيد في أرضه بالشّجرة، فقال سعيد‏:‏ كيف أظلمها؟ وذكر مثل ما تقدّم‏. وأوجب مروان عليه اليمين، فترك سعيد لها ما ادّعَتْ، وقال:‏ اللهم إن كانت أروى كاذبةً فأعْمِ بصرَهَا، واجعل قَبْرَهَا في بئرِها، فعميت أروى، وجاء سيل فأبدى ضفيرتها، فرأوا حقَها خارجًا من حق سعيد، فجاء سعيد إلى مروان، فقال:‏ أقسمت عليك لتركبنّ معي ولتنظرنّ إلى ضفيرتها، فركب معه مَرْوان، وركب أناسٌ معهما حتى نظروا إليها. ثم إن أروى خرجت في بعض حاجتها بعدما عميت، فوقعت في البئر فماتت‏.‏ قال: ‏وكان أهلُ المدينة يَدْعُو بعضُهم على بعض يقولون:‏ أعماكَ الله كما أعمى أَرْوَى، يريدونها، ثم صار أهلُ الجهل يقولون: أعماك الله كما أعمى الأروى، يريدون الأروى التي في الجبل يظنُّونَها، ويقولون:‏ إنها عمياء، وهذا جَهْلٌ منْهُم.
حدّثنا عبد الوارث بن سفيان، حدّثنا قاسم بن أصبغ، حدّثنا المطلَّب بن سعيد، حدّثنا عبد الله بن صالح، قال‏:‏ حدّثني الليث، قال:‏ حدّثني ابن الهادي، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال:‏ جاءت أروى بنت أويس إلى أبي محمد بن عمرو بن حازم فقالت له‏:‏ يا أبا عبد الملك؛ إن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قد بنى ضفيرةً في حَقّي فأْتِه بكلمة فلينزع عن حقّي، فوالله لئن لم يفعل لأصيحنَّ به في مسجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. فقال لها:‏ لا تؤذي صاحبَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فما كان ليظلمَك ولا ليأخذَ لك حقًّا‏.‏ فخرجت وجاءت عمارة بن عمرو، وعبد الله بن سلمة، فقالت لهما: ائتيا سعيد بن زيد فإنه قد ظلمني وبنَى ضفِيرةً في حقّي، فوالله لئن لم ينزع لأصيحنَّ به في مسجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.‏ فخرجا حتى أتياه في أَرضِه بالعقيق، فقال لهما:‏ ما أتى بكما؟ قالا‏: جاءتنا أروى بنت أويس، فزعمت أنك بنيْتَ ضفيرة في حقَّها، وحلفَتْ بالله لئن لم تنزع لتصيحنّ بك في مسجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؛ فأحببنا أن نأتيكَ، ونذكر ذلك لك. فقال لهما:‏ إني سمعْتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول:‏ ‏"‏مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ يُطَوِّقهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِين‏َ"‏ أخرجه البخاري 6 / 293 رقم 3198 ومسلم 3 / 1231 في المساقاة 140 / 1610.‏ فلتأْتِ فلتأْخذ ما كان لها من حق، اللهم إن كانَتْ كاذبة فلا تمِتْها حتى تُعْمي بصرها وتجعل ميتتها فيها، فرجعوا فأخبروها ذلك فجاءت فهدمت الضَّفيرة، وبنتْ بنيانا، فلم تمكث إلا قليلًا حتى عميت، وكانت تقومُ بالليل ومعها جارية لها تقودها لتوقظ العمّال، فقامت ليلةً وتركت الجارية فلم توقظها، فخرجت تَمْشي حتى سقطت في البئر، فأصبحت ميتة‏.

**عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال:‏ جاءت أروى بنت أويس إلى أبي محمد بن عمرو بن حازم فقالت له‏:‏ يا أبا عبد الملك؛ إن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قد بنى ضفيرةً في حَقّي فأْتِه بكلمة فلينزع عن حقّي، فوالله لئن لم يفعل لأصيحنَّ به في مسجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. فقال لها:‏ لا تؤذي صاحبَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فما كان ليظلمَك ولا ليأخذَ لك حقًّا‏.‏ فخرجت وجاءت عمارة بن عمرو، وعبد الله بن سلمة، فقالت لهما: ائتيا سعيد بن زيد فإنه قد ظلمني وبنَى ضفِيرةً في حقّي، فوالله لئن لم ينزع لأصيحنَّ به في مسجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.‏ فخرجا حتى أتياه في أَرضِه بالعقيق، فقال لهما:‏ ما أتى بكما؟ قالا‏: جاءتنا أروى بنت أويس، فزعمت أنك بنيْتَ ضفيرة في حقَّها، وحلفَتْ بالله لئن لم تنزع لتصيحنّ بك في مسجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؛ فأحببناأن نأتيكَ، ونذكر ذلك لك.))
الاستيعاب في معرفة الأصحاب.
سعيد بن زيد

سَعِيْدُ بنُ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ العَدَوِيُّ القُرَشِيُّ
أَحَدُ العَشَرَةِ المَشْهُوْدِ لَهُم بِالجَنَّةِ، وَمِنَ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ البَدْرِيِّيْنَ، وَمِنَ الَّذِيْنَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم وَرَضُوْا عَنْهُ.
ابن عم عمر بن الخطاب و زوج أخته

والده زيد بن عمرو
كَانَ وَالِدُهُ زَيْدُ بنُ عَمْرٍو مِمَّنْ فَرَّ إِلَى اللهِ مِنْ عِبَادَةِ الأَصْنَامِ، وَسَاحَ فِي أَرْضِ الشَّامِ يَتَطَلَّبُ الدِّيْنَ القَيِّمِ، فَرَأَى النَّصَارَى وَاليَهُوْدَ، فَكَرِهَ دِيْنَهُمْ، وَقَالَ:
اللَّهُمَّ إِنِّي عَلَى دِيْنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَلَكِنْ لَمْ يَظْفَرْ بِشَرِيْعَةِ إِبْرَاهِيْمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- كَمَا يَنْبَغِي، وَلاَ رَأَى مَنْ يُوْقِفُهُ عَلَيْهَا، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّجَاةِ، فَقَدْ شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَنَّهُ: يُبْعَثُ أُمَّةً وَحْدَهُ
وَهُوَ ابْنُ عَمِّ الإِمَامِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَعِشْ حَتَّى بُعِثَ.
قَالَ سَعِيْدٌ:
فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنَّ أَبِي كَانَ كَمَا قَدْ رَأَيْتَ وَبَلَغَكَ، وَلَو أَدْرَكَكَ لآمَنَ بِكَ وَاتَّبَعَكَ، فَاسْتَغْفِرْ لَهُ.
قَالَ: (نَعَم، فَأَسْتَغْفِرُ لَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ أُمَّةً وَحْدَهُ).
أَسْلَمَ سَعِيْدٌ قَبْلَ دُخُوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَارَ الأَرْقَمِ.

دوره فى غزوة بدر
لَمَّا تَحَيَّنَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وُصُوْلَ عِيْرِ قُرَيْشٍ مِنَ الشَّامِ، بَعَثَ طَلْحَةَ وَسَعِيْدَ بنَ زَيْدٍ قَبْلَ خُرُوْجِهِ مِنَ المَدِيْنَةِ بِعَشْرٍ، يَتَحَسَّسَانِ خَبَرَ العِيْرِ، فَبَلَغَا الحَوْرَاءَ، فَلَمْ يَزَالاَ مُقِيْمَيْنِ هُنَاكَ حَتَّى مَرَّتْ بِهِمُ العِيْرُ، فغير أبو سفيان طريقه
فَبَلَغَ نَبِيَّ اللهِ الخَبْرُ قَبْلَ مَجِيْئِهِمَا، فَنَدَبَ أَصْحَابَهُ وَخَرَجَ يَطْلُبُ العِيْرَ ، وَسَارُوا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَرَجَعَ طَلْحَةُ وَسَعِيْدٌ لِيُخْبِرَا، فَوَصَلاَ المَدِيْنَةَ يَوْمَ الوَقْعَةِ، فَخَرَجَا يَؤُمَّانِهِ.
وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَهْمِهِمَا وَأُجُوْرِهِمَا
وَشَهِدَ سَعِيْدٌ أُحُداً، وَالخَنْدَقَ، وَالحُدَيْبِيَةَ، وَالمَشَاهِدَ.

بشرى بالشهادة و الجنة
عَنْ سَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ -: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (اسْكُنْ حِرَاءُ! فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيْقٌ، أَوْ شَهِيْدٌ).
وَعَلَيْهِ النَّبِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَعْدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَسَعِيْدُ بنُ زَيْدٍ.

روي عن سعيد بن زيد أنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :( عشرة من قريش في الجنة ، أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليّ ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن مالك ( بن أبي وقاص ) ، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيل ، و أبو عبيدة بن الجراح )

دعوته المستجابة
روى أَنَّ أَرْوَى بِنْتَ أُوَيْسٍ ادَّعَتْ أَنَّ سَعِيْدَ بنَ زَيْدٍ أَخَذَ شَيْئاً مِنْ أَرْضِهَا، فَخَاصَمَتْهُ إِلَى مَرْوَانَ.
فَقَالَ سَعِيْدٌ: أَنَا كُنْتُ آخُذُ مِنْ أَرْضِهَا شَيْئاً بَعْدَ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ:
سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (مَنْ أَخَذَ شَيْئاً مِنَ الأَرْضِ طُوِّقَهُ إِلَى سَبْعِ أَرَضِيْنَ).
قَالَ مَرْوَانُ: لاَ أَسَأَلُكَ بَيِّنَةً بَعْدَ هَذَا.
فَقَالَ سَعِيْدٌ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذبَةً فَأَعْمِ بَصَرَهَا، وَاقْتُلْهَا فِي أَرْضِهَا.
فَمَا مَاتَتْ حَتَّى عَمِيَتْ، وَبَيْنَا هِيَ تَمْشِي فِي أَرْضِهَا إِذْ وَقَعَتْ فِي حُفْرَةٍ فَمَاتَتْ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ فِي حَدِيْثِهِ: سَأَلَتْ أَرْوَى سَعِيْداً أَنْ يَدْعُوَ لَهَا، وَقَالَتْ: قَدْ ظَلَمْتُكَ.
فَقَالَ: لاَ أَرُدُّ عَلَى اللهِ شَيْئاً أَعْطَانِيْهِ.

دوره فى الشورى
لَمْ يَكُنْ سَعِيْداً مُتَأَخِّراً عَنْ رُتْبَةِ أَهْلِ الشُّوْرَى فِي السَّابِقَةِ وَالجَلاَلَةِ، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لِئَلاَّ يَبْقَى لَهُ فِيْهِ شَائِبَةُ حَظٍّ، لأَنَّهُ خَتَنُهُ وَابْنُ عَمِّهِ، وَلَوْ ذَكَرَهُ فِي أَهْلِ الشُّوْرَى لَقَالَ الرَّافِضِيُّ: حَابَى ابْنَ عَمِّهِ، فَأَخْرَجَ مِنْهَا وَلَدَهُ وَعَصَبَتَهُ.
فَكَذَلِكَ فَلْيَكُنِ العَمَلُ لِلِّهِ.

ولايته دمشق
َشَهِدَ سعيد بن زيد حِصَارَ دِمَشْقَ، وَفَتَحَهَا، فَوَلاَّهُ عَلَيْهَا أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ، فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ عَمِلَ نِيَابَةَ دِمَشْقَ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ.
ثم نهض مع مَنْ معه للجهاد ، فكتب إليه سعيد :( أما بعد ، فإني ما كنت لأُوثرَك وأصحابك بالجهاد على نفسي وعلى ما يُدْنيني من مرضاة ربّي ، وإذا جاءك كتابي فابعث إلى عملِكَ مَنْ هو أرغب إليه مني ، فإني قادم عليك وشيكاً إن شاء الله والسلام )

الخلافة و المبايعة
كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى مَرْوَانَ وَالِي المَدِيْنَةِ لِيُبَايِعَ لابْنِهِ يَزِيْدَ.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُنْدِ الشَّامِ: مَا يَحْبِسُكَ؟
قَالَ: حَتَّى يَجِيْءُ سَعِيْدُ بنُ زَيْدٍ فَيُبَايِعُ، فَإِنَّهُ سَيِّدُ أَهْلِ البَلَدِ، وَإِذَا بَايَعَ بَايَعَ النَّاسُ.
قَالَ: أَفَلاَ أَذْهَبُ فَآتِيْكَ بِهِ؟...
وجاء الشامـي وسعيد مع أُبيّ في الدار ، قال :( انطلق فبايع )
قال :( انطلق فسأجيء فأبايع )
فقال :( لتنطلقنَّ أو لأضربنّ عنقك )
قال :( تضرب عنقي ؟ فوالله إنك لتدعوني إلى قوم وأنا قاتلتهم على الإسلام )
فرجع إلى مروان فأخبره ، فقال له مروان :( اسكت )
وماتت أم المؤمنين ( أظنّها زينب ) فأوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد ، فقال الشامي لمروان :( ما يحبسُك أن تصلي على أم المؤمنيـن ؟)
قال مروان :( أنتظر الذي أردت أن تضرب عنقـه ، فإنها أوصت أن يُصلي عليها )
فقال الشامي :( أستغفر الله )

وفاته
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أُمَيَّةَ: عَنْ نَافِعٍ، قَالَ:
مَاتَ سَعِيْدُ بنُ زَيْدٍ وَكَانَ يَذْرَبُ، فَقَالَتْ أُمُّ سَعِيْدٍ لِعَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ: أَتُحَنِّطُهُ بِالمِسْكِ؟
فَقَالَ: وَأَيُّ طِيْبٍ أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ؟
فَنَاوَلَتْهُ مِسْكاً.
عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ قَالَتْ:
مَاتَ سَعِيْدُ بنُ زَيْدٍ بِالعَقِيْقِ، فَغَسَّلَهُ سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَكَفَّنَهُ، وَخَرَجَ مَعَهُ.

سما 22 - 2 - 2012 01:16 AM

تسلم الايادي وبارك الله بك
جزاك الله خيرا
متابعة لك مع الشكر

ابو رضوان 22 - 2 - 2012 01:29 AM

شهيد السماء
الذي اهتز له عرش الرحمن


سعد بن معاذ
بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبدالأشهل بن جشم بن...


مقامات سعد بن معاذ في الإِسلام مشهودة كبيرة، ولو لم يكن له إِلا يوم بدر؛ فإِن النبي صَلَّى الله عليه وسلم لما سار إِلى بدر، وأَتاه خبر نَفِير قريش، استشار الناس، فقال المقداد فأَحسن، وكذلك أَبو بكر، وعمر، وكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يريد الأَنصار؛ لأَنهم عَدَدُ الناس،
فقال سعد بن معاذ: واللّه لكأَنَّك تريدنا يا رسول الله؟ قال: "أَجَلْ"،
قال سعد: فقد آمنّا بك وَصَدّقناك، وشهدنا أَن ما جئت به الحق، وأَعطيناك مواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أَردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق، لو استعرضْت بنا هذا البحر لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أَن تَلْقَى بنا عدوَّنا غدًا، إِنا لصُبُر عند الحرب، صُدُق عند اللقاء، لعل اللّه يريك فينا ما تَقَرُّ به عينك، فسرْ بنا على بركة اللّه، فَسُر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لقوله، ونشطه ذلك للقاءِ الكفار، فكان ما هو مشهور.
وروى هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنّ سعدًا كان قد تحجّر كَلْمُهُ للبُرء، قالت فدعا سعد فقال: اللّهمّ إنّك تعلم أنّه ليس أحد أحبّ إليّ أن أجاهد فيك من قوم كذّبوا رسولك وأخرجوه، اللّهمّ فإنّي أظنّ أنّك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني لهم حتى أجاهدهم فيك، وإن كنتَ قد وضعت الحرب فيما بيننا وبينهم فافجرْها واجعلْ موتتي فيها. قال ففُجر من ليلته، قال فلم يَرُعْهُمْ، ومعهم في المسجد أهل خيمة من بني غفار، إلا الدم يسيل إليهم فقالوا: يا أهل الخيمة ما هذا الدم الذي يأتينا من قِبَلكم؟ فإذا سعد جرحه يَغْذُو دمًا فمات منها.

روى عبد اللّه بن سهل، عن عائشة أَنها كانت في حِصْن بني حارثة يوم الخندق وكانت أُمُّ سَعْد بن معاذ معها في الحصن، وذلك قبل أَن يُضْرَبَ عليهن الحجاب، وكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأَصحابه حين خرجوا إِلى الخندق قد رفعوا الذراري والنساء في الحصون؛ مخافَةً عليهم العدوّ، قالت عائشة: فَمَرَّ سعد بن مُعَاذ، عليه درع له مُقَصِّلَة قد خرجت منها ذراعه، وفي يده حَرْبة، وهو يقول:
لَبِّثْ قَلِيلًا يَلْحَقِ الهَيْجَا حَملْ لَا بَأْسَ بِالمَوْتِ إِذَا حَانَ الأَجَلْ
فقالت أَم سعد: الْحَقْ يا بني، قد واللّه أَخَّرت، فقالت عائشة: يا أَم سعد، لوِددْتُ أَنَّ دِرْع سعد أَسْبَغُ مما هي، فخافت عليه حيث أَصاب السهمُ منه، فرماه حِبَّان بُن العَرِقة، وهو من بن عامر بن لُؤَي، فقطع أَكْحَلَه، فلما رماه قال: خُذْها مِنِّي وأَنا ابن العَرِقة، فقال سعد: "عَرَّق اللّه وجهك في النار، اللهمّ إِن كنت أَبقيت من حرب قريشٍ شيئًا فأَبقني لها، فإِنه لا قوَم أَحبَّ إِليِّ أَن أَجاهد مِنْ قَوْمٍ آذَوا رسولك، وكذبوه، وأَخرجوه، وإِن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة، ولا تُمتْني حتى تَقَرّ عيني في بني قريظة".
روى إسحاق بن راشد عن امرأة من الأنصار يقال لها أسماء بنت يزيد بن السّكَن أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال لأمّ سعد بن معاذ: "ألا يرقأ دمعُك، ويذهب حزنُك بأنّ ابنك أوّل من ضحك الله له واهتزّ له العرش؟"
(*).
روى ابن سعد بسنده عن محمود بن لبيد قال: لما أصيب أكحل سعد بن معاذ يوم الخندق فَثَقُلَ حَوّلوه عند امرأة يقال لها: رُفيدة ــ وكانت تُداوي الجرحى ــ فكان النبيّ عليه السلام إذا مَرَّ به يقول: "كيفَ أمسيتَ؟"، وإذا أصبح قال: "كيفَ أصبحتَ؟" فيخبره، حتى كانت الليلة التي نقله قومه فيها، فثقل، فاحتملوه إلى بني عبد الأشهل إلى منازلهم، وجاء رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم كما كان يسأل عنه، وقالوا: قد انطلقوا به، فخرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وخرجنا معه فأسرعَ المشيَ حتى تقطّعت شُسُوع نِعَالنا، وسقطتْ أرديتُنا عن أعناقنا، فشكا ذلك إليه أصحابه: يا رسول الله أتعبتنا في المشي، فقال:"إني أَخَافُ أَن تَسْبِقَنا المَلَائِكَةُ إِلَيه فَتُغَسِّله كما غَسَّلَت حَنْظَلَةَ"، فانتهى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى البيت وهو يُغَسَّل وأمّه تبكيه وهي تقول‏:
وَيْلُ امّ سعدٍ سعدا حَزَامَةً وَجِدّا
فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "كلّ نائحة تكذب إلا أمّ سعد"، ثمّ خرج به، قال: يقول له القوم أو من شاء الله منهم: يا رسول الله ما حملنا ميّتًا أخفّ علينا من سعد، فقال: "وما يمنعه من أن يَخِفّ عليكم وقد هبط من الملائكة كذا وكذا، وقد سمّى عدّة كثيرة لم أحفظها، لم يهبطوا قطّ قبل يومهم قد حملوه معكم"
(*).
وقال سلمة بن أسلم بن حَرِيش: رأيتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ونحن على الباب نريد أن ندخل على أثره، فدخل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وما في البيت أحد إلاّ سعد مسجّىً، قال: فرأيتُه يتخطّى، فلمّا رأيتُه وقفتُ، وأومأ إليّ: قف، فوقفتُ ورددتُ مَن ورائي، وجلس ساعةً ثمّ خرج فقلتُ: يا رسول الله ما رأيتُ أحدًا، وقد رأيتك تتخطّى، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "ما قدرتُ على مجلس حتى قبض لي ملك من الملائكة أحدَ جناحَيْه فجلستُ"، ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "هنيئًا لك أبا عمرو، هنيئًا لك أبا عمرو، هنيئًا لك أبا عمرو"
(*).
وقال سعد بن إبراهيم: لما أُخْرِجَ سرير سعد قال ناس من المنافقين: ما أخفّ جنازةَ سعد، أو سرير سعد، فقال رسول الله: "لقد نزل سبعون ألف ملك شهدوا جنازة سعد، أو سرير سعد، ما وطئوا الأرض قبل اليوم"
(*)،
وحضره رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وهو يُغسل، فقبض ركبته، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "دخل ملك فلم يكن له مكان فأوسعتُ له".
وروت امرأةٌ من الأنصار يقال لها: أسماء بنت يزيد بن السّكَن أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قال لأمّ سعد بن معاذ: "ألا يرقأ دمعُك ويذهب حزنُك بأنّ ابنك أوّل من ضحك الله له واهتزّ له العرش؟"
(*).
وروى الحسن أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: "لقد اهتزّ عرش الرحمن لوفاة سعد بن معاذ" فرحًا به قال: قوله فرحًا به تفسير من الحسن
(*).
وروى رُبيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخُدري، عن أبيه، عن جدّه قال: كنتُ أنا ممّن حفر لسعد قبره بالبقيع وكان يفوح علينا المسك كلّما حفرنا قَترةً من تراب حتى انتهينا إلى اللّحد.

وقال رُبيح: ولقد أخبرني محمّد بن المنكدر عن محمّد بن شرحبيل بن حَسَنة قال: أخذ إنسان قبضة من تراب قبر سعد فذهب بها ثمّ نظر إليها بعد ذلك فإذا هي مسك.
ومعاذ مقاماته في الإِسلام مشهودة كبيرة، ولو لم يكن له إِلا يوم بدر فإِن النبي صَلَّى الله عليه وسلم لما سار إِلى بدر، وأَتاه خبر نَفِير قريش، استشار الناس، فقال المقداد فأَحسن، وكذلك أَبو بكر، وعمر، وكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يريد الأَنصار، لأَنهم عَدَدُ الناس، فقال سعد بن معاذ: واللّه لكأَنَّك تريدنا يا رسول الله؟ قال: "أَجَلْ". قال سعد: فقد آمنّا بك وَصَدّقناك، وشهدنا أَن ما جئت به الحق، وأَعطيناك مواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أَردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق، لو استعرضْت بنا هذا البحر لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أَن تَلْقَى بنا عدوَّنا غدًا، إِنا لصُبُر عند الحرب، صُدُق عند اللقاء، لعل اللّه يريك فينا ما تَقَرُّ به عينك، فسرْ بنا على بركة اللّه. فَسُر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لقوله، ونشطه ذلك للقاءِ الكفار، فكان ما هو مشهور، وكفى به فخرًا، دع ما سواه.

أخرجه أحمد في المسند 1/ 255، 284، 3/ 438، 5/ 276، 372..
وروى الزَّهري، عن سعيد بن المسيّب، عن ابن عبَّاس، قال قال سعد بن مُعاذ:‏ ثلاث أنا فيهن‏: رجل يعني كما ينبغي، وما سوى ذلك فأنا رجل من النَّاس، ما سمعتُ مِنْ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حديثًا قط إلا علمْتُ أنه حقٌّ من الله عزّ وجل، ولا كنتُ في صلاة قط فشغلْتُ نَفسي بشيءٍ غيرها حتى أقضيها، ولا كنت في جنازة قط فحدّثت نفسي بغيرما تقول، ويُقال لها، حتى أنصرف عنها‏.

قال سعيد بن المسيّب‏:‏ هذه الخصال ما كنت أحسِبُها إلا في نبيّ.

إسلام سعد بن معاذ
الصحابي الجليل سعد بن معاذ -رضي الله عنه-، سيد الأوس، أسلم بعد بيعة العقبة الأولى، وحضر بيعة العقبة الثانية.

ولإسلام سعد قصة طريفة، فقد بعث النبي ( مصعب بن عمير -رضي الله عنه- ليدعو أهل المدينة إلى الإسلام، ويُعلِّم من أسلم منهم القرآن وأحكام الدين، وجلس مصعب ومعه الصحابي أسعد بن زرارة في حديقة
بالمدينة، وحضر معهما رجال ممن أسلموا، فلما سمع بذلك سعد بن معاذ وأسيد بن حضير، وكانا سيديّ قومهما، ولم يكونا أسلما بعد، قال سعد لأسيد بن حضير: انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا ديارنا ليسفها ضعفاءنا، فازجرهما، وانههما عن أن يأتيا ديارنا، فأخذ أسيد حربته ثم أقبل عليهما، فلما رآه أسعد بن زراة قال لمصعب: هذا سيد قومه قد جاءك، فاصدق الله فيه.
ووقف أسيد يسبهما، فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمرًا قبلته، وإن كرهته كففنا عنك ما تكره، فجلس أسيد، واستمع إلى مصعب، واقتنع بإسلامه، فأسلم، ثم قال لهما: إن ورائي رجلاً إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد
من قومه، وسأرسله إليكما الآن سعد بن معاذ، ثم أخذ أسيد حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس، فقال له: إن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وكان أسعد ابن خالة سعد، فقام سعد غاضبًا فأسرع وأخذ الحربة في يده. فلما رآهما جالسين مطمئنين، عرف أن أسيدًا إنما قال له ذلك ليأتي به إلى هذا المكان، فأخذ يشتمهما، فقال أسعد لمصعب: أي مصعب، جاءك والله سيدٌ من ورائه قومه إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم أحد.
فقال مصعب لسعد: أو تقعد فتسمع؟ فإن رضيت أمرًا، ورغبت فيه قبلته، وإن كرهته، عزلنا عنك ما تكره. قال سعد: أنصفت، ثم وضع الحربة، وجلس. فعرض عليه الإسلام، وقرأ عليه القرآن كما فعل مع أسيد، فلمح مصعب وأسعد الإسلام في وجه سعد بن معاذ قبل أن يتكلم؛ فقد أشرق وجهه وتهلل، ثم قال لهما: كيف تصنعون إذا أسلمتم ودخلتم في هذا الدين؟ قال: تغتسل فتطهر وتطهر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلى ركعتين.
ففعل سعد ذلك، ثم أخذ حربته ورجع إلى قومه، فلما رآه قومه قالوا: نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به، فقال لهم سعد: يا بني
عبد الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا وأفضلنا رأيًّا. قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم عليَّ حرام، حتى تؤمنوا بالله وبرسوله، فما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا ودخل في الإسلام. وبعد انتشار الإسلام في ربوع المدينة، أذن الله سبحانه لنبيه ( بالهجرة إلى المدينة، فكان سعد خير معين لإخوانه المهاجرين إلى المدينة.

ورمى يوم الخندق بسهم فعاش شهراً ثم انتفض جرحه فمات منه.
والذي رماه بالسهم حبان بن العرقة وقال: خذها وأنا ابن العرقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عرق الله وجهه في النار " . والعرقة هي قلابة بنت سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص وهذا حبان ابنها هو ابن عبد مناف بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي.

وقيل: إن العرقة تكنى أم فاطمة وإنما قيل لها العرقة لطيب ريحها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بضرب فسطاط في المسجد لسعد بن معاذ وكان يعوده في كل يوم حتى توفي سنة خمس من الهجرة وكان موته بعد الخندق بشهر وبعد قريظة بليال كذلك رواه سعد بن إبراهيم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه وروى الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر قال: رمي يوم الأحزاب سعد بن معاذ فقطعوا أكحله فحسبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتفخت يده ونزفه الدم فلما رأى ذلك قال: اللهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني في بني قريظة فاستمسك عرقه فما قطر قطرة حتى نزل بنو قريظة على حكمه وكان حكمه فيهم أن تقتل رجالهم وتسبى نساؤهم وذريتهم فيستعين بها المسلمون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أصبت حكم الله فيهم " . وكانوا أربعمائة فلما فرغ من قتلهم انفتق عرقه فمات.
وروى من حديث سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لقد نزل من الملائكة في جنازة سعد بن معاذ سبعون ألفاً ما وطئوا الأرض قبل " .
وروى من حديث أنس بن مالك قال: لما حملنا جنازة سعد بن معاذ قال المنافقون: ما أخف جنازته وكان رجلاً طوالاً ضخماً! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الملائكة حملته " . وروى إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أبيه عن عائشة قالت: كان في بني عبد الأشهل ثلاثة لم يكن بعد النبي صلى الله عليه وسلم أحد من المسلمين أفضل منهم: سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وعباد بن بشر. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اهتز العرش لموت سعد بن معاذ " . وروى عرش الرحمن وهو حديث روي من وجوه عدة كثيرة متواترة رواها جماعة من الصحابة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلة رآها تشتري: لمنديل من مناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها. وهو حديث ثابت أيضاً.
وقال له صلى الله عليه وسلم: إذ حكم في بني قريظة بقتل المقاتلة وسبى النساء: " لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات " . وقال صلى الله عليه وسلم: " لو نجا أحد من ضغطة القبر لنجا منها سعد بن معاذ " .
حدثنا خلف بن قاسم حدثنا الحسن بن رشيق حدثنا أبو قرة محمد ابن حميد حدثنا سعيد بن تليد حدثنا محمد بن فضالة عن أبي طاهر عبد الملك بن محمد ابن أبي بكر عن عمه عبد الله بن أبي بكر قال: مات سعد بن معاذ من جرح أصابه يوم الخندق شهيداً. قال: وبلغني أن جبرئيل عليه السلام نزل في جنازته معتجراً بعمامة من إستبرق وقال: يا نبي الله من هذا الذي فتحت له أبواب السماء واهتز له العرش؟ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر ثوبه فوجد سعداً قد قبض، وقال رجل من الأنصار:
وما اهتز عرش الله من موت هالك ... سمعنا به إلا لسعد أبي عمرو
أخبرنا خلف بن قاسم قال: حدثنا الحسن بن رشيق قال: حدثنا أحمد ابن الحسن الصباحي حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد بن شاكر قال حدثنا عبد الله بن حسين الأشقر أبو بلال قال حدثنا زافر بن سليمان عن عبد العزيز ابن أبي سلمة الماجشون عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال قال سعد بن معاذ: ثلاث أنا فيهن: رجل يعني كما ينبغي وما سوى ذلك فأنا رجل من الناس ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً قط إلا علمت أنه حق من الله عز وجل ولا كنت في صلاة قط فشغلت نفسي بشيء غيرها حتى أقضيها ولا كنت في جنازة قط فحدثت نفسي بغيرما تقول ويقال لها حتى أنصرف عنها.
قال سعيد بن المسيب: هذه الخصال ما كنت أحسبها إلا في نبي.


الكتاب : الإستيعاب في معرفة الأصحاب
المؤلف : ابن عبد البر
وغيره


ابو رضوان 22 - 2 - 2012 01:37 AM

ردَّ الله عليه بصره

كان متعبدًا مجتهدًا يصلي الليل، فنظر مَرةً إلى امرأة، فدعا الله أن يُذهب بصرَه، فذهب بصره، فلم يحتمل العَمَى، فدعا الله أن يردّه عليه، فبينا هو يصلّي في المسجد، إذ رفع رأسَه، فنظر إلى القِنْدِيل، فدعا غلامه فقال: ماهذا؟ قال: القنديل، قال: وذاك؟ قال: وذاك، قال: وذاك؟ ـ يَعُدّ قناديل المسجد ـ فَخَر ساجدًا شكرًا لله إذ ردَّ عليه بصره، فكان بعد ذلك إذا رأى امرأة طأطأ رأسه..... فمن هو؟

الاجابة
عمرو بن حِمَاس الليثي

((أبو عَمْرو بن حِمَاس مولى بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كِنانة.)) الطبقات الكبير.
((عَمْرُو بنُ حماس اللَّيْثِي. غير محفوظ.)) أسد الغابة.
((قال الواقدي: لم أسمع له باسم.)) الإصابة في تمييز الصحابة.
((أَخرجه ابن منده وأَبو نعيم، وقال أَبو نعيم: لا تصح له صحبة ـــ قال: وقيل: أَبو عمرو بن حماس، وهو المشهور.)) أسد الغابة.
((قد تقدم ذكر حِماس فيمن وُلد على عهد النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وله قصة مع عمر)) الإصابة في تمييز الصحابة.
((قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثنا يعقوب بن محمد بن طحلاء، عن أبيه، قال: كان أبو عَمرو بن حِمَاس رجلًا من بني ليث، قليل الحديث، وكان متعبدًا مجتهدًا يصلي الليل، وكان شَدِيدَ النظر إلى النساء، فدعا الله أن يُذهب بصرَه، فذهب بصره، فلم يحتمل العَمَى، فدعا الله أن يردّه عليه. فبينا هو يصلّي في المسجد، إذ رفع رأسَه، فنظر إلى القِنْدِيل، فدعا غلامه فقال: ماهذا؟ قال: القنديل، قال: وذاك؟ قال: وذاك، قال: وذاك؟ ـ يَعُدّ قناديل المسجدـ فَخَر ساجدًا شكرًا لله إذ ردَّ عليه بصره. قال: فكان بعد ذلك إذا رأى المرأة طأطأ رأسه. قال: وكان يصوم الدهر. فإذا صلّى المغرب انصرف إلى منزله فأفطر، قال: فيفتر، قال: فتغلبه عيناه فينام، فكان أكثر ذلك تفوته صلاة العشاء الآخرة.)) الطبقات الكبير.
((تابعي معروف، أرسل حديثًا، فذكره ابن منده في الصحابة، وقال: عداده في أهل الحجاز، وله ذِكْرٌ في الصحابة.))
((أخرج من طريق ابن أبي ذئب، عن الحارث بن الحكم، عن أبي عمرو بن حِمَاس، عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم: "ليس للنساء سواء الطريق")) الإصابة في تمييز الصحابة.
((قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثنا يعقوب بن محمد بن طحلاء، عن أبيه، قال: كان أبو عَمرو بن حِمَاس رجلًا من بني ليث، قليل الحديث)) الطبقات الكبير.
((قال خَلِيفَةُ: مات أبو عمرو بن حِماس سنة تسع وثلاثين ومائة.)) الإصابة في تمييز الصحابة.

ابو فداء 22 - 2 - 2012 01:57 AM

مشكوووور
يسلموووو
بأنتظار المزيد

ابو رضوان 22 - 2 - 2012 02:38 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سما (المشاركة 226979)
تسلم الايادي وبارك الله بك
جزاك الله خيرا
متابعة لك مع الشكر

اشكرك على مرورك ومتابعتك بارك الله لك وعليك وفيك

ابو رضوان 22 - 2 - 2012 02:40 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو فداء (المشاركة 227003)
مشكوووور
يسلموووو
بأنتظار المزيد

شكرا لك على مرورك ومتابعتك في حفظ الله

ابو رضوان 22 - 2 - 2012 02:57 PM

أربعة مطعمون متتالون في بيت واحد

عندما هاجر الرسول ( وأصحابه إلى المدينة استقبلهم سعد خير استقبال، وسخر ماله لخدمتهم، وعرف سعد بالجود والكرم، وبلغت شهرته في ذلك الآفاق، وكان دائمًا يسأل الله المزيد من رزقه وخيره، فيقول:
اللهم هب لي مجدا، لا مجد إلا بفعال، ولا فعال إلا بمال، اللهم إنه لا يصلحني القليل، ولا أصلُح عليه. [الحاكم].
وكان الرجل من الأنصار يستضيف واحدًا أو اثنين أو ثلاثة بينما هو يستضيف ثمانين، وكان مناديه يصعد أعلى داره وينادي: من كان يريد شحمًا ولحمًا فليأت. وقد دعا له النبي ( فقال: (اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة) [أحمد].

وكان سعد يجيد الرمي، وكانت له فدائية وشجاعة فائقة، قال عنها ابن عباس
-رضي الله عنهما-: كان لرسول الله ( في المواطن كلها رايتان؛ مع علي راية المهاجرين، ومع سعد بن عبادة راية الأنصار.
[عبد الرزاق وأحمد].
ووقف سعد بن عبادة موقفًا شجاعًا في بدر، حينما طلب النبي ( مشورة الأنصار، فقام سعد مشجعًا على القتال، فقال: يا رسول الله، والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا.
[أحمد ومسلم].
وفي غزوة الخندق تجمعت القبائل الكافرة ضد الإسلام، وحاصرت المدينة، وعرضت قبيلة غطفان على النبي ( أن ينسحبوا من جيش الأحزاب، ولا يقفوا مع الكفار، في مقابل أن يأخذوا ثلث ثمار المدينة، فشاور الرسول ( كلا من سعد بن عبادة وسعد بن معاذ في هذا الأمر، فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله، أمرًا تحبه فنصنعه، أم شيئًا أمرك الله
به، ولابد لنا من العمل به، أم شيئًا تصنعه لنا؟ فقال رسول الله (: (إنما هو شيء أصنعه لكم، لما رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة).
فقال سعد بن معاذ: والله يا رسول الله، ما طمعوا بذلك منا قط في الجاهلية، فكيف اليوم؟ وقد هدانا الله بك وأكرمنا وأعزنا، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم. فقال رسول الله (: (فأنت وذاك)
[ابن هشام].


سعد بن عبادة بن دليم
بن أبي حليمة ويقال ابن أبي حزيمة بن ثعلبة ابن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري الساعدي يكنى أبا ثابت وقد قيل أبو قيس والأول أصح وكان نقيباً شهد العقبة وبدراً في قول بعضهم ولم يذكره ابن عقبة ولا ابن إسحاق في البدريين وذكره فيهم جماعة غيرهما منهم الواقدي والمدايني وابن الكلبي.
وذكره أبو أحمد الحافظ في كتابه في الكنى بعد أن نسب أباه وأمه فقال: شهد بدراً مع النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ويقال: لم يشهد بدراً وكان عقبياً نقيباً سيداً جواداً.
قال أبو عمر: كان سيداً في الأنصار مقدماً وجيهاً له رياسة وسيادة يعترف قومه له بها.
يقال: إنه لم يكن في الأوس والخزرج أربعة مطعمون متتالون في بيت واحد إلا قيس بن سعد بن عبادة بن دليم ولا كان مثل ذلك في سائر العرب أيضاً إلا ما ذكرنا عن صفوان بن أمية في بابه من كتابنا هذا.
أخبرنا عبد الرحمن إجازة حدثنا ابن الأعرابي حدثنا ابن أبي الدنيا حدثني محمد بن صالح القرشي أخبرنا محمد بن عمر حدثني عبد الله بن نافع عن أبيه نافع قال: مر ابن عمر على أطم سعد فقال لي: يا نافع هذا أطم جده لقد كان مناديه ينادي يوماً في كل حول من أراد الشحم واللحم فليأت دار دليم فمات دليم فنادى منادي عبادة بمثل ذلك ثم مات عبادة فنادى منادي سعد بمثل ذلك ثم قد رأيت قيس بن سعد يفعل ذلك وكان قيس جواداً من أجواد الناس.
وبه عن محمد بن صالح قال: حدثني عبد الله بن محمد الظفري قال: حدثني عبد الملك بن عبد العزيز بن سعيد بن سعد بن عبادة أن دليما جدهم كان يهدي إلى مناة (صنم) كل عام عشر بدنات ثم كان عبادة يهديها كذلك ثم كان سعد يهديها كذلك إلى أن أسلم ثم أهداها قيس إلى الكعبة.
وبه عن محمد بن صالح قال: حدثني محمد بن عمر الأسلمي حدثني محمد بن يحيى بن سهل عن أبيه عن رافع بن خديج قال: أقبل أبو عبيدة ومعه عمر رضي الله عنه. فقالا لقيس بن سعد: عزمنا عليك ألا تنحر، فلم يلتفت إلى ذلك ونحر فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: إنه من بيت جود.
وفي سعد بن عبادة وسعد بن معاذ جاء الخبر المأثور: إن قريشاً سمعوا صائحاً يصيح ليلاً على أبي قبيس: الطويل
فإن يسلم السعدان يصبح محمد ... بمكة لا يخشى خلاف مخالف
قال: فظنت قريش أنهما سعد بن زيد مناة بن تميم وسعد بن هذيم من قضاعة فلما كان الليلة الثانية سمعوا صوتاً على أبي قبيس: الطويل
أيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصراً ... ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف
أجيبا إلى داعي الهدي وتمنيا ... على الله في الفردوس منية عارف
فإن ثواب الله لطالب الهدى ... جنان من الفردوس ذات رفارف
قال فقالوا: هذان والله سعد بن معاذ وسعد بن عبادة.

قال أبو عمر وإليهما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق يشاورهما فيما أراد أن يعطيه يومئذ عيينة بن حصن من تمر المدينة وذلك أنه اراد أن يعطيه يومئذ ثلث أثمار المدينة لينصرف بمن معه من غطفان ويخذل الأحزاب فأبى عيينة إلا أن يأخذ نصف التمر فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة دون سائر الأنصار لأنهما كانا سيدي قومهما كان سعد بن معاذ سيداً لأوس وسعد بن عبادة سيداً لخرزج فشاورهما في ذلك فقالا: يا رسول الله، إن كنت أمرت بشيء فافعله وامض له وإن كان غير ذلك فوالله لا نعطيهم إلا السيف. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لم أومر بشيء ولو أمرت بشيء ما شاورتكما وإنما هو رأي أعرضه عليكما " . فقالا: والله يا رسول الله ما طمعوا بذلك منا قط في الجاهلية فكيف اليوم؟ وقد هدانا الله بك وأكرمنا وأعزنا. والله لا نعطيهم إلا السيف. فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا لهما، وقال لعيينة بن حصن ومن معه: ارجعوا فليس بيننا وبنيكم إلا السيف ورفع بها صوته.

الكتاب : الإستيعاب في معرفة الأصحاب
المؤلف : ابن عبد البر



ابو رضوان 22 - 2 - 2012 03:37 PM

زيارة خاصة إلى ...

سيد الحفاظ


أبو هريرة الدوسي


أبو هُريرة بن عامر بن عبد ذي الشَّري الدوسي:
أَخرجه أَبو نُعَيم، وأَبو موسى، وأَبو عمر، وهو صاحب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأَكثرهم حديثًا عنه، وهو دَوْسِيّ من دَوْسِ بن عُدْثان بن عبد اللَّه، وقد اختلف في اسمه كثيرًا، فقال النووي في مواضع من كتبه: اسم أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر على الأصح من ثلاثين قولًا،
وقال القطب الحلبي: اجتمع في اسمه واسم أبيه أربعة وأربعون قولًا مذكورة في الكنى للحاكم، وفي "الاستيعاب"، وفي تاريخ ابن عساكر، وقال ابن حجر العسقلاني: "مجموعُ ما قيل في اسمه وحْدَه نحوا من عشرين قولًا: عبد شمس، وعبد نهم، وعبد تيم، وعبد غنم، وعبد العزى، وعبد ياليل؛ وهذه لا جائز أن تَبْقَى بعد أن أسلم كما أشار إليه ابن خزيمة، وقيل فيه أيضًا: عبيد بغير إضافة، وعبيد الله ــ بالإضافة ــ وسُكَين، وسكَنَ، وَعَمْرو، وعُمير، وعامر، وبرير، وبر، ويزيد، وسعد، وسعيد، وعبد الله، وعبد الرحمن، وجميعُها محتمل في الجاهلية والإسلام إلا الأخير؛ فإنه إسلامي جَزْمًا، والذي اجتمع في اسم أبيه خمسة عشر قولًا: عائذ، وعامر، وعمرو، وعمير، وغنم، ودومة، وهانئ، ومل، وعبد نهم، وعبد غنم، وعبد شمس، وعبد عمرو، والحارث، وعِشْرقة، وصخر؛ فهذا معنى قَوْل مَنْ قال: اختلف في اسمه واسم أبيه على أكثر من ثلاثين قولًا"، وحكى ابْنُ مَنْدَه في أسمائه عَبْد بغير إضافة، وذكر ابن لَهِيعة أن اسمه كردوس بن عامر.
قال البخاري: "اسمه في الإِسلام عبد اللَّه، ولولا الاقتداءُ بهم لتركنا هذه الأَسماءَ فإِنها كالمعدوم لا تفيد تعريفًا، وإِنما هو مشهور بكنيته"

سبب كنيته
وقال ابْنُ إِسْحَاقَ: قال لي بعض أصحابنا، عن أبي هريرة كان اسمي في الجاهلية عبد شمس بن صَخْر، فسماني رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم عبد الرحمن، وكُنيت أبا هريرة؛ لأني وجدت هِرَّةً فحملتها في كمِّي، فقيل لي أبو هريرة، وأخرج الترمذي بسندٍ حسن، عن عبيد الله بن أبي رافع قال: قلت لأبي هريرة: لِمَ كُنيت بأبي هريرة؟ قال: كُنتُ أرعى غَنَمَ أهلي، وكانت لي هرةٌ صغيرة، فكنتُ أضَعُها بالليل في شجرة، وإذا كان النهار ذهبتُ بها معي، فلعبتُ بها فكنوني أبا هريرة.
وفي صحيح البُخَارِيِّ أنّ النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم قال له: "يَا أَبَا هِرٍّ"(*)،
قال محمد بن قيس: كان أبو هريرة يقول: لا تكنوني أبا هريرة فإن النبي صَلَّى الله عليه وسلم كناني أبا هرّ والذَّكَرُ خير من الأنثى(*).
قصة إسلام امه

أمّه هي ابنة صُفَيح بن الحارث بن شَابِي، وكان سعد بن صُفَيح خال أبي هريرة من أشدّاء بني دوس فكان لا يأخذ أحدًا من قريش إلاّ قتله بأبي أُزَيهر الدَّوسِي، وقد ألقى الله محبة أبي هريرة وأمه في قلوب المؤمنين، فقد روى أبو كثير الغُبَري، عن أبي هريرة أنّه قال: والله لا يسمع بي مؤمن ولا مؤمنة إلاّ أحبّني، قال قلتُ: وما يُعْلِمُك ذاك؟ قال فقال: إني كنتُ أدعو أمّي إلى الإسلام فَتأْبَى عَلَيَّ، قال فدعوتُها ذاتَ يوم إلى الإسلام فأسمعتني في رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ما أكرَهُ فجئتُ إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقلتُ: يا رسول الله إني كنتُ أدعو أمَّ أَبِي هريرة إلى الإسلام فتأبَى عليّ وإني دعوتُها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره فادْعُ الله أن يَهْدِيَ أمّ أبي هريرة إلى الإسلام، ففعل فجئتُ فإذا البابُ مُجافٌ وسمعتُ خَضْخَضَة الماء فلبستْ درعها وعَجلَتْ عن خمارها ثمّ قالت: ادخل يا أبا هريرة فدخلتُ فقالت: أشهد أنْ لا إله إلاّ الله وأنّ محمدًا عبده ورسوله، فجئتُ أسعى إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أبكي من الفرح كما بكيتُ من الحزن، فقلتُ: أبْشِرْ يا رسول الله فقد أجاب الله دَعْوَتَك، قد هدى الله أمّ أبي هريرة إلى الإسلام، ثمّ قلتُ: يا رسول الله ادعُ الله أن يُحَبّبَني وأمّي إلى المؤمنين والمؤمنات وإلى كلّ مؤمن ومؤمنة، فقال: "اللهمّ حَبّبْ عُبيدك هذا وأمّه إلى كلّ مؤمنٍ ومؤمنة"، فليس يسمع بي مؤمن ولا مؤمنة إلاّ أحبّني(*)، روى ابن شهاب أنّ أبا هريرة لم يكن يحجّ حتى ماتت أمّه لصحبتها،


لم يُخْرِجْني إلاّ الجوع
وروى محمد بن هلال، عن أبيه، عن أبي هريرة أنّه قال: خرجتُ يومًا من بيتي إلى المسجد لم يُخْرِجْني إلاّ الجوع، فوجدتُ نَفَرًا من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا هريرة ما أخْرَجَك هذه الساعة؟ فقلتُ: ما أخرجني إلاّ الجوع، فقالوا: نحن والله ما أخرجنا إلاّ الجوع، فقُمنا فدخلنا على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: "ما جاء بكم هذه الساعة؟" فقلنا: يا رسول الله جاء بنا الجوع، قال فدعا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بطَبَقٍ فيه تمر فأعطى كلّ رجل منّا تمرتين فقال: "كلوا هاتين التمرتين واشربوا عليهما من الماء فإنّهما سَتَجْزِيانكم يومكم هذا"، قال أبو هريرة: فأكلتُ تمرةً وجعلتُ تمرة في حُجْزَتي، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرة لِمَ رَفَعْتَ هذه التمرة؟" فقلتُ: رفعتُها لأمّي، فقال: "كُلْها فإنّا سَنُعْطيك لها تمرتين"، فأكلتها فأعطاني لها تمرتين(*).


كنتُ أجيرًا لبُسرَة بنت غَزوان بطعام بطني وعُقْبَةِ رِجْلي، فزوّجنيها الله

قال سَلِيم بن حَيَّان: سمعتُ أبي يقول: سمعتُ أبا هريرة يقول: نشأتُ يتيمًا وهاجرتُ مسكينًا وكنتُ أجيرًا لبُسرَة بنت غَزوان بطعام بطني وعُقْبَةِ رِجْلي، فكنتُ أخدم إذا نزلوا وأحدوا إذا ركبوا فزوّجنيها الله فالحمد لله الذي جعل الدين قِوامًا وجعل أبا هريرة إمامًا،
وفي رواية عن أبي هريرة قال: أكْرَيْتُ نفسي من ابنة غزوان على طعام بطني وعُقبة رجلي، قال فكانت تكلّفني أن أرْكَبَ قائمًا وأن أردي أو أورِدَ حافيًا، فلمّا كان بعد ذلك زَوّجنيها الله فكلّفتُها أن تَرْكَبَ قائمة وأن تَرِدَ أو تَرْدِيَ حافية، وفي رواية أخرجها ابْنُ خُزَيْمَةَ: وكانت إذا أتت على مكان سهلٍ نزلت، فقالت: لا أريم حتى تجعلي لي فيّ عصيدة، فهأَنَذَا أتيت على نحوٍ من مكانها، قلت: لا أريم حتى تجعل لي عصيدة،
وقال حُصَين بن عُرْفُطَةَ اليَرْبُوعي: كانت لأبي هريرة امرأة، فبقِيَتْ زمانًا لا تشتكي، فأراد أبو هريرة أن يطلقها، ثم إنها اشتكت، فقال أبو هريرة: مَنَعَتْنَا هذه طلاقها بشكواها.

يَا بُنَيَّة، لا أحَلِّيك الذهب، إني أخشى عليك اللهب

جاء في ورعه ــ رضي الله عنه ــ أنه كان لا يحلي ابنته الذهب روى ذلك معاوية بن عبد الله بن بدر قال: دخلت على أبي هريرة وابنةٌ له تَنْزُو على ظهره وهو يقول: يَا بُنَيَّة، لا أحَلِّيك الذهب، إني أخشى عليك اللهب، كذلك فقد روى عمر بن سعيد، عن عبد الرحمن بن سابط وأبا الزبير قالا: لَقِيَتْ أبا هريرة ابْنَةٌ له فقالت: إن الجواري يُعَيِّرنَني يقلن: إن أباك لا يحليك الذهب، فقال: قولي لهن: إنّ أَبَاي لا يُحَلِّيني الذهب، يخشى عَلَيَّ حَرّ اللهَب، وفي رواية عن أبي هريرة، أنه رأى على ابنةٍ له ذهبًا فقال: يا بنية لا تلبسي الذهب، فإني أخاف عليكِ اللهب،
ومن أقواله ــ رضي الله عنه ــ ما رواه معاوية المُزَنِيّ عنه أنه قال: لا تكونن أميرًا ولا جابيًا ولا عريفًا ولا نقيبًا.


وصفه ــ رضي الله عنه ــ

روى عبد الله بن عثمان بن خُثَيْم، عن عبد الرحمن بن لُبَيْنَة الطائفي أنّه قال: رأيتُ أبا هريرة وهو في المسجد، قال ابن خُثَيْم فقلتُ لعبد الرحمن: صِفْه لي، فقال: رجل آدم بعيد ما بين المنكبين، ذو ضَفَرَينِ، أفرق الثنيّتَينِ، كذلك فقد روى ضَمْضَم بن جَوْس قال: دخلتُ مسجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فإذا أنا بشيخ يضْفرُ رأسه برّاق الثنايا، قلتُ: مَن أنت رحمك الله؟ قال: أنا أبو هريرة، وروى ابن أَبِي ذِئْب، عن عثمان بن عبيد الله قال: رأيتُ أبا هريرة يصفّر لحيته ونحن في الكُتَّاب،
وروى عمار بن أبي عمار أَن مروان بن الحكم أَتَتْه مَطَارِفُ من خزّ فكساها أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فكسا أبا هريرة مِطْرَفًا أغْبَرَ فكان يُثْنيه عليه ثلاثة أثناء من سَعَته، فأصابه شيء فتشبّكه تشبّكًا ولم يَرْفُه كما يرفون، فكأني أنظر إلى طرائفه من إِبْرَيْسَم،
وروى سعيد بن أبي سعيد قال: رأيتُ على أبي هريرة ساجًا مزرّرًا بديباج،

وقال خَبَّاب بن عروة: رأيتُ أبا هريرة عليه عمامة سوداء،
وقال محمد بن سِيرِين أنّ أبا هريرة كان يلبس الثياب الممشّقة،
وقال قُرَّة بن خالد: قلتُ لمحمد بن سِيرِين أكان أبو هريرة مُخْشَوْشِنًا؟ قال: لا بل كان ليّنًا، قلتُ: فما كان لونه؟ قال: أبيض، قلتُ: هل كان يخضب؟ قال: نعم نحو ما ترى، قال: وأهْوى محمد بيده إلى لحيته وهي حمراء، قلتُ: فما كان لباسه؟ قال: نحو ما ترى، قال: وعلى محمد ثوبان مُمَشَّقَان من كَتَّان، قال: وتمخّط يومًا فقال: بَخْ بَخْ، أبو هريرة يتمخّط في الكتّان؟!

وقال أبو هلال: حدّثنا شيخ أظنّه من أهل المدينة قال: رأيتُ أبا هريرة يُحْفِي عارضيْه يأخذ منهما، قال ورأيتُه أصفر اللحية،
وقال ثابت بن مِشْحَل مولى أبي هريرة: كنتُ رَدِيف أبي هريرة على دابته قال فتأتيني الريحُ بريحِ المسك من لحيته، قال: فأدنِي رأسي منه قال: فيقول: كأنك تحب ريح الطيب أو ريح المسك؟ قال فأقول: نعم، فيضحك،
وروى يحيَى بن أبي كَثِير أنّ أبا هريرة كان يكره أن ينتعل قائمًا وأن يأتَزِرَ فوق قميصه، وروى ذَكْوَان أن أبا هريرة كان لا يلبس قَميصًا ــ وأُرَاهُ ــ قال ثيابًا إلاّ بدأَ بميامِنِه.
إسلام أَبو هريرة
ــ رضي الله عنه ــ

اسلم عام خيبر، وشهدها مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ثم لزمه وواظب عليه رغبة في العلم فدعا له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وفي ذلك يروي خُثَيم بن عراك بن مالك، عن أبيه، عن نفر من قومه أنّ أبا هريرة قدم المدينة في نفر من قومه وافدين وقد خرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى خيبر واستخلف على المدينة رجلًا من بني غِفَار يقال له: سِباع بن عُرْفُطَةَ، فأتيناه وهو في صلاة الصبح فقرأ في الركعة الأولى: {كهيعص} [سورة مريم: 1] وقرأ في الركعة الثانية: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [سورة المطففين: 1]
قال أبو هريرة: فأقول في الصلاة ويل لأبي فلانٍ له مِكْيالان إذا اكتال اكتال بالوافي وإذا كال كال بالناقص، فلمّا فرغنا من صلاتنا أتَيْنا سِباعًا فزوّدنا شيئًا حتى قدمنا على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وقد افتتح خيبر فكلّم المسلمين فأشركونا في سُهْمانهم، وروى قيس بن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: لما قدمتُ على النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم قلتُ في الطريق:
يا ليلةً من طولها وعنائها على أنّها منْ دارة الكُفْرِ نَجَّتِ
قال: وَأَبَقَ منِّي غلامٌ في الطريق فلمّا قدمتُ على النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم فبايعتُه فبينا أنا عنده إذ طلع الغلام فقال لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرة هذا غلامك"، فقلتُ: هو لوجه الله، فأعْتَقْتُه(*)،
وروى عمّار بن أبي عمّار أنّ أبا هريرة قال: ما شهدتُ مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مشهدًا قطّ إلاّ قَسَمَ لِي منه إلاّ ما كان مِنْ خيبر، فإنّها كانت لأهل الحُدّيْبِية خاصّة، وكان أبو هريرة وأبو موسى قَدِمَا بَيْنَ الحُديبية وخيبر، وروى أبو هريرة ــ رضي الله عنه ــ قال: وَعَدَنا رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم غَزْوَ الهِند فإن أدرِكها أنفق فيها مالي ونفسي فإن قتلتُ فأنا مِنْ أفضل الشهداء، وإن رجعتُ فأنا أبو هريرة المُحَرَّر(*).
وروى الحسن، عن أبي هريرة قال: أوصاني خليلي صَلَّى الله عليه وسلم بثلاث لستُ بتاركهن حتى ألقاه: الوترَ قبل النوم، وصيام ثلاث من الشهر، والغسل يوم الجمعة(*)،


من أقواله
ــ رضي الله عنه ــ ما رواه عنه عَطَاء بن أَبِي رَبَاح أنه قال: ما وجع أحبّ إليَّ من الحُمَّى لأنها تُعْطي كلّ مَفْصِلٍ قِسْطَه من الوجع وإنّ الله يعطي كلّ مفصلٍ قسطه من الأجر،
وروى أبو يزيد المدني قال: قام أبو هريرة على منبر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مقاما دون مقام رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بعَتَبَةٍ، ثم قال: الحمد لله الذي هَدَى أبا هريرة للإسلام، الحمد لله الذي عَلَّمَ أبا هريرة القرآن، الحمد لله الذي مَنَّ على أبي هريرة بمحمد صَلَّى الله عليه وسلم، الحمد لله الذي أطعمني الخَمِيرَ وألبسني الحَبِيرَ، الحمد لله الذي زوَّجني ابنَةَ غَزوان بعدما كنت أجيرًا لها بطعام بطني وعُقبة رِجْلي، أَرْحَلَتني فَأَرْحَلتُها كما أرحلتني،
وروى أبو يونس، عن أبي هريرة أنه قال: والله يا أهل الإسلام إن كانت إِجَارَتي إلا على كِسرة يابسة أو عُقبة في ليلة مظلمة،
وروى أبي المُهَزِّم، عن أبي هريرة، قال: إني لأشحذ سيفي منذ خمس عشرة سنة للمسيح الدجال ــ وفي رواية قال: منذ أربع عشرة سنة، وإن عيسى بن مريم نازل، فمن أدركه منكم فَليُقْرِئْه مني السلام،
وقد روى أبي صالح، عن أبي هريرة قال: إني لأرجو أن آكل مع عيسى بن مريم بأصبعي هذه.


الصرع من الجوع

كان أبو هريرة ــ رضي الله عنه ــ من أهل الصفة روى عنه الوليد بن رَبَاح قال: إن كان ليُغْشَى عَلَيَّ فيما بين حجرة عائشة وأم سلمة من الجوع، وفي رواية محمد بن سِيرين، عن أبي هريرة قال: لقد رأيتُني أصرَع بين منبر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وبين حجرة عائشة فيقال: البائس مجنون وما بي إلا الجوع،
وروى داود بن فَرَاهيجِ، عن أبي هريرة قال: ما كان لنا طعام على عهد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلاّ الأسْوَدَان التمرُ والماءُ،

يا بنتَ رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم أَطْوِي بطنكِ الليلة لله


روى مُسلم المكّي، أن أبا هريرة حدثه أنه أتى عليه ثلاثة أيام ولياليهن صائمًا لا يقدر على شيء، قال: فانصرفتُ وراء أبي بكر، فسألني أبو بكر كيف أنت يا أبا هريرة؟ ثم انْصَرَفَ، قال: فَعرِفتُ أَنْ ليس عنده شيء، قال: ثم انصرفت وراء عُمر عِشَاءً قال: فسألني كيف أنت يا أبا هريرة؟ وانْصَرَفَ، فعرفتُ أن ليس عنده شيء، قال: ثم انصرفتُ وراء عَلِيٍّ عِشاءً بعد المغرب، فقال ادخل يا أبا هريرة، فأيُّ فَرَحٍ فَرِحْتُ، فقال: يا بنتَ رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم أَطْوِي بطنكِ الليلة لله، فإن عندنا ضيفًا، قال: فجاء بخُبْزَتَيْن مثل هَاتَيْن قال: وقام عَلِيٌّ إلى المصباح كأنه يصلحه فأطفأه، قال: وحرّكا أفواهَهما وليس يأكلان شيئا، قال: يا بنت رسول الله هل من شيء؟ قال: فتُخرِج من تحت فخذها مِزوَدًا مثل تيّه وقال بكفه كلها وفيه كفٌّ من سويق، فقال بنصف كفّهِ وخمس تمرات أو ستّ، قال: فأكلتهنّ ولم يَقَعْنَ منّي موقعًا.


ما أتبَعُه إلا ليُطعِمني
يروي عبد الرحمن بن عَبْد، عن أبي هريرة قال: إن كنت لأتبع الرجلَ أسأله عن الآية من كتاب الله لأنا أعلم بها منه ومن عشيرته، وما أتبَعُه إلا ليُطعِمني القبضةَ من التمر أو السُّفَّةَ من السَّوِيق أو الدّقيق أَسُدُّ بها جوعي، قال: فأقبلت أمشي مع عُمر بن الخطاب ذات يوم أُحدّثه حتى بلغ بابه، قال: فأسند ظهره إلى الباب واستقبلني بوجهه، وقال بيده على الباب كلما فرغت من حديث حدثته بآخر، حتى إذَا لَمْ أَرَ شيئًا انطلقتُ، فلما كان بعد ذلك لقيني
فقال: أبا هِرّ، أما إنه لو كان في البيت شيء لأطعمناك.
وروى أَبو رافع أن أبا هريرة قال: ما أحد من الناس يهدي إليَّ هدية إلا قبلتها فأما أن أسأل فلم أكن لأسأل، وعنه ــ رضي الله عنه ــ أنه قال: لا خير في فضول الكلام.


وقد جاء في زهده
ــ رضي الله عنه ــ أنه قال: ما أحِبّ أن لي سبعين راحلة وأنا بالمدينة لا أشهد الجمعة، ولأن أصلي بالحرم أحب إليّ من أن أَتَخَطَّى،

وروى هشام بن عروة، عمّن سمع أبا هريرة يقول: درهم يكون من هذا وكأنّه يمسح العرق عن جبينه أتصدق به، أحبُّ إليّ من مائة ألف ومائة ألف ومائة ألف مِن مالِ فلان، وعنه ــ رضي الله عنه ــ أنه قال: لَأَن أدع أربعمائة درهم دَينًا أحب إلي من أن أدَع أربعمائة درهم عَيْنًا،
وروى أَبو الزُّعَيْزِعَة كاتب مروان، أن مروان بعث معه إلى أبي هريرة بمائة دينار فلما كان من الغد قال له اذهب فقل له إني إنما أخطأت ليس إليك بَعَثَ بها فإنما أراد مروان أن يَعلَم أيمسكها أبو هريرة أو يُفَرِّقها قال فأتيته فقال ما عندي منها شيء ولكن إذا خَرج عطائي فاقبضُوها.
وفي فضله
ــ رضي الله عنه ــ روى غالب بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أنه كان يقول إِذَا ذَكَرَ عثمان وعليًّا، لا يقول للميت إلا خيرا، ولا يقول للحي إلا خيرا،
وروى مَعْمَر بن راشد قال: بلغني أن أبا هريرة مَرَّ على رجل فسلّم عليه فقيل له: إنه يهودي فرجع إليه فقال: رُدّ عليّ سلامي وأدعو، قال: قد رددته، قال: اللهم أكثر مالَه وولده، وروى الزُّهْرِيّ، عن أبي هريرة أنه كان إذا صلى على الميت قال: اللّهُم إن كانت هذه النفس زاكِيَةً فزكّها، وإن كانت خاطئة فاغفِر لها،
وقال أَبو المُهَزِّم: رَأَى أبو هريرة رجلًا راكبًا على دابة وغلامه يسعى خلفه فقال: يا عبد الله احمِلْهُ! فإنما هو أخوك رُوحُه مثل رُوحِكُ،

وروى الحكم بن الصَّلت، عن أبيه، عن أبي هريرة أنه قال: لولا الحج والعمرة والغزوُ لأحببت أن أموت وأنا عبد مملوك، لأن المملوك إذا أدى فريضة الله عليه ونصح لمواليه كان له أجران، وإنّ للحُرِّ أجرًا واحدًا،
وروى أبو بكر بن أبي مريم، عن شيخ له قال: سألتُ أبا هريرة عن المروءة فقال: ثبوته في مجلسه، والغداء والعشاء بأفنية البيوت، واستصلاح المال، ومعونة الإخوان، والذَّبِّ عنهم،
وروى عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن أَبِي مَنْبُوذَة كان لأبي هريرة بِرْذَونٌ وَبَعير وكان من المدينة على خمسة أميال، فربما لم يَجِئ الجمعة كثيرًا.


سرعة الحفظ وقوة الذاكرة

ان أبطال الحروب من الصحابة كثيرون، والفقهاء والدعاة والمعلمون كثيرون، ولكن كان هناك قلة من الكتاب، ولم يكونوا متفرغين لتدوين كل ما يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وعندما أسلم أبو هريرة لم يملك أرض يزرعها أو تجارة يتبعها، وإنما يملك موهبة تكمن في ذاكرته، فهو سريع الحفظ قوي الذاكرة، فعزم على تعويض ما فاته بان يأخذ على عاتقه حفظ هذا التراث وينقله إلى الأجيال القادمة...

فهو يقول: إنكم لتقولون أكثر أبو هريرة في حديثه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتقولون ان المهاجرين الذين سبقوه إلى الإسلام لا يحدثون هذه الأحاديث، ألا إن أصحابي من المهاجرين كانت تشغلهم صفقاتهم بالسوق، وان أصحابي من الأنصار كانت تشغلهم أرضهم، واني كنت امرءا مسكينا، أكثر مجالسة رسول الله، فأحضر إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا، وان الرسول -صلى الله عليه وسلم- حدثنا يوما فقال: (من يبسط رداءه حتى يفرغ من حديثي ثم يقبضه إليه فلا ينسى شيئا كان قد سمعه مني)...

فبسطت ثوبي فحدثني ثم ضممته إلي فوالله ما كنت نسيت شيئا سمعته منه، وأيم الله لولا أية في كتاب الله ما حدثتكم بشيء أبدا، هي: {...إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ}...


مقدرته على الحفظ

أراد مروان بن الحكم يوما أن يختبر مقدرة أبي هريرة على الحفظ، فدعاه اليه ليحدثه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأجلس كاتبا له وراء حجاب ليكتب كل ما يسمع من أبي هريرة، وبعد مرور عام، دعاه ثانية، وأخذ يستقرئه نفس الأحاديث التي كتبت، فما نسي أبو هريرة منها شيئا...

وكان -رضي الله عنه- يقول: (ما من أحد من أصحاب رسول الله أكثر حديثا عنه مني إلا ما كان من عبدالله بن عمرو بن العاص، فانه كان يكتب ولا أكتب)...
وقال عنه الإمام الشافعي: (أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره)... وقال البخاري: (روى عن أبي هريرة نحو ثمانمائة أو أكثر من الصحابة والتابعين وأهل العلم)...

وفي عبادته
ــ رضي الله عنه ــ قال أبو أيوب: كان لأبي هريرة مسجد في مخدعه، ومسجد في بيته، ومسجد في حجرته، ومسجد على باب دارِهِ، إِذَا خَرَج صلى فيها جميعا، وإذا دَخل صلى فيها جميعًا،
وروى أبو المُهَزِّم قال: كان لأبي هريرة مَكّوك يسبّح فيه بالنوى،
وروى محمد بن عبد الله الأنصاري، قال: حدّثنا شيخ من أهل مكة أنه رأى أبا هريرة يُسَبِّح بالنَّوَى المُجزّع،
وروى عِكْرِمَة أن أبا هريرة كان يسبّح كل يوم باثنتي عشرة ألف تسبيحة يقول أسبِّح بقدر دِيَتي،
وروى النَّخَعِيّ، أن أبا هريرة دخل الحمّام فقال: لا إله إلا الله،
وقال أبو عثمان النَّهْدِيّ: تضيفت أبا هريرة سبعًا، فكانوا يَعْتَقِبُون الليلَ أثلاثًا، ثُلُثًا هو، وثُلُثًا امرأته، وثلثا خادمه، قال: وقلت لأبي هريرة: كيف تصوم يا أبا هريرة؟ قال: أما أنا فإني أصوم من الشهر ثلاثًا، فإن حَدَثَ حَدَثٌ كنت قد قضيته، وروى شراحيل أن أبا هريرة كان يصوم الاثنين والخميس وقال إنهما يومان تُرفع فيهما الأعمال.
يروي أبو عطاف، أن أبا هريرة كان يقول: أَي رَبِّ لا أَزْنِيّن، أي ربّ لا أَسْرِقَنّ، أَيْ رَبِّ لا أكفُرَنّ، قيل له أو تخاف؟ قال: أمنت بِمُحَرِّفِ القلوب ثلاثًا،
وروى أبو الربيع قال: سمعت أبا هريرة يقول: إن هذه الكناسة مُهلِكةٌ دنياكم وآخرتكم.
روى سليمان بن أبي سليمان، عن أبيه قال: رأى أبو هريرة زِنجيّةً كأنها شيطان فقال: يا أبا سليمان، اشْتَرِ لي هذه الزنجية، فانطلقت فاشتريتها وهو على حمار معه ابنٌ له، فقال أبو هريرة لابنه: أَرْدِفْها خَلْفي، قال: فكره ابنه ذاك، فجعل ابنه يُزْجِيه ليخرجه من السوق، فقال: أَرْدِفها خلفي وَيْحَك، والله لَشُعْلَةٌ من نارٍ أجد مَسّها خلفي أحبّ إليّ من أن أرغب عن هذه ألاَّ أَحْمِلَها، إني لو انْتَسَبْتُ وانْتَسَبَتْ لم نُجاوز إلا قليلًا حتى نجتمع أردِفْها، فأردَفَها خلفَه، وأخرج البَيْهَقِيُّ في "المدخل" بسنده عن أبي هريرة قال: لقي كعبًا فجعل يحدثه ويسأله، فقال كعب: ما رأيتُ رجلًا لم يقرأ التوراة أعلم بما في التوراة من أبي هريرة.
وقد صحب أبو هريرة ــ رضي الله عنه ــ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم أربع سنين، روى ذلك دَاوُدَ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عن حميد الحِمْيَري قال: صحبت رجلًا صحبَ النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم أربع سنين كما صحبه أبو هريرة(*)،
وأخرج أَحْمَدُ، من حديث أبيّ بن كعب أن أبا هريرة كان جريئًا على أنْ يسألَ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم عن أشياء لا يسأله عنها غيره(*).
وأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا في كتاب "المُزَاحِ"، والزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فيه، عن سعيد، عن أبي هريرة أن رجلًا قال له: إني أصبحتُ صائمًا، فجئتُ أبي فوجدتُ عنده خبزًا ولحمًا، فأكلت حتى شبعت، ونسيتُ أني صائم، فقال أبو هريرة: الله أطعمك، قال: فخرجت حتى أتيتُ فلانًا فوجدتُ عنده لِقْحَة تحلب فشربتُ من لبنها حتى روِيت، قال: الله سقاك، قال: ثم رجعت إلى أهلي وثقلت فلما استيقظتُ دعوت بماء فشربته، فقال: يا ابن أخي، أنتَ لم تعود الصيام.
وكان أبو هريرة ــ رضي الله عنه ــ عاملًا علي البحرين في عهد عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ ثم عزله،
روى محمد بن سِيرين، عن أبي هريرة قال: قال لي عمر يا عدوّ الله وعدوّ كتابه أسَرَقْتَ مال الله؟ قال فقلتُ: ما أنا بعدوّ الله ولا عدوّ كتابه ولكني عدوّ مَن عاداهما، ولا سرقتُ مال الله، قال: فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف؟ قال قلتُ: يا أمير المؤمنين خيلي تناسلت وسهامي تلاحقت وعطائي تلاحق، قال: فأمر بها أمير المؤمنين فقُبِضَتْ، قال فكان أبو هريرة يقول: اللهمّ اغفر لأمير المؤمنين،
وفي رواية أخرى لمحمد بن سِيرِين، عن أبي هريرة قال: فأخذ مني اثني عشر ألفًا، قال: ثمّ أرسل إليّ بعدُ أن لا تعمل؟ قلتُ: لا، قال: لِمَ؟ أليس قد عمل يوسف؟ قلتُ: يوسف نبيّ ابن نبيّ فأخشى من عَمَلكم ثلاثًا أو اثنتين، قال: أفلا تقول خمسًا؟ قلت: لا، أخاف أن يشتموا عرضي ويأخذوا مالي ويضربوا ظهري، وأخاف أن أقولَ بغير حِلْم وأقضي بغير علم،
وروى إسحاق بن عبد الله أنّ عمر بن الخطّاب قال لأبي هريرة: كيف وجدتَ الإمارةَ يا أبا هريرة؟ قال: بعثتَني وأنا كاره ونزعتَني وقد أحببتُها، وأتاه بأربعمائة ألف من البحرين فقال: أظَلَمْتَ أحدًا؟ قال: لا، قال: أخذتَ شيئًا بغير حقّه؟ قال: لا، قال: فما جئتَ به لنفسك؟ قال: عشرين ألفًا، قال: من أين أصبتَها؟ قال: كنتُ أتّجِرُ، قال: انظر رأسَ مالك ورِزْقَك فخذه واجعل الآخر في بيت المال.
وروى الحكم، عن أبي جعفر قال: كان يكون مروان على المدينة فإذا خرج منها استخلف أبا هريرة، وقال أبو رافع: كان مروان ربّما استخلف أبا هريرة على المدينة فيركب حمارًا قد شَدّ عليه، قال عفّان: قُرْطاطًا، وقال عارم: بَرْذَعَةً، وفي رأسه خُلْبة من ليف، فيسير، فيلقى الرجل، فيقول: الطريقَ! قد جاءَ الأمير، وربّما أتَى الصبيانَ وهم يلعبون بالليل لعْبَةَ الغراب فلا يشعرون بشيء حتى يُلْقِي نفسه بينهم ويضرب برجليه فيفزع الصبيان فيفرّون، وربمّا دعاني إلى عشائه بالليل فيقول: دع العُراق للأمير، فأنظر فإذا هو ثَرِيدَةٌ بزيت.

وروى عطاء بن أَبي مروان الأَسْلَمِيّ، عن أبي هريرة أنّه سمعه وهو في مجلس أسلم، ومجلسهم قريب من المنبر، وأبو هريرة يخطب الناس، ثمّ التفت إلى مجلس أسلم فيقول: موتوا سَرَوات أسلم، موتوا ثلاث مرّاتٍ، يا معشر أسلم موتوا ويموت أبو هريرة،
وروى عُبَيْد بن بَاب قال كنتُ أصبّ على أبي هريرة من إداوة وهو يتوضّأ فَمَرّ به رجل فقال: أين تريد؟ قال: السّوق، فقال: إن استطعتَ أن تشتري الموتَ من قبل أن ترجع فافعل، ثمّ قال أبو هريرة: لقد خِفْتُ الله ممّا استعجل القَدَرَ، وروى حَبِيب بن أَبِي فَضَالة أنّ أبا هريرة ذكر الموت فكأنّه تَمنّاه فقال بعض أصحابه: وكيف تمنّى الموت بعد قول رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "ليس لأحدٍ أن يتمنى الموت لا برّ ولا فاجر، أمّا برّ فيزداد بِرًّا وأمّا فاجر فيَسْتَعْتِب"، فقال: وكيف لا أتمنى الموت وأنا أخاف أن تُدْرِكَني ستّة: التهاون بالذّنْبِ، وإمْرة السفهاء، وبَيْع الحِكَم، وتقاطع الأرحام، وكثرة الشُّرَطِ، ونَشَأٌ يَتَّخِذُونَ القرآن مزاميرَ(*).
وروى أبو سلمة بن عبد الرحمن أنّه دخل على أبي هريرة وهو مريض فقال: اللهمّ اشْفِ أبا هريرة، فقال أبو هريرة: اللهمّ لا تُرْجِعْني، قال: فأعادها مرّتين، فقال له أبو هريرة: يا أبا سلمة إن استطعتَ أن تموت فمُتْ، فوالذي نفس أبي هريرة بيده لَيُوشِكَنّ أن يأتي على العلماء زمنٌ يكون الموت أحبّ إلى أحدهم من الذهب الأحمر، أو ليوشكنّ أن يأتي على الناس زمانٌ يأتي الرجل قبرَ المسلم فيقول: وددتُ أني صاحب هذا القبر،

وروى أَبو المُهَزِّم، عن أبي هريرة أنّه كان إذا مرّت به جنازة قال: امضي فأنا على الأَثر، وروى عبد الرحمن بن مِهْران مولى أبي هريرة أنّ أبا هريرة لما حضرته الوفاةُ قال: لا تضربوا عليّ فُسطاطًا ولا تتبعوني بنار وأسرعوا بي إسراعًا فإني سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "إذا وُضِعَ الرجل الصالح أو المؤمن على سريره قال: قدّموني، وإذا وُضِعَ الكافر أو الفاجر على سريره قال: يا ويلتي أين تذهبون بي!"(*)،
وروى المَقْبُرِيّ عن أبي هريرة أن مروان دخل عليه في شَكْوِاه الذي مات فيه فقال: شفاك الله يا أبا هريرة! فقال أبو هريرة: اللهمّ إني أحبّ لقاءك فأحِبّ لقائي، قال فما بلغ مروان أصحاب القطا حتى مات أبو هريرة،

أبكي لبُعْد سفري وقلّة زَادي
وروى سَلْم بن بشير بن جَحْل قال: بكى أبو هريرة في مرضه فقيل له: ما يُبْكيك يا أبا هريرة؟ قال: أما إني لا أبكي على دنياكم هذه ولكنّي أبكي لبُعْد سفري وقلّة زَادي، أصْبَحْتُ في صَعُودٍ مَهْبِطُهُ على جَنّةٍ ونارٍ فلا أدري إلى أيّهما يُسْلَكُ بي،
وروى أَبو سَلَمَة قال: دخلتُ على أبي هريرة وهو يموت فقال لأهله: لا تُعَمّمُوني ولا تُقَمّصُوني كما صُنعَ لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وروى ثابت بن مِشْحَل قال: نزل الناس من العوالي لأبي هريرة وكان الوليدُ بن عُتْبة أميرَ المدينة فأرسل إليهم لا تدفنوه حتى تُؤذِنُوني، ونام بعد الظهر فقال ابن عمر وأبو سعيد الخُدْري، وقد حضرا: اخرجوا به، فخرجوا به بعض الظهر فانتهوا به إلى موضع الجنائز وقد دنا أذان العصر، فقال القوم: صَلّوا عليه، فقال رسول الوليد: لا يصلّى عليه حتى يجيءَ الأمير، فخرج للعصر فصلّى بالناس ثمّ صلّى عليه وفي الناس ابن عمر وأبو سعيد الخُدْري، وفي رواية: صلّى عليه الوليد بن عتبة وهو أمير المدينة ومروان بن الحَكَم يوم شهد أبا هريرة معزولًا من عمل المدينة،
وروى محمد بن هلال، عن أبيه قال: شهدتُ أبا هريرة يوم مات وأبو سعيد الخُدْري ومروان يمشيان أمام الجنازة،
وروى عبد الله بن نافع، عن أبيه، قال: كنتُ مع ابن عمر في جنازة أبي هريرة وهو يمشي أمامها ويُكْثِرُ الترحّم عليه ويقول: كان مِمّن يحفظ حديث رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على المسلمين،
وروى محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفّان قال: لمّا مات أبو هريرة كان ولد عثمان يحملون سريره حتى بلغوا البقيع حفظًا بما كان من رأيه في عثمان،
وقال ثابت بن مِشْحَل: كتب الوليد بن عتبة إلى معاوية يُخْبرُه بموت أبي هريرة فكتب إليه: انظر من ترك فادفع إلى وَرَثَتِه عشرة آلاف درهم وأحْسِنْ جِوارَهم وافعل إليهم معروفًا فإنّه كان مِمّن نصر عثمان وكان معه في الدار فرحمه الله،
وقال محمد بن عمر: كان أبو هريرة ينزل ذا الحُليفة وله دار المدينة تصدّق بها على مواليه فباعوها بعد ذلك من عمر بن بَزِيع.

توفّي
ــ رضي الله عنه ــ سنة تسعٍ وخمسين في آخر خلافة معاوية بن أبي سفيان؛ قاله الواقدي، وأبو عبيد، وغيرهما، وكان له يومَ توفّي ثمان وسبعون سنة، وهو الذي صلّى على عائشة زوج النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم في شهر رمضان سنة ثمانٍ وخمسين، وهو الذي صلّى على أمّ سَلَمة زوج النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم في شوّال سنة تسعٍ وخمسين، وكان الوالي على المدينة حينئذٍ الوليد بن عُتبة، فركب إلى الغابة وأمر أبا هريرة يصلّى بالناس، فصلّى على أمّ سلمة في شوّال ثمّ توفي أبو هريرة بعد ذلك في هذه السنة،
وقال هشام بن عروة: توفي أبو هريرة سنة سبع وخمسين، وقيل: سنة ثمان وخمسين، وقد تردد البخاري فيه فقال: مات سنة سبع وخمسين، وكانت وفاته ــ رضي الله عنه ــ بقَصْره بالعقيق، فحُمِل إلى المدينة.



منقول بتصرف


الساعة الآن 08:27 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى