منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   القرآن الكريم والأحاديث وسيرة الأنبياء والصحابة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=95)
-   -   قطوف من كتاب "لا تحزن".. لعائض القرني. (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=5546)

فسحة أمل 1 - 4 - 2010 10:43 PM

أقوالٌ عالميةٌ ونُقولاتٌ من تجاربِ القومِ
كتب « روبرت لويس ستيفنسون » : (( فكل إنسان يستطيع القيام بعمله مهما كانشاقّاً في يوم واحد ، وكل إنسانٍ يستطيعُ العيش بسعادة حتى تغيب الشمسُ . وهذا ما تعنيه الحياة )) .
قال أحدهم : (( ليس لك من حياتِك إلا يومٌ واحد ، أمس ذهب ، وغَدٌ لم يأتِ )) .
كتب « ستيفن ليكوك » : فالطفل يقول : حين أصبح صبيّاً ، والصبيُّ يقول : حينأُصبح شابّاً . وحين أُصبح شابّاً أتزوج . ولكن ماذا بعد الزواج؟ وماذابَعْدَ كل هذه المراحل؟ تتغيرُ الفكرة نحو : حين أكون قادراً على التقاعُد . ينظر خلفه ، وتلفحه رياح باردة ، لقد فقد حياته التي ولَّت دون أن يعيشدقيقةً واحدة منها ، ونحن نتعلَّم بعد فواتِ الأوانِ أنَّ الحياة تقعُ فيكل دقيقة وكلِّ ساعة من يومنا الحاضرِ )) .
وكذلك المسوّفُون بالتوبة .
قال أحد السلف : (( أنذرتُكم ( سوف ) ، فغنها كلمةٌ كم منعت من خير وأخَّرت من صلاح )) .
﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ .
يقول الفيلسوف الفرنسي « مونتين » : (( كانت حياتي مليئة بالحظِّ السيئ الذي لم يرحمْ أبداً )) .
قلتُ : هؤلاء لم يعرفوا الحكمة من خلْقهم ، على الرغم من ذكائهم ومعارفهم ، لكن لم يهتدوا بهدي الله الذي بعث به رسوله r ،﴿وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ﴾ .﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً﴾.
يقول : « دانسي » : (( فكِّرْ إن هذا اليوم لن ينبثق ثانيةً )) .
قلتُ : وأجملُ منه وأكملُ حديث : (( صلِّ صلاةَ مودِّعٍ ))
ومنجعل في خلدِهِ أن هذا اليوم الذي يعيشُ فيه آخرُ أيامِهِ ، جدَّدَ توبته ،وأحسن عمله ، واجتهد في طاعِة ربِّهِ واتباعِ رسولِهِ r .
كتب المثل المسرحي الهندي الشهير « كاليداسا » :
تحيةً للفجر
انظرْ إلى هذا النهار
لأنه هو الحياة ، حياة الحياة
في فترتِهِ ، تُوجد مختلفُ حقائقِ وجودِك
نعمةُ النُّمُوِّ
العملُ المجيدُ
وبهاءُ الانتصارِ
ولأن الأمس ليس سوى حُلُمٍ
والغَدُ ليس إلا رُؤًى
لكنَّ اليوم الذي تعيشه بأكمله يجعل الأمس حُلْماً جميلاً
وكل غد رؤيةً للأملِ
فانظر جيِّداً إلى هذا النهار
هذه هي تحية الفجر
*******************
أسرارُ الشدائدِ

أورد المؤرخُ الأديبُ أحمدُ بنُ يوسف الكاتبُ المصريُّ في كتابِهِ المعجبُالفريدُ (المكافأةُ وحسنُ العُقبى ) فقال : وقدْ علم الإنسانُ أن سُفورَالحالةِ – أي انكشاف الغُمَّةِ والشدَّةِ – عن ضدِّه ، حَتْمٌ لابدَّ منه، كما علم أنَّ انجلاء الليلُ يسفرُ عن النهار ، ولكنَّ خور الطبيعةِأشدُّ ما يلازمُ النفس عندَ نزولِ الكوارثِ ، فإذا لم تُعالجْ بالدواءِ ،اشتدّتِ العلةُ ، وازدادتِ المحنةُ ، لأن النفس إذا لم تُعَنْ عندالشدائدِ بما يجدّدُ قُواها ، تولَّى عليها اليأسُ فأهلكها .
والتفكُّرُفي أخبارِ هذا البابِ – بابِ أخبارِ من ابتلي فصبر ، فكان ثمرةُ صبرِه حسنالعقبى – ممَّا يُشجِّع النفْس ، ويبعثُها عن ملازمةِ الصبرِ وحسنِ الأدبِمع الربِّ عزَّ وجلَّ ، بحسنِ الظنِّ في موافاةِ الإحسانِ عند نهايةِالامتحانِ.
وقالأيضاً – في آخر الكتابِ - : « خاتمةٌ : قال بُزُرْجمْهَرُ : الشدائدُ قبلالمواهبِ ، تشبهُ الجوع قبل الطعامِ ، يحسُّ بهِ موقُعُهُ ، ويلذُّ معهتناولهُ » .
وقال أفلاطونُ : « الشدائدُ تُصلِحُ من النفسِ بمقدارِ ما تفسدُ من العيشِ ، والتَّترُّفأي الترفُ والترفُّه – يفسدُ من النفسِ بمقدارِ ما يصلحُ من العيشِ » .
وقال أيضاً : « حافظ على كلِّ صديقٍ أهدتْه إليك الشدائدُ ، والْه عنْ كلِّ صديقٍ أهدتْه إليك النعمةُ » .
وقال أيضاً : « الترفُّفهُ كالليلِ ، لا تتأملْ فيه ما تصدرُه أو تتناولُه ، والشدة كالنهارِ ، ترى فيها سعيك وسعي غيرِك » .
وقالُ أزدشير : « الشدَّةُ كُحْلٌ ترى به ما لا تراه بالنعمة » .
ويقول أيضاً : « ومِلاكُ مصلحةِ الأمرِ في الشدَّةِ شيئان : أصغرُهما قوةُ قلبِ صاحبِهاعلى ما ينوبُه ، وأعظمُها حُسْنُ تفويضِهِ إلى مالكِهِ ورازقِهِ » .
وإذاصَمَدَ الرجلُ بفكرِهِ نَحْوَ خالقِهِ ، علم أنهُ لمْ يمتحِنْه إلا بمايوجبُ له مثوبةً ، أو يمحِّصُ عنه كبيرةً ، وهو مع هذا من اللهِ في أرباحٍمتصلةٍ ، وفوائد متتابعةٍ .
فأماإذا اشتدَّ فكرُهُ تلقاء الخليقةِ ، كثرتْ رذائلُه ، وزاد تصنُّعه ، وبرِمبمقامِه فيما قصُر عن تأمُّلهِ ، واستطال من المِحنِ ما عسى أن ينقضي فييومِهِ ، وخاف من المكروهِ ما لعلَّه أنْ يخطئهُ .
وإنماتصدقُ المناجاةِ بين الرجلِ وبين ربِّهِ ، لعلمِهِ بما في السرائرِوتأييدِهِ البصائر ، وهي بين الرجلِ وبين أشباهِهِ كثيرةُ الأذيةِ ،خارجةٌ عن المصلحةِ .
وللهِتعالى رَوْحٌ يأتي عند اليأسِ منهُ ، يُصيبُ به منْ يشاءُ من خلقِهِ ،وإليهِ الرغبةُ في تقريبِ الفرجِ ، وتسهيلِ الأمرِ ، والرجوعِ إلى أفضلِما تطاول إليه السُّؤْلُ ، وهو حسبي ونِعْم الوكيلُ .
طالعتُ كتاب ( الفرجُ بعد الشدةِ ) للتنوخيِّ ، وكرَّرتُ قراءته فخرجتُ منه بثلاثِ فوائدَ :
الأولى :أنَّ الفرج بعد الكربِ سنَّةٌ ماضيةٌ وقضيةٌ مُسلَّمةٌ ، كاليحِ بعد الليلِ ، لا شكَّ فيه ولا ريب .
الثانيةُ :أنَّ المكاره مع الغالبِ أجملُ عائدةً ، وأرفعُ فائدةً للعبدِ في دينِهِ ودنياهُ من المحابِّ .
الثالةُ :أنَّجالب النفعِ ودافع الضرِّ حقيقةٌ إنما هو الله جلَّ في علاه ، واعلمْ أنّما أصابك لم يكنْ لِيخطِئك وما أخطأك لمْ يكنْ ليصيبك .
***********************
عشرُ زهراتٍ يقطفُها منْ أراد الحياة الطيبة
1.جلسةٌ في السَّحر للاستغفارِ : ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾.
2.وخلوةٌ للتفكُّرِ : ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾.
3.ومجالسةُ الصالحين : ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم﴾.
4.والذِّكْر : ﴿اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾.
5.وركعتانِ بخشوعٍ : ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾.
6.وتلاوةٌ بتدبُّرٍ : ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾.
7.وصيامُ يومٍ شديدِ الحرِّ : (( يدع طعامه وشرابه وشهواته منْ أجلي )) .
8.وصدقةٌ في خفاءٍ : (( حتى لا تعلم شمالهُ ما تنفقُ يمينُه )) .
9.وكشْفُ كربةٍ عنْ مسلمٍ : (( منْ فرَّج عنْ مسلمِ كربةً منْ كُربِ الدنيا فرَّج اللهُ عنه كربةً منْ كربِ يومِ القيامةِ )) .
10.وزهْدٌ في الفانيةِ : ﴿وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾.
تلك عشرةٌ كاملةٌ .
منْشقاءِ ابنِ نوحٍ قولُه : ﴿سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء﴾. ولو أوى إلى ربِّ الأرضِ والسماءِ لكان أجلَّ وأعزَّ وأمنع .
ومن شقاءِ النمرودِ قولهُ : أنا أُحيي وأُميتُ . فتقمَّص ثوباً ليس له ، واغتصب صفةً لا تحلُّ له ، فُبِهِت وخسأ وخاب .
﴿فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى﴾.
مفتاحُالسعادةِ كلمةٌ ، وميراثُ الملَّةِ عبارةٌ ، ورايةُ الفلاحِ جملةٌ ،فالكلمةُ والعبارةُ والجملةُ هي : لا إله إلا اللهُ . محمدٌ رسولُ اللهِ r .
سعادةُ منْ نطقها في الأرضِ : أن يُقال لهُ في السماءِ : صدقْتَ : ﴿وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ﴾.
وسعادةُ منْ عمل بها : أنْ ينجو من الدمارِ والشَّنارِ والعارِ والنارِ : ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ﴾.
وسعادةُ منْ دعا إليها : أنْ يٌعان ويُنْصَرَ ويُشْكَرَ : ﴿وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾.
وسعادةُ منْ أحبَّها : أنْ يُرفع ويُكرَمَ ويُعزَّ : ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾.
هتف بها بلالٌ الرقيقُ فأصبح حرّاً : ﴿يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ﴾.
وتلعثم في نطقهاِ أبو لهبٍ الهاشميُّ ، فمات عبداً ذليلاً حقيراً : ﴿وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ﴾.
إنهاالإكسيِرُ الذي يحولِّ الركام البشريَّ الفاني إلى قممٍ لإيمانيةٍ ربانيةٍطاهرةٍ : ﴿وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْعِبَادِنَا﴾.
لا تفرحْ بالدنيا إذا أعرضْت عنِ الآخرةِ ، فإنَّالعذاب الواصب في طريقِك ، والغلَّ والنَّكالُ ينتظرُك : ﴿مَا أَغْنَىعَنِّي مَالِيهْ{28} هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ﴾. ﴿إِنَّ رَبَّكَلَبِالْمِرْصَادِ﴾.
ولا تفرحْ بالولدِ إذا أعرضت عن الواحدِ الصمدِ ،فإنَّ الإعراض عنه كلُّ الخذلانِ ، وغايةُ الخسرانِ ، ونهايةُ الهوانِ : ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ﴾.
ولا تفرحْبالأموالِ إذا أسأت الأعمال ، فإنَّ إساءة العمل محقٌ للخاتمةِ وتبابٌ فيالمصيرِ ، ولعنةٌ في الآخرةِ : ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى﴾﴿وَمَاأَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَازُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً﴾

فسحة أمل 1 - 4 - 2010 10:44 PM

وقـفــةٌ

(( يا حيُّ يا قيومُ برحمتِك أستغيثُ )) : في رفع هذا الدعاءِ مناسبةٌ بديعةٌ ، فإنَّ صفة الحياةِ متضمِّنةً لجميعصفاتِ الكمالِ ، مستلزمةٌ لها ، وصفةُ القيَّوميةُ متضمِّنةٌ لجميعِ صفاتِالأفعالِ ، ولهذا كان اسمُ اللهِ الأعظمُ الذي إذا دُعِيَ به أجاب ، وإذاسُئل به أعطى : هو اسمُ الحيُّ القيومُ . والحياةُ التامَّة تضادُّ جميعالأسقامِ والآلام ؛ ولهذا لما كمُلتْ حياةُ أهلِ الجنةِ ، لمْ يلحقْهُمْهمُّ ولا غمٌّ ولا حَزَنٌ ولا شيءٌ من الآفاتِ . ونقصانُ الحياةِ تضرُّبالأفعالِ ، وتنافي القيومية ، فكمالُ القيوميةِ لكمالِ الحياةِ ، فالحيُّالمطلقُ التامُّ الحياةِ لا تفوتُه صفةُ الكمالِ ألبتة ، والقيومُ لايتعذَّرُ عليه فعْل ممكن ألبتة ، فالتوسلُ بصفةِ الحياةِ والقوميةِ لهتأثيرٌ في إزالةِ ما يُضادُّ الحياةَ ويضرُّ بالأفعالِ .
قال الشاعرُ :
لعمْرُك ماالمكروهُ منْ حيث تتَّقي
وتخشى ولاالمحبوبُ من حيثُ تَطْمَعُ
وأكثرُ خوفِالناسِ ليس بكائنِ
فما درْكُ الهمِّالذي ليس ينفعُ
*******************
اعتنِ بالظاهرِ والباطنِ

صفاءُالنفسِ بصفاءِ الثوبِ ، وهنا أمرٌ لطيفٌ وشيءٌ شريف ، وهو أنَّ بعضالحكماءِ يقولُ : منِ اتسخ ثوبُه ، تكدَّرتْ نفسُه . وهذا أمرٌ ظاهرٌ .
وكثيرٌمنالناسِ يأتيهِ الكَدَرُ بسببِ اتساخ ثوْبِهِ ، أو تغيُّرِ هِندامِهِ ،أو عدمِ ترتيبِ مكتبتِهِ ، أو اختلاطِ الأوراقِ عنده ، أو اضطرابِمواعيدِه وبرنامِجِه اليوميِّ ، والكونُ بُني على النظامِ ، فمنْ عَرَفَحقيقة هذا الدِّينِ ، علم أنه جاء لتنظيمِ حياةِ العبدِ ، قليلِهاوكثيرِها ، صغيرِها وجليلِها ، وكلُّ شيءٍ عنده بحُسْبانٍ ﴿ مَّافَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ﴾. وفي حديثٍ عند الترمذيِّ : (( إنَّالله نظيفٌ يحبُّ النظافة )) .
وعند مسلمٍ في الصحيحِ : (( إنَّ الله جميلٌ يحبُّ الجمال )) .
وفي حديثٍ حسنٍ : (( تجمَّلُوا حتى تكونوا كأنكمْ شامةٌ في عيونِ الناسِ )).
يمشون في الحُللِ المضاعفِ نسْجُها
مشي الجمالِ إلى الجِمالِ البُزَّلِ
زأولُالجمالِ : الاهتمامُ بالغسلِ . وعند البخاري : (( حقٌّ على المسلمِ أنْيغتسل في كلِّ سبعةِ أيامٍ يوماً ، يغسلُ فيه رأسه وجسمهُ )) .
هذاعلى أقلِّ تقديرٍ . وكان بعضُ الصالحين يغتسلُ كلَّ يومٍ مرةً كعثمان بنِعفان فيما ورد عنهُ ، ﴿هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾.
ومنهاخصالُ الفطرةِ : كإعفاءِ اللحيِة وقصِّ الشاربِ ، وتقليمِ الأظافرِ ،وأخذِ الشعرِ الزائدِ من الجسمِ ، والسواكِ ، والطِّيبِ ، وتخليلِالأسنانِ ، وتنظيفِ الملابسِ ، والاعتناءِ بالمظهرِ ، فإنَّ هذا ممايوسِّعُ الصدر ويفسحُ الخاطر . ومنها لُبسُ البياضِ ، (( البسوا البياض ، وكفِّنوا فيه موتاكمْ)).
رقاقُ النعالِ طيّباً حُجُزاتُهم
يُحيّون بالرَّيْحانِ يوم السباسِبِ
وقد عقد البخاريُّ باب : لبسِ البياضِ : (( إنَّ الملائكة تنزلُ بثيابٍ بيضٍ عليهمْ عمائمُ بِيضٌ )) .
ومنهاترتيبُ المواعيدِ في دفترٍ صغيرٍ ، وتنظيمُ الوقتِ ، فوقتٌ للقراءةِ ،ووقتٌ للعبادةِ ، ووقتٌ للمطالعةِ ، ووقتٌ للراحة ، ﴿لِكُلِّ أَجَلٍكِتَابٌ﴾، ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَانُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ﴾ .
فيمكتبةِ الكونجرسِ لوحةٌ مكتوبٌ عليها : الكونُ بُني على النظامِ . وهذاصحيحٌ ، ففي الشرائعِ السماويةِ الدعوةُ إلى التنظيمِ والتنسيقِ والترتيبِ، وأخبر – سبحانه وتعالى – أنَّ الكون ليس لهْواً ولا عبثاً ، وأنه بقضاءٍوقدرٍ ، وأنه بترتيب وبحُسبانٍ : ﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ﴾ . ﴿لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُسَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾. ﴿وَالْقَمَرَقَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾. ﴿وَجَعَلْنَااللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِوَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّنرَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّشَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً﴾.﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً﴾ . ﴿وَمَاخَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ{16} لَوْأَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِنكُنَّا فَاعِلِينَ﴾ .
﴿ وَقُلِ اعْمَلُواْ ﴾:
كانحكماءُ اليونانِ إذا أرادُوا معالجة المصابِ بالأوهامِ والقلق والأمراضِالنفسيةِ : يجبرونهُ على العملِ في الفلاحة والبساتين ، فما يمرُّ وقتٌقصير إلا وقد عادت إليه عافيته وطمأنينته ، ﴿ فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا﴾، ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ﴾ .
إنَّأهل الأعمالِ اليدويِة همْ أكثُر الناسِ راحةً وسعادةً وبسْطة بالٍ،وانظرْ إلى هؤلاءِ العمَّالِ كيف يملكون منْ البالِ وقوةِالأجسامِ ،بسببِ حركتِهمْ ونشاطِهمْ ومزاولاتِهمْ ، ((وأعوذُ بك من العجْزِ والكسلِ )) .
*******************
أسبابُ انشرحِ الصَّدْرِ

أهمُّها : التوحيدُ :فإنهُ بِحسبِ صفائِهِ ونقائِه يوسعُ الصدرَ ، حتى يكون أوسع من الدنيا وما فيها .
ولا حياة لمُشركٍ وملحِدٍ ، يقولُ سبحانه وتعالى : ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾. وقال سبحانه : ﴿فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ. وقال سبحانه :﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ﴾ .
وتوعَّد اللهُ أعداءه بضيقِ الصَّدرِ والرهبةِ والخوفِ والقلقِ والاضطرابِ ،﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً﴾،﴿فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ﴾ ، ﴿فَمَنيُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَنيُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَايَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء﴾ .
وممايشرحُ الصَّدْرَ : العلمُ النافعُ ، فالعلماءُ أشرحُ الناسِ صدوراً ،وأكثرُهم حُبوراً ، وأعظمُهمْ سروراً ، لما عندهمْ من الميراثِ المحمديِّالنبويِّ : ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ،﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾.
ومنها : العملُ الصالحُ : فإنَّ للحسنةِ نوراً في القلبِ ، وضياءً في الوجهِ ، وسَعَةَ في الرزقِ ، ومحبةً في قلوبِ الخلْقِ ،﴿لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً﴾ .
ومنها : الشجاعةُ :فالشجاعُ واسعُ البطانِ ، ثابتُ الجَنَانِ ، قويُّ الأركانِ ، لأنه يؤولُعلى الرحمنِ ، فلا تهمُّه الحوادثُ ، ولا تهزُّهُ الأراجيفُ. ولاتزعزِعُهُ التوجساتُ .
تردَّى ثبات الموتِ حُمْراً فما أتى
لها الليلُ إلا وهي مِنْ سندسٍ خُضْرُ
وما مات حتى مات مضرِبُ سيفِهِ
مِن الضربِ واعتلتْ عليه القنا السّمْرُ

ومنها : اجتنابُ المعاصي :فإنها كدرٌ حاضرٌ ، ووحشةٌ جاثمةٌ ، وظلامٌ قاتمٌ .
رأيتُ الذنوب تُميتُ القلوب
وقدْ يُورثُ الذُّلَّ إدمانُها
ومنها : اجتنابُ كثرةِ المباحاتِ :من الكلامِ والطعامِ والمنام والخلطةِ ،﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ،﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾،﴿وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ﴾ .
*************
أجمعُوا على ثلاثةٍ

طالعتُالكتب التي تعتني بمسألةِ القلقِ والاضطرابِ ، سواءٌ كانتْ لسلفِنا منمحدِّثين وأدباء ومربِّين ومؤرِّخين أو لغيرِهمْ مع النشراتِ والكتبِالشرقيةِ والغربيةِ والمترجمةِ ، والدورياتِ والمجلاَّتِ ، فوجدتُ الجميعمجمعين على ثلاثةِ أسسِ لمنْ أراد الشفاء والعافية وانشراح الصدرِ ، وهي :
الأولُ :الاتصالُ باللهِ عزَّ وجلَّ ، وعبوديتُه ، وطاعتُه واللجوءُ إليه ، وهي مسألةُ الإيمانِ الكبرى ،﴿فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ .
الثاني :إغلاقُ ملفِّ الماضي ، بمآسيهِ ودموعِه ، وأحزانِه ومصائِبِه ، وآلامِه وهمومِه ، والبدءِ بحياةٍ جديدةٍ مع يومٍ جديدٍ .
الثالثُ :ترْكُ المستقبلِ الغائبِ ، وعدمُ الاشتغالِ بهِ والانهماكُ فيهِ ، وتركُالتوقعاتِ والانتظاراتِ والتوجُّساتِ ، وإنِّما العيشُ في حدودِ اليومِفَحَسْبُ .
قال عليٌّ : إيَّاكمْ وطول الأملِ ، فإنَّه يُنْسِي ،﴿وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ﴾.
إيَّاك وتصديق الأراجيفِ والشائعاتِ ، فإنَّ الله قال عنْ أعدائِه : ﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ﴾.
وعرفتُأناساً منْ سنواتٍ عديدةٍ ، وهمْ ينتظرون أموراً ومصائب وحوادث وكوارث لمْتقعْ ، ولا يزالون يُخوِّفون أنفسهم وغيرهم منها، فسبحان الله ما أنكدُعَيْشَهمْ !! ومَثَلُ هؤلاءِ كالسجينِ المعذَّبِ عند الصينيين ، فإنهمْيجعلونه تحت أنبوبٍ يقطُرُ على رأسِهِ قطرةً من الماءِ في الدقيقةِالواحدةِ ، فيبقى هذا السجينُ ينتظرُ كلَّ قطرةٍ ثمَّ يصيبُه الجنونُ ،ويفقدُ عقله . وقدْ وصف اللهُ أهل النارِ فقال : ﴿لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا﴾،﴿لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى﴾،﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا﴾

فسحة أمل 1 - 4 - 2010 10:48 PM

احْذرِ العِشق

إياكوعِشْق الصُّورِ ، فإنَّها همٌّ حاضِر ، وكَدَرٌ مستمرٌّ . منْ سعادةِالمسلمِ يُعدُه عنْ تأوُّهاتِ الشعراءِ وولهِهِم وعشقِهم ، وشكواهُمالهجْر والوصْل والفراق ، فإنَّ هذا منْ فراغ القلبِ﴿أَفَرَأَيْتَمَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍوَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً﴾.
وأنا الذي جَلَبَ المنيَّة طَرْفُهُ
فمنِ المُطالبُ والقتيلُ القاتِلُ
والمعنى : إنني أستحقُّ وأستأهلُ ما ذُقتُ من الألمِ والحسرةِ ؛ لأنني المتسبِّبُ الأعظمُ فيما جرى لي .
وآخرُ أندلسٌّ يتباهى بكثرةِ هيامِه وعشقِه وولهِهِ ، فيقولُ :
شكا ألم الفِراقِ النَّاسُ قبْلي
ورُوِّع بالجوى حيٌّ وميْت
وأمّا مِثْلما ضمَّتْ ضلوعي
فإنِّي ما سمعتُ ولا رأيْتُ

ولوضمَّ بين ضلوعهِ التقوى والذْكر وروحانيّةً وربّانيّةً ، لَوَصَلَ إلىالحقِّ ، ولَعَرَ الدليل ، ولأبصر الرُّشد ، ولَسَلَك الجادَّة : ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ﴾،﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ .
إنَّ ابن القيِّمِ عالج هذهِ المسألة علاجاً شافياً كافياً في كتابِهِ (الداءُ والدواءُ) فليُرْجَعْ إليهِ.
إن للعشق أسباباً منها :
1.فراغُ منْ حُبِّه سبحانه وتعالى وذكْرِهِ وشُكرِه وعبادتِهِ .
2.إطلاقُ البصرِ ، فإنهُ رائدٌ يجلبُ على القلبِ أحزاناً وهموماً : ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾،((النظرةُ سهمٌ منْ سهامِ إبليس)).
وأنت متى أرسلت طرْفك رائداً
إلى كلِّ عينٍ أتعبتْكَ المناظِرُ
رأيت الذي لا كُلُّه أنت قادرٌ
عليه ولا عنْ بعضِهِ أنت صابِرُ
3.التقصيرُ في العبوديَّةِ ، والتقصيرُ في الذِّكْرِ والدُّعاءِ والنوافلِ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾ .
أمَّ دواءُ العِشْقِ ، فمنْهُ :
﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾.
1.الانطراحُ على عتباتِ العبوديِّةِ ، وسؤالُ المولى الشِّفاء والعافية .
2.وغضُّ البصرِ وحفْظُ الفرْجِ﴿وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾،﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾.
3.وهجْرُ ديارِ منْ تعلَّق بهِ القلبُ ، وتركُ بيتهِ وموطنِهِ وذكْرِهِ.
4.والاشتغالُ بالأعمالِ الصالحةِ : ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً.
5.والزَّواجُ الشَّرْعيُّ﴿فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء﴾،﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ ،(( يا معشر الشبابِ ، منِ استطاع منكمُ الباءة فليتزوَّجْ )) .
*******************
الأفعالُ الجميلةُ طريقُ السعادةِ

رأيتُ في أوّلِ ديوانِ حاتمٍ الطّائيِّ كلمةً جميلةً لهُ ، يقولُ فيها : إذا كان تركُ الشَّرِّ يكفيك ، فدَعْهُ.
ومعناهُ : إذا كان يسع السُّكوتُ عنِ الشَّرِّ واجتنابُه ، فحسبُه بذلك ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ ، ﴿وَدَعْ أَذَاهُمْ ﴾ .
محبَّةُ للناسِ موهبةٌ ربَّانيَّةٌ ، وعطاءٌ مباركٌ من الفتَّاحِ العليمِ .
يقولابنُ عباسٍ متحدِّثاً بنعمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ : فيَّ ثلاثُ خصالٍ : مانزل غيثٌ بأرضٍ ، إلاَّ حمدتُ الله وسُررتُ بذلك ، وليس لي فيها شاةٌ ولابعيرٌ . ولا سمعتُ بقاضٍ عادلٍ ، إلاَّ دعوتُ الله له ، وليس عنده ليقضيَّةٌ . ولا عَرَفتُ آيةً منْ كتابِ اللهِ ، إلاَّ ودِدتُ أنَّ الناسيعرفون منها ما أعرفُ .
إنه حُبُّ الخيرِ للناسِ ، وإشاعةُ الفضيلةِ بينهمْ وسلامةُ الصَّدرِ لهمْ ، والنَّصْحُ كلُّ النصحِ للخليقةِ .
يقولُ الشاعرُ :
فلا نزلتْ علىَّولا بأرضي
سحائِبُ ليستنْتَظِمُ البلادا
المعنى : إذا لم تكنِ الغمامةُ عامَّةً ، والغيْثُ عامّاً في الناسٍ ، فلاأريدُها أنْ تكون خاصَّةً بي، فلستُ أنانيّاً ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَوَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُمِن فَضْلِهِ﴾
ألا يُشجيك قوْلُ حاتمٍ ، وهو يتحدَّثُ عنْ رُوحِه الفيَّاضةِ ، وعن خلقِهِ الجمِّ :

أما والذي لايعلمُ الغيب غيرُهُ
ويُحْيي العِظامالبيض وهْي رميمُ
لقدْ كنتُ أطوِيالبطن والزَّادُ يُشتهى
مخافة يومٍ أنيُقالَ لئيمُ
***********
اكتبْ تأريخك بَنفْسِك

كنتُجالساً في الحرَمِ في شدَّةِ الحرّ ، قبل صلاةِ الظهرِ بساعةٍ ، فقام رجلٌشيخٌ كبيرٌ ، وأخذ يُباشِرُ على الناسِ بالماءِ الباردِ ، فيأخذُ بيدهِاليُمنى كوباً ، وفي اليُسرى كوباً ، ويسقيهمُ منْ ماءِ زمزم ، فكلَّماشرب شاربٌ ، عاد فأسقى جارهُ ، حتى أسقى فِئاماً من الناسِ ، وعَرَقُهيتصبَّبُ ، والناسُ جلوسٌ كلٌّ ينتظرُ دوره ليشرب منْ يدِ هذه الشيخِالكبيرِ ، فعجبتُ منْ جلدِهِ ومنْ صبرِهِ ومنْ حبِّه للخيرِ ، ومن إعطائِههذا الماءَ للناسِ وهو يتبسَّمُ ، وعلمتُ أنَّ الخير يسيرٌ على منْ يسرَّهاللهُ عليه ، وأنَّ فِعْلَ الجميِل سَهْلٌ على منْ سهَّلهُ اللهُ عليه ،وأنَّ للهِ ادِّخاراتٍ من الإحسانِ ، يمنحُها منْ يشاءُ منْ عبادهِ ،وأنَّ اللهُ يُجري الفضائل ولو كانتْ قليلةً على يدِ أناسٍ خيرِّين ،يحبُّون الخيْر لعبادِ اللهِ ، ويكرهون الشَّرَّ لهم .
أبو بكر يعرِّضُ نفسه للخطرِ في الهجرةِ ، حمايةً للرسولِ.
وحاتمُ ينامُ جائعاً ، ليشبع ضيوفه .
وأبو عبيدة يسهرُ على راحةِ جيشِ المسلمين .
وعمرُ يطوفُ المدينة والناسُ نيامٌ .
ويتلوى من الجوعِ عام الرَّمادة ، ليُطعم الناس .
وأبو طلحة يتلقى السهام في أُحُدٍ ، ليقي رسول اللهِ.
وابنُ المباركِ يُباشِرُ على الناسِ بالطعامِ وهو صائمٌ .
ذهبوا يرون الذكرعمراً ثانيا
ومضوا يعدُّونالثناء خلودا
﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً﴾.
****************
اكتسابُ الفضائل أكاليلٌ على هامِ الحياةِ السعيدةِ

مطلوبٌ من العبدِ لكيْ يكسب السعادة والأمن والراحة ، أن يُبادر إلى الفضائل ، وأنْ يُسارع إلى الصفاتِ الحميدةِ والأفعالِ الجميلةِ(( احرصْ على ما ينفعُك واستعِنْ باللهِ )) .
أحدُ الصحابةِ يسألُ الرسول r مرافقَتَهُ في الجنةِ فيقول : (( أعِنِّي على نفسِك بكثْرةِ السجودِ ، فإنَّك لا تسجُدُ للهِ سجدةً ، إلاَّ رَفَعَك بها درجة )) . والآخرُ يسألُ عنْ بابٍ جامعٍ من الخيرِ ، فيقولُ له : (( لا يزالُ لسانُك رطباُ من ذكر اللهِ )) . وثالثٌ يسألُ فيقولُ له : (( لا تسُبَّنَّ أحداً ، ولا تضرِبنَّ بيدِك أحداً ، وإنْ أحدٌ سبَّك بمايعلمُ فيك فلا تسُبَّنَّه بما تعلمُ فيه ، ولا تحقِرنَّ من المعروفِ شيئاً، ولو أنْ تُفْرِغ منْ دَلْوِك في إناءِ المستقي )) .
إنَّ الأمر يقتضي المبادَرَةَ والمُسارعة : (( بادرِوا بالأعمالِ فتناً )) ،(( اغتنِمْ خمساً قبل خمسٍ ))،﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ﴾،﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾،﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴾.
لا تُهمِلْ في فِعْلِ الخَيْرِ ، ولا تنتظرْ في عملِ البِرِّ ، ولا تُسوِّفْ في طَلَبِ الفضائلِ :
دقَّاتُ قلبِ المرءِ قائلةٌ له
إنَّ الحياة دقائقٌ وثوانِ
﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾.
عمرُ بنُ الخطابِ بعد أنْ طُعِن وثَجَّ دمُه ، يرى شابّاً يجرُّ إزاره ، فقال له عمرُ : (( يا ابن أخي ، ارْفَعْ إزارك ، فإنهُ أتقى لربِّك ، وأنْقى لثوبك )) . وهذا أمرٌ بالمعروفِ في سكراتِ الموتِ﴿لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ﴾.
إنَّ السعادة لا تحصلُ بالنومِ الطويلِ ، والخلودِ إلى الدَّعةِ ، وهَجْرِ المعالي ، واطِّراحِ الفضائلِ . ﴿وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾ .
إنَّ منطق أصحابِ الهممِ الدَّنيَّةِ والنفوسِ الهابطةِ يقولُ : ﴿لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ﴾ ، ﴿لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ﴾ .
وقد نهي العبدُ بالوحي عن التَّأخرِ عنْ فِعلِ الخيرِ : ﴿مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ﴾،﴿وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ﴾،﴿وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ﴾،﴿أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ﴾،﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ﴾،﴿وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ﴾،﴿وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى﴾،(( اللَّهمَّ إني أعوذُ بك من الكسلِ )) ، (( والكيُسُ منْ دان نفْسه وعمِللما بعد الموتِ ، والعاجزُ منْ أتْبَعَ نَفْسَه هواها ، وتمنَّى على اللهِالأماني )) .
***********************
ثمنُك إيمانُك وخُلُقُك
مرَّ هذا الرجلُ الفقيرُالمعدومُ ، وعليهِ أسمالٌ باليةٌ وثيابٌ رثَّة ، جائع البطْن ، حافيالقدمِ ، مغمور النَّسبِ ، لا جاهٌ ولا مالٌ ولا عشيرةٌ ، ليس له بيتٌيأوي إليهِ ، ولا أثاث ولا متاع ، يشربُ من الحياضِ العامَّةِ بكفَّيْه معالواردين ، وينامُ في المسجدِ ، مخدَّتُه ذراعُه ، وفراشُه البطحاءُ ،لكنَّه صاحبُ ذِكرٍ لربِّه وتلاوةٍ لكتابِ مولاهُ لا يغيبُ عنِ الصَّفِّالأولِ في الصلاةِ والقتالِ ، مرَّ ذات يومٍ برسولِ اللهِ r فناداهُ باسمِهِ وصاح به : (( يا جُليْبيبُ ألا تتزوَّجُ ؟ )) . قال : يا رسول اللهِ ، ومنْ يُزوِّجُني ؟ ولا مالٌ ولا جاهٌ ؟ ثمَّ مرَّبه أخرى ، فقال له مثْل قولهِ الأولِ ، وأجاب بنفسِ الجواب، ومرَّ ثالثةً، فأعاد عليه السؤال وأعاد هو الجواب ، فقال : (( يا جليبيبُ ، انطلِقْ إلى بيتِ فلانٍ الأنصاريِّ وقُلْ له : رسولُ اللهِيقرئُك السلام ، ويطلبُ منك أن تُزوِّجني بِنْتك )) .
وهذا الأنصاريَّ منْ بيتٍ شريفٍ وأسرةٍ موقرةٍ ، فانطلق جليبيبٌ إلى هذا الأنصاريِّ وطرق عليه الباب وأخبره بما أمره به رسولُ اللهِ r فقال الأنصاريُّ : على رسول الله r السلامُ ، وكيف أُزوِّجك بنتي يا جليبيبُ ولا مالٌ ولا جاهٌ ؟ وتسمعُزوجتُه الخَبَرَ فتعجبُ وتتساءلُ : جليبيبٌ ! لا مالٌ ولا جاهٌ ؟ فتسمُعالبنتُ المؤمنةُ كلام جليبيبٍ ورسالة الرسولِفتقول لأبويها : أترُدَّانِ طلب رسولِ اللهِ r ، لا والذي نفسي بيدِهِ .
وحصل الزواج المباركوالذُّرِّيَّةُ المباركةُ والبيتُ العامرُ ، المؤسَّسُ على تقوى من اللهِورضوانٍ ، ونادى منادي الجهادِ ، وحضر جليبيبُ المعركة ، وقتل بيده سبعةًمن الكفارِ ، ثم قُتل في سبيلِ اللهِ ، وتوسد الثرى راضياً عنْ ربِّه وعنْرسولِه r وعنْ مبدئِه الذي مات منْ أجلِهِ ، ويتفقَّدُ الرسولُ r القتلى ، فيُخبرُه الناسُ بأسمائِهم ، وينسون جليبيباً في غمرةِ الحديث ، لأنهُ ليس لامعاً ولا مشهوراً ، ولكنّ الرسول r يذكُرُ جليبيباً ولا ينساهُ ، ويحفظُ اسمه في الزحامِ ولا يُغفله ، ويقولُ : (( لكنَّني أفقِدُ جليبيباً )) .
ويجده وقد تدثَّر بالتراب ، فينفضُ التراب عن وجهه ويقولُ له : (( قَتَلْتَ سبعة ثم قُتِلْت ؟ أنت مني وأنا منك ، أنت مني وأنا منك ، أنت مني وأنا منك )) . ويكفي هذا الوسام النبويُّ جليبيباً عطاءً ومكافأةً وجائزةً .
إنَّ ثمنَ جليبيبٍ ، إيمانُه وحبُّ رسولِ اللهِ r له ، ورسالتُه التي مات من أجلِها . إنَّ فقره وعدمَه وضآلةُ أسرتِه لمتُؤخِّرْه عنْ هذا الشرفِ العظيمِ والمكسب الضخمِ ، لقدْ حاز الشهادةوالرِّضا والقبُول والسعادة في الدنيا والآخرة : ﴿فَرِحِينَبِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْيَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْيَحْزَنُونَ﴾ .
إنَّ قيمتك في معانيك الجليلةِ وصفاتِك النبيلةِ .
إنَّ سعادتك في معرفتِك للأشياءِ واهتماماتِك وسموِّك .
إنَّ الفقرَ والعوز والخمول،ما كان - يوماً من الأيامِ- عائقاً في طريق التَّفوُّقِ والوصولِوالاستعلاءِ . هنيئاً لمنْ عَرَفَ ثمنه فعلاً بنفسِه ، وهنيئاً لمنْ أسعدنفسهُ بتوجيههِ وجهادِه ونُبِله ، وهنيئاً لمنْ أحْسنَ مرَّتيْن ، وسعد فيالحياتينِ ، وأفلح في الكرتيْنِ ، الدُّنيا والآخرةِ .

صائد الأفكار 1 - 4 - 2010 11:31 PM


أبو جمال 17 - 4 - 2010 01:37 PM

بارك الله فيك وأثابك ونفع بك
جزاك اله خير جزاء

ميارى 10 - 5 - 2010 10:43 PM

فسحة أمل, اخيار مميز يفتح لكل قارئ أبوابا للأمل بالتأكيد ونحن في أمس الحاجة لذلك حيث أصبح الحزن غمامة تغطي على القلوب وتأثر على بصيرتنا لتمنعها من التمتع بنور الإيمان وحلاوته والشكر موصول بالطبع لعائض القرني على كتاباته المميزة فعلا, جازاك الله من الخير أفضله وأكثره وأسعدك في الدارين

بن زيدون 3 - 5 - 2011 05:55 PM

لاتحزن للشيخ عائض القرني
 

المقدمة

الحمدُ لله ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله ِ ، وعلى آله وصحبهِ وبعدُ :
فهذا الكتاب ( لا تحزن ) ، عسى أن تسعد بقراءتهِ والاستفادةِ منه ، ولك قبل أن تقرأ هذا الكتابٍ أن تحاكمه إلى المنطقِ السليمِ والعقلِ الصحيحِ ، وفوق هذا وذاك النقْل المعصوم .
كن سعيداً
- الإيمان والعمل الصالح هما سر حياتك الطيبة ، فاحرص عليهما .
- اطلب العلم والمعرفة ، وعليك بالقراءة فإنها تذهب الهم .
- جدد التوبة واهجر المعاصي ؛ لأنها تنغص عليك الحياة .
- عليك بقراءة القرآن متدبراً ،وأكثر من ذكر الله دائماً .
- أحسن إلى الناس بأنواع الإحسان ينشرح صدرك .
- كن شجاعاً لا وجلاً خائفاً ، فالشجاع منشرح الصدر .
- طهر قلبك من الحسد والحقد والدغل والغش وكل مرض .
- اترك فضول النظر والكلام والاستماع والمخالطة والأكل والنوم .
- انهمك في عمل مثمر تنسَ همومك وأحزانك .
- عش في حدود يومك وانس الماضي والمستقبل .
- انظر إلى من هو دونك في الصورة والرزق والعافية ونحوها .
- قدِّر أسوأ الاحتمال ثم تعامل معه لو وقع .
- لا تطاوع ذهنك في الذهاب وراء الخيالات المخيفة والأفكار السيئة .
- لا تغضب ، واصبر واكظم واحلم وسامح ؛ فالعمر قصير .
- لا تتوقع زوال النعم وحلول النقم ، بل على الله توكل .
- أعطِ المشكلة حجمها الطبيعي ولا تضخم الحوادث .
- تخلص من عقدة المؤامرة وانتظار المكاره .
- بسِّط الحياة واهجر الترف ، ففضول العيش شغل ، ورفاهية الجسم عذاب للروح .
- قارن بين النعم التي عندك والمصائب التي حلت بك لتجد الأرباح أعظم من الخسائر .
- الأقوال السيئة التي قيلت فيك لن تضرك ، بل تضر صاحبها فلا تفكر فيها .
- صحح تفكيرك ، ففكر في النعم والنجاح والفضيلة .
- لا تنتظر شكراً من أحد ، فليس لك على أحد حق ، وافعل الإحسان لوجه الله فحسب .
- حدد مشروعاً نافعاً لك ، وفكر فيه وتشاغل به لتنسى همومك .
- احسم عملك في الحال ولا تؤخر عمل اليوم إلى غد .
- تعلم العمل النافع الذي يناسبك ، واعمل العمل المفيد الذي ترتاح إليه .
- فكر في نعم الله عليك ، وتحدث بها واشكر الله عليها .
- اقنع بما آتاك الله من صحة ومال وأهل وعمل .
- تعامل مع القريب والبعيد برؤية المحاسن وغض الطرف عن المعائب .
- تغافل عن الزلات والشائعات وتتبع السقطات وأخبار الناس .
- عليك بالمشي والرياضة والاهتمام بصحتك ؛ فالعقل السليم في الجسم السليم .
- ادع الله دائماً بالعفو والعافية وصالح الحال والسلامة .
*****************************
فكر واشكر

المعنى : أن تذكر نِعم اللهِ عليك فإذا هي تغْمُرُك منْ فوقِك ومن تحتِ قدميْك ﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا صِحَّةٌ في بدنٍ ، أمنٌ في وطن ، غذاءٌ وكساءٌ ، وهواءٌ وماءٌ ، لديك الدنيا وأنت ما تشعرُ ، تملكُ الحياةً وأنت لا تعلمُ ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً عندك عينان ، ولسانٌ وشفتانِ ، ويدانِ ورجلانِ ﴿ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ هلْ هي مسألةٌ سهلةٌ أنْ تمشي على قدميْك ، وقد بُتِرتْ أقدامٌ؟! وأنْ تعتمِد على ساقيْك ، وقد قُطِعتْ سوقٌ؟! أحقيقٌ أن تنام ملء عينيك وقدْ أطار الألمُ نوم الكثيرِ؟! وأنْ تملأ معدتك من الطعامِ الشهيِّ وأن تكرع من الماءِ الباردِ وهناك من عُكِّر عليه الطعامُ ، ونُغِّص عليه الشَّرابُ بأمراضٍ وأسْقامٍ ؟! تفكَّر في سمْعِك وقدْ عُوفيت من الصَّمم ، وتأملْ في نظرِك وقدْ سلمت من العمى ، وانظر إلى جِلْدِك وقد نجوْت من البرصِ والجُذامِ ، والمحْ عقلك وقدْ أنعم عليك بحضورهِ ولم تُفجعْ بالجنونِ والذهولِ .
أتريدُ في بصرِك وحدهُ كجبلِ أُحُدٍ ذهباً ؟! أتحبُّ بيع سمعِك وزن ثهلان فضةَّ ؟! هل تشتري قصور الزهراءِ بلسانِك فتكون أبكم؟! هلْ تقايضُ بيديك مقابل عقودِ اللؤلؤ والياقوتِ لتكون أقطع؟! إنك في نِعمٍ عميمةٍ وأفضالٍ جسيمةٍ ، ولكنك لا تدريْ ، تعيشُ مهموماً مغموماً حزيناً كئيباً ، وعندك الخبزُ الدافئُ ، والماءُ الباردُ ، والنومُ الهانئُ ، والعافيةُ الوارفةُ ، تتفكرُ في المفقودِ ولا تشكرُ الموجود، تنزعجُ من خسارةٍ ماليَّةٍ وعندك مفتاحُ السعادة، وقناطيرُ مقنطرةٌ من الخيرِ والمواهبِ والنعمِ والأشياءِ ، فكّرْ واشكرْ ﴿ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَفكّرْ في نفسك ، وأهلِك ، وبيتك ، وعملِك ، وعافيتِك ، وأصدقائِك ، والدنيا من حولِك ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا .
*****************************************
ما مضى فات

تذكُّرُ الماضي والتفاعلُ معه واستحضارُه ، والحزنُ لمآسيه حمقٌ وجنونٌ ، وقتلٌ للإرادةِ وتبديدٌ للحياةِ الحاضرةِ. إن ملفَّ الماضي عند العقلاء يُطْوَى ولا يُرْوى ، يُغْلَقُ عليه أبداً في زنزانةِ النسيانِ ، يُقيَّدُ بحبالٍ قوَّيةٍ في سجنِ الإهمالِ فلا يخرجُ أبداً ، ويُوْصَدُ عليه فلا يرى النورَ ؛ لأنه مضى وانتهى ، لا الحزنُ يعيدُهَ ، ولا الهمُّ يصلحهُ ، ولا الغمَّ يصحِّحُهُ ، لا الكدرُ يحييهِ ، لأنُه عدمٌ ، لا تعشْ في كابوس الماضي وتحت مظلةِ الفائتِ ، أنقذْ نفسك من شبحِ الماضي ، أتريدُ أن ترُدَّ النهر إلى مَصِبِّهِ ، والشمس إلى مطلعِها ، والطفل إلى بطن أمِّهِ ، واللبن إلى الثدي ، والدمعة إلى العينِ ، إنَّ تفاعلك مع الماضي ، وقلقك منهُ واحتراقك بنارهِ ، وانطراحك على أعتابهِ وضعٌ مأساويٌّ رهيبٌ مخيفٌ مفزعٌ .
القراءةُ في دفتر الماضي ضياعٌ للحاضرِ ، وتمزيقٌ للجهدِ ، ونسْفٌ للساعةِ الراهنةِ ، ذكر اللهُ الأمم وما فعلتْ ثم قال : ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ انتهى الأمرُ وقُضِي ، ولا طائل من تشريحِ جثة الزمانِ ، وإعادةِ عجلةِ التاريخ.
إن الذي يعودُ للماضي ، كالذي يطحنُ الطحين وهو مطحونٌ أصلاً ، وكالذي ينشرُ نشارةُ الخشبِ . وقديماً قالوا لمن يبكي على الماضي : لا تخرج الأموات من قبورهم ، وقد ذكر من يتحدثُ على ألسنةِ البهائمِ أنهمْ قالوا للحمارِ : لمَ لا تجترُّ؟ قال : أكرهُ الكذِب.
إن بلاءنا أننا نعْجزُ عن حاضِرنا ونشتغلُ بماضينا ، نهملُ قصورنا الجميلة ، ونندبُ الأطلال البالية ، ولئنِ اجتمعتِ الإنسُ والجنُّ على إعادةِ ما مضى لما استطاعوا ؛ لأن هذا هو المحالُ بعينه .
إن الناس لا ينظرون إلى الوراءِ ولا يلتفتون إلى الخلفِ ؛ لأنَّ الرِّيح تتجهُ إلى الأمامِ والماءُ ينحدرُ إلى الأمامِ ، والقافلةُ تسيرُ إلى الأمامِ ، فلا تخالفْ سُنّة الحياة .
</b></i>

B-happy 3 - 5 - 2011 09:11 PM

بارك الله بك وأثابك الجنة وجعله في ميزان حسناتك

شكرا على الإفادة والطرح


hakimnexen 3 - 5 - 2011 09:29 PM

سلمت يمناك على روعة ما امتعتنا بهِ


والله لا يحرمنا من نور تواجدك ورقي عطائك



يعطيك ألف عافيه



مع أرق تحياتي العطره


الساعة الآن 08:54 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى