منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   القرآن الكريم والأحاديث وسيرة الأنبياء والصحابة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=95)
-   -   التوبة والاستغفار (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=8743)

ميارى 27 - 7 - 2010 07:27 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 11
تقديم علاء بسيوني
التوبة ليست كلمات يقولها الإنسان "استغفر الله" وإنما التوبة حالة يكون الإنسان فيها منيباً إلى الله تعالى دائماً وتوبته تكون عن توبة لأن هذا أفضل. ما علاقة القلب بموضوع التوبة والاستغفار؟ هل التوبة فقط كلام يقال باللسان أم له علاقة بالقلب؟ والقلب ذُكِر في القرآن في مواضع متعددة وصياغات لغوية عديدة وقد ذكرت كلمة القلب بتصريفاته المختلفة في القرآن 98 مرة، وفي كل مرة يتكلم المولى سبحانه وتعالى عن ملمح مهم جداً فكيف نُفعِّل هذه القلوب بحيث تكون لها علاقة بحالة التوبة وحالة الإنابة؟ هذا ما سيتم تناوله في هذا اللقاء.
سؤال: ما دلالة تكرار النداءات في القرآن وبالأخص في سورة الأنفال؟ وقد تكرر كثيراً في سورة الأنفال قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا وهذا يدل على التكليف قال الله تعالىhttp://www.islamiyyat.com/plugins/sy...icon_e_sad.gif يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ﴿20﴾ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴿21﴾ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴿22﴾ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴿23﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴿24﴾ الأنفال) تكرار مستمر ونداء مستمر.
وردنا اتصال حول ما ورد في حلقة 9/5 حول ما ذكرناه في موضوع التولي وعدت إلى الحلقة فوجدت أن الملاحظة في محلها وقد قلنا في بداية شرحنا للآية (ولا تولوا عنه) أن التولي عنه الضمير هنا عائد على الله وعلى المنهج. وهنالك فرق بين التوصيف والتوقيع وبين الواقع والحقيقة وقد وصلنا في الحقيقة أنه لا يجوز التولي عن الله حتى من الكافر وإن بدا للكافر أنه يتولى عن الله سبحانه وتعالى ولكن التولي عن الله مستحيل لأنه (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا 83 آل عمران) وفرّقنا بين إسلام الطواعية وإسلام الكراهية. الآيات في سورة الأنفال تحتاج لشغل في التوصيف والتوقيع. في بداية الآيات (يا أيها الذين آمنوا) النداء يا أيها الذين آمنوا نداء جاء في القرآن حصراً 87 مرة على مدار آيات الكتاب وجاء النداء في سورة الأنفال ست مرات وهذا النداء له واقع وخصوصاً في قول الحق تبارك وتعالى (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) فلو قال يا أيها الناس لا يصح أن يأتي معها استجيبوا لأن الاستجابة لا تكون إلا ممن أعلن الإيمان فلا يجوز أن آمر كافراً أن يستجيب للرسول لأنه كفر وأعلن كفره. فكلمة يا أيها الذين آمنوا تؤخذ بعين الاعتبار بأنها تحبيب لتوقيع النداء كما في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ 183 البقرة) رغم أن الصيام مكتوب على المسلم ولو أنك تدبرت أكثر لوجدت أن الإنسان لكي يكون مسلماً يجب أن يصوم. فهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم "بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إقام الصلاة إيتاء الزكاة حج البيت وصوم رمضان" وهؤلاء الخمسة ليسوا الإسلام ولكن هؤلاء هم الأركان لجعلك مسلماً فلكي تكون مسلماً يجب العمل بالأركان الخمسة لكي تقيم عليهم بناء اسمه الإسلام. فعندما تتدبر الحديث وتتدبر الآيات تجد جزءاً يسقط من مفهومك يجب أن تقف عليه وهو أن الإسلام يكلِّف من دخل فيه بالصيام لأنه ركن من أركان الإسلام وليس الإيمان والرسول r يقولها في منتهى الإبداع "بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إقام الصلاة إيتاء الزكاة حج البيت وصوم رمضان". فمن يدخل في الإسلام يجب عليه أن يقوم بهذه الأركان الخمسة لكي يكون مسلماً فقط، فعندما يناديك الحق تبارك وتعالى وهو يفرض عليك أول تكليف في الإسلام، فلو تخيلنا المجتمع قبل فرض الصيام وينادي المنادي من قِبَل الله تبارك وتعالى محمداً صلى الله عليه وسلم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فهذه مرحلة كأنك تنقل الشخص الذي يريد أن يسلم مع الذي أسلم منذ زمن فإذا بهما الاثنين يتم مناداتهم نداء الإيمان. ففي الوقت الذي نزلت هذه الآية كان هنالك مسلمين ولكن لم يكلّفوا بعد بالصيام، والذي يريد أن يدخل في الإسلام إلى قيام الساعة فالاثنان يتم مناداتهم عندما يأتي رمضان: "يا أيها الذين آمنوا" فهذا تحبيب لحديثي العهد بالإسلام أو لدعوة شخص للإسلام فأنت بأدائك ركناً من أركان الإسلام سوف تنتقل من الإسلام إلى الإيمان وتكون مع المؤمنين.
سؤال: هل من باب الحب النداء للمؤمنين لتذكير بأن لهم خصوصية في العلاقة بين المؤمنين والله تعالى فهل هذا صحيح؟
نعم هو تذكير بهذه العلاقة. فكلمة آمن تعني أعلن وثوقه مما تدبر أو مما اعتقد فقام بالتطبيق فليس هنالك أدل على خوف المرء من الله ووثوقه من الاعتقاد إلا صيامه في يوم شديد الحر ونحن نتعجب ممن لا يصوم بحجج غير منطقية. وآيات الصيام فيها تخفيف غريب للغاية فلكي يجعلك تقتنع وتعتقد وتعلن تطبيقك بوثوقك بما اعتقدت قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) ولم يقل أسلموا، قال(كُتِبَ عَلَيْكُمُ) ولم يقل كتب الله عليكم لأن كلمة الله تحدث في النفس رهبة وهو عز وجل يريدك أن تصوم وأنت محب للصيام وليس خوفاً. ثم بعد ذلك مثل لك (كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي الذين هم ليسوا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فما بالكم بأمة محمد صلى الله عليه وسلم؟! ثم خفف مرة أخرى في قوله (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فالغاية أسمى من أي تعب فأنت بصيامك تنتقل من إسلام إلى إيمان إلى تقوى يبكي عليها العارفون. وهناك من يعكس هذا الأمر ويتعذر بعدم صيامه لرمضان بمرض لا يمنعه من الصيام أو تعب أو طول الفترة - من الفجر إلى المغرب- وكل هذه أعذار واهية لأن الله سبحانه وتعالى يعلم أن أحد هذه الأعذار من باب الاستثناء لجعلها من بين الاستثناءات التي ذكرها المولى عز وجل في كتابه الكريم. وحتى ولو وجدت مشقة عند بعض الناس لاختلاف ظروفهم هذا ليس مبرراً لعدم الصيام. ففي الوقت الذي المولى يقربك عز وجل له بالنداء هنالك من يريد أن يخرج نفسه من هذا الأمر وهذا الفضل وقد نسي أن هذا الأمر وإن طال في الدنيا آخره حساب وبعد الحساب جزاء. فلو تخيلنا أن المنهج ليس بصياغة هذا القرآن وكان عبارة عن افعل ولا تفعل وكانت الأوامر عبارة عن واحد اثنين ثلاثة أربعة..الخ، قد يأتي شخص ما ويقول أنا أخذت الأمر التكليفي لكن لم أفهمه لم أستوعبه أو غير ذلك من أعذار ولكن توقيع آيات القرآن وهي تتكلم في نقطة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) فعندما تكلمنا عن توحيد الضمائر وكلمة عنه كل هذا التدبر لكي عندما تكون في دنياك تقوم بالعمل على يقين غير اليقين الذي اعتقدته. فيقين الاعتقاد شيء ويقين التدبر شيء آخر. مثال ذلك وجود الرسول صلى الله عليه وسلم بين المسلمين وغيابه بعد موته عن المسلمين هذا الأمر يعطيك حالتين حالة إيمان في وجود الرسول صلى الله عليه وسلم وحالة إيمان في عدم وجوده صلى الله عليه وسلم وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الأمر وقال "اشتقت إلى أحبابي فقال الصحابة: أولسنا أحبابك يا رسول الله قال:لا أنتم أصحابي" ثم قال أن أحبابه هم أناس سيأتون بعد الصحابة يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم وهم لم يرونه، صحابته هم الذين صاحبوه وتأثير القرآن والرسول موجود غير تأثيره وهو غير موجود. وفي القرآن نجد هذا في مطلع البقرة (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ 3 البقرة) فكلمة الغيب تتحقق في حق الذي عاش في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فالغيب لديه أربع نقاط وتزيد واحدة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويوم القيامة الجنة درجات وكل يكون في درجته المناسبة لإيمانه في الدنيا (فأما من ثقلت موازينه، وأما من خفت موازينه) وكل شيء له ميزان.
قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ) كلمة عنه: عن حرف جر والهاء ضمير عائد على أمر ما، هناك تعلّق: عنه متعلقة بالتولي فعنه قد يكون عن المنهج الذي أنت تتولى عنه أو عن الله أو عن الرسول والآيات التي تليها وضحت الأمر ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) من الذي يدعو؟ الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو بمنهج الله. الحقيقة أن المنهج لله والتشريع لله والرسول ما عليه إلا البلاغ فالذي يتولى هل يتولى عن الرسول أو عن المنهج أو عن الله ؟ هناك فرق بين الواقع والحقيقة فالذي كفر بالله يعلن كفره بالله فيضع بينه وبين الله ساتراً أو حاجزاً بكفره وهذا تصور خاطئ لأنه في تصوره أنه تولى عن الله وإنما في الحقيقة لا أحد يستطيع أن يتولى عن الله. يستطيع الإنسان أن يتولى عن منهج الله ولكن ليس عن الله بدليل أن المولى عز وجل أمره واقع عليك سواء كنت مؤمناً أو كافراً. وهنالك فرق بين الإسلام والتسليم فيوجد شخص مسلم رغماً عنه وآخر مسلم بإرادته. ففي التولي النتائج واحدة فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يأتي ليدعو لنفسه ولكن جاء صلى الله عليه وسلم يدعو لله ففي الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) أي استجيبوا لله تشريعاً وللرسول بلاغاً لهذا التشريع فلما كانت غاية التشريع وغاية البلاغ واحدة وحّد الضمير في قوله (إِذَا دَعَاكُمْ) ولم يقل دعواكم. في الحقيقة الرسول r يبلّغ عن الله تعالى فما أراده الرسول هو عين ما أراده الحق تبارك وتعالى ومثال ذلك قصة تبني الرسول صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة فلو كان الرسول هو الذي يقول القرآن ما كان ليظهر نفسه على خطأ ولكن هذه الحادثة تدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أحياناً يتصرف ببشريته ويأتي المنهج ليعدل له فيعلن هذا التعديل.
سؤال: ما الحكمة من اختيار بشر لتكليفه بالرسالة؟ ولماذا لا ينزل الوحي على كل البشر أو يكون الرسول ملكاً وليس بشراً؟
سبق وتكلمنا في هذا الأمر وسألنا هل جبريل عليه السلام لو نزل وتكلم مع مجموعة من البشر هل سيكون فهم كل شخص منهم لما يقوله مثل فهم الآخر؟ هذه نقطة والنقطة الثانية إسمع أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتعب عندما يأتيه الملك ويحصل له إجهاد كلما يأتيه الوحي، فكل هذا رحمة من المولى عز وجل فالجهد يكون على شخص واحد وليس على مجموعة من البشر ودرجة التفاهم تكون محكومة بشخص واحد وليس في البشر كلهم، فالرسول عندما يتلقى الوحي هو كبشر مثلنا يستطيع أن يوصله لنا ولكن درجة التفاهم بين الإنسان والملك تحتاج إلى إجهاد فلو أن الملك سيبلِّغ البشرية كلها سيحصل إجهاد للبشرية كلها وتعب. فالبشرية كلها لا تستطيع أن تكون مستعدة لتلقي الوحي ولذلك المولى عز وجل يصطفي. فالاصطفاء يعني أنه يجب على جبريل عليه السلام أنه ينزل لدرجة قريبة من البشرية والبشر الذي سوف يتلقى منه يترقّى لدرجة قريبة من الملائكية فجبريل على صورته الحقيقية لا يستطيع أن يوصل ما لديه حتى لمحمد عليه الصلاة والسلام ولا محمد صلى الله عليه وسلم ببشريته يستطيع أن يستوعب ما يقوله جبريل. ولذلك يحدث هذا الأمر من اقتراب جبريل للبشرية وارتقاء النبي للملائكية وليس من المنطق أن يحدث هذا للبشرية كلها ولكن يكفي واحد يكون مصطفى. إصطفاء الرسول r بالطريقة التي جاي بها الرسول عل تنفع أن تُعمل لكمّ من البشر؟ ينفع لكن علينا أن ننتبه إلى أن الصفاء النفسي الذي يكون فيه الرسول ساعة الوحي يختلف عن وجوده مع الصحابة يتحدثون عن موضوع أرضي أو بشري فحتى هذا الاصطفاء يحتاج لتغيير في الطبيعة البيولوجية والفسيولوجية للشخص نفسه وهذا قد يحدث لبعض الناس دون أن يشعروا به. مثال ذلك أنك تصلي دائماً ولكن أحياناً في أحد الصلوات تشعر بتجليات غير طبيعية وتشعر أن هذا اليوم مختلف في أدائك الإيماني والذي حدث هو عملية ترقّي، أنت نفس الضخص لكن حصل لك ارتقاء وأحياناً تستمع إلى نفس الشيخ يقرأ القرآن لكن هناك أحيان تتأثر به أكثر وتقول صوته أجمل اليوم لكن في الحقيقة صوت الشيخ هو نفسه لكن تلقيك إختلف. فالتلقي لديك حصل له عملية صفاء وجداني، وهذا الأمر كان يحدث للرسول في كل التقاء بجبريل عليه السلام ولذلك (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا 75 الحج) فليس أي ملك يحمل تبعات إيصال الرسالة للرسول وليس أي شخص من البشر (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ 110 الكهف) (يوحى إليه) تدل على أن هناك تغييراً يحصل. وفي وصف السيدة عائشة والصحابة للرسول r عندما كان ينزل عليه الوحي كان يتصبب عرقاً وتظهر عليه علامات الشدة وكان يبلغ منه الجهد كما قال صلى الله عليه وسلم. ولو لاحظنا أن القرآن لم يذكر الحوار الذي دار بين جبريل وبين رسول الله في الغار عند نزول سورة العلق (إقرأ، ما أنا بقاريئ، إقرأ، ما أنا بقارئ) ولكنه أعطاك نتيجة اللقاء لأن توقيع اللقاء أنت كمتلقي للمنهج وللرسالة لست مكلفاً بأن تعيشه. وهذا الأمر من رغبة الناس في معرفة ما لا يفيدهم في دينهم شيئاً هو الذي أدخل الإسرائيليات لأن النفس البشرية تريد أن تعرف التفاضيل. فأي شيء لم يُذكر في القرآن ولا السنة لا يعنيك بشيء لأنه لن يزيد أو ينقص من إيمانك معرفة أشياء لم يذكرها الله عز وجل ولا رسوله صلى الله عليه وسلم وإنما علينا أن نأخذ العبر والدروس من قصص القرآن بدون الحاجة لمعرفة تفاصيل غير هامة كما ذكرنا سابقاً عن الذين يريدون معرفة أسماء إخوة يوسف، ما الذي يهمنا أو يفيدنا معرفة أسمائهم؟
سؤال: هل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ﴿20﴾ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ)تعطي ملمحاً كأن الله تعالى يذكرهم بعهدهم السابق؟
إياكم أن تقولوا آمنتم وأنتم لست بمؤمنين. إسمع جيداً لأن المولى تعالى يريدنا أن نطبق بعد أن نستمع بتركيز. ومن أسباب تكرر النداء في الآيات بـ يا أيها الذين آمنوا تحذير من أن تقولوا آمنتم وأنتم لستم مؤمنين، ولا تكونوا وأنتم مؤمنين كالذين قالوا سمعنا أي آمنا وهم لم يؤمنوا. فالسمع هنا ليس مجرد استعمال آلة السمع ولقد أطلق عليه المولى عز وجل (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ) فهم ليسوا صماً ولا بكماً فعندما تنادي الكافر فيرد بنعم المولى تعالى اعتبره أصم، فهو لا يختلف عن الذي لا يسمع لأنه سمع التوجيه وأعرض عنه فهناك من هو أصم ومؤمن. ففقدان هذه الحاسة لم يمنعه من توقيع الإيمان وإعلانه وتطبيق المنهج والعمل به وعملوا لغة الإشارة فالرجل الذي لا يسمع ومؤمن سيكون حجة على الذين سمعوا ولم يطبقوا. وقد أطلق المولى عز وجل أموراً في تحديدات معينه في القرآن أصحابها لم يستطيعوا أن ينسحبوا من تحتها (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴿1﴾ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴿2﴾ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴿3﴾ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ﴿4﴾ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴿5﴾ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴿6﴾ الكافرون) لم يعرف أحد منهم أن يُسلم، ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴿1﴾ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴿2﴾ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ﴿3﴾ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ﴿4﴾ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴿5﴾ المسد) فلم يستطع أبو لهب أن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ولو نفاقاً.
سؤال: من الخطورة بمكان أن تكون مؤمناً مشركاً، قال تعالىhttp://www.islamiyyat.com/plugins/sy...icon_e_sad.gif وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ 106 يوسف) فكيف يكون الإنسان مؤمن ومشرك؟
لو سألنا سؤالاً لماذا أرسل الله عز وجل رسوله؟ لكي يوصل المنهج للناس ويهديهم وفي القرآن توقيعات لهذه الرسالة (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ 33 التوبة) فكما في الدنيا هناك خطابات تكليف للحكومات هناك تكليف من الله تعالى للرسل. وجاء تكليف الله للرسول صلى الله عليه وسلم في قوله (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ 107 الأنبياء) فالرسول مهمته أنه جاء لكي يرحمني من ضلال الكفر والشرك والوثنية فهو جاء لكي يبذل أقصى ما عنده لكي يخرج الناس من الظلمات إلى النور ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم "وأنا آخذ بحُجَزِكم وأنتم تتفلتون من يدي" وكأن الرسول r يدفعنا عن النار دفعاً ويبذل جهده ولكن هناك من يتفلت في النار. وتوقيع كلام الرسول في القرآن (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ 185 آل عمران) زحزح جاءت بفعل الرسول: إرجع، إفعل، حتى وهو في المسجد أمر الرجل أن يعيد صلاته: إرجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ. فتوجيهاته للمسلمين مستمرة حرصاً عليهم. ثم يقول الله تعالى (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ 103 يوسف) وهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم له حدود في هدايته للناس: وفي القرآن توقيعان يبدوان مثل بعضهما لكنمها مختلفان: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ 56 القصص) وفي موقع آخر (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ 52 الشورى) فالهداية نوعان هداية دلالة وهداية معونة فالرسول صلى الله عليه وسلم يدلُّك ويُريك المنهج ولكنه لا يستطيع أن يجبرك على الإيمان لأن الإجبار على الإيمان مسألة غير متصورة لأنه (لا إكراه في الدين) ولهذا توقيع القرآن: (لست عليهم بمسيطر) (وما على الرسول إلا البلاغ). فالرسول ليس عليه إلا البلاغ. وقوله تعالى (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) يدل على أن النبي سيبذل كل جهده ويشرح لجميع الناس ولكن الغالبية ستكون: مشرك منافق كافر وتحت هذه العناوين أسماء كثيرة. ولو أخذنا مثالاً أن الرسول بعث في ألف فستمائة منهم سيكونون غير مؤمنين من كافر إلى منافق ومشرك (الإيمان يكون أقل لأنه تعالى قال: وأكثرهم مشركين فالأكثرية تكون غير مؤمنة) والبقية وهم الأربعمائة المؤمنين، ولكن يأتي بعد ذلك توقيع أصعب ففي قوله تعالى (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) فسيبقى من الأربعمائة مائة وخمسين هم المؤمنين الحق. وهذا الأمر يوصلك إلى حقيقة هذه النداءات وأنها منطقية لأنه ليس لأنهم أصبحوا مؤمنين فهذا يعني أنهم ليسوا في حاجة للنداء أو الدعاء. والنداءات في القرآن بـ يا أيها الذين آمنوا 87 مرة وفي الأنفال 6 مرات وكلها نداءات في منتهى الإبداع كما في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ) فالمؤمن أصبح مؤمناً بطاعته ولكن النداء المتكرر لهم في الآيات لمداومة الطاعة ومداومة التذكير بالطاعة، كثير من المسلمين لا يؤدون الزكاة لأن حبه للمال طغى على إجابته للزكاة، حبه لشهواته طغى على الصيام لهذا (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) لذا قلنا أن هناك فرق بين الحقيقة والواقع الحقيقة ثابتة والواقع مؤلم يحصل فيه أشياء لا يتصورها عقل لذا النداءات: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا، استجيبوا... ولكن هذا المؤمن يصبح مشركاً لو أطاع هوى نفسه بعيداً عن المنهج رغم أنه يقول أنه مؤمن. فالفيصل في هذا الأمر في عمل الإنسان وليس في قوله قال الله تعالى (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ 43 الفرقان) فالمشكلة أننا نجيد الكلام ولا نجيد العمل ولا الفعل. فالأعذار والمبررات التي كثيراً ما يستخدمها الناس لن تنفع يوم القيامة (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ﴿14﴾ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴿15﴾ القيامة) ( يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا 111 النحل) وهذا الذي سوف يحدث ولكن هذا غير متصور في حضرة إله قال عن نفسه أنه خبير وعليم. وتوقيع الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) في منتهى الإبداع البلاغي من حيث الحقيقة والواقع. فإن من يقرأ الآية بتجرد وبسرعة أول خاطر سيأتي على باله أن هذا المؤمن لو لم يستجب لله لم يكن مؤمناً. فالحقيقة أنه لو لم يستجب لم يكن من المؤمنين ولكن في الآية دعوة للمؤمنين لكي يستجيبوا لله وللرسول، لأن المؤمن يمكن أن يكون في حالة استجابة دائمة ولكن يقف عند أمر ما يُحكِّم فيه هواه وبذلك لا يستجيب.
وكلمة لما يحييكم توقع هذه النقطة في ملمح واحد فقط. مثال ذلك عندما يكون هنالك قتال نجد الألف مؤمن ليسوا سواء في إقبالهم على التضحية بالنفس ونستدل على ذلك من غزوة بدر وأحد والثلاثة الذن خُلِّفوا .ومن وقائع الأمور.( إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) إذا هنا ليست شرطاً كما يفهمها البعض بل تعني كُلّما أي كلما دعاكم. وهو صلى الله عليه وسلم لا يدعوكم إلا بما يحييكم. فـ إذا هنا ليست للشرط ولكن ظرف للمستقبل بمعنى كلما دعاكم لأنه صلى الله عليه وسلم لا يدعوكم إلا لما فيه حياتكم في الدنيا والآخرة حتى ولو كان يدعوكم للقتال الذي فيه موت كما قال تعالى (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴿169﴾آل عمران) الموت فيه حياة وإن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة. وذلك ينطبق على جميع توجيهاته صلى الله عليه وسلم لأن من فهم كُنه الإله الحق وكُنه الرسول الحق وكُنه المنهج الحق يعلم أنه لا يكون في دعوته صلى الله عليه وسلم لكم آناء الليل وأطراف النهار إلا ما يحييكم. ولذلك يوقع المولى عز وجل هذا المعنى في آية في منتهى الإبداع في قوله (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴿23﴾ الأحزاب).
(واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه) فلماذا القلب وما دلالة ذكر القلب في كل ذكر للتقوى أو الفقه أو التعلق الذي قد نفهم أنه متعلق بالعقل؟ والرسول r يشير إلى قلبه ويقول : التقوى هاهنا التقوى هاهنا. هل القلب هو الذي يفهم ويتدبر ويؤمن ويوصل الإنسان إلى حالة المعية الإلهية؟ وكيف نفهم دور القلب في هذه الحالة؟
بُثّت الحلقة بتاريخ 20/6/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 07:29 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 12
تقديم علاء بسيوني
لماذا المولى عز وجل إختصّ القلوب بالتفقه والتدبر والإيمان والتقوى بعكس ما قد يبدو منطقياً لنا كبشر أن هذا عمل القلب ونحن عادة ما نستخدم ألفاظ للدلالة على ذكاء شخص ما أو أنه مستنير الفكر والعقل ولكن القصة ليست في العقل ولا في التفكير ولكن في القلب. القلب ليس فقط مضخة تضخ الدم في الجسد وإنما القلب هو مكان الاطمئنان والتفقه والتدبر وهذا ما يقوله المولى عز وجل وتكلم عنه في كتابه الكريم والله عز وجل يخاطب القلوب ويقول أن الاطمئنان في القلب والتقوى في القلب وأن هنالك قلوب تفقه وقلوب لا تفقه. وقد ورد ذكر القلب ومشتقاته في القرآن أكثر من 98 مرة.
قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ 24 الأنفال). بعض الناس عندما يقرأون هذه الآية يقولون أن الله سبحانه وتعالى أحياناً هو الذي يعمل ساتر أو حجاب أو حاجز ما بين الإنسان وبين أن يفقه أو يهتدي أو يفهم أو يؤمن وبذلك هم ليسوا مسؤولين عن أعمالهم أو سيئاتهم أو ذنوبهم.
هذا واقع، لكن التدبر بالعقل هذا واقع ولكن أين العقل هذا موضوع آخر؟ فكلمة يعقل أي يفهم بعقله ولكن أين العقل؟ هل هو في الدماغ أم في القلب؟ فالعقل أو التدبر أو التعقل ليس في الدماغ كما يتصور معظم الناس فالقرآن أرسى هذه القاعدة منذ 14 قرن أو يزيد ولكن معظم الناس يجهلون هذا الأمر، وهذا واقع في القرآن ذكره ولكن هنالك فرق بين النتيجة وسبب النتيجة (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ 6 البقرة) فهذا قضاء من الله تبارك وتعالى ولكن (لا يؤمنون) أتت بعد قوله (إن الذين كفروا) فهم كفروا أولاً وفي قوله (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ 7 البقرة) ولكن الختم لم يكن إلا بعد أن كفروا فهم الذين بدأوا بالكفر ولكن هذا لا يعني انه كتب عليه أن يظل على كفره أبداً فلا يزال لديه فرصة للرجوع للإيمان بدليل الحديث (لله أفرح بتوبة أحدكم من أحدكم وقع على ضالته في الفلاء وقد فقدها في الفلاء). ما هو دور القلب؟ القلب دوره التعقل والتدبر وقد شرح الرسول عليه الصلاة والسلام هذا الأمر في قوله ( التقوى ها هنا) وأشار إلى قلبه. فالقلب هو الذي يعقل ولذلك يقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ 1 الشرح) فالشرح هنا للقلب وليس للصدر. وفي قوله تعالى (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ 46 الحج) والبعض منا يقول لآخر إذا أراد أن يشتمه: يا أعمى القلب، فكم من مُبصرٍ ما آمن وكم من أعمى فاقد البصر وقد آمن بل بالعكس من يفقد بصر ويصبر صبره بقلبه. ويقول تعالى (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا 179 الأعراف) توصيف الإنس والجن أنهم لهم قلوب وأعين وآذان ولكن قلوب لا يفقهون بها- وهذا يدل على أن القلب هو الذي يفقه، الفقه في العقل لكن أين العقل؟- وأعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها لأن السماع الحقيقي ليس مجرد السمع لكن في طاعة الله والاستجابة للرسول ولا يسمعون هنا أي أنهم لم يستفيدوا مما سمعوه فهم سمعوا ولكن لم يطبقوا فهم سمعوا وما سمعوا، ماسمعوا الثانية لا تنفي عنهم واقع السماع ولكن تنفي عنهم واقع الاستفادة مثل قوله تعالى (اسْتَجِيبُواْ) لم يقل أجيبوا لأن السين والتاء في الكلمة تقوم بعملية نتيجة الإجابة وهي الطاعة.فأجاب يعني قال نعم واستجاب يعني نفّذ. بعض الناس يقولون ندعو ولا يستجاب لنا والناس لا تفرق بين الإستجابة والتلبية، هذه نفسها لما قال تعالى (استجيبوا لله وللرسول) لم يقصد قولوا للرسول نعم يا محمد ولكن إستجابة أي لماا تسمع كلام الرسول طبقه ونفّذه. كذلك ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا) هؤلاء دخلوا النار لأنهم لم يستخدموا ولم يستفيدوا من معطيات الله تبارك وتعالى لهم. ( لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ) كلمة الفقه كلمة لم تُفهم. الفقه لها معنى لغوي واصطلاحي تطبق الآن على العبادات وقصرناها على علم أصول الفقه وقد غابت هذه الكلمة عن معناها اللغوي. كلمة يفقهون أي يفهمون ويتدبرون وليس مقصوداً بها الفقه كعلم ويقول تعالى أن الذي سيدخلهم النار أن لهم قلوب لا يفقهون بها (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ 46 الحج) (أفلم يسيروا في الأرض) أي أنه كان من المفروض أنهم عندما ينظرون إلى الكون يتعقلون ولكن بقلبهم (فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ) فالتعقل يكون بالقلب فبذلك يكون العقل في القلب.
سؤال:البعض من أهل التشريح والطب يقول حللنا العقل البشري وفيه نبضات كهربائية في الخلايا المخية وهناك أجزاء مسؤولة عن الذاكرة وغيرها فهل هذا يتنافى مع ما يقوله المولى أن القلوب هي التي تفقه؟
العلم لا يتناقض مع القرآن وإذا قال تعالى أن القلوب تفقه أقول صدق الله تعالى. فساعة أنزل الله تبارك وتعالى قرآنه على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم هل قال نزل به الروح الأمين على عقلك أم قال على قلبك؟ (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ 194 الشعراء).
سؤال:هل مسألة شق الصدر للرسول r لها علاقة بـ (ألم نشرح لك صدرك) ومسألة إستعداد الرسول r لتلقي الوحي وتلقي القرآن؟
ما يهم الناس من مسألة شق صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم العبرة منها وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم شرح الله صدره سواء صدّقوا الواقعة أو لم يصدقوها فهنالك خلاف بين العلماء فيها، لكن محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله فلما يشرح صدره كان الهدف من شق صدره مرة وهو طفل ومرة قبل الإسراء دليل أن هناك شيء كبير سيحصل وهذا كلام خاص به r ولكن باقي المسلمين لن يشق عن صدرهم فمحمد r له من يشق أما المسلمين فلن يحدث لهم هذا. نحن نصدق هذه الواقعة لأن لها رصيد في صحيح السند. نحن لنا يشق عن صدرنا وهنا يأتي دور كل مسلم فتوصيف أهل الجنة (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ 43 الأعراف) ولكن هذا بفعل خارج عن إرادتهم ولكن أنت في الدنيا مطالب بأن تنزع الغل من صدرك فلا تحسد ولا تحقد ولا تغل بتوقيعات مختلفة في القرآن. فدور المؤمن أن يحمد الله في السراء والضراء، فالمؤمن له توصيف وتوقيع في القرآن في منتهى الإبداع. لدينا أكثر من آية كما في قوله (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ 1 الفلق) ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ 1 الناس) التوقيعات هذه خطيرة أن المؤمن يكون حاسداً أو حاقداً أو يغل أو يحقد وكل هذا في القلب لأن العقل في القلب ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ 194 الشعراء) فهل ينذر الرسول صلى الله عليه وسلم أو يقوم بالرسالة قبل اقتناعه هو بها؟ هذا مستحيل. والقناعة في القلب. ويعيّب القرآن الذي لا يفهم ولا يستفيد فيقول (فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا) كان المفروض لو كنت متدبراً في الكون أن تكون ممن قال تعالى فيهم (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الأَلْبَابِ 190 آل عمران) وهذا في القلب بدليل قوله في سورة الحج (فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا ) ثم لم يقل أعين بل (أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا)ثم وقّع هذا على العمى وقال (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) وهذا دليل على أن القلب له وظيفة غريبة فهو يسمع ويرى ولكن رؤية مختلفة عن رؤية البصر ولذلك الذي يفقد البصر ويصبر له جزاء عند المولى عز وجل لأنه يحمد الله أنه أخذ بصره ولم يأخذ إيمانه وبصيرته ولذلك يجب أن يفرق بين العمى والعمه. فالعمه هو القضية لذلك قال تعالى (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ 15 البقرة) فهم كانوا يبصرون بأعينهم ولكن ليس بقلوبهم أبصروا ولم يبصروا فهم رأوا رؤية المشاهدة ولم يروا رؤية التعقل. فالبصيرة هذه عليها يبكي العارف. كم من حكيم تكلم في هذا الموضوع: أين الحكمة وأين العقل؟ القلب هو الذي يعقل فالإدراك بالعقل ولكن محل العقل في القلب ولذلك (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ) لأنك يا محمد أنت ستعقل بقلبك وستنذر بعد عقلك لأنه ليس من المنطقي أنني أكلفك برسالة تقوم بها وأنت لست مقتنعاً بها وهذا سر توقف الوحي فترة. فبعد اقرأ إنقطع الوحي فترة فنجد الرسول صلى الله عليه وسلم يقول أنه كلما كان يمشي يجد جبريل على كرسي بين السموات والأرض ويقول له أنا جبريل وأنت رسول الله لكي يقتنع بهذا هو أولاً لأنه إن لم يقتنع هو فلا يمكنه إقناع الآخرين وبعد ذلك لم يؤمر الرسول بإبلاغ الناس أجمعين ولكن بدأ بعشيرته الأقربين (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ 214 الشعراء) وفي نطاق ضيق ثم (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ 2 المدثر) ولكن في البداية كان الأمر أن يبدأ بقومه وعشيرته رغم إن عمه أبو لهب كذبه وأبو بكر الصديق الغريب عنه صدّقه. فالمولى يريد أن يرينا حكمة أنه ليس من المفترض أن تكون من أهل الرسول أو قبيلته لكي تنصره لأن الأمر لم يعد فيه قبلية أو جاهلية ليس شرطاً أن أكون من بيت النبوة لأصدّق دعوة الرسول rوهذا ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم (اعملوا فما أغني عنكم من الله شيئاً لن تأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه) فالنسب شيء والانتساب شيء آخر فقد نجد شخص ليس قريباً للرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه معه في الجنة.
سؤال:لماذا تتقلب القلوب طالما المفروض أن يستقر فيها الإيمان وتعقل وتطمئن؟
إذن التعقل والفهم والوعي في القلب وليس في الدماغ وربنا سبحانه وتعالى يقول على لسان المؤمنين (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا 8 آل عمران) فالقلب ممكن أن يزيغ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول (يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك) فالقلوب تتقلب لأن درجة التعقل لا تكون 100% هناك نسبة للتعقل: مثال ذلك الطالب الذي فهم الدرس بنسبة 100% أي مسألة تأتيه فيه سيكون قادراً على حلها وعكسه من لم يفهم الدرس لن يستطيع حل أي مسألة وإن كانت في غاية السهولة ولذلك لا يوجد امتحان صعب فكلمة صعب ليس لها محل أمام كلمة امتحان. فالامتحان أنت تقوم به لكي تقيس درجات الفهم فتجد شخصاً أجاب على الامتحان كله وأخر أجاب على النصف وآخر لم يستطع أن يجيب على أي سؤال فكلمة صعب ليس لها محل لأنك قد تجد شخص حصل على 100% وآخر 0% وبينهما درجات. فأي امتحان يكون صعباً على الذي لم يدرس وسهلاً على الذي درس وهذه قاعدة. فيوم القيامة كيف سيكون على المؤمن مع أنه يوم كان له إنذاره وله وعيده وله تهديده لكن الإنسان عاش غائب عن هذا الموضوع وهكذا ينجح الشيطان أنه يغيّبك عن العقوبة فيزيّن لك الشهوة وينسيك العقوبة وغضب ربنا عليك وينسيك أنك تختبئ من الناس لكي ترتكب المعصية ولا تختبئ عن الله عز وجل. وقد تكلم القرآن كثيراً عن يوم القيامة والآية التي نتكلم عنها تتحدث عن هذا أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فهل إيمانهم كان من غير علم؟ هذا غير منطقي. فالمفروض أن المؤمن علِم بدليل أنه آمن أي اقتنع وأعلن إيمانه وطبق من غير علم؟ لا ولكن هذه جزئية علم قد تغيب حتى عن المؤمن وهي (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) واختلفوا بين يحول وقلبه ولكن لا أحد إنتبه إلى وظيفة القلب. القلب الذي فيه الفقه والتعقل يغيبك عن الحقيقة بالشهوات.
فكلمة (يحول) أصلها حول فالحول- بال ضمة- الحول سنة والحوْل إما للتغيير أو الانفصال فتقول حال الشيء إلى كذا أي غيره أو حال بين الشيء وكلا المعنيين صحيح. وفي الآية (يحول بين) فكلمة (بين) بيّنت أنها للانفصال وليست للتغيير. فإذا حال الله بين الإنسان وقلبه أي دخل بينهما حائل. حائل إسم فاعل. الحائل هذا أصبح أقرب للإنسان من قلبه وأقرب للقلب من الإنسان لأنه في النصف وفي القرآن نجد هذا التوقيع في قوله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ 16 ق) وحبل الوريد ليس توصيفاً وإنما يقصد به الوريد نفسه أي بمعنى ونحن أقرب إليه من حبلٍ هو الوريد الذي إذا قطع يموت الإنسان فالله تعالى أقرب إلى الإنسان من روحه التي بين جنبيه والمعنى المجازي أنه هو سبحانه وتعالى سبب الروح (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي 29 الحجر) فهو سبحانه وتعالى الذي أعطاك الروح وهو أقرب إليك من الروح فكلمة (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) ماذا يفعل القلب؟ القلب ينشغل بالأمنيات والأماني وسوف سأتحجب عندما أتزوج، سأحج عندما أكبر.... فالقلب يمنيك بطول العمر فالله يحول بينك وبين قلبك بسرعة الموت فالموت أقرب شيء يوقع هذا الأمر، فالإنسان يتمنى (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ 96 البقرة) حتى لو عمّر الألف سنة أو الألفين سنة ثم ماذا؟ فالإنسان لم يُخلق إلا على الموت أهل اللغة عندما عرفوا الموت قالوا هو نقض الحياة. ولذلك ما أنزل تبارك وتعالى في القرآن آية من آيات الحياة إلا ويذكر بعدها الموت أو الفناء أو الهلاك وإذا ذكر أحد هؤلاء الثلاثة وهم الموت وفروعه أوجب الوجود لعظمة ذاته (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ 8 الجمعة) (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ 27 الرحمن) ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ 88 القصص) فما ذكر الله تعالى الموت أو الفناء أو الهلاك على بني آدم إلا وأوجب الوجود لعظمة ذاته بعدها لكي يبقى هو الحي الذي لا يموت ولا يفنى ولا يهلك وكل مخلوق إما أن يموت إذا كان بشر أو يفنى أو يهلك إذا كان جماد أو نبات (وتوكل على الحي الذي لا يموت).
(وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فالله تعالى يحول بين أماني القلب ودعاوى القلب بطول العمر وطول الأمد والأماني الزائفة التي يملأها الغرور والشيطان يمنيك بطول العمر والأجل وبرحمة الله وغفرته والله تعالى يحول بينط وبين معطياتك وأمانيك. ثم يقول الله تعالى بعد ذلك (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) والعطف هنا على اعلموا، إعلم هذه وإعلم هذه. أولاً ناداك بالإستجابة (استجيبوا لله وللرسول) ثم طالبك بعلم أمرين: فالمفروض أنك تعلم كمسلم كمؤمن أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنك سوف تعود إليه وتحشر إليه وهنالك سوف تسأل وإذا كنت سوف تسأل فيجب أن تستعد لهذا اليوم. ولهذا قال تبارك وتعالى واعلموا فيجب أن تفكر في الحشر والأسئلة في القبر وهي أربعة أسئلة وليست ثلاثة كما يظن معظم الناس وهي من ربك؟ وما دينك؟ وما قولك في هذا الرجل الذي بُعِث فيكم؟ فإذا كان موسى تقول موسى وإن كان عيسى تقول عيسى وإن كان محمد صلى الله عليه وسلم تقول محمد، ثم ما علمك؟ والعلم هنا ليس المقصود به التحصيل الأكاديمي ولكن علمك هنا هو كتابك ماذا فعلت به؟ فالمسلم يقول قرأت القرآن واليهودي الذي على عهد موسى يقول قرأت التوراة والنصراني يقول قرأت الإنجيل هؤلاء الذين ماتوا قبل أن يشهدوا رسالتين فكفر بواحدة أو ضل واحدة. فالعلم موضوع مهم فكلمة اعلموا جاءت في القرآن 27 مرة وخمسة فقط في سورة الأنفال سورة الأنفال فيها 6 نداءات بيا أيها الذين آمنوا من أصل 87 وخمسة من 27 واعلموا. هذا يدل على أنك حتى ولو آمنت يبقى هناك دائماً جزء من العلم غائب. والعلم هنا جاء في أمرين (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).
سؤال:قال الله تعالى (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ 32 الأحزاب) فبما أن الفقه والفهم والتقوى والإيمان في القلب ومناطه القلب فمن الطبيعي أن الذي يمرض أيضاً هو القلب فكيف يمرض القلب وأين يكون العلاج؟
الدواء والعلاج يكون في المنهج والمرض يكون بالبعد عن المنهج ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (ألا إن في الجسد مضغة لو صلحت صلح سائر الجسد) إذا كان القلب هذا قلب واعي يسمع القرآن فيتدبره عندنا آيات نوقّعها توقيعاً واحداً لكن لا نستحضر كل المعاني ونتركها للناس لتعيش هذه المعاني كلها، ففي قوله تعالى (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ 5 الماعون) قال العلماء الحمد لله الذي قال (عن) ولم يقل (في) وهذا معنى واحد لها وكأنك تقول للناس إسرحوا في الصلاة. و(عن صلاتهم) لها عدة معاني ومنها أنه يصلي ولا يعمل بصلاته (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ 45 العنكبوت) فهو يصلي ثم يأتي الفحشاء والمنكر فهو بذلك يكون ساهياً عن صلاته فصلاته لم تنفعه وهذا معنى من المعاني فلماذا نغيّبه. و(عن) من حروف الجر وهنالك بعض حروف الجر في القرآن تأتي بمعنى بعضها البعض فعن هنا تأتي بمعنى في وبذلك يجب أن يتجنب الإنسان أن يسرح ويسهى في الصلاة. والصلاة هي أول ما يسأل عنه المرء ولو صلحت يصلح العمل ومن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (ألا إن في الجسد مضغة لو صلحت صلح سائر الجسد) ويقول عن الصلاة أنها أول ما يسأل عنه المرء فإذا صلحت صلح سائر عمله فنجد أن علاج السهو في الصلاة والوصول إلى الخشوع يقتضي الصلاة بالقلب. والناس عموماً يسرحون في الصلاة لأنهم لا يتدبرون القراءة التي يقرأها الإمام (الفرض) أو التي يقرأونها هم سراً في صلاتهم المنفردة (السنة) فالذي يتدبر لا يسرح في الصلاة. يمكن أن تتدبر وتسرح في معاني الآيات وهذا جيد ويمكنك أن تشرح في استحضارك لعظمة الله تعالى فلا مشكلة إذا سرحت في الصلاة بالصلاة لكن أن تسرح عنها بأمور الدنيا فهذه يجب أن نبتعد عنها. علينا أن نخوّف أنفسنا لأن من عرف الله خافه. والذي يستعد للصلاة ويقرر السور التي سوف يقرأها في كل ركعة لا يسرح في صلاته لأنه خاشع ومستعد للصلاة. ولذلك توصيف المؤمنين في البداية (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ 2 المؤمنون) الذين هم في صلاتهم خاشعون وليس (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ 9 المؤمنون) المحافظة أتت بعد الخشوع لأن المحافظة على الصلاة تحدث ولكن الذي لا يحدث الخشوع فهو قليل ونادر وهو الذي يجب أن نهتم به. وكل هذا محله في القلب ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم يقول (التقوى ها هنا) وأشار إلى صدره، فالتقوى تبدأ من القلب فالمتقي تدبر القرآن ففهمه فخاف فاتقى ولذلك يقول الله تبارك وتعالى (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ 28 الرعد). الذكر يكون في القلب أولاً (نزل به الروح الأمين على قلبك).
سؤال: يقول الله تبارك وتعالى (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ 37 ق) هل هناك من ليس عنده قلب؟
هذا لديه قلب ولكن لم يستفد منه ومعنى أن يكون لديه قلب أي لديه مراحل الإدراك ولكن لم يستفد منها ولم يدرك بقلبه. مثال ذلك أن الإنسان كل يوم يرى غيره يموت ولكن هذا لم يجعله يعمل ليوم مماته هو، فهو بذلك لم يستفد من قلبه فالذي يعمل حساب الموت لا يطغى ولا يتكبر ولا يحقد. ثم يقول الله (لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) الشهادة درجة ما حققت من العلماء، فالشهيد عند غالبية الناس هو الذي مات في الحرب رغم أن القرآن مليء بمعاني الشهادة والتي ما سحبت مرة على من مات في سبيل الله وهذا دليل أننا لم نفهم معنى الشهادة. الذي مات في سبيل الله قيل في حقه ما هو أعلى من ذلك من وجهة نظر أهل العلم واختلفوا فيها (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ 169 آل عمران) لم يقال عنهم شهداء بل أحياء في حين أنها أطلقت إطلاقاً على الله تبارك وتعالى (وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا 28 الفتح) فهل الله تعالى مات في الحرب سبحانه وتعالى؟ فالمعاني اختلطت عند الناس فالشهادة منزلة يصل إليها من قتل في سبيل الله رفعت عليه كتكريم له إنما أصلها (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) شهيد أي واعي وفاهم وعالم (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ 143 البقرة) فالشهداء إطلاقاً هم علماء الأمة والشهيد من الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم فكل نبي شهيد على أمته ولكن كل الأنبياء ستحتاج إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم لتشهد على أممهم بواقع القرآن (لتكونوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا 143 البقرة) أما المسلمون فلا يشهد عليهم غير النبي محمد صلى الله عليه وسلم. القرآن فيه كنوز غابت عنا لأننا لا نتدبر في آياته ولو أننا نخاف يوم القيامة نتدبر ونفكر ولا نطغى ولا نظلم وأسأل الله تعالى أن يجلّي لنا القرآن قبل أن نصطدم بواقع مرير (إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا)، نحن قصرنا ولذا علينا أن نلزم التوبة والاستغفار.
بُثّت الحلقة بتاريخ 4/7/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 07:30 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 13
تقديم علاء بسيوني
التوبة والاستغفار ليست كلمات تقال باللسان فقط تبت إلى الله ولكن التوبة حالة وتحتاج من الإنسان للندم وأنه لن يعود إلى هذا الذنب ويظل الإنسان يتذكر العهد مع الله تعالى وإن كان هذا الذنب متعلقاً بحق من حقوق الناس فلا بد أن يعود الحق لأصحابه قبل أن يتقبل الله تعالى التوبة. والتوبة والإستغفار ليست عن ذنب فقط بل هي حالة ومطلوب أن الإنسان يعود من توبة وليس من معصية وهذا يكون أجمل وأرقى وأعلى، وهناك أسلحة وأسرار في القرآن الكريم توصلك لهذه الحالة من الإنابة لأن القرآن الكريم يوصف لنا هذه الحالات كلها بأنها كلٌ متكامل لا يتجزأ متعلق بالتقوى وباليقين وبقوة الإيمان فهي حالة متكاملة من شيمة الإنسان المسلم المؤمن الحق الذي يستعين بالقرآن الكريم كمنهج يوصله لهذه الحالة في المعية الإلهية. نحن وقفنا في آيات سورة الأنفال ووقفنا عند قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ 24 الأنفال) في قوله لما يحييكم فهو في الآية يخاطب الأحياء وذلك بقوله يا أيها الذين آمنوا والإيمان يعني أنهم على قيد الحياة فما هي هذه الحياة؟
نقف أمام قوله تعالى (لما يحييكم) ومعنى الإيمان. المشكلة أننا لا نعلم حقيقة معنى الإيمان، فما حقيقة معنى الإيمان؟ فاليوم الذي يريد أن يسلم يشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله والشائع عند الناس أنه اسلم أو أعلن إسلامه أو بدأ على مرحلة الإيمان وفي الحقيقة هذه ليست بداية فساعة ما يتحول من أي ديانة إلى الإسلام أو ساعة ولادة المسلم مسلماً ويعيش في لهو ثم يستيقظ من غفلته فيبدأ بالصلاة والصوم والالتزام كل هذا ليس إعلاناً أو بداية إنما هو تجديد لأن الإنسان فُطِر ووُلِد على الإسلام وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم (ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) فتحدث عملية تغيير عن الفطرة فعندما يعود ويسلم مرة أخرى فهو بذلك عاد إلى الأصل فهو لا يبدأ ولكن يجدد وهذه نقطة يجب أن نفهنها لنفهم معنى النداء: يا أيها الذين آمنوا. ففي قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) النداء يخاطب به جماعة منهم من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله والافتراض المنطقي أنهم ليسوا جميعاً مؤمنين، فأمة الإسلام ليسوا جميعاً مؤمنين والقرآن وضح مراحل معينة في هذه النقطة وذلك في قوله تعالى (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا 14 الحجرات) استوقفهم (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا 14 الحجرات) فهذه الآية تعلمنا أن هنالك مراحل،أما في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ 183 البقرة) فالجميع يفهم أن الصيام مكلف به الذي دخل في الإسلام للتو بدليل الرجل الذي ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال علمني ما الإسلام فقال الرسول:أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، تقيم الصلاة، تؤتي الزكاة، تصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً) هذه مسألة ليس مطالباً بها المؤمن ولكن مطالب بها المسلم. وهناك فرق بين إسلام العقيدة أو الرسالة أو إسلام الوجه وهذه درجة عليها يبكي العارفون وقد يموت الإنسان وهو لم يصل إليها ولذلك جاء في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ 102 آل عمران) فالخوف هنا أن يموت الشخص وهو ليس مسلم ولكنه مسلم إسلام الرسالة فقط فتتم الصلاة عليه وهذا يبين أنه من جماعة لا إله إلا الله محمد رسول الله ولكن هل هو آمن؟ هل هو اتقى؟ هل هو أحسن؟ هل هو أسلم إسلام الوجه؟
فالنداء في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) معناه أوسع بكثير من جماعة المسلمين فهو نداء لكل نسل آدم، ولو افترضنا أن من هو ليس مسلم وليس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ويسمع الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ) هذه الآية ترقق القلب، وهنالك كثير من الناس يعرفون القرآن ولكن من منهم يفهمه؟ فهنالك فرق بين المعرفة والفهم وهذا يتضح في قوله تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ 82 النساء) وكأنهم فعلوا شيئاً قبل التدبر ولكنه لا يكفي ولن يعطيك قيمة هذا الكتاب. هذا الموضوع يظهر أننا كثيراً ما نستخدم كلمات وتكون شائعة ولكنها لا تؤدي المعنى مثل القراءات القرآنية المعروفة لدى الناس لكن من هذه القراءات مثلاً قراءة شاذة وكلمة قراءة شاذة كلمة مقبولة ولكن عندما نجد عنواناً في بعض المكاتب الإسلامية "شواذ القرآن" كلمة لا تصح وغير مقبولة ولا تؤدي المعنى لصاحبه فالكتاب يتكلم عن القراءات الشاذة فمن الأصح أن يكون عنوانه "شواذ القراءات" لأنه لا يصح أن يقال شواذ القرآن.
جبريل لما نزل بالوحي على الرسول r هل أقرأه بالقراءات المتعددة؟ الرسول ليس مطلق اليد فيها لأن الله تعالى قال (فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه). هذا موضوع سنفرد له حلقات متعددة لأنه يثير بلبلة بين كثير من الناس وسنحتاج إلى عالم قراءات لأن هذا الموضوع يحتاج لمن هو متخصص في القرآءات.
من واجب الإنسان وهو يقرأ القرآن أن يعيش التدبر. فالنداء بـ يا أيها الذين آمنوا مطلق فلو افترضنا أنه لعشرة منهم اثنان مؤمنين والبقية ليسوا مؤمنين فالنداء هذا سيجعل ثمانية منهم مؤمنين فجأة فيدخل ستة تحت طائلة النداء وهذا كان سر التخفيف بالنداء في موضوع الصيام (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) كأن الذي سيصوم سيرتفع درجة ويكون من طائفة هو ليس منها إلى الآن وهذا هو مراد القرآن ولكن عندما نسمع (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا) ففي الآية المولى يسألك - إن صح التعبير- الاستجابة ثم يقول (إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) وإذا هنا لا تأتي بمعنى لو ولكن تعني كلما دعاكم لما يحييكم وهو لا يدعو صلى الله عليه وسلم إلا بما يحييكم. فـإذا هنا تقف وتشرح وتوقف الإنسان على حقيقة ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن.
النداء بـ يا أيها الذين آمنوا يمتد إلى جميع الناس وحتى أصل بالناس إلى ما أريده يجب أن نشرح لما يحييكم. قال الله تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ 172 الأعراف) هذه الآية متعلقة بقوله سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ 27 الأنفال) فهذه هي الخيانة خيانة عهد أنت قطعته على نفسك عندما قلت بلى في عالم الذر(أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا) ثم يقول (إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) فحتى يوم القيامة الذي يدّعون عدم الفهم الآن لن يقول لم نكن فاهمين ولكن سيقولون كنا غافلين. والغافل هو من فهِم ولم ينفذ وهذا سيكون حجة عليه يوم القيامة. فيوم القيامة المشرك أو المنافق في النار لن يقول أنا لم أفهم ولكن سيقول أنا غفلت، والغافل فهِم الأمر ولكن لم يؤديه.اللاهي غير الغافل لذلك (إنما الحياة الدنيا لعب ولهو) لم يتكلم عن الغفلة لكن هنا يقول تعالى يوم القيامة (إنا كنا عن هذا غافلين) وهناك فر ق بين هذا التوقيع وبين قولهم (لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا من أصحاب السعير) هذه تأخذك إلى منطقة ثانية وأنا معلّق هذا الموضوع على الخيانة. هناك عدد من الخيانات: فالخيانة هنا لله وللرسول صلى الله عليه وسلم وللأمانات (لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم) جمع أماناتكم يحتاج إلى شرح طويل. عندنا آية ظلمت كثيراً في التفسير (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) الأحزاب) سمعت تفسيراً يقول ظلوم لأنه حملها هذه الكلمات يجب أن نقف عليها ونفتح اقلب لها لأن لدينا مفهوماً مغلوطاً للآيات والمعاني وسنترك هذه الآيات لحلقة قادمة.
(إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) الخطاب هنا للأحياء فإما أنه يحيينا حياة غير هذه الحياة التي قطعنا بها أو أنه يتكلم عن حياة الآخرة طالما أنا حي هنا في الدنيا، ولو كان هذا هو المعنى وحده لن يكون للآية قيمة فلو كان سيتكلم عن حياة في المستقبل فقط لم يكن ليقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) واستجابتك ليست متعلقة بالآخرة ولكن متعلقة بالدنيا للآخرة، فالمعنى أنك حي ولكن الرسالة ستعطيك حياة جديدة تجعلك مختلف في الحياة مع حي آخر وتعطيك حياة ممتدة في الآخرة والذي لم يحيا هذه الحياة التي تخصك في الدنيا لن يستطيع أن يصل لها في الآخرة، فالناس على وجه الأرض جميعهم مشتركين في الحياة (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي 72 ص) فجميع الناس يولدون بنفس الطريقة فالجميع مشترك في هذه الحياة (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي) وهي التي بين جنبيك وتعطيك قوام الحياة بالحس والحركة. الإستجابة تعطيك معنى آخر للحياة، ولو ضربنا مثال شخصان يتنفسان ويأكلان ويشربان ثم جاءت الرسالة احدهما أخذها والآخر رفض فالذي أخذها سيصبح لديه منهج افعل كذا ولا تفعل كذا فيتميز في حياته ويعيش حياة مختلفة عن الآخر وهذا المنهج سيسعده في حياته وإن بدا شقياً بالتكليف وحياته هذه التي سيتميز فيها في الدنيا سوف تمتد لحياة في الآخرة الشخص الآخر لن يستطيع أن يصل لها إذا مات على حالته من الرفض،فمن حيا هذه الحياة بهذا المنهج في الدنيا سيكون يوم القيامة حي بعكس الذي رفض المنهج. (لِمَا يُحْيِيكُمْ) تتضمن مناط أنها ستعطيك حياة متميزة بالدنيا وهذا المنهج له خاصية أنه يمتد بهذه الحياة بك من الدنيا إلى الآخرة بل إن الحياة التي سيوصلك لها في الآخرة هي التي كان يجب أن تسمى عندكم في الدنيا حياة وأي شيء غيرها ليس بحياة فعبر عنها سبحانه وتعالى بلفظ يميزها بصيغة الامتلاء في قوله (وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ 64 العنكبوت) أي الحياة الحقيقية. والذي حيا بالمنهج في الدنيا هو الذي نقول عنه أنه حي، فمن رفض المنهج يوم القيامة سيكون في النار ولا يكون ميتاً فهو يتمنى لو كان ميتاً (وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا 40 النبأ) فهو يقول هذا في الحساب لأنه رأى مشقة حسابه فهو يريد أن يكون شيئاً من الاثنين إما أن يكون تراباً لم يخلق أساساً أو تراباً بعد الموت أي لم يبعث. في القرآن إذا بحثنا ترابين تراب خلق منه آدم أو يا ليتني كنت تراباً ولم أُبعث رغم أنه لم يذق العذاب بعد ولكن لأنه رأى مصيره من القبر فانتظار العذاب هو عين العذاب والآخر إنتظار النعيم هو عين النعيم.
يقول الله تعالى عن الناس الذين دخلوا النار فعلاً: (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴿74﴾ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ﴿75﴾ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ ﴿76﴾ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴿77﴾ لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ﴿78﴾ الزخرف) يقض هنا بمعنى يميتنا. هذا الموقف مع الموقف الأول الذي يتمنى فيه الإنسان لو أنه لم يُخلق أو لم يبعث حتى لا يتعرض لهذا الموقف فهل هذا هو التوصيف الحقيقي لفرق الحياة التي تكلم عنها المولى في سورة الأنفال أن هنالك ناس على وجه الأرض حية ولكنها في نفس الوقت كأنها ليست حية لأنه مهما يخلد الإنسان الكافر 100 أو 200 سنة فمصيره في النهاية إلى النار والعذاب؟ ويقول سبحانه وتعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا 124 طه) بعض الناس يظنون أن الضنك هو أن تعيش في بؤس وشقاء وفقر وضيق حال بينما تجد أناساً كثر معرضين عن ذكر الله من الكفرة والملحدين والمشركين في قصور ونعيم ومستمتعين بالدنيا في أحسن درجاتها كما يظن ويرى الناس، ولكن هذه ليست الحقيقة فالضنك توصيفها لغوياً لا يكون ظاهراً فلا تستطيع أن تحكم على شخص بالنظر إليه بأنه في ضنك أو لا لأنه هو فقط الذي يشعر بهذا الضنك كما قال تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ) له هو فهو وحده الذي يشعر بالضنك، فالضنك هو أن تعيش في عطاءات كثيرة جداً لكنك غير سعيد، الضنك أن يكون عنده مال وبنون وهو في ضنك بدليل أن بعض الأثرياء ينتحرون لأنهم كانوا يعيشون في ضنك لا يشعر به إلا هم. فمن كان له معيشة ضنكاً فبذلك هو لم يحيا لأن الضنك ليست حياة ولكن لو أخذ بالمنهج ولما يحييكم لكان قد حيا وغير هذا كله سيحشر يوم القيامة أعمى وهذا أيضا ليست حياة،فهو لم يحيا في الدنيا رغم أنه كان حياً ولن يحيا في يوم القيامة رغم أنه المفروض أن الحياة هناك حيوان، حيوان بالنسبة للمؤمن والكافر لها توصيفان: حيوان تأتي بمعنى أنها دائمة أبدية والتي كانت تسمى حياة وللآخر ستأخذ فقط الإقامة والدوام ولكن من داخلها هي بمنتهى السوء لأنها تبنى على الذي عمله في (لما يحييكم) بالنسبة للدنيا فهل أخذت المنهج أو لا؟ نفذته أو لا؟ غفلت أم لم تغفل؟ نسيت أم لم تنسى؟.فهو خلود واحد له وجهان فالخلود في الجنة نعيم مقيم أبداً والخلود في النار كأنه ليس بحياة فالذي في الجنة حياة ولكن الذي في النار عبّر عنه المولى عز وجل كما كان يقول العرب لمن أصيب بمرض أتعبه وأقعده وأجهده من عظمة القرآن أنه نزل بلغة العرب الذين كانوا يفهون القرآن ولم يعترضوا وكفرهم مثلاً وتكذيبهم لقصة الإسراء والمعراج كان فقط لأنهم فهموا أنه كان بالروح والبدن وإلا ما اعترضوا. فكونهم يفهموا ولم يسلموا تبين عظمة الخالق (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)) ولم يأت أحد منهم يقول أنا أسلمت وينقض القرآن. توصيف العرب لهذه المسألة فكانوا يقولون:لا هو حي فيرجى ولا ميت فينعى. فأنت لست بقادر أن تتعامل معه كحي مع أنه حي ولا أن تعتبره ميت فتنعيه وينتهي الأمر، فيقول الله تعالى (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى ﴿10﴾ وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ﴿11﴾ الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ﴿12﴾ ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا ﴿13﴾ الأعلى) (سيتجنبها: ضمير القصة) فهو لا يموت ولا يحيا وهذا أصعب موقف لأهل النار لأنه وهو في الموقف هذا الموت كان أرحم له كما نادوا (يا مالك ليقض علينا ربك) لأنه ذاقه فهو وهو نائم في القبر لم يكن هنالك عذاب مادي فعذابه الحقيقي في القبر أنه منتظر العذاب فليس هنالك عذاب مادي في القبر بدليل أنه لم يكن ليطلب الموت، فالحال في النار هو العذاب المادي بالتنفيذ أما العذاب داخل القبر فهو معنوي، ومطلق النعيم في القبر هو كما قال صلى الله عليه وسلم (ألبسوه من الجنة وافرشوا له من الجنة وافتحوا له باباً إلى الجنة) فيرى مكانه في الجنة، أما الآخر (ألبسوه من النار وافتحوا له باباً إلى النار) وفتح الباب إلى النار هو أشد العذاب فانتظار العذاب هو أشد العذاب ولكنه يوم القيامة عندما بعد دخوله النار سيطلب هذا الأمر وسيطلب لازم معنى الموت أي أنه لم يكن يشعر بالعذاب المادي فالعذاب كان معنوياً فقط وإحساس بالذي سيحدث ولذلك (ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا) فأنت تستطيع أن تصف الذي في الجنة بأنه يحيا حياة كريمة طيبة سعيدة منعمة (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ21 الحاقة) إذا كانت العيشة راضية فما بالك بالذي يعيشون هذه العيشة؟ العيشة هي التي راضية وليس هم وهذا من المجاز، العيشة راضية وأهل الجنة في رضى والله تعالى راض عنهم فهي حالة رضى متكاملة. حتى التعبير (رضي الله عنهم ورضوا عنه) والبعض يقول هذا الكلام غير منطقي وهذا كفر والعياذ بالله كالذي قال ما معنى (كيد الشيطان ضعيف). نقول لهؤلاء إذا كنت لا تعلم المعنى فدعه ولا تتكلم فيه. أن تكون العيشة راضية هذا مفهوم وأن يرضى الله تعالى عن أهل الجنة فهذا مفهوم لكن أن ترضى أنت عن الله هذا أمر نحتاج إلى كلام طويل فيه.
بُثّت الحلقة بتاريخ 18/7/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 07:32 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 14
تقديم علاء بسيوني
اختص الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بحياة خاصة وهذه منة من الله على عباده المؤمنين الذين استجابوا للهدى وطريق الهداية فأعطاهم نوع من الحياة الخاصة في الدنيا وفي الآخرة حياة متفردة وأعطى الذي أعرض عن الذكر معيشة ضنك حتى وإن بدت للأعين لأول وهلة أنها مليئة بالمتع وبالنعيم ولكنها من داخل النفس البشرية محرومة من السعادة. ويتأكد هذا المعنى في فهمنا لكلمة حياة في آية يخاطب بها المولى عز وجل الرسول صلى الله عليه وسلم (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ﴿80﴾ وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ ﴿81﴾ النمل)الخطاب هنا للرسول صلى الله عليه وسلم (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى) وقد ينصرف ذهن بعض الناس أنك يا محمد صلى الله عليه وسلم لن تكلم الذين ماتوا والذين في القبور لكن هذا المعنى مع (وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ) مسألة فيها لازم المعنى، هذا المعنى مع المعاني التي شرحناها سابقاً عن الحياة الحقيقية نريد أن نوضحها ثم ندخل على معنى القلب.
هذا من متشابه القرآن فنفس الآيات في سورة الروم والفرق في الفاء (فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ﴿52﴾ الروم) والمجاز في هذه الآيات فتح الأذهان إلى واقع الأمر بالنسبة للميت (فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) أو (إنك لا تسمع الموتى) فالمجاز هنا جاء بصورة مركبة لأنه من العبث أنت تتكلم مع ميت والكافر وإن بدا حياً إلا أنه ميت من حيث الواقع فهو ميت. فما هو الفرق بين شخص أدرك رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يفِد منها وآخر لم يدركها فالنتيجة في النهاية واحدة بل بالعكس الذي لم يدركها قد يكون في الجنة بسبب أنه آمن بمن قبل محمد صلى الله عليه وسلم. ( وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ) هم في الحقيقة ليسوا صُماً ولكن تساوى الذي يسمع بالذي ولد أصم لأنه ما أفاد من سمعه ومن يقرأ الآيات كثيراً قد يستفيق من غفلته فيحس بنفسه كمن وصفهم الله في الآيات فمن المسلمين من يسمع القرآن ولا يتأثر به ولا ينفعل به وإذا انفعل يكون انفعاله لصوت الشيخ وليس لمعاني القرآن فإذا لم ننفعل بالآيات فبماذا ننفعل؟ (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى) فالإنسان الحي حياة حقيقية تستطيع أن تكلمه وتذكره ولكن إذا كان الإنسان كالميت فلا فائدة من الكلام معه فعندما يقول القرآن (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى) فقد تعمل يا رسول الله يا محمد صلى الله عليه وسلم مع الأحياء ولكن الحي الميت فلن تستطيع أن تعمل معه شيء فالقرآن يوقع مدلول هذا المعنى (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ 22 الغاشية)، لأنك الذي لا يستجيب لك ويسألك يا محمد r أن تعلمه لذلك نقول لبعض الأخوة غير المسلمين المنطق يقول أنه من ادّعى شيئاً جديداً إسمعوه لكنهم قالوا ( قلبونا غلف) هذه الآية حجة عليهم فإذا كانت قلوبهم مغلقة فليفتحوها لأن بداية العلاج فتح القلوب. وعندما يقول تبارك وتعالى (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى) التوقيعات كثيرة في القرآن على هذا المعنى لأن المعنى ولازم المعنى والمدلول أهميتهم في أنه عندما تقول أن الشخص الذي لا يريد أن يسمع ليس منه فائدة فتعتبره كأنه ميت ولو أخذنا شخص لا يسمع ويناقش ولم يهتد فيقول القرآن للرسول صلى الله عليه وسلم (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ 56 القصص) وهكذا هو توقيعها فأنت تحبه وتريد أن تهديه ولكن الله لم يكتب له الهداية (فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ 29 الروم) الله تعالى وحده فإن لم تكن الهداية من الله تبارك وتعالى فلن تكون وهذا لا يعني كما يقول بعض الناس أنه بما أن ربنا قد كتب عليه الضلال فإنه لن يحاسبه وجاء الرد على هذا الكلام في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿6﴾ البقرة) فهم الذين كفروا فالفعل الأولي والمبادأة كانت من الإنسان وظهر هذا جلياً في توصيف النفاق (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا 10 البقرة) فهم الذين بدأوا. الكفر قضية توقيعها في القرآن غريبة، فالكفر ويعني الستر فأول ناس أثبتوا وجود الله من كفروا بالله تبارك وتعالى لأن المنطق يقول أنك لا تستر إلا من له وجود والله تبارك وتعالى واجب الوجود فطالما أنك كفرت به وسترته فأنت بذلك اعترفت بوجوده من غير أن تشعر بهذا. الكفر أول جنود الإيمان. وعلى المؤمن الحق أن يفهم هذه القضية ودرجة الإيمان في قول الحق (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا 24 الأنفال) تبين هذه القضية فمع جماعة الإيمان هناك من يسمع ولكن لم يفده سمعه. كالذي يحدث في آذان الفجر فأين الناس من المساجد إما نائمون أو منشغلون بلهوهم ومنهم من يفلسف موضوع الصلاة بحجة أن الله في غنى عن صلاته وقلبي نظيف ولله. وكل هذا يوقع قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ 24 الأنفال) أليس الآذان بدعوة إلى الله تبارك وتعالى؟ فمن يسمع الآذان ويتدبر كلامه نجده يقوم بصيانة احتمال للذي لن يصلي. فعندما يقول المؤذن حيّ على الصلاة أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نقول لا حول ولا قوة إلا بالله لماذا؟ لأنه من يكون في طريقه للصلاة ويقول لا حول ولا قوة إلا بالله كأنك قلت بلازم المعنى والمدلول: "الحمد لله الذي جعلني أذهب للصلاة" فذهابك بفضل من الله تعالى والذي لم يقم للصلاة لسبب ما أو لأن شيء خارج عن إرادته منعه يقول لا حول ولا قوة إلا بالله كأنه يبرئ نفسه بأنه الذي منعه ليس منه، فالأول يقولها لأنه ذاهب للصلاة فكأنه يحمد الله تبارك وتعالى أن يسّر له الذهاب والثاني لأنه ممنوع والثالث الذي لم يقم كان من الأولى أن يقوم لأنه لا عذر له.
ما هو مرض القلوب؟ وإذا كان مرضاً فهو المفروض أن يكون ابتلاء من الله تعالى لكن لما نسمع قول الله تبارك وتعالى (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا) هل يعاقبهم ربنا لأنهم مبتلين أو يعاقبهم لسبب آخر؟
سبب أن الله زادهم مرضاً بسبب العقد الفطري الذي قمنا به مع الحق تبارك وتعالى ونحن في عالم الذر (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ 172 الأعراف) وهذه القضية معقدة في فهمها وليس في أصلها، فهناك من يقول هل سوف أسأل عن شيء وأنا في عالم الذر؟ فأنا لم يكن لي إرادة ولا سيطرة فتسأله عندما أصبح لديك إرادة ماذا فعلت؟ جئت من أبوين مسلمين فماذا فعلت؟ وطوال قراءتك للقرآن تجد أنه يضعك في مناطق التحسين ولذلك يوم القيامة يقال لك اقرأ وارتقِ بكل شيء أنت قرأته وعملت به فهمته أو لم تفهمه لأن هناك من يتصور أنه لا ينفذّ إلا إذا فهم واقتنع وفهِم الحكمة من وراء التكليف وهذا ليس إيمان لأنه هكذا يعبد المصلحة أو يعبد الحكمة أو قناعته الشخصية أو المصلحة التي تأتيه من وراء التكليف أو عبد التكليف لكي تأتيه منه المصلحة. بمعنى آيات الصيام وآيات الصلاة فبعض الدعاة لكي يحبب الناس في الصلاة يقول لهم عن فوائدها وما أثبته العلم من ذلك أن الذي يصلي لا يأتيه إنزلاق غضروفي، وفي الصيام يتكلمون عن الصحة وفوائد الصيام لصحة الإنسان وأن الصيام لكي يحس الغني بالفقير فهل يعني هذا أن الفقير لا يصوم؟ كل هذا الكلام تبرير لا يصح لأن الله تبارك وتعالى لا يحتاج- إن صح التعبير- لمن يبرر له الأوامر إنما عباد الله في حاجة إلى من يدبر لهم الأمر ويشرح لهم الحكمة. هل هناك صيام لا يُتعِب؟ إذا أتى رمضان في شهر أغسطس شدة الحر ومع هذا سنصوم. فالمؤمن يصلي ويصوم ليس للفوائد ولكن طاعة لله حتى وإن كان فيه مشقة وسواء فهمت الأمر أم لم تفهمه. فالإيمان هو أن تنفذ الأمر سواء فهمت أو لم تفهم فالعقد الإيماني أن تنفذ التكليف دون الحاجة إلى شرح الهدف والحكمة والمصلحة التي سوف تعود عليك من العبادة فهي بذلك لن تكون عبادة. فأول تكليف لآدم عليه السلام لم يكن له تبرير ولكن كان اختبار طاعة مجرد فأمره الله أن لا يأكل من الشجرة بدون أي تبرير لأن ذلك كان بداية التكليف. وأيضاً من رحمة لله تبارك وتعالى ما حدث في هذا التكليف المبتدأ لأن آدم نسي فعصى فشرعت التوبة ولو تخيلنا الحياة من غير توبة لأصبح العاصي مخلداً في النار. ولهذا كل هذه الحكم تجعل المؤمن الحق يستمع بطريقة تختلف وهي الاستجابة ولهذا في الآيات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ 20 الأنفال) الطاعة أولاً، والطاعة تتمثل بأنك تستجيب فمناط الطاعة الاستجابة ومناط الاستجابة قوله (لَا تَخُونُوا اللَّهَ 27 الأنفال). فالنداءات المتتالية في سورة الأنفال جميعها مبنية ولها مناط (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا) ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا) فجميعها مبنية على بعضها فالطاعة أروع تمثيل لها الاستجابة، والاستجابة أنك لا تخون لأن الخيانة عكس الأمانة.
يقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) هذه هي المنطقة التي نتمنى بالخروج منها تحيا الحياة التي تعطيك في الدنيا حياة تختلف عن غيرك من الذين لم يسلموا وتستمر بك وتمدك للحياة التي في الآخرة النعيم الأبدي الذي في الجنة إن شاء الله. فتختلف حياتك في الدنيا عن غيرك وتختلف حياتك أيضاً في الآخرة عن غيرك.
هل عدم لجوء الإنسان وطلبه للعلاج من هذا المرض يعتبر بحد ذاته معصية من الله تعالى فيزيذه مرضاً. هذا يستعمله الغربيون لتبرير حالات الشذوذ عندهم؟ البعض يقول هؤلاء عندهم خطأ في الجينات وهم مرضى وحقهم أن يعيشوا كما يشاؤون؟ فكيف يرد القرآن الكريم على هؤلاء؟
لو كلامهم صح لم يكن هناك منافق عاد إلى الإيمان ولم يكن هناك غير مسلم أسلم. إذا تصرفتم في أمراض الأعضاء كان يجب أن تتصرفوا في أمراض القلوب. ( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا) كل زمان له آفة هذه الآفة تحارب بداية الدعاة. وآفة هذا العصر العلاج بالقرآن وما يقال فيه وما انتشر من نسبة محتالين زادت للغاية لأن المغفلين منتشرين أيضاً والدعاة مقصرين بلا شك ولم نبحث القضية برمتها ونصدر قول صادق فيها. فالعلاج بالقرآن الآن أصبح له أماكن وكروت وهناك من يقول أنه يعالج بالقرآن رغم أن القرآن لم ينزل ليعالج أمراض الأعضاء كالكلى والمثانة وغيرها والبعض عمل خريطة لكل مرض والسور التي تقرأ لعلاجها وكم مرة تقرأ هذه الآيات. وهذا يعتبر اتهاماً للرسول صلى الله عليه وسلم أنه قصّر فلو أن القرآن جاء لعلاج الأمراض فكأن الرسول صلى الله عليه وسلم مقصر- وحاشاه- لأنه لم يعلمنا ولو أن القرآن يعالج هذه الأمراض لكان الرسول صلى الله عليه وسلم أول شخص يتخذ هذا الأمر ويعلمه للأمة كلها، إنما الغفلة أن هناك من يقول أن القرآن يقول (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ 82 الإسراء) دون أن يكمل الآية (مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) فلم يقل أمراضاً فالشفاء المقصود به في الآية هو شفاء ما في الصدور، شفاء أمراض العقيدة وليس شفاء أمراض الأعضاء. رغم أن النفس يجب أن تعتبر عضو ويجب أن تعالج لأن علاج النفس هو أقرب طريق لتصحيح المسار في الهداية. فالرجل الذي لا يصلي نفسه مصابة، الذي يكذب والمنافق نفسه مصابة، دليل على أن النفس مصابة وتحتاج للعلاج. سألنا هؤلاء المشعوذين ما هي آلية هذا العمل الذي يقومون به فلم يجيبوا. الحجامة يقولون أنها سنة عن الرسول r وهذا لا ينفع لأنه كان دواء لبعض الأمراض في عصره والآن يريدون أن يعملوها علاجاً لكل الأمراض. الرسول r احتجم وأبو جهل إحتجم فهل فعلها سنة عن الرسول r؟ سنحاول أن نرتب حلقة نستضيف فيها أحد هؤلاء الذين يعملون الحجامة والمعالجين بالقرآن مع طبيب مختص. لذا أدعو أهل الدعوة بأن يتقوا الله تعالى إما لأنهم سكتوا وإما لأنهم يغضوا الطرف عما يحصل.
الآيات فيها إشارة للقلب: قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴿24﴾ الأنفال) ما معنى يحول بين المرء وقلبه؟
هذا الموضوع سيبين جزءاً كبيراً من الذي نعاني منه في قضية أنني أريد أن تطول الحياة إلأى أبعد مدى لكن مهما طالت ثم ماذا؟ لو تخيلنا أن الآية تنتهي عند قوله (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) سيكون الحديث عن يحول وكلمة يحول لغوياً لها معنيان والبديع في الأمر أن المعنيان يتحققا في الآية بمنتهى الإبداع. يحول من الحَوْل والحول توقيعه في اللغة على أحد أمرين: إما تغير الشيء لشيء آخر بمعنى يحوّل أو يغيّر، وإما بمعنى أنك تفصل بين هذا الشيء وبين أمر ما فتضع بينهما حائل. المعنى الأول لا يتحقق في الآية بكلمة بين . فكلمة بين أعطتنا المعنى الآخر وهو الحائل والذي حال بين الإنسان وبين قلبه. وقد تكلم القرآن في معاني كثيرة جداً حول هذه المنطقة. الإنسان يتمنى أشياء بقلبه والتمني مسألة مشروعة ولكن كان المفروض أن تجعل لكل أمنية مناط لكي تحققه. فلو افترضنا أن أمنيتك أن تدخل الجنة فهل يحدث هذا وأنت نائم أو وأنت تعمل لأن هذا الأمر يحتاج إلى سعي كما قال تعالى (وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا 19 الإسراء) والنتيجة (كان سعيهم مشكورا). فالآخرة بنتيجتها تحتاج إلى سعي مع أن الآية التي قبلها (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا 18 الإسراء) فلم يقل يسعى لأن طلبك للدنيا ممكن أن يأتي إليك من دون مجهود، إنما الآخرة تحتاج إلى مجهود. من عدالة القرآن أن الله تبارك وتعالى يقول (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴿39﴾ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ﴿40﴾ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ﴿41﴾ النجم)، فمن تمنى وأطلق العنان للتمني وفجأة تموت الصبح فالله تبارك وتعالى حال بينك وبين ما تمنى قلبك بالموت. ثم نقرأ قوله تعالى (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فهو لم يقل يحول بماذا ولكن أعطاك الحشر الذي يأتي بعد الموت. حال يحول فالله حال بين غير المسلم فالمسلم لا يتمنى ولكن يرجو والرجاء عمل والعمل ليس أمنيات والعمل يكون في حدود التكليف الذي يكون من المنهج ولذلك قال: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فهو يحول بين غير المسلم وبين قلبه بالموت، فالموت سيعطل على الإنسان أماني أطلقها من ضمنها سوف أتوب، سوف أصلي، سوف أصوم، فاقطع الأماني بالعمل لأنك لا تعرف متى تموت وأن الله تبارك وتعالى بهذه الآية يوقع (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴿16﴾ ق) لأن الحائل بين أمرين الحائل نفسه يكون أقرب للأمرين من بعضهما لبعض. فإذا قلت أن الله (يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) فالله تبارك وتعالى حال بين المرء وقلبه فهو أقرب إليك من الأماني فإذا كنت تحتاجه في الدعاء ادعوه وإذا كنت تحتاجه في الاستعانة اطلبها واستعن به فالمهم ألا تذهب للأماني ولكن اذهب للمنهج الله فتوقيع الآية توضح أن الله أقرب إليك من الأماني إما أنه أقرب إليك بالتكليف فتأخذه أو أن التكليف صعب بالنسبة لك فتستعين بالله تبارك وتعالى فكل شيء تفعله يجب أن يكون مع الله تبارك وتعالى لأنه أقرب إليك من الأماني لأنه حال بينك وبين القلب. والحول سيكون بالموت (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فالمؤمن الحق لا يتمنى ولكن يرجو (لمن كان يرجو الله) لم يقل يرجو من الله تحول الرجاء من طلب من الله إلى الرجاء أصبح اللهَ تبارك وتعالى، أرجو الله واليوم الآخر. أعجبني التوقيع (وأنه إليه تحشرون) الحول بالموت وتوصيفها: إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته فلما يأتي الموت يقول: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ﴿99﴾ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ 100 المؤمنون) انظر ماذا تفعل الأماني بصاحبها. لو قال (سأعمل صالحاً) لكانت منطقية لكنه قال (لعلي أعمل صالحاً) لكن هذه الحقيقة ويقول هنا لعل وليس فأعمل أو سأعمل لأن هذه هي حقيقتهم لأن المتمني هذه هي حياته يعيش على الأماني لكن المسلم الحق يأخذ التكليف وإن شق عليه يقول يا رب ويطلب العون من الله ولذلك ليس من الصدفة أبداً (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ 5 الفاتحة) فأنا لا أستطيع أن أعبد الله تبارك وتعالى إلا بعون من الله عز وجل إذا كنت أريد أن أعبده على مراد الله وليس على هواي لأنه لكي أصل إلى مراد الله يجب أن أستعين بالله عز وجل. ولذلك ليس من المصادفة أن تكون سورة الفاتحة رقم واحد في الكتاب وفيها إياك نعبد وإياك نستعين.
يقول الله تبارك وتعالى (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿27﴾ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿28﴾ الأنعام) ومنهم من يفعل هذا في الدنيا فإذا سئل أحدهم إذا رجع بك الزمن ماذا تفعل؟ من الأدب مع الله تبارك وتعالى أن يقول لو أخطأت أصحح ولكنهم من الكِبر بحيث يقولون أفعل مثل ما فعلت بالضبط. الشاعر قال:
ولو تبيّن ما في الغيب من حدث لكان يعلم ما يأتي ويُجتنب
ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم (لن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) لأن الكبر تعالي والتعالي ليس وصف مسلم أو مؤمن إنما وصف كافر، مشرك، منافق وعلى رأسهم إبليس وقد أخذوا هذا الكِبر من إبليس وقد أعطى المولى عز وجل معطيات التوبة لآدم وقبلها منه قبل أن يعملها (فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴿37﴾ البقرة) فهو تواب قبل أن يخلق آدم. في حين أن إبليس لم تقبل توبته لأنه رفض ورد الأمر على الآمر ومناقشة الإله الحق بالطريقة التي فعلها إبليس ليست من سمات أهل الجنة أبداً ولذلك يقول r بصدق: "لن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر".
الأمراض موجودة في القلب، ما هي الأمانات وكيف نخون الله تعالى وكيف نخون الرسول r وما الفرق بينهما؟ وكيف نتعامل مع مرضى القلوب؟ هل نتركهم؟ ما المرض الموجود في القلب وكيف نصل إلى علاج نافع؟
بُثّت الحلقة بتاريخ 25/7/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 07:33 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 15
تقديم علاء بسيوني
ما زلنا نبحث عن حالة الإنابة التي تحتاج أولاً وأخيراً إلى القلب السليم فما القلب السليم؟ وكيف نتخلص من أمراض القلوب لنحصل على حالة الإنابة لله تعالى؟. قال الله تعالى (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴿23﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴿24﴾ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿25﴾ الأنفال) من حيث التوصيف اللغوي كلمة يحول في الآيات تأتي بمعنى يغيّر أي يغير من شيء إلى شيء آخر، يحوّله ويغيّر حاله أو بمعنى الحائل أي الذي يفصل بين شيئين وهذا هو المعنى الأقرب من حيث التوقيع هنا. فالله يحول بين المرء وقلبه فالله تبارك وتعالى بينهما والحائل بين شيئين – ولله المثل الأعلى - يعتبر أقرب لهما من بعضهما فالإنسان وقلبه بينهما فاصل إن صح التعبير وهذا الفاصل يعتبر أقرب للإنسان من القلب وأقرب للقلب من الإنسان فأصبح الإنسان وما يتمناه قلبه بعيدان عن بعض. وتوقيع القرآن دائماً ما يخدم الفكرة اللغوية التي يحاول أهل اللغة أن يقفوا عليها في القرآن وهذا ما نراه في قوله (وَاعْلَمُوا) كأن هذه المسألة مجهولة فكلمة اعلموا تعطيك إشارة إلى أن هذا الأمر مجهول رغم أنه من المفروض أن يكون مفهوماً أو معروفاً لو كان الإنسان مؤمناً بمعنى الكلمة فسيعلم أنه صدق الله تعالى فيما قال (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴿16﴾ ق) فالحبل هنا هو الوريد وهذا الوريد الذي إذا قُطِع يموت الإنسان، فالوريد يمثل روح الإنسان. فالله تبارك وتعالى أقرب إليك من روحك التي بين جنبيك، الروح هي قوام الحياة والله تعالى أقرب إليك من روحك لأن الله تبارك وتعالى هو صاحب الروح. البعض لا يفهم معنى (ونفخت فيه من روحي) فهو الذي نفخ الروح في الإنسان وسنشرحها لاحقاً إن شاء الله تعالى. ففي قوله (واعلموا) المفروض أنك مؤمن وتعلم هذا الأمر وإلا فأين إيمانك إذا كنت مشككاً في أن الله أقرب إليك من أمانيك؟ لكن الدنيا تأخذنا وتلتبس الأمور ونسينا فلا يصلي البعض ولا يصوموا وهكذا. فاعلموا هنا بمثابة التنبيه لأن الإنسان غفل عن شيء ما كان يجب أن يغفل عنه. ويأتي المجاز بأن الله تبارك وتعالى أقرب إليك من حياتك وأقرب إليك مما تتصور أنت في دنياك ومما يزينه لك القلب بدليل (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ). ففي لحظة ستجد نفسك أمام الله تبارك وتعالى في (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ﴿88﴾ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴿89﴾ الشعراء). القلب يمنّي الإنسان ويجعله يسوّف ويقول لك ما زال أمامك وقت لكن ما الذي يدرينا كم سنعيش؟ فقد يموت الإنسان صغيراً وقد يموت كبيراً وعلينا أن نستعد للموت دائماً ونعتبر منه. فالله تبارك وتعالى في قوله (واعلموا) ينبه لغفلة طرأت على الإنسان ما كان يجب أن تكون وإن كانت لا يجب أن تكون في عامة الناس. ففي المسلمين والمؤمنين والمتقين والمحسنين فهم أولى أن لا تكون فيهم.
كيف لا نجعل الناس تقع في الغفلة بحيث لا يقعوا في أماني القلب كما قال الله تعالى (فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴿33﴾ لقمان)؟ الغَرور هو الشيطان والدنيا والشيطان يغرران الإنسان ببعده عن المنهج وكثرة قراءة القرآن تقوم هذا الأمر فلو أخذنا مثالاً على هذا الأمر أن شخصاً ما إنساق مع الدنيا فبدأ يترك الصلاة في المسجد وبدأ يبعد عن المنهج والبعد لا يكون دفعة واحدة ولكن شيئاً فشيئاً وهذا هو المرض الذي يصيب القلوب فالمرض لا يأتي دفعة واحدة 100% مرض ولكن يأتي على دفعات فالشيطان لا يدخله في القلب 100% لأن ذلك سيؤدي إلى صدمة تجعل الإنسان يفيق ولكنه يقوم بهذا الأمر على دفعات صغيرة بحيث إذا وصل المرض إلى 100% ستتذكر فقط آخر درجة دخلت إلى قلبك فلا تشعر بأنك وصلت إلى 100%. وهذا ينطبق تماماً على موضوع الإدمان وكيف يعالج المدمن منه فإذا كانت آخر جرعة أخذها 20 ملم فيبدأ بتخفيض الجرعات له ففي البداية يعطى 18 ملم فالـ 2 ملم لن تشعره بالفرق وسيشعر كأنه أخذ الـ 20 ملم لأن الـ 18 قريبة من الـ 20 رغم أنك بدأت بسحب الـ 2 ملم منه فلو أنك سحبت من جسده الـ 20 ملم لفقد القدرة على نفسه وربما حتى يحاول قتل نفسه وأذية الآخرين وهذا نتيجة الألم الذي في جسده. فالشيطان يدخل مقلوب هذا الأمر، ولذلك في حالة المدمن يبدأ بتخفيض الجرعات من 18 ملم ويبقى يومين على هذه الجرعة ثم تخفض إلى 17 ملم وهكذا إلى أن يأتي اليوم الذي لن يحتاج فيها إلى الجرعة لأن جسمه استجاب مع فكرة تخفيف الجرعة. وهذا هو ما يفعله الشيطان ولكن بالمقلوب فيأخذك خطوة خطوة فهو لن يأمرك بترك الصلاة أو معصية الله هكذا ولكنه يزين لك الأمر فكأن لسان حال الشيطان يقول للذي يريد أن يقوم لصلاة الفجر أنت متعب من العمل وهو لوجه الله فأنت تخدم الأمة ولكنك متعب وهذا بدنك وله عليك حق وأنت لست ملك نفسك ولكن ملك الأمة وأنت تقدم برامج دينية وهذا أمر جيد تفيد منه الأمة، فالأمة بحاجة لك- وهذا كلام الشيطان ولن يقول لك لا تصلي الفجر ولكن - لا تنزل للصلاة في المسجد، توضأ وصلي في البيت، وبزوجتك وأولادك وبذلك تأخذ ثواباً وهكذا تصلي في البيت. اليوم الثاني تريد أن تنزل للصلاة يوسوس لك الشيطان قائلاً: أنت صليت بالأمس بالأولاد والولد لم يكن يصلي وأصبح يصلي لأنه صلّى معك وهكذا، ثالث يوم يقول لك الفجر إلى الساعة السادسة فاضبط المنبه على قبل السادسة بقليل لكي تكسب وقتاً لترتاح فيه وهكذا فهو في بداية الأمر أخذك من المسجد ثم صليت في البيت ثم يؤخر وقت الصلاة في البيت ثم يزين لك أن تصلي صلاة الصبح الساعة التاسعة وهكذا خطوة خطوة حتى تصبح لا تناقش نفسك أنك لا تصلي، ومعظم النار من مستصغر الشرر.
(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فجميع الأماني تأتي من القلب ولو أن العلم أُدرِك في القلب لأقفلت بذلك حلقة شغل الشيطان. فالقلب هو الفيصل في كل الإدراك بدليل قوله تعالى مخاطباً رسوله r(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴿193﴾ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴿194﴾ الشعراء) ولم يقل على عقلك مع أن هنالك آيات تثبت أن العقل في القلب ولكن هذا من باب الاحتياط جاءت صريحة. القلب هو الذي يعقل ويتدبر ويفقه والعقل في القلب.
الإنسان قلبه يمنّيه بأشياء كثيرة ولكنه فجأة يأتيه الموت وهو ما زال يسوّف. في قوله تعالى (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) يتأكد معنى المجاز الذي في قول الحق تبارك وتعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) فالقلب يمني المرء بطول الأجل والتسويفات كأن يقول الإنسان سوف أصلي، سوف أصوم، سوف أتحجب لما أتزوج لكم من قال لها أنها ستتزوج ولا يجوز للمسلم أن يقول عندما يحصل لي كذا لأنه لا أحد يعلم الغيب وكأن هذه التي تؤجل الحجاب قطعت أنها ستتزوج أو أنها ستعيش لتتزوج وهكذا وكل هذا أماني القلب. والمولى عز وجل يقول (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) وهذا مجاز مهم جداً يحتاج لتوكيد (وأنه إليه تحشرون). بم يحول الله تعالى بين المرء وقلبه؟ الله يحول بين المرء وقلبه بالموت وهذا هو توقيع الحائل وكان المفروض أن الإنسان يرجع للمنهج قبل هذا الحشر (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فالذي يجعلك لا تستجيب لأماني القلب ووسوسة الشيطان هو قراءة القرآن فكثير ممن يداومون على قراءة القرآن بالترتيب من الفاتحة للفاتحة (قراءة الحالّ المرتحل) إن يحدث لأحدهم مشكلة ما صباحاً ثم يجد حلها - في وقت قراءته للقرآن - في القرآن أو ملمح أو إجابة أو توجيه لذلك يجب أن تكون قراءة الناس للقرآن بتدبر وبإتصال لكي يحدث له هذا الأمر وأن يخصص من يومه وقتاً خاصاً لقراءة القرآن ولو بصفحة واحدة في اليوم ولا يترك هذا الأمر للظروف وسيرى نتيجة هذه الساعة المخصصة لقراءة القرآن في باقي ساعات اليوم، يجب على المسلم أن يقيم حياته على أوقات الصلوات الخمسة وصلاة الجمعة فيبني حياته على المواقيت وهي معروفة مسبقاً ولا حجة لأحد أنه إنشغل أو لم يعرف. فكم نضيع من الأوقات بدون إستغلالها في قراءة القرآن بأوقات مخصصة ولا تتركها للصدفة لأن هذا أول طريق الوسوسة ولن تحصل. أخصص لنفسي وقتاً بعد صلاة الصبح مثلاً أو بعد العشاء أو أي وقت وأقرأ فيه القرآن بشكل منتظم والقراءة تكون بتدبر وفهم لأن البعض يقرأ ولا يفهم معاني القرآن وعلينا أن نفهم اللغة العربية التي تفسّر القرآن الكريم. ويجب على الإنسان أن يستعد لهذا اليوم (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فجميعنا ميتون ولا ناجي في هذا اليوم (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) والقلب السليم هو الذي تلقى المنهج واستوعبه وطبقه ونفذه في عباداته وفي معاملاته فلم يفصلهما عن بعض.
الناس الذين في قلوبهم مرض الناس يعتقد أن المرض من عند الله تعالى وليس على المريض حرج. لو هو مرض ألا يكون إبتلاء؟ إذن ما هو ذنبي؟ أم أنك إذا أصابك المرض لم تعالجه فزادك الله مرضاً؟
المرض الذين يكون في قلوب بعض الناس نتيجة تخليهم عن القرآن. فلو أخذنا مثالاً شخصاً أصيب بوعكة سيذهب إلى الطبيب ليكشف عليه ثم يعطيه وصفة دواء للعلاج فهل سيتخلى هذا الشخص عن هذه الوصفة؟ كذلك من بقلبه مرض ولكن الفرق أن الآخر تخلى عن القرآن الذي هو الشفاء فأمراض القلب - والتي تكون في العقائد - القرآن عالجها (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴿82﴾ الإسراء) شفاء القرآن هنا لأمراض العقيدة لأن توصيف الكفر مرض والشرك أعظم وأخطر من الكفر لأن الكافر لم يعرف ربنا لكن المشرك عرفه وبعد أن عرفه جعل له نداً ولذلك يقول الله تعالى (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴿103﴾ يوسف) ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴿106﴾ يوسف) وهو مؤمن عرف الله تعالى ومشرك وهذا ما نجده بكثرة في حياتنا من الذين يلجأون من دون الله للبشر وللأولياء وللأضرحة. النفس يجب أن تعالج كأي عضو ولا يقال هذا مريض نفسي أي مجنون للأن هذا جعل موضوع العلاج بالقرآن والسحر وكل ما يتبعها منتشراً بين الناس لدرجة أن الناس تقول أنا أفضل أن أكون مسحوراً على أن أكون مجنوناً إذا ذهب لطبيب نفسي. أمراض القلوب أمراض عقائدية تحتاج لعلاج وعلاجها في المنهج وهو كبير وكثير وصعب ولذلك يحتاج لقراءة يومية كحبة الدواء التي تأخذها كل يوم صباحاً على الريق وهكذا يكون قراءة القرآن بعد صلاة الصبح نافعة لأن عقل الإنسان لم يشتغل بعد في أمور الدنيا والشغل ومشاكله وغيره.
أمراض القلوب هي السبب المباشر بأن يعيش الإنسان بعيداً عن المنهج وتكون سبباً في تطبيق قوله تعالى عليه (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ). فالله سبحانه وتعالى يحول بينه وبين أماني القلب وأحلام القلب وتأجيلات القلب بطول الأمد وطول العمر فيأتي الموت بغتة والإنسان غير مستعد. وهناك من قد يقول أن هنالك من يموتون ولهم تسعون سنة فلم يحول بينهم وبين قلوبهم ولكن السؤال ماذا فعلوا في حياتهم؟ إن كانوا من أهل العلم يقومون بتحقيق أشياء فهؤلاء لا ينطبق عليهم معنى الآية فالقلب هنا لم يمنيهم أماني تافهة إنما كل الذي تكلم القلب معهم فيه هو رجاء طبقوه. فالأماني والأحلام تتحول إلى رجاء في الله تبارك وتعالى وهم يعلمون أن تحقق الرجاء يكون بالعمل والسعي والعلم والتلقي والبحث وهؤلاء أمثالهم كثر مثل الشيخ الشعراوي رحمه الله عاش طويلاً لكن حياته كانت مثمرة ولا تنطبق عليهم الآية. والمقصود (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فالله تعالى يحول بين المرء وقلبه حتى وإن طال عمره ولو بعد حين، فالذين طال عمرهم ولم يفعلوا شيئاً فالقلب مناهم وسوف وحتى دون أي نتيجة.
بعض الناس يؤجل أشيءا حتى يكبر في السن لكن قد يعطيه الله تعالى العمر لكن ظروفه ستختلف ولن يستطيع تحقيق ما أراده. فالفيصل ماذا فعل في حياته؟ فهناك من يموت وعمره 30 سنة ولكنه عمل في حياته وآخر يموت وعمره 90 سنة ولم يعمل شيئاً. فالله تبارك وتعالى يحول بين المرء وبين أماني القلب سواء إذا طال عمره أو قصر عمره لأنه في النهاية (وأنه إليه تحشرون). ولكن إذا أعطاك القلب الرجاء فهذا هو المطلوب والرجاء يتحقق بالعمل والبحث والدراسة والتعب فمن غير الممكن أن تحقق شيئاً من غير تعب ومن غير مجهود، لا يمكن أن أكون عالماً وأنا نائم وإنما هذا يحتاج إلى جهد وتعب ودراسة، والصحابة مانوا أهل علم وتجارة وكانوا ورعين متقين يقيمون الليل وعندما تستنفر الأمة يكونوا مقاتلين ومجاهدين ولا تتأثر لا عباداتهم ولا معاملاتهم لأنهم اتبعوا منهج القرآن. وأقل شيء يعلمك إياه القرآن هو المنهجية: أن تجعل لحياتك منهجاً وهذا ما نتعلمه من مسألة نزول القرآن وجمعه في الكتاب بطريقة معينة تعجز أي شيء ونقف مبهورين ومشدوهين أمامها ونجد المولى عز وجل قد طمأن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده الأمة بقوله (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴿16﴾ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ ﴿17﴾ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ ﴿18﴾ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴿19﴾القيامة) بيانه لا يكون لكل الناس ولكن فقط لمن يعمل ويتعب. فالقرآن يعلمك المنهجية إذا اتبعته. (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) والآية التي تأتي بعدها (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) البعض يسأل لماذا جاءت هذه الآية بعد الآية (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)؟ التقوى المطلوبة ليست للفتنة بحد ذاتها ولكن لنتائجها أي احذروا نتائج الفتنة لأن الفتنة بحد ذاتها قد ينجوا منها ناس ولكن كل الناس تبتلى وتفتن فلو قال (اتقوا فتنة) لأصبحت الجملة مطلقة وتفيد من يفتن لوحده ولكن يؤكدها المولى عز وجل بتوقيع جميل (لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) أي أنك لا تجلس وتشاهد شخصاً واحداً يفتن معتقداً أن نتيجة الفتنة لن تصيبك بل ستصيبك حتى ولم تفتن لأنك لم تردّه عن هذا الأمر. فكأننا مطالبين بأن نكون واعين لما يحصل في الكون لنأخذ على يد الظالم. وكذلك المظلوم الذي قد نتصور أنه لا يُعاقب تصيبه نتيجة الفتنة لأنه سكت على ظلم الظالم لأنه أقل شيء كان من المفروض أن يفعله هو أن يوجهه. يقول تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ 41 الروم) هل أيدي الناس كلها؟ فهل المنطق يقول أن أيدي الناس كلها كسبت بنسبة 100% ولكن هنالك 70 % -30% و80%-20% لكنهم سكتوا فالفساد سيعمهم.
هل الفتنة المرتبطة بهذه الآية مرتبطة بالفتنة يوم القيامة؟ (على النار يفتنون) بما كانوا يستمتعون بالفتنة في الدنيا سيفتنون على النار يوم القيامة (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ﴿13﴾ الذاريات). القرآن يقول (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) فإذا كان هنالك من يتفرج على الظالم منتظرين فيه يوم فإن هذا اليوم قد يعمّ الظالم والمظلوم وقد أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم مثالاً على ذلك في موضوع السفينة قال (مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها..) فالذي يريد أن يشرب من النهر يجب أن يكون على ظهر المركب لكي يستطيع أن يصل للماء والناس الذين في أسفل السفينة اقترحوا أنه ليس من اللائق الصعود إلى سطح السفينة كلما أردنا الشرب فلماذا لا نخرق السفينة خرقاً صغيراً بحيث نستطيع أن نشرب. ساعة ما يقومون بهذا الخرق ستغرق السفينة بسبب عدم إتزانها ودخول الماء إليها، وهكذا الناس الذين على ظهر السفينة أمامهم أمران إما أن يأخذوا على أيديهم (فلو أخذوا على أيديهم لنجوا ونجوا جميعاً ولو تركوهم لما قالوا لغرقوا وغرقوا جميعاً) فيجب على الإنسان المسلم الواعي عندما يسمع عن شيء غير مألوف يريد أن يقوم به شخص ما عليه أن يأخذ على يديه ويمنعه لأن في منعه نجاة لهما نجاة للقريب عن المصيبة والبعيد عنها لأن المصيبة عندما تعم ستعم على الكل. (كانوا لا يتناهوا عن منكر فعلوه) يقالبها قوله تعالى (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴿3﴾ العصر) ويأتي الصبر في الآيات لأن ليس كل شيء يأتي على مراد الإنسان، فالصبر هنا يكون على التواصي نفسه والصبر على انتظار الأمر فأنت عليك أن تسعى لكن إدراك النجاح هذا موضوع مؤقت في علم الله وليس كل الناس تستجيب من أول مرة والصبر هنا للموصي وللموصي له.
بُثّت الحلقة بتاريخ 1/8/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 07:34 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 16
تقديم علاء بسيوني
تكلمنا في الحلقة الماضية عن الفتنة وهنالك كثير من الناس من يعتقدون أنهم إذا لم يظلموا فبذلك هم غير معنيين بما يحدث واكتشفنا أن هذه فكرة خاطئة وخادعة وأنه إذا لم نأخذ على أيدي الناس الذين يخطئون وننبههم وننصحهم وأصلحنا سنشترك معهم في الوزر والمجتمع كله يتحمل النتائج والأوزار. فمسألة الفتنة ستصيب الجميع ووزرها سيصيب الجميع دون التفريق بين الصالح والطالح لأن الكل سيشترك في الوزر قال الله تعالى (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿25﴾ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿26﴾ الأنفال) الفتنة لا تصيب الظالم فقط ولكن تصيب الظالم ومن سكت عن ظلمه وتصيب الطالح وتصيب الصالح الذي بخل عن نفسه وعن غيره بالنصيحة والتواصي بالحق والصبر على ذلك الصبر على دوام النصيحة والصبر على انتظار النتيجة المرجوة، فهل هذه الفتنة مرتبطة بالدنيا فقط أم أن هنالك نتيجة لفتنة أخرى يوم القيامة فتنة على النار؟
لكن أولاً يجب أن نعرف ما هي الفتنة؟ فاللفظ أحياناً يأتي بمعنى وفي آية أخرى يأتي بمعنىً آخر. وأصل كلمة الفتنة أي اختبار الذهب بتسليط النار عليه لكي تستطيع أن تميز بين الذهب الخالص والذهب المخلوط فأصل كلمة الفتنة هو وضع الذهب على النار لاختباره، لتجريده لتخليصه. ويقول الله تعالى (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ﴿2﴾ العنكبوت) إذن أنت معرض للفتنة بواقع هذه الآية فأنت ستفتن ولا يمكن أن تدخل الجنة أو تأخذ الجزاء الحسن بدون اختبار وهذا الاختبار مرتبط بأنك قلت أنك آمنت فلا بد أن يختبر هذا الإيمان (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا) إثبات الإيمان ليس بالقول فلا يكفي أن تقول أنك مؤمن فما حقيقة هذا الإيمان ومقوماته ودعائمه وأسسه ومظاهره؟ كالذي يقول أنا مؤمن ولا يصلي ولا يصوم ولا يزكي ولا يتعامل مع الناس بالحسنى فكيف ستحكم عليه أنه مؤمن؟ ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا) هل يكفي القول أنك آمنت؟ (وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) فالفتنة هي الابتلاء، الامتحان، الاختبار الذي يتعرض له الناس فالفتنة مسألة قضى بها الله سبحانه وتعالى. وعندما يقول (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا) الإصابة هنا ليست بمعنى التوقيع أو بمعنى الاختبار فالفتنة هنا غير الفتنة التي هنا غير الفتنة التي ذكرتها الحلقة الماضية: فالفتنة التي في النار (عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) الذاريات) هذه قضية تعذيب فأخذنا من الفتنة النار، وفي سورة العنكبوت الاختبار والامتحان والابتلاء الواقع في الناس كلها، أما هنا في سورة الأنفال (وَاتَّقُوا فِتْنَةً) نتيجة الفتنة العقاب على الفتنة، العقاب على الابتلاء. وهذا يدل على توقيع القرآن البديع. والتقوى مرحلة من مراحل حياة المؤمن الحق أو المسلم الحق وهي تجديد للإيمان الفطري فهنا عندما يقول (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ) الإصابة هنا ستكون في عقابهم تكون في عقاب ينزل فيهم، وأقل الظلم ظلم النفس وأبشع الظلم ظلم النفس لأنه سيكون في النار وقد يبدو أنه أقل أنواع الظلم ولكنه أبشع أنواع الظلم لأنك لو ظلمت غيرك فإنه سيجد من يدافع عنه ولكن إن ظلمت نفسك فمن سيدافع عنها؟ لأنك لا تدري أنك تضر نفسك فظلم النفس أقل أنواع الظلم في التوقيع لكنه أقسى أنواع الظلم على النفس، فالعقاب في الآية سيعم والفتنة هنا ليست في الابتلاء ولكن وقوعك في الخطأ، وقوعك في المعصية، فأنت تمتحن بمعصية ولو قسنا هذا على فتنة الذهب فالذهب يدخل النار لكي ينقى من الشوائب أو كأني أفصل المعدن النفيس الأصيل النقي لوحده والشوائب لوحدها وكأنني أقول للإنسان من أي نوع أنت؟ من المعدن النقي النفيس الأصيل أم من الشوائب؟ وهذا هو السبب في استخدام كلمة فتنة وليس ابتلاء لأن الابتلاء أخف من الفتنة لأنه ليس معه كلمة نار ولكن كلمة فتنة معها كلمة عذاب في حين أن الذهب لا يتأثر بالنار الذي يتأثر بالنار ما دون الذهب وما هو أقل منه فكأننا باللغة تقول إن المعدن الأصيل المسلم الواعي لا يؤثر فيه الابتلاء بل بالعكس يخرج منه رابحاً ولذلك (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) إذا أنتم سكتم. كأني باللفظ أن الفتنة ستصيب الذين ظلموا والذين لم يظلموا ما ذنبهم؟ كأننا بالفتنة ستصيب الذين ظلموا لكنها أيضاً تكون امتحاناً لغير الظالم هل سيسكت؟ موافق بقلبه؟ رافض بقلبه؟ ولذلك (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴿19﴾ غافر) لأنه ربما يكون هناك من يستنكر فعلاً ما ولكنه من داخله موافق عليه والعكس بالعكس فهنالك من لا يتكلم ولكن من داخله غير موافق ورافض لهذا الأمر فالمولى عز وجل مطلع وهو الخبير المحيط العليم العلام فله سبحانه وتعالى صفات إياك أن يتسرب إلى نفسك أن هنالك شيء سيمر دون علمه ولذلك هم يقولون (مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا (49) الكهف) فهذه القضية يجب أن تكون في ذهن الناس وهذه القضية ستغيب على غير المؤمن فيظن أنه يستطيع أن يستتر وأنه غير مراقب وأنه غير مدرك وكثير من الناس يقعون في هذا الأمر. وهنالك من يرى الخطأ يصدر من جيرانه أو زملائه في العمل أو حتى من رؤسائه وهذه تكون أصعب لأنه لو كان رئيسه في العمل مرتشي أو غير منضبط أو يقوم بأعمال ضد مصلحة المؤسسة التي يعمل فيها يتراجع هذا الموظف من نصحه خوفاً من نتائج هذا النصح سواءً كان طرداً أو اضطهاداً أو سوء معاملة وهذه هي القضية. وهذه الإصابة ستكون على الظالم بعقاب في النار ولغير الظالم تكون تكفير له من السيئات ثم يكون في الجنة لكن بواقع أمره برفضه للظلم ولو حتى بقلبه وهذا أضعف الإيمان ثم يكون في الجنة وتقول الآية (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) وفي الآية التي تسبقها (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴿24﴾ الأنفال) ففي الآية التي تلي (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) قوله (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) اذكروا هنا أي اذكروا أيام مكة المكرمة عندما بدأ الإسلام، كيف بدأ الإسلام؟ وفي قوله (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) عمر بن الخطاب أقرب مثال فالذي نظر إلى عمر في الجاهلية لا يصدق أنه ممكن أن يكون مسلماً في يوم من الأيام ولكنه يسلم ويصبح مؤمناً ومتقياً والثاني في الصحابة بعد أبو بكر الصديق وفي الخلافة ويسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه أن يعز الإسلام به وفي هجرته رضي الله عنه إلى المدينة كان الناس يخرجون مستترين وبالخفاء وهو رضي الله عنه وقف ممسكاً سيفه وأعلن لأهل مكة أنه من يريد عمر فليظهر نفسه، ورغم أنه عمر فالرسول صلى الله عليه وسلم أمسكه من مجامع ثوبه قبل أن يسلم ويقول له ماذا تريد؟ لماذا أتيت؟ فهناك شجاعة عند الرسول صلى الله عليه وسلم غفل عنها الكثيرون. فأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الذين كانوا معه في الدار عندما علموا أن عمر هو الذي بالباب ذهبوا ليختبئوا إلا الرسول صلى الله عليه وسلم ففتح له وأمسكه من مجامع ثوبه وقال له ماذا تريد يا عمر؟ فهذا الأمر أخفض نبرة صوت عمر رضي الله عنه وقال جئت أسمع القرآن. فهذه استجابة المولى لدعاء النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
يقول المولى عز وجل (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) هذه الآيات تتكلم عن العقاب للذي سيتقاعس عن قول كلمة الحق أو النصح أو كلمة الإصلاح إذا رأى ظلماً وفي آخر الآية الله سبحانه وتعالى يقول (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) فهذا يعني أن هذه العقوبة هي نتيجة السقوط في الامتحان. جاء في الآية كلمة (واعلموا) لأن غالبية الناس ليس معلوماً لديهم هذه الصفة لأنهم أخذوا صفات الكمال فالإنسان فرح أنه الرحمن الرحيم ونسي قوله (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴿49﴾ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ﴿50﴾ الحجر) لكن نحن نأخذ الآية الأولى ونسينا الثانية لأن الناس يجب أن تعرف عن الله تبارك وتعالى أنه لو يبقى رحمن فقط الرحمة لا تتحقق، لا مذاق لها إنما عندما يكون رحماناً وهو شديد العقاب فتكون الرحمة منه على أشدها لأنك تعرف العقاب ومقدار شدته فيكون للرحمة قيمة عالية ومثال ذلك- ولله المثل الأعلى- دون تشبيه أو تمثيل أن هنالك حيّ وفيه رجل أحمق فلا أحد في الحيّ يحب أن يصاحبه ويوجد آخر فتوة فيحترمونه الناس ويقدمونه في كل شيء خوفاً منه والسلام منه شيء عظيم ولو أن الأحمق قال لك أنني سامحتك سيكون ردك وهل بيدك شيء لتفعله غير أن تسامحني ولكن عندما يسامحك الفتوة أمر آخر ويكون وقعه عظيم لأنه قادر على أذيتك. وبدون تشبيه هذه هي صفات الجلال والكمال في الله. بدأ الكتاب بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) لأن الله لوحدها ترعبك ولكن الرحمن الرحيم تهون عليك الأمر وتأخذ المنهج وخلال تتبعك للمنهج ستجد صفات جلال وكمال أو صفات كمال وصفات جلال فتفهم أن الاثنان لا ينفصلان. فالله تعالى واحد والذات واحدة وقد كتب في كتاب عنده سبحانه وتعالى إن رحمتي سبقت غضبي هذا قضاء الله فساعة خلق الخلق كتب في كتاب عنده أن الرحمة سابقة للغضب لأنه قوي، قادر، قدير، مقتدر، فهو ليس ضعيفاً أو له حاجة أو له شهوة فهو سبحانه وتعالى منزّه عن كل هذا. ولكن يجب أن نفهم كلمة (واعلموا) كأن الأمر فيه تناسي حتى (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ﴿99﴾ المؤمنون) وهذا لا يحدث ولو أنك قرأت المنهج لعرفت أنه لا يوجد رجوع. ولذلك (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) كان من المفروض أن شديد العقاب تكون معروفة قبل الرحمن لأنه هو عندما يقول (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴿49﴾ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ﴿50﴾) والمتلقي الواعي يجب أن يحذر العذاب لكي يحصل على المغفرة والرحمة فيتجنب المعاصي ويتجنب السيئات لكي يمشي في الطريق الذي رسمه المنهج لأن الرسالة عبارة عن رسالة برسول: محمد صلى الله عليه وسلم، بموصِّل: وهو جبريل عليه السلام، بإلهٍ حق. وكل هذا تم لأجلك لأنه لو أن التكليف كان من الله لكل شخص لتعب الإنسان ولن يقدر أن يأخذه فهل أنا فهمت هذا الأمر؟ وعملت به؟ وشكرت عليه؟ أن يصطفي الله من الملائكة ملكاً وأن يصطفي من البشر رسولاً وأن يختار رسالة لأجلي أنا رغم أنني لا شيء فمن أنا؟ ألا يستحق هذا الشكر والحمد آناء الليل وأطراف النهار؟ ولذلك (واعلموا) كأنك تعلم شيئاً آخراً أو أنك مشغول بأمر آخر ثم يقول (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) هنا سيأتيك من الحالة التي أنت فيها بعيداً عن علمك بأنه شديد العقاب إلى ما كان عليه المسلمين الأوائل. فعندما يجد الإنسان نفسه في عزة بمال أو جاه أو علم أو أي شيء آخر فليحمد الله ولا ينسى الماضي وكيف بدأ ولا الاحتمال بأنه كان من الممكن أن يظل حاله على ما هو عليه أو حتى ينزل.
فكلمة (اذكروا) تدل على أنه حصل نسيان للقيمة والعبرة فلما قال (واعلموا) كأنك أنت ذاهب في طريق التناسي فأنت تعلم شيئاً ما ولكن اعلم معه أنه لا يجب أن تتمسك في الرحمن وتنسى أنه شديد العقاب فإذا أخذت الرحمن لوحدها وأنت تعمل حسنات لا بأس ولكن أن تتمسك بها وأنت مستمر في المعاصي هذا خطأ. وإذا كنت كذلك ولا نية عندك للرجوع عن المعاصي لأن كل ابن آدم خطاء فاعلم أن الله شديد العقاب والفيصل بين المولى عز وجل وبيننا أنه أرسل رسولاً (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴿15﴾ الإسراء) (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴿172﴾ الأعراف) فلا يستطيعون أن يحتجوا بالغفلة لأنه كانت هنالك رسالة ورسل والرسل تنبّه فتزول الغفلة لكن نحن إلى الآن مستمرين في الغفلة فقال (وَاذْكُرُوا) حتى ولو لم تكونوا أنتم فوقفة التدبر هنا مهمة جداً بالذات في الأزمة التي فيها الأمة الآن (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ) فهل ضعفنا الآن كان أكثر من ضعف أهل مكة ساعة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ بالطبع لا فنحن الآن أفضل بكثير ولكن الأمر تحول بطريقة حتى في التلقي اختلف (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ) فأنتم هذه ليس أنتم ولكن يقصد بها أصولكم جذوركم وقارنوا أنفسكم بالذين كانوا قبلكم. يجب على كل مسلم أن يعرف كيف بدأ الإسلام وإلى أين وصل وإلى أين انتهى؟ ويعيش هذه المراحل فعندما بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبدأ مستتراً وكان أتباعه ينكرون إسلامهم إذا سئلوا. أما اليوم ومن يقول أن الكفر أقوى وغير هذا من الكلام فهو على الأقل يعلن إسلامه وحتى في بلد الكفر فليقارن بين هذا وبين حالهم فلقد كانوا ينكرون ويخفون إسلامهم وهم في بلدهم، في مكة. فالمرحلة مختلفة ولذلك يقول الله تبارك وتعالى (وَاذْكُرُوا) واستفيدوا، اذكروا واعملوا، فهذه قضية تم عكسها إلى درجة أن في آية في القرآن عندما تذكر وأسأل الذي يشرحها ما الذي تقصده أجد أنه يقصد جانباً واحداً فقط (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم (11) الرعد) فالشارح يشتغل على أنه يجب أن نصلح أحوالنا حتى نكون صالحين مثل ما كانوا هم في السابق صالحين. ولكنه غاب عنه أن يأتي بالمقابل فما الذي جعل الحال ينقلب من الأحسن إلى الأسوأ؟ فإذا لم تعرف هذه فلن تستطيع أن تأتي به من الأسوأ إلى الأحسن أبداً لأنك لم تعرف أن تشخص المرض فلن تستطيع أن تأخذ الدواء المناسب. فهو يشتغل في كيف ولكنه لن يصل إلى كيف أبداً طالما أنك لم تعرف أن تشخص ما الذي جاء به من حسن إلى سيء. ومثال بسيط لذلك أن مرض السرطان (cancer) لم يوجد له علاج إلى الآن لأنه لم تعرف مسبباته. ومثل ذلك شرح الآية فهم يتحدثون كيف نصلح وكيف نصل؟ ولكنهم لن يصلوا أبداً. وإذا كانوا يريدون أن ينتقلوا من سيء إلى حسن يجب أن يفكروا أولاً ما الذي جاء به من حسن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين إلى هذا السوء الذي نحن فيه؟ طبعاً سنين كثيرة وأمراض كثيرة وأخطاء كثيرة ولكن إن لم يعالجها فلن يستطيع أن ينتقل من سيء إلى حسن ولذلك يجب أن نعرف ما الذي جاء به من حسن إلى سيء لكي أستطيع أن أعالج. فالآية تقول (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ) وهنا لم يقل إذ كنتم فالكلام ليس لك ولكن لجذورك ولذلك استخدم إذ أنتم. (قَلِيلٌ) ونحن الآن كثير ولكن كغثاء السيل. الكم والكيف القضية الأزلية والكيف هي حجر الزاوية في أي موضوع وكثيراً ما نصلي ولكن أحياناً ما تشعر بأربع ركعات مختلفين هم أربع دائماً فالكم واحد ولكن الكيف اختلف لأنك وأنت داخل توضأت جيداً، ركزت في الوضوء، وقفت وقلت أنني سأقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة الليل وفي الثانية الضحى وكنت مركزاً في الصلاة وهذه نقطة غابت عن المصلين فنحن ندخل الصلاة ونكبر ولا ندري ما الذي سنقرؤه وهذا الذي يؤدي إلى النسيان والسهو في الصلاة.
الآية (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) واضحة وصريحة بأن العقاب سيعم الجميع الظالم ومن سكت عن الظلم ولأجل هذا قال (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ) أي أن الفتنة ستصيب ستصيب فإذا كنت من أهل التقوى أنت لن تتقي الفتنة ولكن ستتقي عقابها لأن الفتنة أنت ليس من المفروض أن تتقيها ولكن المفروض أن تنجح فيها. فيجب أن تتقي عقاب الفتنة، أن تتقي عقاب الامتحان، مثل الذي يدرس للامتحان والامتحان الكل سيدخله ولكن هنالك شخص سينجح فهو قد اتقى ليس الامتحان ولكن النتيجة. اتقى يوم النتيجة وبالمثل يوم الحساب اليوم الذي حذرنا الله منه. في هذا اليوم ستعلن نتيجة الفتنة (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) أي أنها ستعم (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) شديد العقاب ليس بالفتنة ولكن نتيجة الفتنة فيسأل أنت الدنيا كانت بالنسبة لك امتحان فمرة كان لديك مال فما الذي فعلت به؟ ومرة لم يكن لديك فما الذي فعلته؟ هل سرقت وأخذت من هذا ذريعة لكي تسرق؟ فهنالك من يبرر السرقة وفرحون للغاية أن عمر رضي الله عنه عطّل حدّ السرقة في عام الرمادة وتركوا كل الذي حصل في عام الرمادة وقالوا أن عمر عطّل حدّ السرقة في عام الرمادة وهذا ليس عذراً لكي تسرق فهل لديك عام رمادة؟ وكل من لا يملك مال يسرق؟ هنالك أمور الشيطان والنفس تسول إليك فعلها، فالله تعالى يقول اتقي هذا الأمر واتقي كل هذه المراحل (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) فهو شديد العقاب ليس بالفتنة ولكن بعقاب الفتنة في يوم العقاب والعقاب هنا قمة العدل (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴿14﴾ الإسراء) فأنت الذي ستقول إما جنة وإما نار لذلك هناك قناعة تامة بما سيحدث في ذلك اليوم لأنك أنت الذي ستقرأ. فالسلبية مرض خطير في المجتمعات الإسلامية وهو يتكلم في هذه النقطة عن سلبيتك في لأنك لا تأخذ بيد الظالم. وهذا هو الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث السفينة فلو أنهم أخذوا على أيديهم ومنعوهم ومن أن يفعلوا الخرق لأنهم يظنون أنه سيسمح بدخول الماء ولكن الذي سيحدث هو أنه سيؤدي إلى غرق السفينة كلها بالناس الذين هم تحت والذين على ظهر السفينة وذنب هؤلاء- الذين على ظهر السفينة- أنهم لم يأخذوا على أيديهم ولم يمنعوهم فكلام الرسول صلى الله عليه وسلم واضح فلو أنهم أخذوا على أيديهم لنجوا ونجوا جميعاً ولو سكتوا لغرقوا وغرقوا جميعاً. فالغرق سيعم وكذلك النجاة. فمقابل أن الرجل الظالم الذي ترك أصاب الكل والنجاة للمظلوم لن تكون إلا يوم القيامة على قدر نيته وعمله لأن الله يتعامل مع خائنة الأعين وما تخفي الصدور على قدر أنك لو أخذت على يده كنت نقلته من إطار الظلم إلى إطار العدل فعظمة أنك تتدخل مع الظالم لمنع وقوع ظلم عليك وجهة قاصرة فأنت منعت وقوع ظلم عليك وحولته من ظالم وقد يكون الظلم حتى بالجهل إلى متقي وواعي ومتدبر فأنت لم تمنع شراً فقط بل حولت طاقة شر إلى طاقة خير ولذلك جاءت ألفاظ القرآن للجماعة: اعلموا، اعملوا، أقيموا، فلا يوجد تكليف فردي.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) في مرحلة في هذا الأمر لست أنت من بلغت ولكن شخص آخر ولكن عن بلاغك أنت فالبلاغ متواصل ومستمر من شخص إلى آخر والأجر مستمر بفضل الله ثم بفضلك. وهنالك من الناس من يريد أن يفعل شيئاً للميت ولكن هل هذا الميت عمل سنة جارية أو صدقة جارية قال الرسول صلى الله عليه وسلم (انقطع عمل أبن آدم إلا من ثلاث ) فمهما فعلت للميت هل ستفعل له شيئاً أكثر من شيء هو فعله لنفسه؟ ولذلك بدل من أن يفعلوا للميت افعلوا لأنفسكم (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴿39﴾ النجم). ولو أخذنا المقابل لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم فمن سن سنة سيئة والناس اتبعته وفعلت مثله سيحمل وزرها إلى يوم القيامة. فهناك من يبني مسرحاً والآخر يبني مسجداً ومن يبني سينما والآخر يبني مدرسة أو مستشفى وهكذا وهنا يظهر الوعي أنت ماذا تفعل؟ ولذلك عندما تسمع الآيات: واعلموا، واذكروا أي أن هنالك شيء يحدث وأنت متجاهل ومتغافل عنه، فالمنهج يعيدك ويحثك على مقارنة نفسك في زمانك هذا بمعطيات الزمن الأول. قال الرسول صلى الله عليه وسلم (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) وعندما سئل صلى الله عليه وسلم هل يكون المؤمن بخيلاً؟ قال نعم، وهل يكون جباناً؟ قال نعم، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول ممكن وليس مستحباً أو الأفضل وعليه أن يغير هذا. وعندما سئل أيكذب المؤمن؟ قال:لا أي أنه مرفوض عند الرسول صلى الله عليه وسلم أن المؤمن يكون كذاباً. وهنالك من يكذب ويقول سئل أيسرق؟ أيزني؟ وهذا كذب. فالكذب مرفوض تماماً عند المؤمن لأنه لو أن شخصاً كذب فسيسرق فإذا سئل سيكذب، وسيزني فإذا سئل سيكذب، فالكذب سيكون مدخلاً لكل المعاصي لأنه سيكذب عندما يسأل لكن لو كان صادقاً فإنه لن يزني لأنه لن يستطيع أن يكذب إذا سئل. فالكذب ليس لديه ولا يعرف أن يكذب وسينتهي في النهاية على الموقف الذي تكلم عنه القرآن بأنه سيكذب على الله وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم وسيكون التحريف والتأليف الذي حصل للتوراة والإنجيل وكل هذه القضية برمتها ولكن هذا لا يوجد في الإسلام لأن هناك خطوطاً حمراء فالكذب في الإسلام خط أحمر.
بُثّت الحلقة بتاريخ 8/8/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 07:36 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 17
تقديم علاء بسيوني
نحن في رحلة البحث عن حالة من المعية الإلهية، ولن ينفع الإنسان أن يصل إلى الضالة المنشودة، حالة المعية، حالة التوبة المستمرة والإنابة المستمرة إلى الله إلا بقلب سليم. وقد اشرنا أن القلب تصيبه أمراض عدة وأن خطورة الإنسان المسلم في المجتمع أن يكون مسلماً سلبياً، مسلماً صامتاً عن الحق يرى ظلماً ويرى ظالمين ولا يحرك ساكناً. وكما ورد في الآية أن الفتنة لا تصيب الظالمين فقط ولكن غير الظالمين أيضاً لسكوتهم عن الظلم ولم يقدموا النصح والنصيحة لله. فالوقوع في الفتنة خطر يعم المجتمع المسلم كله وليس خطأ فردياً؟.
يقول الله تعالى (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا (40) طه) كلام من المولى سبحانه وتعالى إلى موسى لما وكز المصري فقتله، واستخدم فتوناً وليس فتنة فالمفعول المطلق هنا جاء فتوناً وليس فتنة. وهذه الآية من الآيات الجامعة بدلالة المعنى وهو كلام من الله سبحانه وتعالى لموسى يستعرض فيه بعض المواقف في بداية الآية. وجملة (فتناك فتوناً) تشمل من أول إلقائه في اليم وتشمل كل فتنة تعرّض إليها موسى عليه السلام من أول فتنة إلى آخر موقف. وهذه الجملة (وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا) من الجمل الجامعة بدلالة المعنى وليس بالمعنى لأن المعنى لا يعبر(وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا) معناها لن يعطيك لازم المعنى الذي شمل كل موقف وكل فتنة تعرض لها موسى منذ ألقي في اليم إلى أن يلقى الله تبارك وتعالى. وكلمة فتنة جاءت في القرآن 30 مرة ولكن بمشتقاتها تتجاوز الـ 40 والمعنى يختلف من آية لآية. فمرة تكون الفتنة الابتلاء، ومرة التعذيب، ومرة العذاب، ومرة الخبرة، وهكذا ففي كل آية حسب وقعها لكن - وسبحان الله - لن تجد آية تبتعد عن واقع الفتن لأن كلمة فتنة أتت من الفَتْن. والمولى عز وجل في الآية من سورة طه لم يقل وفتناك فتنة ولا فتناً ولكن فتوناً فهو عز وجل لم يجمع الفتنة فالفتنة واقعة فعندما تقول فتنة أي مرة، وعندما تقول فتن تعني مرات، لكن الفتون من مصدر الفتن نفسه وليس مصدر الفتنة. وسبحان الله هذه القضية عندما تقرأها في القرآن تجد أن القرآن لم ينزل معجزاً لهم فقط بل نزل لتعجيزهم لأن ما معنى كلمة فتنة؟ الصائغ الذي يصفي الذهب والفضة من أي شوائب كانت بهما يسمونه العرب فتّان - وهو غير المعنى الدارج لدينا الآن وهو أن الفتنة تعني النميمة والغيبة وهذا معنى شائع على سبيل الخطأ والقرآن لم يأتي بهذا المعنى مطلقاً ونحن المفروض نأخذ لغتنا من القرآن على كل المسلمين أن يكون مصدرهم الرئيسي القرآن -ورغم تعدد معاني الفتنة في القرآن وأن كل فتنة مختلفة عن التي قبلها إلا أنها ترجع للمعنى الأصلي من الفتن. فهذا الصائغ يُدخِل الذهب وما علق به من شوائب ويُدخِل الفضة وما علق بها من شوائب لكي يخرج الاثنان- الذهب والفضة - لأنهما أغلى عنصرين هو يبحث عنهما. عندما يدخل الذهب مع شيء ما النار هذه العملية تسمى فتنة أو فتن. فأنت هكذا تفتن، فالفتان يفتن النار: عرض عليها الذهب والشوائب، فنجد أن الذهب لم يتأثر بالنار فهو لم يفقد خصائصه ولم يلوث ولكن بالعكس نقي وأصبح ذهباً خالصاً وهؤلاء هم أهل الجنة من الفتن كأنك بالذهب والشوائب أنت أدخلت الناس كلها الفتنة، الذهب هم أهل الجنة، المؤمنين، المتقين، المفلحين، هؤلاء نجحوا في الفتنة. والشوائب التي لم تنجح في الفتنة سيبقى لها النار أبداً. فالذي يدخل نار الابتلاء في الدنيا وينجح فيها فلن يدخل ناراً أخرى وسيدخل الجنة وتبقى الشوائب وهم الكفر والشرك والنفاق هؤلاء هم الذين لم ينجحوا في الفتنة. فالفتنة ابتلاء، امتحنت هذا وامتحنت هذا، فالذهب ذهب والفضة فضة والباقي لم ينجح. فالفتان هو الذي يقوم بالاختبار وكأن باب الفتّان هو المختبر ويمتحنون الناس في داخله. الذهب نجح والشوائب ليس لها قيمة هذه ستأخذ فتنة أخرى بلازم معنى الفتنة وهي (عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) الذاريات) هنا يفتنون بمعنى يعذّبون لأنهم لم ينجحوا في الفتنة الأولى المطلقة وذلك في قوله تعالى (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ﴿2﴾ العنكبوت) والفتنة هنا بمعنى الامتحان، فقول الحق تبارك وتعالى لموسى (وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا) أي عرّضناك لابتلاءات كثيرة جداً جعلتك ناجحاً وخبيراً وأكسبتك خبرة وقدرة في التعامل. (وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا) فكأن كل ابتلاء لك يا موسى كان في صالحك جعل منك شيئاً. فالله رب العالمين يعرض الأنبياء المصطفين المختارين لهذه الابتلاءات والمحن ولذلك لا يجب على المسلمين أن يعترضوا على هذه الابتلاءات بل بالعكس يجب أن يحمدوا الله عليها فلو أخذنا قوله (وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا) وهذا نبي والمفترض أنه مصطفى من الله تبارك وتعالى لكن من اصطفائه له أنه يعرّضه لكي يكون لك عبرة وعظة وهذا أيضاً سبب وجود قصة موسى ونوح وأي نبي آخر في القرآن الكريم. وفي قوله (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) دليل على أن جميع البشر معرضون للفتنة فالمؤمن الواعي يبحث عن الفتنة لكي ينجح. فالمولى عز وجل أخبرنا أننا سنُمتَحن وأعطانا الامتحان. هنالك مواضع كثيرة في القرآن تكلمت عن الفتنة:
في قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِه (7) آل عمران) الفتنة شاملة هنا. الآيات في القرآن نوعين محكم ومتشابه. هم لا يقدرون أن يتكلموا في المُحكم لأنه شارح لنفسه أما المتشابه تجد فيه كلمات الناس يختلفون عليها مثل التأويل والتفسير وكل شخص يفسرها كما يريد ويختلفون حول الضمير وعائد على ماذا؟ وتوحيد الضمير وهكذا. فهم يقعون في هذه الأمور ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله. فالفتنة هنا جاءت بمعنيين: ابتغاء الفتنة لهم فيه ابتغاءين أول أمر يزينوا لك كلمات في القرآن لكي يوقعوك في المعصية فيكون لك الفتنة بلازم معناها أي يفتنوك بأصل المعنى لكي يبقى لك لازم المعنى وهو العذاب. لأن الفتنة لها معنيين الامتحان والاختبار وما يصقلك وما يجعل لك خبرة وكذا وكذا فإذا لم تأخذ هذا الكلام بنجاح ستبقى (عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) أي يعذبون فتكون الفتنة هنا بمعنى العذاب بلازم معنى الفتنة وليس بمعناها المطابق. فابتغاء الفتنة بمعنييها لأن الكافر يريد الناس جميعاً أن يكفروا كما اللص يريد أن يكون الناس جميعاً لصوصاً فلا يريد أن يكون لوحده ولذلك هنالك من يشعر بالانزعاج والضيق إذا رأى شخصاً ملتزماً يصلي ويصوم وذو خلق حسن ولذلك يبدأ يزين لك المعاصي. فتنة بمعنى أنه يفتنك أي يزيّن لك، يغرّك، يخدعك، وهذه فتنة لكي تفتن وتقع فتكون بلازم المعنى فهم يبتغون الاثنين: أن يوقعوا فلاناً لكي يكون العذاب مضموناً فهو كأنه يقول لا أدخل النار لوحدي فإذا كانت لي النار فلنكن جميعاً فيها وهذه هي ابتغاء الفتنة، فهو يتمنى أن يقع فلان ولو في معصية. فالصائغ يسمى الفتّان والشيطان يسمى الفتّان لأن الشيطان يبحث عن هذه الفتنة. وأول من يحاول إيقاعك في هذا الموضوع هو الشيطان، وعندما نذكر الشيطان هنا فهنالك تعبير في القرآن وهو كلمة "شياطين" وهي لا تعني ذرية إبليس فقط بل تطلق في القرآن أحياناً على منحرفي الإنس، شيطان الإنس. وأول إطلاق لها في الكتاب جاءت بهذا المعنى (وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴿14﴾ البقرة) وهذا كلام المنافقين وشياطينهم هنا ليسوا جنّاً وإنما إنس والعياذ بالله. فنرى أن في القرآن أول إطلاق للفظ كان عن الجن ثم عندما بعث القرآن كتاباً والبقرة هي السورة رقم 2 بعد الفاتحة كان أول استخدام للكلمة في الكتاب شياطين لم تأتي عن الجن (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴿14﴾ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴿15﴾ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى (16) البقرة) فهؤلاء ليسوا شياطين جن فهنالك فتانين ليسوا جناً ولكن إنس وشيطان الإنس أصعب من شيطان الجن لأن شيطان الجن عندما يوسوس لك وتقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم انتهى الأمر ويهرب ولكن شيطان الإنس لا ينفع هذا معه وسيظل يحاول فيك إلى أن يأخذك معه لأنه إنس والاستعاذة لا تجدي معه فهو له أساليب أخرى. (وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) فهم عندما يكونون مع المسلمين يقولون إننا مسلمون وعندما يتقابلون مع شياطينهم من الإنس دون أن يشاهدهم أحد من المسلمين يقولون (إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) لأنهم (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا (9) البقرة).
في قوله تعالى(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) الفتنة هنا بمعنيين بمعنى التزيين أنهم يوقعوا الناس ويستخفونهم بالمتشابه بالقرآن وهذا يحدث الآن. ونحن المسلمون يجب أن يكون الكتاب في قلوبنا لأن كل أمر متعلق بفتنة سنجد أنها متعلقة بالقلب إما أن يكون زائغاً أو غلف أو مرض. إذن الفتنة في الآية بالتزيين ولازم المعنى بالعذاب يوم القيامة.
(وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ (7) آل عمران) والواو في (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) ليست واو عطف إنما واو استئناف، واو استئناف الكلام. فنحن نجد في المكتبات كثيراً من كتب التفسير ولكن الصدمة الكبرى أنك تجد 70% إلى 80% من كتب التفسير فيها نفس المضمون فأغلبهم كتبوا كتبهم نقلاً من بعض وهذه حقيقة لا نستطيع أن ننكرها وهنالك تفسير مليء بالإسرائيليات وآخر كله مردود وهكذا ولذلك يجب عليك أن تشتغل لكي تسترد اللغة وترى استخدام الكلمة وإذا كان لديك حديث في الموضوع وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم تكلم في الآية أو أحد من فحول الصحابة وهذا الكلام كله محاولات باجتهاد لفهم النص لكن المعنى الحقيقي والمراد المطلق لن نعرفه إلا يوم القيامة. فأنت كبشر ممكن أن تدرك معنى أو اثنان والنص يحتمل أكثر من ذلك، وأنا لدي رأيان نستطيع أن نقول أن النص حمّال للمعنيين فلا ترجح واحداً على الآخر إلا إذا كان واحد منهم مرجوحاً والآخر كلام لا يُقبل مثل قضية الفتنة. فالفتنة فيها كلام حتى في المعجم اختلفوا فيها كثيراً وناس نقلوا من ناس وأخذوا برأيهم ومنهم من لا ينسب الكلام لأصحابه. القضية أن التأويل هو حقيقة المعنى الذي أراده الله تبارك وتعالى لا يعلمه إلا الله فأنت قد تقول لفظاً أو كلمة تصادف هذه الحقيقة ولكن أنت كمجتهد لا تعرف أنه الحقيقة ولذلك تقول الرأي وتقول والله أعلم. وهذا القرآن حمّال أوجه فهو يحتمل أوجه كثيرة في التفسير. ونحن لدينا قراءات يقولون عليها قراءات شاذة وهي تعتبر شاذة بالنسبة للثابت من القراءة ولكن الذي أطلقها من أهلها كان له وجه في هذه القراءة فعندما تبحث لماذا هو يقرأ هذه الآية هكذا أو هذه الكلمة هكذا تجد أن لها وجه في معنى الكلمة فتعطيك معنى آخر. فأنت تقول عن قراءته شاذة وترفضها ولكن لو أنك فتحت قلبك له سيعطيك معنى جديداً تستطيع أن تستخدمه على قراءتك فيجب ألا تقفل أذنك ولا قلبك لعلم أو لمتكلم.
موضع آخر للفتنة في سورة النساء في قوله تعالى (سَتَجِدُونَ آَخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا(91)) أنه كلما تعرض الإنسان للفتنة يفشل في الامتحان مرة أخرى رغم أنه قد تعرض لها من قبل فمن المفروض أنه ينجح لأنه أصبح لديه خبرة ولكنه يسقط في الامتحان مرة أخرى لأننا لم نأخذ بعين الاعتبار ماهية تكوين الإنسان، ما هي الجِبِلّة؟ فالشيطان يقول في قوله تعالى (خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴿12﴾الأعراف) هذا الكلام كان من المفروض أن نقف عنده، فمن أنا وأنا من ماذا؟ وما هي الفتنة؟ لماذا أتوب إلى الله وأعود مرة أخرى للذنوب؟ وهذا ليس من سمات الإيمان فالمؤمن الحق يخطئ مرة أو اثنتان في الباب الواحد ولو كان من أهل الإحسان يخطئ مرة ولا يكررها والمتقي يخطئ مرتين وسنتكلم عن الدرجات لاحقاً لكن أنت يجب أن تكون واعياً فهل هذه الآية- في سورة النساء- أطلقت على المتقين المحسنين أو لا؟ لأن إركاسك في الفتنة مرة أخرى وأن تمر في هذه الفتنة مرة أخرى وتفشل مرة أخرى ثم ماذا؟ فافترض أنك فشلت في هذه المرة ثم قبضت؟ فالفتنة هي عبارة عن امتحان تمر فيه فالشاطر يبحث عن الامتحان لكي ينجح فيه لأنه مستعد ولكن الذي يبحث عن الامتحان فيفشل فيه كأنه لم يصنع شيئاً فهؤلاء لأنهم كفروا بالله تبارك وتعالى كلما تعرضوا لابتلاء أركسوا فيه، لا ينجحون فيه، يفشلون فأصبحوا فريقاً راسباً فلهم لازم المعنى بالعذاب يوم القيامة. هنا المعنى الابتلاء المتكرر الذي لا ينجحون فيه مع أنه بالوعي ومطلق اللفظ أن الابتلاء المتكرر يجب أن أنجح فيه لأنني تبت مرة وقلت أستغفر الله وتبت إلى الله فمن ضمن معاني الفتنة في المعجم الخبرة فأنت إذا امتحنت مرة أصبح لديك خبرة من أول مرة ولذلك معنى كلمة فتنة مهم فهي تفتنك وتمتحنك وتعطيك خبرة مع الامتحان ولذلك قال له (وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا) أي عرّضناك فصقلناك، عرّضناك لابتلاءات كثيرة ومحن منها فتنة لم تكن مدركاً لها وهي إلقاؤه في اليم (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ (7) القصص) ولا يمكن لأي أم أن تفعل هذا إلا إذا كان هذا وحياً فهذه فتنة نجحت فيها أم موسى ولم تكن أنت موجود يا موسى. (وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا) عندما عرّضناك لهذه الابتلاءات أصقلناك وجعلنا لك خبرة جعلتك نبياً. ولغير الأنبياء من البشر الفتنة تأتيك مرة تأخذ منها الخبرة والعظة ولا تكررها. وفي قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴿119﴾ التوبة) قال مع الصادقين وليس من الصادقين لأن المنيّة ليست بيدك ولكن المعيّة تكون بيدك ويجب على الناس أن ينتبهوا أنه لا أحد يستطيع أن يحتج يوم القيامة بأن الفتنة كانت أكبر منه فلو أن الله تبارك وتعالى يعلم أنها أكبر منك ما عرّضك لها إنما هو سبحانه وتعالى عندما عرضك لها فهو يعرف أنه إذا لم تنجح فإن الذي مثلك كان سينجح (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا7 الطلاق) فإذا تعرض المرء لفتنة ما يجب أن يعلم أنه يستطيع أن ينجح فيها.
في سورة التوبة يقول المولى عز وجل ( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴿47﴾ لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ ﴿48﴾ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ﴿49﴾ التوبة) وكما قلنا في البداية أن كل شخص على حال يريد كل الناس في نفس حاله لكي لا يكون أحد أفضل من الآخر. في الآية المنافقين لم يخرجوا (وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ) وأصل الإيضاع سير الجمل أو الإبل فوق طاقته. فالإيضاع كلمة تعني أنك تجري الجمل فوق طاقته لكي تنجز مسألة في وقت أقل من الوقت المفروض لها. والإسراع يكون في كل شيء، في اللفظ عند العرب: أوضع الجمل أي جعله يجري أسرع من احتماله. وهكذا الشيء الذي ينجز عادة في ساعة ينجز في نصف ساعة. ( وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ) خلالكم أي بينكم أي أنهم سيدخلوا بينكم بسرعة لكي يوقعوا بينكم ويزينون لكم لكي يجعلوكم مثلهم أي يفتنوكم لكي تتساوى الرؤوس فيعرّضوكم لفتنة قد تنجحوا وقد تفشلوا لأنكم في حرب ولاشيء مضمون. (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) فهم يريدونكم أن تقعوا في الفتنة وأيضاً بالمعنيين في الدنيا تفشلوا في الامتحان وفي الآخرة يكون العقاب والعذاب.( لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ) فأنتم جربتم الفتنة من قبل وبفضل الله سبحانه وتعالى من أول مرة يحصل الأمر المفروض ألا تقع فيه مرة أخرى فكون القرآن يحذرك ويقول لك ويوضح لك ويشرح لك. وهذا الكلام عن أمور حدثت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لا زلنا نتعرض لها إلى اليوم لأننا لم نقرأ القرآن ولم نأخذ الخبرة من القرآن ولم نأخذ الفتنة من القرآن ولم نفهم ما معنى كلمة فتنة في القرآن ولذلك يجب أن نقرأ القرآن لكي نعيش الآيات فلا نقع في التكرار. ففي الآية المولى يقول هم فعلوا هذا الأمر من قبل فكان من المفروض أن الفتنة السابقة تعطيكم خبرة فالفتنة امتحان والامتحان يعطيك خبرة. والعتاب في قوله (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ (43) التوبة) ليس بمعنى الكلمة المجرد إنما العتاب من الحبيب للمحبوب صلى الله عليه وسلم. ولتوقيع الشرح ولتوقيع الخبرة أيضاً. ولو أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي ألّف القرآن ما كان ليقول هذه الآيات ويُظهر نفسه في صورة المخطئ. وهذه الآيات ترد على الذين يقولون أن القرآن من تأليفه صلى الله عليه وسلم حاشاه فهذه مسألة تبين لك أن هذا وحي من الله تبارك وتعالى والرسول صلى الله عليه وسلم أحياناً يتصرف ببشريته والقرآن يصوب له فإذا كان القرآن يصوب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فمن باب أولى أن نأخذ نحن العظة والعبرة والخبرة. ففي هذه الآية المولى عز وجل كان يريد أن يعرف الرسول صلى الله عليه وسلم من هم المنافقين ولكي تتعامل أنت مع الناس مثل ما تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم فالقرآن منهج فكل ما يحدث لك أمر إعرضه على القرآن.
وفي قوله (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي) وهنا المنافقون تحججوا بالنساء بأن نساء الروم جميلات وأنهن سيفتنّهم وكل هذا كلام غير منطقي وكان الرد في القرآن (أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) فهم هكذا لم ينجحوا في الامتحان. فالفتنة ابتلاء لك فلا ينفع التماس الإذن أو الأعذار أو أن تأخذ استثناءات في مسألة فيها قاعدة شرعية. وهناك من يقول للمرأة الجميلة فاتنة ومن يسمي الفتيات فاتن وهذا خطأ لأن فاتن مذكر والمفروض أن تسمى فاتنة بعكس لو قلنا امرأة عجوز وهذا يصح في اللغة لأن لا يوجد مؤنث لهذا اللفظ فالمؤنث منه غير صحيح.
وموضع آخر للفتنة في سورة الأحزاب في قوله تعالى (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا ﴿14﴾ الأحزاب) والفتنة هنا بمعنى الامتحان والاختبار.
وفي سورة البقرة المولى عز وجل تكلم عن الفتنة في قوله (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ (217) البقرة) وفي قوله (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ (191) البقرة) فلو كان الخطاب موجهاً لك يكون اللفظ أشد (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) لأن الخطاب موجه لك فأنت لديك التوقيع يكون شديداً لكن (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) الفتنة هنا-في الحالتين واحد-هي ما حدث للمسلمين في بداية أمر الدعوة.
(إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا (10) البروج) هنا فتنوهم لدرجة أنهم لم يأخذوا لازم المعنى بل أخذوا المعنى الأصيل فقد عذبوهم بالنار في الأخدود فالفتنة هنا كأني أقول لك أقتل فتقول أنت القتل هذا شيء كبير أو شيء شديد فأقول لك لا (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) فما حدث للمسلمين في العهد الأول أشد من القتل فكونك تقتل هنا لكي تخلّص المسلمين من الذي هم فيه هذا شيء عادي للغاية لأن (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) فما حدث لهم من فتنة ولا تعني الابتلاء ولكن تعني التعذيب ما تعرض له المسلمون من تعذيب في بداية الأمر فالفتنة أشد من القتل وتوقيعها عند الله أنها أكبر من القتل ولذلك سمح بقتل المشركين فإذا حاربك تحاربهم وتقاتلهم مع أنك مسلم فالمفروض هذا الأمر تؤديه وأنت مضطر ومع ذلك إذا أضطر يقتل لأن الفتنة اشد من القتل وتوقيعها أكبر عند الله من القتل..إذن وكأن الفتنة دائماً هي تمحيص إيمان وتكفير سيئات لكي عندما تدخل الجنة تدخل ذهباً صافياً، فالجنة درجات من حيث النعيم الداخلي فكونك تدخل الجنة أو لا فهذا بفضل الله سبحانه وتعالى فكلام أهل الجنة داخل الجنة (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ (43) الأعراف) لكن الدرجات داخل الجنة تكون بالأعمال، بنتائج الامتحانات والابتلاءات التي حصلت في الدنيا، إنما الدخول أو عدم الدخول هذا لا يد لك فيه. ولذلك المسلمون الذين ولدوا من أبوين مسلمين يجب أن يؤدوا ركعتين شكر كل يوم على الإسلام، الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة. فهذه نعمة لا تعد ولا تحصى في الحقيقة إنما أن يظن المسلم أنه سيدخل الجنة فقط لأنه من أبوين مسلمين ولا يعمل فهو مخطئ فهو هكذا أقرب إلى الجنة ولكن عمله هو الذي سيرقّيه داخل الجنة. فما عملك؟ وما إيمانك وتقواك وإحسانك؟ كل هذه هي الدرجات. كما أنه هنالك درجات في الذهب هنالك درجات في المسلمين. أما المنافقين فهم في الدرك الأسفل من النار لأنهم ليسوا من هؤلاء ولا هؤلاء فهم يُظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ولو لاحظنا عدد آياتهم في سورة البقرة عدد آيات صفات المؤمنين والمتقين ثلاثة وعدد آيات الكفار اثنان وعددهم قريب من بعض لأن الإيمان والكفر ضدين واضحين لكن عدد آيات المنافقين 13 آية تشرح في أوصافهم وفي صفاتهم وهذا العدد يبيّن أن صفاتهم ثقيلة وتحتاج إلى وعي من المتلقي وتأثيرهم خطير. فعمل المنافقين كله ليس خدع ولكن خداع حتى وهم يضحكون على المسلمين فهذا تمثيل أيضاً وليس واقعاً (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴿9﴾ البقرة) فالخدع الحقيقي لهم هم ولكن الذي يفعله معك إنما هو خداع. كأني بالله تبارك وتعالى يُطمئن المؤمنين فيقول لك لو أنت من المؤمنين لا تقلق لأنك أنت المولى تبارك وتعالى وضعك معه في الدفاع عنهم أو ضدهم (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا) فالذين آمنوا هنا مع الله. (وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) أي أنهم في الحقيقة حتى النفاق جاء عليهم فكلمة (وَمَا يَشْعُرُونَ) هم يظنون أنهم ضحكوا على فلان ولكن إذا كان هذا الشخص من أهل الإيمان صحيح فهو يعلم أنهم من المنافقين ويتعامل معهم على هذا الأساس فلا يأمنهم لأن هذا المؤمن في معية الله تبارك وتعالى وربنا هو الذي جمع هذا الأمر في قوله (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) فالخدع الحقيقي عليهم.
(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) المؤمن الحق هو الذي يبحث عن الفتنة لكي ينجح لأنه لا يوجد شخص لن يفتن فليس من المنطق أن يقول لك اتقي الفتنة. إذن فالفتنة هنا ليست الفتنة المطلقة ولكن الفتنة هنا نتيجة الفتنة أي اتقوا العذاب الذي يستحق بسبب الفشل في الامتحان لأن الذي ستأخذونه المظلوم سيأخذه مع الظالم لأنه لم يضرب على يد الظالم ومنعه عن الظالم فهي (لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) ولكن ستعم حتى المظلوم لأنه لم يمنع الظالم. فالفتنة هنا لازم معنى الفتن وهو العذاب وقد يكون في الدنيا أو الآخرة ولكن الآية واضحة أنها ستكون في الدنيا نتيجة أنكم لم تمنعوا الظالم عن ظلمه.
بُثّت الحلقة بتاريخ 15/8/2008م

ميارى 27 - 7 - 2010 07:39 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 18
تقديم علاء بسيوني
قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿27﴾ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴿28﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴿29﴾ الأنفال) كيف يخون الإنسان الله تعالى؟ وكيف يخون الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وكيف يخون الأمانة؟ وما هي الأمانة؟ الآيات تتكلم أيضاً عن الفتنة فكيف ننجح في الفتنة ولا نرسب؟
أولاً ما دليل العطف (لا تخونوا الله والرسول) ثم لماذا التكرار في (تخونوا)؟
أولاً يجب أن نقف مع كلمة الخيانة (لا تخونوا الله والرسول) وأنا أريد أن أتكلم عن نقطتين لا أعرف كيف سأتكلم فيهما لأن النقطتان واحدة منهما ظُلمت الآية فيها ظلم بيّن في الفهم، والثانية خطأ شاع. ومشكلة الأخطاء الشائعة أنها تُرسِّب في النفس حقائق ما كان يجب أن تكون. فعندما تأتي وتستخدم استخداماً خاطئاً لكلمة أو لفعل أو غير هذا فالخطأ الشائع هذا يترك شيئاً في داخل النفس. وكثير من الناس لا يعرف كيف تتكون النفس؟ وكثير من علماء النفس تكلموا كيف أن البيئة تؤثر على الإنسان؟ عندما يأتي شخص ويعطي آخر مبلغاً على سبيل الأمانة أو عندما يأتي شخص ويخلص مع آخر موضوع كان فيه حقوق تسمع لفظاً ""أعطني إيصال أمانة وهذا اللفظ نسمعه كثيراً ولم نتوقف عليه والمُشرِّع الوضعي عمل بنداً في القانون عن خيانة الأمانة. وأنا كنت أفهم لو أنهم وضعوا هكذا في القانون "خيانة الأمانة" أنه لا يبقى أي وسيلة إثبات لخيانة الأمانة أو عدمها إلا توجيه اليمين الحاسمة للخائن أو المدّعى خيانته. فأنت تحلّفه لأن الأمانة لا يؤخذ عليها إيصال، فلا سند للأمانة. فالأمانة شيء ليس عليه أي مستند فهي المفترض أنها لدى كل الناس إلا إذا ثبت العكس. يمكن أن تسميه إيصال أو توثيق أو شيك أو كمبيالة لكن لا أسميه إيصال أمانة. فالأمانة في اللغة ليس عليها سند فأنا أستأمن فلاناً على أمر ما لا آخذ عليه ورقة إنما أتركه لأمانته وهذا الذي حصل في أول الفطرة في أول الأمر.
(لَا تَخُونُوا اللَّهَ) فالخيانة هنا خيانة أمانة على عهد الفطرة الأول هذا ليس له مستند وهذا بعكس الدين الذي فيه مستند. فالأمانة إذا قلت للشخص أن هذا الأمر أمانة فبهذا لا يكون عليها سند، لكن تعامل مادي وتجاري وديون تكتب عليها مستند. لكن خطأ شائع خطير أن تقول إيصال أمانة فهي ليس لها توصيف في اللغة. لو قلت لك هذا الموضوع أمانة في عنقك فهل ستعطيني إيصال أمانة؟ أنا كنت أفهم أن لو أن المشرع الوضعي واع كان السبيل الوحيد لإظهار الحق في خيانة الأمانة توجيه اليمين الحاسمة لأحد الطرفين وأنا لست ضد المستند على العكس خذ مستنداً ولكن التسمية خطأ لأنها سترسب شيئاً في النفس تجعلك تنسى عهد الفطرة الأول. ولذلك قال (لَا تَخُونُوا) لأنك أصبحت رجلاً لا تخاف إلا من المستند لأنه لا توجد أمانة. فالأمانة انعدمت بوجود هذه الأخطاء الشائعة فالناس أصبحوا لا يخافون من الله سبحانه وتعالى لما استأمن أحدهم الآخر رغم أن الموضوع أصبح أصعب عليك لأنه عندما يقول لك هذه أمانة في عنقك لأن ليس القاضي هو الذي سيأخذ حقه منك ولكن الذي سيأخذ حقه هو القدير المقتدر الجبار القهار. وطالما قال (لَا تَخُونُوا) فالخيانة أمامها كلمة أمانة. وليس الغريب أن النداء في أول الآية للذين آمنوا بل على العكس كان يجب أن تكون للذين آمنوا فهي لا تنفع أن تكون أيها الناس.
وفي قوله تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴿172﴾أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ﴿173﴾ الأعراف) هنا بني آدم كلهم وليس الذين آمنوا، ولكن ساعة آخذ أصبحوا (الذي آمنوا) فتوصيفه الذي مضى. بداية الأمر بنو آدم وليس يا أيها الناس أو يا أيها الذين آمنوا. وهذه الآية هي واقع حال الناس بين شرك وكفر ونفاق وإيمان وأول ما قاله الذي وقع هي: هذا ما وجدنا عليه آباءنا مع أن التحذير في الآية كان من هذا الكلام. هذه الآية يفرح بها المؤمن لأن لازم معنى الآيات يطمئن الإنسان على حاله في الدنيا. لازم معنى الآيات أن كل إنسان يولد تكون فطرته مستعدة تلقائياً للوصول إلى الحق ولذلك تعبير الرسول صلى الله عليه وسلم (ما من مولود يولد إلا على الفطرة) وهي الفطرة السليمة التي تجعله مستعداً للوصول إلى الحق والحق من أسماء الله تبارك وتعالى.
سؤال: هناك كثير من الناس من يرى أن هناك بعض الناس الذين ظلموا- وهذا بمفهومهم - لأنهم نشأوا في بيئة فقيرة معدمة وبالتالي ليس هنالك وعي ثقافي ووعي ديني ووعي قيمي وأخلاقي وليس هنالك مرجعية ولا خوف من الله تبارك وتعالى وهنالك تبرير أن ظروفهم سيئة جداً والأغنياء ليس جميعهم يتصدقون ويؤدون الزكاة ولذلك نضطر للسرقة، وبذلك يبررون لأنفسهم ما يفعلونه من أعمال لا ترضي الله عز وجل فمنهم من يقول هذه ظروفنا فأبي وأمي علماني النشل ولم يدخلاني المدرسة فبذلك أنا مظلوم فما الحكاية؟
هذه الآية تأخذك إلى أول الأمر للأصل، لآدم (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴿172﴾أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ﴿173﴾) تتكلم من قبل أي بيئة ممكن أن تكون موجودة ومؤثرة فالآية أخذتك من يوم القيامة ذرية متعاقبة وأرجعتك للأصل لما قبل الخلق لآدم (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ) ولم يقل من أصلابهم لأن كلمة ظهر تعطيك معنى غير الصلب ومعنى آخر أن هنالك من ولد ولكن ليس في صلبه ذرية كالعقيم أو العاقر. فأنت جئت من يوم القيامة بذرية متعاقبة بتسلسل منطقي إلى أن تصل إلى آدم وكما قلنا سابقاً أن لازم معنى الآية أن الإنسان بفطرته السليمة وبدون تأثير الأب أو الأم أو البيئة أو المجتمع يولد جاهزاً على الفطرة وهي الاستعداد لمعرفة الحق والحق هو الله تبارك وتعالى. فبالمنطق يجب أن يكون للكون إله والمنطق يقول أن هذا الإله لا يكون مثل أي مخلوق..الخ، الطفل المولود يكون متأثراً من ناحية الجينات بأبيه أو أمه ولكن عندما تصل إلى آدم يجب أن نقف ففي كل ذرية أب وأم، حيوانات منوية وبويضات وأمشاج..والخ ولكن آدم؟ نقف هنا ولذلك التعبير (مِنْ ظُهُورِهِمْ) ولم يقل من أصلابهم لأن هنالك من لا ينجب ولكن من ظهورهم أي أن له أب ولكن لن يكون له ابن فالنسل سيقف في هذا الفرع وهذا كثيراً ما يحدث. فكلمة من ظهورهم تدل حتى الذي لا ينجب أو لم ينجب لابد أن يكون له أب إلى أن تصل إلى آدم وقد قلنا أن كل ابن أو بنت يشبه أباه أو أمه وهكذا لغاية آدم وهو ليس لديه أب أو أم لكن آدم من تراب فهو بذلك يشبه الأرض، فيم يشبهها؟ هنا يجب أن نتوقف عند الآية التي ظلمها الناس كثيراً:.
يقول الله تعالى (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴿72﴾ الأحزاب) هذه الآية ظلمت كثيراً و90% من الذين فسروا قالوا أنه ظلوم وجهول لأنه حمل الأمانة، رغم أن الأمانة مكتوبة عليه وأنتم تنسون أن كل شيء يحصل في الدنيا ليس خارج إرادة الله فمعنى (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) لأنه حمله ولكن لأنه لم يوفّها حقها والإنسان هنا ليس مطلقاً ولكن الغالبية التي هي كفر وشرك ونفاق. و(كان) هنا ليست بمعنى الماضي إنما بمعنى الكينونة بمعنى الوقوع هو الإنسان بوضعه، بكنهه ظلوم، جهول وليس لأنه حملها ولكن لأنه لم يوف الأمانة وهي بذلك اختبار حقيقي دون أي دخل لك فساعة (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ) وأنت لا تزال في الذرية لم تكن قد أتيت أو حصل منك شيء ومع ذلك أعلن إيمانه بالله تبارك وتعالى وإسلامه لله تبارك وتعالى ولذلك الآية (إن الدين عند الله الإسلام) من هذه الساعة ودين الله لا يتغير، إنما الذي يتغير رسالاته لكن الدين واحد وهو الإسلام فالإسلام وقع في الساعة هذه ساعة الأخذ. وهناك من يقول إن الإنسان ظلوم جهول لأنه حمل الأمانة وفي المقابل قالوا أن الأمانة هي الاختيار رغم أن الآية تقول (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا) وهذا اختيار أن السماوات والأرض والجبال لم ترضى أن تأخذ الأمانة أي أنها اختارت فالأمانة ليست هي الاختيار فساعة تقول أنها الاختيار وتقول أن السماء رفضت والأرض رفضت فهذا أيضاً اختيار، إذن الأمانة ليست الاختيار. ولو لاحظنا أن السماوات والأرض والجبال أبين أن يحملن الأمانة وقالوا لا يا ربي نحن طائعين لك (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴿11﴾ فصلت) فالسموات والأرض (أتينا طائعين) فهم فطرتهم سليمة لأنهم طائعين لله في كل شيء فالقمر لا يمكن أن يرفض أن يظهر في ليلة أو أن لا تغيب الشمس لأنهم طائعين في أنهم مسخرين لخدمة الإنسان. لكن لو فكرنا أن الأرض طائعة وآدم من الأرض فهذه هي الفطرة السليمة. إذن أول جزء فيك يا إنسان فطرة سليمة لأن أصلك من الأرض والأرض طائعة فأنت طائع وأنت لا تنقلب على عقبك وتصبح عاصي إلا عندما يدخل معك جزء الروح والنفس ويشتغل الشيطان لكن أصلك الأرض والأرض طائعة ولا تنقلب إلا إذا دخلت النفس ويعمل الشيطان معك ولذلك (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ) فعندما أوصلك لآدم إرجع لأول الأمر قبل المعصية عندما نسمع أول تكليف لم يقل لا يا ربي لماذا هذه الشجرة بالذات؟ ولكن قال حاضر سمعنا وأطعنا هو نسي بعد هذا وعصى ولكن هذه قضية أخرى ولكنه في البداية لم يعترض ولم يفعل مثل إبليس ولم يناقش ويعارض لأن كان لا يزال في داخله الفطرة التي هي من الأرض الطائعة. ولذلك في الآية (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ) أي من آخر شخص سوف يولد وتقوم عليه الساعة إرجع إلى آدم وعمل التوقيع في آدم لأن الفطرة سليمة ولذلك أنا بدأت بلازم معنى الآية وهو أن المولود يولد وهو فيه جزئية طاعة وجزئية فطرة سليمة للإيمان بهذا الإله والآيات توقع توقيعاً مجازياً (وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) وهذه ليست شهادة على النفس كأن النفس هنا آمنت قبل أن تصبح نفساً، هي شهادة لله على النفس التي آمنت قبل أن تصبح محمد وعلي وحسين. لما نقرأ الآية بتجرد ليس لها وقع وإنما (وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) كأن هذه النفس قد أعطت هذا الميثاق والعهد قبل أن تصبح نفس لأنها ذرية ولأنها من الفطرة فالعهد أخذ من الفطرة السليمة من عهد آدم وآدم لا يزال متأثراً بالتراب. وهذا يرد على الناس الذين يقولون نحن لا نذكر هذه المرحلة فكلامهم هذا لا صحة له لأن الكلام في الآية كلام مجازي ولازم المعنى أن أي إنسان يولد يكون مولود بفطرة سليمة مستعدة للوصول للحق إلى أن يهودانه أبواه أو ينصرانه أو يمجسانه. هناك مرحلة توبة مفروضة على كل شخص فلن يتم حسابك وأنت في 15 أو 16 بلغت سن الرشك وصرت مسؤولاً ولكنه سيتركك إلى أن يصبح عمرك 40 سنة (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿15﴾ الأحقاف) قال أوزعني ولم يقل تبت إليك في البداية، لجأ إلى الله وهو في موقف، فقد فتن واختبر وابتلي وتركك إلى عمر الأربعين سنة ولذلك النبوة لا تأتي إلا بعد الأربعين، بعد اكتمال الخبرات، فهو نبي رسول سيوصل للناس. كل هذا يجب أن يفهمه المسلم أنه لدي ميثاق قديم وأمانة قديمة ليست بحاجة إلى إيصال لأنها بذلك لن تصبح أمانة بل ستصبح دين، سند، لكن الأمانة أن تتركها لي كما تركها لنا المولى عز وجل بالفطر السليمة سابقاً ولذلك آيات الفتنة يجب أن تطبق على هذا الكلام فمتى تكون الفتنة وهل هي في مصلحتنا أو لا؟ وهل تقترب من الفتنة أو لا إذا كنت واعياً؟ يجب أن تدخل الفتنة إن كنت واعياً رغم أنك ستدخل الفتنة رغم إرادتك (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) حتى الذي لم يفعل شيئاً ستصيبه هذه الفتنة لأنه ظلم بسكوته عن الظالم.
سؤال: هناك من يحتج من الملحدين وغيرهم ممن يقولون أننا لا نذكر هذا الكلام ولم نحضره ولا يوجد دليل على ذلك، ولو كنا منضبطين لما فعلنا هذا. فهل هذا دليل؟
الدليل أنت في غنى عنه بالفطرة السليمة فأنت مولود مستعد للوصول إلى الحق بفطرتك. فتأثير البيئة والمجتمع ليس له علاقة في توقيع الأمر لكن له علاقة في التوصيف وهذه مسألة بعيدة بمعنى أن من يقول البيئة سآتيك بإمام مسجد ويكون بهائياً فهل هنالك بيئة أقوى من إمام مسجد؟ اثنان يكونون في بيئة واحدة أحدهما يكون ملتزماً والآخر منحرفاً. فهذا الكلام ليس مطلقاً وصحيح أن البيئة تؤثر ولكن ليس التأثير الذي يحول من يمين إلى شمال أو من شمال إلى يمين بدليل أن هنالك من أباه يهودي أو نصراني وهو الوحيد الذي يُسلم في العائلة وأحياناً تكون عائلة كاملة، فليس لها قاعدة لأن تقعيد الأمور في هذه المسائل ليس منطقياً لأن الفطرة أساساً سليمة وفسدت بالبيئة. فإذا قلت أن هناك شخص فاسد فهو ليس فاسداً بطبيعته لأن طبيعته سليمة ولكنه فسد بالبيئة. فالبيئة عندما تؤثر تؤثر بالسلب وليس بالإيجاب، لأن الإيجاب موجود داخل الإنسان فترى عائلة كلها منحرفة يخرج منها شخص واحد ليس له في الانحراف على الإطلاق بل أنه عاد لفطرته السليمة ولأصله وهم جميعهم انحرفوا بواقع بيئة أو بواقع ظروف أو..الخ لكن الأصل في الإنسان الفطرة السليمة بدليل أنه ونحن في عالم الذر أسلمنا، فعندما قال المولى (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) والذي حذرنا منه المولى عز وجل حصل بحذافيره فالناس نوعان هناك من يقول أنا مثل أبي (حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا (104) المائدة) والنوع الثاني غافلين (إنا كنا عن هذا غافلين). ولذلك التحذير الآية ليس لوقوع أمر نقصّه ولكن هذا لازم معنى لكي تفهم أن الإنسان يولد على فطرة سليمة وأن هذه الفطرة أسلمت ساعة ما أسلمت الأرض، ساعة ما قالت الأرض: أنا طائعة من غير تكليف، وكذلك السماوات طائعة من غير تكليف. ولذلك الآية بتوقيعها بديعة جداً (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) وأبين هنا ليس بمعنى رفضن مثل ما رفض إبليس السجود بل بمعنى أنهم أطوع من هذا الأمر لأنهم لو حملوها سوف يتعبن في تأديتها لذلك هم سيؤدونها من دون أن يحملنها وهم سيطيعون بدون تفكير. فالآيات تتماشى مع بعضها (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) إلى أن تصل إلى (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ) فنأتي إلى التوقيع.
خلال الحديث عن الفتنة أن الإنسان يبدأ يتعرض للفتنة بعد بلوغه ولو مات قبل أن يبلغ لن تحاسبه ولكن إذا كبر ولم يأتيه رسول لن تحاسبه أيضاً (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴿15﴾ الإسراء) فجماع هذه الآيات أن الإنسان يولد على فطرة سليمة وأن هذه الفطرة السليمة مستعدة للوصول إلى الحق بطبيعتها فلو استمر هكذا سينتهي في الجنة ولأنه تعدى سن البلوغ وتعرض للفتن سأبعث له رسول يذكره بالمنهج القديم- ولله المثل الأعلى وأنا أتكلم دون تمثيل أو تشبيه- لن نعذبه إلا إذا وصل له الرسول وإذا بلغ الرشد ولم يصله الرسول لن يكون له حساب لأن هذه قاعدة أصولية من الله تبارك وتعالى. ولذلك وهو داخل إلى النار (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ﴿8﴾ قَالُوا بَلَى (9) الملك) وبذلك لا يوجد هنالك حجة لأحد. وهذه القضية كلها نجد أن موضوع الفتنة تعمل شيئاً في النفس السليمة بديعة جداً كأن الإنسان لو حافظ على فطرته السليمة ينجح مرتين وإن لم يحافظ على فطرته السليمة يتعذب مرتين، الذهب عندما دخل النار مع الشوائب لم يحصل شيء للذهب رغم أنه تعرّض للنار ولكن تعرضه للنار ميّزته، أصقلته، وهذا مثل الألم الذي يشعر به الإنسان ساعة الابتلاء من مرض، حزن، فقر، ضيق عيش، وهذا الأمر يجعله في الجنة يوم القيامة بدليل عندما يموت الولد هل سيصبر الأب أو لا؟ والمولى عز وجل يسأل الملائكة وهو يعلم ولكن لأن الملائكة كان لها وقع مع الإنسان زمان قالت له (قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا (30) البقرة) فالمولى يسألهم ماذا فعلتم؟ قبضتم ولد عبدي؟ قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون نعم يا رب- كأنه يقول لهم هو هذا الذي قلتم أنه سيفسد ويسفك الدماء- فما الذي فعله يقولون: حمدك واسترجع فيقول المولى عز وجل: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة سموه بيت الحمد، فهو بالألم الذي صبر عليه دخل الجنة. وعندما نأتي للشوائب نجد أنها احترقت مرتين فمرة بفشلها فالنار أثرت فيها ويوم القيامة خالدة في النار وهي الكفر والشرك والنفاق فبذلك الشوائب حتى النار أتعبتها في الدنيا ولذلك أهل التقوى وأهل الإيمان يقولون كل نعيم سوى الجنة حقير وكل عذاب سوى النار هيّن، فكل مصيبة في الدنيا هيّنة طالما أنها ليست نار الآخرة أي يا ربي أنا بفطرتي مستعد أتحمل أي ابتلاء ولكن أسألك التثبيت، ثبتني يا رب. ولا يكون الصبر إلا عند الصدمة الأولى وهذا هو الابتلاء، وقت زمن الإجابة مثل دخولك لامتحان دنيوي في مادة من المواد ويقول لك الزمن ساعتان فلو الإجابة جاءتك بعدما خرجت من اللجنة ليس لها قيمة فأنت تذكرت الإجابة في طريقك إلى البيت ولكن لا فائدة منها وقد تكون قد درست جيداً للامتحان ولكنك تذكرت الإجابة بعد فوات الأوان، غفلة أو نسيان وهذا هو التحذير فإما نقول (إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) وهذا ليس من صفات التقوى أو الإيمان أو الإحسان أو الإسلام، أو نقول: الآباء، وذكر ذلك المولى عز وجل أنهم سيقولون هذا يوم القيامة (أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴿172﴾ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ) ثم يقلبون الموضوع وباعوا آبائهم (أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) فإذا كنت تريد أن تعذب فعذب هؤلاء، وهذه المسألة منتهية وليس هنالك احتجاج بها يوم القيامة ولا يوجد هناك غير عملك وليس لك علاقة بأمك ولا أبيك ولا غيرهم ولذلك يقول المولى عز وجل (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ﴿34﴾ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ﴿35﴾ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ﴿36﴾ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴿37﴾ عبس) فلا ينفع عمل شخص لآخر فلا ينفع الإنسان إلا عمله (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴿39﴾ النجم) إعمل لنفسك وادعُ لأبيك وأمك لأن العمل يخص صاحبه فقط، فالقضية تحتاج إلى وقفة. ولذلك يقول الله تعالى (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ (185) آل عمران) ولا أحد يستطيع أن ينكر هذا الأمر فنحن نراه بأعيننا آناء الليل وأطراف النهار وابتلاؤكم بالشر والخير فتنة (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً (35) الأنبياء) الشر قد يكون خيراً من غير أن تدري والخير قد يكون فابتلاءك بالشر لتصبر وابتلاءك بالخير لتشكر، فالنجاح عند الشر صبر والنجاح عند الخير شكر. وأتت كلمة فتنة بعد كلمة الموت كأن الموت ابتلاء للحي وليس للميت فهو قد ابتلي وأخذ حظه من الامتحان وانتهى زمن الإجابة وسحبت الورقة عندما مات. والابتلاء لا يكون فقط في موت الابن أو الأم أو الأب ولكن الابتلاء الحقيقي أن جارك يموت فهل ستتوقف وتقول سبحان الله لقد كان بالأمس على ظهر الدنيا فيجب أن أتدارك نفسي إذن فهذا هو الابتلاء ولذلك قصرها بعد (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) لمعنيين معنى أي انتبه لهذا الأمر فالكل سوف يموت فليس هنالك خلود في الدنيا فأنت ترى الموت وتسمعه كل يوم (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴿24﴾ الأنفال) فالله يحول بين المرء وقلبه بالموت. (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) أي أنك ميت ميت وأنت ترى هذا بعينك فكان من المفروض أنها تكون بالنسبة لك الخير والشر فتوقعهم فإن حصل لك شر في الدنيا اصبر عليه لأنه سيتحول لخير وإن حصل لك خير اشكر ولا تقل أنا وأنا فعلت (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي (78) القصص) ولكن قل الحمد لله ولو أنت شكرت يزيدك (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (7) إبراهيم) فهناك من يقول أنا أشكر عندما الموت فماذا سيزيدني؟ نقول له سيزيدك لازم معنى الذي فعلته، يزيدك في الجنة، فالحمد لله كلمة غريبة جداً كلمة مزدوجة الأداء تقال عند الكرب فتفرّجه وتقال عند الخير فتزيده، فلو أنت قلتها عند الكرب لا يزيدك كرباً ولكن يزيدك من النعيم الذي حصلت عليه. والواعي لا يبحث عن نعيم الدنيا ولكن يبحث عن الامتحان والفتن لكي تأخذ درجات أكثر لنعيم أبدي ولذلك قال (وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴿64﴾ العنكبوت) فهم لا يعلمون فتوقيعها يا رب كل الذي نحن قلناه حاصل لنا منه واحد من اثنان: إما عدم علم أو غفلة. هناك من يقول كيف (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) هناك من ينفذ أوامر الله لأنه فهم الحكمة منها وهو بذلك عبد الحكمة ولم يعبد الرب فهو كان المفروض أن ينفذ الأمر لأن الله أمره فقط فعِلّة الإيمان التطبيق دون الوصول إلى الحكمة. فالمؤمن الحق هو الذي يقول سمعنا وأطعنا من دون أن يسأل عن الحكمة من العبادة، فهناك من يقول من يصلي لا يصيبه انزلاق غضروفي وأنا أصلي طول عمري وأصبت بانزلاق غضروفي فهل ذلك يجعلني أترك الصلاة؟ فأنت المفروض أن كل مراحل الإيمان تطبقها من غير أن تعرف السبب أو العلة لأنك أنت عابد رب الأمر وليس للأمر وعلته. إذن الإنسان كان له اختيار قبل أن يقول أنه آمن وأنه سلم لله وللأوامر والنواهي فإذا اختار الإسلام والإيمان والتوحيد لله فيجب أن تتذكر هذه الآية دائماً (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴿36﴾ الأحزاب). هناك إختياران: الاختيار الأول في عالم الذر سببه العقل والرُشد وهذا سنبحثه في الحلقة القادمة إن شاء الله.
بُثّت الحلقة بتاريخ 22/8/2008م

ميارى 27 - 7 - 2010 07:41 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 19
تقديم علاء بسيوني
تكلمنا في الحلقات السابقة عن الدروس والمعاني المتعلقة بالتوبة والاستغفار التي أوضحنا أن على المسلم الحق والواعي أن يراها حالة إنابة مستمرة إلى الله تعالى. كل هذه الملامح هي أسس ودعائم لتوصلك إلى التوبة الحقيقية.
ما هي الأمانة وما هي خيانة الأمانة وكيف يخون الإنسان الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم.
سؤال: نتكلم أولاً عن نوع من الأمانة يجعلنا نعلق على تصاعد نبرة الهجوم على الإسلام والمسلمين في الفترة الأخيرة لكن الذي استوقفني في الفترة الأخيرة أن هذا الهجوم يأتي من الفاتيكان بعد سنوات طويلة من الحوار والاتفاق على أسس للحوار والتفاهم والأرضيات المشتركة بين الديانات والشرائع السماوية. فهل هذا التغير في السياسة بالهجوم على الإسلام بسبب عدم قراءة جيدة للتاريخ أم قراءة للتاريخ ولسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ومع ذلك يُهدر ذلك كله ويتم الهجوم على الإسلام لأغراض أخرى قد تكون لها أبعاد سياسية ؟ وأنا أتفق مع كل المسلمين أنه من حقنا أن نغضب لكن أنا شخصياً أتصور أن الغضب يجب أن يكون غضباً إيجابياً وفاعلاً لتغيير هذه الصورة والرد على هذه الإساءات وتوصيلها للآخرين خصوصاً لمن لم يقرأوا التاريخ قراءة منصفة.
في البداية أنت سألت سؤالين الإجابة عنهما تظهر من واقع الحال في ما يفعله بعض أهل الغرب في محاولات مستميتة على مر العصور لتشويه صورة الإسلام فهي ليست نتيجة عدم قراءة للتاريخ بل على العكس هي قراءة جيدة لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وواقع الحال يدل على أن الناس في الغرب وفي كل بلاد العالم فهموا الإسلام وكل محاولة لتشويه صورة الإسلام يعقبها زيادة مضطردة في دخول الناس في الإسلام. فهم جربوا أكثر من شيء وعدد الذين يسلموا في ازدياد ولذلك هم الآن يجربون شيئاً جديداً وهو أن الإسلام لا ينتشر إلا بحد السيف والرسول صلى الله عليه وسلم كان رجلاً دموياً وكل هذا الكلام محاولة جديدة من محاولات الإساءة وتشويه الإسلام. والذي أريد أن أقوله أنني أطمئن جداً بفضل الله تبارك وتعالى لمثل هذا التصريحات، وأنا أذكركم أنني قلت عندما أساء الدنمركي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنها لن تكون الأخيرة ومحاولات الإساءة ومحاولات تشويه الإسلام مستمرة إلى يوم الدين. وأنا قلت هذا من قبل ومحاولتهم هذه لكي يبينوا أن الذي دخل في الإسلام إما أنه قد تعرض للخديعة أو أنه أُجبِر على الإسلام أو أنه قد ضلل ونرد عليهم بأنه هذا غير صحيح ولا يُقبل إسلام من هو مكره عليه، وقد أعلناها من قبل أن القاعدة الأصولية الثابتة في الإسلام أنه لا إكراه في الدين لأن ما هو الإسلام؟ الإسلام هو أن تعلن مطلق عبوديتك لله بينك وبينه من غير تدخل أي شخص أو أي تدخل خارجي. ومن هو المنافق؟ هو الذي يُبطن شيئاً ويظهر شيئاً وهذا في الدرك الأسفل من النار، وأهل الإسلام الذين في الجنة لهم مواصفات وأوصاف لم ولن تُفهم حتى الآن. وأنا أريد أن أقول آية وأنا أوجه كلامي للمسلمين لما نسمع قوله تعالى ونداءه للذين آمنوا (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ (16) الحديد) ففي الآية شهادة أنهم آمنوا وأنت لديك من ضمن المؤمنين أناس قد يكونوا غير مسلمين فهم في فترة آمنوا لكن بعدما آمنوا حدث شيء جعلهم يخرجون من الإيمان - وهم مؤمنين - ونحن بالنسبة لنا كلمة الإيمان كلمة يرتاح له القلب أن فلان مؤمن وليس مسلم فعندما تسمع الآية (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا) فهم قد آمنوا لكن بقي عليهم درجة من درجات العبودية. ودرجات العبودية ليست مفهومة حتى للمؤمنين فنحن لن نفرح بإسلام شخص أُجبِر على الإسلام أو حتى ضُلِّل ولو حدث وحصل هذا وضلل لكي يسلم هل هو سيسلم لنا؟ فالتسليم لله سبحانه وتعالى ولهذا نحن لا ننفعل إزاء هذه التصريحات لأن أنا مسبقاً عرفت بأن هذا سيحصل وهذه المحاولة لن تكون الأخيرة والمحاولات كثيرة. وأنا أريد أن أقول أن هذا يدل على أمور طيبة جداً وتدل على حيرة هؤلاء الذين يتكلمون في حق الإسلام وفي حق رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم وفي حق القرآن وفي حق الله تبارك وتعالى فهو في تصريحه تطاول على الله وليس على الرسول والإسلام فقط في قوله- أن إرادة الله في المعتقد الإسلامي لا تخضع لعقل ولا منطق ولا مسآءلة-فليسأل هو الله تعالى إذن، لكن كيف يريد هو أن يخضعها للسؤال؟ لأن تصورهم عن الإله تصور فاشل فنريد أن نقول له أن يجلس مع نفسه لأنه يستطيع أن يضلل، أن يخدع الدنيا كلها لكنه لن يخدع نفسه، فهو إذا جلس مع نفسه سيعرف أنه بكل المقاييس بعيد عن الحق وأن الحق أوضح من الشمس في كبد السماء. وأنا أطمئن كل المسلمين أن كل محاولة من هذه المحاولات- وهذه إحصائية ظهرت في فجر هذا اليوم- تؤدي إلى زيادة عدد الذين يدخلون في الإسلام. أعلناها سابقاً أنه من يجبر على الإسلام إسلامه غير مقبول. القضية تكمن أننا لدينا إشكالية في تلقي القرآن فنحن طوال عمرنا لم نفرق بين قراءة القرآن، فهم القرآن وتدبر القرآن. الله سبحانه وتعالى لم يأمرنا فقط بقراءة القرآن ولكن الأوامر التي لدينا بديعة (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴿204﴾ الأعراف) (أي إذا قُريء عليكم) ولم يستخدم كلمة فاسمعوا ولكن فاستمعوا ثم قال لعلكم و (لعل) هنا قضية في اللغة فهي لا تعني لعل للتعليل أو لعل للتمني إنما هي غاية. وسؤالي هنا الذي يدل على أننا مقصرين في فهمنا (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) بسماعكم أو حتى باستماعكم أو حتى بإنصاتكم؟ لا إنما بتطبيقكم. فالرحمة لن تأتي لمجرد أنني سمعت القرآن ونحن في أيامنا هذه القرآن أصبح للبركة كالذي يخرج من منزله ويترك القرآن يشتغل في بيته للبركة دون أن يعلم أنه يستدعي الجن إلى البيت لأنه لا يوجد أحد في البيت والجن يأتي لكي يستمع للقرآن. فالقرآن ليس كتاب بركة أو كتاب يحفظ المكان أو كتاب تمائم وأحجبة وهم بهذه الأفكار أضاعوا الأمة ولكن انظر إلى الآية وأنت تفهم أن قضيتك هي التدبر، الااستماع والإنصات (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ (82) النساء) نحن مطالبون بالتدبر وليس بالفهم ولكن بالتدبر.
سؤال: آية أخرى فيها نوع من خيانة الأمانة وخيانة العهد، قال الله تعالى ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴿187﴾ آل عمران) وهنا كان في عهد وأمانة.
في الآية ثلاث إشكاليات: أولاً أنهم نبذوه ليس جانباً ولا أمامهم ولكن وراء ظهورهم والنبذ وراء الظهر يعني أنهم لن يلتفتوا إليه ولن يأتي عليهم اليوم الذي يقدروا فيه أن يرجعوا مرة أخرى للإيمان وهذا بلازم المعنى والمدلول. والقضية الثانية والأخطر أنهم اشتروا به ثمناً قليلاً، وأن تقلب الوضع الطبيعي في الاقتصاد أنك عندما تشتري تشتري سلعة فهم اشتروا ثمناً وهذا الأمر يحتاج إلى شرح كبير في القرآن ولم تأت في أي كتاب سماوي. فالمفروض أن الإنسان يشتري سلعة ويُخرِج ثمناً للسلعة لكن عندما تشتري الثمن وليس السلعة فهم بذلك قلبوا أيضاً الصفقة الإيمانية الطبيعية (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ (61) البقرة) وهذه الآية مدلول الآية (وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا) لأنهم عندما اشتروا الثمن قلبوا الصفقة فأضاعوا كل مجهودهم وكل ما كان لديهم من الهدى في الدنيا فليس لهم في الآخرة من نصيب، إنتهى الأمر. فالآية فيها أكثر من نقطة لو فهمت بشكل صحيح قد يعود بعضهم وهذا الذي يحصل أن أحدهم يأتيك يريد أن يسلم لأنه حصل تخبط بين واقع يعيشه وكلام يسمعه وبين أشياء منطقية يراها، ولو نظرنا أعداد الذين يدخلون في الإسلام من غير المسلمين بعد كل محاولة لتشويه الإسلام لوجدنا أنها في تزايد وحتى في الدنمرك عندما أُسيء لرسول الله صلى الله عليه وسلم دخل كثير من الناس في الإسلام هناك لمجرد عرض الإسلام وبمجرد أن الناس سمعوا من هو محمد عليه الصلاة والسلام ما هو الإسلام ما القرآن؟
إقتراح: علينا أن نتبنى مشروعاً لعمل كتيبات تشرح عن القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم والاسلام وتترجم للغات عديدة وتوزّع لكي يفهم الناس حقيقة هذا الدين وتكون من الصدقات الجارية، ولكن يجب أولاً أن نعي لأنفسنا لأننا مقصرين في فهم ديننا ولكي نستطيع بعد ذلك أن نعرض ديننا للآخرين.
قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿27﴾ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴿28﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴿29﴾ الأنفال ) كيف نخون الله؟ وكيف نخون الرسول؟ وما هي الأمانة؟ وما معنى هذا النهي والتحذير من الله سبحانه وتعالى؟ ما علاقة الأموال والأولاد بالخيانة؟ وما علاقة التقوى بالخيانة؟
أولاً أريد أن ألفت الأنظار إلى أن النداء في الآية لـ (الذين آمنوا) فالمتصور عند كثير منا أننا عندما نقول يا أيها الذين آمنوا أننا ننقلهم نقلة من الإيمان إلى التقوى وهذا مقبول عند الكثير أن تقول (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله) لأنك أتيت من إسلام الرسالة إلى الإيمان فالمفروض أنك تنتقل للتقوى ثم للإحسان ثم لإسلام الوجه وهذه أعلى الدرجات من العبودية، فمقبول عند كثير جداً من العلماء ومن المفسرين ومن الناس العامة أن أقول (يا أيها الذين آمنوا أحسنوا أو اتقوا) لكن الذي أريد أن ألفت الأنظار له - وهذه قضيتنا التي نريد نخرج بها من حلقات التوبة والاستغفار - وكل هذا الذي نقوم به لكي نثبت ما هي التوبة؟ وما هو الاستغفار الحق؟ وأن هذه حالة يجب أن يعيش عليها المسلم آناء الليل وأطراف النهار. أن النداء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا) فهل متصور أن المؤمن يخون؟ متصور أن الكافر يخون والمنافق يخون والمشرك يخون والمسلم على حرف يخون، لكن الذين آمنوا فهؤلاء انتقلوا من مرحلة الكلام، من نطق الشهادتين إلى مرحلة التطبيق فليس متصوراً أنهم يخونوا. واستدعاء هذه الآية في موضوع التوبة والاستغفار لكي نثبت للناس أنه لا يوجد شخص كبير على المعصية وأي شخص يغترّ بإيمانه هو أول شخص يقع في المعصية. وبحثت عن توصيف لهذه الواقعة فوجدتها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لكي نبين للناس قيمة هذا الرسول الحق كيف كان يشرح ويأخذ بأيدينا لأعلى الدرجات فنسمع له حديثاً في منتهى الإبداع يقول فيه- وأنت سألت في بداية الحلقة كيف أخون؟ وكيف أخون الله سبحانه وتعالى؟ وكيف أخون الرسول؟ - (لا يزني المؤمن حين يزني وهو مؤمن) فالمؤمن إذا دُعي إلى الزنا فزنا، ساعة زنا لم يعد مؤمناً لأن الإيمان خرج من قلبه. هذا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ولو أخذنا بعين الاعتبار توصيف حالة التوبة من أكبر ثلاث كبائر استعرضهم المولى عز وجل سبحانه وتعالى لنا في أواخر سورة الفرقان (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ﴿68﴾) وهذا مثال لأكبر الكبائر، التعليق جاء في قوله تعالى: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ﴿68﴾ يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ﴿69﴾) (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ (70)) ولم يقل أسلم بل آمن فهو مسلم وكان مؤمناً ولكن عندما أشرك أو قتل أو زنا خرج من الإيمان أو خرج الإيمان منه فلكي يتوب وتُقبل توبته (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ) يجب أن يجدد الإيمان مرة أخرى. فالرسول عندما يقول أنك عندما تزني لم تعد مؤمناً، كنت مؤمناً ولكن ساعة ارتكابك للزنا لم تعد مؤمناً والتوقف هنا لكي تتوب على قدر ما تتوقف على قدر ما تكون توبتك. فهناك من يزني أو يسرق أو يرتكب معصية فيقول استغفر الله العظيم أنا لن أفعل ذلك مرة أخرى وهو بذلك يظن أنه تاب وهذا سوف يعود لارتكاب الذنب. لكن الذي يتوقف ويسأل نفسه كيف عمل هكذا؟ ويندم كثيراً على فعلته ويجلس يكبر مع نفسه أنا فعلت هذا تحت سماء الله؟ ماذا كنت أظن عندما ارتكبت هذه المعصية هل كنت أظن أن الله لا يراني؟ أين تصور الإله الحق في ذهني عندما ارتكبت هذه المعصية؟ أين صفة الرقيب؟ فأنت اختبأت من الناس كلها وغفلت عن صفة الرقيب ونسيت أن الله سميع بصير، غابت عنك صفات الله فارتكبت المعصية فبذلك أنت لم تعد مؤمناً لأن غياب صفات الله عنك هي أول خطوة على طريق الكفر، الشرك، النفاق. وهذه الصفات الثلاثة بعيدة كل البعد عن الإيمان لأن المؤمن هو الذي يعرف الله ويعرف كُنه الإله فبالتالي كل عمل يقوم به سواء مع الناس أو مع الله يقوم به وهو أمام عينيه من هو الله؟ وهؤلاء الذين إذا نظرت إليهم تجدهم يعيشون في حالة خوف لكن بانطلاق فخوفه من المولى عز وجل لم يجعله يبقى في منزله لأنه يخاف أن يسرق أو يزني أو يقتل أو يرتكب أي معصية. هو خائف فيتعامل بانطلاق ولكن مع هذا الخوف ولذلك من عرف الله خافه ومن خاف الله امتثل أوامره ومن امتثل أوامره اجتنب نواهيه. فهذا الخوف سيصنع له حالة وقاية من محارم الله وهي التقوى. والتقوى جاءت في القرآن بطريقة غاية في الجمال فمرة يقول: اتقوا الله ومرة اتقوا النار. وبعقل متجرد تجد أنك إذا اتقيت الله أو اتقيت النار النتيجة واحدة وهي الجنة. لكن إذا اخترت اتقي الله لأن في اتقائي لله أي معرفته ومن معرفة الإله الحق سأتقي النار، فعندما يقول الحق تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ) أولاً ما هي الخيانة؟ الخيانة أن يكون هنالك عهد وأنا لا أوفي به أو أمانة عهد المولى سبحانه وتعالى بها إلي وأنا فرطت بها أو أن يكون هناك اتفاق أو عقد وتتم خيانته. الناس للأسف عندها حصيلة مفاهيم خطأ يجب أن نصححها. ولو عرّفنا الخيانة ما هي؟ كيف تكون خيانة الله؟ وسوف أضرب لكم مثال هذا الرجل الذي يذهب إلى ساحر ويقول له اعمل لي عملاً لفلان، أين الله في هذه الجملة؟ - وهذه الحالة منتشرة في المجتمع بطريقة مرعبة- عندما أذهب لشخص وأطلب من أن يؤذي فلاناً أين الله في هذه الجملة؟ هذا الأخير سمع أن هناك من عمل له عملاً فيقوم ويذهب لساحر آخر ويقول له فك لي العمل، أين الله؟ أليس هذا كلها خيانة؟ وأنت عندما تخون فلاناً فمن هو المتضرر من هذه الخيانة؟ فلان الذي خنته، لكن عندما تقوم بنظرة مستقبلية لواقع الأمر يوم القيامة بينهما، المتضرر سيكون الذي خان، عندما أقول لك لا تخون فلاناً فهذا مقبول ولكن عندما أقول لك لا تخون الله هل أنت تستطيع أن تضر الله؟ بالطبع لا فالخيانة كلمة تختلف باختلاف المؤدّي. فلان يخون فلاناً لها مفهوم وفلان يخون الله لها مفهوم آخر لأنه: (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء) فيجب أن أفهم أن كلمة الخيانة مفهومها مختلف عن واقعها في المعنى وفي لازم المعنى وفي المدلول فعندما أقول (لا تخونوا الله) قد يخطر ببال أحد الناس أن خيانتك له ستضره، لكن هل خيانتك له ستضره؟لا فكلمة الله أي الاسم الجامع لكل صفات الجلال والكمال والذي هو لا يمكن أن يستطيع أحد خيانته لكن في الحقيقة أنت عندما تخون تكون قد خنت نفسك فالذي يخون الله سبحانه وتعالى أضاع نفسه. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا) ولم يقل يا أيها الناس الناس لأن لو أحد من الناس خان لا عهد لتوقيع عقوبة في الخيانة ولكن الذي آمن؟ وأضرب مثالاً على ذلك الذي لا يصلي أبداً لو أردت أن تعطيه عقاباً في القرآن عن تارك الصلاة لن تجد ولكن تجد في قوله (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ﴿4﴾ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴿5﴾الماعون) وكان عقابهم (ويل) لأنه عندما صلى أعلن إيمانه كأنه وقع على العقد بعكس الذي لا يصلي. ومثل ذلك الكافر والمنافق والكافر أفضل من المنافق لأن الكافر أعلن كفره وقال لك أنه ليس مؤمن بإلهك وبذلك عرفت أنه كافر فتأمنه بعكس الذي يأتي إليك ويقول لك أنا معك ثم يذهب ويجلس مع اليهود والنصارى ويقول أنه لا يؤمن بالإله وأنت لا تأمنه ظناً منك أنه مؤمن (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴿14﴾ البقرة) وشياطينهم هنا ليس المقصود منهم الجن ولكن شياطين الإنس وهؤلاء أخطر. وكلمة شيطان قد تطلق على الإنس والجن على حد سواء بل هي إطلاقها على الإنس أخطر. وشياطينهم في الآية تعني زعماء الكفر.
سؤال: لو شخص أحس أن أحداً عمل له عملاً هل يكون هذا الشخص آثم إذا ذهب لأحد يفك له هذا العمل؟
نحن لدينا كلام كثير في موضوع السحر والعمل وكثير من الناس من يدّعون أنهم يعملون ويفكون وتحل وتربط ولدينا إشكالية عندما قلنا لو في شخص يعمل هذه الأعمال فليعمل عملاً لشارون وبوش وأنا مستعد أن أدفع فقط يرينا شيئاً. كل هذا الكلام بحاجة لإعادة نظر فما هو السحر أساساً؟ نحن لا ننكره ولكن ما هو؟ وهل هذا الذي أذهب إليه لكي يؤذي شخصاً ما سيغير قدر الله سبحانه وتعالى؟ هل الساحر الذي يعمل العمل لشخص هل سيغير قدر؟ فهل كان مكتوباً أن فلاناً هذا لن يحدث له شيء أو أنه سيستمر مع زوجته ولكنه هذا الساحر أذاه أو جعله يطلق زوجته بسبب طلبي أنا؟ لا لأنه أزلاً وقدراً فلان وفلانة في يوم كذا سيفترقون ويحدث بينهم طلاق. والفرق الوحيد الذي سيحدث هو أنني سأأثم وهو سيأثم. الذي يسخّر الجن يكفر بالله سبحانه وتعالى. ومن خيانة الله سبحانه وتعالى أن أقول لشخص ما اعمل لي، فأين الله؟ والله تبارك وتعالى هو الذي قال في محكم التنزيل (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ (186) البقرة) (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (60) غافر) ولم يقل ادعوا غيري أو اسألوا غيري فساعة ما ذهبت إلى الساحر اعتقاداً أنه يستطيع أن يفعل شيئاً فقد خنت الله كمن يسأل عن شخص يعرف الغيب رغم أن لدينا آية أوضح من الشمس في كبد السماء (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ﴿26﴾ الجن) وعالم الغيب هو الله سبحانه وتعالى. ونرد بهذا الكلام على من يذهب لقراءة الفنجان والذي يقول أنه سيحدث كذا كفر بالله سبحانه وتعالى قولاً واحداً. وقد سألتهم مرة لماذا بالبن وليس بالكاكاو؟ رغم أن الكاكاو يعطيك نفس النتيجة في الفنجان فلماذا البن أو القهوة بالذات؟ كل هذا يدل على أننا مخدوعين بطريقة كبيرة وغياب الحق تبارك وتعالى عنا وغياب القرآن وقراءة القرآن بالطريقة التي طلبها الحق تبارك وتعالى هو الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ) ما هي الخيانة؟ عندما أرادوا أن يعرّفوها قالوا هي عكس الأمانة رغم أن الخيانة واقع فعل والأمانة صفة. الرسول عليه الصلاة والسلام قبل أن يُبعث كان صفته الصادق الأمين عند قريش وعند أهله وعند أصحابه وعند جيرانه، وهم حتى بعد كفرهم به صلوات ربي وسلامه عليه كانوا لا يستأمنون غيره فالرجل الكافر بمحمد صلى الله عليه وسلم يمر ببيت أبي جهل حبيبه وصديقه ومعه في كفر واحد ولا يترك ماله عنده ويذهب إلى رسول الله صلى عليه وسلم ويترك عنده أمواله كأمانة لأن أبو جهل سكير عربيد ممكن لأن يأخذ المال وينفي ذلك لأنه غير متزن لكن محمد صلى اله عليه وسلم كان عندهم شيء كبير فهو الصادق الأمين وانظر إلى العظمة يكفرون به ولا يأتمنون غيره. فالأمانة صفة واقعة والخيانة تقابلها. فهناك إنسان لا يمكن أن يخون فهو لا يعرف أن يخون وآخر هو بطبيعته خائن فعندما يقول الله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا) هذا التحذير معناه أنك أنت بإيمانك إياك أن تقع في هذه الصفة وهي الخيانة. والذي يرتكب معصية يكون بذلك قد خان الله وخان الرسول لأن الذي أنزل القرآن هو الله والذي أتى إليك بالقرآن هو الرسول صلى الله عليه وسلم فالمنهج منهج الله والذي بلّغه هو محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله وأنت عاهدت الاثنان الله ورسوله وقلت آمين، فإذا خنت الله تكون تلقائياً خنت الرسول وإذا خنت الرسول تكون تلقائياً خنت الله. (لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ) هناك من قد يخون في أمر جاء في القرآن فيكون قد خان الله وبالتالي خان الرسول الذي جاء بالقرآن. وإذا خان أمراً جاء في الحديث ولم يأت في القرآن ونحن لدينا الآية (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ (80) النساء) فالذي يخون الله تلقائي قد خان الرسول لأن الرسول هو الذي جاء بالمنهج، والذي يخون الرسول في شيء قاله ولم يأتي في القرآن يكون قد خان الله لأن طاعة الرسول هي طاعة لله وخيانة الرسول هي خيانة الله ولذلك (لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ).
(وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ) أنه ربما أخون فلاناً في شيء قد يكون ليس في المنهج ولا في الرسالة، قد تكون في المعاملة. مثال ذلك أن اثنان اتفقا على شيء مخالف للمنهج كأن يتفقا على السرقة وهذه لا تكون أمانة وإذا جاء أحدهما وقال أنه لن يسرق لن يكون بذلك قد خان أمانة لأنها لا تدخل في مفهوم الآية. ولكن (وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ) هي الشيء الذي بين بعضنا البعض في المعاملات. ولو أخذنا سوق الذهب كمثال ففي سوق الذهب لا توجد عقود ولكن هناك كلمة، فشيء بديع جداً أن يكون بيننا هذا التعامل ولكن الغريب جداً أيضاً أنني أكون هكذا في البيع والشراء ولكن لا أصلي ولا أصوم ولا أحج وأكذب فأنا قمت بشيء عظيم للغاية في بند واحد وتركت كل البنود التي جاءت في منهج الله وفي حديث رسول الله. فالتوقيع الإلهي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) كأني بالله تبارك وتعالى يقول: يا من وقعتم على العقد الإيماني بعبوديتكم لله تبارك وتعالى لا يجب أن تخونوا الله لأن ارتكاب المعصية هي الخيانة بعينها. فالخيانة هي وقوعك في أي معصية صغيرة أو كبيرة لأنك ساعة ارتكبت هذه المعصية لم تقدّر الله حق قدره.
سؤال: عندما عرضت الأمانة على السموات والأرض وقالتا أنهما طائعين ولن يخالفوا المنهج لأنها مسخرة، فما هي الأمانة في هذه الآية (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴿72﴾ الأحزاب)؟
يقول الله تبارك وتعالى (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴿72﴾ الأحزاب) ما معنى كلمة عرضنا؟ كلمة عرضنا تدل على التخيير رغم أن السموات والأرض ليستا مخيرة كما في قوله (اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴿11﴾ فصلت).
ومن قالوا أن الأمانة هي الاختيار أليس قوله (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ) ألس هذا اختيار؟ وهم رفضوا حملها وبذلك لا يمكن أن تكون الأمانة هي الاختيار لأنني خيرتهم.
(فأبين أن يحملنها) أبين هنا ليست بمعنى رفضت لأنه كيف ترفض وهي في قوله تعالى (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) فهل تستطيع أن ترفض؟ لا فأبين هنا ليست الرفض مطلقاً. هذه الآية بما لها تجري مجرى الاستعارة التمثيلية في اللغة العربية لا واقع لها إلا في التمثيل وفي ضرب المثل أي بمعنى لو كنا عرضنا الأمانة.هذا هو المعنى. وعلينا أن نفهم ما معنى عرضنا، إستعارة تمثيلية، الفرق بين التمثيل والاستعارة.لأن البعض أن الله سبحانه وتعالى أخذ رأي السموات والأرض وأن الإنسان كان ظلوماً جهولاً لأنه حملها فكيف يكون هذا وربنا عز وجل هو الذي كتب عليه أن يحملها؟ يجب أن نوضح الفرق بين معنى الكلمة وتوقيعها في آية أخرى.
بُثّت الحلقة بتاريخ 19/9/2008م

ميارى 27 - 7 - 2010 07:43 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 20

الهدف من حلقات التوبة أن يتعلم الناس كيف يكونوا في معية الله وفي حالة إنابة إلى الله تعالى وليس مجرد توبة باللسان فقط. ونعود إلى آيات سورة الأنفال، ما هي الخيانة وكيف يخون الإنسان الله تعالى والرسول؟
لاحظنا في هذا الشهر في هذا العام وفي الأعوام السابقة أن الناس يجتهدون قليلاً في شهر رمضان ويتقربون من الله وتبدأ بالصلاة في المساجد والمحافظة عليها وقيام الليل والتهجد ولكن كل هذا يتوقف عندما يقترب العيد ويعود الناس لللهو والسهو والمنهج الذي لا يرضي الله وأنا أذكركم وأذكر نفسي أن كل الشهور هي شهور الله وليس شهر رمضان فقط. قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿27﴾ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴿28﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴿29﴾الأنفال) النداء لناس مؤمنين فإذا كانوا مؤمنين كيف سيخونوا؟ هذا النداء يؤكد أنه لا يوجد من البشر باستثناء الأنبياء في حالات خاصة وعلى رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم العصمة فلا إنسان معصوم حتى وإن كان من عداد عباد الرحمن أو المؤمنين المتقين المحسنين المسلمين بالتوصيف الذي قد شرحناه. النداء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ) إذاً الأمر يجب أن يكون بمفهوم الواعي أنه لا يوجد أحد فوق المعصية أو كبير على الخطأ وأن الخطأ وارد في كل بني البشر، الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا (كل ابن آدم خطّاء) وليس مخطئاً خطّاء أي كثير الخطأ ولكن (خير الخطاءين التوابون) ونحن لا نبحث عن توبة في دقيقتين ثم أرجع مرة أخرى للمعصية فكما تبت سريعاً أعود سريعاً ولكننا نبحث عن حالة من حالات الإنابة وقد قلنا أن التوبة حالة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم التزامها فقال (يا أيها الناس) ولم يقل يا أيها الذين آمنوا أو الذين أسلموا ولكن خاطب الناس لأنه أرسل للعالمين فقال "يا أيها الناس استغفروا ربكم وتوبوا إليه فإني استغفره وأتوب إليه في اليوم مائة مرة" أو "أكثر من سبعين مرة" على اختلاف الروايات، ومعنى الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام يريد أن يجعل الأمة المسلمة التي لها شرف الانتساب إليه عليه الصلاة والسلام تعيش حالة اسمها التوبة أي حالة معيّة وليست حالة تردد فكثير من الناس يخطئون ويتوبون ثم يخطئون ويتوبون فهذا تردد بين الصواب والخطأ لكن الرسول يريدك أن تعيش حالة توبة في معية الله تبارك تعالى كما قلنا في آية (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ (31) الروم) أتى بعدها كلمة (وَاتَّقُوهُ) أي إياك أن تنيب حتى وتبقى على حالة الإنابة بمجرد العودة لا ولكن تعود وعندما تعود تبقى في معيته سبحانه وتعالى وتداوم على التقوى حتى لا تقع مرة أخرى في معصية من المعاصي الكبيرة (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ (32) النجم) أي من يقع في اللم لا بأس ولكن لا نريد أن نتعود وهنالك شيء يسمى لذة المعصية عند بعض الناس فهو يعصي ولكنه يعلم أنه سوف يتوب ويعيش حالة من حالات التوبة ثم يعود مرة أخرى إلى معاصي ويبقى فيها ثم يعود إلى التوبة وأنا أخشى ما أخشاه أن يموت وهو على المعصية، وهذا من تزيين الشيطان بأنه سوف يتوب وهنالك من يعصي وهو يعلم وفي الآية (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) وهذه قضية كبرى في الوقوع في الخطأ هل أنت تعلم أو لا تعلم؟ وأنا سعيد جداً للتوقيت الذي نتحدث فيه ونشرح فيه الآية لأننا الآن في حالة من حالات الخيانة عقب رمضان للأسف الشديد، نحن فعلاً في حالة من حالات الخيانة بعد رمضان أننا قمنا بعقد غريب جداً ووقعناه في رمضان، التزمنا المساجد في الخمس فروض وبعد رمضان عدنا لما كنا عليه في شعبان كأن المتميز بالأداء هو رمضان وإياك ثم إياك أن يكون الدافع للعمل الفائدة العائدة عليك من العمل لا الإيمان برب العمل وهذه هي القضية. ومثال على ذلك أن شخص في رمضان كان يفكر أن الصيام ثقيل على نفسه وفجأة التقى بطبيب وقال له أن الصيام مهم جداً للصحة فهو فرح بهذه الفائدة وصام لأن الصيام سيساعده صحياً فبذلك هو لا يعبد الله ولكنه صام فقط من أجل الصحة وكان من المفروض أن يقول لنفسه: وإن كنت على ما تبدينه سأتعب وسيكون فيه مشقة ولكن أنا صائم إرضاءً لله وطاعة لله، وبذلك يكون يعبد رب الفرض وليس الفرض، وهناك من يصوم طمعاً ورغبة بأن يدخل من باب الريان وفرحاً بالأجر الكبير وبأن الله عز وجل قال (إلا الصيام فهو لي- أو فإنه لي- وأنا أجزي به) وبذلك هو لا يحسب الحسنة بعشرة فهو فاتح على قدر الكريم سبحانه وتعالى وهو فرح بكل هذا على شرط أن يكون تابع لتوقيع العبودية فهو ليس الأصل في الصيام. فأنا لست صائماً لكي أدخل من باب الريان ولا لأخذ الأجر الكبير ولكن أنا آخذ بهذه الأشياء بعد أن أكون صائماً طاعة لله تبارك وتعالى لأنه أمر. وأنت لو لاحظت العبادات لوجدت كل عمل أنت تقوم به يجب أن لا يكون لهدف مثلاً الصلاة لا تكون لأنها نشاط للجسم وبمثابة التمرينات وهنالك من يقول أنك لو صليت ركعتين الصبح كأنك قمت بتمرين وأنا لا يعنيني هذا الكلام أبداً فأنا أصلي لأن ربنا أمرني بالصلاة وأصوم لأن ربنا أمرنا بالصيام وأزكي لأن ربنا أمرنا بالزكاة وأحج لأن ربنا أمرنا بالحج دون النظر للفوائد التي تعود عليّ من هذه الأعمال. فأنت لا تعمل للأجر ولكن تعمل لربّ الأجر وكونك مثلاً تفكر في رمضان أنك فعلاً ستدخل من باب الريان مع جماعة الصائمين والذين لم يصوموا واستهزأوا لن يدخلوا؟ لا بأس أنك تفكر هذا الفكر ولكن ليس هذا هدفك، ساعة قلت نويت الصيام فالأولوية للعبادة وإن كنت سأتعب والصيام لابد أن يتعب لأنه مشقة بدليل التكليف وطريقته في القرآن كيف أتت؟ الصلاة كذلك والحج بما له من مشقة ربنا يكلف ويقول (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ (97) آل عمران) ثم يقول (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (97) آل عمران) وهذه المشقة الدنيوية يقابلها يسرٌ عند الحساب والخلود والراحة الأبدية والنعيم ويكفيك أن تسمع (أن فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) حتى وأنت تسرح بخيالك لن تستطيع أن تفكر بالذي فيها (ولا خطر على قلب بشر) والقرآن عندما يوقع (وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا (25) البقرة) وهذه في حد ذاتها قضية من قضايا القرآن الكبرى أنك ترى ما يشبه ما كان في الدنيا ولكن الفرق كبير في التوقيع.
وفي قوله تعالى (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴿107﴾هود) والاستثناء (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ) للحالة وليس للنوع، فكثير من الناس من يعتقد أن الخلود في الجنة سيكون مرتبطاً فقط بدوام السموات والأرض فهذا الاستثناء يقول أن الخلود سينقطع وبعد هذا هنالك مشيئة لله في الآخر، ولكن يجب أن نفهم أن السموات والأرض بما تقل وتظل باقية حتى في الآخرة والاستثناء هنا لحالة وليس لفرقة أو لوقت أو لمدة. ونسف الجبال يكون يوم تبدل الأرض غير الأرض ولكن في لحظة عدم وجود الأرض سيكون هنالك أرض وإلا كيف تقلّ وتظل وكيف تقف للحساب إلا على أرض؟ وهذه الأرض غير الأرض والسموات غير السموات ولكن هنالك سموات وأرض فكلمة (ما دامت مستمرة) حتى مع الاستثناء في الانقطاع كلمة ما دامت أي ما بقيت وهي باقية فعلاً وحتى بالمنطق لحظة ما أبدل الأرض أين ستقف؟ على أرض، فالأرض باقية. سنشرح هذا لاحقاً لأنه حصل تشويش عند الناس من أحاديث الخروج من النار.
ونعود لجزئية الطاعة أنني أطيع وأؤدي الفروض بعيداً عن الفائدة ومن الأفضل للجميع أن يتركوا المسألة مثل الصيام فهل هنالك من استطاع أن يحسب الصيام؟ لا أحد، فالله سبحانه وتعالى يقول (كل عمل ابن آدم له) وفي بعض الروايات (الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف والله يضاعف لمن يشاء إلا الصيام) إستثناه من هذا الحساب فالذي يحسب بعشرة خسر وضيق على نفسه فاتركها مفتوحة واجعلوا كل الأعمال هكذا. لنفرض أنك صليت ركعتين بإجادة تامة لن تستطيع أن تحسبها لأنك إذا أخلصت في هذه الركعتين ثم أردت حسابهما ستستخسر أن تحسبهم لكن اتركها مفتوحة للكريم ولا يعلم ما بيد الكريم إلا الكريم سبحانه وتعالى فأنت اتركها وخلص كل عمل من الخيانة لأن الآية حكمتنا حكم جميل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ) ثم عطف على الله الرسول (وَالرَّسُولَ) لكن في توقيع بديع قال (وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ولم يقل (ولا تخونوا)، فـ(لا) الأولى مستمرة في كل الحالات حتى أن بعض النحاة اختلفوا في الإعراب واعتبروا الواو في (وَتَخُونُوا) أنها واو المعية ويكون الفعل هذا منصوباً فالفعل الذي يأتي بعد واو المعية يشتغل على (مع) وبذلك يشتغل على النصب وهذا كلام غير منضبط لأن لا الأولى نهتنا عن أي نهي آخر حتى التكرار لم يعد له قيمة لأنك أنت عندما لا تخون الله سبحانه وتعالى بالتالي لن تخون الرسول صلى الله عليه وسلم بدليل أنه لم يكرر اللام فلم يقل ولا تخونوا. المعنى ولا تخونوا أماناتكم لكن الواقع لم يقلها فالصياغة القرآنية (وَتَخُونُوا) لأن لا الأولى فيها الكفاية في النهي.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) هناك نهي عن الخيانة لله وللرسول ثم خيانة للأمانات و(لا) الأولى ممتدة ولهذا القرآن لم يكررها ولم يقل ولا تخونوا لسبب أن في قوله (وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ) يوجد هنا تقدير هل أنت تخون الأمانة أم تخون صاحب الأمانة؟ أنت تخون صاحب الأمانة وهنالك كلمة محذوفة وليست محذوفة حذف في القرآن ولكنه تقدير أي (لا تخونوا أصحاب الأمانات) و(لا) لم تتكرر لأنك في الأصل منهي عن خيانة الله فالأولى تكفيك عن الثانية والثالثة فلو أنك لم تخن الله فلن تخون الرسول ولن تخون أصحاب الأمانات لأنك سوف تخلص مع الله سبحانه وتعالى، إخلاصك مع الله سبحانه وتعالى والعمل بعقد الأمانة إن صح هذا التعبير والأمانة هذه- التي نتكلم عنها الآن- مختلفة تماماً عن الأمانة في قوله تعالى (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ﴿72﴾ الأحزاب). والأمانة التي نتحدث عنها اليوم أمانة بديعة وجميلة أمانة حصلت بيدك أنت ساعة توقيعك عقد الإيمان وشهدت بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وما يترتب على هذه الشهادة من صلاة وصوم الخ، ولذلك هناك آيات في القرآن تحتاج إلى وقوف وفكر ووعي كما في قوله (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ﴿4﴾ الماعون) أثبت لهم الصلاة (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴿5﴾ الماعون) هم الذين دخلوا الصلاة برضاهم ولم يجبرهم أحد فهم وقعوا العقد ثم نقضوه ولذلك كان لهم الويل لأن صلوا ثم تركوا الصلاة وهذه خيانة لأنك كأنك وقعت على عقد برغبتك ثم ترفضه وهذا ينطبق على الرِدّة. فأنت عندما تدخل الإسلام لابد أن تدخل بحرية مطلقة ليس فيها درجة واحدة من درجات القيد (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (256) البقرة) لكن أن تخرج من الدين هذا أمر غير مقبول لأن دخولك الدين عقد موقع منك والتزامات أنت ألزمت نفسك بها، ولذلك من يأتي مجبراً على الإسلام لا إسلام له، ولكن إذا دخل الدين برضاه هنا الخروج لا يكون متى أراد فالردة عليها كلام وفيها أمور وأحوال كثيرة جداً.
والخيانة جاءت من مادة الخون. والخون هذا كله ينبني على النقص، عكسه التمام والكمال التي هي الأمانة والأمانة ليست كقضية ولكن كحالة يجب أن يكون المسلم أو المؤمن عليها. الخون في المعاجم هو النفص في أي شيء، فالذي يخون قبل أن يخون شخصاً في معاملة أو تجارة أو مبلغ أو سلفه هو يخون المنهج لأنه يخون الله وهناك من يقول كيف أخون الله؟ وهل أستطيع أن أخون الله؟ لأنه معتقد أن الخيانة أن تضر الذي أمامك ولكنك قبل أن تضره وقبل أن يتسرب إلى ذهنك ضرر الله سبحانه وتعالى وهو شيء غير واقع ومستحيل أن يقع فأنت تضر نفسك بداية لأنك خنت الأمر الإلهي فالذي يحدث لك من الله سبحانه وتعالى تتحمله لأنك أنت الذي خنت نفسك. ولذلك بدأ في الآية (لَا تَخُونُوا اللَّهَ) وأنا أريد أن أضرب مثال واحد على خيانة الله، كيف أخون الله؟ وكيف أخون الرسول؟ ولماذا لم يقل وتخونوا الرسول رغم أنه قال (وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ)؟ لأن الرسول أبداً لا يأتي بتشريع من عنده إنما أساساً هو ناقل للمنهج أو للتشريع الإلهي وإذا الرسول شرع شيء فهو لديه تفويض إلهي في القرآن (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ (59) النساء) وتفويض آخر (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (7) الحشر) وصحيح أن بعض الشراح حملت الآية على أنه ناقل أي ما أتاكم الرسول نقلاً عن الله وهذا رأي ولكن الرأي الآخر له احترامه أن الرسول له حق التشريع منفرداً بدليل قول الله تبارك وتعالى (أَطِيعُوا اللَّهَ) ولم يقل والرسول ولكن (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ). بعض الشراح قالوا في أسباب نزول هذه الآية (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) كانت عن واقعة معينة بعد توزيع الغنائم في غزوة من الغزوات وبعض الناس أرادوا أن يأخذوا فضل زيادة أو غنائم زيادة فالرسول نهاهم عن هذا وأن الآية مرتبطة بهذه الواقعة،ونرد عليهم ونقول أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب والقرآن كله هكذا وعلى سبيل المثال هل حالة المجادلة عندما نزل القرآن نزل في المجادلة أم نزل في كل الظهار؟ في الظهار كله، فقال الله تعالى (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ (2)المجادلة) تكلم على عموم اللفظ لا خصوص السبب هي نزلت في خوله بنت ثعلبة وأوس بن الصامت لكن هم العلة والسبب لكن هل الآية نزلت فيهم فقط في حالتهم أو إطلاقاً؟ إطلاقاً. وهذا هو القرآن فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ومن ثم فقول الحق تبارك وتعالى (لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ) لأنك أنت إذا خنت الله فبذلك تكون قد خنت الرسول وسوف تخون الأمانات وإذا خنت الرسول تكون قد خنت الله سبحانه وتعالى بلا شك لأنه لا يمكن أن تخون الرسول لوحده فخيانة الرسول تأتي من أنه الرسول وهو رسول الله سبحانه وتعالى فلا هو أتى من تلقاء ذاته ولا المنهج من عنده هو ناقل لكن له أن يشرِّع ولهذا أتى باللفظ لكن لم يكرر كلمة الخيانة فقال ( وَالرَّسُولَ) أي ولا تخونوا الرسول واستثنى عن الـ (لا) وقال (وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ) أي ولا تخونوا أماناتكم لأن لا الأولى التي التصقت بالله سبحانه وتعالى كافية لأن لو أن شخص فكر وقال أنا لن أخون الله فبالتالي لن أخون الرسول ولا أي أمانة لأن لو خنت هذه الأمانة أولاً أنا خنت الله الذي أمرني بأداء الأمانات ورد الأمانات والرسول عليه الصلاة والسلام حتى يقول لك "أدِّ الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك" أي لا ترد على الخيانة بخيانة لأنك بذلك ستكون مثله وتخون الله أيضاً فلا يجوز أن أرد الخيانة بخيانة ولا السرقة بسرقة لأني ساعة ما أرد الخيانة بخيانة أكون بذلك قد خنت الله. والآية تقول (لَا تَخُونُوا اللَّهَ) فالمؤمن الحق يقول وكيف أخون الله؟ أنا لا يمكن أن أخون الله؟ هنا نسأله ونرى كيف نخون الله؟ أنت وقعت في رمضان عقد مع الله تبارك وتعالى بأنك صليت كل الفروض في المسجد فما الذي منعك بعد رمضان؟ أتعبد رمضان أم تعبد رب رمضان؟ إن كنت تعبد رب رمضان فرب رمضان هو رب شوال، رب ذو القعدة ورب كل الشهور ومن ثم أنت يمكن أن تجوّد في رمضان لكن عليك أن تبقى على حالة التقوى وحالة الإنابة وحالة الإيمان التي كانت معك في رمضان فنحن نريد الطاعة الدائمة حتى وإن قلّت، فالطاعة الموسمية هذه ليست في الإسلام فهذه التصرفات التي يقوم بها الناس بعد رمضان نوع من الخيانة. وهو لم يبدأ بخيانة ولكن بدأ بأمانة فهو ساعة صلى الظهر في المسجد في رمضان هذه أمانة أدّاها وهي الأمانة التي كان يجب أن تكون قبل رمضان لكن نحمد الله أنها أتت في رمضان- وهذا فضل يجب المحافظة عليه- لأن أيضاً هناك أناس لا تأتيهم في رمضان لكن الحمد لله أنك بدأتها في رمضان فأكملها واستمر بها بعد رمضان لأنك كأنك أنبت إلى أمانة أو رجعت إلى صحيح فعليك أن تداوم عليه وإلا تكون موسمياً فأنت تعبد الموسم، تعبد الشهر لا تعبد رب الشهر.
وهنالك نوع آخر من الخيانة الذي يحدث بعد الإفطار فيكون طول النهار ملتزم ويأتي بعد الإفطار يفكر أين سيسهر؟ هو بذلك يكون قد ضيّع ما قام به قبل الإفطار وقام بخيانة. والخيانة لفظ ثقيل على القلب المؤمن ولذلك التوقيع في القرآن (لَا تَخُونُوا اللَّهَ) ولذلك لو لاحظت عندما قال (وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ) انتهى بالآية بقوله (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) لأنه قد تحدث الخيانة زلة أو خطأ غير مقصود، حتى لو حصلت بقصد فهنا التوبة وهنا ميزة التوبة، فمن خان متعمداً له توبة لكن من يدريك أنك لن تموت على هذه الخيانة فإياك أن تبدأ وإذا بدأت فعليك أن تعود.
هل التوب قاصرة على الذي يقع في المعصية بجهالة ثم يتوب من قريب؟ ما هي الجهالة أولاً؟ الجهالة في قوله تعالى (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴿17﴾ النساء) لا تعني الجهل (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ) وليس بجهل والجهالة هي السفه والحمق فالجهالة أنه يعرف العقوبة ويعمل الذنب فانظر إلى أي حد يطمئنك القرآن فالتوبة لهذا أيضاً. فالتوبة للأحمق- إن صح تعبيري- أولى من غير الأحمق لكن هي للاثنين مقبولة لكن افترض أن شخصاً يعلم أن عقوبة الزنا الرجم والطرد من رحمة الله وفعلها ومات هذا أمر خطير، ولو أن الله أمهله للتوبة - وإمهالك للتوبة علامة من علامات قبولها – كما قال تعالى (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا (118) التوبة) فإمهالك للتوبة فرصة من ربنا وعلامة من علامات القبول وأنك عندما تتوب توبة نصوحة وبنيّة عدم العودة للمعاصي، وهذه مصيبة عند بعض المسلمين أنه يتوب وهو ينوي العودة للذنب وهذا أخطر شيء لأن هذا يعتبر استهزاء.
وهذه من الخطورة أن يعتبر الإنسان التوبة كلام يقوله بلسانه وهو عاقد النية على العودة للذنب مرة أخرى وهو لا ينوي أن يندم ندماً أكيداً على الذي قام به وقصره في حق نفسه فهو لا ينوي أن يراجع نفسه أو يكبح شهواته التي تسوقه للوقوع في هذه المعاصي ولكن هو يقول أنا قمت بمعصية الآن سأتوب الآن حتى إذا ما متأكون مت على توبة إذا قبضت الآن ولكن في نيته أنه سيقوم في صباح الغد ويذهب إلى مكان عمله ويرتشي ويسرق والخ وإذا عاد في الليل يتوب إلى الله وهكذا وهذا يسمى استهزاء. ولذلك أنا فرح بكلمتين (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿27﴾ وَاعْلَمُوا) وانظر إلى التوقيع أي لا تخونوا وأنتم تعلمون. فالعلم نفسه فيه كلام فهل أنا أعلم أن ما أفعله خيانة وإن كنت أعلم هل لي توبة؟ هذا أولاً. ثانياً إن كنت لا أعلم هل هذه درجة أقل من الأخرى؟ بلا شك نعم، فإن كنت لا أعلم أنها خيانة فأنا في حالة أفضل وإن حدثت مني على سبيل الخطأ أو النسيان أو الزلل أو السهو أو الخ هذا أرحم بكثير ومع ذلك حتى وإن كنت أعلم فباب التوبة لا يغلق وإمهالك للتوبة علامة من علامات قبول التوبة إن شاء الله بشرط ألا تعود لأن في العودة استهزاء ويا ويلي لو مت على معصية مستهزأً. فالذي ارتكب ذنباً ومات مصيره يعلمه الله ولكن لو مات على ذنب مكرراً للذنب بعد توبة فهو عاصي مستهزئ فهذا كيف تكون حالته يوم القيامة؟ هنالك حديث قدسي يقول فيه الله تبارك وتعالى (أذنب عبدي ذنب فعلم أن له رباً يغفر الذنوب فاستغفرني فغفرت له ثم عاد وأذنب....) ثلاث مرات، ماذا قال له في آخر الحديث؟- ولاحظ أن كلام الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي وفي القرآن وكلام الرسول عليه الصلاة والسلام من باب المجاز- قال له (عبدي افعل ما شئت فقد غفرت لك) غفرت لك أتت متعلقة بأمر شرطي (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ (186) البقرة) (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (60) غافر) لكن أنت توقع الأول الاستغفار أو التوبة أو الدعوة قبل أن يغفر لك لأنه سبحانه تعالى لن يغفر لك من غير أن تطلب يعني أن (افعل ما شئت فقد غفرت لك) إذا ما تبت إلي وعدت إلي واستغفرتني لأن هناك بعض الناس فهموا قوله (افعل ما شئت) أي ازني واسرق والخ وهذا خطأ (افعل ما شئت) أي لا تدع الذنب يقيدك طالما أنك تبت إلى الله تحرك ولا تخشى الخطأ حتى وإن أخطأت ارجع إلى الله سبحانه وتعالى فيغفر لك لكن ارجع والسؤال هل أنت تضمن أنك سوف ترجع إلى الله قبل الموت افعل ما شئت ولكن إذا كنت غير ضامن فلا تفعل. فمن يضمن ويعرف متى سيموت يفعل الذي يريده ويأتي قبل الموت بساعة أو بساعتين ويتوب ويستغفر وينيب وهذا لن يحصل. وهذا فضل من الله علينا أنه أخفى ساعة الموت لأن لو أن كل شخص يعلم متى سيموت سيفجر لأنه يعلم متى سيموت وسيتحول المجتمع لغابة وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ﴿5﴾ يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ﴿6﴾ القيامة) فلو عرف يوم الوفاة كانت تصبح الدنيا في غابة حتى عندما تأتي أنت لكي تتوب لوحدك لن تقدر لأنك واقع بين فكي الرحى في الظلم لأنك على سبيل المثال ستموت غداً لكن الآخر لديه مدة طويلة قبل وفاته فهو يذيقك أنواع الظلم ولن يتركك فلن تقدر أن تتوب فهذه حكمة وكل ما هو على مراد لله فبفضل من الله ونعمة ويجب أن نحمد الله عليه أناء الليل وأطراف النهار والذي يشعر بالانزعاج من الأوامر كعدم السرقة أو الزنا أو غيرها فهو لم يأمره لوحده فهو ساعة قال لك لا تزني قال وأضمن لك بأن لا يزني ببناتك وأبنائك وأهلك غيرك فأنا الذي قلت لا تزني وقلتها للكل ولم أضيقها عليك أنت فقط. وكان من قمة ذكاء الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أتاه الشاب وقال أنا أحب الزنا فعامله الرسول صلى الله عليه وسلم بمنتهى المنطقية فسأله هل أنت كشخص ترضاه لأمك؟ لأبنتك؟ لعمتك؟ لخالتك؟ فأقنعه ويقول الشاب (دخلت عليه وهو أبغض الناس إلي وخرجت من عنده وهو أحب الناس إلي) لأن الرسول صلى الله عليه سلم وضّح له المسألة. فأنا ساعة أنهاك عن الزنا بذلك أكون قد ضمنت لك زوجتك وابنتك أن يكونوا في أمان فمثل ما أنني أؤمن الناس منك في نفس الوقت أؤمنك أنت من الناس فهذا حكم الله تبارك وتعالى ولذلك اللفظ عام (لَا تَخُونُوا اللَّهَ) جميعكم (وَالرَّسُولَ) جميعكم (وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ) بينكم لا تخونوها (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، وأنتم تعلمون أن ما فعلتموه خيانة هذا هو المعنى أو لازم المعنى لكن أيضاً تأتي بمعنى وأنتم تعلمون المنهج فكيف تخون الله وأنت تعلم منهج الله؟، لكن الأولى أفضل لأن هناك من يظن أنه لا يدخل ضمن هذه الخيانة لكونه لا يعرف شيئاً في المنهج وهذا خطأ لأن هنالك أمور معلومة من الدين بالضرورة فإذا قلت لي أنك زنيت وأنت لم تكن تعلم أن الزنا شيء مذموم تكون بذلك تتحايل وتتغابى لأنه لو كان صادقاً لماذا إذاً قام به في الخفاء؟ فهل ساعة ما قمت بالزنا فعلته أما الناس أو فعلته في الخفاء ودون علم أحد؟ فهذا التخفي والتستر يدل على أنه يعلم أن هذا الشيء مذموم وانظر إلى التوقيع (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) لن يستطيع أي أحد أن يقول لم أكن أعلم لأنك قمت بهذا الأمر مستتراً فأنت تعلم أن هذا الأمر مذموم وقبيح ومرفوض من المجتمع ومن الشرع ومن القانون، ولذلك القانون الوضعي قصّر في هذه المسألة ولم يعرف كيف يقيسها على الشرع الحنيف ففي القانون هناك ما يسمى بإيصال أمانة وهذه الكلمة ليست مستقيمة لغوياً لأن الأمانة ليس لها ورقة، الأمانة هي التي بيني وبين فلان من غير ورقة أو شهود لأنه لو كان هناك شهود فبذلك لم تعد أمانة لأن كلمة أمانة أتت من الوفاء والكمال التمام التي أنا رميتها عند فلان وليس هناك أمين عليها إلا ذِمّته ولو أنني أخذت منه كمبيالة أو شيك أو إيصال يسمى إيصال حق وليس إيصال أمانة لأن كلمة أمانة أي ليس عليها شاهد أو قلم إلا الشهيد سبحانه وتعالى، فلا رقيب بعد الله إلا ذمة الإنسان فإذا أنكرت أمانة شخص ما ولم أؤديها له فبذلك أكون قد خنت الله والرسول وصاحب الأمانة لأنه ليس هناك رقيب لكن هنالك الرقيب الذي لا يغفل ولا ينام. ولو نظرنا إلى يوم القيامة لو كان لدي حسنات يأتي الذي خنته ولم أؤدي أمانته له سيأخذ حسناتي وإن لم يكن لدي حسنات ستعطى سيئات من عنده بقدر الكم الذي كان سيخصم من حسناتي ويضاف إلى سيئاتي. فمن تعرض للخيانة في الدنيا يكون رابحاً يوم القيامة فالظلم ظلمات يوم القيامة على الظالم ونور للمظلوم ولذلك (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴿44﴾ غافر) لو أن الله سبحانه وتعالى لم يكن بصيراً بالعباد كان من الممكن ألا يعود لي حقي لكن الواقعة التي أخفاها فلان ولم يكن هناك شهود يشهدوا في الدنيا يوم القيامة سوف تشرح ليس بالحرف ولكن بجزء الحرف ولن أستطيع أن أنكر لأن كل الأعضاء ستشهد (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿24﴾ النور) فلست أنا الذي سيتكلم ولكن أعضائي فأين ستجد أفضل من هؤلاء شهوداً؟ الدنيا لم تنفع ولذلك الأمانة لا تحتاج إلى ورقة أو إيصال ولا كمبيالة أو شيك هذه أشياء تأتيك بحقك لكن الأمانة التي ضدها الخيانة لا صك عليها، لا سند عليها، لا ورقة عليها ولا شاهد إلا ذمة المؤتمن ولو أن الناس يتخيلوا ذلك المشهد الصعب يوم القيامة يوم تشهد علينا أعضاؤنا لن يخون أحد والناس تنسى والذي ينسينا هما الشيطان والنفس. ونعود مرة أخرى للتوبة ولا تكون التوبة إلا من خطأ وقعت فيه إما بوسوسة شيطان أو وسوسة نفس وأعيد وأكرر أن الشيطان لو لم يجد نفساً طائعة لما كان وسوس، فالشيطان ليس له مكان مع المتقين والمحسنين وعندما جاء القرآن ليصف الشيطان قال (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴿76﴾ النساء) بعض الناس يقولون أن هذا غير صحيح معتقداً بأن الشيطان له قوة ولكن الحقيقة أن الإنسان الذي يوسوس له الشيطان فيستجيب ذلك ليس من قوة الشيطان ولكن من ضعف الإنسان و سوء نفسه لأن حتى الشيطان استثنى وقال (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴿40﴾ الحجر) فاجعل نفسك منهم، فكيد الشيطان فعلاً ضعيف فأنت عندما تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم تذهب الوسوسة إذا كانت وسوسة شيطان (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ (22) إبراهيم) فالشيطان لا يجب أن يكون الشماعة لمعاصينا فالنفس ألعن من الشيطان والنفس العاصية هي مفتاح الشيطان ومدخل الشيطان وهي التي تتقبل الوسوسة وترحب بها وتزينها ولهذا اعصموا أنفسكم وكونوا مع الذين استثناهم (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) ولهذا اجعلوا هذه دعوتكم: اللهم اجعلنا من عبادك المخلصين، اللهم ثبتنا على الإيمان، اللهم لا تجعلنا من عبادك المتقلبين بين طاعة ومعصية، يجب أن تلتزموا الطاعات وهذا ليس بالأمر الصعب فمن إلتزم المساجد في رمضان فمن السهل جداً أن يلتزم المساجد في غير رمضان لأنك استطعت أن تقوم بها في رمضان وجربتها ثلاثين يوماً وهذا يحتاج من الإنسان أن يكون في حالة يقظة تامة على طاعة الله تبارك وتعالى وعلى قول الله (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) لأنها واقعة وتأتي بعدها قوله (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ) لأنه من الممكن أن تكون غير معلومة لكن الأولى معلومة. فالخيانة معلومة لأنك استترت وانظر إلى توقيع القرآن (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) فهو إذاً معلوم. ثم قال (وَاعْلَمُوا) أي أن الذي سيأتي بعد هذه الكلمة قد يكون غير معلوم ففلان يقوم به من غير قصد أو حباً في المال أو حباً في الأولاد، فالذي سيأتي بعد كلمة (واعلموا) قد يستعصى عليك علمها لكن الأولى أنت تعلمها بدليل أنك استترت وأنت تخون فلو أن شخصاً حلف بأنه لم يأخذ من فلان شيئاً وهو قد أخذ هو بذلك يعلم ولذلك في القرآن (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
وفي قوله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ) المعنى التوقيعي لهذه الآية في القرآن أن هذان الأمران بالذات-المال والبنون- هما سبب الخيانة ولهذا جاءت هذه الآية بعد آية الحديث عن الخيانة لأن أكثر شيئين ممكن أن يكونا سبباً في أن تخون هو المال والأولاد إما لكي تثمر المال أو ترضي الأولاد وهذان الاثنان لن ينفعاك وانظر إلى التوقيع (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ﴿88﴾ الشعراء) وقد أتت بنفس الترتيب (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴿89﴾ الشعراء). أسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون جميعاً أصحاب قلوب سليمة في الدنيا قبل الآخرة لأن الآية تقول (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) أي من الدنيا فالقلب لن يكون سليماً يوم القيامة أبداً إن لم يكن سليماً في الدنيا.
ُبثّت الحلقة بتاريخ 7/11/2008م


الساعة الآن 03:27 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى