![]() |
المثل الحادي عشر: إنفاق الكفار
يقول الله في الآية 117 من سورة آل عمران:﴿ مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾. في هذه الآية يمثّل القرآن بذل الكفار بزراعة كافر في أرض خصبة، فهو ينثر فيها البذر، إلاَّ أن مجيء ريح بارد وجاف يجفّف ما زرعه وأنبته هذا الكافر في هذه الأرض. ﴿مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ يعتقد بعض المفسرين أنّ كلمة النية أو الدافع مقدرة هنا، وهي توضّح هذا الجزء من الآية. وبهذا التقدير يصبح معنى الآية كالتالي: أنّ نية هكذا إنفاق ودافعه كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم، فكما أنَّ هذا الريح يدمر الحرث، كذلك النية هذه فانّها تدّمر هذا الانفاق. ﴿كَمَثَلِ رِيْح فِيْهَا صِرٌّ أصَابَتْ حَرْثَ قَوْم ظَلَمُوا أنْفُسَهُم فأهْلَكَتْه﴾ إنَّ مفردة الصر بالعربية تعني ريحاً شديد البرد، أو ريحاً شديد الصوت ، على أي حال، المراد من هذه الكلمة هو الريح الشديد الذي يحرق حتى بعض الغابات الكبرى أحياناً.وسبب هذا الحريق - كما نسمع من المختصين - هو الصواعق والرعد والبرق، وقد يكون هناك إعصار شديد تحتك بسببه بعض الاشجار اليابسة - التي تدّخر في نفسها طاقة - فتتولد قدحة تشعل النار، فيحصل الحريق. وعلى هذا، فإنَّ مثل انفاق الكفّار كمثل المزرعة التي تواجه ريحاً شديدة تُضرم النار فيها. ﴿َمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ ولكِنْ أنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ وذلك لأنّ ما يترتب على فعلهم لم يكن ظلماً من الله بل كان ذلك كله بسبب سوء نواياهم وعدم صدقها. إنَّ المزارع الذي يتعمّد الزرع في أراض تقع في مسير الرياح الشديدة والباردة، إذا تلفت زراعته إثر هبوب الرياح فذلك ظلم أورده بنفسه على نفسه |
المثل الثاني عشر: الكفر والإيمان
http://www.almaaref.org/uploaded/maqpic/12.jpgيشير الله تعالى إلى هذا المثل في الآية 122 من سورة الأنعام، حيث يقول: ﴿أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورَاً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِج مِنْهَا كَذَلك زُيِّنِ لِلْكَافِريِنَ مَا كَانُواَ يَعْمَلُونَ﴾. في الآية مثلان كلاهما عن الكفر والايمان . شبّه القرآن الإيمان في المثل الأول بالحياة، والكفر بالموت. وفي المثل الثاني شبّه الله الايمان بالنور والكفر بالظلمات. وذُكر شأنان لنزول الآية: 1- نزلت الآية في حمزة العم الجليل لرسول الله صلى الله عليه وآله وفي أبي جهل العدوّ اللدود للرسول صلى الله عليه وآله. إنّ حمزة لم يؤمن في صدر الإسلام، وقد يكون ذلك تأنياً منه لدراسة الدين الجديد بشكل افضل، فهو في صدر الإسلام سلك سبيل السكوت تجاه الدعوة. أما أبو جهل فكان يؤذي الرسول دائماً بشكل وآخر وكان يضع أمام الرسول العقبات لأجل إيذائه. في يوم كان حمزة قد ذهب للصيد، وفي نفس اليوم كان أبو جهل قد آذى الرسول بشدة بحيث تأثر من جراء ذلك حتى عبدة الأصنام، وقد وصل خبر إيذاء الرسول صلى الله عليه وآله لحمزة بعد أن قدم من الصيد، فذهب إلى أبي جهل وضربه على أنفه بحيث رعف أنفه دماً، ورغم ما كان لأبي جهل من قوم وأنصار، إلاّ أنه هاب حمزة، ولم يصدر منه أي ردّ فعل، وفي هذه الاثناء استسلم حمزة. إنّ الآية نزلت هنا، وكأنها تريد القول: إنَّ حمزة حيى عندما أسلم، وبذلك تنوَّر قلبه، عكس ما كان عليه ابوجهل في تورّطه بالظلمات، وأنَّ تعصبه ولجّه حال دون الخروج منها. الكفار يعتقدون بصحة أعمالهم ورفعة شأنها رغم أنهم يزدادون كل يوم غطساً في طين الشقاء والكفر. 2- الشأن الآخر هو أنَّها نزلت في عمار بن ياسر وأبي جهل. إنّ عمار من الشباب الشجعان ومن أوائل الذين أسلموا ونوروا قلوبهم بالايمان، فهو من أنصار رسول الله صلى الله عليه وآله، وأصبح نصيراً للإمام أمير المؤمنين عليه السلام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله، وقد استشهد في صفين. عندما أسلم هذا الشاب ذمّه الكثير من المشركين، منهم أبو جهل، وقد تعرّض آنذاك لأنواع من العذاب. ومن هنا قيل: إنَّ الآية نزلت في إيمان عمار وكفر أبي جهل، باعتبار أنَّ عمار قبل الإسلام كان ميتاً وحيى بعد الإسلام وتنوّر قلبه به، أما أبو جهل فظل في وادي الظلمات باصراره على الكفر ولجه في ذلك، ولا أمل له في النجاح والسعادة; لأنَّه كان يعتبر أعماله القبيحة حسنة. ولا شك في أنَّ المراد من الحياة في الآية الشريفة هو الحياة الإنسانية، أي أنَّ حمزة أو عمار أو أي شخص آخر يحيى إذا ما أسلم، فتظهر فيه علائم الحياة الإنسانية، أي العلم والمعرفة والاخلاق والايمان والحب والارادة. ومن هنا كان امثال عمار وحمزة والشهداء في سبيل الله أحياء وأمّا أمثال أبي جهل فأموات غير أحياء . |
المثل الثالث عشر: شرح الصدر
يقول الله تعالى في المثل الثالث عشر من أمثال القرآن في الآية 125 من سورة الأنعام: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أنْ يَهْديَهُ يَشْرَحُ صَدْرَهُ لِلأسْلاَمِ وَمَنْ يُرِدْ أنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجَاً كَأنّمَا يَصَّعَّدُ فِي السِّمَاء ...﴾. إنَّ الآية الشريفة في صدد بيان الأرضيات الروحية للناس لقبول الحق. والمستفاد من هذه الآية، أنَّ الناس يختلفون من هذه الحيثية، فبعض من الناس بمجرد أن يواجه الإسلام يتلقاه ويحتضنه، وذلك لطهارة روحه و نورانية قلبه، ولأجل ذلك يشرح الله صدوره. وفي قبال هذا البعض، هناك البعض الذي لا يتأثر بالقرآن حتى لو قرأته كله عليه، وذلك لأنه يفقد الأرضية اللازمة لقبول الحق، فيجعل الله صدر هذا ضيّقاً ومظلماً. ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَح صَدْرَهُ للأِسْلاَمِ﴾ والعبارة الاخرى لشرح الصدر هي توسيعه بحيث يجعله مؤهلا وقابلا لاستقطاب الحق والحقيقية. ﴿وَمَنْ يُرِدْ أنْ يُضِلّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيّقاً حَرَج﴾ والعبارة الاخرى لضيق الصدر هي سلب القدرة والطاقة عن القلب بحيث يختل توازنه الفكري لأصغر مشكلة وأتفهها. ﴿كَأنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ...﴾ أي أنَّ ضيق الصدر يصل إلى مستوى وكأنه يحلق إلى السماء بدون وسيلة، كما أنّ تحليقاً من هذا النوع محال بالنسبة إلى الإنسان، كذلك تحّمل الضيق والظلمة بالنسبة لهؤلاء، فهم لا يطيقون ذلك. إنَّ الله يجعل هكذا ظلمة وكفر في قلوب غير المؤمنين . |
المثل الرابع عشر: المبدأ والمعاد
يقول الله تعالى في المثل الرابع عشر من امثال القرآن الجميلة في الآية 57 من سورة الأعراف:﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ َ﴾. جاءتنا الآية بخطابين مصيريين، هما صدر الآية الذي تضمّن التوحيد ومعرفة الخالق وببرهان مقنع على المبدأ، وذيل الآية الذي تضمّن مثلا جميلا أشار به إلى عالم الآخرة والمعاد. أهمية المبدأ والمعاد إن المبدأ والمعاد من المسائل المهمة جداً والتي طرحت في القرآن بشكل واسع بحيث اختص ما يقرب الالفين من الآيات (أي ثلثا القرآن) بالمعاد، كما أن ثلث الآيات اختصت بموضوع المبدأ. وهذا الأمر يكشف عن أهمية المبدأ والمعاد. إنّ القضايا التي تناولتها الآيات هي من قبيل العدل الإلهي والجنة والنار، ودفتر الاعمال وتجسّم الأعمال والمعاد الجسماني وثمار الجنة وغير ذلك. وسر الاهتمام البالغ بالمعاد واضح، من حيث أنَّ الإنسان لا يمكنه أن يقع في طريق السعادة ولا يمكنه أن يخطو في هذا الطريق إلاَّ أنْ يكون معتقداً بالأصلين المهمين، الأول: هو المبدأ أو التوحيد والثاني: هو المعاد أو رجوع الإنسان إلى الله. إنّ الإعتقاد بالله يعلِّم الإنسان أنَّ الله يراقبه في كل زمان ومكان . والمعاد من وجهة نظر القرآن جسماني وروحاني، أي أنَّ جسم الإنسان يحشر يوم القيامة كما تحشر روحه. وبعبارة أُخرى: أنَّ روح الإنسان تكون مشمولة لنعم الله ونقمه، كما هو الحال بالنسبة إلى جسمه، وذلك هو مقتضى العدل الالهي، فكما أنَّ الإنسان بجسمه وروحه عمل خيراً أو شراً، ففي القيامة ينبغي أن ينال كلٌّ من الروح والجسم نصيبه وجزاءه من العمل الدنيوي من ثواب أو عقاب. إنَّ ما أثار دهشة وإعجاب منكري المعاد في صدر الإسلام هو القول بالمعاد الجسماني لا الروحاني; وذلك لأنَّ عقل أكثر الناس في عيونهم فيصدقون ما يرون ويكذبون ما لم يروا. من هنا كان يسأل منكرو المعاد: كيف يمكن أن يحيى الإنسان بعد ما تبدل إلى تراب بعد الموت بحيث يتعذّب يوم القيامة؟ فأجابهم الله على شبهتهم هذه في الآيتين 7 و 8 من سورة سبأ حيث قال: ﴿قَالَ الَّذينَ كَفَرُوا هَلْ نُدُلُّكُمْ عَلَى رَجُل يُنَبِّئُكُمْ إذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّق إنَّكُمْ لَفِي خَلْق جَدِيد افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً أمْ بِهِ جنّةٌ بَلِ الَّذينَ لاَ يُؤمِنُونَ بالآخِرةِ فِي العَذَابِ والضَّلالِ البَعِيْدِ﴾. لقد تمسك القرآن المجيد بالمثل لاثبات المعاد الجسماني والروحاني، كما هي سيرته في تفهيم المطالب لمخاطبيه. وقد أفاد هنا من ثلاثة أمثال: 1 - التمثيل بالنباتات وتشبيه الحياة بعد الموت بإحياء النباتات بعد موتها. 2 - التمثيل بالمراحل الجنينية لخلق الإنسان حيث تبدأ حياته بنطفة صغيرة تنمو كل يوم، ويُعدُّ كل يوم من هذه المراحل حياة جديدة لهذا الجنين. 3 - التمثيل بنوم أصحاب الكهف، فإنَّ نومهم كان بمثابة الموت، ويقظتهم كانت بمثابة الحياة الجديدة بعد سنوات عديدة. كيف يمكن لشخص أن يستيقظ من النوم سالماً بعد أكثر من ثلاثمأة سنة دون أن يأكل أو يشرب خلال هذه الفترة؟ حسب ما أقرته الآية، انَّ أصحاب الكهف ناموا مدّة مليون يوماً، وخلال هذه الفترة لم يتناولوا شيئاً من الطعام أو الماء رغم هذا استيقظوا سالمين، مع أنَّ الإنسان العادي لا يستطيع العيش لأكثر من يومين أو ثلاثة دون أكل وشرب. من عجائب خلق الإنسان هو قلبه، فان ضرباته تصل إلى مأة الف ضربة في اليوم. وإذا اعتبرنا عمر الإنسان العادي سبعين عاماً، فإنَّ عدد ضربات قلبه ستصل إلى 250 مليون ضربة (عَجَباً لِحِكْمَةِ اللهِ)! إنَّ قلب الإنسان كاف لأجل معرفة الله ولأن يقرّ الإنسان بعظمة الخالق ويخضع له ... وعليه، فاذا كانت أجسام أصحاب الكهف تعيش بالأغذية التي تناولتها قبل النوم ولمدة مليون يوماً، فإنَّ على قلوبهم أن لا تدق في اليوم الواحد أكثر من مرّة واحدة. وعلى هذا، فإنَّ أصحاب الكهف كانوا أشبه ما يكونون بالموتى، أحياهم الله بعد أكثر من ثلاث مأة عام. واذا كان الله قادراً على أن يوقظ أناساً بعد مليون يوم من النوم، فكيف لا يمكنه أن يُحيي الموتى! لهذا يصرّح الله في ذيل آية أصحاب الكهف بالحديث التالي: ﴿وَلِيَعْلَمُوا أنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ﴾. وفي المثل الذي نحن بصدده قالت الآية: هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ...) أي أنَّ الله يُرْسِله كبشرى لنزول الغيث; وذلك لأن السماء تتهيّأ للمطر بواسطة الرياح. ﴿حتَّى إذَا أقَلّتْ سَحَاباً ثِقَالا...﴾ أي تستمر الرياح حتى تجتمع الغيوم ويتراكم فيها الماء. إنّ الله يُرسل الرياح ليجمع بها الغيوم الممطرة في المدن والبلاد الميتة فيحييها ويحيي أراضيها. ﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ...﴾ فإنَّ المَطر هو الذي يثمر الاشجار ويمنحها القدرة على انتاج الفواكه. ﴿كَذَلك نُخْرِجُ المَوْتَى لَعلَّكُم تَذكَّرُون﴾ أي أنَّ الله يحيي الموتى يوم القيامة مثلما يحيي الأشجار والاراضي الميتة. وفي نهاية الآية يعتبر الله التذكّر وتوعية الناس هو فلسفة المثل حيث قال: لَعَلَّكُم تَذَكّرُونَ |
المثل الخامس عشر: البلد الطيّب
يقول الله في مثله الخامس العشر، في الآية 58 من سورة الاعراف:﴿وَالبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بإذْنِ رَبِّهِ وَالّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إلاَّ نَكِداً كَذَلك نُصَرِّفُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ﴾. إنَّ هَذه الآية الشريفة التي جاءت مباشرة بعد المثل الرابع عشر هي في الواقع استمرار لبحث المعاد وجواب عن سؤال مقدّر قد تتداعى معانيه في أذهان البعض. إنّ الآية الشريفة جواب لسؤال مقدّر يمكن أن يتداعى في ذهن الذي يلتفت إلى الآية السابقة، وهو: إذا كان الماء واحداً والهواء واحداً والتراب واحداً فلماذا تنبت الزهور والنباتات في بعض البقاع، وتنبت الأدغال والأشواك في البعض الآخر؟ وإذا كان وابل الرحمة الإلهية يصبُّ على القلوب جميعاً بشكل متساو، فكيف أنَّ بعض القلوب تهتدي وتكون مصداقاً للبلد الطيّب وبعضها الآخر يكون مصداقاً للبلد الخبيث، لأنها ظلّت ولم تهتدِ؟ إنّ الآية في صدد الأجابة على هذا السؤال، حيث تقول: ﴿وَالبَلَدُ الطَّيِّبَ يَخرُجُ نَبَاتُهُ بإذنِ رَبِّه﴾ فإنَّ التربة الطاهرة وغير المالحة تكون مناسبة ولائقة وتُخرج باذن الله نباتات مناسبة وجيّدة، كذلك القلوب المستعدة والطاهرة ينمو فيها الثمار الحلو من الاخلاص والصفاء، ذلك كله بوحي من الله. ﴿والَّذي خَبُثَ لا يَخْرِجُ إلاَّ نَكِداً﴾ فإنَّ الأرض غير المناسبة لا تنبت إلاّ النكد. والنكد يعني الإنسان البخيل، ويُطلق على النباتات غير المفيدة التي تنمو في الأراضي المالحة. فكما أنَّ البخيل لا يصل نفعه إلى غيره، كذلك الأراضي المالحة لا يخرج منها الشيء المفيد ولا ينتفع بها أحد. ﴿كَذَلك نُصَرِّفُ الآياتِ لِقَوْم يَشْكُرُونَ﴾ أي أنا نبيّن آيات الله للناس بعبارات وأمثله بسيطة ليستفيدوا منها ويشكروا ربّهم عليها. وعلى هذا، فلا اشكال على وابل الرحمة الإلهيّة ولا على الوحي السماوي; وذلك لأنَّ هذين الرحمتين تنزلان على القلوب كلها بشكل متساو، واذا كان هناك قصور أو تقصير فمن نفس القلوب والأراضي ذاتها، فإنَّ بعض الأراضي غير مستعدة وغير مؤهّلة لنمّو النباتات فتنمو فيها الأشواك والأدغال فحسب، كذلك بعض القلوب فإنَّها غير مؤهلة للهداية وترى نفسها في غنى عن الوحي الإلهي. ففي هذا المثل شُبِّه الوحي الإلهي هنا بالغيث، باعتباره ينزل على جميع القلوب، لكن لا يستفيد منه إلاّ ذلك البعض الذي يكون مصداقاً للبلد الطيّب، أي يحضى بقلب طاهر، وتكون ثمار هذه الاراضي الطاهرة هي الاخلاق الحسنة والايمان القوي والشوق إلى أولياء الله، والاخلاص في العمل، والعمل بما تستدعيه الوظيفة و... وفي مقابل هؤلاء هم الكفّار الذين قلوبهم تشبه الأراضي الملوّثة التي لا تستفيد من المطر شيئاً |
المثل السادس عشر: العالم المنحرف
يقول الله تعالى في الآيات 175 و 176 من سورة الأعراف في مثله السادس عشر: ﴿واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ الَّذي آتَيْنَاهُ آياتِنَا فانْسَلَخَ مِنْهَا فأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلكنَّهُ أخْلَدَ إلى الأرْضِ واتَّبَع هويَهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَث أوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَلك مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بآيَاتِنَا فاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ﴾. الحديث في الآيات الثلاث عن العالم الذي كان في الطريق الصواب والصحيح وبلغ في هذا الطريق مقامات رفيعة، إلاّ أنّه تدريجياً انحرف وطُرد من الساحة الربانية، فيشبّه الله هذا العالم بالكلب ليعتبر الآخرين منه. ﴿واتْلُ عَلَيْهِم نَبَأ الَّذي آتَينَاهُ آياتِنَ﴾ يطلب الله من الرسول أن يحكي للأصحاب قصة ذاك العالم. المراد من الآيات هو أحكام التوراة ومواعظها، فإنَّ هذا العالم كان عالماً باحكام التوراة ومواعظها، كما كان عاملا بها. ويعتقد البعض أنَّ المراد من الآيات هو الاسم الأعظم، ولهذا كان بلعم بن باعورا مستجاب الدعوة وكان صاحب نفوذ وجاه رفيع في المجتمع. ﴿فانْسَلَخَ مِنْهَا فأتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِيْنَ﴾ إنَّ مادة السلخ تعني نزع جلد الحيوان، ولذلك قيل لمن ينزع جلد الخروف سلاّخاً. إلاّ أنَّ كلمة (فاتبعه) لها معنيان: ألف- تعني تبع ولحق، أي أنَّ الشيطان جعل العالم تبعاً له. باء- أنّ الشيطان اتّبع هذا العالم، بعبارة اخرى: أنّه سبق الشيطان في الضلالة، وتجاوزه مهارة في هذا المجال. مثله مثل ذلك الشخص الذي كان يفعل عملا قبيحاً جداً بطريقة جديدة وكان يلعن الشيطان دائماً على فعله هذا، فظهر له الشيطان وقال: اللعن عليك لا عليَّ، لأني رغم مهارتي في الشيطنة ما كنت أعلم بهذه الطريقة، بل انت الذي علمتني إياها. وعلى هذا، فالآية تعني أنّ بلعم بن باعورا خُلِّي من آيات الله، وانسلخت هذه الآيات عنه رغم أنَّه كان يحيط بها جميعاً، لكنها انسلخت واتّبع الشيطان، أو أنَّ الشيطان اتّبعه، وكانت عاقبته الشر والشقاء فكان في عداد الاشقياء والضالين. ﴿وَلَو شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أخْلَدَ إلَى الأرْضِ واتّبَعَ هَوَاهُ﴾ أي أنا لو أردنا إجباره على البقاء على الحق لفعلنا لكنّا تركناه لنرى ما يفعل باختياره وإرادته، وذلك لأنَّ في الإسلام الاختيار لا الاجبار، ﴿إنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إمَّا شَاكِرًاً وإمَّا كَفُورَ﴾ الإنسان/3.فالله يستطيع أن يجعل جميع الاعمال من قبيل الحج والصوم والصلاة جزءاً من غرائز الإنسان، كما جعل الأكل والشرب، لكنّه لم يفعل ذلك، بل خلق الإنسان حراً ومختاراً ليكون هناك هداية وتكامل وتقدّم واختبار وثواب وعقاب و... ولكي لا تفقد هذه المفاهيم معانيها. وفي النهاية يكون معنى الآية هو: أنّا تركنا بلعم بن باعورا إلى نفسه، إلاّ أنَّ هذا العالم المنحرف - الذي سبق وأن كان مبلغاً قوياً لموسى عليه السلام - تبع الهوى والهوس حباً للدنيا وحسداً من موسى عليه السلام وانجذاباً بوعود فرعون، وكان عاقبته الطرد من الساحة الربانية. وعلى هذا، فإنَّ شيئين كانا سبباً لسقوط بلعم بن باعورا هما: أوّلا: حبّ الدنيا والميل إلى فرعون. وثانياً: الهوى واتباع الشيطان. ﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إنْ تَحْمِل عَلَيْهِ يَلْهَثْ أوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾، إنَّ الكلاب عادة ذات منفعة متعارفة يستفيد منها الإنسان ولذلك يصح اجراء معاملة عليها في الفقه الإسلامي، إلاّ أنَّ بعض الكلاب تكون مسعورة دائماً إثر ابتلائها بداء الكَلَب، وهو مرض يجعلها تلهث دائماً وتصيح، وتفرز سماً، وإذا عضت الإنسان يمكن أن تؤدي هذه العضة إلى موته أو ابتلاءه بالجنون. والكلاب تُعد حينئذ فاقدة للقيمة لا تُجرى معاملة عليها، لأنَّها تفقد الفائدة اضافة إلى ما فيها من مضايقة للآخرين. علائم هذا المرض في الكلاب هو أنَّها تفتح فمها وتحرك لسانها دائماً، وذلك لتخفِّف من الحرارة الداخلية التي تشعر بها، وحركة اللسان عندها بمثابة المروحة التي تدفع بالهواء لتبرّد الجسم. ومن علائمه أيضاً العطش الدائم... وعلى كل حال يكون هذا الكلب مهاجماً. والقرآن بمثله الجميل هذا يشبِّه العالم المنحرف بالكلب الذي يفقد القيمة ويحمل أخطاراً كثيرة... فحب الدنيا والهوى والهوس يُحرف العالم ويفقده البصر والبصيرة بحيث يصبح لا يميز صديقه عن عدوّه. ﴿ذَلك مَثَلُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أي أنَّ هذا مثل المجتمعات التي كذّبت بآيات الله فاقصص - أيها النبيّ - على الناس وبخاصة اليهود والنصارى هذه القصص ليعتبروا منها، ولكي يعلموا أنَّهم إذا كذّبوا بايات الله فإنَّ مصيرهم سيكون كمصير بلعم بن باعورا. |
يقول الله تعالى في الآيات (107 - 109) من سورة التوبة: ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لاَ تَقُمْ فيه أبَدَاً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلى التَّقْوَى مِنْ أوّلِ يَوْم أحَقَُّ أنْ تَقُومَ فيهِ فيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾. إنَّ الآيات الثلاث التي تعتبر المثل السابع عشر للقرآن تحدثت عن مسجد ضرار الذي اسّسه أعداء الدين لأجل مواجهة الدين الجديد واعتبروه متراساً ومرصداً محكماً لهم لمواجهة الدين بالدين. ﴿والّذِيْنَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَارَاً وَكُفْرَاً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ المُؤمِنِينَ وإرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْل﴾. نعم إنّ جبرئيل عليه السلام نزل على الرسول مانعاً إياه عن الصلاة في هذا المسجد; وذلك رغم أنَّ ظاهره للعبادة، لكن واقعه معبد للأصنام ومركز للتآمر ضدّ المسلمين، فالآية هنا بيّنت أربعة أهداف من وراء بناء هذا المسجد. 1 - ﴿ضِرَارَاً﴾ إي أنَّ مؤسسي هذا المجسد كانوا يستهدفون الإضرار بالمسلمين من خلاله وذلك بجعله متراساً لأعداء الإسلام. 2 - ﴿كُفْر﴾ إنّ الهدف الآخر لهم من وراء بناء هذا المسجد هو تقوية أسس الكفر، والمسجد دوره هنا كمركز لدعم الشرك والكفر. 3 - ﴿تَفْرِيقَاً بَيْنَ المُؤْمِنِينَ﴾ الهدف الآخر لهم وهو من أخطر الاهداف عبارة عن إيجاد الفرقة بين المسلمين، واستهلاك الطاقة الموحدة التي يمتلكونها، في النزاعات فيما بينهم، الأمر الذي يُضرّ بالاطراف الإسلامية المتنازعة أكثر من اضراره في شيء آخر، وهذا مبدأ يحكم جميع الاختلافات. 4 - ﴿إرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْل﴾ إي إعداد مركز للاعداء في قلب الدولة الإسلامية، الأعداء الذين يكنون العداء لله ورسوله من ذي قبل. ﴿وَلاَ تَقُمْ فِيهِ أبَدَ﴾ والرسول (صلى الله عليه واله) لم يقم فيه ولم يصلّ فيه أبداً. ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أوَّلِ يَوْم أحَقُّ أنْ تَقُومَ فِيْهِ﴾ أي أنَّ مسجد ضرار ليس محلا مناسباً لعبادة الله الواحد، والمسجد المؤهل لذلك يتسم بالسمات التالية: 1 - أن يكون أساس تأسيسه هو الإيمان والتقوى، وهذا القسم من الآية يعلمنا أن يكون أساس تأسيس مراكز مثل الحسينيات والمدارس الدينية والسياسية والاقتصادية والادارية هو الايمان والتقوى، فهما روح الأعمال. 2 - السمة الاخرى هي أن يكون الحضور من المتقين والطاهرين; وذلك لأن المصلين في المسجد يعدون معرّفاً للمسجد. إن السمتين حاصلتان في مسجد قبا، فقد كان أساس تأسيسه الإيمان والتقوى، كما أنّ مصليه كانوا من المؤمنين عكس ما كان في مسجد ضرار فلا أساسه كان يعتمد الإيمان والتقوى ولا حضوره كانوا من المؤمنين. ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَه عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوان خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرْف هَار﴾. (الشف ) يعني الطرف من كلّ شيء، واطلقت هذه المفردة على شفاه الفم لأجل ذلك. (الجرف) يعني الجنب فجرف الشيء أي ما يجانبه ولذلك اطلق على شاطئ النهر جرف. (هار) يطلق على الشيء الآخذ بالسقوط. إنَّ النهر قد يفرغ جرفه من الداخل ليصبح الجرف أجوف، والإنسان الذي لا يعلم بذلك قد يقدم على المشي على هذا الجرف فيسقط فيه ويغرق. الله تعالى يشبّه بناء مسجد ضرار ببناء على جرف نهر، والجرف لا يشرف على ماء النهر، فانّ ذلك قد لا يؤدي بالإنسان إلى موته وهلاكه الحتمي لانه قد يكون عارفاً بالسباحة، بل إنَّ هذا الجرف مشرف على جهنّم ذاتها بحيث إذا سقط إنسان فيه فذلك يعني هلاكه الكامل وانتفاء احتمال نجاته. وهل الإنسان إذا كان عاقلا يرضى باقامة بنيانه في أرض رخوة كهذا الجرف ويتحمل ما فيه من مخاطر؟ نعم; إنَّ المسجد الذي أساسه التقوى ورضاء الله فبناؤه يكون محكماً جداً ولا يؤدي بالإنسان إلاّ إلى النجاة، أمَّا المسجد الذي يؤسّس على أساس الكفر والشرك ويكون مقراً للأعداء فهو بدرجة كبيرة من الخطورة ويؤدي بالإنسان إلى السقوط. وحسب ما تذكر الآية إنه سقوط في جهنّم . |
المثل الثامن عشر: الدنيا العابرة
يقول الله تعالى في الآية 24 من سورة يونس: ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ الحديث في المثل عن الحياة الدنيا العابرة، والتذكير بها خوف أن يغتر الإنسان بظاهرها الخلاّب ويتعلّق بها، فإنَّ الإنسان قد يفقد كل شيء في وقت يتصوّر أنّ كل شيء قد تهيّأ وأُعد لصالحه. ويدعو الله في نهاية الآية الإنسان للتفكير لعلّه ينقذه ويجد لنفسه من خلاله مخرجاً. ﴿إنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ استخدمت عبارة (الحياة الدنيا) ما يقرب السبعين مرة في القرآن، والدنيا قد تعني أحد المعنيين التاليين: ألف - أن تعني القرب، ودنيا مؤنث (أدنى)، وذلك باعتبار أن الحياة الدنيا أقرب قياساً للحياة الآخرة التي هي بعيدة نسبياً. باء - أن يراد منها السافلة أو التافهة، ومنها اطلاق (الدني) على الإنسان الساقط والسافل. وباعتبار أنَّ الحياة الدنيا حياة تافهة وتفقد القيمة الكافية فهي حياة دنيا عكس ما عليه الحياة الآخرة فإنَّها عليا وتمتاز بالقيمة المتفوّقة. هذا، اضافة إلى أنَّه يستفاد من آيات قرآنية مثل الآية التالية: ﴿وإنّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوَان﴾. العنكبوت/ الآية 64. أنَّ الحياة هي الحياة الآخرة فحسب، أمّا الدنيا فهي لا تستحق من الحياة إلاّ الاسم، بل هي موت تدريجي! على كل حال، فإنَّ الحياة الدنيا إمّا أنّها حياة لا قيمة لها، أو أنّها ليست حياة بالكلية. ﴿كَمَاء أنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فاخْتَلَطَ بِهَ نَبَاتُ الأرْضِ﴾ أي مثل هذه الحياة العابرة كمثل الماء الذي ينزل من السماء بقطراته الشفافة والفاقدة للون، وباختلاطه بالأرض تنمو نباتات ومحاصيل متنوّعه. المراد من الاختلاط في الآية هو تنوّع النباتات. إنّ النباتات على ثلاثة أقسام: 1 - القسم الذي يشكل الأغذية للإنسان مثل الفواكه والخضروات والحبوب ﴿مِمَّا يَأكُلُ النَّاس﴾. 2 - القسم الذي يشكل أغذية للحيوانات ﴿مِمّا يَأكُلَ الأنْعَام﴾ وهي قد تشترك - نوعاً ما - بين الحيوان والإنسان كالاشجار التي يستفيد الإنسان من ثمارها، والحيوان يستفيد من أوراقها وغصونها. وقد تكون خاصة بالحيوانات مثل العلف. 3- القسم الآخر هو النباتات والأشجار التي تزيّن الطبيعة مثل الأزهار والحشائش الاخرى ﴿حَتَّى إذا أخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا وازيَّنت وَظَنَّ أهلُهَا أنَّهُم قَادِرُونَ عَلَيْها﴾ أي في الوقت الذي هطل فيه المطر وأثمرت الاشجار وحان الوقت لجني الثمار في هذا الوقت تحدث حادثة وتخلبط كل حسابات الإنسان وتحول دون جنيه ثمار ما زرع. وهذا أمر مؤلم لمن تعلّق بالدنيا. ﴿أتَيها أمْرُنَا لَيْلا أو نَهَارَاً﴾ نعم، في الوقت الذي يرى الإنسان أن الدنيا أقبلت عليه وكشفت عن وجهها الخلاب والخادع، ويجد أنَّ كل شيء حسب ما يرام، في هذا الوقت يصدر أمر الله بالعذاب ليلا أو نهاراً لتتدمر بذلك كل الآمال والزحمات، بحيث تبدو الدنيا لم تكن شيئاً مذكوراً. إنّ كلمة "أمْرُنَا" في الآية الشريفة تدعونا للدقة والتأمل الوافر من حيث إنّها تضمُّ موارد ومصاديق كثيرة وتشمل كل أنواع العذاب الذي يصدر من الله. نشير إلى بعض من تلك المصاديق. 1 - قد تؤمر مجموعة من الحيوانات تبدو كأنها ضعيفة مثل الجراد، فتؤمر الجراد لتهجم على مزرعة بشكل كتلة، لم تبقِ منها شيئاً إلاّ أكلته أو دمرته، كما يحصل ذلك بين الحين والآخر في بعض الدول. 2 - وقد يلقى هذا الأمر على عاتق السموم من الرياح، فيؤمر بتنفيذ مهمة العذاب الإلهي، وهو عندما يمرّ بشيء يسمّه ويجفّفه، بحيث إذا مرّ من مزرعة أبدلها إلى رماد يذهب مع الريح. 3 - وقد يتكفل بتنفيذ المهام الإلهية موجود هو أخطر من ريح السموم، مثل الصاعقةالتي تدمّر كل شيء تصطدم به مثل الجبال والاشجار والانعام والناس، أو مثل موجودات أخرى . هناك نقطة مثيرة تضّمنتها عبارة ﴿لَيْلا أوْ نَهَارَاً﴾ وهي أنَّ الإنسان لا خيار له غير التسليم والخضوع للعذاب الإلهي. ولا يفرق في ذلك الليل والنهار ولا يتصّور أن الإنسان سوف يخضع للعذاب في الليل باعتباره مسلوب القدرة آنذاك، بل انَّ العذاب إذا نزل سيستسلم له الإنسان سواء كان نازلا في الليل أو في النهار. ﴿فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدَاً كَأنْ لَمْ تَغْنَ بالأمْس﴾ أي عندما يصدر أمر بالعذاب تتهدم ممتلكات الإنسان وتدمّر مزارعه في آن، بحيث لا تبدو الأرض وكأنها كانت مزروعة قبل لحظات، بل تبدّل إلى كومة من الرماد. ﴿كَذَلك نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْم يَتَفَكَّرُونَ﴾ أي أنَّ اهداف هذا المثل لا يدركها إلاّ الذين يتفكّرون فيه، ولا يدرك غور هذه الآيات الإلهية إلاّ بالتفكّر والتأمل الذي لا توجد عبادة أرفع مستوى منه. ففي الآية الشريفة شُبِّه الإنسان وحياته الدنيا بالمطر، وبذلك يشير القرآن إلى قابليته وأهليته العالية، فاذا فُعّلت هذه الأهلية لأمطرت عليه ثماراً من قبيل الابتكار والخلاقية المتنوّعة، ولاستخدم كل طاقته في سبيل الحياة الأفضل، ولنشط في مختلف المجالات، ولاستهلك طاقات جمة في سبيل بلوغ الأهداف الخاصة. إلاّ أنَّ حادثة تحصل فجأة تخيّب كل آماله وتدمّر كل ما جناه في حياته حتى هذه اللحظة ليبدو وكأنه لم يفعل شيئاً لحياته أبداً ولم يكن قد فعل وتحمّل لأجل ضمان المستقبل. إنَّ هذه الحوادث هي (الأمر الالهي)، وقد تتبلور في داخل جسم الإنسان ويسلّم لها الإنسان رغم ضعتها وصغرها. وعلى سبيل المثال قد تحصل جلطة في دم الإنسان تسري في الشرايين لتصل إلى القلب فتحدث سكتة فيه، أو تصل إلى الدماغ فتحصل سكتة فيه أيضاً قد تتسبب في شل جزء من جسمه إذا لم تمته. والأبسط من ذلك هو أن يأمر الله تعالى خلية من خلايا جسم الإنسان لتتكاثر بشكل غير متعارف وبتصاعد هندسي كأن تصبح الخلية خليتين والخليتان أربع خلايا والأربع ثمانية والثمانية ستة عشر وهكذا إلى أن تتبدّل فجأة إلى غدة سرطانية تنتشر في جميع بدنة شيئاً فشيئاً لتجعل من الإنسان قعيد البيت ﴿فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كأنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ﴾ فيبدو وكأنه قد مات منذ سنوات وآماله قد اندثرت منذ ذلك الحين. وقد يلقى الأمر الإلهي في عهدة حادثة خارجية مثل الزلزلة أو الطوفان أو الاعصار أو الشهاب السماوي او غير ذلك. هذا المثل وما شابهه من الحوادث التي شهدناها طوال عمرنا مرات عديدة بمثابة صافرة الانذار تحذرنا أن لا تغرّنا الحياة الدنيا ولا نتعلّق بها ولا نرتكب الجرائم لأجل بلوغ الأهداف الدنيوية الآنية. فمن المناسب أن نفكر بعمق في هذه الآية الشريفة وفي أمثالها، ونعدّها كالمصباح نستنير به الطريق. ﴿كَذَلك نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْم يَتَفَكَّرُونَ﴾ فتفكّر أيها الإنسان بما سيحل بك بعد انقضاء عمرك واعمل بما يأمر به عقلك السليم |
المثل التاسع عشر والعشرون
المثل التاسع عشر: الكافر والمؤمن يقول الله تعالى في الآية 24 من سورة هود: ﴿ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾. يقارن الله العظيم في هذا المثل بين الكافرين والمؤمنين، ويشبِّه أحد الفريقين بالأعمى والأصم والآخر بالبصير والسميع، وذلك لأنَّ الإيمان والتقوى يورثان السمع والبصر، أما اللجاجة والتعصب والكفر فيحجبان عن هذين الموهبتين الربانيتين. ﴿مَثَلُ الفَرِيْقَيْنِ كالأعْمَى والأصمِّ والبَصِيْرِ والسَّمِيع﴾ نعت تعالى هنا كلا من الفريقين بصفات فقال: إن الكافر مثل الأعمى والأصمّ، والمؤمن مثل البصير والسميع. ﴿هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا أفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ والسؤال هنا استنكاري أي أنَّ الفريقين لا يستويان فالأعمى ليس كالبصير والأصم ليس كالسميع; كذلك المؤمن فهو غير الكافر وليس مثله. المثل العشرون: الذين يدعون من دون الله يقول الله في الآية 14 من سورة الرعد: ﴿ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ﴾. إنّ آية المثل درست قضية الدعاء والتوسّل، وهي تسعى لتعليم الإنسان إلى مَن يمدّ يده ؟ ثم مثَّلت أولئك الذين يطرقون أبواب المخلوقات دون خالقهم طالبين حاجاتهم بمن بسط يديه إلى الماء.... ﴿لَهُ دَعْوَةُ الحَقِّ﴾ يختلف المفسرون في المراد من هذه الجملة، فالبعض يرى أنها تعني التوحيد، والتوحيد خاص بذاته تعالى. ويعتقد بعض آخر أنَّ المراد منها هو القرآن المجيد، فهي تشير إلى هذا الكتاب الإلهي. وكثير من المفسرين فسَّرها بالدعاء، أي إذا أراد الإنسان أن يستجاب دعاؤه دعى الله خالصاً، فغيره لا يحلّ شيئاً من المشاكل بل الله هو الوحيد القادر على استجابة الدعاء وحل المشاكل. والشاهد على هذا الرأي (الرأي الثالث) الذي نحن نذهب إليه هو ذيل الآية، حيث تقول: ﴿وَمَا دُعَاءُ الكَافِرينَ إلاّ فِي ضَلاَل﴾. إنَّ سبب كون دعاء الكافرين في ضلال هو أنَّهم يسألون من لا يقدر حتى على الدفاع عن نفسه، ولا يستطيع كسب منفعة لنفسه فضلا عن نفعه الآخرين. ﴿والّذِيْنَ يَدْعُونَ مِنْ دُوْنِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيء إلاّ كَبَاسِطِ كَفّيْهِ إلى الماءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ﴾ إنّ شاهد حديثنا في المثل العشرين هو هذا الجزء من الآية. إن الذين يدعون غير الله ويقصدون معابد الاصنام ويتوسلون بها لأجل حلّ مشاكلهم، فمشاكلهم سوف لا تُحل. ومثل إنسان كهذا مثل الذي يبسط يده ويمدها ليأخذ الماء ويشرب، وهو لا يستطيع من خلال هذا العمل شرب الماء أبداً. اختلف المفسرون في تفسير ﴿كَبَاسِطِ كَفّيْهِ إلى المَآءِ...﴾ نشير إلى أقوالهم هنا: 1 - المراد منها هو شخص عطشان يريد إرواء عطشه فيقصد بئراً ليس فيه حبل ولا دلو، وعمق البئر كثير جداً، فيبسط هذا الشخص يديه في البئر، لكن يديه لا تمتدان إلى أكثر من متر واحد. ولا شك أنَّ شخصاً مثل هذا سوف لا يبلغ هدفه ولا يروي عطشه. 2 - مراد الآية هو الشخص الذي يقف بجنب البئر ويشير للماء لكي يصعد ويشرب منه. ومن الواضح أن الماء هنا لا يُنال بالاشارة إليه، بل هناك حاجة واقعية لوسيلة ترفعه. نعم، دعاء الكافرين عند معبد الأصنام ضلال، وحالهم حال إنسان كهذا. 3 - إنَّ (باسط) تعني الذي يفتح يديه ولا يحنيهما بحيث يتمكن الاغتراف بهما. فإنَّ هذا الشخص يذهب إلى جنب الماء ويغترف منه بيديه حال كونه فاتح يديه وباسطهما، وهو أمر لا يوفّر له الماء فيضطر للابتعاد عن مصدر الماء، وهو عطشان. نرى أنَّ التفسير الأوّل هو أنسب الثلاثة، رغم إمكانية القول بأنّ الثلاثة صحيحة وكلها تبيّن مراداً واحداً; وذلك لانَّا نعتقد بامكانية استعمال لفظ واحد في أكثر من معنى واحد. وعلى ما تقدم علينا - لأجل حل المشاكل - أن لا نطرق غير باب الله، بل نقصد بابه منذ البداية، فهو الخالق والرازق والمحيي والمييت وهو حلاّل المشاكل وكل شيء بيده. اما غيره فلا شيء بيده; لأنّه ما من موجود إلاّ وهو يحتاج إلى الله الغني، فالكل يحتاج إليه فكل شيء عاجز، وهو القادر، وكل شيء ضعيف، وهو القوي والقادر المطلق، فلا يصح الذهاب لا لمعبد الأصنام فحسب بل لكل شيء غير الله،ومن يطلب من غير الله لا يصل الى مبتغاه وسيكون في ضلال كالكافرين . |
المثل الحادي والعشرون والثاني والعشرون
المثل الحادي والعشرون: الحق والباطل من أجمل امثال القرآن هو مثل الحق والباطل، يقول الله تعالى في بيان هذا المثل ذات المغزى العميق في الآية 17 من سورة الرعد:﴿ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ﴾ إنَّ الحديث في هذا المثل عن الحقّ والباطل وسعتهما ومجاليهما وعلائمهما وآثارهما وتعريفهما، وفي النهاية المواجهة الطويلة والمتواصلة بينهما التي كانت على طول التاريخ. ﴿أنْزَلَ مِنَ السّمَاءِ مَاءً فسالَتْ أوْدِيةٌ بِقَدَرِهَا﴾ إنَّ نتيجة هطول الامطار على الجبال ونزوله منها هو تجمع المياه في الاودية حسب حجمها، وجريانه وصيرورته أنهاراً صغاراً، وإذا التقت صنعت نهراً كبيراً، واذا تجاوز الماء سعة النهر تبدّل إلى سيول عظيمة ومخرّبة. ﴿فاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً﴾ هذه الانهار كثيراً ما يحصل فيها أمواج تضرب الاحجار والموانع التي تقع في طريقها، وهذه العملية توجد زبداً في الماء يشبه الزبد الذي يوجده مسحوق الغسيل، يتجمّع على سطح النهر يبدو ساكناً، أمّا النهر فيستمر في حركته تحت الزبد. ﴿ومِمّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِليَة أو مَتَاع زَبَدٌ مِثْلُهُ﴾ هذا الزبد الاجوف والمتكبّر لا يختص بالماء بل قد يحصل للفلزات عند الصهر والذوبان مثل الحديد والنحاس وغيرهما. ما يلفت النظر هنا هو أنَّ عبارة ﴿مِمَّا يُوْقِدُونَ عَلَيْه﴾ أشارت بظاهرها إلى أنَّ النار تُسلّط من الفوق على هذه المعادن رغم أنَّ النار في السابق كانت توقد على الفلزات من تحت أمّا حالياً فمعامل الصهر المتطوّرة تسلّط النار من فوق ومن تحت أي لم تستغن عن تسليط النار على الفلز من الاعلى، وهو أمر أشار له القرآن منذ ذلك الحين. ﴿كَذَلك يَضْرِبُ اللهُ الحَقَّ والبَاطِل﴾ أي أنَّ الله لأجل إيضاح المواجهة بين الحق والباطل والتي يمتد عمرها إلى طول التاريخ يضرب هذا المثل، فيشبّه الحق بالماء والباطل بالزبد الأجوف. ﴿فأمّا الزّبدُ فيَذْهَبُ جُفَاء﴾ فإنَّ الزبد، رغم تفوقه على الماء ورغم علوه عليه، يذهب جفاء وكأنَّه لا شيء. إنّ الأمواج التي توجدها السيول هي السبب في ايجاد هذا الزبد، وبمجرد أن تصل المياه المتلاطمة إلى سهول تصبح آسنة وسرعان ما يذهب الزبد وتترسب الاوساخ العالقة في الماء ولا يبقى إلاَّ الماء الخالص; ذلك لأنّ عمر الباطل قصير، والهلاك هو نهايته. ﴿وأمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأرْضِ﴾ فالذي يبقى هو ما ينفع الناس من الماء الصافي والفلزات الخالصة. فالماء، إمَّا أن يركد في مكان يستخدم للشرب والسقي وإمَّا أن ينفذ في الأرض ليلتحق بالمياه الجوفية ذخراً للمستقبل، يستخدم بعد ما يخرج كعيون تلقائياً أو من خلال حفر الآبار. ﴿كَذَلك يَضْرِبُ اللهُ الأمْثَالَ﴾ أي يبيّن الله هذه الأمور للناس في صورة أمثال لكي تدرك بشكل أفضل. المثل الثاني والعشرون: التقوى جواز دخول الجنة يقول الله تعالى في الآية 35 من سورة الرعد:﴿ مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُُ﴾. الآية ، رغم بساطة ظاهرها، تعدّ من أعقد الأمثال القرآنية، إنها بتّت بتشبيه الجنة - التي هي مأوى المتقين - وذكرت لها ثلاث خصال. إنَّ التشبيه المستخدم في الآية يبدو تشبيهاً بسيطاً، إلاّ أنَّه في الواقع من أعقد التشابيه المستخدمة في القرآن المجيد. وتفيد الآية التي هي في صدد عرض تشابيه للجنة، وبيان أو ترسيم موقع المتقين فيها أن ﴿مَثَلُ الجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ كجنة تََجْرِي...﴾ أي أنَّ في الجنة بساتين ليست مثل بساتين دنيانا; لأنّه: أولا: أن منابع المياه فيها ذاتية وتلقائية، وتوجد عين قرب كل شجرة ولا حاجة لتأمين المياه من الخارج. ثانياً: أنَّ ثمار الجنة دائمية وفي جميع الفصول. ثالثاً: أنَّ ظل الاشجار هناك دائمي وخالد، أي أنَّ أوراق الاشجار لا تتساقط أبداً. ﴿تلكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقوا وعُقبى الكَافِرِيْنَ النَّارُ﴾ فالجنة هذه هي دار المتقين وجهنم دار ومأوى الكافرين |
الساعة الآن 04:05 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |