منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   لغتنا العربية (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=104)
-   -   تابع معنا كتاب مجمع الأمثال (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=4589)

B-happy 3 - 3 - 2010 02:18 AM



462- بِفِيهِ مِنْ سارٍ إِلَى القَوْمِ البَرَى‏.‏
هذا قيل في رجل سَرَى إلى قوم، وخَبَّرهم بما ساءهم، والبرى‏:‏ الترابُ، ومنه المثل الآخر ‏"‏بفيه البَرَى، وعليه الدبَرَى، وحمى خَيْبَرى، وشر ما يرى، فإنه خَيْسَرَى‏"‏ الدبرى‏:‏ الهزيمة، والخيسرى‏:‏ الخسار، وأراد أنه ذو خيسرى أي ذو خسار وهلاك، والغرض من قولهم ‏"‏بفيه البَرى‏"‏ الخيبة، كما قال‏:‏
كلانا يا معاذُ نحبُّ لَيْلى * بِفِيّ وفيك من ليلى الترابُ
أي كلانا خائب من وصلها‏.‏
463- بَلَغَ السِّكِّينُ العَظْمَ‏.‏
هذا مثل قولهم ‏"‏بلغ السيلُ الزبى‏"‏ ومثلهما‏:‏
464- بَلَغَ مِنْهُ الْمُخَنَّقُ‏.‏
وهو الْحَنْجَرَة والْحَلْق‏:‏ أي بلغ منه الْجَهْدَ‏.‏
465- بِحَمْدِ اللّهِ لا ِبَحْمِدَك‏.‏
هذا من كلام عائشة رضي الله عنها حين بَشَّرَها النبي صلى اللّه عليه وسلم بنزول آية الإفْك‏.‏
يضرب لمن يَمُنُّ بما لا أثر له فيه‏.‏
والباء في ‏"‏ بحمد اللّه‏"‏ من صلة الإقرار، أي أقر بأن الحمد في هذا للّه تعالى‏.‏
466- بَيْضَةُ العُقْرِ‏.‏
قيل‏:‏ إنها بيضة الديك، وإنها مما يُخْتبر به عُذْرَة الجارية، وهي بَيْضَة إلى الطول‏.‏
يضرب للشيء يكون موة واحدة، لأن الديك يبيض في عمره مرة واحدة فيما يقال، قال بشار بن برد‏:‏
قد زُرْتِنِي زورةً في الدهر واحدةً * ثَنِّي ولا تَجْعَلِيهَا بيضةَ الديكِ
قال أبو عبيدة‏:‏ يقال للبخيل يعطي مرة ثم لا يعود‏:‏ كانت بيضَةَ الديكِ، فإن كان يعطى شيئاً ثم قطعه قيل للمرة الأخيرة‏:‏ كانت بيضةَ العُقْرِ، وقال بعضهم‏:‏ بيضة العقر كقولهم ‏"‏بَيْض الأنُوق، والأبْلَق العَقُوق‏"‏ يضرب مثلا لما لا يكون‏.‏
467- باقِعَةٌ مِنَ الْبَوَاقِعِ‏.‏
أي داهية من الدواهي، وأصلُه من البَقَع، وهو اختلاف اللون، ومنه الغراب الأبْقَع وَسَنة بَقْعَاء فيها خِصْب وجَدْب، وفي الحديث ‏"‏بِقْعَانُ الشأم‏"‏ قيل‏:‏ أراد سَبْي الروم، لاختلام بياضهم وصفرتهم، فسمى الرجل الداهي باقعة، لأنه يؤثر في كل ما يقصد ويتولَّى، والباقعة‏:‏ الداهية نفسها ‏[‏ص 97‏]‏ أمر يلصق حتى يُرَى أثره، وقيل‏:‏ الباقعة طائر حَذِر إذا شرب الماء نظر يَمْنة ويَسْرة‏.‏
يضرب للرجل فيه دَهَاء ونُكْر‏.‏
468- بَيْتُ الأَدِم‏.‏
يقال‏:‏ الأدَمُ جمع أدِيم، ويقال‏:‏ هو الأرض، وقالوا‏:‏ هو بيت الإسكاف، لأن فيه من كل جلد رقعة‏.‏
يضرب في اجتماع الأشخاص وافتراق الأخلاق، وينشد‏:‏
القومُ إخوانٌ وشَتَّى في الشَّيَمْ * وكلهم يَجْمَعُه بيتُ الأدَمْ
ويروى ‏"‏الناس‏"‏ و ‏"‏كلهم يجمعهم‏"‏ على إعادة الكناية ‏(‏الكناية‏:‏ أراد ضمير الغائب في ‏"‏يجمعهم‏"‏ وكل‏:‏ لفظة مفرد، ومعناه جمع‏)‏ إلى معنى كل، و ‏"‏يجمعه‏"‏ على إعادتها إلى اللفظ، قالوا‏:‏ وبيت الأدَم خِباء من أدَم‏:‏ أي يجمعهم على اختلاف ألوانهم وأخلاقهم خباء واحد، يريد أنهم يرجعون فيها إلى أساس واحد، وكلهم بنو رجل واحد، كما قيل‏:‏ الأرض من تربة والناس من رجل‏.‏
469- بِنْتُ الْجَبَلِ‏.‏
قالوا‏:‏ هي صوتٌ يرجع إلى الصائح ولا حقيقة له‏.‏
يضرب للرجل يكون مع كل واحد‏:‏ وإنما أنث فقيل ‏"‏بنت‏"‏ ذهابا إلى النتيجة‏:‏ أي أنها تنتج منه، أو إلى الصيحة‏.‏
470- بِئْسَ مَقَامُ الشَّيْخِ أَمْرِسْ أمْرِسْ‏.‏
يقال ‏"‏مَرَس الحبلُ يَمْرُسُ‏"‏ إذا وقع في أحد جانبي البكرة، فإذا أعَدْته إلى مجراه قلت ‏"‏أمْرَسْتُه‏"‏ وتقدير الكلام‏:‏ بئس مقام الشيخ المقام الذي يقال له فيه أمرس، وهو أن يعجز عن الاستقاء لضعفه‏.‏
يضرب لمن يحوجه الأمر إلى ما لا طاقة له به، أو يربأ به عنه‏.‏
471- باتَ بِلَيْلَةِ أنْقَدَ‏.‏
وهو القُنْفُذ، معرفة لا تدخله الألف واللام‏.‏ يضرب لمن سَهِرَ ليلَه أجمعَ‏.‏
472- بَرْضٌ مِنْ عِدٍّ‏.‏
البَرْضُ‏:‏ القليل، والعِدُّ‏:‏ الماء له مادة أي قليلٌ من كثير‏.‏
473- بَيْضَةُ البَلَدِ‏.‏
البَلَد‏:‏ أُدْحِيّ النَّعام، والنعامُ تترك بيضها يضرب لمن لا يُعْبأ به‏.‏
ويجوز أن يراد به المدح، أي هو واحد البلد الذي يُجْتمع إليه ويُقْبل قوله، وأنشد ‏[‏ص 98‏]‏ ثعلب لآمرأة ترثي عمرو بن ودّ حين قتله علي رضي الله عنه‏.‏
لو كان قاتلُ عمرٍو غيرَ قاتِلِه * بَكَيْتُه ما أقام الروحُ في جَسَدِي
لكنَّ قاتله مَنْ لا يُعَاب به * وكان يُدْعى قديما بيضَةَ البلدِ
474- بَرِئ حَيٌّ مِنْ مَيِّتٍ‏.‏
يضرب عند المفارقة، ومثله قول الخفير ‏"‏إذا بلغتُ بك مكانَ كذا ‏(‏بَرِئْتُ‏)‏‏"‏‏.‏
475- بَرِئَتْ قَائِبَةٌ مِنْ قُوبٍ‏.‏ ‏(‏هذا المثل من تتمة كلام الخفير الذي ذكره في آخر المثل السابق‏)‏
فالقائية‏:‏ البيضة، والقُوب‏:‏ الفرخ، يعني لا عهدة عليّ، قال أبو الهيثم‏:‏ القابة الفرخ، والقوبة البيضة، يقال‏:‏ تَقَوّبَتِ القابةُ عن قُوبها، قلت‏:‏ أصل القوب الشق والحفر، يقال‏:‏ قُبْتُ الأرضَ إذا حفرتها، فمن جعل القائبة البيضة جعل الفعل لها، يعني أنها شَقَّتْ عن الفرخ، وجعل القُوبَ مفعولا، ومن جعل القابةَ الفرخَ عَنَى أنه الذي قاب البيضَةَ فخرج منها، وحذف الياء من القابة كما حذفت من الحاجة، والقوبة على كلا القولين فعْلَة بمعنى مفعولة كالغُرْفَة من الماء والقبضة من الشيء وأشباههما‏.‏
476- بَالَ حِمَارٌ فاسْتَبَالَ أَحْمِرَةً‏.‏
أي حَمَلَهن على البول‏.‏
يضرب في تعاون القوم على ما تكهرهه‏.‏
477- بِئْسَ العِوَضُ مِنْ جَمَلٍ قَيْدُهُ‏.‏
وذلك أن راعياً أهلك جملا لمولاه، ثم أتاه بقَيْده، فقال‏:‏ بئس العوض - إلخ‏.‏
478- بِئْسَ الرِّدْفُ لاَ بَعْدَ نَعَمْ‏.‏
الرِّدْفُ‏:‏ الرَّديف، أنشد ابن الأعرابي
لا تُتْبِعَنَّ نَعَمْ لا طائعا أبداً * فإن لا أفْسَدَتْ من بعد ما نَعَمٍ
إن قلت يوماً نَعَمْ بَدْأ فتمَّ بها * فإن إمضاءها صِنْفٌ من الكَرَمِ
قال المهلب بن أبي صُفْرة لابنه عبد الملك‏:‏ يا بني إنما كانت وصية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عامَّتُهَا عِدَاتٌ أنفْذَهَا أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه، فلا تبدأ بنعم فإن مَوْرِدها سَهْل، ومَصْدَرها وَعْر، واعلم أن وإن قَبُحت فربما رَوّحت، وما قدرت فلا توجب الطمع، وقال سَمُرة بن جُنْدب‏:‏ لأن أقولَ للشيء أفعله ثم يبدو لي فأفعله أحبُّ إلي من أن أقول أفعله ثم أفعله، قال المثقَّبُ‏:‏
حَسَنٌ قولُ نَعَمْ من بعد لاَ * وقَبِيحٌ قولُ لا بعد نَعَمْ ‏[‏ص 99‏]‏
إنَّ لا بعد نَعَمْ فاحشَةٌ * فَبِلا فابدأ إذا خِفْتَ النَّدَمْ
وإذا قلت نَعَمْ فاصْبِرْ لها * بنَجَاح الوَعْدِ إن الْخُلْفَ ذَمّْ
479- بَطْنِي عَطِّري وَسَائِرِي ذَرِي‏.‏
قاله رجل جائع نزل بقوم فأمروا الجاريةَ بتطييبه، فقال هذا القول‏.‏
يضرب لمن يؤمر بالأهم‏.‏
480- بُغِيتُ لَكَ وَوُجِدْتَ لي‏.‏
يضرب للمؤتلفين المتوافقين‏.‏
481- بَقْلُ شَهْرٍ، وَشَوْكُ دَهْرٍ‏.‏
يضرب لمن يقصر خيره ويَطُول شره‏.‏
482- بِمَا تَجُوعِينَ وَيَعْرَى حِرُكِ‏.‏
يضرب لمن يَغْنَى بعد فقر، ثم يفخر بغناه، فيقال له هذا القول‏:‏ أي هذا الغنى بدلُ جوعِك وعُرْيك قبلُ‏.‏
483- بَرْقٌ لَوْ كانَ لَهُ مَطَرٌ‏.‏
يضرب لمن له رُوَاء ولا معنى وراءه‏.‏
484- بَقِّطِيهِ بِطِبِّكِ‏.‏
التَّبْقِيط‏:‏ التفريق، والبَقَطُ‏:‏ ما سقط وتفرق من التمر عند الصِّرام، وأصلُ المثل أن رجلا أتى عشيقَته في بيتها، فأخذه بطنُه فأحدث في البيت، ثم قال لها‏:‏ بقِّطيه بطِبِّكِ أي بحِذْقك وعلمك، أي فرقيه لئلا يُفْطَن له‏.‏
يضرب لمن يؤمر بإحكام أمرٍ بعلمه ومعرفته‏.‏
485- بَيْنَ الْحُذَيَّا والْخُلْسَةِ‏.‏
الحُذَيَّا‏:‏ العطية، وكذلك الحَذِيَّة، وكان ابنُ سيرين إذا عرض عليه رؤيا حسنة قال‏:‏ الحُذَيَّا، والحُذَيَّا، يعني هاتِ العطية أعَبِّرْهَا لك، والْخُلْسَة‏:‏ اسم المختَلَسِ‏.‏
يضرب لمن يستخرج منه عطاء برفق وتأنق في ذلك كأنه يقول‏:‏ تَحْذُونِي أو أختلس‏.‏
486- بَالَ فَادِرٌ فَبَالَ جَفْرُهُ‏.‏
الفادر‏:‏ الموَعِلُ المسِنُّ، وجَفْره‏:‏ ولده، ويقال لولد المعز أيضاً جَفْر، وذلك إذا قوِيَ وبلغ أربعة أشهر‏.‏
يضرب للولد يَنْسِج على مِنْوَال أبيه‏.‏
487- بِمِثلي تُطْرَدُ الأوَابِدُ‏.‏
أصلُ الأوابد الوَحْش، ثم استعيرت في غيرها، ومنه قول الناس ‏"‏أتى فلان في كلامه بأبِدَةًٍ‏"‏ أي بكلمة وَحْشية، وتأبَّدَ المكان‏:‏ توحش ‏.‏ ومعنى المثل‏:‏ بمثلي تطلب الحاجات الممتنعة‏.‏
488- بَلْدَة يَتَنَادَى أَصْرَمَاهَا‏.‏
يقال للذئب والغراب، الأصْرَمان، قال ابن السِّكِّيت‏:‏ لأنهما انصَرَما من ‏[‏ص 100‏]‏ الناس‏:‏ أي انقطعا، وأنشد للمرار‏:‏
على صَرْمَاء فيها أصْرمَاهَا * وخِرِّيتُ الفَلاَةِ بها مليل
والصَّرْمَاء‏:‏ المَفَازة التي لا ماء فيها‏.‏
ضرب لمن أخلاقه تنادي عليه بالشر‏.‏
489- بَكَّرَتْ شَبْوَةُ تَزْبَئِرُّ‏.‏
شَبْوة‏:‏ اسم للعقرب لا تدخلها الألف واللام مثل مَحْوَة للشمال ‏(‏في القاموس أن محوة اسم للدبور‏)‏ وخُضَارة للبحر‏.‏ وتزبئر‏:‏ تنتفش‏.‏
يضرب لمن يتشمر للشر، أنشد ابن الأعرابيّ‏:‏
قَدْ بَكَّرَتْ شَبْوَةُ تَزْبَئِرُّ * تَكْسُو اسْتَهَا لَحْماً وَتَقْمَطِرُّ
490- بَقِيَ أَشَدُّهُ‏.‏
ويروى ‏"‏بقى شدُه‏"‏ قيل‏:‏ كان من شأن هذا المَثَل أنه كان في الزمان الأول هِرّ أَفْنَى الجِرْذَانَ وشَرَّدها، فاجتمع ما بقي منها فقالت‏:‏ هل من حيلة نحتال بها لهذا الهر لعلنا ننجو منه ‏؟‏ فاجتمع رأيُهَا على أن تعلق في رقبته جُلْجُلا إذا تحرَّك لها سمعن صوت الجُلْجُل فأخَذْنَ حَذَرهن، فجئن بالجُلْجُل، فقال بعضهن‏:‏ أينا يُعَلِّق الآن، فقال الآخر‏:‏ بقي أشَدُه أو قال شَدُّه‏.‏
يضرب عند الأمر يبقى أصعبه وأهوله‏.‏
وهذا مما تمثل به العرب عن ألسُنِ البهائم‏.‏
491- باتَ هذَا الأعْرَابِيُّ مَقْرُوراً‏.‏
يضرب لمن يَهْزأ بمن هو دونه في الجاجة، كمن بات دَفيئا وغيرُهُ مَقْرور، يقال‏:‏ أقَرَّهُ اللّهُ فهو مَقْرُور على غير قياس‏.‏ وقريب من هذا المثل قولهم ‏"‏هَانَ عَلَى الأمْلَسِ ما لاقَى الدَّبِرُ‏"‏‏.‏
492- بُعْدُ الدَّارِ كَبُعْدِ النَّسَبِ‏.‏
أي إذا غاب عنك قريبُكَ فلم يَنْفَعْكَ فهو كمن لا نَسَبَ بينك وبينه‏.‏
493- بَلَغَ مِنْهُ المُخَنَّقَ‏.‏
يضرب لمن يُحْمل عليه حتى يبلغ منتهاه‏.‏
494- بِعَيْنٍ ما أَرَيَنَّكَ‏.‏
أي اعمل كأنِّي أنظر إليك‏.‏ يضرب في الحث على ترك البُطْء‏.‏
و ‏"‏ما‏"‏ صلة دخلت للتأكيد ولأجلها دخلت النون في الفعل، ومثله‏:‏
ومن عَضَةٍ ما ينبتَنَّ شَكِيرُهَا*
495- بِالرَّفَاءِ والبَنِينَ‏.‏
قال أبو عبيد‏:‏ الرِّفاء الالتحام والاتفاق، من رَفَيْتُ الثوب، قالوا‏:‏ ويجوز أن يكون من رَفَوْته إذا سكنته، قال أبو خراش الهُذَلي‏:‏
رَفَوْنِي وَقَالُوا‏:‏ يا خُوَيْلِدُ لا تُرَعْ * فقلْتُ وأنكَرْتُ الوجوهَ‏:‏ هُمُ هُمُ ‏[‏ص 101‏]‏
وَهَنَّأ بعضهم متزوجا فقال‏:‏ بالرفاء والثبات، والبنين لا البنات، ويروى ‏"‏بالنبات والثبات‏"‏‏.‏
496- ابْنُكَ ابْنُ بُوحِكَ‏.‏
يقال‏:‏ البُوحُ النفس، فإن صح هذا فيجوز كسر الكافين وفتحهما، ويقال‏:‏ البوح الذكرَ، فعلى هذا لا يجوز الكسر، يقال‏:‏ ابنُكَ ابن بُوحِك، يشرب من صَبُوحك، يعني ابنك من ولدته لا من تبنَّيْتَهُ، وقيل‏:‏ البُوحُ اسم من بَاحَ بالشيء إذا أظهره، أي ابنُك مَنْ بُحْت بكونه ولداً لك، وذلك أن بعض العرب كانوا يأتُونَ النساء فإذا وُلد لأحدهم ألحقته المرأة بمن شاءت، فربما ادَّعاه وربما أنكره، لأنها كانت لا تمتنع ممن ينتابها، فالمعنى ابنك من بُحْتَ به أنت وباحت به أمه بموافقتك، ويقال‏:‏ البوح جمع باحة، أي ابنُكَ من ولد في فِنائك، ومثل البُوح في الجمع نُوق وسُوح ولُوب في جمع ناقَة وسَاحَة ولاَبة‏.‏
497- بِنْتُ بَرْحٍ‏.‏
للشر والشدة، يقال‏:‏ لقيتُ منه بناتِ بَرْحٍ، وبني بَرْحٍ، أي شدةً وأذىً، وبَرَّحَ بي هذا الأمرُ إذا غلظ واشتد‏.‏ يضرب للأمر يُسْتَفْظع‏.‏
498- بَحَازِجُ الأرْوَى‏.‏
جمع بَحْزجٍ، وهو ولد البقرة الوحشية وغيرها يضرب لما لا يُرَى إلا فَلْتة‏.‏
499- بَرِّزْ نَارَكَ وَإِنْ هَزَلْتَ فارَكَ‏.‏
الفار ههنا‏:‏ عَضَلُ العَضُدَين تشبيها بالفار كما تشبه به أيضاً فارة المسك لانتفاخها‏.‏
يقول‏:‏ آثِرِ الضيفَ بما عندك وإن نَهَكْتَ جِسْمَك‏.‏
500- بَدتْ جَنَادِعُهُ‏.‏
يقال‏:‏ الجَنَادع دَوَابّ كأنها الجَنَادب تكون في جُحْر الضبّ، فإذا كاد ينتهي الحافر إلى الضبّ بَدَت الجنادعُ فيقال‏:‏ قد بدت جَنَادعهُ، واللّه جَادِعهُ، قالوا‏:‏ والجُنْدُع أسود له قرنان في رأسه طويلان‏.‏
يضرب مثلا لما يَبْدُو من أوائل الشرّ‏.‏
501- بَاتَتْ بِلَيْلةِ حُرَّةٍ‏.‏
العرب تسمي الليلة تُفْتَرَع فيها المرأة ليلة شيباء، وتسمى الليلة التي لا يقدر الزوج فيها على افتضاضها ليلة حرة، فيقال‏:‏ باتَتْ فلانةُ بليلة حرة، إذا لم يغلبها الزوج، وباتت بليلة شيباء، إذا غلبها فافتضَّها‏.‏
يضربان للغالب والمغلوب‏.‏
502- بِرِئْتُ مِنْهُ مَطَرَ السَّماءِ‏.‏
أي برئت من هذا الأمر ما كانت السماء تمطر، أي أبَداً‏.‏ ‏[‏ص 102‏]‏
503- بِسِلاَحٍ مَّا يُقْتَلَنَّ القَتِيلُ‏.‏
قاله عمرو بن هند حين بلَغه قتل عمرو ابن مامة، فغزا مُرَادا وهو قَتَلَة عمرو، فظفر بهم، وقتل منهم فأكثر، فأتى بابن الجعيد سلما، فلما رآه أمَرَ ‏(‏به‏)‏ فضُرب بالغِمْد حتى مات، فقال عمرو‏:‏ بسلاح مَّا يقتلَنَّ القتيلُ فأرسلها مثلا‏.‏يضرب في مكافأة الشر بالشر‏.‏
يعني يقتل مَنْ يُقْتل بأيّ سلاح كان، وقوله ‏"‏يقتلن‏"‏ دخلته النونُ لمكان ‏"‏ما‏"‏ وهي مؤكدة، ويجوز أن يكون أراد بسلاح ما يقتلن قاتل القتيل، فحذف، ويجوز أن يريد ابن الجعيد الذي قتل بين يديه، فتكون الألف واللام للعهد‏.‏
504- ابْدَأهُمْ بِالصُّرَاخِ يَفِرُّوا‏.‏
قال أبو عبيد‏:‏ هذا مثل قد ابتذلته العامة، وله أصل، وذلك أن يكون الرجل قد أساء إلى الرجل فيتخوَّفُ لائمةَ صاحبه فيبدؤه بالشكاية والتنجي ليرضى منه الآخر بالسكوت‏.‏ يضرب للظالم يتظلّم ليسكت عنه‏.‏
505- أَبْدَئِيِهنَّ بِعفَالِ سُبِيتِ ‏(‏انظر لسان العرب ‏(‏ع ف ل‏)‏‏)‏
أي ابدئيهن بقولك ‏"‏عفال‏"‏ قال المفضَّل‏:‏ سبب هذا المثل أن سَعْد بن زَيْد مَنَاة كان تزوج رُهْمَ بنت الخزرج بن تَيْم الله بن رُفَيْدة بن كلب بن وَبَرَةَ، وكانت من أجمل النساء، فولدت له مالك بن سعد، وكانت ضرائرها إذا سابَبْنَهَا يقلن لها‏:‏ يا عَفْلاء، فقالت لها أمها‏:‏ إذا سابَبْنَكِ فابدئيهن بعَفَال سُبيتِ، فأرسلتها مثلا، فسابتها بعد ذلك امرأة من ضرائرها، فقالت لها رُهْم‏:‏ يا عَفْلاَء، فقالت ضرتها‏:‏ رمَتْنِي بدائها وانْسَلَّتْ‏.‏
وعَفَالِ‏:‏ يجوز أن يكون كخَبَاثِ ودَفَارِ، ويجوز أن يكون أرادت عَفِّلِيهَا أي انْسُبيها إلى العَفَلَة، وهي القَرَن الذي اختصم فيه إلى شُرَيح في جارية بها قَرَن، فقال أقْعِدُوها فإن أصابَ الأرضَ فهو عيب، وإن لم يصب الأرضَ فليس بعيب، فجعلت عَفَالِ أمْراً كما يقال‏:‏ دَرَاكِ بمعنى أدْرِكْ، ويجوز أن يُنَوّن ويجعل مصدرا كالسَّرَاح بمعنى التَّسْريح والسَّلاَم بمعنى التسليم، وقولها ‏"‏سُبِيتِ‏"‏ دعاء عليها بالسَّبْي على عادة العرب، وبنو مالك بن سعد رَهْطُ العجاج كان يقال لهم بنو العفيلَى‏.‏
506- بَعْدَ الهِيَاطِ والمِيَاطِ‏.‏
قال يونس بن حبيب‏:‏ الهِياط الصِّياح، والمِياط الدفع، أي بعد شِدَّةٍ وأذًى، ويروى ‏[‏ص 103‏]‏ بعد الهَيْط والمَيْط، قال أبو الهيثم‏:‏ الهيط القَصْد، والميط الْجَوْر، أي بعد الشدة الشديدة، قال‏:‏ ومنهم من يجعله من الصياح والجلَبَة‏.‏
507- أَبْدَي الصَّرِيحُ عَنِ الرَّغْوَةِ‏.‏
أبدي‏:‏ لازم ومتعد، يقال‏:‏ أبدَيْتَ في منطقك، أي جُرْت، فعلى هذا يكون المعنى بدا الصريحُ عن الرِّغْوَة، وإن جعلته متعديا فالمفعول محذوف، أي أبْدَى الصريح نفسَه‏.‏
وهذا المثل لعبيد الله بن زياد، قاله لهانئ بن عُرْوة المرَادي، وكان مسلم بن عَقيل بن أبي طالب رحمه الله قد استخفى عنده أيام بعثه الحسين بن علي رضوان الله عليهما، فلما عرف مكانه عبيدُ الله أرسل إلى هانئ فسأله، فكتمه، فتوعده وخوّفه فقال هانئ‏:‏ هو عندي، فعندها قال عبيد الله‏:‏ أبدى الصريحُ عن الرِّغْوة، أي وضَحَ الأمر وباَنَ، قال نضلة‏:‏
ألم تَسلِ الفوارس يوم غول * بنَضْلَةَ وهو موتور مُشِيحُ
رأوه فازدَرَوْهُ وَهْو حُرٌ * وينفع أهلَه الرجلُ القَبيحُ
ولم يَخْشَوا مَصَالَتَهُ عليهم * وتحت الرَّغْوَة اللبَنُ الصَّرِيحُ
المَصَالة‏:‏ الصَّوْل، ومعنى البيت رأوني فازدروني لدَمَامتي، فلما كَشفوا عني وجدوا غير ما رأوا ظاهرا‏.‏ يضرب عند انكشاف الأمر وظهوره‏.‏
508- أَبَرَماً قَرُوناً‏.‏
البَرَمُ‏:‏ الذي لا يدخل مع القوم في الميسر لبُخْله، والقَرُون‏:‏ الذي يَقْرِن بين الشيئين‏.‏
وأصله أن رجلا كان لا يدخل في الميسر لبخله، ولا يشتري اللحم، فجاء إلى امرأته وبين يديها لحم تأكله، فأقبل يأكُلُ معها بَضْعَتين بضعتين ويَقْرِن بينهما، فقالت امرأته‏:‏ أبَرَماً قَرُوناً، أي أراك بَرَما وقَرُونا‏.‏ يضرب لمن يجمع بين خصلتين مكروهتين‏.‏
قال عمرو بن معدي كرب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو قوما نزل بهم‏:‏ أبرَامٌ يا أمير المؤمنين، قال‏:‏ وكيف ذاك ‏؟‏ قال‏:‏ نزلتُ بهم فما قَرَوْني غيرَ ثور وقَوْس وكَعْب، فقال عمر‏:‏ إن في ذلك لشِبَعاً‏.‏ الثور‏:‏ قطعة من الأقِطِ، والقوس‏:‏ بقية التمر يبقى في الجِلَّة، والكعب‏:‏ قطعة من السمن، أراد عمرو أنهم لم يذبحوا لي حين نزلتُ بهم‏.‏ ‏[‏ص 104‏]‏
509- بِعْتُ جَارِي وَلَمْ أَبِعْ دَارِي‏.‏
أي كنت راغبا في الدار، إلا أن جاري أساء جواري فبعت الدار‏.‏
قال الصقعب بن عمرو النهدي حين سأله النعمان ما الدَّاء العَيَاء، قال‏:‏ جارُ السوء الذي إن قاولته بَهَتَكَ، وإن غبت عنه سَبَعَكَ ‏(‏سبعك‏:‏ اغتابك‏)‏‏.‏
510- أَبادَ اللّهُ خَضْرَاءَهُمْ‏.‏
قال الأصمعي‏:‏ معناه أذهب اله نعمتَهم وخِصْبَهم، ومنهم من يقول‏:‏ أباد الله غضراءهم، أي خَيْرَهم وخِصْبهم، وقال بعضهم‏:‏ أي بهجَتَهم وحُسْنهم، وهو مأخوذ من الغَضَارة وهي البهجة والحسن، قال الشاعر‏:‏
احْثُوا التُّرابَ على مَحَاسِنِهِ * وعلى غَضَارة وَجْهِهِ النَّضْرِ
511- بَرَزَ الصَّرِيحُ بِجانِبِ المتْنِ‏.‏
يضرب في جَلِيَّةِ الأمر إذا ظهرت ‏.‏ والمتن‏:‏ ما استوى من الأرض‏.‏
512- بَقْبَقة في زَقْزَقَةٍ‏.‏
البقبقة‏:‏ الصَّخَب، والزقزقة‏:‏ الضحك‏.‏ يضرب للنفَّاجِ الذي يأتي بالباطل‏.‏
513- بِحَسْبِهَا أَنْ تَمْتَذِقَ رِعاؤها‏.‏
امْتَذَق‏:‏ إذا شرب مَذْقَة من لبن، يقال هذا في الإبل المحَاَريد، وهي التي قَلَّت ألبانُها‏.‏ يضرب للرجل يُطْلَبُ منه النصر أو العُرْف‏.‏
أي حَسْبه أن يقوم بأمر نفسه‏.‏
514- بِسَالِمٍ كانَتِ الوَقْعَةُ‏.‏
سالم‏:‏ اسم رجل أخذ وعوقب ظلما‏.‏ يضرب في نجاة المستحق للوقعة وأخْذِ من لا يستحقها ظلما‏.‏
515- بَقِيَتْ مِنْ مَالِهِ عَنَاصٍ‏.‏
العناصى‏:‏ جمع عَنْصُوَة، وهي البقية من السيء‏.‏
يضرب لمن بقي من ماله بقية تنجيه من شدائد الدهر‏.‏
516- بِتْ عَلَى كَعْبِ حَذَرٍ قَدْ سُئِلَ بِكَ‏.‏
يضرب لمن عُمِلَ في هلاكه وهو غافل، أي كُنْ على حذر‏.‏
517- بَرَّزَ عُمانٌ فَلاَ تُمارِ‏.‏
عُمَان‏:‏ اسم رجل بَرّزَ على أقرانه بكرمه وخلقه، أي قد ظهرت شمائلُه فلا تُمَار فيه‏.‏ يضرب لمن أنكر شيئا ظاهرا جدا‏.‏
518- بِمِثْلِي يُنْكَأ القَرْحُ‏.‏
أي بمثلي يُدَاوَى الشر والحرب‏.‏ ‏[‏ص 105‏]‏ قال الشاعر‏:‏
لزاز حُرُوبٍ يَنْكأ القرحَ مِثْلُه * يُمَارسُها تَارًا وتَارًا يُضَاِرُس‏.‏
519- بَيْنَهُما بَطحَة الإنْسَانِ‏.‏
أي قَدْرُ طولِهِ على الأرض‏.‏ يضرب في القُرْب بين الشيئين‏.‏
520- بَيْنَ المُطِيعِ وَبَيْنَ المُدْبِرِ العَاصي‏.‏
يضرب لمن لا يكاشف بعداوة ولا يناصح بمودة‏.‏
521- بَيْنَهُمُ احْلِقِي وَقُومِي‏.‏
يضرب للقوم بينهم شر وعداوة‏.‏ وأصل المثل قول الراجز‏:‏
أيَا ابْن نَخاسية أَتُومِ * يومُ أدِيمِ بَقَّةَ الشَّرِيمِ
أحْسَنُ من يَوم احْلِقِي وَقُومِي* وهما يومان أحدهما شر من الآخر، وبقة‏:‏ اسمُ امرأة، والشريم‏:‏ المُفْضَاة‏.‏
522- َبَرَد عَلَى ذَلِكَ الأَمْرِ جِلْدُهُ‏.‏
أي استقر عليه واطمأن به، وبرد‏:‏ معناه ثَبَت، يقال‏:‏ بَرَدَ لي عليه حَقٌّ، أي ثبت، وسَمُوم بارد، أي ثابت دائم، وقال‏:‏
اليَوْم يَوْمٌ باردٌ سَمُومُه * مَنْ جَزِعَ اليوم فَلاَ نَلُومُهُ
523- بَعْضُ الْجَدْبِ أَمْرَأُ للهَزِيلِ‏.‏
يضرب لمن لا يحسن احتمالَ الغنى بل يَطْغَى فيه‏.‏
524- بِغَيْرِ اللَّهْوِ تَرْتَتِقُ الفُتُوقُ‏.‏
يضرب في الحث على استعمال الجد في الأمور‏.‏
525- بِكُلِّ عُشْبٍ آثَارُ رَعْيٍ‏.‏
أي حيث يكون المالُ يجتمع السؤال‏.‏
526- بِكُلِّ وَادٍ بَنُو سَعْدٍ‏.‏
هذا مثل قولهم ‏"‏بكل وادٍ أثر من ثعلبة‏"‏ وقد مر ذكره‏.‏
527- بَلَغَ الغُلاَمُ الْحِنثَ‏.‏
أي جرى عليه القَلَم، والِحْنثُ‏:‏ الإثم، ويراد به ههنا المعصية والطاعة‏.‏
528- بَقِيَ مِنْ بَنِي فُلاَنٍ إثْفِيَّة خَشْناءُ‏.‏
أي بقي منهم عدد كثير، والإثْفِية‏:‏ مَثَلٌ لاجتماعهم، والخشناء‏:‏ مثل لكثرتهم، ومنه ‏"‏كتيبة خشناء‏"‏ أي كثيرة السلاح‏.‏
529- بَعْضُ القَتْلِ إحْياءُ لِلْجَمِيع‏.‏
يعنون القِصَاص، وهذا مثل قولهم ‏"‏القَتْلُ أنْفى للقتل‏"‏ وكقوله تعالى ‏{‏ ولكم في القصاص حياة‏}‏‏.‏
530- البضاعَة تُيَسِّرُ الحاجَةَ‏.‏
يضرب في بذل الرِّشْوة والهدية لتحصيل المراد‏.‏ ‏[‏ص 106‏]‏
531- بينهُمْ رِمِّيَّا ثُمَّ حِجِّيزَى‏.‏
أي تَرَامَوْا بالحجارة أو بالنَّبْلِ ثم تحاجزوا‏:‏ أي أمسكوا‏.‏
532- أَبْدَى اللّه شِوَارَهُ‏.‏
هذه كلمة يقولها الشاتم والداعي على الإنسان ‏.‏ والشِوَّار‏:‏ الفَرْج‏.‏
533- البَغْلُ نَغُلٌ وَهُوَ لذَلِكَ أَهْلٌ‏.‏
يقال‏:‏ نَغِلَ الأديمُ فهم نَغِل، إذا فَسَد، وإنما خفف للازدواج، ويقال‏:‏ فلان نَغِل، إذا كان فاسدَ النسبِ‏.‏ يضرب لمن لؤم أصله فخبث فعله‏.‏
534- البِطْنَةُ تَأفِنُ الفِطْنَةَ‏.‏
يقال‏:‏ أفِنَ الفصيلُ ما في ضَرْع أمه، إذا شرب ما فيه‏.‏ يضرب لمن غَيَّر استغناؤه عقلَه وأفسده‏.‏
535- بِهِ الوَرَى وَحُمَّى خَيْبَرى‏.‏
الوَرْىُ - بسكون الراء - أكلُ القَيْحِ الجوفَ، وبالتحريك الاسم، وقال‏:‏
وَرَاهُنَّ ربِّي مثلَ ما قد وَرَيْنَنِي * وَأحْمى على أكبادِهِنَّ المَكَاوِيَا
536- بَعْضُ البِقاعِ أَيْمَنُ مِنْ بَعْضٍ‏.‏
قاله أعرابي تعرض لمعاوية في طريق وسأله، فقال معاوية‏:‏ مالك عندي شيء، فتركه ساعة ثم عاوده في مكان آخر، فقال‏:‏ ألم تسألني آنفاً، قال‏:‏ بلى، ولكن بعضُ البقاع أيْمَنُ من بعض، فأعجبه كلامه ووصَله‏.‏
537- بَعْدَ اطِّلاَعٍ إينَاسٌ‏.‏
قاله قَيْس بن زُهَير حين قال له حذيفة ابن بدر يوم داحِسٍ‏:‏ سبقتُكَ يا قيس، فقال قيس‏:‏ بعد اطلاع إيناس، يعني بعد أن يظهر أتعرف الخبر، أي إنما يحصل اليقين بعد النظر، أنشد ابن الأعرابي‏:‏
لبس بما ليس به بأسٌ باسُ * ولا يَضِيرُ البر ما قال الناسُ
وإنه بعد اطِّلاَع اينَاسُ* ويورى ‏"‏بعد طلوع‏"‏ ‏.‏
538- بُؤْساً لَهُ، وُتُوساً لَهُ، وَجُوساً لَهُ‏.‏
كله بمعنى، فالبؤس الشدة، والتوس إتْبَاع له، والجوس الجوع‏.‏
يقال عند الدعاء على الإنسان‏.‏
وانتصَبَ كلها على إضمار الفعل‏:‏ أي ألزَمَهُ الله هذه الأشياء‏.‏
539- بِئْسَ ما أَفْرَعْتَ بِهِ كَلاَمكَ‏.‏
أي بئس ما ابتدأت به كلامك به، ومنه افْتِرَاع المرأة لأول ما نُكِحت، والفَرَع‏:‏ أولد ولد تُنْتَجُه الناقة‏.‏ ‏[‏ص 107‏]‏
540- بِمِثْلِي زابِنِي‏.‏
أي دافعي، من الزَّبْن وهو الدَّفْع‏.‏ قيل‏:‏ مرَّ مُجَاشع بن مسعود السلمي بقريةٍ من قُرَى كَرْمَان، فسأل أهلُها القوم‏:‏ أين أميركم ‏؟‏ فأشاروا إليه، فلما رأوه ضحكوا منه - وكان دميما - وازدرَوْه، فلعنهم وقال‏:‏ إن أهلي لم يريدوني ليُحَاسِنوا بي، وإنما أرادوني ليُزَابنوا بي، أي ليدافعوا بي، أنشد ابن الأعرابي‏:‏
بِمثْلِي زَابِنِي حلما وجُودا * إذا التَقَتِ المجامِعُ والخُطُوبُ
بعيد حُوَّلِيٌّ قُلَّبِيٌّ * عظيمُ القَدْر مِتْلاف كَسُوبُ
فإن أهْلِكْ فقد أبلَيْتُ عُذْرا * وإن أمْلِكْ فمن عَضْبي قضيب
أي أن فرعي من أصلي، يريد أنه من أصل كريم‏.‏
541- البَطْنُ شَرُّ وعاءٍ صِفْراً، وَشَر وِعاءٍ مَلآنَ‏.‏
يعني إن أخْلَيته جُعت وإن مَلأَته آذاك يضرب للرجل الشرير إن أحسنت إليه آذاك، وإن أسأت إليه عاداك‏.‏
542- ابْنُكَ ابْنُ أَيْرِكَ، لَيْسَ ابْنَ غَيْرِكَ‏.‏
هذا مثل قولهم ‏"‏ابنُكَ ابن بُوحك‏"‏ ومثل ‏"‏ولَدُك من دمى عقيبك‏"‏‏.‏

B-happy 3 - 3 - 2010 02:19 AM



543- بِألَمٍ مَّا تُخْتَنَنَّ‏.‏
أي لا يكون الحِتان إلا بألم، ومعناه أنه لا يُدْرَك الخيرُ ولا يُفْعل المعروف إلا باحتمال مشقة، ويروى ‏"‏بألم ما تُخْتَنِنَّهْ‏"‏ وهذه على خطاب المرأة، والهاء للسكت، ودخلت النون في الروايتين لدخول ما، على ما ذكرنا قبل، والعربُ تدخل نون التأكيد مع ما كقولهم‏:‏
ومن عضَةٍ مَايَنْبُتَنَّ شَكِيرُهَا*
544- أَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْناً مَّا‏.‏
البغيض‏:‏ بمعنى المبغَضِ كالحكيم بمعنى المحكَم، وهَوْنأ‏:‏ أي قليلا سهلا، ونصب على صفة المصدر، أي بغضا هَوْنا غير مستَقْصىً فيه، فلعلكما ترجعان إلى المحبة فتستحْيِيَا من بعضكما، ودخلت ما للتوكيد‏.‏
545- بِئْسَ السَّعَفُ أنْتَ يَا فَتَى‏.‏
قال النضر‏:‏ سُعُوف البيت التور والقَصْعة والقِدْر، وهي من مُحَقَّرات متاع البيت ‏.‏ ومعنى المثل‏:‏ بئس السلعة وبئس الخليط أنت‏.‏
546- بالأرضِ وَلَدَتْك أُمُّكَ‏.‏
يضرب عند الزَّجْر عن الخُيْلاء والبَغْي، وعند الحث على الاقتصاد‏.‏ ‏[‏ص 108‏]‏
547- بَنَانُ كَفِّ لَيْسَ فِيهَا سَاعِدٌ‏.‏
يضرب لمن له هِمَّة ولا مَقْدِرَةَ له على بلوغ ما في نفسه‏.‏
548- أَبَرَمُ طَلْحٍ نالَها سِرافٌ‏.‏
الطَّلْح‏:‏ شجر، والواحدة طَلْحة، والبَرَمَةُ‏:‏ ثمرة، وأبْرَمَ إذا خرجت بَرَمَتُه، والسِّرَاف‏:‏ من قولهم ‏"‏سَرَفَتِ الشجرة‏"‏ إذا وقعت فيها السُّرْفَة، وهي دُوَيْبَّة تتَّخذ لنفسها بيتاً مربعاً من دُقِاَق العيدان تضم بعضَها إلى بعض بلُعَابها ثم تدخل فيه وتموت، يقال‏:‏ سَرَفَتْ تَسْرُفُ سَرْفاً وسِرَافاً‏.‏
يضرب لمن ارتاشَتْ حاله وكثر ماله بعد القلة‏.‏
549- بَيْضَاءُ لاَ يُدْجِى سَنَاهَا العِظْلِمُ‏.‏
أي‏:‏ لا يسوِّد بياضَها العِظْلِمُ، وهو نبت يُصْبغ به، يقال‏:‏ هو النيل، ويقال الوَسْمَة، والعِظْلِمُ أيضاً‏:‏ الليلُ المظلم، وهو على التشبيه‏.‏
يضرب للمشهور لا يُخْفيه شيء‏.‏
550- بايِعْ بِعِزٍّ وَجْهُهُ مُلَثَّمٌ‏.‏
المغطى باللثام هو المُلَثّم، وأراد بقوله ‏"‏بايع بعز‏"‏ بع عزا ولا ترده يكون بهذه الصفة‏:‏ أي لا تَرْغَبْ في مُوَاصلة قوم لا قَديم لهم، فعزهم مستور لا يعرف إلا في هذا الوقت‏.‏
551- بِنْتُ صَفاً تَقُولُ عَنْ سَماعٍ‏.‏
بنت الصَّفَا‏:‏ مثل قولهم ‏"‏بنت الجبل‏"‏ يعنون بهما الصَّدَى، وهو صوت يُسْمع من الجبل وغيره‏.‏
يضرب لمن لا يُدْعَى إلى خير أو شرّ إلا أجَابَ، كما أن صدى الجبل يجيب كل صوت‏.‏
552- بِجنِّ قَلْعٍ يُغْرَسُ الوَدِىُّ‏.‏
جِنُّ العهدِ‏:‏ حِدثَانُه وأَوَّلُه، وكذلك جن كل شيء‏.‏ يضرب لمن يؤمر بطلب الأمر قبل فَوْته‏.‏
553- بِقَدْرِ سُرُورِ التَّوَاصُلِ، تَكُونُ حَسْرَةُ التَّفَاصُلِ‏.‏
554- البَلاَيَا عَلَى الْحَوايَا‏.‏
قاله عَبيدُ بن الأبْرَصِ يوم لقي النعمانَ ابن المنذر في يوم بُؤْسه، والْحَوِيَّةُ وَالسَّوِيَّةُ كِساء يُحْشى بالثُّمام ونحوه ويُدَار حول سَنام البعير، والْحَوِيَّة لا تكون إلا للجِمال، فأما السَّوِية فإنها تكون لغيرها‏.‏
ومعنى المثل‏:‏ البلايا تُسَاق إلى أصحابها على الْحَوْايا، أي لا يقدر أحد أن يَفِرَّ مما قُدِّرَ له‏.‏ ‏[‏ص 109‏]‏
555- البَغْىُ آخِرُ مُدَّة القَوْمِ‏.‏
يعني أن الظلم إذا امتدَّ مَدَاه آذَنَ بانقراض مُدَّتهم‏.‏
556- ابْنُ زَانِيَةٍ بِزَيْتٍ‏.‏
أصله أن قوماً من اللصوص جَلَبوا قَحْبة، فلما قَضَوْا منها أوطارهم أَعْطَوْها قِرْبَةَ زيتٍ كانت عندهم إذ لم يحضرهم غيرها، فقالت المرأة‏:‏ لا أريدها لأني أَحْسِبَني عَلِقْت من أحدكم، وأَكْرَه أن يكون مولودي ابنَ زانية بزيت، فذهب قولها مثلاً، قال الشاعر‏:‏
إذا ما الحىُّ هاجى حَشْوَ قبرٍ * فَذَلِكُمُ ابنُ زانيةٍ بزَيْتِ
557- بَاتَ فُلاَن يَشْوِي القَرَاحَ‏.‏
يعني الماء القَرَاح، وهو الخالص الذي لا يخُاَلطه شيء‏.‏
يضرب لمن ساءت حالُه ونَفِدَ مالُه، فصار بحيت يشوي الماء شهوة للطبيخ‏.‏
وأصله أن رجلاً اشتهى مَادُوما، ولم يكن عنده سوى الماء، فأوقد ناراً، ووضع القِدْر عليها، وجعل فيها ماء وأغلاه، وأَكَبَّ على الماء يتعلَّل بما يرتفع من بُخَاره، فقيل له‏:‏ ما تصنع ‏؟‏ فقال‏:‏ أشوي الماء، فضرب به المثل‏.‏
558- بِحَيْثُ العَيْنُ تَرْنُو ما يَضُرُّ‏.‏
يريد حيثُ تنظر العين ترى ما يضر، والباء في ‏"‏بحيث‏"‏ زائدة، كما تزداد في ‏"‏بحسبك‏"‏‏.‏ يضرب لمن إن جامَلْتَه أو جاملت عليه فهو لك مُنْكِر ومنك نَفْور‏.‏
559- بَيْتٌ بِهِ الْحِيَتانُ وَالأنُوقُ‏.‏
وهما لا يجتمعان‏.‏
يضرب لضدين اجْتَمَعَا في أمرٍ واحد‏.‏
560- بِئْسَ مَحَلاًّ بِتُّ في صَرِيمٍ‏.‏
الصَّرِيم‏:‏ الليلُ، والصريم‏:‏ الصبح، وهذا الحرف من الأضداد‏.‏
يريد بئس المحل محلا بت فيه، ثم حذف ‏"‏في‏"‏ فصار بته، ثم حذف الهاء‏.‏
يضرب لمن سكَن إلى مَنْ لا يُوثَقُ بمثله‏.‏
561- بِشْرٌ كَحَنَّةِ العَلُوقِ الرَّائِمِ‏.‏
البِشْر‏:‏ رَوْنَق الوجه وصفاء لونه، والعَلُوق‏:‏ الناقة التي ترأم الولد بأنفها، وتمنعه دَرَّها‏.‏
يضرب لمن يُحْسن القولَ ويقتصر عليه‏.‏
562- بَيْضُ قَطاً يَحْضُنُهُ أَجْدَلُ‏.‏
الأجْدَل‏:‏ الصَّقْر، والحَضْنُ والْحِضَانة‏:‏ ‏[‏ص 110‏]‏ أن يَحْضُن الطائرُ بَيْضَه تحت جناحه‏.‏ يضرب للشريف يُؤْوِي إليه الوضيع‏.‏
563- بَنِيكِ حَمِّرِي وَمَكِّكِينِي‏.‏
قيل‏:‏ أصاب الناسَ جَدْبٌ ومجاعة، وإن رجلاً من العرب جمع شيئاً من تمر في بيته، وله بَنُونَ صِغار وامرأة، فكانت المرأة تَقُوتهم من ذلك التمر، تسوِّي بينهم وتعطي كل واحد جمعة من التمر مثل الْحُمَّرَة، وإن الرجل لا يغني ذلك عنه شيئاً، فأرادت المرأة يوماً أن تَقْسِم بينهم، فقال‏:‏ حَمِّرِي بنيك ومككيني، أي أعطيني مثل المُكَّاء، وهو طائر أكبر من الْحُمَّرة‏.‏
يضرب لمن يُسَوِّي بين أصحابه في العطاء ويختص به قوم فيطمعون في تخصيصه إياهم بأكثَرَ من ذلك‏.‏
564- بَلَغَ اللّهُ بِكَ أَكْلأَ العُمُرِ‏.‏
يقال‏:‏ كَلأَ يَكْلأَ كُلُوأ، إذا تأخر، ومنه الكالئ للنَّسيئة لتأخرها، والمعنى‏:‏ بلَّغك اللّه أَطْوَلَ العمر وآخره‏.‏
565- بِئْسَ مَحَكُّ الضَّيْفِ اسْتُهُ‏.‏
يضرب للئيم، قاله أبو زيد، ولم يزد على هذا، ويروى ‏"‏محل‏"‏ باللام‏.‏
566- بَخٍ بَخٍ سَاقٌ بِخَلْخَالٍ‏.‏
بَخٍ‏:‏ كلمة يقولها المتعجب من حسن الشيء وكماله الواقع موقع الرضا‏,‏ كأنه قال‏:‏ ما أَحْسَنَ ما أراه، وهو ساق مُحَلاَّة بخَلْخال ويجوز أن يريد بالباء معنى مع، فيكون التعجب من حسنهما‏.‏
يضرب في التهكم والهزء من شيء لا موضع للتهكم فيه‏.‏
وأول من قال ذلك الوِرْثَةُ بنت ثَعْلَبَة امرأة ذُهْل بن شَيْبان بن ثعلبة، وذلك أن رَقَاشِ بنتَ عمرو بن عثمان من بني ثعلبة طلقَّها زوجُها كعبُ بن مالك بن تَيْم الله بن ثعلبة بن عُكَايَةَ، فتزوجها ذهل بن شيبان زوج الوِرْثَة ودخل بها، وكانت الوِرْثَةُ، لا تترك له امرأة إلا ضَرَبَتْها وأَجْلَتْها، فخرجت رقاشِ يوماً وعليها خلخالان، فقالت الوِرْثَة‏:‏ بخ بخ ساق بخلخال، فذهبت مثلا، فقالت رقاش‏:‏ أَجَلْ ساقٌ بخَلْخَال، لا كخالك المُخْتَال، فوثبت عليها الوِرْثَةُ لتضربها، فضبَطَتْها رقاشِ وضربتها وغلبتها حتى حُجِزَتْ عنها، فقالت الوِرْثَةُ‏:‏
يا وَيْحَ نَفْسِي اليومَ أدركني الكبر * أأبْكِي على نَفْسي العشيَّةَ أم أَذَرْ
فواللّه لو أدركْتِ فيَّ بقيةً * لَلاَقَيْتِ ما لاقى صَوَاحِبُكِ الأخَرْ
فولدت رقاشِ لذُهْل بن شيبان‏:‏ مُرَّة، وأبا ربيعة، ومحلِّما، والحارث بن ذهل‏.‏ ‏[‏ص 111‏]‏
*3*http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif ما جاء على أفعل من هذا الباب‏.‏
567- أَبْلَغُ مِنْ قُسٍّ‏.‏
هو قُسُّ بن ساعدة بن حُذَافة بن زُهَير ابن إياد بن نِزَار، الإيادي، وكان من حكماء العرب، وأَعْقَلَ من سُمِع به منهم، وهو أول من كَتَب ‏"‏من فلان إلى فلان‏"‏ وأول من أَقَرَّ بالبعث من غير علم، وأول من قال ‏"‏أما بعد‏"‏ وأول من قال ‏"‏البينة على مَنْ ادَّعَى والميمينُ عَلَى من أنكر‏"‏ وقد عُمِّر مائةً وثمانين سنة، قال الأعشى‏:‏
وَأَبْلَغُ من قُسِّ وأَجْرَى مِنَ الذي * بِذِي الغيل مِنْ خفَّانَ أَصْبَحَ خَادِرَا
وأخبر عامر بن شَرَاحيل الشعبيُّ عن عبد الله بن عباس أن وَفْدَ بكر بن وائل قَدِمُوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فَرَغ من حوائجهم قال‏:‏ هل فيكم أحد يعرف قُسَّ بن ساعدة الإيادي ‏؟‏ قالوا‏:‏ كلنا نعرفه، قال‏:‏ فما فَعَلَ ‏؟‏ قالوا‏:‏ هلَكَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ كأني به على جَمَل أحمر بعُكَاظ قائماً يقول‏:‏ أيها الناس، اجْتَمِعُوا واسْتَمِعُوا وَعُوا، كل مَنْ عاش مات، وكل مَنْ مات فَاتَ، وكل ما هو آتٍ آت، إن في السماء لَخَبراً، وإن في الأرض لَعِبَراً، مِهَاد مَوْضُوع، وَسَقْف مَرْفوع، وبِحار تَمْوج، وتجارة تَرُوج، ولَيْل دَاجٍ، وسماء ذاتُ أَبْرَاجٍ، أَقْسَمَ قُسٌّ حقا لئن كان في الأرض رِضاً ليكونَنَّ بعده سخط، وإن للّه عَزَّتْ قُدْرته دِيناً هو أَحَبُّ إليه من دينكم الذي أنتم عليه، مالي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون ‏؟‏ أَرَضُوا فأقاموا، أو تُرِكُوا فناموا ‏؟‏ ثم أنشد أبو بكر رضي الله عنه شعراً حَفِظه له، وهو قوله‏:‏
في الذاهبين الأوَّلِيـ * ـنَ ‏(‏الأولين‏)‏ من القُرُونِ لنا بَصَائرْ
لما رأيت مَوَارِدا * للمَوْتِ ليس لها مَصَادِرْ
ورأيت قومي نَحْوَها * يَسْعَى الأصاغرُ والأكابرْ
لا يَرْجِعُ الماضي إِلىَّ * ولا من الباقين غَابِرْ
أَيْقَنْتُ أني لا مَحَـــــا * لَةَ ‏(‏محالة‏)‏ حيثُ صار القومُ صائرْ
568- أَبْخَلُ مِنْ مادِرٍ‏.‏
هو رجل من بني هِلال بن عامر بن صَعْصَعة، وبلغ من بُخْله أنه سقي إبله فبقي في أسفل الحوض ماء قليل، فسَلَح فيه ومَدَر الحوضَ به، فسمى مادراً لذلك، واسمه مُخَارق‏.‏ ‏[‏ص 112‏]‏
قال أبو الندى‏:‏ وذكروا أن بني فَزَارة وبني هِلال بن عامر تنافروا إلى أنَسِ بن مُدْرك الْخَثْعَمِيّ، وتراضَوْا به، فقالت بنو عامر‏:‏ يا بني فَزَارة أأكَلْتُم أيْرَ حمار، فقالت بنو فزارة‏:‏ قد أكَلْنَاه ولم نَعْرفه، وحديث ذلك أن ثلاثة نفر اصْطَحَبُوا فَزارِي وثَعْلَبيّ وكِلابيّ، فصادُوا حمارا، ومضى الفَزَاريّ في بعض حاجته، فطَبَخَا وأكَلاَ، وخَبَآ للفزاريّ جُرْدَانَ الحمار ‏(‏جردان الحمار وجوفانه - بضم جيمهما - قضيبه‏)‏ فلما رَجَع الفزاري قالا‏:‏ قد خَبَأنا لك، فكُلْ فأقبل يأكله ولا يكاد يُسِيغه، فقال‏:‏ أكُلُّ شِوَاء العَيْر جُوفَان ‏(‏جردان الحمار وجوفانه - بضم جيمهما - قضيبه‏)‏ يعني به الذَّكَر، وجَعَلا يضحكان، ففطن وأخَذَ السيف وقال‏:‏ لتأكلانِّهِ أو لأقتلنكما، ثم قال لأحدهما وكان اسمه مَرْقمة‏:‏ كُلْ منه، فأبى فضربه فأبَانَ رأسَه، فقال الآخر‏:‏ طاح مَرْقَمة، فقال الفزاري‏:‏ وأنت إن لم تَلْقَمه، قال محمد بن حبيب‏:‏ أراد إن لم تَلْقَمهَا، فلما ترك الألفَ ألقى الفتحة على الميم قبل الهاء، كما قالوا وَيْلُم الحيرة وأي رجال بَهْ‏:‏ أي بِهَا‏.‏ قلت‏:‏ إنما قَدَّر الهاء في تَلْقَمها إرادة المضغة أو البضعة، وإلا فليس في الكلام الذي مضى تأنيث ترجع الهاء إليه، فقالت بنو فزارة‏:‏ ولكن منكم يا بني هلال مَنْ قَرَى ‏(‏قرى - جمع‏)‏ في حوضه فسَقَى إبله فلما رَوِيَتْ سلَح فيه ومَدَره بخلاً به أن يُشْرَب فضلُه، فقضى أنسُ بن مُدْرِك على الهلاليين، فأخذ الفزاريون منهم مائة بعير، وكانوا تراهَنُوا عليها‏.‏
وفي بني فَزَارة يقول الكُمَيْت بن ثَعْلبة، والكميتُ من الشعراء ثلاثة‏:‏ أقدمهم هذا، ثم كميت بن معروف، ثم كميت ابن زيد، وكلمهم من بني أسد‏:‏
نَشَدْتُكَ يا فَزَارَ وأنت شَيْخٌ * إذا خُيِّرْتَ تخطئ في الخِيار
أَصَيْحَانية أُدِمَتْ بسمن * أَحَبُّ إليك أم أَيْرُ الحِمار
بلى أَيْرُ الحمار وخُصْيَتَاه * أَحَبُّ إلى فَزَارة من فَزَارِ
فحذف الهاء من فزارة كما تحذف في الترخيم، وإن كان هذا في غير النداء، ويجوز أن يكون أراد ‏"‏من فزاريٍّ‏"‏ فخفف ياء النسبة‏.‏
وفي بني هلال يقول الشاعر‏:‏
لقد جَلِّلَتْ خِزْياً هلالُ بنُ عامرٍ * بَنِي عامرٍ طُرَّا بسَلْحَة مادر
فأفٍّ لكم لا تَذْكُرُوا الفَخْرَ بعدها * بني عامر أنْتُمْ شِرَارُ المَعَاشِرِ
وفي بني فزارة يقول ابنُ دَارَةَ‏:‏
لا تأمنَنَّ فزاريَّا خَلَوْتَ به * على قَلُوصِك واكْتُبْهَا بأسْيَارِ ‏[‏ص 113‏]‏
لا تأمَنَنْهُ وَلاَ تَأْمَنْ بَوَائِقَهُ * بَعْدَ الذي امْتَلَّ أيْرَ العَيْرِ في النار
أطْعَمْتُمُ الضيفَ جُوفَاناً مُخَاتَلَةً * فلا سَقَاكُمْ إِلهِي الخالِقُ البارِي
قال حمزة‏:‏ وحدثني أبو بكر بن دُرَيد قال‏:‏ حدثني أبو حاتم عن أبي عُبَيدة أنه قرأ عليه حديثَ مادر فضحك، قال‏:‏ فقلت له‏:‏ ما الذي أضحكك‏؟‏ فقال‏:‏ تعجبني من تسيير العرب لأمثالٍ لها لو سَيَّرُوا ما هو أهَمُّ منها لكان أبلغ لها، قلت‏:‏ مثل ماذا ‏؟‏ قال‏:‏ مثل مادر هذا جعلوه علما في البخل بفَعْلَةٍ تحتمل التأويل، وتركوا مثل ابن الزُّبَير مع ما يُؤْثر على لفظه وفعله من دقائق البُخْل فتركوه كالغُفْل‏:‏ من ذلك أنه نظر إلى رجل من أصحابه وهو يومئذ خليفة يقاتل الحجاج ابن يوسف على دَوْلته وقد دَقََّ الرجل في صُدُور أهل الشأم ثلاثة أرماح، فقال له‏:‏ يا هذا اعْتَزِلْ عن حربنا فإن بيت المال لا يقوى على هذا‏.‏ وقال في تلك الحرب لجماعة من جُنْده‏:‏ أكلتم تَمْرِي وعَصَيْتم أمري، وسمع أن مالك بن أشعر الرزاميَّ من بني مازن أكَلَ من بعير وَحْده وحمل ما بقي على ظهره فقال‏:‏ دُلُّونِي على قبره أنبشه، وقال لرجل أتاه مُجْتَدِيا وقد أُبْدِعَ به، فشكا إليه حَفَى ناقته، قال‏:‏ اخْصِفْهَا بهلب، وارْقَعْهَا بسبت، وأنجِدْبها يَبْرُدْ خفها، فقال الرجل‏:‏ يا أمير المؤمنين جئتك مُسْتَوْصلا، ولم آتك مُسْتَوْصِفا، فلا بَقِيَتْ ناقة حملتني إليك، فقال‏:‏ إنَّ وصاحِبَهَا، ولهذا الرجل فيه شعر قد نسى‏.‏
قلت‏:‏ وفي بعض النسخ من كتاب أفعل‏:‏ كان هذا الرجل عبد الله بن فَضَالة ‏(‏المحفوظ أن اسم هذا الشاعر عبد الله ابن الزبير - بفتح الزاي وكسر الباء - الأسدي‏)‏ الأسدي، ولما انصرف من عنده قال‏:‏
أرَى الحاجاتِ عِندَ أبي خُبَيْب * نَكِدْنَ، ولا أمَيَّةَ بالبِلاَدِ
وَمَالِي حينَ أقْطَعُ ذاتَ عِرْقٍ * إلَى ابْنِ الكَاهِلِيَّةِ من مَعَادِ
في أبيات ‏.‏ وابن الكاهلية‏:‏ هو عبد اللّه بن الزُّبَيْر، كانت جدة من جداته من بني كَاهِل، فلما بلغ الشعرُ ابنَ الزُّبَير قال‏:‏ لو علم لي أما ألأَم من عمته لسبَّني بها قال أبو عبيدة‏:‏ فلو تكلف الحارث بن كَلَدة طبيبُ العرب أو مالك بن زيد مناة وحُنَيْف الْحَنَاتم آبلاَ العربِ من وصف علاج ناقة الأعرابي ما تكلَّفه هذا الخليفةُ لما كانوا يَعْشُرُونه، وكان مع هذا يأكل في كل أسبوع أكلة، ويقول في خطبته‏:‏ إنما بطني شِبْر في شِبْر، وعندي ما عسى يكفيني، فقال فيه الشاعر‏:‏ ‏[‏ص 114‏]‏
لو كان بَطْنُكَ شِبْرا قد شَبِعْتَ، وقد * أفْضَلْتَ فَضْلا كثيرا للمساكين
فإنْ تُصِبْكَ من الأيام جائحةٌ * لا نَبْكِ منك على دُنْيَا ولا دِينِ
569- أَبْخَلُ مِنْ كَلْبٍ‏.‏
570- أَبْخَلُ مِنْ ذِي مَعْذِرَة‏.‏
هذا مأخوذ من قولهم في مثل آخر‏:‏ المَعْذِرة طَرَفٌ من البخل‏.‏
571- أَبْخَلُ مِنَ الضَّنِينِ بِنَائِلِ غَيْرِهِ‏.‏
هذا مأخوذ من قول الشاعر‏:‏
وإنَّ امْرَأً ضَنَّتْ يَدَاه على امرئ * بنَيْل يدٍ من غيره لَبَخِيلُ
572- أَبَرُّ مِنَ فَلْحَسٍ‏.‏
هو رجل من بني شيبان، زعموا أنه حمل أباه - وكان خَرِفا كبيرَ السن - على عاتقه إلى بيت اللّه الحرام حتى أحَجَّه‏.‏
ويقال أيضاً‏:‏
573- أَبَرُّ مِنَ العَمَلَّس‏.‏
وهو رجل كان بَرَّا بأمه، وكان يحملها على عاتقه‏.‏
574- أبْصَرُ مِنْ زَرْقَاءِ اليَمَامَةِ‏.‏
واليَمَامة‏:‏ اسمُها، وبها سمي البلد، وذكر الجاحظ أنها كانت من بنات لُقْمَان ابن عاد، وأن اسمها عنز، وكانت هى زَرْقَاء وكانت الزبَّاء زَرْقَاء، وكانت البَسُوس زرقاء، قال محمد بن حبيبَ‏:‏ هى امرأة من جَدِيس، يعني زرقاء، كانت تُبْصِر الشيء من مسيرة ثلاثة أيام، فلما قَتَلَتْ جَدِيس طَسْماً خرج رجل من طَسْم إلى حَسَّان بن تُبَّع، فاستجاشه ورَغَّبه في الغنائم، فجهَّز إليهم جيشا، فلما صاروا من جَوّ على مسيرة ثلاث ليلٍ صعدت الزرقاء فنظرت إلى الجيش وقد أُمِرُوا أن يحمل كل رجل منهم شجرة يستتر بها ليلبِّسُوا عليها، فقالت‏:‏ يا قوم قد أتتكم الشَّجَر، أو أتتكم حمير، فلم يصدقوها، فقالت على مثال رجز‏:‏
أقْسِمُ باللّه لقد دَبَّ الشَّجَرْ * أو حِمْيَر قد أخَذَتْ شيئا يجر
فلم يصدقوها، فقالت‏:‏ أحلف باللّه لقد أرى رَجُل، يَنْهَسُ كتْفاً أو يَخْصِفُ النعل فلم يصدقوها، ولم يستعدُّوا حتى صَبَّحهم حَسَّان فاجتاحهم، فأخذ الزرقاء فشقّ عينيها فإذا فيهما عُرُوق سود من الإثمِدِ، وكانت أولَ من اكتحل بالإثمد من العرب، وهي التي ذكرها النابغة في قوله‏:‏
وَاحْكُمْ كَحُكْمِ فَتَاةِ الحيِّ إذْ نَظَرَتْ * إلى حمامٍ سِرَاعٍ وارِدِ الثَّمَدِ ‏[‏ص 115‏]‏
575- أَبْعَدُ مِنَ النّجْمِ، وَمِنْ مَنَاطِ الْعَيُّوقِ، وَمِنْ بَيْض الأَنُوقِ، وَمِنَ الكَوَاكِب‏.‏
أما النجم فإنه يُرَاد به الثريا، دون سائر الكواكب، ومنه قول الشاعر‏:‏
إذا النَّجْمُ وافَى مَغْرِبَ الشمس أجحرت*مقارى حيى وَاشْتَكَى العُذْرَ جَارُهَا
وأما العَيُّوق فإنه كوكب يطلُع مع الثريا، قال الشاعر‏:‏
وإن صُدَيّاً والمَلاَمة ما مشى * لَكالنَّجْمِ وَالْعَيُّوق ما طَلَعَا مَعَا
صُدَى‏:‏ قبيلة، أي هي أبدا مَلُومة، والملامة تمشي معها لا تفارقها‏.‏
وأما بَيْضُ الأنُوق فهو - أعني الأنوق - اسم للرخَمَة، وهي أبعد الطير وَكْرا، فضربت العرب به المثل في تأكيد بُعْدِ الشيء وما لا يُنَال، قال الشاعر‏:‏
وكُنْتُ إذا اسْتُودِعْتُ سرا كَتَمْتُهُ * كبيض أَنُوقٍ لا يُنَال لها وَكْرُ
576- أَبْصَرُ مِنْ فَرَس بَهْماء فِي غَلَسٍ‏.‏
وكذلك يضرب المثل فيه بالعُقَاب فيقال‏:‏
577- أَبْصَرُ مِنْ عُقَاب مَلاعِ‏.‏
قال محمد بن حبيب‏:‏ مَلاَع اسم هَضْبة، وقال غيره‏:‏ مَلاَع اسم للصحراء، قال‏:‏ وإنما قالوا ذلك لأن عُقَاب الصحراء أبْصَرُ وأسْرَع من عقاب الجبال، ويقال للأرض المستوية الواسعة‏:‏ مَلِيع، ومَيْلَع أيضا، قال الشاعر ‏(‏هو امرؤ القيس بن حجر الكندي‏)‏ يصف إبلا أُغِيرَ عليها فذهبت‏:‏
كان دِثَارًا حَلَّقَتْ بلَبُونِهِ * عُقَاب مَلاَع لا عُقَاب الْقَوَاعِلِ
دِثار‏:‏ اسم رَاعٍ، والقواعل‏:‏ الجبال الصغار، وقال أبو زيد‏:‏ عقاب مَلاع هي السريعة، لأن المَلْع السرعة، ومنه يقال‏:‏ ناقة مَلُوع ومَلِيع أي سريعة، وقال أبو عمرو بن العَلاَء‏:‏ العرب تقول‏:‏ أنت أخَفُّ يداً من عُقَيِّبِ ملاع، وهي عُقَاب تصطاد العصافير والْجُرْذَانَ‏.‏
578- أَبْصَرُ مِنْ غُرَابٍ‏.‏
زعم ابن الأعرابي أن العرب تسمي الغراب أعْوَر لأنه مُغْمِض أبدا إحدى عينيه مقتصر على إحداهما من قوة بَصَره، وقال غيره‏:‏ إنما سَمَّوه أعور لحدة بصره على طريق التفاؤل له، وقال بشار بن برد‏:‏
وقد ظَلَمُوه حين سَمَّوه سيدا * كما ظلم الناسُ الغرابَ بأعْوَرَا
قال أبو الهيثم‏:‏ يقال‏:‏ إن الغُرَاب ‏[‏ص 116‏]‏ يُبْصر من تحت الأرض بقَدْر منقاره‏.‏

579- أَبْصَرُ مِنَ الْوَطْوَاطِ بِالَّليْلِ‏.‏
أي أعرف منه، والوَطْواط‏:‏ الخُفَّاشُ ويقولون أيضا ‏"‏ أبْصَرُ ليلا من الوَطْواط‏"‏ ويقال أيضا للخطاف الوَطْواط، ويسمون الجبان الوطواط‏.‏
580- أَبْصَرُ مِنْ كَلْبٍ‏.‏
هذا المثل رواه بعض المحدثين ذاهبا إلى قول الشاعر وهو مُرَّة بن مَحْكان‏.‏
في ليلة من جُمَادَى ذَاتِ أنْدِيَةٍ * لا يُبْصِر الكلْبُ من ظَلْمائها الطُّنُبَا
581- أَبْأَي مِنْ حُنَيْفِ الْحَنَاتِمِ‏.‏
من البَأْى، وهو الفَخْر، وكان بلَغ من فخره أن لا يكلم أحدا حتى يَبْدَأه هو بالكلام‏.‏
582- أَبْأَي مِمَّنْ جاءَ بِرَأْسِ خَاقَان‏.‏
قال حمزة‏:‏ هذا مَثَل مولَّد حكاه المفضل بن سلَمة في كتابه المترجم بالكتاب الفاخر في الأمثال، قال‏:‏ والعامة تقول ‏"‏كأنه جاء برأس خَاقَان‏"‏ وخاقان هذا كان ملكا من ملوك الترك خرج من ناحية باب الأبواب، وظهر على أرمينية، وقتل الْجَرَّاح ابن عبد الله عاملَ هِشام بن عبد الملك عَلَيها، وغَلُظَت نكايته في تلك البلاد، فبعث هشامٌ إليه سعيدَ بن عمرو الْجَرَشِيَّ، وكان مَسْلَمة صاحب الجيش، فأوقع سعيد بخاقان، ففضّ جمعه، واحتزَّ رأسه، وبعث به إلى هشام، فعظُم أثره في قلوب المسلمين، وفَخُم أمره، ففخر بذلك حتى ضرب به المثل‏.‏
583- أَبَرُّ مِنْ هِرَّةٍ‏.‏
ويقال أيضا ‏"‏أعَقُّ من هرة‏"‏ وشرح ذلك يجيء في موضع آخر من هذا الكتاب‏.‏
584- أَبْغَضُ مِنَ الطَّلْيَاءِ‏.‏
هذا يفسَّر على وجهين، يقال‏:‏ الطَّلْياء الناقة الْجَرْباء المَطْلِيَّة بالهِنَاء، ويروى هذا المثل بلفظ آخر فيقال ‏"‏أبْغَضُ إلي من الجَرْبَاء ذات الهِنَاء‏"‏ وذلك أنه ليس شيء أبغض إلى العرب من الْجَرَبِ لأنه يُعْدِي، والوه الآخر أنه يعني بالطلياء خِرْقَة العارك ‏(‏العارك‏:‏ الحائض‏)‏ التي تَفْتَرِمُها من الافترام وهو الاعْتِبَاء والاحْتِشَاء، وكله بمعنى واحد ‏.‏ ويقولون هذا المثل بلفظة أخرى، وهي ‏"‏أقْذَرُ من مِعْبَأة‏"‏ ويقولون ‏"‏أهْوَنُ من مِعْبَأة‏"‏ وهي خِرْقَة الحائض، والجمع مَعَابئ‏.‏
585- أَبْرَدُ مِنْ عَضْرَس‏.‏
وهو الماء الجامد، والعُضَارِس بالضم مثله، قال الشاعر‏:‏ ‏[‏ص 117‏]‏
يارُبَّ بَيْضَاء من العَطَامِسِ * تَضْحَك عن ذي أشَرٍ عُضَاِرس ‏(‏العطامس‏:‏ جمع عطموس - بزنة عصفور - وهي المرأة الجميلة التامة الخلق، والأشر‏:‏ تحزيز يكون في الأسنان خلقة أو عن صنعة‏)‏
وفي كتاب العين‏:‏ العَضْرَس ضرب من النبات، قال ابن مُقْبل‏:‏
والْعَيْرُ ينفخ في الْمَكْنَان قد كَتِنَتْ * مِنْهُ جَحَافِلُه والعَضْرَسِ الثَّجِرِ
أي العريض‏.‏
586- أَبْرَدُ مِنْ عَبْقَر‏.‏
وبعضهم يقول ‏"‏من حبقر‏"‏ وهما البرد عند محمد بن حبيب، وأنشد فيهما‏:‏
كأن فَاهَا عَبْقَرِيٌّ بارِدٌ * أورِيحُ رَوْض مَسَّه تَنْضَاحُ رِكَ
التنضاح‏:‏ ما ترشَّش من المطر، والرك‏:‏ المطر الخفيف الضعيف، وأحسن ما تكون الروضة إذا أصابها مطر ضعيف، فمحمد بن حبيب يروي هذا المثل ‏"‏أبردُ من عَبْقَرٍ‏"‏ وأبو عمرو بن العلاء يرويه ‏"‏أبْرَدُ من عَبّ قَرّ‏"‏ قال‏:‏ والعَبْ اسمٌ للبَرْد، وأنشد البيت على غير ما رواه ابن حبيب فقال‏:‏
كأَنَّ فاها عَبُّ قُرٍّ بَارِد * أو ريحُ روض مَسَّهُ تَنْضَاحُ رِكْ
قال‏:‏ وبه سمى ‏"‏عَبْ شَمْس‏"‏ والمبرد يرويه ‏"‏عَبْقُر‏"‏ ذكر ذلك في كتابه المقتضب في أثناء أبنية الأسماء في الموضع الذي يقول فيه‏:‏ العَبْقُرُّ البرد والعرنقصان نبت ‏.‏ وقال غيرهم‏:‏ عَب الشمس ضوء الصبح، فهذا أغرب تصحيف وقع في روايات علماء اللغة، ومتى صحت رواية أبي عمرو وجَب أن يجري عبقر على هذا القياس فيقال ‏"‏عب قر‏"‏ وحجة من يجيز ذلك تسمية العرب البرد بحَبِّ المُزْن وحب الغَمَام، وجاء ابن الأعرابي فوافَقَ أبا عمرو في هذا المثَل بعضَ الوفاق وخالفه بعض الخلاف، زعم أن عب شمس بن زيد مناة بن تميم اسمُه عَبْءُ شمسٍ بالهمز‏:‏ أي عدلها ونظيرها، والعبآن‏:‏ العدْلاَنِ، قال‏:‏ وقال أبو عبيدة‏:‏ عب الشمس ضوؤها‏.‏
587- أَبْرَدُ مِنْ غِبِّ المَطَرِ‏.‏
يعني أبرد من غِبِّ يوم المطر‏.‏
588- أَبْرَدُ مِنْ جِرْبِياءَ‏.‏
الجِرْبِيَاء‏:‏ اسمٌ للشمال، وقيل لأعرابي‏:‏ ما أشدُّ البردِ ‏؟‏ فقال‏:‏ ريح جِرْبِياء، في ظل عماء، غبَّ سماء ‏.‏ قيل‏:‏ فما أطيبُ المِياه ‏؟‏ قال‏:‏ نُطْفة زرقاء، من سحابة غَرَّاء، في صَفَاة زَلاَّء ‏.‏ ويروى ‏"‏بلاء‏"‏ أي مستوية ملساء‏.‏
589- أَبْطَأُ مِنْ فِنْدٍ‏.‏
يعَنْوُن مولًى كان لعائشة بنت سعد ‏[‏ص 118‏]‏ ابن أبي وقَّاص، وسأذكر قصته في حرف التاء عند قولهم ‏"‏تَعِسَت العَجَلَة‏"‏
590- أَبْخَرُ مِنْ أَسَدٍ، وَمِنْ صَقْرٍ‏.‏
وفيه يقول الشاعر‏:‏
وله لحيةُ تَيْسٍ * وله مِنْقَارُ نَسْر
وله نَكْهَة لَيْثٍ * خالَطَتْ نكْهَةَ صَقْرِ
591- أَبْقَى مِنَ الدَّهْر‏.‏
ويقال أيضا‏:‏ ‏"‏أبْقَى عَلَى الدَّهْرِ مِنَ الدَّهْرِ‏"‏
ومن أمثال العرب السائرة‏:‏ البئر أبْقى من الرِّشَاء‏.‏
592- أَبْقَى مِنْ تَفَارِيقِ العَصَا‏.‏
هذا المثل قد ذكَرْناه في الباب الأول في قولهم ‏"‏إنك خيرٌ من تفاريق العصا‏"‏
593- أَبْطَشُ مِنْ دَوْسَرَ‏.‏
قالوا‏:‏ إن دَوْسر إحدى كَتَائب النعمان بن المنذر ملك العرب، وكانت له خمس كتائب‏:‏ الرهائن، والصنائع، والوضائع، والأشاهب، ودوسر، وأما الرهائن فإنهم كانوا خمسمائة رجل رَهَائن لقبائل العرب، يُقِيمون على باب الملك سنةً ثم يجيء بدلَهم خمسُمائة أخرى، وينصرف أولئك إلى أحيائهم، فكان الملكُ يغزو بهم ويُوَجِّههم في أموره‏.‏ وأما الصنائع فبنو قَيْس وبنو تَيْم اللاَّتِ ابني ثعلبة، وكانوا خَوَاصَّ الملك لا يَبْرَحُون بابه ‏.‏ وأما الوضائع فإنهم كانوا ألفَ رجلٍ من الفُرْس يضعهم ملكُ الملوك بالحِيرة نَجْدَةً لملك العرب، وكانوا أيضاً يقيمون سنةً ثم يأتي بدلَهم ألفُ رجلٍ، وينصرف أولئك ‏.‏ وأما الأشاهب فإخْوَةُ ملك العرب وبنو عمه ومَنْ يتبعهم من أعوانهم، وسموا الأشاهب لأنهم كانوا بيضَ الوجوه ‏.‏ وأما دَوْسَر فإنها كانت أخْشَنَ كتائبه وأشدَّها بطشاً ونكاية، وكانوا من كل قبائل العرب، وأكثرهم من ربيعة، سميت دوسر اشتقاقا من الدَّسْر، وهو الطعن بالثقل، لثقل وطأتها، قال الشاعر‏:‏
ضَرَبَتْ دَوْسَرُ فيهم ضربةً * أثبتَثْ أَوْتاد مُلْكٍ فاستقر
وكان ملك العرب عند رأس كل سنة - وذلك أيام الربيع - يأتيه وُجُوه العرب وأصحاب الرهائن، وقد صير لهم أكلا عنده، وهو ذوو الآكال، فيقيمون عنده شهراً، ويأخذون آكالهم، ويُبَدِّلون رهائنهم، وينصرفون إلى أحيائهم ‏.‏
594- أَبْرَدُ مِنْ أَمْرَدَ لا يُشْتَهى، وَمِنْ مُسْتَعْمِلِ النَّحْوِ في الحسابِ، وَمِنْ بَرْدِ الكَوَانِينِ‏.‏ ‏[‏ص 119‏]‏
595- أَبْغَضُ مِنْ قَدَحِ اللَّبْلاَبِ، ومِنْ الشَّيْبِ إلَى الغَوَانِي، ومِنْ رِيحِ السَّدَاب إلَى الْحَيَّاتِ، ومِنْ سَجَّاَدة الزَّانِيَةِ، وَمِنْ وُجُوهِ التُّجَّارِ يَوْمَ الكَسَادِ‏.‏
596- أَبْوَلُ مِنْ كَلْبٍ‏.‏
قالوا‏:‏ يجوز أن يُرَاد به البول بِعَيْنه، ويجوز أن يراد به كثرة الولد، فإن البول في كلام العرب يكنى به عن الولد‏.‏
قلت‏:‏ وبذلك عَبَّرَ ابْنُ سيرين رؤيا عبد الملك بن مروان حين بَعَثَ إليه‏:‏ إني رأيتُ في المنام أني قمتُ في محراب المسجد وبُلْت فيه خمس مرات، فكتب إليه ابنُ سيرين‏:‏ إن صَدَقَت رؤياك فسيقومُ من أولادك خمسة في المحراب، ويتقلدون الخلافة بعدك، فكان كذلك‏.‏
597- أَبيَنُ مِنْ فَلَقِ الصُّبْحِ، وَفَرَقِ الصُّبْحِ‏.‏
وهما الفجر، وفي التنزيل ‏{‏قل أعوذ برب الفلق‏}‏ يعني الصبح وبيانه‏.‏
598- أَبْطَأُ مِنْ مَهْدِيِّ الشِّيعَةِ، وَمِنْ غُرَابِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامَ‏.‏ُ
وذلك أن نوحا بعَثه لينظر هل غرقت البلاد‏؟‏ ويأتيه بالخبر، فوجد جيفَةً فوقع عليها فدعا عليه نوح بالخوف، فلذلك لا يألف الناس، ويضرب به المثل في الإبطاء‏.‏
599- أَبْقَى مِنْ وَحْىٍ في حَجَرٍ‏.‏
الَوْحى‏:‏ الكتابة، والمكتوب أيضاً، وقال‏:‏ كما َضِمَن الوُحِىَّ سِلاَمُهَا*
600- أَبْلَدُ مِنْ ثَوْرٍ، وَمِنْ سُلحَفْاَةٍ‏.‏
601- أَبْشَعُ مِنْ مَثَلٍ غَيْرِ سائِرٍ‏.‏
602- أَبْغَى منَ الإِبْرَةِ، وَمِنَ الزَّبِيبِ، وَمِنَ الْمِحْبَرَةِ‏.‏
وقال‏:‏
أَبْغَى من الإِبْرَةِ لكنَّه * يوهِمُ قوماً أنه لُوطِى
603- أَبْقَى مِنَ النَّسْرَيِنْ‏.‏
يعني النسر الطائر، والنسر الواقع، وَ ‏"‏مِنَ العَصْرَيْن‏"‏ يعني الغَدَاة والعَشِيَّ‏.‏
604- أَبْهَى مِنَ القَمَرَيْنِ‏.‏
يعني الشمسَ والقمر‏.‏
605- أَبْهَى مِنْ قُرْطَيْنِ بَيْنَهُمَا وَجْهٌ حَسَنٌ‏.‏
606- أَبْكَرُ مِنْ غُرَابٍ‏.‏ ‏[‏ص 120‏]‏
وهو أشد الطير بُكُوراً‏.‏
607- أَبْكَى مِنْ يَتِيمٍ‏.‏
وفيه المثل السائر ‏"‏لا تعلم اليتيم البكاء‏"‏
608- أَبْخَلُ مِنْ صَبِيٍّ، وَمن كَسع‏.‏
قالوا‏:‏ هو رجل بَلَغ من بخله أنه كَوَى إسْتَ كلبه حتى لا يَنْبَح فيدل عليه الضيف‏.‏
المولدون
بِئْسِ الشِّعارُ الحسَدُ‏.‏
بَيْنَ البَلاَءِ وَالْبَلاَءِ عَوَافِي‏.‏
جمع عافية‏.‏
بَيْتِي أَسْتَرُ لِعَوْراتِي‏.‏
يضرب لمن يؤثر العُزْلة‏.‏
بَيْتُ الإِسْكافِ فِيِه مِنْ كلِّ جِلْدٍ رُقْعَة‏.‏
يضرب لأخْلاَط الناس‏.‏
بِعِ الحَيَوانَ أَحْسَنَ ما يَكُونُ في عَيْنِكَ‏.‏
بِعِ المَتَاعَ مِنْ أَوَّلِ طَلَبِهِ تُوَفَّقْ فِيِه‏.‏
بِعِلَّةِ الزَّرْعِ يُسْقَي القَرْعُ‏.‏
بِعِلَّةِ الدَّايَةِ يُقْتَلُ الصَّبِيُّ‏.‏
بُغَاثُ الطَّيْرِ أَكْثَرُهَا فِرَاخاً‏.‏
بَذْلُ الجاهِ أَحَدُ المالَيْنِ‏.‏
بَشِّرْ مالَ الشَّحِيحِ بِحَادِثٍ أَوْ وَارِثٍ‏.‏
قاله ابن المعتز‏.‏
بَعْضُ الشَّوْكِ يَسْمَحُ بالمَنِّ‏.‏
بَعْضُ العَفْوِ ضَعْفٌ‏.‏
بَعْضُ الحِلمِ ذُلٌّ‏.‏
برِئْتُ مِنْ رَبٍّ يَرْكَبُ الحِمَارَ‏.‏
بَلَدٌ أَنْتَ غَزَالُهُ، كَيْفَ باللّهِ نَكالُهُ‏.‏
بِهِ حَرَارَةٌ‏.‏
يضرب للمتهم‏.‏
به دَاءُ المُلُوكِ ‏.‏ مثله
بَيْنَ وَعْدِهِ وَإِنْجَازِهِ فَتْرَةُ نَبِيّ‏.‏
بَيْنِي وَبَيْنَهُ سُوقُ السِّلاَحِ‏.‏
يضرب في العداوة‏.‏
بَدَنٌ وَافِرٌ وَقَلْبٌ كافِرٌ‏.‏
بِجَبْهَةِ العَيْرِ يُفْدَى حَافِرُ الفَرَسِ‏.‏
بِقَدْرِ السُّرُورِ يَكُونُ التَّنْغِيصُ‏.‏
بَعْدَ البَلاَءِ يكونُ الثَّنَاءُ‏.‏
بَعْدَ كُلِّ خُسْرٍ كَيْسُ‏.‏
باعَ كَرْمَهُ وَاشْتَرَى مَعْصَرَه‏.‏
بِذاتِ فَمِهِ يَفْتَضِحُ الكَذُوبُ‏.‏
بِشْرُكَ تُحْفَةٌ لإِخْوَانِكَ‏.‏
بَيْنَ جَبْهَتِهِ وَبَيْنَ الأرْضِ جِنَايَةٌ‏.‏
أي لا يصلي‏.‏ ‏[‏ص 121‏]‏
الْبُسْتَانُ كُلُّهُ كَرَفْسٌ‏.‏
يضرب في التَّساوي في الشر‏.‏
البَغْلُ الهَرِمُ لا يُفْزِعُهُ صَوْتُ الجُلْجُل‏.‏
ابْنُهُ على كَتِفِهِ وَهُوَ يَطْلُبُهُ‏.‏
ابْنُ آدَمَ لاَ يَحْتَمِلُ الشَّحْمَ‏.‏
ابنُ عَمِّ النَّبِيِّ مِنَ الدُّلْدُلِ‏.‏
يضرب للدعي يَدَّعِي الشرفَ، والدلدل‏:‏ اسم بَغْلة النبي عليه الصلاة والسلام‏.‏ وكذلك يقال ‏"‏ابن عمه من اليَعْفُور‏"‏ وهو اسم حمارٍ له صلى الله عليه وسلم‏.‏
البَيَاضُ نِصْفُ الحُسْنِ‏.‏
بئسَ وَاللّهِ ما جَرَى فَرَسِي‏.‏
يضرب فيمن قصر أو قصر به‏.‏
بَطْنٌ جائِعٌ وَوَجْهٌ مَدْهُون‏.‏
يضرب للمُتَشَبِّع زُوراً‏.‏
ابنُ آدَمَ حَرِيصٌ على ما مُنِعَ مِنْهُ‏.‏
البَصَرُ بالزبُونِ تِجارة‏.‏
يضرب في المعرفة بالإنسان وغيره‏.‏




B-happy 3 - 3 - 2010 02:21 AM


*2* http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif الباب الثالث فيما أوله تاء‏.‏
609- تَرَكَ الظَّبْيُ ظِلَّلُه‏.‏
الظلل ههنا‏:‏ الكِنَاسُ الذي يستظل به في شدة الحر فيأتيه الصائدُ فيثيره فلا يَعُود إليه، فيقال ‏"‏ترك الظبي ظِلَّه‏"‏ أي موضع ظله‏.‏
يضرب لمن نَفَر من شيء فتركه تركاً لا يعود إليه، ويضرب في هَجْر الرجل صاحبَه‏.‏
610- تَرَكْتُهُ عَلَى مِثْلِ مَقْلَع الصَّمْغَةِ‏.‏
أي تركْتُه ولم يَبْقَ له شيء لأن الصَّمْغ إذا قلع لم يبق له أثر‏.‏
ومثله قولهم‏:‏
611- تَرَكْتُهُ عَلَى مِثْلِ لَيْلَةِ الصَّدَرَ‏.‏
وهي ليلة يَنْفِرُ الناسُ من منًى فلا يبقى منهم أحد‏.‏ ومثلُهما‏:‏
612- تَرَكْتُهُ عَلَى أَنْقَى مِنَ الرَّاحَةِ‏.‏
أي على حال لا خَيْرَ فيه كما لا شَعْرَ على الراحة‏.‏
وكلها يضرب في اصْطِلاَمِ الدهرِ الناسَ والمالَ‏.‏ ‏[‏ص 122‏]‏
613- تَرَكَ الخِدَاعَ مَنْ أَجْرَى مِنْ مائَةٍ‏.‏
أي من مائة غَلْوة، وهي اثنا عشر مِيلا، قال الأصمعي‏:‏ يجري الجُذْعَانُ أربعين، والثُّنْيَانُ ستين، والرّبَعُ ثمانين، والقُرَّحُ مائة، ولا يجري أكثر من ذلك‏.‏ وهذا من كلام قيس بن زُهَير، قاله لِحُذَيفة بن بَدْر يوم دَاحِس‏:‏ أي لو كان قَصْدي الخِدَاع لأجريت من قريب‏.‏
614- تمَامُ الرَّبِيِع الصَّيْفُ‏.‏
أي تظهر آثار الربيع في الصيف كما قيل‏:‏ الأعمال بخَوَاتيمها، والصيف المطر يأتي بعد الربيع‏.‏ يضرب في استنجاح تمام الحاجة‏.‏
615- تَرْكُ الذَّنْبِ أيْسَرُ مِنْ طَلَبِ التَّوْبةِ‏.‏
يضرب لما تركُه خيرٌ من ارتكابه‏.‏
616- تَرَكَنِي خِبْرَةُ النَّاسِ فَرْداً‏.‏
الخِبرة‏:‏ الاسم من الاختبار، ونصب ‏"‏فردا‏"‏ على الحال‏.‏
617- تَصْنَعُ فِي عَامَيْنِ كُرُزاً مِنْ وَبَرٍ‏.‏
الكرز‏:‏ الجُوَالق‏.‏
يضرب مثلا للبَطِئ في أمره وعمله‏.‏
618- تَجَنَّبَ رَوْضَةً وأحالَ يَعدُو‏.‏
يضرب لمن اختار الشقاء على الراحة، وأحال‏:‏ أي أقبل‏.‏
619- تَجُوعُ الحُرَّةُ وَلاَ تَأكُلُ بِثَدْيَيْهَا‏.‏
أي لا تكون ظِئْراً وإنْ آذاها الجوع، ويروى ‏"‏ولا تأكل ثدييها‏"‏ وأول من قال ذلك الحارث بن سليل الأسَدِي، وكان حليفا لعَلْقَمَة بن خَصَفة الطائي، فزارَُه فنظر إلى ابنته الزَّبَّاء - وكانت من أجمل أهل دهرها - فأعْجِبَ بها، فقال له‏:‏ أتيتُكَ خاطبا، وقد ينكح الخاطب، ويدرك الطالب، ويمنح الراغب، فقال له علقمة‏:‏ أنت كُفْءٌ كريم، يقبل منك الصَّفْو، ويؤخذ منك العَفْو، فأقِمْ ننظر في أمرك، ثم انكفأ إلى أمها فقال‏:‏ إن الحارث بن سليل سيدُ قومه حَسَبا ومَنْصِباً وبيتا، وقد خطب إلينا الزبَّاء فلا ينصرفَنَّ إلا بحاجته، فقالت امرأته لابنتها‏:‏ أيُّ الرجالِ أحبُّ إليك‏:‏ الكَهْلُ الجَحْجَاح، الواصِلُ المَنَّاح، أم الفتى الوَضَّاح ‏؟‏ قالت‏:‏ لا، بل الفتى الوضاح، قالت‏:‏ إن الفتى يُغِيرُك، وإن الشيخ يَمِيرُك، وليس الكَهْل الفاضل، الكثيرُ النائِل، كالحديث السنِّ، الكثير ‏[‏ص 123‏]‏ المَنِّ، قالت‏:‏ يا أمتاه إن الفَتَاة تحبُّ الفتى كحبِّ الرعاء أنِيقَ الكَلاَ، قالت‏:‏ أي بُنَية إن الفتى شديد الحِجاب، كثير العِتاب، قالت‏:‏ إن الشيخ يُبْلِي شبابي، ويدنس ثيابي، ويُشْمت بي أترابي، فلم تزل أمها بها حتى غلبتها على رأيها، فتزوجها الحارث على مائة وخمسين من الإبل وخادم وألف درهم، فابْتَنَى بها ثم رَحَل بها إلى قومه، فبينا هو ذاتَ يوم جالسٌ بفِناء قومه وهي إلى جانبه إذ أقبَلَ إليه شَبَابٌ من بني أسد يعتلجون فتنفَّست صُعَداء، ثم أرْخَتْ عينيها بالبكاء، فقال لها‏:‏ ما يُبْكِيكِ‏؟‏ قالت‏:‏ مالي وللشيوخ، الناهضين كالفُرُوخ، فقال لها‏:‏ ثَكِلَتْكِ أمُّكِ تَجُوع الحرة ولا تأكل بثدييها‏.‏
قال أبو عبيد‏:‏ فإن كان الأصل على هذا الحديث فهو على المثل السائر ‏"‏لا تأكل ثدييها‏"‏ وكان بعضُ العلماء يقول‏:‏ هذا لا يجوز، وإنما هو ‏"‏لا تأكل بثدييها‏"‏
قلت‏:‏ كلاهما في المعنى سَوَاء، لأن معنى ‏"‏لا تأكل ثدييها‏"‏ لا تأكل أجْرَةَ ثدييها، ومعنى ‏"‏بثدييها‏"‏ أي لا تعيش بسبب ثَدْييها وبما يُغِلاَّن عليها‏.‏
ثم قال الحارث لها‏:‏ أما وأبيك لرُبَّ غارةٍ شهدتها، وسَبِيَّة أردفتها، وخَمْرة شربتها، فالحقي بأهلك فلا حاجة لي فيك، وقال‏:‏
تَهَزَّأت أنْ رَأتْنِي لابساً كِبَراً * وغايةُ الناس بين المَوْتِ والكِبَرِ
فإن بقيتِ لقيتِ الشَّيْبَ راغمَةً * وفي التعرُّفِ ما يمضي من العِبَرِ
وإن يكن قد عَلاَ رأسي وغَيَّره * صَرْفُ الزمانِ وتغييرٌ من الشَعرِ
فقد أرُوحُ للذَّاتِ الفَتَى جَذِلا * وَقَدْ أصِيبُ بها عِيناً من البَقَرِ
عَنِّي إليكِ فإني لا تُوَافِقُنِي * عُورُ الكلام ولا شُرْبٌ على الكَدَرِ
يضرب في صيانة الرجل نفسه عن خسيس مكاسب الأموال‏.‏
620- تَحْسَبُها حَمْقَاءَ وَهْيَ باخِسٌ‏.‏
ويروى ‏"‏باخسة‏"‏ فمن روى باخس أراد أنها ذات بَخْس تَبْخَسُ الناسَ حقوقَهم، ومن روى ‏"‏باخسة‏"‏ بناه على بَخَسَتْ فهي باخسة‏.‏
يقال‏:‏ إن المثل تكلم به رجلٌ من بني العَنْبَر من تميم، جاورته امرأة فنظر إليها فحسبها حمقاء لا تعقل ولا تحفظ ولا تعرف مالها، فقال العنبري‏:‏ ألا أخْلِطُ مالي ومَتَاعي بمالها ومتاعها ثم أقاسمها فآخذ خيرَ متاعها ‏[‏ص 124‏]‏ وأعطيها الرديء من متاعي، فقاسمها بعد ما خَلَط متاعه بمتاعها، فلم ترض عند المُقَاسَمة حتى أخَذَتْ متاعها، ثم نازعته وأظهرت له الشكوى حتى افْتَدَى منها بما أرادت، فعُوتِبَ عند ذلك، فقيل له‏:‏ اخْتَدَعْتَ امرأة، وليس ذلك بِحَسَنِ، فقال‏:‏ تحسَبُها حَمْقَاء وهي باخسة‏.‏
يضرب لمن يتباله وفيه دهاء‏.‏
621- تَرَكْتُهُ فِي وَحْشِ إِصْمِتَ، وَبِبَلْدَةِ إِصْمِتَ، وَفي بَلْدَةِ إِصْمِتَةَ‏.‏
أي في فلاةٍ‏.‏ يضرب للوَحِيد الذي لا ناصر له‏.‏
622- تَركْتُهُ باسْتِ المَتْنِ‏.‏
المَتْن‏:‏ ما صَلُب من الأرض، أي تركته وحيدا‏.‏
623- تَاللّهِ لَوْلاَ عِتْقُهُ لَقدْ بَلِىَ‏.‏
العِتْق‏:‏ العَتَاقة، وهي الكَرَم ‏.‏يضرب للصَّبُور على الشدائد‏.‏
624- تَذَكَّرَتْ رَيَّا وَلَداً‏.‏
رَيًّا‏:‏ اسم امرأة ‏.‏ يضرب لمن يَتَنَبَّهُ لشيء قد غَفَل عنه‏.‏
625- تَعْجِيلُ العِقابِ سَفَهٌ‏.‏
أي إن الحليم لا يعجل بالعقوبة‏.‏
626- تَشَدَّدِي تَنْفَرِجِي‏.‏
الخطاب للداهية‏:‏ أي تَنَاهِي في العظم والشدة تذهبي ‏.‏ يضرب عند اشتداد الأمر‏.‏
627- تِيهُ مُغَنٍّ وُظَرْفُ زِنْدِيقٍ‏.‏
يروى هذا عن أبي نُوَاس، وأراد بقوله ‏"‏ظَرفُ زنديق‏"‏ مُطيعَ بن إياس، ولَقَّبه بذلك بشار بن برد، وكان إذا وصَف إنساناً بالظَّرْف قال‏:‏ أظْرَفُ من الزنديق، يعني مُطيعاً، لأن من تزندق كان له ظَرْف يُبَاين به الناس، ومن قال ‏"‏فلان أظرف من زنديق‏"‏ فقد غلط‏.‏
628- تَسْألُني بِرَامَتَيْنِ سَلْجَماَ‏.‏
رَامة‏:‏ موضع بقرب البَصْرة، والسلجم‏:‏ معروف، قال الأزهري‏:‏ هو بالسين غير معجمة، ولا يقال شلجم ولا ثلجم، وضم رامة إلى موضع آخر هناك فقال ‏"‏برامتين‏"‏ كما قال عنترة‏.‏
شَرِبَتْ بماء الدُّحْرُضَيْنِ*
وإنما هو وَسِيع ودُحْرُض، وهما ماآن أو موضعان، فثنى بلفظ أحدهما، كما يقال‏:‏ القَمَرَان، والعُمَرَانِ‏.‏
يضرب لمن يطلب شيئاً في غير موضعه‏.‏ ‏[‏ص 125‏]‏
629- تَجَشَّأ لقمانُ مِنْ غَيْر شِبَعِ‏.‏
تجشَّأ‏:‏ أي تكلَّف الجْشاَء ‏.‏ يضرب لمن يَدَّعي ما ليس يملك‏.‏
ويقال ‏"‏تجشَّأ لقمان من غير شِبَع، من عُلْبَتَين وثمانٍ ورُبَع‏"‏ قال أبو الهيثم‏:‏ فهذه عشر علب مع رُبَع لم يَعُدَّها لقمان شيئاً لكثرة حاجته إلى الأكل وقد تجشأ تجشُّؤ غير الشبعان‏.‏
630- تُخْبِرُ عَنْ مَجْهُولِه مَرْآتُهُ‏.‏
أي مَنْظَره يخبر عن مَخْبَره‏.‏
631- تَسقُطُ بِه النَّصِيحَةُ عَلَى الظِّنَّةِ‏.‏
أي كثرة نصيحتك إياه تحمله على أن يتهمك‏.‏
632- تُعَلِّمُنِي بِضَبّ أَنا حَرَشْتُهُ‏.‏
تعلمني بمعنى تُعْلِمُنِي‏:‏ أي تخبرني، ولذلك أدخل الباء كقوله تعالى ‏{‏ قل أتعلمون الله بدينكم‏}‏ وحَرْشُ الضب‏:‏ صَيْدُه‏.‏
يضرب لمن يخبرك بشيء أنت به منه أعلم‏.‏
633- تَحَمَّدِي يا نَفْسُ لا حَامِدَ لَكِ‏.‏
أي أظهر حمد نفسك بأن تفعل ما تُحْمَد عليه، فإنه لا حامد لك ما لم تفعله‏.‏
634- تَنْزُو وُتَلِينُ‏.‏
هذا من النَّزْو والنَّزَوان، وهما الوَثْب، وليس من النِّزَاء الذي هو السِّفاد، وربما قالوا ‏"‏تَنْزُو وتلين، وتؤدي الأربعين‏"‏‏.‏
ذكروا أن أعرابياً حُبِس فقال‏:‏
ولما دَخَلْتُ السجْنَ كَبَّرَ أهلُه * وقالوا‏:‏ أبو ليلى الغَدَاةَ حَزِينُ
وفي الباب مكتوب على صَفَحَاته * بأنك تَنْزُو ثم سَوْف تلين‏.‏
635- تَخَرَّسِي يا نَفْسُ لا مُخَرِّسَ لَكِ‏.‏
أي اصْنَعِي لنفسك الْخَرْسَةَ، وهي طعام النَّفَسَاء نفسها، قالته امرأة وَلَدَتْ ولم يكن لها من يهتمُّ بشأنها‏.‏
636- تَحتقِرُهُ وَيَنْتَأْ‏.‏
يقال‏:‏ نَتَأَ الشيء إذا ارتفع يَنْتَأ نُتُوءاً ‏.‏ يضرب لمن يحتقر أمرا وهو يعظم في نفسه‏.‏
637- تَرْفَضُّ عِنْدَ المُحْفِظَاتِ الكَتَائِفُ‏.‏
تَرْفَضُّ‏:‏ أي تتفرق، والمُحْفِظَات‏:‏ المُغْضِبات، والحَفيظة والحِفْظَة‏:‏ الغضب، والكتائف‏:‏ السَّخَائم والأحْقَاد ‏.‏ يقول‏:‏ إذا رأيتَ حَمِيمَك يُظْلَم أغضبك ذلك فتنسى حِقْدَكَ عليه وتنصره‏.‏
638- تَضْرِبُ فِي حَدِيدٍ بارِدٍ‏.‏
يضرب لمن طَمِعَ في غير مَطْمَع‏.‏ ‏[‏ص 126‏]‏
639- تَمَنُّعِي أَشْهى لَكَ‏.‏
أي مع التأبِّي يقعُ الحرصُ، وأصله أن رجلا قال لامرأته‏:‏ تمنَّعِي إذا غازلْتُكِ يكن أشهى‏:‏ أي ألذ‏.‏ يضرب لمن يظهر الدَّلاَل ويُغْلى رخيصَه‏.‏
640- تَمَرَّدَ مارِدٌ وَعَزَّ الأْبَلُق‏.‏
مارد‏:‏ حِصْن دُومَة الْجَنْدل، والأبلق‏:‏ حصن للسموءل بن عَادِيا، قيل‏:‏ وصف بالأبلَق لأنه بنى من حجارة مختلفة الألوان بأرض تَيْماء، وهما حصنان قصدتهما الزباء ملكة الجزيرة فلم تقدر عليهما، فقالت‏:‏ تمرَّدَ ماردٌ وعَزَّ الأبلق، فصار مثلا لكل ما يعز ويمتنع على طالبه، وعَزَّ‏:‏ معناه غلب من عَزَّ يَعُزُّ، ويجوز أن يكون من عَزَّ يَعِزُّ‏.‏
641- تَلْدَغُ العَقْرَبُ وَتَصِئُ‏.‏
يقال‏:‏ صَأَى الفرخُ والخنزير والفأر والعقرب يَصِئ صَئِيًّا على فعيل، إذا صاح، وصَاءَ‏:‏ مقلوبٌ منه‏.‏
يضرب للظالم في صورة المتظلم‏.‏
642- تَشْكُو إِلَى غَيْرِ مُصَمِّتٍ‏.‏
أي إلى من لا يهتمُّ بشأنك، قال‏:‏
إنك لا تَشْكُو إلى مُصَمِّتِ * فَاصْبِرْ عَلَى الحمل الثَّقِيلِ أوْ مُتِ
643- تَجَاوَزَ الرَّوْضَ إِلَى القَاعِ القَرِقِ‏.‏
يضرب لمن عَدَل بحاجته عن الكريم إلى اللئيم ‏.‏ والقَرِق‏:‏ المُسْتَوِي‏.‏
644- تَحْمِي جَوَابِيَهُ نَقِيقُ الضِّفْدِعِ‏.‏
الْجَوَابِي‏:‏ جمع جَابِية، وهو الحوض ‏.‏
يضرب للرجل لا طائل عنده، بل كله قَوْل وبَقْبَقَة‏.‏
645- تَشَمَّرَتْ مَعَ الْجَارِي‏.‏
يقال‏:‏ تَشَمَّرتِ السفينةُ إذا انحدَرَت مع الماء، وشَمَّرْتُها أنا إذا أرسلتها‏.‏
يضرب في الشيء يُسْتَهان به ويُنْسَى‏.‏ وقائله كعب بن زُهَير بن أبي سُلْمى، قال ابن دريد‏:‏ ليس في العرب سُلْمى بالضم إلا هذا، وزاد غيره وأبو سُلْمى رَبِيعَةُ بن رَبَاح بن قُرْط من بني مازن، قلت‏:‏ والمحدِّثُون يَعُدُّون غيرهما قوما يطول ذكرهم، وإنما قال هذا المثلَ كعبٌ حين ركب هو وأبوه زُهَير سفينةً في بعض الأسفار، فأنشد زهير قصيدته المشهورة وهي *أمِنْ أمِّ أوْفى دِمْنَةٌ لم تَكَلَّمِ * وقال لابنه كعب‏:‏ دُونَكَ فَاحْفَظْها، فقال‏:‏ نعم وأمْسَيَا فلما أصبحا قال له‏:‏ يا كعبُ ما فعلَتِ العقيلةُ‏؟‏ يعني القصيدة، قال‏:‏ يا أبتِ إنها تشمّرَتْ مع الجاري، ‏[‏ص 127‏]‏ يعني نَسِيتُهَا فمرَّتْ مع الماء، فأعادها عليه، وقال‏:‏ إن شَمَّرْتها يا كعب شَمّرْتُ بك على أثرها‏.‏
646- تَهِمُّ وَيُهَمُّ بِكَ‏.‏
الهَمُّ‏:‏ القَصْد‏.‏ يضرب للمغترّ بعمله لا يخاف عاقبته‏.‏
647- تَركْتُهُمْ فِي كَصِيصَةِ الظّبْيٍ‏:‏
قال اللحياني‏:‏ كَصِيصَةُ الظبي مَوْضِعُه الذي يكون فيه، وقال غيره‏:‏ هي كفته التي يُصَاد بها ‏.‏
يضرب لمن يضيق عليه الأمر، ومثلُه‏:‏
648- تَرَكْتُهْم فِي حَيْصٍ بَيْصٍ وَحِيصِ بِيصِ‏.‏
ويقال حَيْصِ بَيْصِ وحَيْصٍ بَيْصٍ، فالْحَيْص‏:‏ الفرار، والبَوْص‏:‏ الفَوْت، وحَيْص من بنات الياء، وبَيْص من بنات الواو، فصُيِّرت الواو ياء ليزدوجا‏.‏
يضرب لمن وقع في أمر لا مَخْلَص له منه فِرار أو فَوْتا‏.‏
649- تَلَبَدِي تَصِيدِي‏.‏
التَّلَبُّدُ‏:‏ اللصوق بالأرض لخَتْل الصيد ومعنى المثل احْتَلْ تتمكن وتظفر‏.‏
650- تَتابَعِي بَقَرُ‏.‏
زعموا أن بشر بن أبي خازم الأسدي خرج في سنة أسْنَتَ فيها قومُه وجهدوا فمر بِصُوَار ‏(‏الصوار - بزنة الكتاب والغراب - القطيع من البقر، والإجل - بكسرة الهمزة وسكون الجيم - القطيع من بقر الوحش‏)‏ من البقر وإجْلٍ من الأرْوَى فذُعِرَتْ منه فركبت جَبَلاً وَعْراَ ليس له منفذ، فلما نظر إليها قام على شِعْب من الجبل، وأخرج قوسه، وجعل يشير إليها كأنه يرميها، فجعلت تلقى أنفسها فتكسر، وجعل يقول‏:‏
أَنْتَ الَّذِي تَصْنَعُ مَا لَمْ يُصْنَعِ * أنْتَ حَطَطْتَ مِنْ ذَرَا مُقَنَّعِ
كلَّ شَبُوب لَهِقٍ مُوَلَّعِ
وجعل يقول‏:‏ تتابعي بَقَرُ، تتابعي بَقَرُ حتى تكسَّرت، فخرج إلى قومه، فدعاهم إليها، فأصابوا من اللحم ما انتعشوا به ‏.‏
يضرب عند تتابع الأمر وسُرْعَة مره من كلام أو فعل متتابع يفعله ناس أو خيل أو إبل أو غير ذلك‏.‏
651- تَنْهَانَا أُمُّنَا عَنْ الْغَيِّ وَتَغْدُو فِيهِ‏.‏
يضرب لمن يُحْسِنُ القولَ ويسئ الفعل‏.‏
652- تَطْلُبُ أَثَراً بَعْدَ عَيْنٍ‏.‏
العَيْن‏:‏ المعاينة‏.‏ ‏[‏ص 128‏]‏
يضرب لمن ترك شيئا يَرَاه ثم تبع أثره بعد فوت عينه‏.‏
قال الباهلي‏:‏ أولُ من قال ذلك مالك ابن عمرو العاملي، قال‏:‏ وذلك أن بعض ملوك غَسَّان كان يطلب في عاملَةَ ذَحْلاً، فأخذ منهم رجلين يقال لهما مالك وسِمَاك ابنا عمرو، فاحتبسهما عنده زمانا، ثم دعاهما فقال لهما‏:‏ إني قاتل أحَدَكما فأيكما أقتل، فجعل كل واحد منهما يقول‏:‏ اقتلني مكان أخي، فلما رأى ذلك قتل سماكا وخلى سبيل مالك، فقال سِماك حين ظن أنه مقتول‏:‏
ألا من شَجَتْ ليلة عامدَهْ * كما أبداً ليلَةٌ واحدَهْ
فأبْلِغْ قُضَاعة إن جِئْتَهم * وخُصَّ سَرَاة بني ساعدة
وأبلغ نِزَاراً على نأيها * بأنَّ الرِّمَاحَ هي الْعَاِئَدْه
وأقْسِمُ لو قَتَلُوا مالكا * لكُنْتُ لهم حَيَّةً رَاصِدَهْ
برأس سبيل عَلَى مَرْقَبٍ * ويوماً على طُرُقٍ وَارِدَهْ
فأمَّ سِمَاكٍ فَلاَ تَجْزَعِي * فَلِلْمَوْتِ مَا تلِدُ الوالده
وانصرف مالك إلى قومه، فلبث فيهم زمانا، ثم إن رَكْباً مروا وأحدهم يتغنى بهذا البيت
وأقْسِمُ لو قتلوا مالكا * لكنت لهم حَيَّةً رَاصِدَهْ
فسمعت بذلك أم سماك فقالت‏:‏ يا مالك قبح الله الحياة بعد سماك، اخْرُجْ في الطلب بأخيك، فخرج في الطلب، فلقى قاتل أخيه يسيرُ في ناسٍ من قومه، فقال‏:‏ من أحَسَّ لي الجمل الأحمر، فقالوا له وعرفوه‏:‏ يا مالك لك مائة من الإبل فكُفَّ، فقال‏:‏ لا أطلب أثر بعد عين، فذهبت مثلا، ثم حمل على قاتل أخيه فقتله، وقال في ذلك‏:‏
يا راكِباً بَلِّغاً ولا تَدَعاً * بني قُمَيْرٍ وإنْ هُمُ جَزِعُو
فَلْيَجِدُوا مثلَ ما وَجَدْتُ فقد * كُنْتُ حَزِيناً قد مَسَّنِي وَجَعُ
لا أسمع اللهوَ في الحديث ولا * ينفعني في الفِرَاشِ مُضْطَجَعُ
لا وَجْدُ ثَكْلَى كما وَجَدْتُ ولا * وَجْدُ عَجُول أضَلَّها رُبَعُ
ولا كبيرٍ أضَلَّ ناقَتَهُ * يوم تَوَافَى الحَجِيجُ واجْتَمَعُوا
ينظر في أوْجِهُ الرِّكاب فلا * يَعْرِفُ شيئاً والوَجْهُ ملتمع ‏[‏ص 129‏]‏
جَلَّلْتُه صارمَ الحديدة كالـ * ـملح ‏(‏كالملح‏)‏ وفيه سَفَاسِقٌ لُمَعُ
بين ضُمَيْرٍ وباب جِلِّقَ في * أثوايِهِ من دِمَائِهِ دُفَعُ
أضْرِبُهُ بادياً نَوَاجِذُه * يدعو صَدَاه والرأسُ مُنْصَدِعُ
بني قُمَير قَتَلْتُ سيدَكم * فاليومَ لا رَنَّةٌ ولا جَزَعُ
فاليوم قُمْنَا على السِّوَاءِ فَإِنْ * تجرُوا فدهري ودهركم جَذَع‏

B-happy 3 - 3 - 2010 02:22 AM



653- تَطَعَّمْ تَطْعَمْ‏.‏
أي ذُقْ حتى يدعوك طعمُه إلى أكله‏.‏
يضرب في الحثِّ على الدخول في الأمر‏:‏ أي ادْخُلْ في أوله يدعوك إلى الدخول في آخره ويرغبك فيه‏.‏
654- تَوَقّرِي يَازَلِزَةُ‏.‏
الزَّلَز‏:‏ القَلَق والحركة‏.‏ يضرب للمرأة الطَّوَّافة في بيوت الحي‏.‏
655- تَسْمَعُ بالُمَعْيِديِّ خَيْرٌ مِنْ أنْ تَرَاهُ‏.‏
ويروى ‏"‏لأنْ تَسْمَعَ بالمعيدي خير‏"‏ و ‏"‏أنْ تَسْمَعَ‏"‏ ويروى ‏"‏تسمع بالمعيدي لا أن تراه‏"‏ والمختار ‏"‏أن تسمع‏"‏‏.‏
يضرب لمن خَبَرُه خَيْرٌ من مَرْآه، ودخل الباء على تقدير‏:‏ تُحَدَّث به خير‏.‏
قال المفضل‏:‏ أولُ مَنْ قال ذلك المنذر ابن ماء السماء، وكان من حديثه أن كُبَيْشَ ابن جابر أخا ضَمْرَة بن جابر من بني نَهْشَل كان عَرَضَ لأمةٍ لزرارة بن عُدُس يقال لها رُشَيَّة كانت سَبِيَّةً أصابها زُرَارة من الرُّفَيْدَات، وهو حي من العرب، فولدت له عمرا وذُؤَيْبا وبُرْغوثا، فمات كُبَيْش ‏.‏ وترعرع الغِلْمَة، فقال لقيط بن زرارة‏:‏ يا رُشَيَّة مَنْ أبو بَنِيكِ ‏؟‏ قالت‏:‏ كُبَيْش بن جابر، قال‏:‏ فاذهبي بهؤلاء الغِلْمة فغَلِّسِي بهم وجه ضمرة وخَبِّرِيه مَنْ هم، وكان لقيط عدوا لضَمْرة، فانطلقت بهم إلى ضَمْرة فقال‏:‏ ما هؤلاء ‏؟‏ قالت‏:‏ بنو أخيك، فنتزع منها الغِلْمَة، وقال‏:‏ الْحَقِي بأهلك، فرجعت فأخبرت أهلها بالخبر، فركب زُرَارة وكان رجلا حليما حتى أتى بني نَهْشَل فقال‏:‏ رُدُّوا على غِلْمتي، فسبّه بنو نهشل، وأهْجَرُوا له، فلها رأى ذلك انصرف، فقال له قومه‏:‏ ما صنعت ‏؟‏ قال‏:‏ خيرا، ما أحْسَنَ مالقيني به قومي، فمكث حولا ثم أتاهم فأعادوا عليه أسْوَأ ما كانوا قالوا له، فانصرف، فقال له قومه‏:‏ ما صنعت‏؟‏ قال‏:‏ خيرا قد أحْسَنَ بنو عمي وأجملوا، فمكث بذلك سبعَ سنين يأتيهم في كل سنة فيردونه بأسوأ الرد، فبينما بنو ‏[‏ص 130‏]‏ نهشل يسيرون ضُحًى إذ لحق بهم لاحِقٌ فأخبرهم أن زرارة قد مات، فقال ضمرة‏:‏ يا بني نهشل، إنه قد مات حليم إخوتكم اليوم فاتقوهم بحقهم، ثم قال ضمرة لنسائه‏:‏ قِفْنَ أقْسِمْ بينكن الثكل، وكانت عنده هند بنت كرب بن صفوان وامرأةٌ يقال لها خُلَيْدَة من بني عجل وسَبِية من عبد القيس وسَبِية من الأزد من بني طَمَثان، وكان لهنَّ أولاد غيرَ خُليدة، فقالت لهند وكانت لها مُصَافية‏:‏ ولى الثكلَ بنتَ غيرِك، ويروى وَلِّى الثكل بنت غيرك، على سبيل الدعاء، فأرسَلَتْها مثلا، فأخذ ضمرة شِقَّةَ بن ضمرة وأمه هند وشهابَ بن ضمرة وأمه العبدية وعَنْوَة بن ضمرة وأمه الطمثانية، فأرسل بهم إلى لَقيط بن زُرَارة وقال‏:‏ هؤلاء رُهُن لك بغِلْمَتك حتى أرضيك منهم، فلما وقع بنو ضمرة في يَدَيْ لقيط أساء ولايتهم وجفاهم وأهانهم، فقال في ذلك ضمرة بن جابر‏:‏
صرمْتُ إخاء شِقَّةَ يوم غَوْلٍ * وإخْوَته فلا حَلّتْ حِلالى
كأني إذ رَهَنْتُ بنيَّ قَوْمِي * دفعتهمُ إلى الصُّهْبِ السِّبَالِ
ولم أرْهَنْهُمُ بدمٍ، ولكن * رهنتهمُ بصُلْحٍ أو بمالِ
صرمْتُ إخاء شقة يوم غَوْلٍ * وحق إخاء شقَّةَ بالْوِصَالِ
فأجابه لقيط‏:‏
أبا قَطَن إنّي أراكَ حزيناً * وإن العَجُولَ لا تبالي حنينا
أفِي أنْ صَبَرتُم نصفَ عامٍ لحقنا * ونحنُ صبرنا قَبْلُ سَبْعَ سنينا
فقال ضمرة ‏[‏بن جابر‏]‏‏:‏
لعمرك إنني وطِلاَب حُبَّي * وترك بنيّ في الشُّرَطِ الأعادي
لَمِنْ نَوْكَى الشيوخ وكَانَ مثلي * إذا ما ضَلَّ لم يُنْعَشْ بهاد
ثم إن بني نَهْشَل طلبوا إلى المنذر بن ماء السماء أن يطلبهم من لَقيط، فقال لهم المنذر‏:‏ نَحُّوا عني وجوهكم، ثم أمر بخمرٍ وطعام ودعا لقيطا فأكلا وشربا، حتى إذا أخذت الخمر منهما قال المنذر للقيط‏:‏ يا خير الفتيان، ما تقول في رجل اختارَكَ الليلَةَ على نَدَامى مُضَرَ ‏؟‏ قال‏:‏ وما أقول فيه ‏؟‏ قال‏:‏ إنه لا يسألني شيئاً إلا أعطيته إياه غير الغِلْمة، قال المنذر‏:‏ أما إذا استثنيت فلستُ قابلا منك شيئاً حتى تعطيني كلَّ شيء سألتك، قال‏:‏ فذلك لك، قال‏:‏ فإني أسألك الغلمة أن تَهَبهم لي، قال‏:‏ سَلْني غيرَهم، قال‏:‏ ما أسألك غيرهم، فأرسل لقيط إليهم فدفَعهم ‏[‏ص 131‏]‏ إلى المنذر، فلما أصبح لقيط لامه قومُه، فندم فقال في المنذر‏:‏
إنك لو غَطَّيْتَ أَرْجَاء هوة * مُغَمَّسة لا يُسْتَثَار تُرَابُهَا
بِثَوْبِكَ في الظلماء ثم دَعَوْتَنِي * لجئْتُ إليها سَادِراً لا أَهابُهَا
فأصْبَحْتُ مَوْجُوداً على مُلَوَّماً * كأنْ نُضِيَتْ عن حائض لي ثيَابُهَا
قال‏:‏ فأرسل المنذر إلى الغِلْمة وقد مات ضَمْرة وكان صديقاً للمنذر، فلما دخل عليه الغِلْمة وكان يسمع بِشِقَّةَ ويعجبه ما يبلغه عنه فلما رآه قال‏:‏ تَسْمَعُ بالمعيدِيِّ خَيْرٌ من أن تراه، فأرسلها مثلا، قال شقة‏:‏ أَبَيْتَ اللعن وأسعدك إلهُكَ إن القوم ليْسُوا بِجُزْرٍ، يعني الشاء، وإنما يعيش الرجلُ بأصْغَرَيْهِ لسانِهِ وقلبه، فأعجب المنذر كلامه، وسره كل مارأى منه، قال‏:‏ فسماه ضَمْرة باسم أبيه، فهو ضَمْرة بن ضمرة، وذهب قوله ‏"‏يعيش الرجل بأصغريه‏"‏ مثلا، وينشد على هذا‏:‏
ظننت به خَيْراً فقصَّرَ دونه * فيارُبَّ مظنونٍ به الخيرُ يُخْلِفُ
قلت‏:‏ وقريبٌ من هذا ما يُحْكَى أن الحجاج أرسل إلى عبد الملك بن مروان بكتاب مع رجل، فجعل عبد الملك يقرأ الكتاب ثم يسأل الرجل فيَشْفِيه بجواب ما يسأله، فيرفع عبد الملك رأسه إليه فيراه أَسْوَدَ، فلما أعجبه ظَرْفه وبيانه قال متمثلاً‏:‏
فإن عَرَارً إن يكُنْ غَيْرَ وَاضِحٍ * فإني أُحِبُّ الْجَوْنَ ذَا الْمَنكِبِ الْعَمَمْ
فقال له الرجل‏:‏ يا أمير المؤمنين هل تدري مَنْ عَرَار ‏؟‏ أنا والله عرار بن عمرو بن شأس الأسدي الشاعر‏.‏
656- تَبَاعَدَتِ العَمَّةُ مِنَ الْخَالَةِ‏.‏
وذلك أن العمة خيرٌ للولد من الخالة، يقال في المثل‏:‏ أتيت خالاتي فأضْحَكْنَني وأفرحنني، وأتيت عماتي فأبكينني وأحزنني، وقد مر هذا في قولهم ‏"‏أَمْرَ مُبكياتك لا أمر مضحكاتك‏"‏ ‏.‏ يضرب في التباعد بين الشيئين‏.‏
657- تَرَكْتُهُ تُغَنِّيهِ الْجَرَادَتَانِ‏.‏
يضرب لمن كان لاهياً في نعمة ودَعَة‏.‏ والجرادتان‏:‏ قَيْنَتَا معاوية بن بكر أَحَدِ العماليق، وإن عادا لما كَذَّبُوا هوداً عليه السلام توالَتْ عليهم ثلاثُ سنوات لم يروا فيها مطراً، فبعثوا من قومهم وَفْداً إلى مكة ليستسقوا لهم، ورأسوا عليهم قَيْلَ بن عنق ولُقَيْم بن هزال ولقمان بن عاد، وكان أهل مكة إذ ذاك العماليق وهم بني عَمْلِيق بن لاوذ بن سام، وكان سيدهم بمكة معاوية بن ‏[‏ص 132‏]‏ بكر، فلما قدموا نَزَلُوا عليه، لأنهم كانوا أَخْوَالَه وأصهاره، فأقاموا عنده شهراً، وكان يكرمهم والجرادتان تغنيانهم، فَنَسُوا قومهم شهراً، فقال معاوية‏:‏ هَلَكَ أخوالي، ولو قلت لهؤلاء شيئاً ظنوا بي بخلا، فقال شعراً وألقاه إلى الجرادتين فأنشدتاه وهو‏:‏
ألا يا قَيْلُ وَيْحَكَ قم فَهَيْنِمْ * لعلَّ اللّه يَبْعَثُها غَمَاما
فَيَسْقِيَ أرضَ عادٍ إِنَّ عادا * قَدَ امْسَوْا لا يُبِينُونَ الكلاما
من العَطَش الشديدِ فليس تَرْجُو * لها الشيخَ الكبيرَ ولا الغُلاَما
وقد كانت نساؤُهُم بخيرٍ * فقد أَمْسَتْ نساؤهم أيامَى
وإن الوحش يأتِيهِمْ جهَاراً * ولا يَخْشَى لعادِىٍّ سِهَاما
وأنتم ههُناَ فيما اشتهيتم * نهارَكُمُ وليلكم التماما
فقبح وَفْدُكم من وفد قومٍ * ولا لُقُّوا التحيةَ والسلاما
فلما غنتهم الجرادتان بهذا قال بعضهم لبعض‏:‏ يا قوم إنما بعثكم قومُكم يتغوَّثون بكم، فقاموا لِيَدْعُوا، وتخلف لقمان، وكانوا إذا دعوا جاءهم نِدَاء من السماء‏:‏ أَنْ سَلُوا ما شئتم فتعطون ما سألتم، فدعوا ربهم، واستسقوا لقومهم، فأنشأ الله لهم ثلاثَ سحاباتٍ بيضاء وحمراء وسوداء، ثم نادى مناد من السماء‏:‏ يا قَيْلُ اخْتَرْ لقومك ولنفسك واحدة من هذه السحائب، فقال‏:‏ أما البيضاء فجفل، وأما الحمراء فعارض، وأما السوداء فهطلة وهي أكثرها ماء، فاختارها، فنادى منادٍ‏:‏ قد اخترت لقومك رماداً رمداً، لا تبقى من عاد أحداً، لا والداً ولا ولداً، قال‏:‏ وسير الله السحابة التي اختارها قَيْلٌ إلى عاد، ونودي لقمان‏:‏ سل، فسأل عُمْرَ ثلاثة أَنْسُرٍ، فأعطى ذلك، وكان يأخذ فَرْخَ النسر من وَكْره، فلا يزال عنده حتى يموت، وكان آخرها لُبَد، وهو الذي يقول فيه النابغة‏:‏
أَضْحَتْ خَلاَء وأَضْحَى أهلُها احْتَلَمُوا * أخْنَى عليها الذي أخْنَى على لُبَدِ
658- تُبَشِّرُنِي بِغُلاَمِ أَعْيَا أَبُوهُ‏.‏
وذلك أن رجلا بُشِّرَ بولد ابن له، وكان أبوه يَعُقُّه، فقال هذا، قال الشاعر‏:‏
تَرْجُو الوليدَ وقد أعياكَ والدُه * وما رَجَاؤُكَ بعدَ الوالِدِ الوَلَدا
659- تَرَكْتُهُ يَصْرِفُ عَلَيْكَ نَابَهُ‏.‏
يُضْرب لمن يغتاظ عليك، ومثله ‏"‏تركته يحرّق عَلَيْك الأرَّمَ‏"‏ ‏[‏ص 133‏]‏
660- تَعْساً لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ‏.‏
كلمة يقولها الشامت بعَدُوه، يقال‏:‏ تَعِسَ يَتْعَسُ تَعْساً إذا عثر، وأتعسه اللّه، و ‏"‏لليدين‏"‏ معناه على اليدين‏.‏
661- تَرَكْتُهُ يَفُتُّ اليَرْمَعَ‏.‏
يقال للحصا البيض‏:‏ يَرْمَع، وهي حجارة فيها رَخَاوة، يجعل الصبيان منها الخَذَارِيفَ‏.‏
يضرب للمغموم المنكسر‏.‏
662- تَرِبَتْ يَدَاكَ‏.‏
قال أبو عُبَيد‏:‏ يقال للرجل إذا قل ماله ‏"‏قد تَرِبَ‏"‏ أي افتقر حتى لَصِق بالتراب، وهذه كلمة جارية على ألسنة العرب يقولونها ولا يريدون وقوع الأمر، ألا تراهم يقولون‏:‏ لا أَرْضَ لك، ولا أُمَّ لك، ويعلمون أن له أرضاً وأماً، قال المبرد‏:‏ سمع أعرابي في سنة قَحْط بمكة يقول‏:‏
قد كُنْتَ تَسْقِيَنا فما بَدَا لَكَا * رَبَّ العباد ما لَنَا ما لَكَا
أنزل علينا الغيث لا أبا لكا*
قال‏:‏ فسمعه سليمان بنُ عبد الملك فقال‏:‏ أشهد أنه لا أبا له ولا أم ولا ولد‏.‏
663- تأْبَى لَهُ ذَلِكَ بَنَاتُ أَلْبُبِي‏.‏
قالوا‏:‏ أصل هذا أن رجلا تزوج امرأة وله أُمّ كبيرة، فقالت المرأة للزوج‏:‏ لا أنا ولا أنت حتى تُخْرِجَ هذه العجوز عنا، فلما أكثَرَتْ عليه احتملها على عُنقه ليلا، ثم أتى بها وادياً كثير السباع فرمى بها فيه‏.‏ ثم تنكر لها، فمرَّ بها وهي تبكي، فقال‏:‏ ما يبكيك با عجوز ‏؟‏ قالت‏:‏ طَرَحَنِي ابني ههنا وذهب وأنا أخاف أن يفترسه الأسد، فقال لها‏:‏ تبكين له وقد فعل بك ما فعل ‏؟‏ هلا تدعين عليه، قالت‏:‏ تأبى له ذلك بَنَاتُ أُلْبُبي ‏.‏
قالوا‏:‏ بناتُ ألْبُب عُرُوقٌ في القلب تكون منها الرِّقَّة، قال الكُمَيْت‏:‏
إليكم ذَوِى آلِ النَّبِيِّ تطَلَّعْت * نَوَازُع من قلبي ظماءٌ وألْبُب
والقياس ألُبٌّ، فأظهر التضعيف ضرورة‏.‏ يضرب في الرقة لذوي الرحم‏.‏
664- اتَّقَى بِسَلْحِه سَمُرَةُ‏.‏
أصل ذلك أن رجلا أراد أن يضرب غلاماً له يسمى سَمُرة، فسلَح الغلام، فترك سيدُه ضربَه، فضُرِبَ به المثل‏.‏
665- اتَّقِ الصِّبْيَانَ لاَ تُصِبْكَ بأَعْقَائِهَا‏.‏
الأعقاء‏:‏ جمع العِقْي، وهو ما يخرج من بطن المولود حين يولد‏.‏ ‏[‏ص 134‏]‏
يضرب للرجل تُحَذِّره من تكره له مصاحبته، أي جَانِبِ المريبَ المتَّهم‏.‏
666- اتَّقِ خَيْرَهَا بِشَرِّهَا وَشَرَّهَا بِخَيْرِهَا‏.‏
الهاء ترجع إلى اللُّقَطَة والضالَّة يجدها الرجل، يقول‏:‏ دَعْ خيرها بسبب شرها الذي يَعْقُبها وقابل شرها بخيرها تجدْ شرَّها زائداً على الخير، وهذا حديث، يروى عن ابن عباس رضى الله عنهما‏.‏
667- تَرَكْتُهُ يُقَاسُ بالْجِذَاعِ‏.‏
يضرب للرجل المُسِنّ‏:‏ أي هو شاب في عقله وجسنه‏.‏
668- تَقْفِزُ الْجِعِثنَ بِي يا مُرَّ زِدْهَا قَعْباً‏.‏
الْجِعثِن‏:‏ أصلُ الصِّلِّيان، ومُرَّ‏:‏ ترخيم مرة، وهو اسم لغلامه، وذلك أن رجلا كان له فرس وكان يَصْبِحُهَا قَعْبا ويَغْبقُها قَعْباً، فلما رآها تقفز الْجَذَاميرَ - وهي أصولُ الشجر - قال‏:‏ لغلامه‏:‏ يا مُرِّ زِدْها قعباً‏.‏
يضرب لمن يستحقُّ أكثَرَ مما يعطَى‏.‏
669- تَقْدِيمُ الْحُرَمِ مِنَ النَّعَمِ‏.‏
يَعْنُون البناتِ، وهذا كقولهم ‏"‏دَفْنُ البنات منَ المَكْرُمَات‏"‏‏.‏
670- أَتْبِعِ الفَرَسَ لِجَامَها والنَّاقَةَ زِمَامَهَا‏.‏
قال أبو عبيد‏:‏ أرى معناه أنك قد جُدْتَ بالفرس واللجامُ أيسرُ خَطْباً فأتِمَّ الحاجة، لما أن الفرس لا غِنَى به عن اللجام، وكان المفضَّلُ يذكر أن المثَلَ لعمرو بن ثعلبة الكلبي أخي عَدِيٍّ بن جناب الكلبي، وكان ضِرار ‏(‏في نسخة ‏"‏خوار بن عمرو‏"‏‏)‏ ابن عمرو الضبي أغار عليهم فسَبَى يومئذ سَلْمَى بنت وائل الصائغ، وكانت يومئذٍ أمةً لعمرو بن ثعلبة، وهي أم النعمان بن المنذر فمضى بها ضِرار مع ما غنم، فأدركه عمرو ابن ثعلبة، وكان له صديقا، فقال‏:‏ أنشدك الإخاء والمودة إلا رَدَدْتَ عَلَيَّ أهلي، فجعل يرد شيئا شيئا، حتى بقيت سَلْمَى وكانت قد أعجبت ضرارا، فأبى أن يردها، فقال عمرو‏:‏ يا ضرار أَتْبِعِ الفرسَ لجامها، فأرسلها مثلا‏.‏
وقال غيره‏:‏ أصلُ هذا أن ضرار بن عمرو قاد ضَبَّة إلى الشام، فأغار على كلب بن وَبْرة، فأصاب فيهم وغنم وسَبَى الذَّرارى، فكانت في السبي الرائعة قَيْنَة كانت لعمرو ابن ثعلبة وبنت لها يقال لها سَلْمَى بنت عطية ابن وائل، فسار ضِرار بالغنائم والسبي إلى ‏[‏ص 135‏]‏ أرض نجد، وقدم عمرو بن ثعلبة على قومه ولم يكن شَهِدَ غارةَ ضرارٍ عليهم، فقيل له‏:‏ إن ضرار بن عمرو أغار على الحي فأخذ أموالهم وذَرَاريهم، فطلب عمرو بن ثعلبة ضرارا وبني ضبة فلَحِقهم قبل أن يَصِلُوا إلى أرض نجد، فقال عمرو بن ثعلبة لضرار‏:‏ رُدَّ علي مالي وأهلي، فرد عليه ماله وأهله، ثم قال‏:‏ رُدَّ علي قَيْناتي، فرد عليه قينته الرائعة، وحبس ابنتها سلمى، فقال له عمرو‏:‏ يا أبا قَبيصة أتبع الفرسَ لجامها، فأرسلها مثلا ‏.‏
671- اتَّخَذَ اللَّيْلَ جَمَلاً‏.‏
يضرب لمن يَعْمَل العملَ بالليل من قراءة أو صلاة أو غيرهما مما يركب فيه الليل‏.‏
وقال بعض الكتاب في رجل فات بمال، وطوى المراحل‏:‏ اتخذ الليل جَملا، وفات بالمال كَمَلا، وعَبَر الوادي عَجِلا‏.‏
672- تَرَكْتُهُ بِمَلاَحِسِ البَقَرِ أَوْلاَدَهَا‏.‏
أي بحيث تَلْحَسُ البقرُ أولادَهَا، يعني بالمكان القَفْرِ، ويروى ‏"‏بمباحث البقر‏"‏ يقال‏:‏ معناهما تركته بحيث لا يدري أين هو‏.‏
673- اتَّخَذُوهُ حِمَارَ الحَاجَاتِ‏.‏
يضرب للذي يمتهن في الأمور‏.‏
674- تَرَكْتُهُ جَوْفَ حِمَارِ‏.‏
قال الأصمعي‏:‏ معناه لا خير فيه ولا شيء ينتفع به ‏.‏ وذلك أن جَوْف الحمار لا ينتفع منه بشيء، وقال ابن الكلبي‏:‏ حمار رجل من العمالقة، وجَوْفُه‏:‏ وَادِيه‏.‏
قلت‏:‏ وقد أوردت ذكره في قولهم ‏"‏أكفر من حمار‏"‏ في باب الكاف‏.‏
675- تَطْلُبُ ضَبَّاً وَهَذَا ضَبٌّ بَادٍ رَأسُهُ‏؟‏
ويروى ‏"‏مُخْرِجٌ رأسَه‏"‏ قال عطاء ابن مصعب‏:‏ زعموا أن رجلين وَتَرا رجلا وكل واحد منهما يسمى ضبا، فكان الرجل يتهدَّد النائي عنه ويترك المقيم معه جُبْنا، فقيل له‏:‏ تطلب ضبا يعني الغائب وهذا ضب بادٍ رأسُه يعني الحاضر‏.‏ يضرب لمن يجبن عن طلب ثأره‏.‏
676- تَفْرَقُ مِنْ صَوْتِ الغُرَابِ وتَفْرِسُ الأسَدَ المُشَتَّمَ‏.‏
ويروى ‏"‏المُشَتَّم‏"‏ من الشِّبَام وهي خَشَبة تعرض في فم الجَدْي لئلا يرضف أمه، ويعني ههنا الأسد الذي قد شدُّوا فاه، ومن روى ‏"‏المشَتَّمَ‏"‏ جعله من شَتَامة الوجه‏.‏
وأصلُ المثل أن امرأة افترست أسدا ثم سمعت صوت غراب ففزغت منه‏.‏ ‏[‏ص 136‏]‏
يضرب لمن يخاف الشيء الحقير ويُقْدِم على الشيء الخطير‏.‏
677- تَقِيسُ المَلاَئِكَةَ إِلَى الحَدَّادِينَ‏.‏
قال المفضل‏:‏ يقال إن أصل هذا المثل أنه لما نزلت هذه الآية ‏{‏عليها تسعة عشر‏}‏ قال رجل من كفار مكة من قريش من بني جُمَح يُكَنْى أبا الأشدّين‏:‏ أنا أكفيكم سَبْعَة عشر، واكفوني اثنين، فقال رجل سمع كلامه‏:‏ تَقِيسُ الملائكة إلى الحدادين، والحد‏:‏ المَنْعُ والسجن، والحدادون‏:‏ السجانون، ويقال لكل مانعٍ‏:‏ حَدَّاد‏.‏
678- تِلْكَ أَرْضٌ لاَ تقُضُّ بِضْعَتُها‏.‏
ويروى ‏"‏لاتَنْعَفِر بِضْعَتها‏"‏ أي لكثرة عُشْبها لم وقعت بِضْعَة لحمٍ على الأرض لم يُصِبها قَضَض، وهي الحصى الصغار ‏.‏ يضرب للجَنَاب المُخْصِب‏.‏
679- تَحْمِل عِضَةٌ جَنَاهَا‏.‏
أصل ذلك أن رجلا كانت له امرأة، وكانت لها ضَرَّة، فعمدت الضرة إلى قَدَحَيْن مشتبهين فجعلت في أحدهما سَوِيقا وفي الآخر سما، ووضعت قَدَحَ السويق عند رأسها والقدحَ المسمومَ عند رأس ضرتها لتشربه، ففطنت الضرة لذلك، فلما نامت حَوَّلت القدحَ المسمومَ إليها، ورفعت قدحَ السويق إلى نفسها، فلما انتبهت أخذت قدحَ السم على أنه السويق فشربته، فماتت، فقيل‏:‏ تحمل عِضَة جَنَاها ‏.‏ الجنى‏:‏ الحمل، والعِضَة‏:‏ واحدة العِضَاه وهي الأشجار ذواتُ الشَّوْك، يعني أن كل شجرة تحمل ثمرتها، وهذا مثل قولهم ‏"‏مَنْ حَفَرَ مَهْوَاةً وَقع فيها‏"‏‏.‏
680- تَطأْطَأْ لَهَا تُخْطِئْك‏.‏
الهاء للحادثة، يقول‏:‏ اخْفِضْ رأسك لها تُجَاوِزك، وهذا كقولهم ‏"‏دع الشرّ يَعْبُر‏"‏ ‏.‏ يضرب في ترك التعرض للشر‏.‏
681- التَّقَدُّمُ قَبْلَ التَّنَدُّمِ‏.‏
هذا مثل قولهم ‏"‏المُحَاجرة قبل المناجزة‏"‏‏.‏ يضرب في لقائك مَنْ لا قوام لك به‏.‏ أي تقدّم إلى ما في ضميرك قبل تندّمك، وقال الذي قَتَل محمدَ بن طلحة بن عبيد الله يوم الجَمَل‏:‏
وأشْعَثَ قوَّام بآياتِ ربه * قليل الأذى فيما تَرَى العين مُسْلِمِ
يذكِّرُنِي حَامِيَم والرمحُ شاجر * فهلا تَلاَحاميمَ قبل التَّنَدم
682- التَّجَرُّدُ لِغَيْرِ النِّكَاحِ مُثْلَةٌ‏.‏
قالته رَقَاشِ بنتُ عمرو لزوجها حين ‏[‏ص 137‏]‏ قال لها‏:‏ اخْلَعِي دِرْعَكِ لأنظر إليك، وهي التي قالت أيضاً‏:‏ خَلْعُ الدرع بيد الزوج، فأرسلتهما مثلين ‏.‏
يضرب في الأمر بِوَضْعِ الشيء موضعه‏.‏
683- التَّمْرَةُ إِلَى التَّمْرَةِ تَمْرٌ‏.‏
هذا من قول أُحَيْحَة بن الجُلاَح، وذلك أنه دخل حائطا له فرأى تمرةً ساقطة، فتناولها فعُوتِب في ذلك، فقال هذا القول، والتقدير‏:‏ التمرة مَضْمومة إلى التمرة تمر، يريد أن ضم الآحاد يؤدي إلى الجمع، وذلك أن التمر جنس يدل على الكثرة‏.‏ يضرب في استصلاح المال‏.‏
684- التَّمْرُ فِي البِئْرِ، وَعَلَى ظَهْرِ الجَمَلِ‏.‏
أصل ذلك أن مناديا فيما زعموا كان في الجاهلية يكون على أُطُمٍ من آطام المدينة حين يُدْرِكُ البُسْرُ، فينادي‏:‏ التمر في البئر، أي مَنْ سَقَى وجَدَ عاقبة سقيه في تمره، وهذا قريب من قولهم ‏"‏ عند الصَّبَاح يَحْمدُ القومُ السُّرَى‏"‏‏.‏
685- تَرَى الفِتْيَانَ كالنَّخْلِ ومَا يدْرِيكَ مَا الدَّخْلُ‏.‏
الدَّخْل‏:‏ العَيْبُ الباطن‏.‏
يضرب لِذِي المَنْظَر لا خَيْر عنده‏.‏
قال المفضل‏:‏ أولُ من قال ذلك عَثْمَة بنت مَطْرودٍ البُجَيْلِيَّة، وكانت ذاتَ عقلٍ ورأى مستمع في قومها، وكانت لها أخت يقال لها خود، وكانت ذات جَمَال ومِيسَم وعَقْل، وأن سبعة إخوة غلمة من بطن الأزْد خطَبوا خودا إلى أبيها، فأتوه وعليهم الحُلَل اليمانية، وتحتهم النَّجَائِبُ الفُرَّهُ، فقالوا‏:‏ نحن بنو مالك بن غُفَيْلة ذي النحيين فقال لهم‏:‏ انزلوا على الماء، فنزلوا ليلَتَهم ثم أصبحوا غادِينَ في الحُلَل والهَيْأة ومعهم رَبِيبة لهم يقال لها الشعثاء كاهنة، فمروا بوَصِيدها يتعرَّضُون لها وكلهم وَسِيم جميل، وخرج أبوها فجلسوا إليه فرحَّب بهم، فقالوا‏:‏ بلغنا أن لك بنتا ونحن كما ترى شَبَاب، وكلنا يَمْنَع الجانب، وبمنح الراغب، فقال أبوها‏:‏ كلكم خِيار فأقيموا نَرَى رأينا، ثم دخل على ابنته فقال‏:‏ ما ترين فقد أتاك هؤلاء القوم ‏؟‏ فقالت أنْكِحْني على قَدْري، ولا تُشْطِط في مَهْري، فإن تُخْطِئني أحلامهم، لا تخطئني أجسامهم، لعي أصيب ولدا، وأكثر عَدَدا، فخرج أبوها فقال‏:‏ أخبروني عن أفضلكم، قالت ربيبتهم الشعثاء الكاهنة‏:‏ اسمع أخبرك عنهم، هم إخوة، وكلهم أسْوَة، أما الكبير فمالك، جريء فاتك، يتعب السَّنَابك، ويستصغر ‏[‏ص 138‏]‏ المَهَالك، وأما الذي يليه فالغَمْر، بحر غَمْر، يقصر دونه الفَخْر، نَهْد صَقْر، وأما الذي يليه فعَلْقَمَة، صليب المَعْجَمَة، مَنِيع المشتمة، قليل الجمجمة، وأما الذي يليه فعاصم، سَيِّدٌ ناعم، جَلْد صارم، أبيٌّ حازم، جيشُه غانم، وجاره سالم، وأما الذي يليه فثَوَاب، سريع الجَوَاب، عَتيد الصَّوَاب، كريم النِّصَاب، كلَيْث الغاب، وأما الذي يليه فَمُدْرِك، بَذْول لما يَمْلك، عَزُوب عما يترك، يُفْنِى ويُهْلِك، وأما الذي يليه فجَنْدَل، لقِرْنه مُجَدّل، مقل لما يَحْمِل، يُعْطي ويَبْذُل، وعن عدوه لا يَنْكُل، فشاورت أختها فهيم، فقالت أختها عَثْمَةُ‏:‏ ترى الفِتيان كالنخل وما يدريك ما الدَّخْل، اسمعي مني كلمة، إن شرّض الغريبة يُعْلَن، وخيرها يُدْفَن، انكِحِي في قومك ولا تغررك الأجسام، فلم تقبل منها، وبعثت إلى أبيها أنكِحْنِي مدركا، فأنكحها أبوها على مائة ناقة ورُعَاتها، وحَمَلَها مدرك، فلم تَلْبث عنده إلا قليلا حتى صَبَّحهم فوارسُ من بني مالك بن كنانة، فاقتتلوا ساعة ثم إن زوجها وإخوته وبني عامر انكَشَفُوا فَسَبَوْهَا فيمن سَبَوْا، فبينا هي تسير بكَتْ، فقالوا‏:‏ ما يبكيك ‏؟‏ أعلى فراق زوجك ‏؟‏ قالت‏:‏ قَبَّحه الله‏!‏ قالوا‏:‏ لقد كان جميلا، قالت‏:‏ قبح الله جمالا لا نَفْع معه، إنما أبكي على عصياني أختي وقولها ‏"‏ترى الفيان كالنخل وما يدريك ما الدخل‏"‏ وأخبرتهم كيف خطبوها، فقال لها رجل منهم يكنى أبا نُوَاس شاب أسود أَفْوَهُ مضطرب الخلق‏:‏ أَتَرْضَيْنَ بي على أن أمنعك من ذئاب العرب، فقالت لأصحابه‏:‏ أكذلك هو‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم إنه مع ما تَرَيْنَ ليَمْنَعُ الحَلِيلة، وتَتَّقِيه القبيلة، قالت‏:‏ هذا أجمل جمال، وأكمل كمال، قد رضيت به، فزوجوها منه‏.‏
686- التّمْرُ بالسَّوِيقِ‏.‏
مثل حكاه أبو الحسن اللحيانيّ‏.‏ يضرب في المكافأة‏.‏
687- تَلَمَّسْ أَعْشَاشَكَ‏.‏
يضرب لمن يلتمس التجنّي والعلل، ومعناه تلمس التنجي والعلل في ذويك‏.‏
688- اتْرُكِ الشَّرَّ يَتْرُكْكَ‏.‏
أي إنما يصيب الشرّ مَنْ تعرض له‏.‏
زعموا أن لقمان الحكيم قال لابنه‏:‏ اتْرُكِ الشر كما يتركَك، أراد كيما يتركك، فحذف الياء ‏(‏الياء أي التي في ‏"‏كيما‏"‏ فصارت ‏"‏كما‏"‏ وأعملها‏:‏ أي نصب بها‏)‏ وأعملها‏.‏ ‏[‏ص 139‏]‏
689- تَرَهْيَأَ القَوْمُ‏.‏
قال الأصمعي‏:‏ وذلك أن يضرب عليهم الرأيُ فيقولون مرة كذا ومرة كذا، ويروى ‏"‏قد تَرَهْيَأَ‏"‏‏.‏
690- تَعِسَتِ العَجَلَةُ‏.‏
أول من قال هذا فِنْدٌ مولَى عائشةَ بنتِ سعد بن أبي وقاص، وكان أحد المغنين المجيدين، وكان يجمع بين الرجال والنساء، وله يقول ابن قَيْس الرُّقَيَّات‏:‏
قل لِفنْدٍ يُشَيِّع الأظْعَانا * طالما سَرَّ عَيْشَنَا وكَفَانا
وكانت عائشة أرسَلَتْه يأتيها بنار، فوجد قوماً يخرجون إلى مصر، فخرج معهم فأقام بها سنةً، ثم قدم فأخذ ناراً وجاء يَعْدُو فعثَرَ وتبدَّد الجمر، فقال‏:‏ تعست العجلة‏!‏ وفيه يقول الشاعر‏:‏
ما رأينا لغُرَابٍ مثَلاَ * إذ بَعَثْنَاه يَجِى بالمشملة
غَيْرَ فِنْدٍ أرسلوه قَابِساً * فَثَوَى حَوْلا وَسَبَّ العَجَلَهْ
المشملة‏:‏ كساء تجمع فيه المقدحة بآلاتها وقال بعضهم الرواية ‏"‏المشملة‏"‏ بفتح الميم وهي مَهَبُّ الشمال، يعني الجانب الذي بعث نوح عليه السلام الغراب إليه ليأتيه بخبر الأرض أَجَفَّتْ أم لا‏؟‏
691- تَهْوِي الدَّوَاهِي حَوْلَهُ وَيَسْلَمُ‏.‏
يضرب لمن يخلَّص من مكروه‏.‏
692- تَغَدَّ بالْجَدْيِ قَبْلَ أَنْ يَتَعَشَّى بِكَ‏.‏
يضرب في أخذ الأمر بالحزم‏.‏
693- تَعَلَّلَ بِيَدَيْهِ تَعَلُّلَ البَكْرِ‏.‏
وذلك أنه إذا شُدَّ بعِقال تعلَّل به، ليحلَّه بفمه‏.‏ يضرب لمن يتعلل بما لا مُتَعَلَّلَ بمثله‏.‏
694- التّقِيُّ مُلْجَمٌ ‏.‏
أي كأن له لجاماً يمنعه من العُدُول عن سَنَن الحق قولا وفعلا، وهذا من كلام عمر ابن عبد العزيز رحمه اللّه‏.‏
695- التَّجَلُّدَ وَلاَ التَّبَلُّدَ‏.‏
يعني أن التجلد يُنْجيك من الأمر، لا التبلد، ونصب التجلد على معنى الزم التجلد ولا تلزم التبلد، ويجوز الرفع على تقدير‏:‏ حقُّك أو شأنُكَ التجلدُ، وهذا من قول أوس بن حارثة، قاله لابنه مالك، فقال‏:‏ يا مالك التجلد ولا التبلد، والمَنِيَّة ولا الدَّنية‏.‏ ‏[‏ص 140‏]‏
696- تُخْرِجُ الْمِقْدَحَةُ ما في قَعْرِ البُرْمَةِ‏.‏
هذا مثل تبتذله العامة، وقد أورده أبو عمرو في كتابه‏.‏
697- تَرَكْتُهُ يَتَقَمُّعُ‏.‏
القَمَع‏:‏ الذبابُ ‏(‏في كتب اللغة ‏"‏القعمة - بالتحريك - ذباب يركب الإبل والظباء إذا اشتد الحر‏"‏‏)‏ الأزرق العظيم، ومعنى يتقمع يَذُبُّ الذباب من فَرضاغه كما يتقمع الحمار، وهو أن يحرك رأسه ليذهب الذباب، قال أَوْس بن حَجَر‏:‏
ألم تر أن اللّه أَنْزَلَ مُزْنَةً * وَعُفْرُ الظباءِ في الكِنَاسِ تَقَمَّعُ
698- تَكَلَّمَ فَجَمَعَ بَيْنَ الأَرْوَى وَالنَّعَامِ‏.‏
إذا تكلم بكلمتين مختلفتين، لأن الأرْوَى تسكن شَغَفَ الجبال، وهي شاء الوحش، والنعام تسكن الفَيَافي، فلا يجتمعان‏.‏
699- تَرَكَ ما يَسُوءُهُ وَيَنُوءُهُ ‏.‏
إذا ترك للوَرَثة مالَه، قيل‏:‏ كان المحبوبي ذا يَسَار، فلما حضرته الوفاة أراد أن يوصي، فقيل له‏:‏ ما نكتب ‏؟‏ فقال‏:‏ اكتبوا ترك فلان - يعني نفسه - ما يسوءه وينوءه، مالاً يأكله وَرَثته ويبقى عليه وزره‏.‏
700- تَبَدَّدَ بِلَحْمِكَ الطيْرُ ‏.‏
يقال هذا عند الدعاء على الإنسان، وقال رجل لامرأته‏:‏
أَزُحْنَةُ عني تطردين، تَبَدَّدَتْ * بلَحْمِكِ طيرٌ طِرْن كُلَّ مَطِيِر
701- تَرَكْتُهُ مُحْرَنْبِئاً لِيَنْبَاقَ‏.‏
الاحرنباء‏:‏ الازبئرار، ويقال‏:‏ المحرنبئ المضمِر لداهية في نفسه، والانبياقُ‏:‏ الهجومُ على الشيء، أي تركته يضمر داهيةً لينفتق عليهم بشر‏.‏
702- تِيسِي جَعَارِ‏.‏
قال الليث‏:‏ إذا استكذبت العربُ الرجل تقول‏:‏ تيسي جَعَارِ، أي كذبتَ، ولم يعرف أصل هذه الكلمة، قال‏:‏ والتيسُ جبلٌ باليمن، ويقال‏:‏ فلان يتكلم بالتيسية، أي بكلام أهل ذلك الجبل‏.‏
703- تَعَلُّقَ الْحَجْنِ بأَرْفَاغِ العَنْسِ‏.‏
الحَجْنُ‏:‏ تخفيفُ الحَجِنِ، وهو الصبي السيء الغِذاء، يقال‏:‏ حَجِنَ حَجَناً، ويراد به القُرَاد ههنا، وأرفاغ العنس‏:‏ بواطن فخذيها وأصولهما‏.‏
يضرب لمن يَلْصَقُ بك حتى ينال بِغيْتَه ونصب ‏"‏تعلق‏"‏ على المصدر، أي تعلَّقَ بي تعلُّقَ، والعَنْس‏:‏ الناقة الصُّلبة‏.‏ ‏[‏ص 141‏]‏
704- تِبْعُ ضِلَّةٍ‏.‏
ويروى ‏"‏صِلَّة‏"‏ بالصاد غيرِ المعجمة، فالتِّبْع‏:‏ الذي يتبع النساء، والضِّلة‏:‏ الذي لا خير فيه فهو لا يهتدي إلى غير الشر، ومن روى بالصاد جعله كالحية الصل، وأراد به الدهاء، كما يقال ‏"‏صِلُّ أَصْلاَلٍ‏"‏ وأدخل الهاء مبالغة، ومن روى بالضاد المعجمة فإنما كسر الضاد إتباعاً لقوله تِبْع‏.‏
705- اتَّقِ اللّهَ فِي جَنْبِ أَخِيكَ، ولا تَقْدَحْ في سَاقِهِ‏.‏
أي لا تقتله ولا تَغْتَبه، يقال‏:‏ قَدَحَ في ساقه، إذا عابه، وقوله ‏"‏ في جنب أخيك‏"‏ أراد في أمر أخيك، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه‏}‏ أي أمره، وقال ابن عرفة‏:‏ أي فيما تركت في أمر اللّه، يقال‏:‏ ما فعلتَ في جَنْبِ حاجتي ‏.‏ قال كُثَير‏:‏
ألا تتقين اللّه في جَنْبِ عاشِقٍ * له كَبدٌ حَرَّى عَلَيْكِ تَقَطَّعُ
وقال الفراء‏:‏ في جنب اللّه أي في قربه وجواره ‏.‏ قال الشاعر‏:‏
خَلِيليَّ كُفَّا واذْكُرَا اللّه فِي جَنْبِي*
أي في أمري بأن تَدَعَا الوقيعة فيّ‏.‏
706- تَرَكْتُ جَرَاداً كَأَنَّهُ نعَامَةٌ جَاثِمَةٌ‏.‏
جَرَاد‏:‏ موضع، أراد كثرة عُشْبه، واعْتِمامَ نبته‏.‏
707- تَرَكْنَا البِلاَدَ تُحَدِّثُ‏.‏
هذا يجوز أن يراد به الخِصْبُ وكثرة أصوات الذئاب، ويجوز أن يراد به القَفَار التي لا أنيس بها، ولا يسكنها غير الجن، كقول ذي الرمة‏:‏
لِلْجِنِّ باللَّيْلِ في حَافَاتِهَا زَجَلٌ * كما تجاوَبَ يومَ الريحِ عَيْشُومُ
708- أَتْرَبَ فَنَدَحَ‏.‏
الإتْرَابُ‏:‏ الاستغناء حتى يصير مالُه مثلَ التراب كثرة، ونَدَحَ يَنْدَحُ نَدْحاً‏:‏ إذا وسع‏.‏
يضرب لمن غني فوسَّع عليه عيشَه وبَذَّر ماله مُسْرِفا‏.‏
709- تَسْأَلُنِي أُمُّ الْخِيَارِ جَمَلاَ * يَمْشِي رُوَيْداً وَيَكُونُ أَوَّلاَ
يضرب في طَلَب ما يتعذر‏.‏
710- تَغَفَّرتْ أَرْوَى وَسِيمَاهَا البَدَنُ‏.‏
تغفرت‏:‏ أي تشبهت بالغُفْر، وهو ولد الأرْوِيَّة ‏.‏ والبَدَن‏:‏ المُسِنّ من الوُعُول، أي ‏[‏ص 141‏]‏ منظرها منظر الوُعُول المَسَان، وهي تظهر أنها غُفْر حَدَث‏.‏
711- تَهْيِيفُ بَطْنٍ شَيَّنَ الدَّرِيسُ‏.‏
التَّهْييف‏:‏ التَّضْمير، يقال‏:‏ رجل أَهْيَفُ إذا كان ضامرَ البطنِ، وذلك محمود، والتشيين‏:‏ تفعيلٌ من الشَّيْنِ وهو العَيْب ‏.‏ والدَّرِيسُ‏:‏ الثوبُ الْخَلَقُ‏.‏ وقوله ‏"‏شين‏"‏ يريد شيَّنه فحذف المفعول‏.‏
يضرب لمن له فَضْل وبَرَاعة يسترهما سوءُ حالِه‏.‏



B-happy 3 - 3 - 2010 02:24 AM



712- تَجْمَعِيَن خِلاَبَةً وَصُدُوداً‏.‏
يضرب لمن يجمع بين خَصْلَتَيْ شَرٍّ‏.‏
قالوا‏:‏ هو من قول جرير بن عطية، وذلك أن الحجاج بن يوسف أراد قتله، فمشت إليه مُضَرُ فقالوا‏:‏ أصلح الله الأمير ‏!‏ لسانُ مضر وشاعرُها، هَبْه لنا، فوهَبه لهم، وكانت هند بنت أسماء بن خارجة ممن طلب فيه، فقالت للحجاج‏:‏ ائذن لي فأسْمَعَ من قوله، قال‏:‏ نعم، فأمر بمَجْلِسٍ له وجلس فيه هو وهند، ثم بعث إلى جرير فدخل وهو لا يعلم بمكان الحجاج، فقالت‏:‏ يا ابن الْخَطَفَى أنْشِدْنِي قولَك في التشبيب، قال‏:‏ واللّه ما شَبَّبْتُ بامرأة قطُّ، وما خلَق اللّه شيئاً أبْغَضَ إليّ من النساء، ولكني أقول في المديح ما بلغكِ، فإن شئت أسمعتُكِ، قالت‏:‏ يا عدوَّ نفِسه فأين قولك‏:‏
يَجْرِي السواكُ على أغَرَّ كأنَّهُ * بَرَدٌ تحدَّرَ من مُتُونِ غَمامِ
طَرَقَتْكَ صائدةُ القلوبِ ولَيْسَ ذا * وَقْتَ الزيارة فَارْجِعِي بسلام
لو كُنْتِ صَادِقَةَ الذِي حَدَّثْتِنَا * لَوَصَلْتِ ذاك فكان غيرَ رِمَامِ
قال جرير‏:‏ لا والله ما قلت هذا، ولكني أقول‏:‏
لقد جَرَّدَ الحجاجُ بالحقِّ سيفَه * ألا فاسْتَقِيُموا لا يَمِيلَنَّ مَائِلُ
ولا يَسْتَوِي دَاعِي الضلالةِ والْهُدَى * ولاَحُجَّة الخصمين حَقٌّ وبَاطِلُ
فقالت هند‏:‏ دَعْ ذا عنك، فأين قولك
خليليّ لاَ تَسْتَشْعِرَا النومَ، إنني * أعيذُكُما باللّه أن تَجِدَا وَجْدِي
ظَمِئْتُ إلى بَرْدِ الشَّرَابِ وغَرَّني * جَدَامُزْنَةٍ يُرْجَى جَدَاها وَمَا تُجْدِي
قال جرير‏:‏ بل أنا الذي أقول‏:‏
ومَنْ يأمَن الحجَّاجَ، أما عِقَابُهُ * فَمُرّ، وأما عَقْدُه فَوَثِيقُ
لَخِفْتُكَ حَتَّى أنْزَلَتْنِي مَخَافَتِي * وَقَدْ كانَ مِنْ دُونِي عَمَايَة نِيق ‏[‏ص 143‏]‏
يُسِرُّ لك البَغْضَاء كلُّ مُنَافِقٍ * كما كلُّ ذِي دِينٍ عليك شَفِيقُ
قالت‏:‏ دَعْ ذا عنك، ولكن هات قولك‏:‏
يا عاذليّ دَعَا المَلاَمة وَاقْصِرَا * طَالَ الهَوَى وأطَلْتُمَا التَّفِنيدَا
إني وَجَدْتُكِ لَوْ أرَدْتِ زِيَارةً * في الحبِّ مِنِّي ما وَجَدْتِ مَزِيدَا
أخَلَبْتِنَا وَصَدَدْتِ أمَّ محمدٍ * أفَتَجْمَعِيَن خِلاَبةً وصُدُودَا
لا يستطيعُ أخو الصبابة أن يُرَى * حَجَراً أصمَّ وأن يكون حَدِيدَا
713- تَقَيَّلَ الرَّجُلُ أَباهُ‏.‏
إذا أشْبَهه، قال ابن فارس‏:‏ اللامُ مبدلة من الضاد، يعني من قولهم ‏"‏تقيّضَ‏"‏ من القَيْضِ وهو العِوَضُ ‏.‏ ويكون مصدراً أيضاً، يقال‏:‏ قَاضَه يَقِيضُه قَيْضاً كما يقال‏:‏ عَاضَهُ يَعُوضُه عَوْضاً، ومنه المُقَايضة بمعنى المبادلة، يقال‏:‏ هما قَيْضَان أي مِثْلاَن، يعني أن كل واحد منهما عوض من الآخر‏.‏
يضرب في الشيئين تَقَاربا في الشبه‏.‏
714- تَزَبَّدَهَا حَذَّاءَ‏.‏
الحذَّاء‏:‏ اليمينُ المُنْكَرة، والهاء في ‏"‏تَزَبَّدَها‏"‏ راجعة إليها، وتزبد‏:‏ أي ابتلع ابتلاع الزُّبْدَ، وهذا كقولهم ‏"‏حَذَّها حَذَّ البعير الصِّلِّيَانَةَ‏"‏ وينشد‏:‏
تزبَّدَهَا حَذَّاءَ يَعْلَم أنه * هو الكاذبُ الآتِي الأمُورَ الْبَجَارِيا
715- التَّثَبُّتُ نِصْفُ العَفْوِ‏.‏
دعا قُتَيبة بن مُسْلم برجل ليعاقبه، فقال‏:‏ أيها الأمير، التثبُّتُ نصف العفو، فعفا عنه، وذهبت كلمته مثلا‏.‏
716- تُقَطِّعُ أَعْنَاقَ الرِّجَالِ المَطَامِع‏.‏
يضرب في ذمِّ الطمع والْجَشَع‏.‏
قال أبو عبيد‏:‏ وفي بعض الحديث أن الصَّفَاة الزلاَّء التي لا تثبت عليها أقدام العلماء الطمَعُ‏.‏
717- تَخَطَّيْتُ سَنَةً مُقِيماً‏.‏
ويروى ‏"‏تخاطأت‏"‏ يضرب لمن أقام فسَلِمَ ولو سار لهلَك ‏.‏
وذلك أن رجلا أجْدَبَ وأقام وخرج قومُه مُنْتَجعين، فهُزِلوا وبقي هو في وطنه فأعشب واديه وأخْصَب‏.‏
718- تَرَكْتُ دَارَهُمْ حَوْثاً بَوْثاً‏.‏
أي أُثِيَرتْ بحوافر الدواب وخَرِبَتْ يقال‏:‏ تركهم حَوْثاً بَوْثاً، وحَوْثَ بَوْثَ، وحَيْثَ بَيْثَ، وحاثَ بَاثَ، إذا فرقهم وبدّدهم‏.‏ ‏[‏ص 144‏]‏
719- تُوَطِّنُ الإِبُل وَتَعَافُ المِعْزَى‏.‏
أي أن الإبل تُوَطِّنُ نفسها على المكاره لقوتها، وتَعَافُها المِعْزَى لذلّها وضَعْفها‏.‏
يضرب للقوم تصيبهم المكاره فيوطِّنون أنفسهم عليها ويَعَافُها جبناؤهم‏.‏
720- تَرَكْتُهُ عَلَى مِثْلِ عِضْرِطِ العَيْرِ‏.‏
عَضْرِطُ العيرِ‏:‏ عِجانه‏.‏
يضرب لمن لم تَدَعْ له شيئاً‏.‏
721- تَرَدَّدُ فِي اسْتِ مارِيَةَ الهُمُومُ * فَما تَدْرِي أتَظْعَنُ أمْ تُقِيمُ
يضرب لمن يَعْيا بأمره‏.‏
722- تَشْتَهِي وَتَشْتَكي‏.‏
أي تحبُّ أن تأخذ، وتكره أن يُؤْخَذ منك‏.‏
723- تَرَكْتُهُ صَرِيمَ سَحْرٍ‏.‏
الصَّرِيم‏:‏ بمعنى المصروم، والسَّحْر‏:‏ الرئة، أي تركته وقَدْ يئستُ منه‏.‏
724- تَرَافَدُوا ترافُدَ الحُمرِ بأبْوَالِهَا‏.‏
وذلك إذا تَوَاطأ القومُ على ما تكرهه‏.‏
725- تَحْسِبُهُ جَادّاً وَهْوَ مازِحٌ‏.‏
يضرب لمن يتهدَّد وليس وراءه ما يحققه‏.‏
726- تَرَى مَنْ لاَ حَرِيمَ لَهُ يَهُونُ‏.‏
يضرب لمن لا ناصر له عند ظلمه‏.‏
727- تَرَكْتُهُمْ كَمَقَصِّ قَرْنٍ‏.‏
أي استأصلتهم، وذلك أن أحد القرنين إذا تم وقُطع الآخر رأيته قبيحا، قال الشاعر‏:‏
فأضحَتْ دَارُهم كَمَقَصِّ قَرْن * فلا عَيْنٌ تُحَسُّ ولا إثَارُ
أي لا ترى أثرا ولا عينا، وقال الأصمعي‏:‏
القَرْن جَبَل مُطِل على عرفات، وأنشد‏:‏
وأصْبَحَ عَهْدُهُ كمَقَصِّ قَرْنِ*
قال الأزهري‏:‏ يروى ‏"‏مقصّ قرن‏"‏ و ‏"‏مقطّ قَرْن‏"‏ والقرن إذا قص أو قط بقي ذلك الموضع أمْلَسَ نقيا لا أثر فيه‏.‏
يضرب لمن يُسْتأصل ويُصْطَلم‏.‏
728- تَمَسَّكْ بِحَرْدِكَ حَتَّى تُدْرِكَ حَقَّكَ‏.‏
يقال حَرِد حَرْداً ساكنة الراء والقياس تحريكها، وينشد‏:‏
إذا جِيَاد الْخَيْلِ جَاءَتْ تردِى * مَمْلُوءَةً مِنْ غَضَبٍ وَحَرْدِ
وقال ابن السكيت‏:‏ وقد تحرك، ويقال‏:‏ رجل حَارِد وحَرِد وحَرْدَان، أي غضبان، أي دُمْ على غيظك حتى تَثَّئِر ‏(‏تثئر‏:‏ تأخذ ثأرك، وأصله تتثئر‏)‏‏.‏
729- تَحَوُّفِي النَّضِيجَ مِنْ حوْلِ النَّيءٍ‏.‏
قال يونس‏:‏ قيل لرجل‏:‏ ما احْبَنَ بَطْنَكَ‏؟‏ أيْ أيُّ شيء عَظَّم بَطْنَكَ يعني ‏[‏ص 145‏]‏ سَمَّنه، قال‏:‏ تَحَوُّفِي النضيجَ - المثلَ، والتحوُّفُ‏:‏ أخذ الشيء من حافاته‏.‏
يضرب لمن يعمل الفكر فيما يستقبله، وهذا لمن يُحْسِنُ النظر في استصلاح حاله حتى يرى حسن الحال أبدا‏.‏
730- تَرَكْتُهُ عَلَى مِثْلِ خَدِّ الفَرَسِ‏.‏
أي تركته على طريق واضح مُسْتَوٍ‏.‏
731- تَرَكْتُهُ عَلَى مِثْلِ شِرَاكِ النَّعْل‏.‏
أي في ضِيق حالٍ‏.‏
732- تَرَكْتُهُ عَلَى مِثْلِ مِشْفَرِ الأسَدِ‏.‏
يضرب لمن تركْتَه عُرْضَةً للهلاك‏.‏
733- تَخَطَّي إِلَىَّ شُبَيْثاً وَالأَحَصَّ‏.‏
شُبَيْث‏:‏ ماء لبني الأضبط ببطن الْجَرِيب في موضع يقال له‏:‏ دارة شُبَيْث، والأحَصُّ‏:‏ موضع هناك أيضاً، وهذا المثل من قول جَسَّاس بن مُرّة، قاله لكليب وائل حين طَعَنه، فقال كليب‏:‏ أغثني بشربة ماء، فقال جَسَّاسٌ‏:‏ تجاوزت شُبَيْثاً والأحَصَّ، يعني ليس حين طلب الماء‏.‏
يضرب لمن يطلب شيئاً في غير وقته‏.‏
734- اتَّخَذَ البَاطِلَ دَخَلاً‏.‏
الدَّخَلُ والدَّخْلُ والدَّغَلُ‏:‏ العيبُ والرِّيبة‏.‏
يضرب للماكر الخادع‏.‏
735- أَتْبِعِ السَّيِّئَّة الْحَسَنَةَ تَمْحُها‏.‏
قال أبو نُوَاس‏:‏
خَيْرُ هذَا بِشَرّ ذا * فإذا الربُّ قَدْ َعَفا
يضرب في الإنابة بعد الاجترام‏.‏
736- اتَّقِ شَرَّ منْ أحْسَنْتَ إِلَيْهِ‏.‏
هذا قريب من قولهم ‏"‏سَمِّنْ كَلْبَكَ يأكُلْكَ‏"‏‏.‏
737- تَنَاسَ مَسَاوِيَ الإخْوَانِ يَدُمْ لَكَ وُدُّهُمْ‏.‏
يضرب في استبقاء الإخوان‏.‏
738- تَضَرَّعْ إِلَى الطَّبيبِ قَبْلَ أَنْ تَمْرَضَ‏.‏
أي افتقد الإخوان قبل الحاجة إليهم، قاله لقمان لابنه‏.‏
739- تَغَافَلْ كأَنَّكَ وَاسِطِيُّ‏.‏
قال المبرد‏:‏ أصله أن الحجاج كان يُسَخِّر أهلَ واسط في البناء، فكانوا يهربون وينامون وسط الغرباء في المسجد، فيجيء الشرطيّ ويقول‏:‏ يا واسطيّ، فمن رَفَع رأسه أخذه وحَمَله، فلذلك كانوا يتغافلون‏.‏
740- تَقَلَّدَهَا طَوْقَ الحَمَامَةِ‏.‏
الهاء كناية عن الخَصْلة القَبيحة، أي ‏[‏ص 146‏]‏ تقلّدها تقلُّدَ طَوْقِ الحمامة، أي لا تُزَايله ولا تفارقه حتى يفارق طوقُ الحمامةِ الحمامةَ‏.‏
741- تَحَلَّلَتْ عُقَدُهُ‏.‏
يضرب للغضبان يَسْكُن غضبه‏.‏
742- تَصَامَمَ الْحُرُّ إِذَا سُنَّ القَذَع‏.‏
حقه أن يقال تَصَامّ لكنه فَكَّ الإدغام ضرورة ‏.‏ والسَّنُّ‏:‏ الصَّبُّ، يقال‏:‏ سَنّ الماء على وجهه‏.‏ والقَذَع‏:‏ الخنا والفُحْش‏.‏
يضرب للحليم لا يُرْعِى سمعه لما يقبح‏.‏
743- تَغمُّرٌ كانَ وَلَيْسَ رِيّاً‏.‏
التَّغَمُّر‏:‏ الشربُ القليل، وهو من الغُمَر‏:‏ وهو القَدَح الصغير‏.‏
يضرب لمن تقلد أمرا ثم لم يبالغ في إتمامه‏.‏
744- تَذَكَّرَتْ رَيَّا صَبِيّاً فَبَكَتْ‏.‏
ريَّا‏:‏ اسمُ امرأة أسَنَّت فخرفت فتذكرت ولداً لها مات فأسِفَت وبكت‏.‏
يضرب لمن حَزِنَ على أمر لا مَطْمَع في إدراكه لبُعْدِ العهد به‏.‏
745- تَهوْيِدٌ عَلَى رُيُودٍ‏.‏
التهويد‏:‏ السكونُ والنوم، والرُّيُود‏:‏ جمع رَيْدٍ، وهو الحرف الناتئ من الجبل، ومَنْ سكن فيه كان على غير طمأنينة‏.‏
يضرب لمن شَرَع في أمرٍ وَخِيم العاقبة‏.‏
746- تَحْت جِلْدِ الضَّأْنِ قَلْبُ الاَذْؤُبِ‏.‏
يقال‏:‏ ذِئْب وأذْؤُبٌ وذِئَاب وذُؤْبان، وضَاِئن في الواحد وضَأْن وضَئِنين في الجَمْع، مثل ماعِزٍ ومَعْز ومَعِيز‏.‏
يضرب لمن ينافق ويخادع الناس‏.‏
747- تَذْرِيعُ حِطَّانَ لَنَا إِنْذَارُ‏.‏
التذريع‏:‏ أن يُصَفَّرَ بالزعفران أو الخَلُوق ذِراعُ الأسير علامةً منهم على قتله، وكانوا يفعلونه في الجاهلية، وحِطّان‏:‏ اسم رجل‏.‏
يضرب لمن كلم في أمر فأظهر البشاشة وأحسن الجواب، وهو يُضْمِر خلافه‏.‏
748- تَأْتِي بِكَ الضَّامَةُ عِرّيسَ الأَسَدِ‏.‏
الضامة تُثَقَّل وتُخَفف، من الضمّ والضيم، فإذا ثقلت فالمعنى الحاجَة الضامَّة التي تَضُمُّكَ وتُلْجئك، والضامَةُ من الضيم جمع ضائم، يعني الظَّلَمة، أي ظلم الظلمة يُحْوِجك إلى أن توقع نفسك في الهلكة‏.‏
يضرب في الاعتذار من رُكوب الغَرَر‏.‏
749- تَلْبِيدٌ خَيْرٌ مِنَ التَّصْيِئِ‏.‏
التلبيد‏:‏ أن يلزق شَعْرَ رأسه بصَمْغ يجعله عليه لئلا يَتَشَعَّثَ، والتصيئ‏:‏ أن ‏[‏ص 147‏]‏ يُثَوّر الرأسُ ليغسله ثم لا ينقى وَسَخَه، يقال‏:‏ لَبَّدْتُ الشَّعْر فتلَبَّدْ وصَيَّأَته فَتصيَّأ، يقول‏:‏ لأَنْ تتركَه متلبدا خيرٌ من أن تتركه مُتَصَيئاً‏.‏ يضرب لمن قام بأمر لا يقدر على إتمامه‏.‏
750- تَرَكْتُ عَوْفاً فِي مَغَانِي الأَصْرَمِ‏.‏
يقال للذئب والغُرَاب‏:‏ الأصْرَمَان، يقول تركته في منازلَ لا أنيسَ بها ولا يسكنها إلا الذئب أو الغراب‏.‏
يضرب لمن يَخْذل صاحبه في حادث ألمَّ به‏.‏
751- تَقِئُ يَوْماً بَيْنَ شِدْقَيْكَ الدَّخَن‏.‏
يقال‏:‏ دَخِنَ الطعامُ يَدْخَنُ دَخَناً إذا فَسَد وخَبُثَ على فم المعدة، ولا دواء له إلا القَيْءُ‏.‏
يضرب لمن يفعل أفعالا سيئة ويسلم منها، فيقال‏:‏ سَتَنْدَم وسَتَرى عاقبة ما تصنع‏.‏
752- تَلْبَسُ أُذُنَيْكَ عَلَى مَضَاضٍ‏.‏
المَضَاض والمَضَاضة‏:‏ ألم وحرقة يجدها الرجل في جوفه من غيظ يتجرعه‏.‏
يضرب للرجل الحليم يسكت عن الجاهل ويتحمل أذاه‏.‏
753- التَّجَارِبُ لَيْسَتْ لَهَا نِهَايةٌ، وَالمَرْءُ مِنْهَا فِي زِيَادَةٍ‏.‏
قال عمر رضي الله عنه‏:‏ يحتلم الغلامُ لأربَع عَشْرَة، وينتهي طوله لإحدى وعشرين، وعلقه لسبع وعشرين، إلا التجارب، فجعل التجارب لا غاية لها ولا نهاية‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif ما جاء على أفعل من هذا الباب‏.‏
754- أَتْجَرُ مِنْ عَقْرَبٍ‏.‏
ويقال أيضاً ‏"‏أمْطَلُ من عَقْرَب‏"‏ وهذا من أمثال أهل المدينة، حكاه الزُّبير بن بَكَّار ‏.‏ وعقرب اسم تاجر من تجارها، قال الزبير‏:‏ وكان رَهْط أبي عَقْرب أكْثَرَ مَنْ هُنَاك تجارة، وأشدَّهم تسويفاً، حتى ضَرَبوا بِمَطْله المثلَ، فاتفق أنْ عاملَ الفضلَ بن عباس بن عُتْبة بن أبي لَهَب، وكان أشدَّ أهلِ زمانِهِ اقْتِضَاءً، فقال الناس‏:‏ ننظر الآنَ ما يصنعان، فلما حلَّ المالُ لزم الفضلُ بابَ عقرب، وشدّ ببابه حماراً له يسمى السَّحَاب، وقعد يقرأ على بابه القرآن، فأقام عقرب على المَطْل غيرَ مكترثٍ به، فعدل الفضلُ عن مُلاَزمة بابه إلى هِجاء عِرْضه، فمما سار عنه فيه قولُه‏:‏
قد تَجَرَتْ في سُوقِنَا عقربٌ * لا مَرْحَباً بِالْعَقْرَبِ التاجِرَهْ ‏[‏ص 148‏]‏
كلُّ عدوٍّ يُتَّقَى مُقْبلاً * وعقربٌ يُخْشَى من الدَّابِرَهْ
كل عدوٍّ كيدُهُ في اسْتِهِ * فغيرُ مَخْشِىٍّ ولا ضَائِرَهْ ‏(‏ويروى عجز البيت‏:‏ فغيره ليس الأذى ضائره‏)‏
إن عَادَتِ العقربُ عُدْنَا لَهَا * وكَانَتِ النَّعْلُ لَهَا حَاضِرَهْ
755- أتْعَبُ مِنْ رَائِضِ مُهْرٍ
هذا كقولهم ‏"‏لا يَعْدَمُ شَقِيٌّ مُهْرا‏"‏ يعني أن معالجة المِهارة شَقَاوة لما فيها من التعب، قلت‏:‏ وهذا كما يحكى أن امرأة قالت لرائضٍ‏:‏ ما أتعَبَ شأنَكَ‏!‏ حرفُتك كلها بالاست، فقال لها ليس بين آلتي وآلتك إلا مقدار ظفر‏.‏
756- أَتْلَي مِنَ الشِّعْرَى‏.‏
يعنون الشِّعْرَى العَبُورَ، وهي اليمانية، فهي تكون في طلوعها تِلْوَ الجَوْزاء، ويسمونها كلب الجَبّار، والجَبَّار‏:‏ اسم للجَوْزَاء، جعلوا الشعرى ككَلْب لها يتبع صاحبه‏.‏
757- أَتْيَمُ مِنَ المُرَقِّشِ‏.‏
يعنون المُرَقِّشَ الأصْغَر، وكان متيما بفاطمة بنت الملك المنذر، وله معها قصة طويلة، وبلَغ من أمره أخيرا أنْ قَطَع المرقش إبهامه بأسنانه وَجْدا عليها، وفي ذلك يقول‏:‏
ومَنْ يَلْقَ خيراً يَحْمَدِ الناسُ أمرَه * وَمَن يَغْوِ لا يَعْدَمْ على الغَيِّ لائما
ألم تَرَ أن المَرْءَ يَجْذِمُ كَّفُه * ويَجْشَمُ من لَوْمِ الصَّدِيقِ المَجَاشِمَا
أي يكلف نفسه الشدائدَ مخافةَ لوم الصديق إياه، وأتيم‏:‏ أفعل من المفعول، يقال‏:‏ تَامَهُ الحبُّ وتَيَّمه، أي عَبَّده وذلله، وتَيْمُ الله مثلُ قولك عبد الله، قال لَقِيط‏:‏
تَامَتْ فُؤَادَكَ لم يَحْزُنْكَ ما صَنَعَتْ * إحْدَى نِسَاءِ بَنِي ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانَا
758- أَتْيَهُ مِنْ فَقِيدِ ثَقِيفٍ‏.‏
قالوا‏:‏ كان بالطائف في أول الاسلام أخَوَانِ فتزوَّج أحدُهما امرأةً من كُنَّة ثم رامَ سفَرا فأوصى الأخَ بها، فكان يتعهَّدُها كل يوم بنفسه، وكانت من أحسن الناس وَجْهاً، فذهبت بقلبه فَضَنِىَ وأخذت قوته حتى عجز عن المشي، ثم عجز عن القعود، وقَدِمَ أخوه فلما رآه بتلك الحال قال‏:‏ مالك يا أخي‏؟‏ ما تجد‏؟‏ قال‏:‏ ما أجد شيئاً غير الضعف فبعث أخوه إلى الحارث بن كَلْدَةَ طبيبِ العرب، فلما حضر لم يجد به علَّة من مرض، ووقع له أن ما به من عشق، فدعا بخمر ‏[‏ص 149‏]‏ وفَتَّ فيها خبزا، فأطعمه إياه ثم أتبعه بشَرْبة منها، فتحرك ساعةً ثم نغص رأسه ورفع عَقيرتَه بهذه الأبيات‏:‏
ألمَّا بي على الأبْيَا * تِ بِالْخِيفِ نَزُرْهُنَّهْ
غَزَالٌ ثَم يَحْتَلُّ * بها دُورَ بني كُنَّهْ
غَزَال أحْوَرُ الْعَيْنَيْن فِي مَنْطِقِةِ غُنَّهْ
فعرف أنه عاشق، فأعاد عليه الخمر، فأنشأ يقول‏:‏
أيها الجِيَرةُ اسْلَمُوا * وَقِفُوا كي تَكَلَّمُوا
خرجت مزنة من الـ* ـبَحْرِ ‏(‏البحر‏)‏ رَيَّا تُحَمْحِمُ
هِيَ مَا كُنَّتِي وتز * عُمُ أنِّي لَهَا حَمُ
فعرف أخوه ما به، فقال‏:‏ يا أخي هي طالق ثلاثا فتزوجْهَا، فقال‏:‏ هي طالق يوم أتزوجها، ثم ثاب إليه ثائب من العقل والقوة ففارق الطائف حضرا، وهاَمَ في البر فما رُؤي بعد ذلك، فمكث أخوه أياما ثم مات كَمَداً على أخيه، فضرب به المثل، وسمى فقيد ثقيف‏.‏
وأما قولهم‏:‏
759- أَتْيَهُ مِنْ أَحْمَقِ ثَقِيفٍ‏.‏
فهذا من التِّيِه الذي هو الصَّلَف، وأَحْمَقُ ثقيف هو يوسف بن عمر، وكان أمير العراقَيْنِ من قبل هشام بن عبد الملك، وكان أَتْيَهَ وأَحْمَقَ عربي أَمَرَ ونهى في دولة الإسلام، ومن حُمْقه أن حجاماً كان يحجمه فلما أراد أن يَشْرطه ارتعَدَتْ يَدُهُ، فأحسَّ بذلك يوسف، وكان حاجبه قائماً على رأسه، فقال له‏:‏ قل لهذا البائس لا تَخَفْ، وكان يوسف قصيراً جداً قَمِيئاً‏.‏ فكان الخياط عند قطع ثيابه إذا قال له يحتاج إلى زيادة أكرمه وحَبَاه ‏.‏ وإذا قال يَفْضُل شيء، أهانه وأَقْصَاه‏.‏
760- أَتْمَكُ مِنْ سَنَامٍ‏.‏
التُّمُوك‏:‏ الارتفاع والسِّمَن، والتامِكُ من الإبل‏:‏ العظيمُ السنامِ، وأتمكَهَا الكلأُ‏:‏ أي سَمَّنها، يعني الناقة‏.‏
761- أَتْيَسُ من تُيُوسِ تُوَيْتٍ‏.‏
قال حمزة‏:‏ هذا مَثَلٌ حكاه نحند بن حبيب ولم يذكر في أي موضع يجب أن يُوضَع، وتُوَيْت‏:‏ قبيلة من قبائل قريش، وهو تُوَيْت بن حَبيب بن أسد بن عبد العُزَّى قال‏:‏ وحكى أيضاً ولم يفسره أيضاً‏:‏
762- أَتَيْسُ مِنْ تُيُوسِ البَيَّاعِ‏.‏
قال حمزة‏:‏ فسألت عنه أبا الحسن النَّسَّابة الأصبهاني، فذكر أنه البَيَّاعُ بن عَبْدِ يالِيل بن نَاشِب بن غِيَرَة بن سَعْد بن لَيْث بن بكر ‏.‏ وبنتُه رَيْطَة بنتُ أم أبي أُحَيْحَةَ سَعيد بن العاص، ويُعَيرون به‏.‏ ‏[‏ص 150‏]‏
763- أَتْبَعُ مِنْ تَوْلَبٍ ‏.‏
التَّوْلَبُ‏:‏ الجَحْشُ ‏.‏ قال سيبويه‏:‏ هو مَصْرُوف لأنه فَوْعل، ويقال للأتان‏:‏ أم تَوْلَب ‏.‏ وقال ابن فارس‏:‏ لا يبعدُ أن تكون التاء في تَوْلَب واواً‏.‏ يعني أن أصله وَوْلَب من وَلَبَ يَلِبُ وُلُوباً إذا ذهب وتتبع، سمى به لأنه يَتْبَعُ الأمَّ‏.‏
764- أَتْوَى مِنْ دَيْنٍ ‏.‏
التَّوَى‏:‏ الهلاكُ ‏.‏ يقال ‏"‏تَوَى‏"‏ إذا هَلَك، وإنما قيل ذلك لأن أكثر الدُّيُون هالك ذاهب‏.‏
765- أَتْرَفُ مِنْ رَبِيبِ نِعْمَةٍ‏.‏
التُّرْفَة‏:‏ النعمة ‏.‏ والرَّبيبُ‏:‏ المَرْبُوب ‏.‏ يضرب للمنعَمِ عليه‏.‏
766- أَتْيَهُ مِنْ قَوْمِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ‏.‏
هذا من التِّيه بمعنى التَّحَيُّرِ، وأرادوا به مُكْثَهم في التِّيهِ أربعين سنةً‏.‏
767- أَتْوَى مِنْ سَلَفٍ‏.‏
السَّلَف والسَّلَم واحد ‏.‏ وهما ما أَسْلَفْتَ في طعام أو غيره ‏.‏ وهذا مثل ‏"‏أَتْوَى من دَيْنٍ‏"‏ وقد مر‏.‏
768- أَتَبُّ مِنْ أَبِي لَهَبٍ‏.‏
أي‏:‏ أَخْسَر، أخِذَ من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏تَبَّتْ يَدَا أبي لهب‏}‏ والتَّبَابُ‏:‏ الْخَسَار والهَلاَك‏.‏
769- أَتْخَمُ مِنْ فَصِيٍل‏.‏
لأنه يَرْضَع أكثر مما يُطِيق ثم يتخم ‏.‏ وكان الأصل أن يقال‏:‏ أوْخَمُ من وَخِمَ يَوْخَمُ، إلا أنهم بَنَوْه من الاتخام توهُّما أن التاء أصلية كما تَوَهَّمُوها في التُّكَلة والتُّهَمة وأشباههما فألزموها التاء في التصغير والجمعِ فقالوا‏:‏ تُكَيْلَة وتُهَيْمة وتُكَل وتُهَم ‏.‏
770- أَتْعَبُ مِنْ رَاكِبِ فَصِيلٍ ‏.‏
لأنه غيرُ مَرُوضٍ‏.‏
http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif
المولدون‏.‏

تَوْبَةُ الْجَانِي اعْتِذارُهُ‏.‏
َتَزاوَرُوا وَلاَ تَجَاوَرُوا‏.‏
تَقَارَبُوا بالمَوَدَّةِ، وَلاَ تَتَّكِلُوا عَلَى القَرَابَة‏.‏
تَعَاشَرُوا كالإِخْوَانِ، وَتَعَامَلُوا كَالأجانِبِ‏.‏
أي ليس في التجارة مُحَاباة‏.‏
تَلَقَّاكَ سَبُعٌ وَلاَ تَلَقَّاكَ ذُو عِيالِ‏.‏ ‏[‏ص 151‏]‏
تَوَكَّلْ تُكفَ‏.‏
تَشْوِيشُ العِمَامَةِ مِنَ المُرُوءَةِ‏.‏
تَأَمُّلُ العَيْبِ عَيْبٌ‏.‏
تُجَازَي القُرُوضُ بأَمْثَالِهَا‏.‏
تَكَلْم فَقَدْ كَلَم اللّهُ مُوسَى‏.‏
تَفرِّقُ بَيْنَ المُسْلِمينَ الدَّرَاهِمُ‏.‏
تَجْرِي الرِّيَاحُ بِمَا لا تَشْتَهِي السُّفُن‏.‏
تُجَرِّئُنِي وَأَنَا حَرِيصٌ‏.‏
تَفُورُ مِنْ نِصْفِ خُوصَةٍ قِدْرُهُ‏.‏
تَخَلَّصْتُ مِنْهُ بِشَعْرَةٍ‏.‏
تَحَلُّمٌ ما لَمْ تَحْلُمْ بُهْتَانٌ عَلَى المَقادِير‏.‏
تَرَكْتُهُ كُرَةً عَلَى طَبْطَابٍ وَحَبَّةً عَلَى المِقْلَى‏.‏
تَرْكُ المُكافَأةِ مِنَ التَّطفِيفِ‏.‏
تَحْتَ هَذَا الكَبْشِ نَبْشٌ‏.‏
يضرب لمن يُرْتَاب به‏.‏
تأَلَّفِ النِّعْمَةَ بِحُسْنِ جِوَارِهَا‏.‏
تَحِلُّ لَهُ الْمَيْتَةُ‏.‏
يضرب للفقير‏.‏
تَرْكُ ادِّعاءِ العِلْم يَنْفِي عَنْكَ الحسَدَ‏.‏
تَاجُ المُرُوءَةِ التَّوَاضُعُ‏.‏
التَمَيُّزُ شُؤْمٌ‏.‏
التَّعْبِيرُ نِصْفُ التّجَارَةِ‏.‏
التَّسَلطُ عَلَى الممالِيكِ دَنَاءَةٌ‏.‏
التَّحَسُّنُ خَيْرٌ مِنَ الْحُسْنِ‏.‏
التَّقْدِيرُ أَحَدُ الكَاسِبَيْنِ‏.‏
التَّوَاضُعُ شَبَكَةُ الشَّرَفِ‏.‏
التِّينَةُ تَنْظُرُ إلَى التِّينَةِ فَتَيْنَعُ‏.‏
اْتَّقِ مَجَانِيقَ الضُّعَفَاءِ‏.‏
أي دَعَوَاتهم‏.‏
اتْبَعِ النُّبَاحَ وَلاَ تَتْبَعِ الضُّبَاحَ‏.‏
اتَّكَلْنَا مِنْهُ عَلَى خُصٍّ‏.‏
وهو جِدَار من قصب، يضرب في الخيبة‏.‏
التَّدْبِيرُ نِصْفُ المعِيشَةِ‏.‏ ‏[‏ص 152‏]

B-happy 3 - 3 - 2010 02:25 AM

الباب الرابع فيما أوله ثاء‏.‏

771- ثُكْلٌ أَرْأَمَهَا وَلَدًا‏.‏
قاله بَيْهس الملقب بِنَعَامة لأمه حين رجَع إليها بعد إخوته الذين قُتِلوا‏.‏
قال المفضل‏:‏ كان من حديث بَيْهس أنه كان رجُلاً من بني فَزَارة بن ذُبْيَان بن بَغيض، وكان سابعَ إخْوَةٍ ‏.‏ فأغار عليهم ناسٌ من أَشْجَع بينهم وبينهم حرب وهو في إبلهم، فَقتَلوا منهم ستة وبقي بَيْهَسٌ وكان يُحَمَّقُ، وكان أَصْغَرَهم، فأرادوا قتله، ثم قالوا‏:‏ وما تريدون من قتل هذا ‏؟‏ يُحْسَبُ عليكم برجل ولا خير فيه، فتركوه، فقال‏:‏ دعوني أتوصَّلُ معكم إلى الحي، فإنكم إن تركتموني وَحْدِي أكلتني السباع وقَتَلَنِي العطش، ففعلوا، فأقبل معهم فلما كان من الغدِ نزلوا فَنَحَروا جَزُوراً في يومٍ شديدِ الحر، فقالوا‏:‏ ظلِّلُوا لَحْمكم لا يفسد ‏.‏ فقال بيهس‏:‏ لكنَّ بالأثَلاَث لحماً لا يُظَلَّل، فذهبت مثلا، فلما قال ذلك قالوا‏:‏ إنه لمُنْكَر وَهَمُّوا أن يَقْتلوه، ثم تركوه وظلُّوا يَشْوُون من لحم الجزور ويأكلون، فقال أحدهم‏:‏ ما أَطْيَبَ يومَنَا وأَخْصَبَه، فقال بيهس‏:‏ لكنْ على بَلْدَح قومٌ عَجْفَى، فأرسلها مثلا، ثم انْشَعَبَ طريقُهم فأتى أُمَّه فأخبرها الخبر ‏.‏ قالت‏:‏ فما جاءَني بك من بين إخوتك ‏؟‏ فقال بيهس‏:‏ لو خُيِّرْتِ لاخْتَرْتِ فذهبت مثلا، ثم إن أمه عَطَفت عليه ورقَّتْ له فقال الناس‏:‏ لقد أحبَّتْ أم بيهسٍ بيهساً‏.‏ فقال بيهس‏:‏ ثكلٌ أَرْأَمَهَا ولدا، أي عَطَفها على ولد، فأرسلها مثلا، ثم إن أمه جَعَلت تُعطيه بعد ذلك ثيابَ إخوته فَيَلْبَسُها ويقول‏:‏ يا حَبَّذَا التراثُ لولا الذلَّة فأرسلها مثلاً، ثم إنه أتى على ذلك ما شاء الله فمر بنسوة من قومه يُصْلِحْنَ امرأةً منهن يُرِدْنَ أن يُهْدِينَهَا لبعض القوم الذين قَتَلُوا إخوته، فكشَف ثوبه عن اسْتِهِ وغطى به رأسه فقلن له‏:‏ ويحك‏!‏ ما تصنع يا بيهس‏؟‏ فقال‏:‏
ألْبَسْ لكلِّ حَالَةٍ لَبُوسَها * إِمَّا نعيمَهَا وإما بُوسَهَا
فأرسلها مثلا، ثم أمر النساء من كنانة وغيرها فصنَعْنَ له طعاماً، فجعل يأكل ويقول‏:‏ حَبَّذَا كثرةُ الأيْدِي في غير طعام ‏[‏ص 153‏]‏ فأرسلها مثلاً، فقالت أمه‏:‏ لا يطلبُ هذا بثأرٍ أبداً، فقالت الكنانية‏:‏ لا تأْمَنِي الأحْمَقَ وفي يَدِه سكين، فأرسلتها مثلا، ثم إنه أخبر أن ناساً من أَشْجَعَ في غارٍ يشربون فيه، فانطلق بخالٍ له يقال له‏:‏ أبو حَنَش، فقال له‏:‏ هل لك في غارٍ فيه ظِباء لعلنا نصيبُ منها، ويروى‏:‏ هل لك في غَنِيمة باردة، فأرسلها مثلاً، ثم انطلق بَيْهَس بخاله حتى أَقَامَهُ على فَمِ الغار ثم دفع إبا حنَشٍ في الغار فقال‏:‏ ضَرْباً أبا حَنَشٍ، فقال بعضهم‏:‏ إن أبا حَنَشٍ لَبَطَل، فقال‏:‏ أبو حنش‏:‏ مُكْرَهٌ أَخُوكَ لا بَطَل، فأرسلها مثلا، قال المتَلمِّسُ في ذلك‏:‏
وَمِنْ طَلَبِ الأوْتَارِ مَا حَزَّ أَنْفَهُ * قَصِيٌر وَخَاضَ المَوْتَ بالسَّيْفِ بَيْهَسُ
نَعَامةُ لما صَرَّعَ القومُ رَهْطَهُ * تبيَّنَ فِي أَثْوَابِهِ كَيْفَ يَلْبَسُ
773- الثَّيِّبُ عُجَالَةُ الرَّاكِبِ‏.‏
العُجَالة‏:‏ ما تزوَّده الراكب مما لا تَعَبَ فيه كالتمر والسويق‏.‏
قال أبو عبيد‏:‏ يضرب هذا في الحثِّ على الرضا بيَسير الحاجة إذا أعوز جَليلُها‏.‏
773- ثأْطَةٌ مُدَّتْ بِمَاءٍ‏.‏
الثأطة‏:‏ الحَمْأة، وإذا أصابها الماء ازدادت رطوبةً وفساداً‏.‏
قال أبو عبيد‏:‏ يضرب هذا للرجل ‏(‏ويضرب أيضاً للفاسد يقوى بمثله‏)‏ يشتدُّ موقُه وحُمْقه، يريد بقوله ‏"‏يشتدّ‏"‏ يزيد على ما كان من قبل‏.‏
774- ثَارَ حَابِلُهُمْ عَلَى نَابِلِهِمْ‏.‏
الحابل‏:‏ صاحب الْحِبَالة، والنابل‏:‏ صاحب النَّبْل، أي اختلط أمرُهم، ويروى ‏"‏ثاب‏"‏ أي أوقدوا الشر إيقاداً، قاله أبو زيد‏.‏
يضرب في فساد ذَاتِ البَيْنِ وتأريثِ الشر في القوم‏.‏
775- الثَّوْرُ يَحْمِي أَنْفَهُ بِرَوْقِهِ‏.‏
الرَّوْق‏:‏ القَوْن ‏.‏
يضرب في الحثِّ على حِفْظ الحَرِيم‏.‏
776- ثَنَى عَلَى الأَمْرِ رِجْلاً‏.‏
أي قد وَثِقَ بأن ذلك له، وأنه قد أحرزه‏.‏
777- الثَّكْلَى تُحِبُّ الثَّكْلَى‏.‏
لأنها تَأْتَسِي بها في البُكَاء والْجَزَع‏.‏
778- ثُلَّ عَرْشُه‏.‏
أي ذهَب عزُّه وساءت حالُه، يقال‏:‏ ثَلَلْتُ الشيءَ، إذا هدمته وكسرته، قال القتيبي‏:‏ للعرش ههنا معنيان‏:‏ أَحَدُهما السريرُ والأسِرَّةُ للملوك، فإذا ثُلَّ عرشُ الملك فقد ذهب عِزُّهُ، والمعنى الآخر البيتُ ينصب من العِيدَان ويُظَلَّل، وجمعه عُرُوش، فإذا كسِرَ عرشُ الرجل فقد هلك وذلَّ‏.‏ ‏[‏ص 154‏]‏
779- ثَرَا بَنُو جَعْدٍ وَكانُوا أَزْفَلَى‏.‏
يقال‏:‏ ثَرَا القومُ يَثْرُون ثَرْواً وثَرَاء إذا كَثُروا، والأْزَفلة والأزْفَلى‏:‏ الجماعة القليلة‏.‏
يضرب لمن عَزَّ بعد الذلة، وكَثُر بعد القلة‏.‏
780- ثَأْدَاءُ وَجْهٍ شَافَهُ التَّرْغِيسُ‏.‏
الثَّأْدَاء‏:‏ الأمة، والشوف‏:‏ الجِلاء، والتَّرْغِيس‏:‏ تكثير المال، يقال‏:‏ رَغَّسَ اللّه مالَ فلانٍ، إذا بارك له فيه، وأراد ‏"‏وجه ثأداء‏"‏ فقَلَب‏.‏
يضرب لمن حَسَّنَ كثرةُ ماله قبحَ نصابه‏.‏
781- ثَنَيْتَ نَحْوِى بِالْعَرَاءِ الأوَابِدَ ‏.‏
العَرَاء‏:‏ الصحراء، والأوابد‏:‏ الوُحُوش وثَنَيْتَ‏:‏ معناه صَرَفْت‏.‏
يضرب لمن يَعِدُ ما لا يَمْلِكه ولا يقدر عليه‏.‏
782- ثَوْرُ كِلاَبٍ في الرِّهَان أَقْعَدُ‏.‏
هو كلابُ بن رَبيعة بن عامر صَعْصَعة، القَيْسي، كان يُحَمَّقُ، وذلك أنه ارتَبَطَ عجلَ ثورٍ، فزعم أنه يصنعه ليسابق عليه، والأقْعَدُ‏:‏ من القَعيد وهو المتخلِّف المتباطئ‏.‏
يضرب للرجل يَرُومُ ما لا يكاد يكون‏.‏
783- ثَمَرَةُ الصَّبْرِ نجْحُ الظَّفَرِ‏.‏
يضرب في الترغيب في الصبر على ما يكره‏.‏
784- ثُؤْلُولُ جَسَدِهِ لاَ يُنْزَعُ ‏(‏الثؤلول - بزنه عصفور - أصله خراج صلب مستدير يكون بجسد الإنسان، ويجمع على ثآليل‏)‏
يضرب لمن يُعْجَز عن تقويمه وتهذيبه‏.‏
785- ثَارَ ثَائِرُهُ‏.‏
أي هاج ما كان من عادته أن يَهيج منه‏.‏
يضرب لمن يَسْتَطير غَضَباً‏.‏
786- ثَمَرَةُ الْعُجْبِ الْمَقْتُ‏.‏
أي مَنْ أُعْجِبَ بنفسه مَقَته الناسُ‏.‏
787- ثَمَرَةُ الْجُبْنِ لاَ رِبْحٌ وَلاَ خُسْر‏.‏
الْخُسْرُ‏:‏ الخُسْرَانُ، ونظيره الفُرْقُ والفُرْقَان والكُفْر والكُفْرَان، وهذا المثل كما يقول العامة ‏"‏التاجرُ الجَبَانُ لا يَرْبَح‏"‏ ولا يخسر‏.‏
788- ثَبْتُ الغَدَرِ‏.‏
يقال‏:‏ رجل ثَبْتٌ، أي ثابت، والغَدَر‏:‏ اللَّخَاقِيق في الأرض مثل جِحَرَةِ اليَرَابيع وأشباهها، ومعناه ثبت في الغدر، أي ثابت في قتال أو كلام لا يزِلُّ في موضع الزلل‏.‏ ‏[‏ص 155‏]‏
789- ثَاِقُب الزَّنْدِ‏.‏
يعني أنه إذا قَدَح أوْرَى‏.‏
يضرب للمُنْجِح فيما يُبَاشِر من الأمر‏.‏
790- ثَكِلَتْكَ الْجَثْلُ‏.‏
يعنون الأم، قال ابن فارس في كتاب المقاييس‏:‏ هذا مما شذَّ عن التركيب، يعني من الْجَثْل الذي هو الشَّعْرُ الكثير، ومن قولهم اجْثَأَلَّ النبتُ إذا كثر والتف، وقال ثعلب‏:‏ جَثْلَةُ الرجلِ امرأتُه، وقال غيرهما‏:‏ هو الْجَثَل - بفتح الثاء - يريدون قَيِّماتِ البيوتِ‏.‏
قلت‏:‏ يجوز أن يكون المعنى ثَكِلَتْكَ ذاتُ الْجَثْلِ، أي صاحبة الشعر الكثير من الأم أو غيرها من قومه مثل الزوج ومن يقوم الرجل بأمرهم ويهتمُّ لشأنهم ‏.‏
791- ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ أَيَّ جَرْدٍ تَرْقَعُ‏؟‏
الجَرْدُ‏:‏ الثوبُ الخَلَقُ، يقال‏:‏ ثوبٌ سَحْقٌ وجَرْدٌ أي خَلَق، ونصب ‏"‏أي‏"‏ بترقع‏.‏
يضرب لمن يطلب ما لا نفع له فيه‏.‏
792- ثَبَتَ لِبْدُهُ‏.‏
يقال للرجل إذا دُعي عليه‏:‏ ثَبَتَ لِبْدُه، وأثْبَتَ الله لِبْدَه، أي أدام له الشر‏.‏ قلت‏:‏ يمكن أن يراد باللبد ههنا لبد فرسه، فكأنه قال‏:‏ ثبت لبده مكانه من الأرض، أي لا يلبد فرسه، وإذا لم يلبد فرسه لم يَرَ في رَحْله خَيْرا لأنهم يَجْلِبُونَ الخيرَ إلى أنفسهم من الغارة‏.‏
793- ثَوْبَكَ لاَ تَقْعُدْ تَطِيرُ بِهِ الريحُ‏.‏
نصب ‏"‏ثوبك‏"‏ بإضمار فعل، أي احْفَظْ ثوبك، وقعد يقعد معناه ههنا صار يصير، والتقدير‏:‏ صُنْ ثوبَكَ لا تَصِرِ الريحُ طائرة به‏.‏
يضرب في التحذير‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif ما جاء على أفعل من هذا الباب‏.‏
794- أَثْقَلُ مِنْ ثَهْلاَنَ‏.‏
هو جَبَل بالعالية، واشتقاقه من الثَّهَلِ، وهو الانبساط على وجه الأرض، ويقال أيضاً‏:‏
795- أَثْقَلُ من شَمَامِ‏.‏
وهو مبني على الكسر عند الحجازيين وهو جبل له رأسان يُسَمَّيَان ابْنَيْ شَمَامِ، قال لَبيد‏:‏
فهل نُبِّثْتَ عن أخَوَيْنِ داما * على الأحْدَاثِ إلا ابْنَيْ شَمَامِ
796- أَثْقَلُ مِنْ نَضَادِ‏.‏
هذا أيضاً جبل بالعالية، ويُبْنَى أيضاً ‏[‏ص 156‏]‏ على الكسر عندهم، فأما عند تميم فهو بمنزلة ما لا ينصرف، وكذلك حَذَامِ وقَطَامِ، قال الشاعر على لغة أهل الحجاز‏:‏
إذَا قَالَتْ حَذَامِ فَصَدِّقُوهَا * فإن القَوْلَ ما قَالَتْ حَذَامِ
وقال على لغة تميم‏:‏
وَمَرَّ دَهْرٌ على وَبَارِ * فَهَلَكَتْ جَهْرَةً وَبَارُ
وقال أيضاً‏:‏
لو كان من حَضَنٍ تَضَاءل رُكْنُهُ * أوْ مِنْ نَضَادَ بَكىَ عَلَيْهِ نَضَادُ
797- أَثْقَلُ مِنْ عَمَايَةَ‏.‏
هي جبل بالبحرين من جبال هُذَيل‏.‏
798- أَثْقَلُ مِنْ أُحُدٍ ‏.‏
هو جبل بيَثْرِبَ معروف مشهور‏.‏
799- أثْقَلُ مِنْ دَمْخِ الدِّمَاخِ‏.‏
هو جبل من جبال ضِخَامٍ في حمى ضَرِيَّةَ، والدِّمَاخُ‏:‏ ‏"‏ اسم لتلك الجبال، ودَمْخُ مضاف إليها، قال ابن الأعرابي‏:‏ ثَهْلاَن لبني نمير، ودَمْخ لبني نفيل بن عمرو ابن كلاب، قال‏:‏ ويقال لثهلان ‏"‏ثهلان الجوع‏"‏ ليُبْسِه وقلّةِ خيره‏.‏
800- أَثْقَلُ مِنْ حِمْلِ الدُّهَيْمِ‏.‏
هو اسم ناقة عمرو بن زَبَّان، وقصته مذكورة في حرف الشين عند قولهم ‏"‏أشْأَمُ من خوتعة‏"‏‏.‏
801- أَثْقَلُ مِنَ الزَّوَاقِي‏.‏
قال محمد بن قُدَامة‏:‏ سألت الفراء عنها فلم يعرفها، فقال جليس له‏:‏ إن العرب كانت تَسْمُرُ بالليل، فإذا زَقَت الدِّيَكة استثقلتها لأنها تُؤْذِن بالصبح إذا زَقَتْ، فاستحسن الفراء قوله‏.‏
802- أَثْقَلُ مِنَ الزَّاوُوقِ‏.‏
هذا اسم للزئبق في لغة أهل المدينة، وهو يقع في التزاويق، لأنه يُجْعَل مع الذهب على الحديد ثم يدخل فيالنار فيخرج منه الزئبق ويبقى الذهب، ثم قيل لكل مُنَقّشٍ مُزَوَّق وإن لم يكن فيه الزئبق، وزَوَّقْتُ الكلام‏:‏ زينته، والزئبق فارسي معرب، عُرِّب بالهمز، والصحيح فيه كسر الباء، ودرهم مُزَأْبَق، والعامة تقول‏:‏ مزبق‏.‏
803- أَثْقَلُ مِنَ الْكَانُونِ‏.‏
حكى المفضل عن الفراء أن من كلامهم ‏"‏قد كَنْوَنْتَ علينا‏"‏ أي ثَقُلْتَ علينا، وحكى عن الأصمعي أن الكانون هو الذي إذا دخل على القوم وهو في حديثٍ كَنَوْا عنه، قال‏:‏ ولا أعرف هذه العبارة ما معناها، وحكى عن أني عبيدة أنه فاعول من كَنَنْتُ ‏[‏ص 157‏]‏ الشيء إذا أخفيته وستَرْته، قال‏:‏ ومعناه أن القوم يَكْنُون حديثَهم عنه، وأنشد للحطيئة في هجاء أمه وكان من العَقَقَةِ‏:‏
جَزَاكِ اللّه شَرًّا من عَجُوز * ولَقَّاكِ الْعُقُوقَ من البَنِينَا
تَنَحَّيْ فاقْعُدِي مني بعيدا * أراحَ اللّه منكِ العالَمِينَا
أغرْبَالاً إذَا اسْتُودِعْتِ سِرًّا * وَكانُونَا عَلَى المتحدِّثينا
ألم أظهِرْ لكِ الشَّحْناء مِنِّي * ولكن لا إخَالُكِ تَعْقِلينَا
حَيَاتُكِ ما علمتُ حيَاةُ سُوءٍ * وَمَوْتُكِ قد يَسُرُّ الصالحينا
وقال الطبري‏:‏ قولهم ‏"‏أثقل من كانون‏"‏ فيه وجهان، أحدهما‏:‏ أن الكانون عند الروم الشتاءُ، ويحتاج فيه إلى النفقة ما لا يحتاج إليه في الصيف، فهو ثقيل من هذه الجهة، قال الشاعر‏:‏
لعنة اللّه والرسُولِ وأهل الـ * أرْضِ ‏(‏الأرض‏)‏ طُرًّا على بَنِي مَظْعُونِ
بِعْتُ في الصيف عندهم قُبَّةَ الخَيْـ * شِ ‏(‏الخيش‏)‏ وبِعْتُ الكانون في الكانُونِ
والثاني أن الكانون ثقيل فإذا وضع لم يُحَرك ولم يَرْفَع إلى آخر الشتاء، فقيل لكل ثقيل‏:‏ يا أثْقَلَ من كانون‏.‏
804- أَثْقَلُ مِنْ رَحَى البَزْرِ‏.‏
قال الشاعر‏:‏
وَأطْيَشُ إن جالَسْتَه من فَرَاشةٍ * وأثقَلُ إن عاشَرْتَه من رَحَى البَزْرِ
805- أثْقَلُ مِنَ الرَّصَاصِ‏.‏
806- ومِنَ الْحُمَّى‏.‏
807- ومِنَ المُنْتَظرِ‏.‏
808- ومِنَ النُّضارِ‏.‏
809- ومِنْ طَوْدِ‏.‏
810- أَثْبَتُ مِنْ قُرَادٍ‏.‏
لأنه يُلاَزم جَسَدَ البعير فلا يفارقه‏.‏
811- أَثْبَتُ مِنَ الْوَشْمِ‏.‏
يعنون الدَّارَاتِ في الكف وغيرها يُذَرُّ عليها النُّؤور‏.‏
812- أَثْبَتُ فِي الدَّارِ مِنَ الجِدَارِ‏.‏
أخذ من قول الشاعر‏:‏
كأنَّه في الدار ربُّ الدارِ * أثبتُ في الدار من الجِدَارِ
أطْفَلُ من ليلٍ على نهارِ* لأن الليل يدخل على النهار بلا إذن‏.‏
813- أثْقَفُ مِنْ سِنّوْرٍ‏.‏
الثَّقْفُ‏:‏ الأخذ بسُرْعة، يقال‏:‏ رجل ‏[‏ص 158‏]‏ ثَقْفٌ لَقْفٌ، إذا كان جيدَ الحذَر في القتال، ويقال‏:‏ هو السريع الطعن‏.‏
714- أثْأَرُ مِنْ قَصِيرٍ‏.‏
يَعْنُون قَصير بن سعد اللَّخْمِيَّ صاحب جَذيمة الأبرش، ويقال‏:‏ هو أول من أدرك ثأره وحده‏.‏
815- أثْقَلُ رَأْساً مِنَ الْفَهْدِ‏.‏
كأنهم أرادوا نَوْمه، لأنهم قالوا‏:‏ أنْوَمُ من فَهْد‏.‏
816- أثْبَتُ رَأْساً مِنْ أَصَمَّ‏.‏
يعنون الجبل‏.‏
817- أَثْقَلُ مِنْ رَقِيبٍ بَيْنَ مُحِبَّيْنِ‏.‏
818- أثْقَلُ مِنْ أرْبِعَاءَ لاَ تَدُورُ‏.‏
وذلك إذا كان في آخر الشهر، فهو لا يعود، قال ابن الحجاج‏:‏
يَا أرْبِعَاء لا تَدُورْ * به محاقات الشهور
819- أثْقَلُ مِمَّنْ شَغَلَ مَشْغُولاً‏.‏
820- أثقَلُ مِنْ قَدَحِ اللَّبْلاَبِ عَلَى قَلْبِ المَرِيضِ‏.‏
قال ابن بسام‏:‏
يا بَغِيضًا زاد في البُغُـ * ـض ‏(‏البغض‏)‏ على كُلِّ بَغِيضِ
يا شَبيهاً قدحَ اللَّبْـ * ـلاَبِ ‏(‏اللبلاب‏)‏ في قَلْبِ المرِيضِ

B-happy 3 - 3 - 2010 02:26 AM



*2* http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif الباب الخامس فيما أوله جيم‏.‏
821- جَرْىُ المُذَكِّيَاتِ غِلاَبٌ‏.‏
المذكية من الخيل‏:‏ التي قد أتى عليها بعد قُرُوحها سنة أو سنتان، والغِلاَبُ‏:‏ المغالبة، أي أن المذكى يغالِبُ مُجَارِيه فيغلبه لقوته، يجوز أن يُرَاد أن ثاني جَرْيه أبدا أكثر من باديه، وثالثه أكثر من ثانيه، فكأنه يغالب بالثاني الأول وبالثالث الثاني، فَجَرْيُه أبدا غِلاب، وهذا معنى قول أبي عبيد حيث قال‏:‏ فهي تحتمل أن تغالب الجري غلابا، ويروى ‏"‏جَرْى المذكيات غِلاء‏"‏ جمع غَلْوَة، يعني أن جَرْيها يكون غَلْوَاتٍ ويكون شأوُها بطينا ‏(‏بطينا‏:‏ أي بعيدا‏)‏ لا كالجَذَع‏.‏
يضرب لمن يُوصَف بالتبريز على أقرانه في حَلْبة الفضل‏.‏ ‏[‏ص 159‏]‏
822- جَرْىَ المُذَكِّى حَسَرَتْ عَنْهُ الحمُرُ‏.‏
يقال‏:‏ حَسَر الدابةُ يَحْسُرُ حُسُورا، أي أعْيا، و‏"‏عَنْ‏"‏ مِنْ صِلَة المعنى، أي عجزت عنه وعن شأوه يعني سَبْقه كما يسبق الفرس القارِحُ الحميرَ، ونصب ‏"‏جَرْىَ‏"‏ على المصدر، كأنه قال‏:‏ يجري فلان يوم الرهان جَرْيَ المذكى‏.‏
يضرب أيضاً للسابق أقرانه‏.‏
823- جَرَى الْوَادِي فَطَمَّ عَلَى القَرِىِّ‏.‏
أي جرى سيلُ الوادي فطَمَّ أي دَفَن يقال‏:‏ طَمَّ السيلُ الركيةَ أي دفنها، والقَرِيُّ‏:‏ مَجْرَى الماء في الروضة، والجمع أقْرِيَة وقِرْيَان، و‏"‏على‏"‏ مِنْ صلة المعنى‏:‏ أي أتى على القَرِيٍّ، يعني أهلكه بأن دفنه‏.‏
يضرب عند تجاوز الشر حده‏.‏
824- جُرُّوا لَه الخَطِيرَ مَا انْجَرَّ لكُمْ‏.‏
الخَطِير‏:‏ الزمامُ، ومعنى المثل اتَّبِعُوه ما كان لكم فيه موضع اتباع‏.‏
يضرب في الحث على طلب السلامة ومداراة الناس‏.‏
وهذا المثل يروى عن عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه، قاله في فلان، كذا أورده أبو عبيد في كتابه‏.‏
825- جَلَّتِ الهَاجِنُ عَنِ الوَلَدِ‏.‏
الهَاجِنُ‏:‏ الصغيرة، يقال منه‏:‏ اهْتُجِنَتِ الجاريةُ، إذا افْتُرِعت قبل الأوان، ومعنى جَلَّت ههنا صغُرت، والجَلَلُ من الأضداد، يقال‏:‏ أمر جَلَل أي عظيم، ويقال للحقير أيضاً جَلَلٌ‏.‏
يضرب في التعرُّض للشيء قبل وقته‏.‏
826- جَدَحَ جُوَيْنٌ مِنْ سَوِيقِ غَيْرِهِ‏.‏
الجَدْحُ‏:‏ الخَلْط والدَّوْف، وجُوَين‏:‏ اسم رجل ‏.‏
يضرب لمن يتوسَّعُ في مال غيره ويجود به‏.‏
827- جَذَّها جَذَّ العَيْرِ الصِّلِّياَنَة‏.‏
الجَذُّ‏:‏ القَطْع والكسر، والصِّلِّيان‏:‏ بَقْل ربما اقتلعه العير من أصله إذا ارْتَعَاه، ووزنه فِعْلِيَان‏.‏
يضرب لمن يُسْرع الحلف من غير تَتَعْتُع وتَمَكُّث‏.‏
والهاء في ‏"‏جذَّها‏"‏ كناية عن اليمين‏.‏
828- جَزَاءَ سِنِمَّارٍ‏.‏
أي جَزَاني جزاءَ سنمار، وهو رجل رومي بَنَى الخوَرْنَقَ الذي بظَهْر الكوفة للنعمان بن امرئ القيس، فلما فرغ منه ألقاه من أعلاه فَخَرَّ ميتاً، وإنما فعل ذلك لئلا يبني مثلَه لغيره، فضربت العرب به المثلَ لمن ‏[‏ص 160‏]‏ يجزي بالإحسان الإساءة، قال الشاعر‏:‏
جَزَتْنَا بنو سَعْد بحُسْن فَعَالِنَا * جَزَاء سِنِمَّارٍ وما كانَ ذَا ذَنْب
ويقال‏:‏ هو الذي بنى أطمَ أحَيْحَةَ ابن الجُلاَح، فلما فرغ منه قال له أُحَيْحَة‏:‏ لقد أحكمتَه، قال‏:‏ إني لأعرفُ فيه حجرا لو نُزع لتقوَّضَ من عند آخره، فسأله عن الحجر، فأراه موضعه‏.‏ فدفعه أحيحة من الأطم فخرّ ميتاً‏.‏
829- جَرَحَهُ حَيْثُ لاَ يَضَعُ الرَّاقِي أنْفَهُ‏.‏
قالته جَنْدَلة بنت الحارث، وكانت تحت حَنْظَلة بن مالك وهي عَذْراء، وكان حنظلة شيخا، فخرجت في ليلة مَطِيرة فبَصُرَ بها رجل فوثَب عليها وافتضَّها، فصاحت، فقال لها رجل‏:‏ مالك ‏؟‏ فقالت‏:‏ لُسِعْتُ، قال‏:‏ أين‏؟‏ قالت‏:‏ حيث لا يضع الراقي أنفه‏.‏
يضرب لمن يقع في أمرٍ لا حيلَةَ له في الخروج منه‏.‏
830- جَلَّى مُحِبُّ نَظَرَهُ‏.‏
يضرب لمن يحسن النظر إلى أحبابه، من ‏"‏جَلَوْتُ العروسَ‏"‏ إذا حسَّنتها، قال أبو عبيد‏:‏ ومنه قول زهير‏:‏
فإن تَكُ في صَدِيق أو عَدُوّ * تُخَبِّرْكَ العيونُ عن القلوب
ويروى ‏"‏جلَّى محبَّاً نظرُهُ‏"‏ أي أوضح محبتَه نظرُه إليك أو نظرك إليه، والمصدر يصلح أن يضاف إلى الفاعل وإلى المفعول أيضاً‏.‏
يضرب في حب القوم وبغضهم‏.‏
831- جَلَبَتْ جَلَبَةً ثُمَّ أقْلَعَتْ‏.‏
أي صاحت صيحة ثم أمسكت، ويروى بالحاء، ويقال‏:‏ يراد بها السحابة تُرْعِد ثم لا تُمْطِر، وهو من الجَلَبة، يقال‏:‏ جَلَب على فرسهِ يجلب جَلَبَةً إذا صاح به‏.‏
يضرب للجبان يتوعد ثم يسكت‏.‏
832- جِذْلُ حُكَاكٍ‏.‏
الجِذْل‏:‏ أصلُ الشجرة، وربما ينصب في مَعَاطِن الإبل فتحتكّ به الجَرْبى‏.‏
يضرب للرجل يُسْتَشْفى برأيه وعقله‏.‏
833- جَعْجَعَةً ولاَ أرَى طِحْناً‏.‏
أي أسمعُ جَعْجَعَةً، والطِّحْنُ‏:‏ الدقيق، فِعْل بمعنى مفعول كالذَّبْح والفِرْق بمعنى المذبوح والمفروق‏.‏
يضرب لمن يَعِدُ ولا يفي‏.‏
834- جَرَى مِنْهُ مَجْرَى اللَّدُودِ‏.‏
وهو ما يُصَبُّ في أحدِ شَقَّي الفم من الدواء ‏.‏
يضرب لمن يبغض ويكره‏.‏ ‏[‏ص 161‏]‏
835- جُمَّارَةٌ تُؤْكَلُ بِالهُلاَسِ‏.‏
الجمارة‏:‏ شَحْمة النخلة، وهي فلبها الذي يؤكل، والهُلاَس‏:‏ ذَهَاب العقل، يقال‏:‏ رجل مَهْلُوس، أي مجنون‏.‏
يضرب في المال يُجْمَع بكدّ ثم يُوَرَّثُ جاهلا‏.‏
836- جَمَاعَةٌ عَلَى أقْذَاءِ‏.‏
معناه اجتماع بالأبدان وافتراق بالقلوب‏.‏ والأقذاء‏:‏ جمع قَذًى، وقَذًى‏:‏ جمع قَذاة، وهذا معنى قوله صلى اللّه عليه وسلم ‏"‏هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ‏"‏ يضرب لمن يضمر أذى ويظهر صفاء‏.‏
837- جاءَ بِالضِّحِّ والرِّيح‏.‏
قال ابن الأعرابي‏:‏ الضِّحُّ‏:‏ ما بَرَزَ للشمس، والريح‏:‏ ما أصابته الريح، قال الأزهري‏:‏ الضح في الأصل ضُحًى فحذفت الياء وجعل مكانها حرف من جنس ما في الكلمة وهو الحاء، كما فعلوا بعبدقِنٍّ والأصل قِنْىٌ لأنه يُقْنَى أي يُدَّخر ويؤخذ أصلا كقولهم ‏"‏قَنَوْتُ الغنم‏"‏ أي اتخذتها قِنْيَة، وقال أبو الهيثم‏:‏ أصله وضح من وَضَحَ يَضِحُ وُضُوحا، فحذف الواو وشدد الحاء عوضا منها، والمعنى جاء بما ظهر وما خفى‏.‏
يضرب مثلا للذي جاء بالمال الكثير أو العدد الكثير، ومثله‏:‏
838- جاءَ بِالطِّمِّ والرِّمِّ‏.‏
فالطم‏:‏ البحرُ، وقال ابن الأنباري‏:‏ الطم الماء الكثير، والرِّم‏:‏ الثرى، قال الأزهري‏:‏ الطَّمُّ بالفتح البحر، وإنما كُسِرَتِ الطاء في هذا المثل لمجاورة الرِّمِّ‏.‏
839- جاءَ بِالقَضِّ والقَضِيضِ‏.‏
يقال لما تكسَّر من الحجارة وصغر‏:‏
قضيض، ولما كبر قَضّ، والمعنى بالكبير والصغير، ويقال أيضاً‏:‏
840- جاءَ القَوْمُ قَضُّهُمْ بِقَضِيضِهِمْ ‏.‏
أي كلهم، وقال سيبويه‏:‏ ويجوز قَضَّهُمْ بالنصب على المصدر، قال الشاعر‏:‏
وجاءت سُلَيْمٌ قَضَّهَا بقَضِيِضها * وجَمع عوال ما أدَقَّ وَأَلأَمَا ‏(‏المحفوظ في عجز هذا البيت *تمسح حولي بالبقيع سبالها* وهو للشماخ بن ضرار الغطفاني‏)‏
قال الأصمعي‏:‏ لم أسمعهم يُنْشدون قضها إلا رفعا، ويقال‏:‏
841- جَاؤُا قَضّاً وَقَضِيضاً‏.‏
أي وُحْدَانا وزَرَافاتٍ، فالقَضُّ عبارة عن الواحد، والقضيض عبارة عن الجمع‏.‏ ‏[‏ص 162‏]‏
842- جاءَ وَقَدْ لَفَظَ لِجامَهُ‏.‏
إذا انصرف عن حاجته مجهوداً من الإعياء والعَطَش‏.‏




B-happy 3 - 3 - 2010 02:28 AM



843- جاءَ وَقَدْ قَرَضَ رِبَاطَهُ‏.‏
الرِّباط‏:‏ ما يُرْبَط أي يشدُّ به الدابة وغيرها، والجمع رُبُط، وقَرَض‏:‏ أي قطع، وأصله في الظبي يقطع حِبالته فيفلت فيجيء مجهوداً‏.‏
يضرب لمن هو في مثل حاله‏.‏
844- جاءَ عَلَى غُبَيْرَاءِ الظَّهْرِ‏.‏
الغُبَيْراء‏:‏ تصغير الغَبْراء وهي الأرض، أي جاء ولا يصاحبه غير أرضه التي يجيء ويذهب يها، يكنى بها عن الخيبة، قال الأزهري‏:‏ هذا كقولهم ‏"‏رجع دَرْجَه الأول، ورجع عَوْدَهُ على بدئه، ورجع على أدْرَاجه‏"‏ كل هذا إذا رجع ولم يصب شيئاً‏.‏
845- جاوِرِينَا وَاخْبُرِينَا‏.‏
قال يونس‏:‏ كان رجلان يتعشَّقان امرأةً، وكان أحدُهما جميلا وَسيما، وكان الآخر دَميما تقتحمه العين، فكان الجميلُ منهما يقول‏:‏ عاشرينا وانظري إلينا، وكان الدميم يقول‏:‏ جاوِرِينا واخْبُرِينا، فكانت تُدْنِي الجميلَ، فقالت‏:‏ لأختبرنَّهما، فقالت لكل واحد منهما أن يَنْحَر جَزُورا، فأتتهما متنكرة، فبدأت بالجميل فوجَدَتْه عند القِدْرِ يَلْحَس الدسَم ويأكل الشحم، ويقول‏:‏ احتفظوا كلَّ بيضاء لِيَهْ، يعني الشحم، فاستطعمته فأمر لها بِثَيْلِ الجَزور، فوضع في قصعتها، ثم أتت الدَّمِيم فإذا هو يَقْسِم لحم الجزور ويُعْطي كل مَنْ سأله، فسألته فأمر لها بأطايِبِ الجزور، فوضع في قصعتها، فرفعت الذي أعطاها كلُّ واحدٍ منهما على حِدَة، فلما أصبحا غَدَوَا إليها فوضَعَت بين يدي كل واحد منهما ما أعطاها، وأقصت الجميل، وقربت الدميم، ويقال‏:‏ إنها تزوجته‏.‏
يضرب في القبيح المنظر الجميل المَخْبَر‏.‏
846- جَرِّبِي تَقْلِيِه‏.‏
هذا كقولهم ‏"‏أخْبُرْ تَقْلُه‏"‏ أي إن جَرَّبته قليته لما يظهر لك من مَسَاويه‏.‏
847- جَلَدَهَا بِأَيْرِ ابْنِ ألْغَزَ‏.‏
قال أبو اليقظان‏:‏ هو سعد بن ألغز الإيادي، وقال ابن الكلبي‏:‏ اسمُ ابِن ألْغَزَ الحارث، وكان جاهلياً وافر المتاع، يضرب به المثل، قال الشاعر‏:‏
أُولاَكَ الأولى كان ابْنُ ألغَزَ مِنْهُمُ * ولا مثل ما كان ابْنُ ألْغَزَ يَصْنَعُ
يمسِّحُ صَلْعَاء الْجبِينِ تَرَى له * قُمُدّاً يَشُقُّ الفَرْجَ ما لم يُوَسَّع ‏[‏ص 163‏]‏
والهاء في ‏"‏جلدها‏"‏ كناية عن المرأة وهي إذا جلدت بمثل ذلك لا تألم‏.‏
يضرب لمن يُعَاقَب بما فيه حصولُ مراده‏.‏
848- جارٌ كَجَارِ أَبِي دُاوَدٍ‏.‏
يَعْنُون كَعْبَ بن مَامَةَ، فإن كعبا كان إذا جاوره رجُل فمات وَدَاه، وإن هلك له بعيرُ أو شاة أخْلَفَ عليه، فجاءه أبو دُوَاد الشاعر مجاوراً له، فكان كعبٌ يفعل به ذلك، فضربت العرب به المثلَ في حسن الجِوار، فقالوا‏:‏ كجار أبي دُوَاد، قال قيس ابن زهير‏:‏
أطَوِّفُ ما أطَوِّفُ ثم آوِى * إلى جَارٍ كجَارِ أبي دُوَاد
وقال طَرَفَة بن العبد‏:‏
إنِّي كَفَانِيَ مِنْ أمْرٍ هَمَمْت بِه * جار كَجَارِ الْحُذَاقِيِّ الَّذِي اتَّصَفَا
الحذاقي‏:‏ هو أبو دُوَاد، وحُذَاق‏:‏ بطن من إياد، و‏"‏اتصف‏"‏ يقال‏:‏ معناه صار وَصْفا في الجود، يعني كعبا‏.‏
849- جَعَلْتُهُ نُصْبَ عَيْنِي‏.‏
النُّصْبُ‏:‏ بمعنى المنصوب، أي جعلته منصوبا لعيني، ولم أجعله بظهر، يعني لم أغفل عنه ‏.‏
يضرب في الحاجة يتحملها الْمَعْنِيُّ بها‏.‏
850- جاءَ تَضِبُّ لِثَتُهُ عَلَى كَذَا ‏.‏
الضَّبُّ والضَّبِيبُ‏:‏ السيلان‏.‏
يضرب في شدة الحرص، قال بشر‏:‏
وبَنُو نُمَيْر قد لَقينَا منهمُ * خَيْلاَ تَضِبُّ لِثاتُهَا للمغنم
851- جاءَ بأُذُنَيْ عَنَاقٍ‏.‏
العَنَاق‏:‏ الداهية، وهو ههنا الكذب والباطل، قال ابن الأعرابي‏:‏ يقال جاء بأذنَيْ عَنَاق الأرض، إذا جاء بالكذب الفاحش، وكذلك إذا جاء بالخيبة‏.‏
852- جاءَ نَاشِراً أُذُنَيْهِ‏.‏
إذا جاء طامعا‏.‏
853- جَعَلَ كلاَمِي دَبْرَ أُذُنَيْهِ‏.‏
إذا لم يلتفت إليه وتَغَافل عنه‏.‏
854- جَدَعَ الْحَلاَلُ أَنْفَ الغَيْرَةِ‏.‏
قاله صلى اللّه عليه وسلم لَيلَة زُفَّتْ فاطمةُ إلى علي رضي اللّه تعالى عنهما، وهذا حديث يُرْوَى عن الحجاج بن منهال يرفعه‏.‏
855- جاءَ يَضْرِبُ أَصْدَرَيْهِ‏.‏
أي مَنْكِبَيْه، ويروى بالسين والزاي أيضاً، إذا جاء فارغاً لم يقض طَلِبَتَه، والأصلُ في الكلمة السين، ولا تفرد، وفي ‏[‏ص 164‏]‏ كلام الحسن في الأشر‏:‏ يضرب أسْدَرَيه ويَخْطِر في مِذْرَوَيْه‏.‏
856- جاءَ بَعْدَ الَلتيَّا وَالَّتِي‏.‏
يكنى بهما عن الشدة، واللَّتَيَّا‏:‏ تصغير التي، وهي عبارة عن الداهية المتناهية، كما قالوا الدُّهَيْم واللُّهَيْم والْخُوَيْخية والفُوَيْمية، وكل هذا تصغير يراد به التكبير، والتي‏:‏ عبارةٌ عن الداهية التي لم تبلغ تلك النهاية، وهما عَلَمان للداهية، ولهاذ استغنَيَا عن الصلة قال الشاعر‏:‏
ولقد رَأبْتُ ثَأَى العَشِيرَةِ كُلِّهَا * وكَفَيْتُ حاينها اللَّتَيَّا وَالَّتِي ‏(‏الحائن‏:‏ الهالك، وحفظى ‏"‏جانيها‏"‏‏)‏
857- جاءَ يَجُرُّ رِجْلَيْهِ‏.‏
يضرب لمن يجيء مُثْقَلاً لا يقدر أن يحمل ما حُمِّلَ‏.‏
858- جاءَ بِوَرِكَيْ خَبَرٍ‏.‏
يعني جاء بالخبر بعد أن اسْتَثْبت فيه، كأنه جاء فيه أخيراً، لأن الوَرِك متأخرة عن الأعضاء التي فوقها، والمعنى أتى بخبر حق‏.‏
859- جَعَلَتْ مَا بِهَا بِيَ وَانْطَلَقَتْ تَلْمِزُ‏.‏
أصله أن رجلا أشْرَفَ على سَوْأة من امرأة، فوقع بها وعابها، فقالت‏:‏ إنما عِبْتَني بما صنعت وأنت أولى به مني، ثم انصرفَتْ عنه، فقال الرجل‏:‏ جعلت ما بها بي وانطلقت تلمز، فأرسلها مثلا‏.‏
يضرب للواقع فيما عَيَّرَ به غيره‏.‏
860- جاءَ ثَانِيَا مِنْ عِنَانِهِ‏.‏
إذا جاء ولم يقدر على حاجتة، قاله ابن رفاعة، وقال غيره‏:‏ إذا جاء وقد قضى حاجته‏.‏
861- جَلَّ الرَّفْدُ عَنِ الْهَاجِنِ‏.‏
الرَّفْدُ‏:‏ القَدَح، والهاجن‏:‏ البَكْرَة تنتج قبل أن يطلع لها سن، ويراد جَلَّت الهاجن عن الرفد‏.‏
يضرب لمن يصغر عن الأمر ولا يَقْوَى عليه‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ أصل ذلك أن ناقة هاجِناً لقوم نتجت وكانت غَزِيرة تملأ الرفد فلما أسَنَّتْ ونَيَّبَتْ قلَّ لبنُها، فقال أهلها للراعي‏:‏ ما لها لا تملأ الرفَد كما كانت تفعل‏؟‏ فقال‏:‏ جلت الهاجِنُ عن الرفد، قال أبو عمرو‏:‏ جل الرفد عن الهاجن‏.‏ يضرب للرجل القليل الخير‏.‏
862- جاءَ يَجُرُّ بَقَرَهُ‏.‏
أي عِيالَه، كنى عن العيال بالبقر لأن النساء محلُّ الْحَرْث والزرع، كما أن البقر آلة لهما‏.‏ ‏[‏ص 165‏]‏
863- أَلْجَحْشَ لَمَّا فَاتَكَ الأَعْيَاُر‏.‏
قال أبو عبيد‏:‏ يقال ‏"‏الجحش لما بَذَّكَ الأعيار‏"‏ أي سَبَقَكَ وفاتك‏.‏
يضرب في قناعة الرجل ببعض حاجته دون بعض‏.‏
ونصب الجحش بفعل مضمر، أي اطْلُبِ الجحش‏.‏
864- جاءَ كَخَاصِي الْعَيْرِ‏.‏
يضرب لمن جاء مُسْتَحييا، ويقال‏:‏ يضرب لمن جاء عُرْيَانا ما معه شيء، ووجه الاستحياء أن خاصِيَ العَيْر يُطْرِق رأسه عند الخصاء يتأمل في كيفية ما يصنع، وكذلك المستحي يكون مُطْرِقا، ووجه آخر، وهو أن علية الناس يترفَّعُ عن ذلك ويستحي منه، قال أبو خِرَاش‏:‏
فَجَاءَتْ كَخَاصِي العَيْر لم تحل حاجة * ولا عاجة منها تَلُوحُ على وَشْمِ
865- جَاء بِإِحْدَى بَنَاتِ طَبَقٍ‏.‏
بنتُ طَبَق‏:‏ سُلَحْفاة تزعُم العرب أنها تبيض تسعا وتسعين بيضة كلها سَلاَحف وتبيض بيضة تنقف عن أسْوَد‏.‏
يضرب للرجل يأتي بالأمر العظيم‏.‏
866- جَاءَ الْقَوْمُ كَالْجَرَادِ المُشْعِلِ‏.‏
بكسر العين‏:‏ أي متفرقين من كل ناحية، قال الشاعر‏:‏
والخيل مُشْعِلَة في ساطع ضَرِمٍ* كأَنَّهن جَرَادٌ أو يَعَاسِيبُ
867- جَاءَ فُلاَنٌ كَالْحَرِيقِ المُشْعَلِ‏.‏
هذا بفتح العين، إذا جاء مُسْرعا غَضْبان‏.‏
868- جَوِّعْ كَلْبَكَ يَتْبَعْك‏.‏
ويروى ‏"‏أجِعْ كلبك‏"‏ وكلاهما يضرب في معاشرة اللئام وما ينبغي أن يعاملوا به‏.‏
قال المفضل‏:‏ أول من قال ذلك مَلِك من ملوك حِمْيَر كان عنيفا على أهل مملكته‏:‏ يَغْصِبُهم أموالهم، ويَسْلُبهم ما في أيديهم، وكانت الكَهَنة تخبره أنهم سيقتلونه، فلا يَحْفِل بذلك، وإن امرأته سمعت أصوات السؤال فقالت‏:‏ إني لأرْحَم هؤلاء لما يَلْقَوْن من الجَهْد، ونحن في العيش الرَّغد، وإني لأخاف عليك أن يصيروا سِبَاعا، وقد كانوا لنا أتباعا، فرد عليها ‏"‏جَوِّعْ كلبك يتبعك‏"‏ وأرسلها مثلا، فلبث بذلك زمانا، ثم أغزاهم فغنموا ولم يَقْسِمْ فيهم شيئا، فلما خرجوا من عنده قالوا لأخيه وهو أميرهم‏:‏ قد ترى ما نحن فيه من الجَهْد، ونحن نكره خروجَ المُلْكِ منكم أهلَ البيت إلى غيركم فساعِدْنا على قتل أخيك، واجلس مكانه، وكان قد عَرَف ‏[‏ص 166‏]‏ بَغْيه واعتداءه عليهم، فأجابهم إلى ذلك، فوثَبوا عليه فقتلوه، فمر به عامر بن جذيمة وهو مقتول وقد سمع بقوله ‏"‏جوع كلبك يتبعك‏"‏ فقال‏:‏ ربما أكل الكلب مؤدِّبه إذا لم ينل شبعه، فأرسلها مثلا‏.‏
869- اجْعَلْ ذلِكَ فِي سِرِّ خَمِيرَةٍ‏.‏
أي اكْتُمْ ما فعلت ولا تعلمه أحدا‏.‏
870- جَاءَ بِالْشَّوْكِ وَالشَّجَرِ‏.‏
يضرب لمن جاء بالشيء الكثير من كل ما كان من جيش عظيم وغيره‏.‏
871- جَاوَزَ الحِزَامُ الطُّبْيَيْنِ‏.‏
الطُّبْي للحافر والسباع‏:‏ كالضَّرْع لغيرها ‏.‏
يضرب هذا عند بلوغ الشدة مُنْتَهاها‏.‏
وكتب عثمان إلى علي رضي الله عنهما لما حُوصِر ‏"‏أما بعد فإن السَّيْلَ قد بلغ الزُّبى، وجاوز الحِزَامُ الطُّبْيَيْنِ، وتجاوز الأمر بي قَدْرَه، وطَمِعَ فيَّ مَنْ لا يدفع عن نفسه
وإنَّكَ لم يَفْخَرْ عَلَيْكَ كَفَاخِرٍ * ضَعِيفٍ، ولم يَغْلِبْكَ مثلُ مُغَلَّبِ
ورأيت القوم لا يقصرون دون دمي
فإن كُنْتُ مأكُولاً فكُنْ أنت آكِلِي * وإلاَّ فأدْرِكْنِي وَلَمَّا أُمَزَّقِ‏"‏
872- جَاحَشَ عَنْ خَيْطِ رَقَبَتِهِ‏.‏
خيط الرقبة‏:‏ نُخَاعها، وجاحَشَ‏:‏ دافَعَ يضرب لمن دافع عن نفسه‏.‏
قلت‏:‏ أصله من الْجَحْش الذي هو سَحْج الْجَلْد، يقال‏:‏ أصابه شيء فجَحَش وجهه، أي قَشَرَه، ومنه الحديث ‏"‏فجُحِشَ شِقُّه الأيمن‏"‏ والدافع عن نفسه يَجْحَش ويُجْحَش‏.‏
873- جَاءَ بِقَرْنَيْ حِمَارٍ‏.‏
إذا جاء بالكذب والباطل، وذلك أن الحمار لا قَرْنَ له، فكأنه جاء بما لا يمكنْ أن يكون‏.‏
874- اجْرِ ما اسْتَمْسَكْتَ‏.‏
يضرب للذي يفر من الشر‏:‏ أي لا تَفْتُر من الهرب وباَلِغْ فيه‏.‏
875- جَمِّعْ لَهُ جَرَامِيزَكَ‏.‏
جَرَامِيز الرجل‏:‏ جَسَده وأعضاؤه‏.‏
يضرب لمن يؤمر بالْجَلَد على العمل‏.‏
وجراميز الثور وغيرِه‏:‏ قوائمهُ، يقال‏:‏ ضَمَّ الثور جراميزه ليثب، قال الهُذَلي يصف حمار وَحْش‏:‏
وَأَصْحَمَ حَامٍ جَرَامِيزَهُ * حَزَابيةَ حَيَدَى بالدِّحَالْ ‏[‏ص 167‏]‏
876- اجْعَلُه فِي وِعَاءِ غَيْرِ سَرِبٍ‏.‏
قال أبو عبيد‏:‏ يضرب في كتمان السر وأصله في السِّقَاء السائل، وهو السَّرِبُ يقول‏:‏ لا تُبْدِ سرَّك إبداء السقاءِ ماءه، وتقديره‏:‏ اجعله في وِعاء غيرِ سَرِبٍ ماؤه‏.‏ لأن السَّيَلان يكون للماء‏.‏
877- جَشِمْتُ إِلَيْكَ عَرَقَ القِرْبَةِ‏.‏
أي تكلفت لك ولأجلك أمراً صعباً شديداً، وسيأتي شرحه في باب الكاف إن شاء اللّه تعالى‏.‏
878- أَجْنَاؤُهَا أَبْنَاؤُهَا‏.‏
قال أبو عبيد‏:‏ الأجناء‏:‏ هم الْجُنَاة، والأبناء‏:‏ البُنَاة، والواحد جَانٍ وبَانٍ، وهذا جميع عزيز في الكلام، أن يجمع فاعل على أفعال، قال‏:‏ وأصل المثل أن ملكا من ملوك اليمن غزا وخَلَّف بنتاً، وأن ابنته أَحْدَثَتْ بعده بنياناً قد كان أبوها يكرهه، وإنما فعلت ذلك برأي قوم من أهل مملكته أشاروا عليها وزَيَّنوه عندها، فلما قدم الملك وأخبر بمَشُورَة أولئك ورأيهم أمرهم بأعيانهم أن يَهْدِموه، وقال عند ذلك‏:‏ أَجْنَاؤُهَا أبناؤها، فذهبت مثلا‏.‏
يضرب في سُوءِ المَشُورَةِ والرأي، وللرجل يعمل الشيء بغير روِيَّة ثم يحتاج إلى نقض ما عمل وإفساده‏.‏
ومعنى المثل‏:‏ إن الذين جَنَوْا على هذه الدار بالهَدْم هم الذين عَمَروها بالبناء‏.‏
879- الْجَرْعُ أَرْوَى وَالرَّشِيفُ أَنْقَعُ‏.‏
الرَّشْفُ والرَّشِيف‏:‏ المصُّ للماء، والْجَرْع‏:‏ بَلْعه، والنَّقْعُ‏:‏ تسكين الماء للعطش، أي أن الشراب الذي يُتَرَشَّفُ قليلا قليلا أَقْطَعُ للعطش وأنجع وإن كان فيه بطء، وقوله ‏"‏أورى‏"‏ أي أَسْرَعُ رِيًّا، وقوله ‏"‏أنقع‏"‏ أي أَثْبَتُ وأدوم ريا، من قولهم ‏"‏سُمٌّ ناقع‏"‏ أي ثابت‏.‏
يضرب لمن يقع في غنيمة فيؤمر بالمبادرة والاقتطاع لما قدر عليه قبل أن يأتيه مَنْ ينازعه ‏.‏
وقيل‏:‏ معناه أن الاقتصاد في المعيشة أبلغ وأَدْوَمُ من الإسراف فيها‏.‏
880- جَمِّلْ وَاجْتَمِلْ‏.‏
يقال‏:‏ جَمَلْتُ الشحمَ واجْتَمَلْتُه أي أذبْتُه، وجَمَّلَ بالتشديد للكثرة والمبالغة‏.‏
يضرب لمن وقع في خِصْبٍ وسَعَة‏.‏
881- جَلْبَ الكَتِّ إِلَى وَئِيَّةٍ‏.‏
الكتّ‏:‏ الرجلُ الكَسُوب الجْمَوُع، والوَثِيَّة‏:‏ المرأة الحفوظ‏.‏
يضرب للمتوافِقَيْنَ في أمر‏.‏ ‏[‏ص 168‏]‏
ونصب ‏"‏جَلْبَ‏"‏ على المصدر‏:‏ أي اجلب الشيء جَلْبَ الكت‏.‏
882- جَزَيْتُهُ كَيْلَ الصَّاعِ بِالصّاعِ‏.‏
إذا كافأتَ الإحسانَ بمثله والإساءةَ بمثلها، قال‏:‏
لاَ نأْلَمُ الْجَرْحَ ونجزي به الْـ * أعداء ‏(‏الأعداء‏)‏ كَيْلَ الصَّاعِ بالصَّاِع
883- جَاءَ بالْهَيْلِ وَالْهَيْلَمَانِ‏.‏
إذا جاء بالمال الكثير، وقال أبو عبيد‏:‏ أي بالرمل والريح، ويروى الهَيْلُمان بضم اللام على وزن الْحَيْقُطَانِ، وقال بعضهم‏:‏ هو فَعْلُمان من الهَيْل‏.‏
884- جَاءَ بِالتُّرَّهِ‏.‏
هو واحد التُّرَّهَات، وكذلك ‏"‏جاء بالتَّهَاتِهِ‏"‏ وهي جمع التَّهْتَهْة، وهي اللُّكْنة، قال القُطَامي‏:‏
ولم يكن ما اجْتَدَيْنَا من مَوَاعدها * إلا التَّهَاتِهَ والأمنية السَّقَمَا
قال الأصمعي‏:‏ التُّرَّهات‏:‏ الطرقُ الصغار غير الجادة التي تتشعب عنها، والواحدة تُرَّهة فارسي معرب، ثم استعير في الباطل فقيل‏:‏ التُّرَّهَاتُ البَسَابِسُ، والترهَاتُ الصَّحَاصِحُ، وهي من أسماء الباطل، وربما جاء مُضَافاً يقولون‏:‏ تُرَّهَاتُ الْبَسَابِسِ، وهي قلب السباسب، يعنون المَفَاوز، قال الليث‏:‏ معناه جئْتَ بالكذب والتخليط، قال‏:‏ والبسابس التي فيها شيء من الزخرفة، وقال الأخفش‏:‏ هي التي لا نظام لها، وناس يقولون‏:‏ تره، والجمع تراريه، وأنشدوا‏:‏
رُدُّوا بني الأعْرَجِ إبْلِي مِنْ كَثَبْ * قبل التَّرَارِيِة وبُعْدِ المُطَّلَبْ
885- جَرَى فُلاَنٌ السُّمَّةَ‏.‏
أي جَرَى جَرْىَ السُّمَّةِ، فحذف المضاف يقال‏:‏ سَمَهَ الفرسُ يَسْمَهُ سُمُوهاً، إذا جرى جرياً لا يعرف اإعياء، فهو سَامِه، والجمع‏:‏ سُمَّه، قال رؤبة‏:‏
يا لَيْتَنَا والدَّهْرَ جَرْىَ السُّمَّهِ*
أي يجري جرى السمه التي لا تعرف الإعياء، ويروى‏:‏
لَيْتَ المَنَا وَالدَّهْرَ جَرْىَ السُّمَّةِ* أراد المَنَايا، فحذف كما قال الآخر‏:‏
ولبس العَجَاجَة والْخَافِقَات * تُرِيكَ الْمَنَا بِرُؤُوسِ الأسَلْ
والمعنى ليت المنايا لم يخلقها اللّه ولم يخلق الدهر - أي صروفه - حتى تمتعتُ بعشيقتي، ومثلُه‏:‏
886- جَرَى فُلاَنٌ السُّمَّهَي‏.‏
إذا جرى إلى غير أمرٍ يعرفه، والمعنى جَرَى في الباطل‏.‏ ‏[‏ص 169‏]‏
887- جَدَعَ اللّهُ مَسَامِعَهُ‏.‏
هذا من الدعاء على الإنسان، والمسامع‏:‏ جمع المِسْمَع وهو الأذن، وجَمَعها بما حولها، كما يقال‏:‏ غليظ المَشَافر، وعظيم المَنَاكب، ويقال أيضاً ‏"‏جَدْعاً له‏"‏ كما يقولون ‏"‏عَقْراً حَلْقاً‏"‏‏.‏
888- جَاءَ بأُمَّ الرُّبَيْقِ عَلَى أُرَيْقٍ‏.‏
قال أبو عبيد‏:‏ أم الرُّبَيْقِ الداهية، وأصله من الحيات‏.‏
قلت‏:‏ هذا التركيب يدل على شيء يحيط بالشيء ويَدُور به كالرِّبقْةَ، ورَبَقْتُ فلاناً في هذا الأمر، أي أوقعته فيه حتى ارْتَبَقَ وارْتَبَكَ، فكأن أم الربيق داهية تحيط وتدور بالناس حتى يرتبقوا ويرتبكوا فيها، وأما أُرَيْق فأصله وُرَيْق تصغير أَوْرَق مُرَخَّما، وهو الجمل الذي لونُه لونُ الرمادِ، وقال أبو زيد‏:‏ هو الذي يَضْرِب لونُه إلى الخضرة، فأبدل من الواو المضمومة همزة، كما قالوا‏:‏ وُجُوه وأُجُوه ووُقِّتَتْ وأُقِّتَتْ، قال الأصمعي‏:‏ تزعم العرب أنه من قول رجل رأى الغُولَ على جمل أورق‏.‏
ويقال أيضا في مثله‏:‏
889- جَاءَ بِالرَّقِمِ الرَّقْمَاءِ‏.‏
إنما أنث وصفه لأنه أراد بالرِّقِمِ الداهية، والرقماء تأكيد له، كما يقال‏:‏ جاء بالداهية الدهياء، ويقال‏:‏ وقع فلان في الرَّقِم الرَّقماء، إذا وقع فيما لا يقوم منه، والرَّقِم بكسر القاف لا غير‏.‏
890- جَانِيكَ مَنْ يَجْنِي عَلَيْكَ‏.‏
يقال‏:‏ جَنَى عليه جِناية، وأراد صاحب جنايتك من يجني عليك، فلا تأخذ بالعقوبة غيره‏.‏
وأَجْوَدُ من هذا ما قاله أبو عمرو، قال‏:‏ يعني الذي تلحقك منفعتُه هو الذي يلحقك عَارُه وتُعير بقبيحه، قلت‏:‏ يريد الذي يجني لك الخير هو الذي يجني عليك الشر، فقولهم‏:‏ جانيك معناه الجاني لك‏.‏ يقال‏:‏ جَنَيْتُ له، ثم تحذف اللام فيقال جنيته، كما يقال‏:‏ كِلْتُ له ووَزَنْتُ له، ثم تحذف اللام فيقال‏:‏ كِلْتُه ووَزَنْته‏.‏ قال تعالى ‏{‏وإذا كَالُوهم أو وَزَنوهم يخسرون‏}‏ أي كالوا لهم أو وزنوا لهم، قال الشاعر‏:‏
ولقد جَنَيْتُكَ أَكْمُؤاً وعَسَاقِلاً * ولقد نَهَيْتُكَ عن بَنَاتِ الأْوَبِر
أي جنيت لك‏.‏
891- أَجَنَّ اللّهُ جِبَالَهُ‏.‏
قال الأصمعي‏:‏ المعنى أجن اللّه جِبِلَّتَه، أي خلقته‏.‏
قلت‏:‏ لعله أراد أماته الله فيجَنْ، أي يُسْتَر بأن يدفن‏.‏ ‏[‏ص 170‏]‏ وقال غير الأصمعي‏:‏ ‏"‏أجن اللّه جباله‏"‏ أي الجبال التي يسكنها، أي أكثر الله فيها الجنَّ، أي أَوْحَشَها‏.‏
892- جَاءَ بِرَأْسِ خَاقَانَ‏.‏
قد مضى هذا المثلُ على الوجه في باب الباء فيما جاء على أفعل منه عند قوله ‏"‏أبْأَى ممن جاء برأس خاقان‏"‏‏.‏
893- جَاءَ السَّيْلُ بِعُودٍ سَبِيٍّ‏.‏
أي غريبٍ جَلَبه من مكان بعيد‏.‏ يضرب للنائي النازح‏.‏
894- جَاِوْرمَلِكاً أَو بَحْراً‏.‏
يعني أن الغِنَى يُوجَدُ عندهما‏.‏
يضرب في التماس الْخِصْب والسَّعَة من عند أهلهما‏.‏
895- جُدَيْدَةٌ فِي لُعَيْبَةٍ‏.‏
هذا تصغير يراد بن التكبير، أي جدّ سُتِر في لَعِب، كما قيل‏:‏ ‏"‏رب جِدٍّ جَرَّهُ اللعب‏"‏‏.‏
896- جِلاَءُ الْجَوْزَاءُ‏.‏
يقال للذي يبرق ويرعد‏:‏ جِلاَءُ الْجَوْزَاء، وهو بوارحها، وذلك أنها تطلع غُدْوة فتأتي بريح شديدة ثم تسكن‏.‏
يضرب للذي يتوعَّد ثم لا يَصْنع شيئاً وتقديره توعُّدُه جِلاَءُ الجوزاء، فحذف للعلم به‏.‏
897- جَاءَ بِمُطْفِئَةِ الرَّضْفِ‏.‏
أي جاءَ بأمر أشدَّ مما مضى، وأصل الرَّضْفِ الحجارةُ المُحْمَاة، أي جاء بداهية أنْسَتْنا التي قبلها فأطفأت حرارتها‏.‏
يضرب في الأمور العظام‏.‏
وفي حديث حذيفة رضي الله تعالى عنه حين ذكر الفِتَنَ فقال‏:‏ ‏"‏أتتكم الدُّهَيْم‏"‏ ويروى‏:‏ ‏"‏الدُّهَيماء‏"‏ ويروى ‏"‏الرقيطاء ترمي بالنَّشْف، والتي تليها ترمي بالرَّضْفِ‏"‏‏.‏
898- جَاءَ أَبُوهَا بِرُطَبٍ‏.‏
قالوا‏:‏ إن أول من قال ذلك شيهم بن ذي النابين العبدي، وكان فيه فَشَل وضَعْفُ رأيٍ، فأتى أرض النَّبيطِ في نَفَر من قومه فهوِىَ جارية نَبَطية حسناء فتزوجها فنهاه قومه وقال في ذلك أخوه محارب‏:‏
لم يَعْدُ شيهم أن تزوج مثله * فهما كشَيْهَمة عَلاَها شَيْهَم
ورَسُولُه الساعِي إليها تارةً * جُعَلٌ وطَوْرا عَضْرَ فُوطٌ ملجم
في أبيات بعدهما لا فائدة في ذكرها، ثم إن شيهما صار وحمل معه امرأته حتى أتى قومه وما فيهم إلا ساخر منه، لائم له، فلما رأى ذلك أنشأ يقول‏:‏ ‏[‏ص 171‏]‏
ألم تَرَنِي أُلاَمُ على نكاحي * فَتَاةً حُبُّهَا دَهْراً عَنَاني
رَمَتْني رَمْيَة كَلَمَتْ فؤادي * فأوْهَى القَلْبَ رَمْيَةُ من رَمَاني
فلو وجد ابنُ ذِي النَّابَيْنِ يَوْماً * بأخْرَى مثلَ وَجْدِي ما هَجَانِي
ولَكِنْ صَدَّ عنه السَّهْم صدّاً * وعَنْ عُرْض على عَمْد أتاني
فلما سمع القومُ ذلك منه كَفُّوا عنه، ثم إن أباها قدِم زائراً لها من أرضه، وحمل معه هدايا منها رُطَب وتمر، فلما ذاق شَيْهم الرطبَ أعجبته حلاوته، فخرج إلى نادي قومه وقال‏:‏
ما مراء القوم في جمع النَّدِى * ولقد جاء أبوُها بِرُطَبْ
فذهبت مثلا‏.‏ يضرب لمن يرضى باليسير الحقير‏.‏
899- جَنَيتْهُا مِنْ مُجْتَنًى عَوِيصٍ‏.‏
ويروى ‏"‏عريض‏"‏ أي من مكان صَعْب أو بعيد‏.‏
900- جِئْنِي بِه مِنْ حَسِّكَ وَبَسِّكَ‏.‏
ويروى ‏"‏من عَسِّك وبَسِّك‏"‏ أي ائْتِ به على كل حال من حيث شئت، وقال أبو عمرو‏:‏ أي من جَهْدك، ويقال‏:‏ لأطْلُبنه من حَسٍّي وبَسٍّي، أي من جَهْدي، وينشد‏:‏
تَرَكَتْ بيتي من الأشياء قَفْراً مثلَ أمْسِ*كل شيء قد جمعت من حَسِّي وبَسِّي
قلت‏:‏ الحَسُّ من الإحساس، والبَسُّ‏:‏ التفريق، يقال‏:‏ بَسَسْتُ المالَ في البلاد، أي فرقته‏.‏ والمعنى من حيث تدركه بحاستك، أي من حيث تُبْصره، ومن روى ‏"‏عَسِّك‏"‏ فيجوز أن تكون العين بدلا من الحاء، ويجوز أن يكون من العَسِّ الذي هو الطَّلَب، أي من حيث يمكن أن يُطْلب، وبسك‏:‏ أي من حيث تُدْرِكه بِرفْقِك، من أبَسَّ بالناقة إذا رَفَقَ بها عند الحلب، أو من حيث انْبَسَّتْ، أي تفرقت‏.‏ يضرب في اسفراغ الوُسْع في الطلب حتى يعذر‏.‏
901- جَاء يَنْفُضُ مِذْرَوَيْه‏.‏
المِذْرَوَان‏:‏ فَرْعا الأليتين، ولا واحد لهما، ولو كان لهما واحِدٌ لوجب أن يقال في التثنية مِذْرَيَان كما يقال مِقْلَيَانِ في تثنية المِقْلَى، وعبر بنَفْضِ مِذْرَوَيهِ عن سمنه، والعربُ تنفي الغَنَاء عن السمين اللحيم وتُثْبِته للمُخْتَلَق الهضيم ‏(‏المتخلق - بفتح اللام - التام الخلق المعتدله، والهضيم‏:‏ الضامر‏)‏ ولهم فيه أشعار كثيرة ليس هذا موضعها‏.‏ ‏[‏ص 172‏]‏
يضرب لمن يتوعَّدُ من غير حقيقة‏.‏
902- جَاء بِالشَّعْرَاءِ الزَّبَّاء‏.‏
إذا جاء بالداهية الدَّهْياء، وفي حديث الشعبي وقد سئل عن مسألة فقال‏:‏ زَبَّاء ذاتُ وَبَر، لو سئل عنها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعضلت بهم‏.‏
يضرب للداهية يَجْنيها الرجل على نفسه‏.‏
903- جَدُّكَ لاَكَدُّكَ‏.‏
يروى بالرفع على معنى جدك يغني عنك لا كدك، ويروى بالفتح أي ابْغِ جَدَّك لا كَدَّك‏.‏
904- جَلِيسُ السُّوء كالقَيْنِ إِنْ لَمْ يَحْرِقْ ثَوْبَكَ دَخَّنَهُ‏.‏
905- جَاء بِالضَّلاَلِ ابْنِ السَّبَهْلَلِ‏.‏
يعني بالباطل، قال الأصمعي‏:‏ جاء الرجل يمشي سَبَهْلَلا، إذا جاء وذهب في غير شيء، قال عمر رضي الله عنه‏:‏ إني لأكره أن أرَى أحَدَكم سَبَهْلَلا لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة‏.‏
906- جَاء بِدَبَى دُبَىٍّ، ودَبَى دُبَبَّيْنِ‏.‏
الدَّبَى‏:‏ الجرادُ، ودُبَىّ‏:‏ موضع واسِع، أي جاء بالمال الكثير كدَبَى ذلك الموضع‏.‏




B-happy 3 - 3 - 2010 02:30 AM



907- جَاء بالهَئ والجَئْ‏.‏
أي بالطَّعام والشَّراب، وقال الأموي‏:‏
هما اسمان من قولهم ‏"‏جَأْجَأْتُ بالإبل‏"‏ إذا دعَوْتَهَا للشرب، و ‏"‏هَأْهَأْتُ بها‏"‏ إذا دعوتها للعَلَف، وقال بعضهم‏:‏ هما بكسر الهاء والجيم، وأما قولهم ‏"‏لو كان ذلك في الهَئ والْجَىْءِ ما نفعه‏"‏ فهذان بالفتح، وأنشد‏:‏
وَمَا كَانَ عَلَى الْهِئِْ* وَلاَ الْجِئِْ امْتِدَاحِيكَا
أي لم أمْدَحْكَ لجرِّ منفعة‏.‏
908- الجَارَ ثُم الدَّار‏.‏
هذا كقولهم ‏"‏الرفيق قبل الطريق‏"‏ وكِلاَهما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عبيد‏:‏ كان بعضُ فقهاء أهل الشأم يحدِّثُ بهذا الحديث، ويقول‏:‏ معناه إذا أرَدْتَ شراء دارٍ فَسَلْ عن جِوَارها قبل شرائها‏.‏
909- جَرْعٌ وَأَوشَالٌ‏.‏
الجَرْع‏:‏ شُرْب الماء ريا، والوَشل‏:‏ الماء القليل، أي المال قليل وأنت مُسْرِف‏.‏
يضرب للمبذِّر، أي ترفَّقْ وإلا أتَيْت على مالك‏.‏
910- جَالِنِي أُجالِكَ فَالدَّمْسُ مِنْ فِعَالِكَ‏.‏
جَالِنِي‏:‏ من المُجَالاة وهي المُبَارزة، من قولهم ‏"‏جلاَ عن الوَطَن جلاَء‏"‏ إذا خرج، والدَّمْسُ‏:‏ الكتمان، يقال‏:‏ ‏[‏ص 173‏]‏ دمَسْتُ عليه الخبرَ، أي كتمته، يقول‏:‏ بارِزْنِي للعداوة أبارِزك فشأنك المُخَاتلة‏.‏
911- جَلَّزُوا لَوْ نَفَعَ التَّجْلِيزُ‏.‏
يقال‏:‏ جَلَزْتُ السكيَن جَلْزا، إذا شددت مَقْبِضَه بِعِلْباء البعير، وكذلك التجليز، أي أحْكَمُوا أمْرَهم لو نفع الإحكام يعني هربوا، ولكن القَدَر ألحق بهم ولم ينفعهم الحذر‏.‏
912- جِدَّ لامْرِئِ يَجِدَّ لَكَ‏.‏
أي أحِبَّ له خيراً يحبَّ لك مثلَه‏.‏
913- الجَدْبُ أَمْرَأُ لِلْهَزيِلِ‏.‏
يضرب للفقير يُصِيبُ المال فيطغى‏.‏
914- جَرْىُ الشَّمُوسِ نَاجِزٌ بِناجِزٍ‏.‏
يضرب لمن يُعَاجل الأمر، فيكافئ بالخير والشر من ساعته‏.‏
915- اجْعَلْنِي مِنْ أُدْمَةِ أَهْلِكَ‏.‏
الأدْمَة‏:‏ الوسيلة، وهي القرب، أي اجعلني من خاصتهم‏.‏
916- اجْعَلْ مَكَانَ مَرْحَبٍ نُكْراً‏.‏
أي اجْعَلْ مكان بِشْرِك وتحيتك قَضَاء الحاجة‏.‏
917- جَفَّ حِجْرُكِ وطابَ نَشْرُكِ، أَكلْتِ دَهَشاً وحَطَبْتِ قِمْشاً‏.‏
قال يونس بن حَبيب‏:‏ كان من حديث هذين المثلين أن امرأة زَارَتْها بنتُ أخيها وبنت أختها، فأحسنت تزويرهما، فلما كان عند رجوعهما قالت لابنة أخيها‏:‏ جفَّ حِجْرُكِ وطاب نَشْرُكِ، فسُرَّتِ الجارية بما قالت لها عمتها، وقالت لابنة أختها‏:‏ أكَلْتِ دَهَشاً وحَطَبْتِ قِمْشاً، فوجدت بذلك الصبية وشق عليها ما قالت لها خالتها، فانطلقت بنت الأخ إلى أمها مسرورة، فقالت لهما أمها‏:‏ ما قالت لك عمتك‏؟‏ فقالت‏:‏ قالت لي خيرا ودَعَتْ لي، قالت‏:‏ وكيف قالت لك‏؟‏ قالت‏:‏ قالت جَفَّ
حِجْرُك وطاب نَشْرك، قالت‏:‏ أي بنية، ما دَعَتْ لك بخيرٍ، ولكن دعت بأن لا تشمي ولدا أبدا فيبل حجرك ويغير نَشْرَكِ، وانطلقت الأخرى إلى أمها، فقالت لها أمها‏:‏ ما قالت لك خالتك‏؟‏ قالت‏:‏ وما عَسَى أن تقول لي‏؟‏ دعَتْ الله علي، قالت‏:‏ وكيف قالت لك‏؟‏ قالت‏:‏ قالت أكَلْتِ دَهَشاً وحَطَبْتِ قِمْشاً، قالت‏:‏ بل دعت الله لك يا بنية أن يكثر ولَدُكِ فينازعوك في المال ويقمشوك حطبا‏.‏
918- أَجَاءَهُ الْخَوْفُ إِلَى شَرِّ شِمِرٍّ‏.‏
المعنى ألجأه الخوفُ، وردَّه إلى شر شديد‏.‏
919- جَارَكَ الأَدْنى لا يَعْلُكَ الأَقْصَى‏.‏
أي احفظ أدنى جارك لا يقدر عليك ولا على لومك الأقصى‏.‏ ‏[‏ص 174‏]‏
920- جَدَّ صَفِيُر الْحَنْظَلِىِّ‏.‏
أصلُ هذا أن رجلين أحدهما من بني سعد والآخر من بني حنظلة، خرجا فاحتفرا زُبْيَتَين، فجلس كل واحد منهما في واحدة، وجعلا أمارة ما بينهما الصفير إذا أبْصَرَا صيدا، فزعموا أن أسدا مرَّ بالحَنْظَلى، فأخَذَ برجله، فَخَبطه الأسد بيده، فَغوَّثَ وصاح صِياحاً شديداً فقال السعدي‏:‏ جَدَّ صفيرُ الحنظلى، أي اشتد، أي فالهرب فإن قربه شر‏.‏
يضرب لمن قرب منه الشر ودَنَا‏.‏




B-happy 3 - 3 - 2010 02:34 AM



921- سَنُجَرِّبُكَ إِذَنْ‏.‏
وذلك أن رجلا مات فجعل أخوه يبكيه ويقول‏:‏ وا أخَاه، كان خيرا مني، إلا أني أعْظَمُ جُرْدَاناً منه، فقالت امرأة الميت‏:‏ سنجَرِّبُك إذن، فذهبت مثلا‏.‏
يضرب لمن ادَّعَى أمرا فيه شبهة‏.‏
922- جِبَابٌ فَلا تَعْنَ أَبْرَا‏.‏
قالوا‏:‏ الجباب‏:‏ الْجُمَّار، قلت‏:‏ والصحيح أن الجِبَابَ جمع جُبّ، وهو وِعاء الطَّلْع، ويقال له أيضاً‏:‏ جُفّ، وفي الحديث أن دفين النبي صلى الله عليه وسلم جعل في جُبِّ طلعة، والأبْرُ‏:‏ تَلْقيح النخل وإصلاحه ‏.‏
يضرب للرجل القليل الخير، أي هو جِباب ولا طَلْع فيه فلا تعن في إصلاحه‏.‏
923- جَدُّ امْرِئٍ فِي قَائِيِهِ‏.‏
أي يتبين جَدُّك في قائِتِك الذي يَقُوتك‏.‏
924- جَاءَتْهُمْ عَوَاناً غَيْرَ بِكْرٍ‏.‏
أي مستحكمة غير ضعيفة، يريدون حَرْبا أو داهية عظيمة‏.‏
925- جَاءَ بِالَّتي لاَ شَوَى لَهَا‏.‏
الشَّوَى‏:‏ الأطراف مثل اليدين والرجلين والرأس من الآدميين وغيرهم، أي جاء بالداهية التي لا تُخْطِئ، أو التي لا طَرَفَ لها ولا نهاية‏.‏
926- جَبَانٌ ما يَلْوِى عَلَى الصَّفِير‏.‏
ما يَلْوِى‏:‏ أي ما يُعَرَّجُ لشدة جُبْنه على من يَصْفر به‏.‏
927- أَجْرِ الأُمُورَ عَلَى أَذْلاَلِهَا‏.‏
أي على وُجُوهها التي تصلُح وتسهل وتتيسر، ويقال‏:‏ جاء به على أذلاله، أي على وَجْهه، ويقال‏:‏ دَعْه على أَذْلاَله‏:‏ أي على حاله، أنشد أبو عمرو للخَنْساء‏:‏
لتُجْرِ المنِيَّةُ بعد الْفَتَى الْـ * ـمُغَادَرِ ‏(‏المغادر‏)‏ بالمحو أذْلاَلَها ‏[‏ص 175‏]‏
ويروى ‏"‏المغادر بالنعف‏"‏ وهما موضعان وأرادت لتجر المنية على أذلالها فحذفت على فوصل الفعل فنصب، وواحد الأذلال ذِلٌّ بالكسر، قال المرزوقي‏:‏ ومعنى البيت لَسْتُ آسى على شيء بعده فلتجر المنية على طرقها‏.‏
928- الْجَمَلُ مِنْ جَوْفِهِ يَجْتَرُّ‏.‏
يضرب لمن يأكل من كَسْبه أو ينتفع بشيء يَعْود عليه بالضرر‏.‏
929- جَاءَ نَافِشاً عِفْرِيَتَهُ‏.‏
إذا جاء غَضْبان، والعِفْرِيَةُ‏:‏ عُرْفُ الديك، وكذلك العفراء‏.‏
930- جَاءَ بِالشُّقَرِ وَالبُقَرِ وَبِبَنَاتِ غَيْرٍ ‏.‏
ويروى ‏"‏بالصُّقَر‏"‏ والغَيرْ‏:‏ الاسم من قولك ‏"‏غَيَّرْتُ الشيء فتغير‏"‏ ويراد ههنا جاء بالكلام المغيَّرِ عن وَجْه الصدق، والشُّقَر والبُقَر‏:‏ اسم لا يُعْرف، أي جاء بالكذب الصريح‏.‏
931- جَاءَ وَفِي رَأْسِهِ خُطَّةٌ‏.‏
إذا جاء وفي نفسه حاجة قد عَزَم عليها والأصل في هذا أن أحدهم إذا حَزَبه أمرٌ أتى الكاهِنَ فخَطَّ له في الأرض يَسْتَخْرِج ما عَزَم عليه، والخُطَّة‏:‏ فُعْلة بمعنى مَفْعولة، نحو الغُرْفَة من الماء واللُّقْمَة والنُّجْعَة اسم لما ينتجع، أخِذَتْ من الخَطِّ الذي يستعمله الكاهن في وقوع الأمر‏.‏
932- جَاءَ بِصَحِيَفِة المُتَلَمِّسِ‏.‏
إذا جاء بالداهية، وقد ذكَرْتُ قصتَه في باب الصاد‏.‏
933- جَعَلَ اللّهُ رِزْقَهُ فَوْتَ فَمِهِ‏.‏
أي جعله بحيث يَرَاه ولا يَصِلُ إليه‏.‏
934- جَنْدَلَتَانِ اصْطَكَّتَا‏.‏
يضرب للقِرْنَيْنِ يتصاولان‏.‏
935- جَزَيْتُهُ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ‏.‏
يضرب في المُكافَأة ومُسَاواتها‏.‏
936- جَارُهُ لَحْمُ ظَبْيٍ‏.‏
يضرب لمن لا غَنَاء عنده، قال الشاعر‏:‏
فَجَارُكَ عند بيتِكَ لحمُ ظَبْيٍ * وجارِي عِنْدَ بيتي لا يُرَامُ
937- جَمَالَكَ‏.‏
أي الْزَمْ ما يُورِثُكَ الْجَمَالَ، يعني أَجْمِلْ ولا تفعل ما يَشِينُكَ‏.‏
938- جَاءَ صَرِيمَ سَحْرٍ‏.‏
إذا جاء آيسا خائبا، قاله ابن الأعرابي، وأنشد‏:‏
أَيَذْهَبُ ما جَمَعْتُ صريمَ سَحْرٍ * طليفاً‏؟‏ إنَّ ذَا لَهُوَ الْعَجِيبُ
قلت‏:‏ الصَّرِيم بمعنى المَصْرُوم، ‏[‏ص 176‏]‏ والسَّحْر‏:‏ الرئَةُ، والطليف - بالطاء والظاء - المجَّانُ، يقال‏:‏ ذهب فلان بغلامي طليفا، أي بلا ثمن، وتقدير البيت‏:‏ أيذهب ما جمعته وأنا مجهود مكدود مَجَّانا، والصَّرْم‏:‏ القَطْع‏.‏
939- جَاءَ بِذَاتِ الرَّعْدِ وَالصَّلِيلِ‏.‏
إذا جاء بشر وَعْر، يعني جاء بسحابة ذات رَعْد، والصَّليل‏:‏ الصَّوْتُ‏.‏
940- اجْعَلُوا لَيْلَكُمْ لَيْلَ أَنْقَدَ‏.‏
يضرب في التحذير، لآن القُنْفُد لا ينام ليلَه‏.‏
941- جَاؤُا عَلَى بَكْرَةِ أَبِيهمْ‏.‏
قال أبو عبيد‏:‏ أي جاؤا جميعاً لم يتخلَّف منهم أحد، وليس هناك بكرة في الحقيقة‏.‏ وقال غيره‏:‏ البَكْرَة تأنيث البَكْر وهو الفتيُّ من الإبل، يصفهم بالقِلَّة، أي جاؤا بحيث تحملهم بكرة أبيهم قِلَّة، وقال بعضهم‏:‏ البكرة ههنا التي يُسْتَقَى عليها، أي جاؤا بعضهم على أثَرِ بعضٍ كدَوَرَان البكرة على نَسَق واحد، وقال قوم‏:‏ أرادوا بالبكرة الطريقَةَ، كأنهم قالوا‏:‏ جاؤا على طريقة أبيهم أي يَتَقَيَّلُون أثرَه، وقال ابن الأعرابي‏:‏ البكرة جماعة الناس، يقال‏:‏ جاؤا على بَكْرتهم، وبَكْرة أبيهم، أي بأجمعهم قلت‏:‏ فعلى قول ابن الأعرابي يكون ‏"‏على‏"‏ في المثل بمعنى مع، أي جاؤا مع جماعة أبيهم أي مع قبيلته، ويجوز أن يكون ‏"‏على‏"‏ مِنْ صلة معنى الكلام، أي جاؤا مشتملين على قبيلة أبيهم، هذا هو الأصل، ثم يستعمل في اجتماع القوم وإن لم يكونوا من نسب واحد، ويجوز أن يراد البكرة التي يستقى عليها، وهي إذا كانت لأبيهم اجتمعوا عليها مُسْتَقِينَ لا يمنعهم عنها أحد، فشبه اجتماع القوم في المجيء باجتماع أولئك على بكرة أبيهم‏.‏
942- جِئْتَ بِأَمْرٍ بُجْرٍ وَدَاهِيَةٍ نُكْرٍ‏.‏
البُجْر‏:‏ الأمر العظيم، وكذلك البُجْرِيُّ والجمع البَجَارِي‏.‏
943- جَذَّ اللّهُ دَابِرَهُمْ‏.‏
أي استأصلهم وقطع بقيتهم، يعني كل من يخلفهم ويدبرهم، وقال‏:‏
آل المهلب جَذَّ اللّه دَابِرَهُمْ * أمْسَوْا رَمَاداً فلا أصْلٌ وَلاَ طَرَفُ
أي لا أصل ولا فرع‏.‏
944- جَلَوْا قَمّاً بِغَرفَةٍ ‏.‏
الغَرَفَة‏:‏ الثُّمَام بعينه لا يُدْبَغ به، وإنما يُجَذُّ للمكانس، والغَرْف - بسكون الراء - يدبغ به، والقَمُّ‏:‏ الكَنْس‏.‏
وأصل هذا أن رجلا سأل أعرابيا عن ‏[‏ص 177‏]‏ قوم كانوا في محلة، فقال له‏:‏ جَلَوْا قَمًّا بِغَرَفَة، أي جَلَوْا وتحوّلوا عن محلتهم فخلا ذلك لموضُع منهم وعَفَتْ آثارهم كما يُقَمّ المكان بالغَرَفَة، ونصب ‏"‏قما‏"‏ على المصدر، كأَنه قال‏:‏ جَلَوا جَلاَءَ كاملا تاما، فكأن مكانهم قُمّ منهم قما بمكنسة‏.‏
945- جَاؤُا عَنْ آخِرِهِمْ، وَمِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ‏.‏
أي لم يَبْقَ منهم أحد إلا جاء‏.‏
946- جُرُفٌ مُنْهَالٌ، وَسَحَابٌ مُنْجَالٌ‏.‏
يقولون‏:‏ كيف فلان‏؟‏ فيقال‏:‏ جُرُفٌ منهال، أي لا حَزْم عنده ولا عقل، والْجُرُف‏:‏ ما تجرّفته السيولُ من الأودية، والمُنْهال‏:‏ المُنْهار، يقال‏:‏ هُلْتَه فانهال، أي صببته فانْصَبَّ، والسحاب المنجال‏:‏ المنكَشِف، يراد أنه لا يطمع في خيره‏.‏
947- جَدْبُ السَّوْءِ يُلْجِئُ إِلى نُجْعَةِ سَوْءٍ‏.‏
يعني أن الأمور كلها تتشاكل في الجودة والرداءة، فإذا كان جَدْبُ الزمان بَلَغَ النهاية في الشر ألجأ إلى شر نُجْعَة ضرورة ‏.‏
948- جَاءَ يَفْرِي الفَرِيَّ وَيَقُدُّ‏.‏
أي يعمل العجب‏.‏
يضرب لمن أجاد العملَ وأسرع فيه‏.‏
قلت‏:‏ الفَرِيُّ فَعِيل بمعنى مفعول، وفَرِيَ بالكسر يَفْرَي فَرًى تحيَّر ودهش، والفَرْىُ‏:‏ القطع والشَّقّ، وكذلك القد، فقولهم ‏"‏يفري الفرى‏"‏ أي يعمل العملَ يفري فيه أي يتحير من عجيب الصنعة فيه، ومنه قوله تعالى ‏{‏لقد جئت شيئاً فَرِيا‏}‏ أي شيئا يتحير فيه ويتعجب منه‏.‏
949- جَزَاهُ جَزَاءَ شَوْلَةَ‏.‏
هذا مثل قولهم ‏"‏جزاء سِنِمَّار‏"‏ في أنهما صَنَعَا خيراً فَجُزِيا بصنيعهما شراً، وقال‏:‏
جَزَتْنَا بنو لَحْيَانَ أمسِ بِفِعْلِنَا * جَزَاء سِنِمَّارٍ بمَا كَانَ يَفْعَلُ
والسنمار في لغة هُذَيل‏:‏ اللِّصُّ، وذلك أنهم يقولون للذي لا ينام الليل سنمار، فسمى اللص به لقلة نومه‏.‏
950- جَاءَ كأَنَّ عَيْنَيْه فِي رمْحَيْنِ‏.‏
يضرب لمن اشتدَّ خوفُه ولمن اشتد نَظَره من الغضب، وكأنهم عَنَوْا به برق بصره كما يبرق السنان‏.‏
951- جَاءَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ‏.‏
الفَرِيصَة‏:‏ لُحْمة بين الثَّدْي ومرجع الكَتفِ، وهما فريصتان، إذا فزع الرجلُ أو الدابة أرْعِدَتَا منه‏.‏ ‏[‏ص 178‏]‏
يضرب للجَبَان يَفْزَع من كل شيء‏.‏
952- جَاءَ يَتَخَرَّمُ زَنْدُهُ‏.‏
أي جاء ساكنا غَضَبُه، يقال‏:‏ تخرّم زَنْدُ ‏(‏في القاموس والصحاح ‏"‏تخرم زبد فلان‏"‏ بالباء في ‏"‏زبده‏"‏ لا بالنون‏)‏ فلانٍ، أي سكن غضبه، ويقال‏:‏ معناه جاء يركبنا بالظلم والحُمْقِ، فإن صح هذا فهو من قولهم ‏"‏تَخَرَّمهم الدهر‏"‏ و ‏"‏اخترمهم‏"‏ أي استأصلهم‏.‏
953- جَلِيلةٌ يَحْمِى ذَرَاهَا الأَرْقَمُ‏.‏
الجَلِيل‏:‏ الثُّمَام، والذَّرَى‏:‏ الكَنَفُ ‏.‏
يضرب للضعيف يكنفه القوي ويعينه‏.‏
954- جَلِيفُ أَرْضٍ مَاؤُهُ مَسُوسُ‏.‏
الجَلِيفُ من الأرض‏:‏ الذي جَلَفَتْه السنَةُ، أي أخَذَتُ ما عليها من النبات، والمَسُوس‏:‏ الماء العذب المَذَاقِ المريء في الدواب‏.‏
يضرب لمن حَسُنَتْ أخلاقه وقَلَّتْ ذاتُ يده‏.‏
955- جَعَلْتَ لِيَ الْحَابِلَ مِثْلَ النَّابِلِ‏.‏
يقال‏:‏ إن الحابل صاحبُ الحِبالة التي يُصَاد بها الوحشُ، والنابل‏:‏ صاحب النّبْل يعني الذي يَصِيد بالنبل، ويقال‏:‏ إن الحابل في هذا الموضع السَّدَى والنابل اللُّحْمَة‏.‏
يضرب للمخلط، ومثله ‏"‏اختلط الحابل بالنابل‏"‏‏.‏
956- جَذْبُ الزِّمَامِ يَرِيضُ الصِّعَابَ‏.‏
يضرب لمن يأبى الأمر أولا ثم ينقاد آخراً‏.‏
957- جَدَّ جِرَاءُ الْخَيْلِ فِيكُمْ يَاقُثَمُ‏.‏
يضرب في الْتِحَام الشر بين القوم‏.‏
958- جُلُوفُ زَادٍ لَيْسَ فِيهَا مَشْبَعُ‏.‏
الْجُلُوف‏:‏ جمع جِلْفٍ، وهو الظَّرْف والوِعاء، والمَشْبِع‏:‏ الشِّبَعَ‏.‏
يضرب لمن يتقلّد الأمور ولا غَنَاء عنده‏.‏
959- جَاءَ بِطَارِفَة عَيْنٍ‏.‏
أي بشيء تتحيَّر له العين من كثرته، يقال‏:‏ عين مَطْروفة، إذا أصيب طَرْفُهَا بشيء‏.‏
960- جَهِلَ مِنْ لَغَانِينَ سُبُلاَتٍ‏.‏
اللُّغْنُون‏:‏ مَدْخَل الأودية، وسُبُلاَت‏:‏ جمع سَبيل، مثل طُرُقات وصُعُدات في جمع طريق وصعيد‏.‏
وأصل المثل أن عمرو بن هند الملك قال‏:‏ لأجَلِّلَنَّ مواسل الرَّبْط، مصبوغا بالزيت، ثم لأشْعِلَنَّه بالنار، فقال رجل‏:‏ جَهِلَ من لَغَانين سُبُلات، أي لم يَعْلم مشقة الدخول من سُبُلات لَغَانين، يريد المضَايق منها، ومواسل ‏(‏في القاموس أن اسمه مويسل‏)‏‏:‏ في رأس جبل من جبال طيء ‏[‏ص 179‏]‏ يضرب مثلا لمن يُقْدم على أمر وقد جهل ما فيه من المشقة والشدة‏.‏
961- جَاءَ يَسُوقُ دَبَى دُبَيَّيْنِ‏.‏
أي يسوق مالاً كثيراً، وأنشد‏:‏ بَاتَتْ وبات ليلُها دَبَى دَبَى* أي ليلُها ليلٌ شديد‏.‏
962- جَاؤُا بِالْحَظِرِ الرَّطْبِ‏.‏
أي جاؤا بالكثير من الناس، وقال‏:‏
أعانت بنو الحرّيش فيها بأربع * وجاءت بنو العَجْلاَن بالحَظِرِ الرَّطْبِ
يمدح بني العجلان، وأصل الحظِرِ الحطبُ الرطْبُ يجعل منه الحظيرة للابل، ويحتاج فيها إلى كثرة، فصار عبارةً عن الشيء الكثير، ويعبر به أيضاً عن النميمة، ومنه قوله‏:‏ ولم يَمْشِ بين القوم بالحظِرِ الرَّطْبِ* أي بالنميمة، كما قيل في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏حمالَةَ الحَطَبِ‏}‏في بعض الأقوال‏.‏
963- جَاءَ بِمَا صَأَى وَصَمَتَ‏.‏
يقال‏:‏ صَأَى يَصْأى صُئِيَّا، ثم يقلب فيقال‏:‏ صَاء يَصِيء مثل جَاء يَجيء، ومن هذا قولهم ‏"‏تلدغ العقربُ وتَصِيء‏"‏ أرادوا بما صأى الشاءَ والإبلَ، وبما صمت الذهبَ والفضة، ويقال بل معناه ‏"‏جاء بالحَيَوَان والجماد‏"‏ أي بالشيء الكثير، ومن هذا قول قصير بن سعد للزباء ‏"‏جئتُكِ بما صَأَى وصَمَتَ‏"‏ أي بكل شيء‏.‏
964- جَاءَ بِمَا أَدَّتْ يَدٌ إِلى يَدٍ‏.‏
يضرب عند الْخَيْبة، ويراد به تأكيد الإخفاق‏.‏
965- جَبَّتْ خُتُونَةٌ دَهْراً‏.‏
الجَبُّ‏:‏ القَطْع، والخُتُونة‏:‏ المصاهرة، ودهر‏:‏ اسم رجل تزوج امرأة من غير قومه فقطعته عن عشيرته، فقيل هذا‏.‏
يضرب لكل من قَطَعك بسبب لا بوجب القطع‏.‏
966- جَرْجَرَ لَمَّا عَضَّهُ الكَلُّوب‏.‏
الجَرْجَرَة‏:‏ الصوت، والكَلُّوب‏:‏ مثل الكُلاَّب وهو المِهْمَاز يكون في خُفِّ الرائِضِ يَنْخَسُ به جنبَ الدابة، وهذا مثل قولهم ‏"‏دَرْدَبَ لما عَضَّهُ الثَّقَاف‏"‏
يضرب لمن ذل وخضع بعدما عز وامتنع‏.‏
967- جَدُّكَ يَرْعَى نَعَمَك‏.‏
يضرب للمِضْيَاع المَجْدُود‏.‏
968- جَاءَ بِالْحِلْقِ وَالإِحْرَافِ‏.‏
الحِلْقُ بكسر الحاء‏:‏ الكثيرُ من المال وأحْرَفَ الرجلُ وأهرفَ إذا نما مالُه‏.‏
يضرب لمن جاء بالمال الكثير‏.‏ ‏[‏ص 180‏]‏
*3*http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif ما جاء على أفعل من هذا الباب‏.‏
969- أَجْبَنُ مِنَ الْمَنْزُوفِ ضَرِطاً‏.‏
قالوا‏:‏ كان من حديثه أن نسوة من العرب لم يكن لهنَّ رجلٌ، فزوجْنَ إحداهن رجلا كان ينام الضحى، فإذا أتينه بصَبُوح قُلْنَ‏:‏ قم فاصْطَبِحْ، فيقول‏:‏ لو نَبَّهْتنني لعاديةٍ، فلما رأين ذلك قال بعضهن لبعض‏:‏ إن صاحبنَا لشُجاع، فتعاَلَيْنَ حتى نجربه، فأتينه كما كنَّ يأتينه فأيقظنه، فقال‏:‏ لو لعادية نبهتنني، فقلن‏:‏ هذه نَوَاصي الخيل، فجعل يقول‏:‏ الخيل، الخيل، ويَضْرُط، حتى مات وفيه قول آخر، قال أبو عبيدة‏:‏ كانت دَخْتَنُوس بنتُ لقيط بن زُرَارة تحت عمرو بن عمرو، وكان شيخاً أبْرَصَ، فوضع رأسه يوماً في حِجْرها فهي تهمهم في رأسه إذ جَخَفَ عمرو وسال لُعابه، وهو بين النائم واليقظان، فسمعها تؤفِّف، فقال‏:‏ ما قلت‏؟‏ فحادت عن ذلك، فقال لها‏:‏ أيَسُرُّك أن أفارقك‏؟‏ قالت‏:‏ نعم، فطلقها فنكحها فتى جَميل جسيم من بني زُرَارة، قال محمد بن حبيب‏:‏ نكحها عمير بن عمارة ابن معبد بن زرارة، ثم إن بكر بن وائل أغاروا على بني دارم، وكان زوجها نائما يَنْخَر، فنبهته وهي تظن أن فيه خيراً، فقالت‏:‏ الغارة، فلم يزل الرجل يَحْبق حتى مات، فسمى المنزوف ضرطا، وأخِذَت دَخْتَنُوس، فأدركهم الحى فطلب عمرو بن عمرو أن يَرُدُّوا دختنوس، فأبوا، فزعم بنو دارم أن عمرا قتل منهم ثلاثة رَهْطٍ، وكان في السَّرْعَان، فردوها إليه، فجعلها أمامه، وقال‏:‏
أيَّ خَلِيلَيْكِ وَجَدْتِ خَيْرَا * أألْعَظِيم فَيْشَةً وأيْرَا
أمِ الذي يأتِي العَدُوّ سَيْرا* وردها إلى أهلها‏.‏
ويقال في حديثه غير هذا، زعموا أن رجلين من العرب خَرَجا في فَلاَة، فلاحت لهما شجرة، فقال واحد منهما لرفيقه‏:‏ أرى قوما قد رَصَدُونا، فقال الرفيق‏:‏ إنما هو عُشَرة، فظنَّه يقول عَشَرَة، فجعل يقول‏:‏ وما غَنَاء اثنين عن عَشَرة‏؟‏ ويضرط حتى مات‏.‏
ويقال فيه وجه آخر، زعموا أنه كانت تحت لُجَيم بن صَعْب بن علي بن بكر بن وائل امرأةٌ من غنزة بن أسد بن ربيعة يقال لها حَذَامِ بنت العتيك بن أسلم بن يذكر ابن عنزة بن أسد بن ربيعة، فولدت له عجل ابن لجيم والأوقص بن لجيم، ثم تزوج بعد حذام صفية بنت كاهل بن أسد بن خزيمة، ‏[‏ص 181‏]‏ فولدت له حَنيفة بن لجيم، ثم إنه وقع بين امرأتيه تنازع فقال لجيم‏:‏
إذا قالت حَذَامِ فصدِّقوها * فإن القول ما قالت حَذَامِ
فذهبت مثلا، ثم إن عجل بن لجيم تزوج الماشرية بنت نهسر بن بدر بن بكر ابن وائل، وكانت قبله عند الأحرز بن عون العبدي فطلقها وهي نُسَءْ لأشهرٍ، فقالت لعجل حين تزوجها‏:‏ احفظ عليّ ولدي، قال‏:‏ نعم، فلما ولدت سماهُ عجل سعدا، وشبَّ الغلامُ فخرج به عجل ليدفعه إلى الأحرز بن عون وينصرف، وأقبل حنيفة بن لجيم من سفر فتلقاة بنو أخيه عجل فلم يَرَ فيهم سعدا، فسألهم عنه، فقالوا‏:‏ انْطَلَقَ به عجل إلى أبيه ليدفعه إليه، فسار في طلبه فوجده راجعا قد دفعه إلى أبيه، فقال‏:‏ ما صنعت يا عشمة‏؟‏ وهل للغلام أب غيرك‏؟‏ وجمع إليه بني أخيه، وسار إلى الأحرز ليأخذ سعدا، فوجده مع أبيه ومولًى له، فاقتتلوا فخَذَله مولاهُ بالتنحِّي عنه، فقال له الأحرز‏:‏ يا بنيّ، ألا تعينني على حنيفة‏؟‏ فكعّ الغلام عنه، فقال الأحرز‏:‏ ابنُكَ ابنُ بوحك، الذي يشرب من صَبُوحك، فذهبت مثلا، فضرب حنيفة الأحرز فجَذَمه بالسيف، فيومئذ سمى جَذِيمة، وضرب الأحرز حنيفة على رجله فحَنَفَها، فسمى حنيفة، وكان اسمه أثال بن لجيم، فلما رأى مولى الأحرز ما أصاب الأحرز وقع عليه الضراط فمات، فقال حنيفة‏:‏ هذا هو المنزوف ضرطا، فذهبت مثلا، وأخذ حنيفة سعدا فردَّه إلى عجل، فإلى اليوم ينسب إلى عجل‏.‏
ووجه آخر، زعموا أن المنزوف ضرطا دابة بين الكلب والذئب، إذا صِيحَ بها وَقَع عليها الضراط من الجُبْن‏.‏
970- أَجْرَأُ مِنْ ذُبَابٍ‏.‏
وذلك أنه يقع على أنفِ الملك، وعلى جفن الأسد، وهو مع ذلك يُذْادُ فيعود‏.‏
971- أَجْرَأُ مِنْ فَارِسِ خَصَافِ‏.‏
هو رجل من غسان أجْبَنُ مَنْ في الزمان يقف في أُخْرَيَاتِ الناس، وكان فرسُه خَصَافِ لا يُجَارى، فكان يكون أول مُنْهَزم، فبينا هو ذات يوم واقف جاءسَهْم فسقط في الأرض مُرْتَزًّا بين يديه وجعل يعتز، فقال‏:‏ ما اهتز هذا السهم إلا وقد وقع بشيء، فنزل وكشف عنه فإذا هو في ظهر يَرْبُوع، فقال‏:‏ أتَرَى هذا ظَنَّ أن السهم سيصيبه في هذا الموضع‏؟‏ لا المرء في شيء ولا اليربوع، فأرسلها مثلا، ثم تقدم فكان من أشد الناس بأساً، هذا قول محمد ابن حبيب‏.‏ ‏[‏ص 182‏]‏
وزعم أن ابن الأعرابي في أصل هذا المثل أن جند ملك من ملوك الفرس غَزَوْهم، وكان عندهم أن جنود النلك لا يموتون، فشدَّ فارس خَصَاف على رجل منهم فطعنه فخر صريعاً، فرجع إلى أصحابه فقال‏:‏ ويلكم القومُ أمثالكم يموتون كما نموت، فتعالوا نقارعهم، فشَدُّوا عليهم وهزموهم، فضرب بفارس خصاف المثل لإقدامه عليهم‏.‏
قال ابن دريد‏:‏ خضاف بالضاد المعجمة اسم فرس، وفارسه أحد فرسان العرب المشهورين، هذا قولُه، وغيره يروى بالصاد، وأما قولهم‏:‏
972- أَجْرَأُ مِنْ خَاصِي خَصَافِ‏.‏
فإنه رجل من بَاهِلة، وكان له فرس اسمه أيضاً خصاف، فَطلبه بعض الملوك للفِحْلَة فخصاه قال أبو الندى‏:‏ هو حَمَلُ بن يزيد ‏(‏سماه المجد حمل بن زيد‏)‏ ابن ذُهْل بن ثعلبة، خَصَى خصاف بحضرة ذلك الملك، وفيه يقول الشاعر‏:‏
تاللّه لو ألقى خصاف عشية * لكنت على الأملاك فارس أشأما
أي فارس شؤم‏.‏
973- أَجْرَأُ مِنَ الْمَاشِي بِتَرْج‏.‏
تَرْج‏:‏ مأسَدَة مثل حَلْية وخَفَّان ‏(‏حلية‏:‏ مأسدة بناحية اليمن، وخفان‏:‏ قرب القادسية‏.‏‏)‏
974- أَجْرأُ مِنْ خَاصِي الأَسَدِ‏.‏
يقال‏:‏ إن حراثا كان يَحْرث، فأتاه أسد فقال‏:‏ ما الذي ذَلَّل لك هذا الثور حتى يُطِيعك‏؟‏ قال‏:‏ إني خَصَيْته، قال‏:‏ وما الخِصاء‏؟‏ قال‏:‏ ادْنُ مني أُرِكَه، فدنا منه الأسد مُنْقَادا ليعلم ذلك، فشدوه وَثَاقاً وخَصَاه، فقيل‏:‏ أجرأ من خاصي الأسد‏.‏
975- أَجْرَى مِنَ الأَيْهَمَيْنِ‏.‏
قالوا‏:‏ هما السيل والجمل الهائج‏.‏ ويقال أيضاً‏:‏
976- أَجْرَى مِنَ السَّيْلِ تَحْتَ اللَّيْل‏.‏
977- أَجْوَدُ مِنْ حَاتِمٍ‏.‏
هو حاتم بن عبد الله بن سَعْد بن الحَشْرَج، كان جواداً شجاعاً شاعراً مُظَفراً، إذا قاتل غَلَب، وإذا غنم نهب، وإذا سُئل وهب، وإذا ضَرَب بالقِداح سَبَق، وإذا أسَرَ أطلق، وإذا أثْرى أنفق، وكان أقسم باللّه لا يقتل واحدَ أمه‏.‏
ومن حديثه أنه خرج في الشهر الحرام يطلب حاجة، فلما كان بأرض عنزة ناداه أسيرٌ لهم‏:‏ يا أبا سَفَّانة، أكَلَنِي الإسار والقمل، فقال‏:‏ ويحك‏!‏ ما أنا في بلاد قومي، وما معي شيء وقد أسَأْتَنِي إذ نَوَّهْتَ باسمي ومالَكَ مَتْرَك، ثم ساوم به العَنَزِيين، ‏[‏ص 183‏]‏ واشتراه منهم، فخلاَّه وأقام مكانه في قِدِّه حتى أتى بفدائه، فأدَّاه إليهم‏.‏
ومن حديثه أن ماويَّةَ امرأةَ حاتم حدَّثت أن الناس أصابتهم سَنَة فأذهبت الخُفَّ والظلف، فبتنا ذاتَ لَيلةٍ بأشدِّ الجوع، فأخذ حاتم عديًّا وأخذْتُ سفَّانة فعلَّلْنَاهما حتى ناما، ثم أخذ يُعَللني بالحديث لأنام، فرققت له لما به من الجَهْد، فأمسكت عن كلامه لينام ويظن أني نائمة، فقال لي‏:‏ أنِمْتِ‏؟‏ مراراً، فلم أجبه، فسكت ونظر من وراء الخِباء فإذا شيء قد أقبل فرفَع رأسَه، فإذا امرأة تقول‏:‏ يا أبا سَفَّانة أتيتُكَ من عند صِبْية جِياع، فقال‏:‏ أحضريني صبيانَكِ فواللّه لأشْبِعَنَّهم، قالت‏:‏ فقمتُ مُسْرِعة، فقلت‏:‏ بماذا يا حاتم‏؟‏ فوالله ما نام صِبْيَانك من الجوع إلا بالتعليل، فقام إلى فَرَسه فذبَحه، ثم أجَّجَ نارا ودفع إليها شَفْرة، وقال‏:‏ اشْتَوِي وكُلِي وأطْعِمِي ولدك، وقال لي‏:‏ أيْقِظِي صبيتَكَ، فأيقظتهما ثم قال‏:‏ واللّه إن هذا للؤم أنْ تأكُلُوا وأهلُ الصِّرْمِ ‏(‏الصرم - بالكسر - جماعة البيوت‏)‏ حالُهم كحالكم، فجعل يأتي الصِّرْمِ بيتا بيتا ويقول‏:‏ عليكم النار، فاجتمعوا وأكلوا، وتَقَنَّع بكسائه وقَعَد ناحيةً حتى لم يوجد من الفرس على الأرض قليل ولا كثير، ولم يَذُقْ منه شيئاً‏.‏
وزعم الطائيون أن حاتما أخذ الجودَ عن أمِّهِ غنية بنت عفيف الطائية، وكانت لا تليق شيئاً سَخَاء وجودا‏.‏
978- أَجْوَدُ مِنْ كَعْبِ بْنِ مَامَةَ‏.‏
هو إيادي، ومن حديثه أنه خرج في رَكْب فيهم رجل من النَّمِر بن قاسط في شهر نَاجِر فَضَلُّوا فتصافَنُوا ماءهم، وهو أن يُطْرَح في القَعْبِ حَصَاة ثم يُصَب فيه من الماء بقدر ما يغمر الْحَصَاة، وتلك الحصاة هي المَقْلة، فيشرب كل إنسان بقدر واحد، فقعدوا للشرب، فلما دار القَعْبُ فانتهى إلى كعبٍ أَبْصَرَ النمريَّ يحدِّد النظر إليه، فآثره بمائه، وقال للساقي‏:‏ اسْقِ أخاكَ النمري، فشرب النمري نصيبَ كعب ذلك اليوم من الماء، ثم نزلوا من غدهم المنزلَ الآخر، فتصافَنُوا بقية مائهم، فنظر إليه النمري كنَظَره أمسه، فقال كعبَ كقوله أمس، وارتحل القوم وقالوا‏:‏ يا كعب ارْتَحِلْ، فلم يكن به قوة للنهوض، وكانوا قد قربوا من الماء، فقيل له‏:‏ رِدْ كعبُ إنك وَرَّاد، فعجز عن الجواب، فلما يئسوا منه خَيَّلوا عليه بثوب يمنعه من السبع أن يأكله، وتركوه مكانه، ففَاظَ، فقال أبوه مامةُ يرثيه‏:‏
ما كان من سُوقَةٍ أَسْقَى على ظَمَإِ * خمراً بماء إذا ناجُودُها بَرَدَا ‏[‏ص 184‏]‏
مِنَ ابن مَامَةَ كعبٍ حين عَىَّ به * زَوُّ المنيةِ إلا حرة وَقَدَا
أوفى على الماء كعبٌ ثم قيل له‏:‏ رِدْ كعبُ إِنَّكَ وَرَّادٌ فما وَرَدَا
زو المنية‏:‏ قدرها، وعَىَّ به‏:‏ أي عيت به الأحداث إلا أن تقتله عَطشا‏.‏
979- أَجْسَرُ مِنْ قَاتِلِ عُقْبَةَ‏.‏
قال أبو عمرو القعيني‏:‏ هو عُقْبة بن سلم من بني هُنَاءة من أهل اليمن صاحب دار عُقْبة بالبصرة، وكان أبو جعفر وَجَّهه إلى البحرين، وأهل البحرين ربيعة، فقتل ربيعة قتلا فاحشاً، قال‏:‏ فانْضَمَّ إليه رجل من عبد القيس، فلم يزل معه سنين، وعزل عُقْبة فرجَعَ إلى بغداد، ورحل العَبْدِي معه، فكان عقبة واقفاً على باب المهدي بعد موت أبي جعفر، فشدَّ عليه العبدِيُّ بسكين فوجأه في بطنه فمات عقبة، وأُخِذَ العبديُّ فأدخل على المهدي، فقال‏:‏ ما حملك على ما فعلت‏؟‏ فقال‏:‏ إنه قَتَلَ قومي، وقد ظَفِرْتُ به غير مرة، إلا أني أَحْبَبْتُ أن يكون أمره ظاهراً حتى يعلم الناس أني أدركْتُ ثأري منه، فقال المهدي‏:‏ إن مثلك لأهل أن يستَبقى، ولكن أكره أن يجترئ الناس على القُوَّاد فأمر به فضُرِبت عنقه، ويقال‏:‏ إن الوَجْأة وقعت في شرجة منطقة عقبة، قال‏:‏ فجعل المهديُّ يسائل العبدي، والعبدي يبكي، إلى أن دخلَ داخل فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين مات عقبة، فضحك العبدي، فقال له المهدي‏:‏ مِمَّ كنت تبكي‏؟‏ قال‏:‏ من خوف أن يعيش‏.‏ فلما مات أيقنتُ أني أدركت ثأري‏.‏
980- أَجْبَنُ مِنْ صَافِرِ‏.‏
قال أبو عبيد‏:‏ الصَّافِرُ كلُّ ما يصفر من الطير، والصفير لا يكون في سباع الطير وإنما يكون في خَشَاشها وما يُصَاد منها، وذكر محمد بن حبيب أنه طائر يتعلَّق من الشجر برجليه، وينكِّس رأسَه خوفا من أن ينام فيؤخذ، فيصفر منكوساً طول ليلته وذكر ابن الأعرابي أنهم أرادوا بالصافر المصفورَ به، فقلبوه أي إذ صُفِرَ به هرب‏.‏
ويقولون في مثل آخر ‏"‏جبان ما يلوي على الصفير‏"‏ وأرادوا بالمصفور به التُّنَوِّطَ، وهو طائر يحمله جُبْنه على أن ينسج لنفسه عُشًّا، كأنه كِيسٌ مدلى من الشجر ضيق الفم واسع الأسفل، فيحترز فيه خوفا من أن يقع عليه جارحٌ، وبه يضرب المثل في الحِذْق، فيقال ‏"‏أَصْنَعُ من تُنَوِّط‏"‏ وذكر أبو عبيدة أن الصافر هو الذي يصفر بالمرأة المريبة، وإنما يجبن لأنه وَجل مخافة أن يظهر عليه، ‏[‏ص 185‏]‏ وأنشد بيتي الكميت على هذا، وهو قوله‏:‏
أرجْوُ لكم أن تكونوا في مودتكم* وقد ذكرتُ القصة بتمامها والبيتين عند قولهم ‏"‏قد قلينا صفيركم‏"‏ في حرف القاف‏.‏
981- أَجْبَنُ مِنْ صِفْرِدٍ‏.‏
زعم أبو عبيدة أن هذا المثل مولد، والصفرد‏:‏ طائر من خَشَاش الطير، وقد ذكره الشاعر في شعره فقال‏:‏
تَرَاهُ كاللَّيْثِ لدى أَمْنِهِ * وفي الْوَغَى أَجبَنُ من صِفْرِدِ





الساعة الآن 12:55 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى