![]() |
اللغز العاشر
ما سر هذي الأم يوم الراجفه قد أسلمت ما عندها كالخائفه والناس تسأل عن عجائب أمرها فتجيبهم عن كل سر كاشفه والكل يخرج للموازين التي بالقسط قامت فاستقامت منصفه من قدم الخيرات يجني خيرها وقلوب أهل الشر حيرى واجفه السورة هي سورة الزلزلة.. مقصودها : انكشاف الأمور وظهور المقدور أتم ظهور، وانقسام الناس في الجزاء في دار البقاء إلى سعادة وشقاء، وعلى ذلك د اسمها بتأمل الظرف ومظروفه، وما أفاد من بديع القدر وصروفه. ما اشتملت عليه الأبيات من آيات: ما سر هذي الأم يوم الراجفه قد أسلمت ما عندها كالخائفه الأم هي الأرض (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) فائدة: قال ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن: (وكَانَتِْ العربُ تُسمي الأرضَ أُمّاً، لأنها مبتدأُ الخلقِ، وإِليها مرجِعُهُمْ، ومنها أقوا مُهتُْ، وفيها كفايَتُهُمْ، وقال أُميّةُ بنُ أبي الصلتِ : والأَرضُ معقِلُنا وكانَتْ أُمَّنَا: : فيها مقابرنُا وفيها نُولَدُ وقال يذْكُرُها : منها خُلِقْنا وكانَتْ أمُّنا خُلِقَتْ ونحنُ أبناؤها لوْ أننا شُكُرُ هي القرارُ فما نبغي بها بدلاً ما أرحمَ الأرضَ إِلا أننا كُفُر وقالَ اللهُ تعالى في الكافر: لمّا كانت الأُم كافلةَ الولدِ وغاذِيَتَهُ، ومأواهُ ومرَبّيتَهُ، وكانت النار للكافر كذلك، جعلها أُمَّهُ) .أ. هـ وأسلمت ما عندها قول الله تعالى: (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) والناس تسأل عن عجائب أمرها (وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) فتجيبهم عن كل سر كاشفه يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) والكل يخرج للموازين التي بالقسط قامت فاستقامت منصفه يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) من قدم الخيرات يجني خيرها وقلوب أهل الشر حيرى واجفه فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) أسباب النزول الصحيحة: لم يصح فيها سبب نزول.. * أسباب النزول بسم الله الرحمن الرحيم. أخبرنا أبو منصور البغدادي ومحمد بن إبراهيم المزكي قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر أخبرنا إبراهيم بن علي الذهلي أخبرنا يحيى بن يحيى أخبرنا عبد الله بن وهب عن حسين بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الجيلي عن عبد الله بن عمر قال: نزلت (إِذا زُلزِلَتِ الأَرضُ زِلزالَها) وأبو بكر الصديق رضي الله عنه قاعد فبكى أبو بكر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك يا أبا بكر قال: أبكاني هذه السورة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أنكم لا تخطئون ولا تذنبون لخلق الله أمة من بعدكم يخطئون قوله تعالى (فَمَن يَعمَل مِثقالَ ذَرَّةٍ خَيراً يَرَهُ وَمَن يَعمَل مِثقالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) قال مقاتل: نزلت في رجلين كان أحدهما يأتيه السائل فيستقل أن يعطيه التمرة والكسرة والجوزة ويقول: ما هذا شيء وإنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير الكذبة والغيبة والنظرة ويقول: ليس علي من هذا شيء إنما أوعد الله بالنار على الكبائر فأنزل الله عز وجل يرغبهم في القليل من الخير فإنه يوشك أن يكثر ويحذرهم اليسير من الذنب فإنه يوشك أن يكثر (فَمَن يَعمَل مِثقالَ ذَرَّةٍ خَيراً يَرَهُ) إلى آخرها. * من اللمسات البيانية: ونرى في سورة الزلزلة قوله تعالى (يومئذ تحدث أخبارها (4)) استعمال أخبارها مناسب للسورة لأن هذه هي الأخبار والأنباء ما هو أعظم. وقد ذكر تعالى الزلزلة في السورة ويوم القيامة سيكون هناك أحداثا أعظم من الزلزلة فالزلزلة تحدث كل يوم ونشاهدها أمامنا. وفي القرآن كلما ذكر الزلزلة قدم كما في قوله (إذا زلزلت الأرض زلزالها (1)) أما في الأحداث الأخرى فيؤخر كما في قوله تعالى (إذا الشمس كورت (1) وإذا النجوم انكدرت (2) وإذا الجبال سيرت (3) وإذا العشار عطلت (4) وإذا الوحوش حشرت (5) وإذا البحار سجرت (6) التكوير) (إذا السماء انفطرت (1) وإذا الكواكب انتثرت (2) وإذا البحار فجرت (3) وإذا القبور بعثرت (4) الانفطار) ولم يقل (إذا الأرض زلزلت) لأن مشهد الزلزلة مشاهد موجود صحيح أنها أكبر يوم القيامة من كل زلزلة لكنها مشاهدة أما في الأحداث الأخرى التي لم تحصل أمامنا فلم نر أبدا النجوم انتثرت ولا البحار سجرت ولا السماء انشقت ولا القبور بعثرت ولا غيرها ولم نشاهدها. إذن هناك أمور أعظم من الزلزلة يوم القيامة وأسأل هل تكوير الشمس وبعثرة القبور أعظم أم الزلزلة؟ بالطبع الأولى أعظم فهذه هي الأخبار فكيف بأنباء الساعة؟ وقال تعالى (وبست الجبال بسا (5) الواقعة) (وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة (14) الحاقة). وقال تعالى في سورة الزلزلة (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره (7)) واستعمال مثقال ذرة هنا مناسب جدا للآية لأنه ليس هناك أقل من مثقال ذرة فذكر الأقل فكيف لما هو أعظم؟ مثقال الذرة أنسب للأخبار فكيف بأنبائها ؟ وهذه إشارة للعربي هذه هي الأخبار فكيف هي الأنباء؟. * ما يستفاد من الآيات: 1- الإيمان بما أخبر الله- تعالى- من الغيبيات حتى ولو لم يعلم الإنسان كيفيتها ولم يدركها بعقله. 2- الحث على العمل الصالح ولا تحقرن من المعروف شيئا وقد يعمل الإنسان شيئا يظنه صغيرا وهو عند الله كبير. 3- الحذر كل الحذر من استصغار الذنب. 4- الاستعداد ليوم القيامة والعمل للآخرة. اللمسات البيانية: 1. استهلت السورة بظرف الزمان مع إطالة الجمل المضاف إليها الظرف تشويق إلى متعلَّق الظَّرْف إذ المقصود ليس توقيت صدور الناس أشتاتاً ليُرَوا أعمالهم بل الإِخبارَ عن وقوع ذلك وهو البعث ، ثم الجزاء ، وفي ذلك تنزيل وقوع البعث منزلة الشيء المحقق المفروغ منه بحيث لا يهم الناس إلا معرفة وقته وأشراطِهِ فيكون التوقيت كناية عن تحقيق وقوع الموقت . 2. بُني فعل { زلزلت } بصيغة النائب عن الفاعل لأنه معلوم فاعله وهو الله تعالى . 3.أعيد لفظ الأرض في قوله : { وأخرجت الأرض أثقالها } وفيه إظهار في مقام الإِضمار لقصد التهويل . 4.حذف مفعول (تحدث) الأول لظهوره ، أي تحدث الإِنسان لأن الغرض من الكلام هو إخبارها لما فيه من التهويل . 5. أعيد قوله : { ومن يعمل } دون الاكتفاء بحرف العطف لتكون كل جملة مستقلة الدلالة على المراد لتختص كل جملة بغرضها من الترغيب أو الترهيب فأهمية ذلك تقتضي التصريح والإِطناب . فائدة مهمة: وهذه الآية معدودة من جوامع الكلم وقد وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالجامعة الفاذة في حديث أبي هريرة: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر فقال ما أنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة) متفق عليه. 6.{ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } سر إيثار تقديم الخير على الشر كما هو الأصل: لأن الكلام مسوقاً للترغيب والترهيب معاً أوثر جانب الترغيب بالتقديم في التقسيم تنويهاً بأهل الخير . |
تفسير سورة الزلزلة للشيخ ابن عثيمين
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}. البسملة تقدم الكلام عليها. {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا} المراد بذلك ما ذكره الله تعالى في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 1، 2]. وقوله: {زِلْزَالَهَا} يعني الزلزال العظيم الذي لم يكن مثله قط، ولهذا يقول الله عز وجل: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى} يعني من شدة ذهولهم وما أصابهم تجدهم كأنهم سكارى، وما هم بسكارى بل هم صحاة، لكن لشدة الهول صار الإنسان كأنه سكران لا يدري كيف يتصرف، ولا كيف يفعل. {وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا} المراد بهم: أصحاب القبور، فإنه إذا نفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم نفخ فيه أخرى، فإذا هم قيام ينظرون، يخرجون من قبورهم لرب العالمين عز وجل كما قال الله تبارك وتعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6]. {وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا} الإنسان المراد به الجنس، يعني أن الإنسان البشر يقول: ما لها؟ أي شيء لها هذا الزلزال؟ ولأنه يخرج وكأنه كما قال الله تعالى: {سُكَارَى} [الحج: 2]. فيقول: ما الذي حدث لها وما شأنها؟ لشدة الهول. {يَوْمَئِذٍ} أي في ذلك اليوم إذا زلزلت {تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} أي تخبر عما فعل الناس عليها من خير أو شر، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن المؤذن إذا أذن فإنه لا يسمع صوته شجر، ولا مدر، ولا حجر، ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة، فتشهد الأرض بما صنع عليها من خير أو شر، وهذه الشهادة من أجل بيان عدل الله عز وجل، وأنه سبحانه وتعالى لا يؤاخذ الناس إلا بما عملوه، وإلا فإن الله تعالى بكل شيء محيط، ويكفي أن يقول لعباده جل وعلا عملتم كذا وعملتم كذا.. لكن من باب إقامة العدل وعدم إنكار المجرم؛ لأن المجرمين ينكرون أن يكونوا مشركين، قال الله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23]. لأنهم إذا رأوا أهل التوحيد قد خلصوا من العذاب ونجوا منه أنكروا الشرك لعلهم ينجون، ولكنهم يختم على أفواههم، وتكلم الأيدي، وتشهد الأرجل والجلود والألسن كلها تشهد على الإنسان بما عمل، وحينئذ لا يستيطع أن يبقى على إنكاره بل يقر ويعترف، إلا أنه لا ينفع الندم في ذلك الوقت. وقوله: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} هو جواب الشرط في قوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا}. قوله: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} أي بسبب أن الله أوحى لها، يعني أذن لها في أن تحدث أخبارها، وهو سبحانه وتعالى على كل شيء قدير إذا أمر شيئًا بأمر فإنه لابد أن يقع، يخاطب الله الجماد فيتكلم الجماد كما قال الله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11]. وقال الله تعالى للقلم اكتب، قال: ربِّ وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة. وقال الله تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس: 65]. فالله عز وجل إذا وجه الكلام إلى شيء ولو جمادًا فإنه يخاطب الله ويتكلم ولهذا قال: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} قوله: {يَوْمَئِذٍ} يعني يومئذ تزلزل الأرض زلزالها. {يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا} أي جماعات متفرقين، يصدرون كل يتجه إلى مأواه، فأهل الجنة - جعلنا الله منهم - يتجهون إليها، وأهل النار - والعياذ بالله - يساقون إليها {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم: 85 - 87]. فيصدر الناس جماعات وزمرًا على أصناف متباينة تختلف اختلافًا كبيرًا كما قال الله تعالى: {انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} [الإسراء: 21]. {لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} يعني يصدرون أشتاتًا فيروا أعمالهم، يريهم الله تعالى أعمالهم إن خيرًا فخير، وإن شًّرا فشر، وذلك بالحساب وبالكتاب، فيعطى الإنسان كتابه إما بيمينه، وإما بشماله، ثم يحاسب على ضوء ما في هذا الكتاب، يحاسبه الله عز وجل، أما المؤمن فإن الله تعالى يخلو به وحده ويقرره بذنوبه ويقول: فعلت كذا، وفعلت كذا وكذا، وفعلت كذا، حتى يقر ويعترف، فإذا رأى أنه هلك، قال الله عز وجل: (إني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم)، وأما الكافر - والعياذ بالله - فإنه لا يعامل هذه المعاملة بل ينادى على رؤوس الأشهاد {هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18]. وقوله: {لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} هذا مضاف والمضاف يقتضي العموم وظاهره أنهم يرون الأعمال الصغير والكبير وهو كذلك، إلا ما غفره الله من قبل بحسنات، أو دعاء أو ما أشبه ذلك فهذا يمحى كما قال الله تعالى {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114]. فيرى الإنسان عمله، يرى عمله القليل والكثير حتى يتبين له الأمر جليًّا ويعطى كتابه ويقال: {اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 64]. ولهذا يجب على الإنسان أن لا يقدم على شيء لا يرضي الله عز وجل؛ لأنه يعلم أنه مكتوب عليه، وأنه سوف يحاسب عليه. {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} {مَن} شرطية تفيد العموم، يعني: أي إنسان يعمل مثقال ذرة فإنه سيراه، سواء من الخير، أو من الشر {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} يعني وزن ذرة، والمراد بالذرة: صغار النمل كما هو معروف، وليس المراد بالذرة: الذرة المتعارف عليها اليوم كما ادعاه بعضهم، لأن هذه الذرة المتعارف عليها اليوم ليست معروفة في ذلك الوقت، والله عز وجل لا يخاطب الناس إلا بما يفهمون، وإنما ذكر الذرة لأنها مضرب المثل في القلة، كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النساء: 40]. ومن المعلوم أن من عمل ولو أدنى من الذرة فإنه سوف يجده، لكن لما كانت الذرة مضرب المثل في القلة قال الله تعالى {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}. وقوله تبارك وتعالى: {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} يفيد أن الذي يوزن هو الأعمال، وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم: فمن العلماء من قال: إن الذي يوزن العمل. ومنهم من قال: إن الذي يوزن صحائف الأعمال. ومنهم من قال: إن الذي يوزن هو العامل نفسه. ولكل دليل، أما من قال: إن الذي يوزن هو العمل فاستدل بهذه الآية {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} لأن تقدير الآية فمن يعمل عملًا مثقال ذرة. واستدلوا أيضًا بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم). لكن يشكل على هذا أن العمل ليس جسمًا يمكن أن يوضع في الميزان بل العمل عمل انتهى وانقضى. ويجاب عن هذا بأن يقال: أولًا: على المرء أن يصدق بما أخبر الله تعالى به ورسوله - صلى الله عليه وسلّم - من أمور الغيب، وإن كان عقله قد يحار فيه، ويتعجب ويقول كيف يكون هذا؟ فعليه التصديق لأن قدرة الله تعالى فوق ما نتصور، فالواجب على المسلم أن يسلم ويستسلم ولا يقول كيف؟ لأن أمور الغيب فوق ما يتصور. ثانيًا: أن الله تعالى يجعل هذه الأعمال أجسامًا توضع في الميزان وتثقل وتخف، والله تعالى قادر على أن يجعل الأمور المعنوية أجسامًا، كما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلّم - في أن الموت يؤتى به على صورة كبش ويوقف بين الجنة والنار فيقال: يا أهل الجنة فيشرئبون ويطلعون ويقال: يا أهل النار فيشرئبون ويطلعون فيقال لهم: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، مع أنه في صورة كبش والموت (معنى) ليس جسمًا ولكن الله تعالى يجعله جسمًا يوم القيامة، فيقولون: هذا الموت فيذبح أمامهم ويقال: يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت، وبهذا يزول الإشكال الوارد على هذا القول. أما من قال: إن الذي يوزن هو صحائف الأعمال فاستدلوا بحديث صاحب البطاقة الذي يؤتى يوم القيامة به، ويقال: انظر إلى عملك فتمد له سجلات مكتوب فيها العمل السيىء، سجلات عظيمة، فإذا رأى أنه قد هلك أتي ببطاقة صغيرة فيها لا إله إلا الله فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال له: إنك لا تظلم شيئًا، ثم توزن البطاقة في كفة، والسجلات في كفة، فترجح بهن البطاقة وهي لا إله إلا الله قالوا فهذا دليل على أن الذي يوزن هو صحائف الأعمال. وأما الذين قالوا: إن الذي يوزن هو العامل نفسه فاستدلوا بحديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان ذات يوم مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهبت ريح شديدة، فقام عبدالله بن مسعود رضي الله عنه فجعلت الريح تكفئه؛ لأنه نحيف القدمين والساقين، فجعل الناس يضحكون، فقال النبي - صلى الله عليه وسلّم - : (مما تضحكون؟ أو مما تعجبون؟ والذي نفسي بيده إن ساقيه في الميزان أثقل من أحد) وهذا يدل على أن الذي يوزن هو العامل. فيقال: نأخذ بالقول الأول: أن الذي يوزن العمل، ولكن ربما يكون بعض الناس توزن صحائف أعماله، وبعض الناس يوزن هو بنفسه. فإن قال قائل: على هذا القول أن الذي يوزن هو العامل هل ينبني هذا على أجسام الناس في الدنيا وأن صاحب الجسم الكبير العظيم يثقل ميزانه يوم القيامة؟ فالجواب: لا ينبني على أجسام الدنيا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - قال: (إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة)، وقال: اقرؤا {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}. [الكهف: 105]. وهذا عبد الله بن مسعود يقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : (إن ساقيه في الميزان أثقل من أحد)، فالعبرة بثقل الجسم أو عدمه، ثقله يوم القيامة بما كان معه من أعمال صالحة. يقول عز وجل: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}. وهذه السورة كلها التحذير والتخويف من زلزلة الأرض، وفيها الحث على الأعمال الصالحة، وفيها أن العمل لا يضيع مهما قل، حتى لو كان مثقال ذرة، أو أقل فإنه لابد أن يراه الإنسان ويطلع عليه يوم القيامة. نسأل الله تعالى أن يختم لنا بالخير والسعادة والصلاح والفلاح، وأن يجعلنا ممن يحشرون إلى الرحمن وفدًا إنه على كل شيء قدير. |
اللغز الحادي عشر هي سورةٌ يا أهـل سعـد من خمسة بـدأت بحمـد قد سميـت باسـمٍ لقـومٍ أعرضوا عن سوء قصد من بعـد إنعـام الكـريمِ وفضله باحـوا بـصـدِ لـم يشكـروا لله بــل طلبوا الشقاء بغيـر حـد فيـهـا نـبـيٌ ذاكــرُ لله دومـــاً شـاكــرُ فأثـابـه فــي نسـلـهِ نـوراً بـدا فـي أهلـهِ في ملكـهِ كـان العجـب والشكر كان هو السبـب وبهـا حـوار الماكريـن في النارِ والمستضعفيـن وبهـا هـلاك الكافريـن في يوم حشـر العالميـن اسم السورة: سورة سبأ السور الخمس: الفاتحة والأنعام والكهف وسبأ وفاطر فجميعها بدأ بالحمد مقاصد السورة: مقصودها أن الدار الآخرة - التي أشار إليها آخر تلك بالعذاب والمغفرة بعد أن أعلم أن الناس يسألون عنها - كائنة لا ريب فيها ، لما في ذلك من الحكمة ، وله عليه من القدرة ، وفي تركها من عدم الحكمة والتصوير بصورة الظلم ، ولقصة سبأ التي سميت بها السورة مناسبة كبيرة لهذا المقصد كما ياتي بيانه لذلك سميت بها سبب النزول: أخرج ابن أبي حاتم أن فَرْوة بن مُسَيْك الغَطَفاني رضي الله عنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبي الله، إن سبأ قوم كان لهم في الجاهلية عز، وإني أخشى أن يرتدوا عن الإسلام، أفأقاتلهم؟ فقال: ما أمرت فيهم بشيء بعد، فأنزلت هذه الآية:{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ} الآيات. الآيات التي اشارت إليها الأبيات: أولا بداية السورة: بالحمد هي سورةٌ يا أهـل سعـد من خمسة بـدأت بحمـد الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ثانيا:قوم سبأ قد سميـت باسـمٍ لقـومٍ أعرضوا عن سوء قصد من بعـد إنعـام الكـريمِ وفضله باحـوا بـصـدِ لـم يشكـروا لله بــل طلبوا الشقاء بغيـر حـد لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّاتِهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نُجْزِي إِلاَّ الْكَفُورَ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفُيظٌ ثالثا: ذكر نبي الله داوود- عليه السلام. فيـهـا نـبـيٌ ذاكــرُ لله دومـــاً شـاكــرُ فأثـابـه فــي نسـلـهِ نـوراً بـدا فـي أهلـهِ في ملكـهِ كـان العجـب والشكر كان هو السبـب وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أنْ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنْ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ رابعا: حوار أهل النار وبهـا حـوار الماكريـن في النارِ والمستضعفيـن وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنْ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُجْرِمِينَ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوْا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ خامسا: مصير الكافرين وبهـا هـلاك الكافريـن في يوم حشـر العالميـن وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمْ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ الوقفات من سورة سبأ من تفسير ابن كثير قوله تعالى: { اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا } أي: وقلنا لهم اعملوا شكرًا على ما أنعم به عليكم في الدنيا والدين . وشكرًا: مصدر من غير الفعل، أو أنه مفعول له، وعلى التقديرين فيه دلالة على أن الشكر يكون بالفعل كما يكون بالقول وبالنية، كما قال: أفَادَتْكُمُ النّعْمَاء منِّي (6) ثَلاثةً: ... يدِي، ولَسَاني، وَالضَّمير المُحَجَّبَا ... قال أبو عبد الرحمن الحُبلي (7) : الصلاة شكر، والصيام شكر، وكل خير تعمله لله شكر. وأفضل الشكر الحمد. رواه ابن جرير. وروى هو وابن أبي حاتم، عن محمد بن كعب القُرَظي قال: الشكر تقوى الله والعمل الصالح. قال (1) ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن أبي بكر، حدثنا جعفر -يعني: ابن سليمان-عن ثابت البُنَاني قال: كان داود، عليه السلام، قد جزأ على أهله وولده ونسائه الصلاة، فكان لا تأتي عليهم (2) ساعة من الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي، فغمرتهم هذه الآية: { اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } . وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن أحب الصلاة إلى الله صلاةُ داودَ، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يوما ويفطر يوما. ولا يَفر إذا لاقى". خاطرة على ضفاف آية: عندما قرأت هذه الآية الكريمة وتأملت معناها قلت سبحان الله أكثر الناس شكرا الأنبياء لأنهم أعرف الناس بالله وأعلمهم بعظمة الخالق الممتن علي الخلق بكل نعمه..ولاحظت أن صنوفا كثيرة من البشر لاتحمد الله ولاتشكره بل هي ساخطة على الدوام ويكمن سر ذلك في قلة معرفتهم بالله وبعدهم عن منهج الله. إذ أننا بقدر قربنا وقدر معرفتنا بالله عزوجل ندرك نعمته علينا في كل مناحي الحياة,وبقدر محبتنا لله يكون الرضا ويكون تقديرنا للنعمة .لو حاولنا حصر النعم التي تحوطنا من كل جانب لم نقدر حتى في لحظات الحرمان والألم تتجلى نعم الله علينا فإن حرمنا العافية رزقنا الأمن وإن حرمنا الأمن رزقنا الذرية وإن حرمنا الذرية رزقنا السكينة والرضا وإن حرم الله إنسانا نعمة البصر رزقه الله البصيرة ورهافة الحس ,وإن حرم إنسان نعمة السمع ربما من الله عليه بالصحبة الصالحة التي تعاونه والأم الرحيمة التي ترعاه لو حاول كل إنسان منا أن يهرب من نعم الله لم يقدر ولو حاول أن ينكر هبة الله له لم يستطع فسبحان الله الرحيم بعباده العالم بطباعهم لأنه هو من خلقهم يجعلهم يتقلبون في النعمة على أي حال كانوا ويمن على أوليائه بحمده وشكره ويصرف غيرهم إلى السخط والنقمة. قد يكون من تمام النعمة على الإنسان وتمام الرحمة غمسه في البلاء ليمكنه الله في الأرض ويصطفيه ليكون من أحبابه,قد يكون البلاء هو البوابة التي يدخل منها كل خير وفرح ونعيم ولاأقصد نعيم الآخرة فحسب ذلك النعيم الذي لايشوبه كدر ولاحزن إنما أعني التمكين في الدنيا وكشف الحجب عن بصيرة المؤمن ليرى الدنيا بمنظار المسافر عنها التارك لها فلايهمه إن اقتربت منه أو ابتعدت ولايؤثر فيه زخرفها وتزينها له.فهو على أي حال سعيد راضٍ إن ولت أو أدبرت ,وتلك هي أعظم نعمة وأجل نعمة نعمة الرضا بماقسم الله واليقين بما عند الله. ومثل قصة سبأ قصة صاحب الجنتين (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعْلنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً * كِلْتَا الجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَم تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلاَلَهُمَا نَهَراً * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاورُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً * وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَةَ قَآئمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلىَ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْها مُنقَلَباً * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاورُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً * لَّكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي ولآ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً * وَلَولآ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ اللهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ إنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً * فَعَسى رَبِّي أَن يَؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْبَاناً مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً * أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنفَقَ فِيهَا وَهيَ خَاويَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ برَبِّي أَحَداً * وَلَم تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِراً * هُنَالِكَ الوَلايَةُ للهِ الحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً ) (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته الا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين) صدق الله العظيم والمعنى بالقول هنا هو نبى الله سليمان بن داوود عليهما الصلاة والسلام وجاء فى خبر موته انه كان عن سبع وستين سنة وملك وهو ابن سبع عشرة سنه وحكى أن سليمان عليه السلام بدأ فى بناء بيت المقدس فى السنة الرابعة من ملكه الذى امتد خمسين عاما ويقال أنه جعل يوم أن فرغ فيه من بناءه عيدا تقرب فيه الى الله وقام على الصخرة رافعا يديه الى الله بالدعاء لكن الصحيح ما يدل عليه الحديث المرفوع : روى ابراهيم بن طهمان عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: كان نبى الله سليمان بن داوود عليهما السلام اذا صلى رأى شجرة نابتة بين يديه فيسألها ما أسمك ؟ فان كنت لغرس غرست وان كنت لدواء كتبت قالت الخرنوبة فقال لأى شىء أنت ؟ فقالت لخراب هذا البيت فقال اللهم عم عن الجن موتى حتى تعلم الأنس أن الجن لا يعلمون الغيب فنحت عصا فتوكأ عليها حولا لا يعلمون فسقطت فعلم الأنس أن الجن لا يعلمون الغيب ) وقد قال بن مسعود رضى الله عنه فيما معناه ان سليمان لما أحس دنو أجله لبس كفنه وتحنط ودخل المحراب وقام يصلى واتكأ على كرسيه فمات قبل حول من تمام البناء ولم تعلم الجن حتى أكلت الأرضة من عصاته فخر الى الأرض ويروى أنه لما سقط سلطوا الأرضة على العصا فأكلت منها يوما وليله ثم حسبوا فوجدوه قد مات منذ سنة والله أعلى وأعلم إليكم هذه الوقفات مع تفسير الشيخ السعدي رحمه الله 51 - 54 } { وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ * وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ * وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ } . يقول تعالى { وَلَوْ تَرَى } أيها الرسول، ومن قام مقامك، حال هؤلاء المكذبين، { إِذْ فَزِعُوا } حين رأوا العذاب، وما أخبرتهم به الرسل، وما كذبوا به، لرأيت أمرا هائلا ومنظرا مفظعا، وحالة منكرة، وشدة شديدة، وذلك حين يحق عليهم العذاب. [ ص 684 ] فليس لهم عنه مهرب ولا فوت { وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ } أي: ليس بعيدا عن محل العذاب، بل يؤخذون، ثم يقذفون في النار. { وَقَالُوا } في تلك الحال: { آمَنَّا } بالله وصدقنا ما به كذبنا { و } لكن { أَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ } أي: تناول الإيمان { مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ } قد حيل بينهم وبينه، وصار من الأمور المحالة في هذه الحالة، فلو أنهم آمنوا وقت الإمكان، لكان إيمانهم مقبولا ولكنهم { كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ } أي: يرمون { بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ } بقذفهم الباطل، ليدحضوا به الحق، ولكن لا سبيل إلى ذلك، كما لا سبيل للرامي، من مكان بعيد إلى إصابة الغرض، فكذلك الباطل، من المحال أن يغلب الحق أو يدفعه، وإنما يكون له صولة، وقت غفلة الحق عنه، فإذا برز الحق، وقاوم الباطل، قمعه. { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } من الشهوات واللذات، والأولاد، والأموال، والخدم، والجنود، قد انفردوا بأعمالهم، وجاءوا فرادى، كما خلقوا، وتركوا ما خولوا، وراء ظهورهم، { كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ } من الأمم السابقين، حين جاءهم الهلاك، حيل بينهم وبين ما يشتهون، { إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ } أي: محدث الريبة وقلق القلب فلذلك، لم يؤمنوا، ولم يعتبوا حين استعتبوا. خاطرة على ضفاف آية: الوعد الحق في هذه الآيات تهديد للظالمين وسلوى للمظلومين والمضطهدين في كل مكان وزمان ذلك أن الله يصف حالهم ومآلهم وقد اجتمعت عليهم الأهوال فخسروا الدنيا والآخرة. في ذلك اليوم يبكي الظلمة ماشاء الله لهم أن يبكوا حتى إذا انتهت الدموع بكوا دماً وقيحاً وصديداً وبالمقابل يفرح المؤمنون فرحة لانهاية لها بتحقق وعد الله لهم . في ذلك اليوم تستعر النار وتزفر تكاد تميز من الغيظ تقول"هل من مزيد" وبالمقابل تتزين الجنة للطيبين المؤمنين المحبين فيدخلون من أبوابها الثمانية. وإنه لحريٌ بكل من تقع عينه على هذه الآيات من المحزونين والمظلومين والمأسورين والمضطهدين أن يفرحوا لأن وعد الله حقٌ لاريب فيه فقد يزهو الباطل وينتفش لكنه انتفاش لاقاعدة له لاحقيقة له لايقوم على شيء ولايسانده شيء لأن أعداء الله لامولى لهم يقول الله تعالى:"ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لامولى لهم" آن لأصحاب الحقوق أن تجف دموعهم ماداموا يؤمنون بوجود الله وعدله وآن لهم أن يفرحوا مادامت حقيقة الحب الإلهي تخالط قلوبهم فتملؤها يقينا بوعد الله وبنصر الله وليتذكروا أن هناك حياة أخرى أبدية تستكمل الحياة الدنيا فيها يكون الفوز فوزاً حقيقياًصافياً نقياً ويكون الخسران فيها أيضاً خسراناً حقيقياً أبدياً ينقطع معه الأمل وينتهي بابتدائه نعيم الدنيا الكاذب ويصحبه الشقاء المستديم . "فذكر إن نفعت الذكرى(9)سيذكر من يخشى (10)ويتجنبها الأشقى(11)الذي يصلى النار الكبرى(12)ثم لايموت فيها ولايحي" سورة الأعلى |
اللغز الثاني عشر اسم السورة: سورة الحشروسورتنا التي نعني تصب الخير كالمزن بها للفيء تشريعُ وللكفار ترويعُ رسول الله قد أدى وهم قد أخلفوا الوعدا بها وصفٌ لأنصارِ بإحسانٍ وإيثارِ وتقديمٌ لمن عانى فراق الأهل إيمانا تُعري من قد استشرى نفاقاً ينصر الكفرا وتوصينا بتقديمِ لنلقى خير تكريمِ وتقديسٍ لبارينا ليبقى الذكرُ حادينا ********** * قوله تعالى (هُوَ الَّذي أَخرَجَ الَّذينَ كَفَروا مِن أَهلِ الكِتابِ) الآية. قال المفسرون: نزلت هذه الآية في بني النضير وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة صالحه بنو النضير على أن لا يقاتلوه ولا يقاتلوا معه وقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك منهم فلما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً وظهر على المشركين قالت بنو النضير: والله إنه النبي الذي وجدنا نعته في التوراة لا ترد له راية فلما غزا أحداً وهزم المسلمون نقضوا العهد وأظهروا العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صالحهم عن الجلاء من المدينة. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل ببني النضير وتحصنوا في حصونهم أمر بقطع نخيلهم وإحراقها فجزع أعداء الله عند ذلك وقالوا: زعمت يا محمد أنك تريد الصلاح أفمن الصلاح عقر الشجر المثمر وقطع النخيل وهل وجدت فيما زعمت أنه أنزل عليك الفساد في الأرض فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فوجد المسلمون في أنفسهم من قولهم وخشوا أن يكون ذلك فساداً واختلفوا في ذلك فقال بعضهم: لا تقطعوا فإنه مما أفاء الله علينا. وقال بعضهم: بل اقطعوا فأنزل الله تبارك وتعالى (ما قَطَعتُم مِّن لِّينَةٍ) الآية. تصديقاً لمن نهى عن قطعه وتحليلاً لمن قطعه وأخبر أن قطعه وتركه بإذن الله تعالى. عن سعيد بن منصور عن ابن المبارك وأخبرنا أبو بكر أخبرنا عبد الله أخبرنا سلم بن عصام أخبرنا رسته أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي أخبرنا محمد بن ميمون التمار أخبرنا جرموز عن حاتم النجار عن عكرمة عن ابن عباس قال: جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا أقوم فأصلي قال: قدر الله لك ذلك أن تصلي قال: أنا أقعد قال: قدر الله لك أن تقعد قال: أنا أقوم إلى هذه الشجرة فأقطعها قال: قدر الله لك أن تقطعها قال: فجاء جبريل عليه السلام فقال: يا محمد لقنت حجتك كما لقنها إبراهيم على قومه وأنزل الله تعالى (ما قَطَعتُم مِّن لِّينَةٍ أَو تَرَكتُموها قائِمَةٍ عَلى أُصولِها فَبِإِذنِ اللهِ وَليُخزي الفاسِقينَ) يعني اليهود. روى جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم أن الأنصار قالوا: يا رسول الله اقسم بيننا وبين إخواننا من المهاجرين الأرض نصفين قال: ولكنهم يكفونكم المؤونة وتقاسمونهم الثمرة والأرض أرضكم قالوا: رضينا فأنزل الله تعالى (وَالَّذينَ تَبَوَءُوا الدارَ وَالإِيمانَ مِن قَبلِهِم). أخبرنا سعد بن أحمد بن جعفر المؤذن. أخبرنا أبو علي الفقيه. أخبرنا محمد بن منصور بن أبي الجهم السبيعي أخبرنا نصر بن علي الجهضمي أخبرنا عبد الله بن داود عن فضيل بن غزوان عن أبي حازم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع إلى رجل من الأنصار رجلاً من أهل الصفة فذهب به الأنصاري إلى أهله فقال للمرأة: هل من شيء قالت: لا إلا قوت الصبية قال: فنوميهم فإذا ناموا فأتيني فإذا وضعت فاطفئي السراج قال: ففعلت وجعل الأنصاري يقدم إلى ضيفه ما بين يديه ثم غدا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لقد عجب من فعالكما أهل السماء ونزلت (وَيُؤثِرونَ عَلى أَنفُسِهِم وَلَو كانَ بِهِم خَصاصَةٌ) رواه البخاري عن مسدد عن عبد الله بن داود. ورواه مسلم عن أبي كريب عن وكيع كلاهما عن فضيل بن غزوان. ******************** تصب الخير كالمزن بها للفيء تشريعُ ........ * حكم الفيء ورد في كتاب فتح الباري شرح صحيح البخاري وَمَا وَعَدَ مِنْ مَالِ الْبَحْرَيْنِ وَالْجِزْيَةِ وَلِمَنْ يُقْسَمُ الْفَيْءُ وَالْجِزْيَةُ وأما مصرف الفيء والجزية فعطف الجزية على الفيء من عطف الخاص على العام لأنها من جملة الفيء، قال الشافعي وغيره من العلماء: الفيء كل ما حصل للمسلمين مما لم يوجفوا عليه بخيل ولا ركاب، وحديث أنس المعلق يشعر بأنه راجع إلى نظر الإمام يفضل من شاء بما شاء، وقد تقدم الحديث بهذا الإسناد المعلق بعينه في المساجد من كتاب الصلاة، وذكرت هناك من وصله وبعض فوائده، وأعاده في الجهاد وغيره بأخصر من هذا، وتقدم في الخمس أن المال الذي أتى به من البحرين كأن من الجزية وأن مصرف الجزية مصرف الفيء، وتقدم بيان الاختلاف في مصرف الفيء، وأن المصنف يختار أنه إلى نظر الإمام والله أعلم. وروى عبد الرزاق في حديث عمر الطويل حين دخل عليه العباس وعلي يختصمان قال " قرأ عمر (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى) الآية، فقالوا: استوعبت هذه المسلمين " ورواه أبو عبيدة من وجه آخر وقال فيه " فاستوعبت هذه الآية الناس، فلم يبق أحد إلا له فيها حق، إلا بعض من تملكون من أرقائكم " قال أبو عبيد: حكم الفيء والخراج والجزية واحد، ويلتحق به ما يؤخذ من مال أهل الذمة من العشر إذا اتجروا في بلاد الإسلام، وهو حق المسلمين يعم به الفقير والغني وتصرف منه أعطية المقاتلة وأرزاق الذرية وما ينوب الإمام من جميع ما فيه صلاح الإسلام والمسلمين. واختلف الصحابة في قسم الفيء: فذهب أبو بكر إلى التسوية وهو قول علي وعطاء واختيار الشافعي، وذهب عمر وعثمان إلى التفضيل وبه قال مالك، وذهب الكوفيون إلى أن ذلك إلى رأي الإمام إن شاء فضل وإن شاء سوى، قال ابن بطال: أحاديث الباب حجة لمن قال بالتفضيل، كذا قال، والذي يظهر أن من قال بالتفضيل يشترط التعميم بخلاف من قال إنه إلى نظر الإمام وهو الذي تدل عليه أحاديث الباب والله أعلم. وروى أبو داود من حديث عوف بن مالك " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه في قسمة من يومه، فأعطى الآهل حظين وأعطى الأعزب حظا واحدا. وقال ابن المنذر: انفرد الشافعي بقوله إن في الفيء الخمس كخمس الغنيمة، ولا يحفظ ذلك عن أحد من الصحابة ولا من بعدهم، لأن الآيات التاليات الآية الفيء معطوفات على آية الفيء من قوله: " للفقراء المهاجرين " إلى آخرها فهي مفسرة لما تقدم من قوله: " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى"، والشافعي حمل الآية الأولى على أن القسمة إنما وقعت، لمن ذكر فيها فقط، ثم لما رأى الإجماع على أن أعطية المقاتلة وأرزاق الذرية وغير ذلك من مال الفيء تأول أن الذي ذكر في الآية هو الخمس فجعل خمس الفيء واجبا لهم، وخالفه عامة أهل العلم اتباعا لعمر والله أعلم. وهم قد أخلفوا الوعدا بإحسانٍ وإيثارِ فراق الأهل إيمانا نفاقاً ينصر الكفرا لنلقى خير تكريمِ وتقديسٍ لبارينا ليبقى الذكرُحادينا لم أجد شيئا صحيحا أستاذنا الفاضل ورد في فضلها، فأترك هذه النقطة لإخواني وأخواتي وسأكمل البحث بإذن الله وبالنسبة للأحاديث الواردة فهذا نصها وهي ضعيفة كما حقق ذلك شيخنا الألباني- رحمه الله: |
أسماء الله عز وجل- فالإيمان بالأسماء والصفات هو النوع الثالث من أنواع التوحيد كما قسمها العلماء، ويقول عنه الحافظ الحكمي- رحمه الله:
أول واجب على العبيد معرفة الرحمن بالتوحيد إذ هو من كل الأمور أعظم وهو نوعان أيا من يفهم إثبات ذات الرب جل وعلا أسمائه الحسنى صفاته العلى وأنه الرب الجليل الأكبر الخالق الباري والمصور الأول المبدي بلا ابتداء الآخر الباقي بلا انتهاء الأحد الفرد القدير الأزلي الصمد البر المهيمن العليّ علو قهر وعلو شان جل عن الأضداد والأعوان كذا له العلو والفوقية على عباده بلا كيفية ومع ذا مطلع إليهم بعلمه مهيمن عليهم إلى أن وصل إلى قوله: وكل ما له من الصفات أثبتها في محكم الآيات أو صح فيما قاله الرسول فحقه التسليم والقبول نمرها صريحة كما أتت مع اعتقادنا لما له اقتضت من غير تحريف ولا تعطيل وغير تكييف ولا تمثيل بل قولنا قول أئمة الهدى طوبى لمن بهديهم قد اهتدى وسم ذا النوع من التوحيد توحيد إثبات بلا ترديد قد أفصح الوحي المبين عنه فالتمس الهدى المنير منه لا تتبع أقوال كل مارد غاو مضل مارق معاند فليس بعد رد ذا التبيان مثقال ذرة من الإيمان وقال الشيخ الفاضل ابن عثيمين- رحمه الله- في تعريف هذا النوع من التوحيد- أعني توحيد الأسماء والصفات هو "إفراد الله تعالى بما سمى به نفسه ووصف به نفسه في كتابه ، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك بإثبات ما أثبته ، ونفي ما نفاه من غير تحريف ، ولا تعطيل ، ومن غير تكييف، ولا تمثيل". هذا مختصر مذهب أهل السنة والجماعة في الإيمان بما ورد من أسماء الله وصفاته والشروح كثيرة أعرج على تعريف مبسط لبعض الأسماء الواردة في الآيات: قال تعالى" هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ " الله: ذو الألوهية لما اتصف به من صفات الكمال، وقال سيبويه هو أعرف المعارف، وهو علم على المولى- عز وجل- لا يطلق على غيره. لا إله إلا هو: هذا هو توحيد الألوهية الذي من أجله أرسل الله الرسل. عالم الغيب والشهادة: لما له من علو، علو الذات وعلو القدر وعلو قهر الرحمن: أي ذو الرحمة الواسعة الرحيم: أي ذو الرحمة الواصلة فهو يرحم من يشاء من عباده هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ الملك: ذو العظمة والكبرياء الذي له التصرف المطلق في الخلق والأمر والجزاء القدوس: المقدّس المنزه عن كل سوء السلام: السالم من مماثلة أحد من خلقه ومن كل ما ينافي كماله- سبحانه. المؤمن: الذي أثنى على نفسه بصفات الكمال، وأرسل رسله بالآيات البينات، وصدقهم بالمعجزات المؤديدات المهيمن: الذي أحاط بكل شيء علما العزيز: له عزة القوة، وعزة الامتناع، وعزة القهر والغلبة الجبار: له ثلاثة معان هي: 1) أنه القهار لكل شيء 2) أنه العلي على كل شيء 3) أنه الذي يجبر الضعيف وصاحب القلب المنكسر والخاضعين له والخاشعين المتكبر: هو المتكبر عن كل نقص وسوء لعظمته- جل جلاله هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الخالق البارىء المصور: الذي خلق الكون كله وما فيه من موجودات، وبرأ وصور وسوى كل شيء فيه بحكمته- سبحانه. الحكيم: الموصوف بكمال الحكمة في خلقه وشريعته. فائدة قصيرة: اجتمعت أنواع التوحيد الثلاثة في سورة الفاتحة "الحمد لله رب العالمين" هذا توحيد الربوبية " الرحمن الرحيم" توحيد الأسماء والصفات " إياك نعبد وإياك نستعين" توحيد الألوهية |
اللغز الثالث عشر اسم السورة: سورة الممتحنةإذا أحببت للهِ وكان البغض للهِ قد استكملت إيمانا وقد أدركت إحسانا فليس لكافرٍ ودُ وليس لحبه عهدُ ولاية كافرٍ تخزي ويوم الحشر لا تجزي خليل الله أعطانا مثالاً فاتَّبع شانا ومما جاء يا درَّه وجوب النصر للحرَّه فبيعتهن مذكوره وقد جاءت بها السوره قال جماعة من أهل المفسرين: نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وذلك أن سارة مولاة أبي عمر بن صهيب بن هشام بن عبد مناف أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز لفتح مكة فقال لها: أمسلمة جئت؟ قالت لا قال: فما جاء بك قالت أنتم الأهل والعشيرة والموالي وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني قال لها: فأين أنت من شباب أهل مكة وكانت مغنية قالت: ما طلب مني شيء بعد وقعة بدر فحث رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب فكسوها وحملوها وأعطوها فأتاها حاطب بن أبي بلتعة وكتب معها إلى أهل مكة وأعطاها عشرة دنانير على أن توصل إلى أهل مكة وكتب في الكتاب: من حاطب إلى أهل مكة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم فخرجت سارة ونزل جبريل عليه السلام فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما فعل حاطب فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وعماراً والزبير وطلحة والمقداد بن الأسود وأبا مرثد وكانوا كلهم فرساناً وقال لهم انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن فيها ظعينة معها كتاب من حاطب إلى المشركين فخذوه منها وخلوا سبيلها فإن لم تدفعه إليكم فاضربوا عنقها فخرجوا حتى أدركوها في ذلك المكان فقالوا لها: أين الكتاب فحلفت بالله ما معها كتاب ففتشوا متاعها فلم يجدوا معها كتاباً فهموا بالرجوع فقال علي والله ما كذبنا ولا كذبنا وسل سيفه وقال: أخرجي الكتاب وإلا والله لأجزرنك ولأضربن عنقك فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها قد خبأته في شعرها فخلوا سبيلها ورجعوا بالكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حاطب فأتاه فقال له: هل تعرف الكتاب قال: نعم قال: فما حملك على ما صنعت فقال: يا رسول الله والله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك ولا أحببتهم منذ فارقتهم ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله بمكة من يمنع عشيرته وكنت غريباً فيهم وكان أهلي بين ظهرانيهم فخشيت على أهلي فأردت أن أتخذ عندهم يداً وقد لمت أن الله ينزل بهم بأسه وكتابي لا يغني عنهم شيئاً فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعذره فنزلت هذه السورة (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَتَّخِذوا عَدُوّي وَعَدُوَّكُم أَولِياءَ) فقام عمر بن الخطاب فقال: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يدريك يا عمر. لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن بن محمد أخبرنا محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد أخبرنا محمد بن يعقوب بن علي بن عبيد الله بن أبي رافع قال: سمعت علياً يقول: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد قال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن فيها ظعينة معها كتاب فقلنا لها: لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين ممن بمكة يخبر بعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا يا حاطب فقال: لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقاً في قريش ولم أكن من نفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها قراباتهم ولم يكن لي بمكة قرابة فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يداً والله ما فعلته شاكاً في ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه قد صدق فقال عمر: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال: إنه قد شهد بدراً وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ونزلت (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَتَّخِذوا عَدُوّي وَعَدُوَّكُم أَولِياءَ تُلقونَ إِلَيهِم بِالمَوَدَّةِ) رواه البخاري عن حميد ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وجماعة كلهم عن سفيان. قوله عز وجل (قَد كانَت لَكُم أُسوَةٌ حَسَنَةٌ في إِبراهيمَ وَالَّذينَ مَعَهُ) يقول الله تعالى للمؤمنين: لقد كان لكم في إبراهيم ومن معه من الأنبياء والأولياء اقتداء بهم في معاداة ذوي قراباتهم من المشركين فلما نزلت هذه الآية عادى المؤمنون أقرباءهم المشركين في الله وأظهروا لهم العداوة والبراءة وعلم الله تعالى شدة وجد المؤمنين بذلك فأنزل الله تعالى (عَسى اللهُ أَن يَجعَلَ بَينَكُم وَبَينَ الَّذينَ عادَيتُم مِنهُم مَوَدَّةً) ثم فعل ذلك بأن أسلم كثير منهم وصاروا لهم أولياء وإخواناً وخالطوهم وناكحوهم وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب فلان لهم أبو سفيان وبلغه ذلك فقال: ذاك الفحل لا يقرع أنفه. أخبرنا أبو صالح منصور بن عبد الوهاب البزار أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري أخبرنا أبو يعلى أخبرنا إبراهيم بن الحجاج أخبرنا عبد الله بن المبارك عن مصعب بن ثابت عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: قدمت قتيلة بنت عبد العزى على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا وضباب وسمن وأقط فلم تقبل هداياها ولم تدخلها منزلها فسألت لها عائشة النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال (لا يَنهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذينَ لَم يُقاتِلُوكُم في الدينِ) الآية. فأدخلتها منزلها وقبلت منها هداياها. رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن أبي العباس السياري عن عبد الله الغزال عن أبي سفيان عن ابن المبارك. قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا إِذا جاءَكُمُ المُؤمِناتُ مُهاجِراتٍ فَاِمتَحِنوهُنَّ اللهُ أَعلَمُ بِإِيمانِهِنَّ) الآية. قال ابن عباس: إن مشركي مكة صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية على أن من أتاه من أهل مكة رده إليهم ومن أتى أهل مكة من أصحابه فهو لهم وكتبوا بذلك الكتاب وختموه فجاءت سبيعة بنت الحارث الأسلمية بعد الفراغ من الكتاب والنبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية فأقبل زوجها وكان كافراً فقال: يا محمد رد علي امرأتي فإنك قد شرطت لنا أن ترد علينا من أتاك منا وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد فأنزل الله تعالى هذه الآية. أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ أخبرنا محمد بن يحيى أخبرنا حسن بن الربيع بن الخشاب أخبرنا ابن إدريس قال: قال محمد بن إسحاق حدثني الزهري قال: دخلت على عروة بن الزبير وهو يكتب إلى ابن هند صاحب الوليد بن عبد الملك يسأله عن قوله (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا إِذا جاءَكُمُ المُؤمِناتُ مُهاجِراتٍ فَاِمتَحِنوهُنَّ) قال: وكتب إليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح قريشاً يوم الحديبية على أن يرد عليهم من جاء بغير إذن وليه فلما هاجرن النساء أبى الله تعالى أن يرددهن إلى المشركين إذا هن امتحن فعرفوا أنهن إنما جئن رغبة في الإسلام برد أصدقاتهن إليهم إذا احتبسن عنهم إذا هم ردوا على المسلمين أصدقة من حبسوا من نسائهم قال: وذلك حكم لله يحكم بينكم فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء ورد الرجال. قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَتَوَلَّوا قَوماً غَضِبَ اللهُ عَلَيهِم) الآية. نزلت في ناس من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود بأخبار المسلمين وتواصلوا بهم فيصيبون بذلك من ثمارهم فنهاهم الله تبارك وتعالى عن ذلك. أولا: عدم موالاة الكفار إذا أحببت للهِ وكان البغض للهِ قد استكملت إيمانا وقد أدركت إحسانا فليس لكافرٍ ودُ وليس لحبه عهدُ ولاية كافرٍ تخزي ويوم الحشر لا تجزي يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ مثالاً فاتَّبع شانا ثالثا: نصرة المؤمنات المهاجرات ومما جاء يا درَّه وجوب النصر للحرَّه يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ رابعا: بيعة النساء فبيعتهن مذكوره وقد جاءت بها السوره يأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهُتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ إذا أحببت للهِ وكان البغض للهِ قد استكملت إيمانا وقد أدركت إحسانا فليس لكافرٍ ودُ وليس لحبه عهدُ ولاية كافرٍ تخزي ويوم الحشر لا تجزي فهذه الأبيات تبين عقيدة مهمة هي عقيدة الولاء والبراء، فالبراء والولاء يكون لله- عز وجل- بأن نتبرأ من كل ما تبرأ منه- سبحانه-" وَأذانٌ مِن اللهِ وَرَسُولِهِ إلى النّاسِ يَومَ الحَجّ الأكبَرِ أنّ اللهَ بَرِيءٌ منَ المُشرِكِينَ وَرِسُولُه". كما يجب أن يتبرأ المسلم من كل عمل لا يرضي الله- جل وعلا- ورسوله- صلى الله عليه وسلم- ولو لم يكن كفرا كالفسوق والعصيان" وَلكِنّ اللهَ حَببّ إلَيْكُم الإيْمَانَ وَزينهُ فِي قُلوبِكُم وكرهَ إلَيكُم الكُفْرَ والفُسوقَ والعِصيَان أولئِكَ هُم الرَاشِدون" وقد وقع بعض المسلمين في صور موالاة الكفار قد يكون ذلك عن جهل وقد يكون لا مبالاة فينبغي الحذر وتوضيح هذا المبدأ في العقيدة لهؤلاء. من صور موالاة الكفار الإقامة في بلادهم بغير ضرورة، ومشاركتهم في أعيادهم، ومودتهم ومحبتهم واتخاذهم أولياء، والتشبه بهم. أما الولاء فيكون لكل مسلم ولاء نصرة وتأييد، وولاء نصح ومحبة، فيعرف حقه ويؤديه لتنتشر الألفة والإخاء بين أفراد الأمة. وقد ورد في ذلك كثير من الأحاديث منها ما ورد في صحيح الجامع ( أوثق عرى الإيمان : الموالاة في الله والمعاداة في الله , والحب في الله والبغض في الله عز وجل ) يقول د. خالد النجار في شرح الحديث: والمراد بالحب في الله أي لأجله وبسببه , لا لغرض آخر كميل أو إحسان , ففي بمعنى اللام المعبر به في رواية أخرى . لكن [في] هنا أبلغ , أي الحب في جهته ووجهه كقوله تعالى { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } العنكبوت69 أي في حقنا ومن أجلنا ولوجهنا خالصاً. قال ابن معاذ- رضي الله عنه- : وعلامة الحب في الله أن لا يزيد بالبر ولا ينقص بالجفاء. وقال صاحب الكشاف : الحب في الله والبغض في الله باب عظيم، وأصل من أصول الإيمان، ومن لازم الحب في الله حب أنبيائه وأصفيائه، ومن شرط محبتهم اقتفاء آثارهم وطاعة أمرهم. اللهم ارزقنا إيمانا ويقينا ليس بعده كفر ورحمة ننال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة |
اللغز الرابع عش وَهِيَ مَدَنِيَّة فِي قَوْل الْأَكْثَرِينَ . وَقَالَ الضَّحَّاك : مَكِّيَّة . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : هِيَ مَكِّيَّة وَمَدَنِيَّة . وَهِيَ ثَمَانِي عَشْرَة آيَة . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ " سُورَة التَّغَابُن " نَزَلَتْ بِمَكَّة ; إِلَّا آيَات مِنْ آخِرهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي عَوْف بْن مَالِك الْأَشْجَعِيّ , شَكَا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَفَاء أَهْله وَوَلَده , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجكُمْ وَأَوْلَادكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ " [ التَّغَابُن : 14 ] إِلَى آخِر السُّورَة .سبحان ربي خالق الإنسان هو ذو الجلال مصور الإنسان لكنما الإنسان صنفٌ كافرٌ والآخر المملوء بالعرفانِ وسيُجمعُ الصنفان يوم قيامةٍ وسيندمون بحضرة الديان من أحسنوا أن لم يزيدوا في التقى ومن افترى للكفر والعصيانِ هي سورةٌ تدعو الورى لتأملٍ في حال من كفروا بكل زمانِ وتدلنا لطريق تسليمٍ بما يقضي الرحيم نلوذ بالإيمانِ وتحذر الإنسان أن عدوه من أهلهِ إن ظل في الكفرانِ فليعفُ وليصفح فهذي فتنةٌ وليعتصم بالبر والإحسانِ سورة التغابن " سبب النزول: نزول الآية (14): {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم}: أخرج الترمذي والحاكم وابن جرير عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم} في قوم من أهل مكة، أسلموا، فأبى أزواجهم وأولادهم أن يَدَعوهم، فأتوا المدينة، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأوا الناس قد فَقُهوا، فهمُّوا أن يعاقبوهم، فأنزل الله: {إن تعفوا وتصفحوا} الآية. سبب نزول الآية (16): {فاتقوا الله}: أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت: {اتقوا الله حق تقاته} اشتد على القوم العمل، فقاموا حتى وَرِمتْ عراقيبهم، وتقرحتْ جِباهم، فأنزل الله تخفيفاً على المسلمين: {فاتقوا الله ما استطعتم}. " سبحان ربي خالق الإنسان هو ذو الجلال مصور الإنسان {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(1)هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(2)خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ(3)يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ(4) لكنما الإنسان صنفٌ كافرٌ والآخر المملوء بالعرفانِ وسيُجمعُ الصنفان يوم قيامةٍ وسيندمون بحضرة الديان أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(5)ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ(6)زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ(7) من أحسنوا أن لم يزيدوا في التقى ومن افترى للكفر والعصيانِ هي سورةٌ تدعو الورى لتأملٍ في حال من كفروا بكل زمانِ {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(8)يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(9)وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ(10) وتدلنا لطريق تسليمٍ بما يقضي الرحيم نلوذ بالإيمانِ {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(11)وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ(12)اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ(13) وتحذر الإنسان أن عدوه من أهلهِ إن ظل في الكفرانِ فليعفُ وليصفح فهذي فتنةٌ وليعتصم بالبر والإحسانِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(14)إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ(15)فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(16)إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ(17)عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(18) بسم الله الرحمن الرحيم يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ قَالَ اِبْن عَبَّاس : صَلَّى لِلَّهِ " مَا فِي السَّمَوَات " مِمَّنْ خَلَقَ مِنْ الْمَلَائِكَة " وَالْأَرْض " مِنْ شَيْء فِيهِ رُوح أَوْ لَا رُوح فِيهِ . وَقِيلَ : هُوَ تَسْبِيح الدَّلَالَة وَقِيلَ الْمُرَاد بِهِ تَسْبِيح الدَّلَالَة , وَكُلّ مُحْدَث يَشْهَد عَلَى نَفْسه بِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ خَالِق قَادِر . وَقَالَتْ طَائِفَة : هَذَا التَّسْبِيح حَقِيقَة , وَكُلّ شَيْء عَلَى الْعُمُوم يُسَبِّح تَسْبِيحًا لَا يَسْمَعهُ الْبَشَر وَلَا يَفْقَههُ , وَلَوْ كَانَ مَا قَالَهُ الْأَوَّلُونَ مِنْ أَنَّهُ أَثَر الصَّنْعَة وَالدَّلَالَة لَكَانَ أَمْرًا مَفْهُومًا , وَالْآيَة تَنْطِق بِأَنَّ هَذَا التَّسْبِيح لَا يُفْقَه . وَأُجِيبُوا بِأَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ : " لَا تَفْقَهُونَ " الْكُفَّار الَّذِينَ يُعْرِضُونَ عَنْ الِاعْتِبَار فَلَا يَفْقَهُونَ حِكْمَة اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى فِي الْأَشْيَاء وَيُسْتَدَلّ لِهَذَا التَّأْوِيل وَهَذَا الْقَوْل مِنْ الْكِتَاب بِقَوْلِهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى : " وَاذْكُرْ عَبْدنَا دَاوُد ذَا الْأَيْد إِنَّهُ أَوَّاب . إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَال مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاق " [ ص : 17 - 18 ] , وَقَوْله : " وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِط مِنْ خَشْيَة اللَّه " [ الْبَقَرَة : 74 ] - عَلَى قَوْل مُجَاهِد - , وَقَوْله : " وَتَخِرّ الْجِبَال هَدًّا . أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا " [ مَرْيَم : 90 - 91 ] . وَذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك فِي ( دَقَائِقه ) أَخْبَرَنَا مِسْعَر عَنْ عَبْد اللَّه بْن وَاصِل عَنْ عَوْف بْن عَبْد اللَّه قَالَ قَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : إِنَّ الْجَبَل يَقُول لِلْجَبَلِ : يَا فُلَان , هَلْ مَرَّ بِك الْيَوْم ذَاكِر لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ سُرَّ بِهِ . ثُمَّ قَرَأَ عَبْد اللَّه " وَقَالُوا اِتَّخَذَ الرَّحْمَن وَلَدًا " الْآيَة . قَالَ : أَفَتَرَاهُنَّ يَسْمَعْنَ الزُّور وَلَا يَسْمَعْنَ الْخَيْر . وَفِيهِ عَنْ أَنَس بْن مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : مَا مِنْ صَبَاح وَلَا رَوَاح إِلَّا تُنَادِي بِقَاع الْأَرْض بَعْضهَا بَعْضًا . يَا جَارَاهُ ; هَلْ مَرَّ بِك الْيَوْم عَبْد فَصَلَّى لِلَّهِ أَوْ ذَكَرَ اللَّه عَلَيْك ؟ فَمِنْ قَائِلَة لَا , وَمِنْ قَائِلَة نَعَمْ , فَإِذَا قَالَتْ نَعَمْ رَأَتْ لَهَا بِذَلِكَ فَضْلًا عَلَيْهَا . وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَسْمَع صَوْت الْمُؤَذِّن جِنّ وَلَا إِنْس وَلَا شَجَر وَلَا حَجَر وَلَا مَدَر وَلَا شَيْء إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْم الْقِيَامَة ) . رَوَاهُ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه , وَمَالِك فِي مُوَطَّئِهِ مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ قَالَ اِبْن عَبَّاس : إِنَّ اللَّه خَلَقَ بَنِي آدَم مُؤْمِنًا وَكَافِرًا , وَيُعِيدهُمْ فِي يَوْم الْقِيَامَة مُؤْمِنًا وَكَافِرًا . وَرَوَى أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ : خَطَبَنَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّة فَذَكَرَ شَيْئًا مِمَّا يَكُون فَقَالَ : ( يُولَد النَّاس عَلَى طَبَقَات شَتَّى . يُولَد الرَّجُل مُؤْمِنًا وَيَعِيش مُؤْمِنًا وَيَمُوت مُؤْمِنًا . وَيُولَد الرَّجُل كَافِرًا وَيَعِيش كَافِرًا وَيَمُوت كَافِرًا . وَيُولَد الرَّجُل مُؤْمِنًا وَيَعِيش مُؤْمِنًا وَيَمُوت كَافِرًا . وَيُولَد الرَّجُل كَافِرًا وَيَعِيش كَافِرًا وَيَمُوت مُؤْمِنًا ) . وَقَالَ اِبْن مَسْعُود : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خَلَقَ اللَّه فِرْعَوْن فِي بَطْن أُمّه كَافِرًا وَخَلَقَ يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا فِي بَطْن أُمّه مُؤْمِنًا ) . وَفِي الصَّحِيح مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود : ( وَإِنَّ أَحَدكُمْ لَيَعْمَل بِعَمَلِ أَهْل الْجَنَّة حَتَّى مَا يَكُون بَيْنه وَبَيْنهَا إِلَّا ذِرَاع أَوْ بَاع فَيَسْبِق عَلَيْهِ الْكِتَاب فَيَعْمَل بِعَمَلِ أَهْل النَّار فَيَدْخُلهَا . وَإِنَّ أَحَدكُمْ لَيَعْمَل بِعَمَلِ أَهْل النَّار حَتَّى مَا يَكُون بَيْنه وَبَيْنهَا إِلَّا ذِرَاع أَوْ بَاع فَيَسْبِق عَلَيْهِ الْكِتَاب فَيَعْمَل بِعَمَلِ أَهْل الْجَنَّة فَيَدْخُلهَا ) . خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ السورة التغابن مقصودها الإبلاغ في التحذير مما حذرت منه المنافقون بإقامة الدليل القاطع على أنه لا بد من العرض على الملك الدنيونية على النقير والقطمير يوم القيامة يوم الجمع الأعظم ، واسمها التغابن واضح الدلالة على ذلك ، وهو أدل ما فيها عليه فلذلك سميت به ) بسم الله ( مالك الملك فلا كفوء له ولا مثيل ) الرحمن ( الذي وسع الخلائق بره الجليل ) الرحيم ( الذي خص ممن عمه بالبر قوما فوفقهم للجميل أسباب النزول: قوله تعالى:( ياأيها الذين ءامنوا إنَّ من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم) الآية قال ابن عباس: كان الرجل يسلم ,فإذا أراد أن يهاجر منعه أهله وولده , وقالوا : ننشدك الله أن تذهب فتدع أهلك وعشيرتك, وتصير إلى المدينة بلا أهل ولا مال, فمنهم من يرق لهم ويقيم ولا يهاجر, فأنزل الله تعالى هذه الآية. أخبرنا أحمد بن عبد الله الشيباني:أخبرنا أبو الفضل أحمد بن إسماعيل بن يحيى بن حازم:أخبرنا عمر بن محمد بن يحيى: أخبرنا محمد بن عمر المقدمي: أخبرنا أشعث بن عبد الله : أخبرنا شعبة ,عن إسماعيل بن أبي خالد قال: كان الرجل يسلم, فيلومه أهله وبنوه, فنزلت هذه الآية :( إن من ازواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم). قال عكرمة , عن ابن عباس: وهؤلاء الذين منعهم أهلهم عن الهجرة, لما هاجروا ورأوا الناس قد تفقهوا في الدين ,هموا ان يعاقبوا اهليهم الذين منعوهم , فأنزل الله تعالى :( وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإنَّ الله غفورٌ رحيم). أسباب النزول للنيسابوري ص(466,467) ط دار الغد العربي. الآيات التي دلت عليه الأبيات : 1-سبحان ربي خالق الإنسان هو ذو الجلال مصور الإنسان لكنما الإنسان صنفٌ كافرٌ والآخر المملوء بالعرفانِ قوله تعالى :( يسبح لله ما في السموات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير(1) هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير(2) خلق السموات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير). 2-وسيُجمعُ الصنفان يوم قيامةٍ وسيندمون بحضرة الديان من أحسنوا أن لم يزيدوا في التقى ومن افترى للكفر والعصيانِ قوله تعالى:(يوم يجمعكم ليوم الحمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم(9) والذين كفروا وكذبوا بئاياتنا أولـئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير(10) ) 3-هي سورةٌ تدعو الورى لتأملٍ في حال من كفروا بكل زمانِ وتدلنا لطريق تسليمٍ بما يقضي الرحيم نلوذ بالإيمانِ قوله تعالى :( ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شئ عليم (11) وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين(12) الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون(13) ) 4-وتحذر الإنسان أن عدوه من أهلهِ إن ظل في الكفرانِ فليعفُ وليصفح فهذي فتنةٌ وليعتصم بالبر والإحسانِ. قوله تعالى:( يا أيها الذين ءامنوا إن من أزواجكم أولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفورٌ رحيم(14)إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجرٌ عظيم(15) فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولـئك هم المفلحون(16) السور التي بدأت بمثل ما بدأت به السورة( الجمعة, الصف, الحشر, الأعلى, الحديد) |
اللغز الخامس عشر وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًاقسمٌ عظيمٌ بالملائك جاءَ فلتغلقوا باب الجحود حياءَ يا من سخرتم حين جاء بذكرها تلك الحقيقةُ فاقطعوا استهزاءَ هي صيحةٌ ستقودكم للنار في ذلٍ وكان المنطق استعلاءَ فلتذكروا فرعون قد أودى به داء الغرور وجره استغواءَ لستم أشد من الخلائق كلها لستم أجل من السماءِ بناءَ يوم القيامة قادمٌ فلتحذروا فالكل يلقى بالحساب جزاءَ لا تسألوا عن وقتها فالمنتهى عند العليم كفاكم استقصاءَ أَقْسَمَ سُبْحَانه بِهَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي ذَكَرَهَا , عَلَى أَنَّ الْقِيَامَة حَقّ . وَ " النَّازِعَات " : الْمَلَائِكَة الَّتِي تَنْزِع أَرْوَاح الْكُفَّار ; قَالَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , وَكَذَا قَالَ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَمَسْرُوق وَمُجَاهِد : هِيَ الْمَلَائِكَة تَنْزِع نُفُوس بَنِي آدَم . قَالَ اِبْن مَسْعُود : يُرِيد أَنْفُس الْكُفَّار يَنْزِعهَا مَلَك الْمَوْت مِنْ أَجْسَادهمْ , مِنْ تَحْت كُلّ شَعْرَة , وَمِنْ تَحْت الْأَظَافِير وَأُصُول الْقَدَمَيْنِ نَزْعًا كَالسَّفُّودِ يُنْزَع مِنْ الصُّوف الرُّطَب , يُغْرِقهَا , أَيْ يَرْجِعهَا فِي أَجْسَادهمْ , ثُمَّ يَنْزِعهَا فَهَذَا عَمَله بِالْكُفَّارِ . وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : نُزِعَتْ أَرْوَاحُهُمْ , ثُمَّ غَرِقَتْ , ثُمَّ حُرِقَتْ ; ثُمَّ قُذِفَ بِهَا فِي النَّار سورة النازعات سبب النزول: نزول الآية (10، 12): أخرج سعيد بن منصور عن محمد بن كعب قال: لما نزل قوله: {أئنا لمردودون في الحافرة}؟ قال كفار قريش: لئن حيينا بعد الموت لنخسرن، فنزلت: {قالوا: تلك إذاً كرة خاسرة}. سبب النزول: نزول الآية (42): {يسألونك عن الساعة ..}: أخرج الحاكم وابن جرير عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسْأَلُ عن الساعة، حتى أنزل عليه: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها} سورة النازعات مكية، شأنها شأن سائر السور المكية، التي تُعنى بأصول العقيدة "الوحدانية، الرسالة، البعث والجزاء" ومحورُ السورة يدور حول القيامة وأحوالها، والساعة وأهوالها، وعن مآل المتقين، ومآل المجرمين. .. السورة .. * ابتدأت السورة الكريمة بالقسم بالملائكة الأبرار، التي تنزع أرواح المؤمنين بلطفٍ ولين، وتنزع أرواح المجرمين بشدة وغلظة، والتي تدبر شؤون الخلائق بأمر الله جل وعلا {والنازعات غرقاً * والناشِطات نشطاً * والسابحات سبحاً * فالسابقات سبقاً * فالمدبرات أمراً} الآيات. * ثم تحدثت عن المشركين، المنكرين للبعث والنشور، فصورت حالتهم في ذلك اليوم الفظيع {قلوبٌ يومئذٍ واجفة * أبصارها خاشعة * يقولون أئنا لمردودون في الحافرة * أئذا كنا عظاماً نخرة؟} الآيات. * ثم تناولت السورة "قصّة فرعون" الطاغية، الذي ادعى الربوبية وتمادى في الجبروت والطغيان، فقصمه الله وأهلكه بالغرق هو وقومه الأقباط {هل أتاك حديث موسى * إِذ ناداه ربُّه بالواد المقدَّس طوى * اذهب إِلى فرعونَ إِنه طغى * فقل هلْ لكَ إِلى أن تزكى ..} الآيات. وتحدثت السورة عن طغيان أهل مكة وتمردهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكَّرتهم بأنهم أضعف من كثير من مخلوقات الله {أأنتم أشدُّ خلقاً أم السماءُ بناها * رفع سمكها فسوَّاها * وأغطش ليلها وأخرج ضحاها} الآيات. وختمت السورة الكريمة ببيان وقت الساعة الذي استبعده المشركون وأنكروه وكذبوا بحدوثه {يسألونك عن الساعة أيَّان مرساها * فيم أنت من ذكراها * إِلى ربك منتهاها * إِنما أنت منذر من يخشاها * كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إِلا عشيةً أو ضحاها}. ** قسمٌ عظيمٌ بالملائك جاءَ فلتغلقوا باب الجحود حياءَ يا من سخرتم حين جاء بذكرها تلك الحقيقةُ فاقطعوا استهزاءَ هي صيحةٌ ستقودكم للنار في ذلٍ وكان المنطق استعلاءَ ( وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا(1)وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا(2)وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا(3)فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا(4)فَالْمُدَبِّرَات� � أَمْرًا(5)يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ(6)تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ(7)قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ(8)أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ(9)يَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ(10)أَءِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً(11)قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ(12)فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ(13)فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ(14) فلتذكروا فرعون قد أودى به داء الغرور وجره استغواءَ {هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى(15)إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى(16)اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(17)فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى(18)وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى(19)فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى(20)فَكَذَّبَ وَعَصَى(21)ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى(22)فَحَشَرَ فَنَادَى(23)فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى(24)فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى(25)إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى(26) لستم أشد من الخلائق كلها لستم أجل من السماءِ بناءَ (ءأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا(27)رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا(28)وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا(29)وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا(30)أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا(31)وَالْجِبَال َ أَرْسَاهَا(32)مَتَاعًا لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ(33) يوم القيامة قادمٌ فلتحذروا فالكل يلقى بالحساب جزاءَ لا تسألوا عن وقتها فالمنتهى عند العليم كفاكم استقصاءَ {فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى(34)يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى(35)وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى(36)فَأَمَّا مَنْ طَغَى(37)وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا(38)فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى(39)وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى(40)فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى(41)يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا(42)فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا(43)إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا(44)إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا(45)كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا(46) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَّخِرَةً قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ يا من سخرتم حين جاء بذكرها تلك الحقيقةُ فاقطعوا استهزاءَ هي صيحةٌ ستقودكم للنار في ذلٍ وكان المنطق استعلاءَ أَيْ يَقُول هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ الْمُنْكِرُونَ لِلْبَعْثِ , إِذَا قِيلَ لَهُمْ إِنَّكُمْ تُبْعَثُونَ , قَالُوا مُنْكِرِينَ مُتَعَجِّبِينَ : أَنُرَدُّ بَعْد مَوْتنَا إِلَى أَوَّل الْأَمْر , فَنَعُود أَحْيَاء كَمَا كُنَّا قَبْل الْمَوْت ؟ وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ : " أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا " يُقَال : رَجَعَ فُلَان فِي حَافِرَته , وَعَلَى حَافِرَته , أَيْ رَجَعَ مِنْ حَيْثُ جَاءَ ; قَالَهُ قَتَادَة . وَأَنْشَدَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : أَحَافِرَة عَلَى صَلَع وَشَيْب مَعَاذ اللَّه مِنْ سَفَهٍ وَعَار يَقُول : أَأَرْجِعُ إِلَى مَا كُنْت عَلَيْهِ فِي شَبَابِي مِنْ الْغَزَل وَالصِّبَا بَعْد أَنْ شِبْت وَصَلِعْت ! وَيُقَال : رَجَعَ عَلَى حَافِرَته : أَيْ الطَّرِيق الَّذِي جَاءَ مِنْهُ . وَقَوْلُهُمْ فِي الْمَثَل : النَّقْد عِنْالْحَافِرَة . قَالَ يَعْقُوب : أَيْ عِنْد أَوَّل كَلِمَة . وَيُقَال : اِلْتَقَى الْقَوْم فَاقْتَتَلُوا عِنْد الْحَافِرَة . أَيْ عِنْد أَوَّل مَا اِلْتَقَوْا وَقِيلَ : الْحَافِرَة الْعَاجِلَة ; أَيْ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ إِلَى الدُّنْيَا فَنَصِير أَحْيَاء كَمَا كُنَّا ؟ قَالَ الشَّاعِر : آلَيْت لَا أَنْسَاكُمْ فَاعْلَمُوا حَتَّى يُرَدَّ النَّاس فِي الْحَافِرَة وَقِيلَ : الْحَافِرَة : الْأَرْض الَّتِي تُحْفَر فِيهَا قُبُورُهُمْ , فَهِيَ بِمَعْنَى الْمَحْفُورَة ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " مَاء دَافِق " وَ " عِيشَة رَاضِيَة " . وَالْمَعْنَى أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي قُبُورنَا أَحْيَاء . قَالَهُ مُجَاهِد وَالْخَلِيل وَالْفَرَّاء . وَقِيلَ : سُمِّيَتْ الْأَرْض الْحَافِرَة ; لِأَنَّهَا مُسْتَقَرّ الْحَوَافِر , كَمَا سُمِّيَتْ الْقَدَم أَرْضًا ; لِأَنَّهَا عَلَى الْأَرْض . وَالْمَعْنَى أَإِنَّا لَرَاجِعُونَ بَعْد الْمَوْت إِلَى الْأَرْض فَنَمْشِي عَلَى أَقْدَامِنَا . وَقَالَ اِبْن زَيْد : الْحَافِرَة : النَّار , وَقَرَأَ " تِلْكَ إِذًا كَرَّة خَاسِرَة " . وَقَالَ مُقَاتِل وَزَيْد بْن أَسْلَمَ : هِيَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء النَّار . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْحَافِرَة فِي كَلَام الْعَرَب : الدُّنْيَا . وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَة : " الْحَفِرَةِ " بِغَيْرِ أَلِف , مَقْصُور مِنْ الْحَافِر . وَقِيلَ : الْحَفِرَة : الْأَرْض الْمُنْتِنَة بِأَجْسَادِ مَوْتَاهَا ; مِنْ قَوْلهمْ : حَفِرَتْ أَسْنَانه , إِذَا رَكِبَهَا الْوَسَخ مِنْ ظَاهِرهَا وَبَاطِنهَا . يُقَال : فِي أَسْنَانه حَفَر , وَقَدْ حَفَرَتْ تَحْفِر حَفْرًا , مِثْل كَسَرَ يَكْسِر كَسْرًا إِذَا فَسَدَتْ أُصُولهَا . وَبَنُو أَسَد يَقُولُونَ : فِي أَسْنَانه حَفَر بِالتَّحْرِيكِ . وَقَدْ حَفِرَتْ مِثَال تَعِبَ تَعَبًا , وَهِيَ أَرْدَأ اللُّغَتَيْنِ قَالَهُ فِي الصِّحَاح . سورة النازعات ونسمة الساهرة والطامة . مقصودها بيان أواخر أمر الإنسان بالإقسام على بعث الأنام ، ووقوع القيام يوم الزحام وزلل الأقدام ، بعد البيان التام فيما مضى من هذه السور العظام ، تنبيها على أنه وصل الأمر في الظهور إلى مقام ليس بعده مقام ، وصور ذلك بنزع الأرواح بأيدي الملائكة الكرام ، ثم أمر فرعون اللعين وموسى عليه السلام ، واسمها النازعات واضح في ذلك المرام ، إذا تؤمل القسم وجوابه المعلوم للأئمة الأعلام ، وكذا الساهرة والطامة إذا تؤمل السياق ، وحصل التدبير في تقرير الوفاق ) . أسباب النزول: رقـم الفتوى : 74157 عنوان الفتوى : هل لسورة النازعات سبب نزول تاريخ الفتوى : 10 ربيع الثاني 1427 / 09-05-2006 السؤال أسباب نزول سورة النازعات؟ الفتوى الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فلم نقف فيما اطلعنا عليه من كتب التفسير وعلوم القرآن على ذكر سبب خاص لنزول سورة النازعات أو بعض آياتها. والله أعلم. فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى فَكَذَّبَ وَعَصَى ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى فَحَشَرَ فَنَادَى فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى وَرَوَى الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : هَلْ لَك أَنْ تَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . وَقَرَأَ نَافِع وَابْن كَثِير " تَزَّكَّى " بِتَشْدِيدِ الزَّاي , عَلَى إِدْغَام التَّاء فِي الزَّاي ; لِأَنَّ أَصْلَهَا تَتَزَكَّى . الْبَاقُونَ : " تَزَكَّى " بِتَخْفِيفِ الزَّاي عَلَى مَعْنَى طَرْح التَّاء . وَقَالَ أَبُو عَمْرو : " تَزَّكَّى " بِالتَّشْدِيدِ تَتَصَدَّق بِالصَّدَقَةِ , وَ " تَزَكَّى " يَكُون زَكِيًّا مُؤْمِنًا . وَإِنَّمَا دَعَا فِرْعَوْن لِيَكُونَ زَكِيًّا مُؤْمِنًا . قَالَ : فَلِهَذَا اِخْتَرْنَا التَّخْفِيف . وَقَالَ صَخْر بْن جُوَيْرِيَة : لَمَّا بَعَثَ اللَّه مُوسَى إِلَى فِرْعَوْن قَالَ لَهُ : " اِذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْن " إِلَى قَوْله " وَأَهْدِيك إِلَى رَبّك فَتَخْشَى " وَلَنْ يَفْعَل , فَقَالَ : يَا رَبّ , وَكَيْف أَذْهَب إِلَيْهِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَفْعَل ؟ فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ أَنْ اِمْضِ إِلَى مَا أَمَرْتُك بِهِ , فَإِنَّ فِي السَّمَاء اِثْنَيْ عَشَر أَلْف مَلَك يَطْلُبُونَ عِلْم الْقَدَر , فَلَمْ يَبْلُغُوهُ وَلَا يُدْرِكُوهُ أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ لستم أشد من الخلائق كلها لستم أجل من السماءِ بناءَ " رَفَعَ سَمْكَهَا " أَيْ أَعْلَى سَقْفهَا فِي الْهَوَاء ; يُقَال : سَمَكْت الشَّيْء أَيْ رَفَعْته فِي الْهَوَاء , وَسَمَكَ الشَّيْء سُمُوكًا : اِرْتَفَعَ وَقَالَ الْفَرَّاء : كُلّ شَيْء حَمَلَ شَيْئًا مِنْ الْبِنَاء وَغَيْره فَهُوَ سَمْكٌ . وَبِنَاء مَسْمُوك وَسَنَام سَامِك تَامِك أَيْ عَالٍ , وَالْمَسْمُوكَات : السَّمَوَات . وَيُقَال : اُسْمُكْ فِي الدَّيْم , أَيْ اِصْعَدْ فِي الدَّرَجَة . " فَسَوَّاهَا " أَيْ خَلَقَهَا خَلْقًا مُسْتَوِيًا , لَا تَفَاوُتَ فِيهِ , وَلَا شُقُوق , وَلَا فَطُور . فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى فَأَمَّا مَن طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا يوم القيامة قادمٌ فلتحذروا فالكل يلقى بالحساب جزاءَ لا تسألوا عن وقتها فالمنتهى عند العليم كفاكم استقصاءَ وَبُرِّزَتْ الْجَحِيم " أَيْ ظَهَرَتْ . " لِمَنْ يَرَى " قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُكْشَف عَنْهَا فَيَرَاهَا تَتَلَظَّى كُلُّ ذِي بَصَر . وَقِيلَ : الْمُرَاد الْكَافِر لِأَنَّهُ الَّذِي يَرَى النَّار بِمَا فِيهَا مِنْ أَصْنَاف الْعَذَاب . وَقِيلَ : يَرَاهَا الْمُؤْمِن لِيَعْرِف قَدْر النِّعْمَة , وَيُصْلَى الْكَافِر بِالنَّارِ . وَجَوَاب " فَإِذَا جَاءَتْ الطَّامَّة " مَحْذُوف أَيْ إِذَا جَاءَتْ الطَّامَّة دَخَلَ أَهْل النَّار النَّار وَأَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة . وَقَرَأَ مَالِك بْن دِينَار : " وَبَرَزَتْ الْجَحِيم " . عِكْرِمَة : وَغَيْره : " لِمَنْ تَرَى " بِالتَّاءِ , أَيْ لِمَنْ تَرَاهُ الْجَحِيم , أَوْ لِمَنْ تَرَاهُ أَنْتَ يَا مُحَمَّد . وَالْخِطَاب لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام , وَالْمُرَاد بِهِ النَّاس . إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا أَيْ مُنْتَهَى عِلْمهَا , فَلَا يُوجَد عِنْد غَيْره عِلْم السَّاعَة ; وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " قُلْ إِنَّمَا عِلْمهَا عِنْد رَبِّي " [ الْأَعْرَاف : 187 ] وَقَوْله تَعَالَى : " إِنَّ اللَّه عِنْده عِلْم السَّاعَة " [ لُقْمَان : 34 ] . إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا أَيْ مُخَوِّف ; وَخَصَّ الْإِنْذَار بِمَنْ يَخْشَى , لِأَنَّهُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِهِ , وَإِنْ كَانَ مُنْذِرًا لِكُلِّ مُكَلَّف ; وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " إِنَّمَا تُنْذِر مَنْ اِتَّبَعَ الذِّكْر وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ " [ يس : 11 ] . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " مُنْذِر " بِالْإِضَافَةِ غَيْر مَنُون ; طَلَب التَّخْفِيف , وَإِلَّا فَأَصْله التَّنْوِين ; لِأَنَّهُ لِلْمُسْتَقْبَلِ وَإِنَّمَا لَا يُنَوَّن فِي الْمَاضِي . قَالَ الْفَرَّاء : يَجُوز التَّنْوِين وَتَرْكه ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " بَالِغ أَمْره " [ الطَّلَاق : 3 ] , وَ " بَالِغ أَمْرِهِ " وَ " مُوهِن كَيْد الْكَافِرِينَ " [ الْأَنْفَال : 18 ] وَ " مُوهِن كَيْد الْكَافِرِينَ " وَالتَّنْوِين هُوَ الْأَصْل , وَبِهِ قَرَأَ أَبُو جَعْفَر وَشَيْبَة وَالْأَعْرَج وَابْن مُحَيْصِن وَحُمَيْد وَعَيَّاش عَنْ أَبِي عَمْرو " مُنْذِر " مُنَوَّنًا , وَتَكُون فِي مَوْضِع نَصْب , وَالْمَعْنَى نَصْب , إِنَّمَا يَنْتَفِعُ بِإِنْذَارِك مَنْ يَخْشَى السَّاعَة . وَقَالَ أَبُو عَلِيّ : يَجُوز أَنْ تَكُون الْإِضَافَة لِلْمَاضِي , نَحْو ضَارِب زَيْد أَمْس ; لِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ الْإِنْذَار , الْآيَة رَدّ عَلَى مَنْ قَالَ : أَحْوَال الْآخِرَة غَيْر مَحْسُوسَة , وَإِنَّمَا هِيَ رَاحَة الرُّوح أَوْ تَأَلُّمهَا مِنْ غَيْر حِسّ . والله أعلى وأعلم |
اللغز السادس عشر
يا واحة الجنات يا حاميم من حسنها يحلو بها الترنيمُ أكرم بها من سبعةٍ مملوءةٍ بالخير فادخل جادك التكريمُ تقديس ربٍ ثم سحق مجادلٍ وجزاؤهم يوم الحساب جحيمُ فيها دعاءٌ للملائك رحمةً بالسالكين فيستجيب كريمُ فيها بيان للحساب يهزنا ومشاهد للناس حين تقومُ فيها صراعٌ بين حقٍ أبلجٍ والباطل ِ الباغي عليه يضيمُ والله ناصر عبده لا تيأسوا ونهاية المستكبرين َسمومُ اسم السورة: سورة غافر مقصودها: مقصودها الاستدلال على آخر التي قبلها من تصنيف الناس في الآخرة إلى صنفين ، وتوفية كل ما يستحقه على سبيل العدل ، بأن الفاعل ذلك له العزة الكاملة والعلم الشامل ، وقد بين ما يغضبه وما يرضيه غاية البيان على وجه الحكمة ، فمن لم يسلم أمره كله إليه وجادل في آياته الدالة على القيامة أو غيرها بقوله أو فعله فإنه يخزيه فيعذبه ويرديه ، وعلى ذلك دلت تسميتها بغافر ، فإنه لا يقدر على غفران ما يشاء لمن يشاء إلا كامل العزة ، ولا يعلم جميع الذنوب ليسمى غافراً لها إلا بالغ العلم ، وكذا في جميع الأوصاف التي في الآية من المثاب والعقاب ، وكذا الطول فإنه لا يقدر على التطول المطلق إلا من كان كذلك ، فإن من كان ناقص العزة فهو قابل لأنه يمنعه من بعض التطولات مانع ، ولن يكون ذلك إلا بنقصان العلم ، وكذا الدلالة بتسميتها بالمؤمن فإن قصته تدل على هذا المقصد ولا سيما أمر القيامة الذي هو جل المقصود والمدار الأعظم لمعرفة المعبود سبب النزول نزول الآية (4): {مَا يُجَادِلُ..}: أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله تعالى: {مَا يُجَادِلُ فِيءاياتِ اللَّهِ إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا} قال: نزلت في الحارث بن قيس السهمي. نزول الآية (56): هذا نص ما ورد بتفسير ابن كثير- رحمه الله-:{إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ}: أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: جاءت اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا الدجال، فقالوا: يكون منا في آخر الزمان، فعظَّموا أمره، وقالوا: يصنع كذا ويملكون به الأرض، فأنزل الله: {فِيءاياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فأمر نبيه أن يتعوذ من فتنة الدجال. ومع أن الآية نزلت في مشركي مكة منكري البعث أو في اليهود كما تبين، فهي عامة في كل مجادل مبطل. لكن قال ابن كثير عما ذكره أبو العالية: وهذا قول غريب، وفيه تعسف بعيد، وإن كان قد رواه ابن أبي حاتم. والأصح أن الآية نزلت في المشركين والكفار عامة. وقال كعب وأبو العالية: نـزلت هذه الآية في اليهود: ( إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ ) قال أبو العالية: وذلك أنهم ادعوا أن الدجال منهم، وأنهم يملكون به الأرض. فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم آمرا له أن يستعيذ من فتنة الدجال، ولهذا قال: ( فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) . وهذا قول غريب، وفيه تعسف بعيد، وإن كان قد رواه ابن أبي حاتم في كتابه، والله أعلم . وفي تفسير البغوي: قال أهل التفسير: نـزلت في اليهود, وذلك أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن صاحبنا المسيح بن داود -يعنون الدجال-يخرج في آخر الزمان, فيبلغ سلطانه في البر والبحر, ويرد الملك إلينا ، قال الله تعالى: ( فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ) من فتنة الدجال, ( إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) . نزول الآية (66): {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ..}: أخرج جويبر عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة وشيبة بن ربيعة قالا: يا محمد، ارجع عما تقول بدينءابائك، فأنزل الله: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} الآية. جاري مراجعتهم من التفاسير بإذن الله الآيات التي أشارت إليها الأبيات: يا واحة الجنات يا حاميم من حسنها يحلو بها الترنيمُ أكرم بها من سبعةٍمملوئةٍ بالخير فادخل جادك التكريمُ حم تقديس ربٍ ثم سحق مجادلٍ وجزاؤهم يوم الحساب جحيمُ تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ فيها دعاءٌ للملائك رحمةً بالسالكين فيستجيب كريمُ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ فيها بيان للحساب يهزنا ومشاهد للناس حين تقومُ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ يوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ َأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ فيها صراعٌ بين حقٍ أبلجٍ والباطل ِالباغي عليه يضيمُ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ أظنها هذه القصة المقصودة والله أعلم إلى آخر الآيات والله ناصر عبده لا تيئسوا ونهاية المستكبرين َسمومُ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ آل حم السبعة: غافر وفصلت والشورى والزخرف والدخان والجاثية والأحقاف حم سورة غافر , وهي سورة المؤمن , وتسمى سورة الطول , وهي مكية في قول الحسن وعطاء وعكرمة وجابر . وعن الحسن إلا قوله : " وسبح بحمد ربك " [ غافر : 55 ] لأن الصلوات نزلت بالمدينة . وقال ابن عباس وقتادة : إلا آيتين منها نزلتا بالمدينة وهما " إن الذين يجادلون في آيات الله " [ غافر : 56 ] والتي بعدها . وهي خمس وثمانون آية . وقيل ثنتان وثمانون آية . وفي مسند الدارمي قال : حدثنا جعفر بن عون عن مسعر عن سعد بن إبراهيم قال : كل الحواميم يسمين العرائس . وروي من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الحواميم ديباج القرآن وقال أبو عبيد : وحدثني حجاج بن محمد عن أبي معشر عن محمد بن قيس قال : رأى رجل سبع جوار حسان مزينات في نومه فقال لمن أنتن بارك الله فيكن فقلن نحن لمن قرأنا نحن الحواميم . " حم " اختلف في معناه ; فقال عكرمة : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( " حم " اسم من أسماء الله تعالى وهي مفاتيح خزائن ربك ) قال ابن عباس : " حم " اسم الله الأعظم . وعنه : " الر " و " حم " و " ن " حروف الرحمن مقطعة . وعنه أيضا : اسم من أسماء الله تعالى أقسم به . وقال قتادة : إنه اسم من أسماء القرآن الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ويروى : أن حملة العرش أرجلهم في الأرض السفلى ورءوسهم قد خرقت العرش , وهم خشوع لا يرفعون طرفهم , وهم أشراف الملائكة وأفضلهم . ففي الحديث : ( أن الله تبارك وتعالى أمر جميع الملائكة أن يغدوا ويروحوا بالسلام على حملة العرش تفضيلا لهم على سائر الملائكة ) . ويقال : خلق الله العرش من جوهرة خضراء , وبين القائمتين من قوائمه خفقان الطير المسرع ثمانين ألف عام . وقيل : حول العرش سبعون ألف صف من الملائكة يطوفون به مهللين مكبرين , ومن ورائهم سبعون ألف صف قيام , قد وضعوا أيديهم على عواتقهم , رافعين أصواتهم بالتهليل والتكبير , ومن ورائهم مائة ألف صف , وقد وضعوا الأيمان على الشمائل , ما منهم أحد إلا وهو يسبح بما لا يسبح به الآخر رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ويقرب من هذه الآية قوله : " والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم " [ الطور : 21 ] . قال سعيد بن جبير : يدخل الرجل الجنة , فيقول : يا رب أين أبي وجدي وأمي ؟ وأين ولدي وولد ولدي ؟ وأين زوجاتي ؟ فيقال إنهم لم يعملوا كعملك ; فيقول : يا رب كنت أعمل لي ولهم ; فيقال أدخلوهم الجنة . ثم تلا : " الذين يحملون العرش ومن حوله " إلى قوله : " ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ قال الأخفش : " لمقت " هذه لام الابتداء وقعت بعد " ينادون " لأن معناه يقال لهم والنداء قول . وقال غيره : المعنى يقال لهم : " لمقت الله " إياكم في الدنيا " إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون " " أكبر " من مقت بعضكم بعضا يوم القيامة ; لأن بعضهم عادى بعضا ومقته يوم القيامة , فأذعنوا عند ذلك , وخضعوا وطلبوا الخروج من النار . وقال الكلبي : يقول كل إنسان من أهل النار لنفسه مقتك يا نفس ; فتقول الملائكة لهم وهم في النار : لمقت الله إياكم إذ أنتم في الدنيا وقد بعث إليكم الرسل فلم تؤمنوا أشد من مقتكم أنفسكم اليوم . وقال الحسن : يعطون كتابهم فإذا نظروا إلى سيئاتهم مقتوا أنفسهم فينادون " لمقت الله " إياكم في الدنيا " إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون " " أكبر من مقتكم أنفسكم " اليوم وقال محمد بن كعب القرظي : إن أهل النار لما يئسوا مما عند الخزنة وقال لهم مالك : " إنكم ماكثون " قال بعضهم لبعض : يا هؤلاء إنه قد نزل بكم من العذاب والبلاء ما قد ترون , فهلم فلنصبر فلعل الصبر ينفعنا , كما صبر أهل الطاعة على طاعة الله فنفعهم الصبر إذ صبروا , فأجمعوا رأيهم على الصبر فصبروا فطال صبرهم , ثم جزعوا فنادوا " سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص " [ إبراهيم : 21 ] أي من ملجأ ; فقال إبليس عند ذلك : " إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان " [ إبراهيم : 22 ] إلى قوله : " ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي " [ إبراهيم : 22 ] يقول : بمغن عنكم شيئا " إني كفرت بما أشركتمون من قبل " [ إبراهيم : 22 ] فلما سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم . قال : فنودوا " لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون " إلى قوله : " فهل إلى خروج من سبيل " قال فرد عليهم : " ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير " ذكره ابن المبارك . فهناك آيات عندما تقرأ تفسيرها تشعر كأنك شربت ماء بارد فأثلجك أقصد برد اليقين وثلجه أتركم مع تفسير السعدي : [7 - 9] {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} يخبر تعالى عن كمال لطفه تعالى بعباده المؤمنين، وما قيض لأسباب سعادتهم من الأسباب الخارجة عن قدرهم، من استغفار الملائكة المقربين لهم، ودعائهم لهم بما فيه صلاح دينهم وآخرتهم، وفي ضمن ذلك الإخبار عن شرف حملة العرش ومن حوله، وقربهم من ربهم، وكثرة عبادتهم ونصحهم لعباد الله، لعلمهم أن الله يحب ذلك منهم فقال: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ} أي: عرش الرحمن، الذي هو سقف المخلوقات وأعظمها وأوسعها وأحسنها، وأقربها من الله تعالى، الذي وسع الأرض والسماوات والكرسي، وهؤلاء الملائكة، قد وكلهم الله تعالى بحمل عرشه العظيم، فلا شك أنهم من أكبر الملائكة وأعظمهم وأقواهم، واختيار الله لهم لحمل عرشه، وتقديمهم في الذكر، وقربهم منه، يدل على أنهم أفضل أجناس الملائكة عليهم السلام، قال تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} {وَمَنْ حَوْلَهُ} من الملائكة المقربين في المنزلة والفضيلة {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِم} هذا مدح لهم بكثرة عبادتهم للّه تعالى، وخصوصًا التسبيح والتحميد، وسائر العبادات تدخل في تسبيح الله وتحميده، لأنها تنزيه له عن كون العبد يصرفها لغيره، وحمد له تعالى، بل الحمد هو العبادة للّه تعالى، وأما قول العبد: "سبحان الله وبحمده" فهو داخل في ذلك وهو من جملة العبادات. {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} وهذا من جملة فوائد الإيمان وفضائله الكثيرة جدًا، أن الملائكة الذين لا ذنوب عليهم يستغفرون لأهل الإيمان، فالمؤمن بإيمانه تسبب لهذا الفضل العظيم. ثم ولما كانت المغفرة لها لوازم لا تتم إلا بها ـ غير ما يتبادر إلى كثير من الأذهان، أن سؤالها وطلبها غايته مجرد مغفرة الذنوبـ ذكر تعالى صفة دعائهم لهم بالمغفرة، بذكر ما لا تتم إلا به، فقال: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} فعلمك قد أحاط بكل شيء، لا يخفى عليك خافية، ولا يعزب عن علمك مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، ورحمتك وسعت كل شيء، فالكون علويه وسفليه قد امتلأ برحمة الله تعالى ووسعتهم، ووصل إلى ما وصل إليه خلقه. {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا} من الشرك والمعاصي {وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} باتباع رسلك، بتوحيدك وطاعتك. {وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} أي: قهم العذاب نفسه، وقهم أسباب العذاب. {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم} على ألسنة رسلك {وَمَنْ صَلَحَ} أي: صلح بالإيمان والعمل الصالح {مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِم} زوجاتهم وأزواجهن وأصحابهم ورفقائهم {وَذُرِّيَّاتِهِم} {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ} القاهر لكل شيء، فبعزتك تغفر ذنوبهم، وتكشف عنهم المحذور، وتوصلهم بها إلى كل خير {الْحَكِيمُ} الذي يضع الأشياء مواضعها، فلا نسألك يا ربنا أمرا تقتضي حكمتك خلافه، بل من حكمتك التي أخبرت بها على ألسنة رسلك، واقتضاها فضلك، المغفرة للمؤمنين. {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} أي: الأعمال السيئة وجزاءها، لأنها تسوء صاحبها. {وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ} أي: يوم القيامة {فَقَدْ رَحِمْتَهُ} لأن رحمتك لم تزل مستمرة على العباد، لا يمنعها إلا ذنوب العباد وسيئاتهم، فمن وقيته السيئات وفقته للحسنات وجزائها الحسن. {وَذَلِكَ} أي: زوال المحذور بوقاية السيئات، وحصول المحبوب بحصول الرحمة، {هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الذي لا فوز مثله، ولا يتنافس المتنافسون بأحسن منه. وقد تضمن هذا الدعاء من الملائكة كمال معرفتهم بربهم، والتوسل إلى الله بأسمائه الحسنى، التي يحب من عباده التوسل بها إليه، والدعاء بما يناسب ما دعوا الله فيه، فلما كان دعاؤهم بحصول الرحمة، وإزالة أثر ما اقتضته النفوس البشرية التي علم الله نقصها واقتضاءها لما اقتضته من المعاصي، ونحو ذلك من المبادئ والأسباب التي قد أحاط الله بها علمًا توسلوا بالرحيم العليم. وتضمن كمال أدبهم مع الله تعالى بإقرارهم بربوبيته لهم الربوبية العامة والخاصة، وأنه ليس لهم من الأمر شيء وإنما دعاؤهم لربهم صدر من فقير بالذات من جميع الوجوه، لا يُدْلِي على ربه بحالة من الأحوال، إن هو إلا فضل الله وكرمه وإحسانه. وتضمن موافقتهم لربهم تمام الموافقة، بمحبة ما يحبه من الأعمال التي هي العبادات التي قاموا بها، واجتهدوا اجتهاد المحبين، ومن العمال الذين هم المؤمنون الذين يحبهم الله تعالى من بين خلقه، فسائر الخلق المكلفين يبغضهم الله إلا المؤمنين منهم، فمن محبة الملائكة لهم دعوا الله، واجتهدوا في صلاح أحوالهم، لأن الدعاء للشخص من أدل الدلائل على محبته، لأنه لا يدعو إلا لمن يحبه. وتضمن ما شرحه الله وفصله من دعائهم بعد قوله: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} التنبيه اللطيف على كيفية تدبر كتابه، وأن لا يكون المتدبر مقتصرًا على مجرد معنى اللفظ بمفرده، بل ينبغي له أن يتدبر معنى اللفظ، فإذا فهمه فهمًا صحيحًا على وجهه، نظر بعقله إلى ذلك الأمر والطرق الموصلة إليه وما لا يتم إلا به وما يتوقف عليه، وجزم بأن الله أراده، كما يجزم أنه أراد المعنى الخاص، الدال عليه اللفظ. والذي يوجب له الجزم بأن الله أراده أمران: أحدهما: معرفته وجزمه بأنه من توابع المعنى والمتوقف عليه. والثاني: علمه بأن الله بكل شيء عليم، وأن الله أمر عباده بالتدبر والتفكر في كتابه. وقد علم تعالى ما يلزم من تلك المعاني. وهو المخبر بأن كتابه هدى ونور وتبيان لكل شيء، وأنه أفصح الكلام وأجله إيضاحًا، فبذلك يحصل للعبد من العلم العظيم والخير الكثير، بحسب ما وفقه الله له وقد كان في تفسيرنا هذا، كثير من هذا من به الله علينا. وقد يخفى في بعض الآيات مأخذه على غير المتأمل صحيح الفكرة، ونسأله تعالى أن يفتح علينا من خزائن رحمته ما يكون سببًا لصلاح أحوالنا وأحوال المسلمين، فليس لنا إلا التعلق بكرمه، والتوسل بإحسانه، الذي لا نزال نتقلب فيه في كل الآنات، وفي جميع اللحظات، ونسأله من فضله، أن يقينا شر أنفسنا المانع والمعوق لوصول رحمته، إنه الكريم الوهاب، الذي تفضل بالأسباب ومسبباتها. وتضمن ذلك، أن المقارن من زوج وولد وصاحب، يسعد بقرينه، ويكون اتصاله به سببًا لخير يحصل له، خارج عن عمله وسبب عمله كما كانت الملائكة تدعو للمؤمنين ولمن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم، وقد يقال: إنه لا بد من وجود صلاحهم لقوله: {وَمَنْ صَلَحَ} فحينئذ يكون ذلك من نتيجة عملهم والله أعلم. |
اللغز السابع عشر قسمٌ بمن قاموا له مستشعرين جلاله والدافعين يدا السحب حيث انتهى أمرٌ كُتب إن الإله لواحدُ فوق البرايا ماجدُ والجن ليس له نسب عند الإله ولا حسب والبعث حقٌ جامعُ بين العبادِ وواقعُ هي سورة يا أتقياء عرضت جهاد الأنبياء نوح ومن بعد الخليل وفَّى بما يرضي الجليل وذبيحه راضٍ بما يرضي الإله مسلما موسى وهارونٌ معا نجاهما ربٌ رعى إلياس ما عرف القنوط وكذا نجا بالصبر لوط ذو النون حين بلائه ينجو بفضل دعائه فلتسجدوا في كل حين حمداً لرب العالمين اسم السورة: سورة الصافات مقصودها: مقصودها الاستدلال على آخر يس من التنزه عن النقائص اللازم منه رد العباد للفصل بينهم بالعدل اللازم منه الوحدانية ، وذلك هو المعنى ذلك أشار إليه وسمها بالصافات أسباب النزول: هذا ما وصلت إليه ورد في كتاب لباب النقول في أسباب النزول سورة الصافات (ك)، أخرج ابن جرير عن قتادة قال : قال أبو جهل : زعم صاحبكم هذا أن النار شجرة ، والنار تأكل الشجر ، وإننا والله ما نعلم الزقوم إلى التمر والزبد ، فأنزل الله حين عجبوا أن تكون في النار شجرة إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم الآية . وأخرج نحوه عن السدي. وأخرج جريبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: أنزلت هذه الآية في ثلاثة أحياء من قريش : سليم ، خزاعة ، وجهينة وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا الآية . وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن مجاهد قال : قال كبار قريش الملائكة بنات الله ، فقال لهم أبو بكر الصديق : فمن أمهاتهم؟ قالوا بنات سراة الجن ، فأنزل الله ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون . وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن أبي مالك قال : كان الناس يصلون متبددين ، فأنزل الله وإنا لنحن الصافون الآية ، فأمرهم أن يصفوا . وأخرج ابن المنذر عن ابن جريح قال : حدثت فذكر نحوه. وأخرج جويبر عن ابن عباس قال : قالوا يا محمد أرنا العذاب الذي تخوفنا به ، عجله لنا فنزلت أفبعذابنا يستعجلون الآية.. صحح على شرط الشيخين. وورد في مسند الإمام أحمد حدثنا سريج ويونس قالا حدثنا حماد يعني ابن سلمة عن أبي عاصم الغنوي عن أبي الطفيل قال قلت لابن عباس يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل بالبيت وأن ذلك سنة فقال صدقوا وكذبوا قلت وما صدقوا وما كذبوا قال صدقوا رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت وكذبوا ليس بسنة إن قريشا قالت زمن الحديبية دعوا محمدا وأصحابه حتى يموتوا موت النغف فلما صالحوه على أن يقدموا من العام المقبل ويقيموا بمكة ثلاثة أيام فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركون من قبل قعيقعان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه ارملوا بالبيت ثلاثا وليس بسنة قلت ويزعم قومك أنه طاف بين الصفا والمروة على بعير وأن ذلك سنة فقال صدقوا وكذبوا فقلت وما صدقوا وكذبوا فقال صدقوا قد طاف بين الصفا والمروة على بعير وكذبوا ليس بسنة كان الناس لا يدفعون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصرفون عنه فطاف على بعير ليسمعوا كلامه ولا تناله أيديهم قلت ويزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سعى بين الصفا والمروة وأن ذلك سنة قال صدقوا إن إبراهيم لما أمر بالمناسك عرض له الشيطان عند المسعى فسابقه فسبقه إبراهيم ثم ذهب به جبريل إلى جمرة العقبة فعرض له شيطان قال يونس الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات قال قد تله للجبين قال يونس وثم تله للجبين وعلى إسماعيل قميص أبيض وقال يا أبت إنه ليس لي ثوب تكفنني فيه غيره فاخلعه حتى تكفنني فيه فعالجه ليخلعه فنودي من خلفه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا " فالتفت إبراهيم فإذا هو بكبش أبيض أقرن أعين قال ابن عباس لقد رأيتنا نبيع هذا الضرب من الكباش قال ثم ذهب به جبريل إلى الجمرة القصوى فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم ذهب به جبريل إلى منى قال هذا منى قال يونس هذا مناخ الناس ثم أتى به جمعا فقال هذا المشعر الحرام ثم ذهب به إلى عرفة فقال ابن عباس هل تدري لم سميت عرفة قلت لا قال إن جبريل قال لإبراهيم عرفت قال يونس هل عرفت قال نعم قال ابن عباس فمن ثم سميت عرفة ثم قال هل تدري كيف كانت التلبية قلت وكيف كانت قال إن إبراهيم لما أمر أن يؤذن في الناس بالحج خفضت له الجبال رءوسها ورفعت له القرى فأذن في الناس بالحج حدثنا مؤمل حدثنا حماد حدثنا أبو عاصم الغنوي قال سمعت أبا الطفيل فذكره إلا أنه قال لا تناله أيديهم وقال وثم تل إبراهيم إسماعيل للجبين الآيات التي أشارت إليها الابيات قسمٌ بمن قاموا له مستشعرين جلاله والدافعين يدا السحب حيث انتهى أمرٌ كُتب إن الإله لواحدُ فوق البرايا ماجدُ وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ والجن ليس له نسب عند الإله ولا حسب وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ والبعث حقٌ جامعُ بين العبادِ وواقعُ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ هي سورة يا أتقياء عرضت جهاد الأنبياء نوح ومن بعد الخليل وفَّى بما يرضي الجليل وذبيحه راضٍ بما يرضي الإله مسلما وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ إلى: وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ موسى وهارونٌ معا نجاهما ربٌ رعى وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ إلياس ما عرف القنوط وكذا نجا بالصبر لوط وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ وَاللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ وَإِنَّ لُوطًا لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ذو النون حين بلائه ينجو بفضل دعائه وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فلتسجدوا في كل حين حمداً لرب العالمين ليس بالسورة سجدة لذا أعتقد أن هذه وصية وآخر آية هي: وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ سورة الصافات تفسيرالشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي: 149 - 157] {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ * أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ * فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} يقول تعالى لنبيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ: {فَاسْتَفْتِهِم} أي: اسأل المشركين باللّه غيره، الذين عبدوا الملائكة، وزعموا أنها بنات اللّه، فجمعوا بين الشرك باللّه، ووصفه بما لا يليق بجلاله، {أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ} أي: هذه قسمة ضيزى، وقول جائر، من جهة جعلهم الولد للّه تعالى، ومن جهة جعلهم أردأ القسمين وأخسهما له وهو البنات التي لا يرضونهن لأنفسهم، كما قال في الآية الأخرى {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} ومن جهة جعلهم الملائكة بنات اللّه، وحكمهم بذلك. قال تعالى في بيان كذبهم: {أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ} خلقهم؟ أي: ليس الأمر كذلك، فإنهم ما شهدوا خلقهم، فدل على أنهم قالوا هذا القول، بلا علم، بل افتراء على اللّه، ولهذا قال: {أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِم} أي: كذبهم الواضح {لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} {أَصْطَفَى} أي: اختار {الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} هذا الحكم الجائر. {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} وتميزون هذا القول الباطل الجائر، فإنكم لو تذكرتم لم تقولوا هذا القول. {أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ} أي: حجة ظاهرة على قولكم، من كتاب أو رسول. وكل هذا غير واقع، ولهذا قال: {فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} فإن من يقول قولا لا يقيم عليه حجة شرعية، فإنه كاذب متعمد، أو قائل على اللّه بلا علم. [158 - 160] {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} أي: جعل هؤلاء المشركون باللّه بين اللّه وبين الجنة نسبا، حيث زعموا أن الملائكة بنات اللّه، وأن أمهاتهم سروات الجن، والحال أن الجنة قد علمت أنهم محضرون بين يدي اللّه، [ليجازيهم] عبادا أذلاء، فلو كان بينهم وبينه نسب، لم يكونوا كذلك. {سُبْحَانَ اللَّهِ} الملك العظيم، الكامل الحليم، عما يصفه به المشركون من كل وصف أوجبه كفرهم وشركهم. {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} فإنه لم ينزه نفسه عما وصفوه به، لأنهم لم يصفوه إلا بما يليق بجلاله، وبذلك كانوا مخلصين. [161 - 163] {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ * مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ * إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ} أي: إنكم أيها المشركون ومن عبدتموه مع اللّه، لا تقدرون أن تفتنوا وتضلوا أحدا إلا من قضى اللّه أنه من أهل الجحيم، فينفذ فيه القضاء الإلهي، والمقصود من هذا، بيان عجزهم وعجز آلهتهم عن إضلال أحد، وبيان كمال قدرة اللّه تعالى، أي: فلا تطمعوا بإضلال عباد اللّه المخلصين وحزبه المفلحين. [164 - 166] {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} هذا [فيه] بيان براءة الملائكة عليهم السلام، عما قاله فيهم المشركون، وأنهم عباد اللّه، لا يعصونه طرفة عين، فما منهم من أحد إلا له مقام وتدبير قد أمره اللّه به لا يتعداه ولا يتجاوزه، وليس لهم من الأمر شيء. {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} في طاعة اللّه وخدمته. {وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} لله عما لا يليق به. فكيف ـ مع هذا ـ يصلحون أن يكونوا شركاء للّه؟! تعالى الله. [167 - 182] {وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ * لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ * لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ} إلى آخر السورة. يخبر تعالى أن هؤلاء المشركين، يظهرون التمني، ويقولون: لو جاءنا من الذكر والكتب، ما جاء الأولين، لأخلصنا للّه العبادة، بل لكنا المخلصين على الحقيقة. وهم كَذَبَة في ذلك، فقد جاءهم أفضل الكتب فكفروا به، فعلم أنهم متمردون على الحق {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} العذاب حين يقع بهم، ولا يحسبوا أيضا أنهم في الدنيا غالبون، بل قد سبقت كلمة اللّه التي لا مرد لها ولا مخالف لها لعباده المرسلين وجنده المفلحين، أنهم الغالبون لغيرهم، المنصورون من ربهم، نصرا عزيزا، يتمكنون فيه من إقامة دينهم، وهذه بشارة عظيمة لمن اتصف بأنه من جند اللّه، بأن كانت أحواله مستقيمة، وقاتل من أمر بقتالهم، أنه غالب منصور. ثم أمر رسوله بالإعراض عمن عاندوا، ولم يقبلوا الحق، وأنه ما بقي إلا انتظار ما يحل بهم من العذاب، ولهذا قال: {وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} من يحل به النكال، فإنه سيحل بهم. {فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِم} أي: نزل عليهم، وقريبا منهم {فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ} لأنه صباح الشر والعقوبة، والاستئصال. ثم كرر الأمر بالتَّولي عنهم، وتهديدهم بوقوع العذاب. ولما ذكر في هذه السورة، كثيرا من أقوالهم الشنيعة، التي وصفوه بها، نزه نفسه عنها فقال: {سُبْحَانَ رَبِّكَ} أي: تنزه وتعالى {رَبِّ الْعِزَّةِ} [أي:] الذي عز فقهر كل شيء، واعتز عن كل سوء يصفونه به. {وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} لسلامتهم من الذنوب والآفات، وسلامة ما وصفوا به فاطر الأرض والسماوات. {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الألف واللام، للاستغراق، فجميع أنواع الحمد، من الصفات الكاملة العظيمة، والأفعال التي ربى بها العالمين، وأدرَّ عليهم فيها النعم، وصرف عنهم بها النقم، ودبرهم تعالى في حركاتهم وسكونهم، وفي جميع أحوالهم، كلها للّه تعالى، فهو المقدس عن النقص، المحمود بكل كمال، المحبوب المعظم، ورسله سالمون مسلم عليهم، ومن اتبعهم في ذلك له السلامة في الدنيا والآخرة. [وأعداؤه لهم الهلاك والعطب في الدنيا والآخرة]. هناك فائدة قرأتها في لمسات بيانية للدكتور فاضل السامرائي- حفظه الله- يقول: ما دلالة (أو) في قوله تعالى (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) الصافات)؟ النُحاة يقولون (أو) هنا بمعنى (بل). على سبيل المثال أنت تنوي الذهاب إلى المقهى فتقول: سأذهب إلى المقهى ثم تغير رأيك فتقول أو أبقى في البيت، يعني أضربت عن الذهاب. والأمر الآخر يقولون هي بحسب ما يراه الرائي إذا رآهم الرائي يقول: هم مائة ألف، لا أكثر، يقول الرائي مائة ألف أو يزيدون. إذن (أو) إما أن تؤخذ على معنى (بل) أو أن القرآن يعبّر عن ما يراه الرائي. لماذا الإختلاف في التعبير في قصة ابراهيم في سورة الصافات (ماذا تعبدون) وفي سورة الشعراء (ما تعبدون)؟ في الأولى استعمال (ماذا) أقوى لأن ابراهيم لم يكن ينتظر جواباً من قومه فجاءت الآية بعدها (فما ظنكم برب العالمين)، أما في الشعراء فالسياق سياق حوار فجاء الرد (قالوا نعبد أصناماً). يقول الله عز وجل يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ لما ذكر مطاعمهم ذكر شرابهم . والكأس عند أهل اللغة اسم شامل لكل إناء مع شرابه ; فإن كان فارغا فليس بكأس . قال الضحاك والسدي : كل كأس في القرآن فهي الخمر , والعرب تقول للإناء إذا كان فيه خمر كأس , فإذا لم يكن فيه خمر قالوا إناء وقدح . النحاس : وحكى من يوثق به من أهل اللغة أن العرب تقول للقدح إذا كان فيه خمر : كأس ; فإذا لم يكن فيه خمر فهو قدح ; كما يقال للخوان إذا كان عليه طعام : مائدة ; فإذا لم يكن عليه طعام لم تقل له مائدة . قال أبو الحسن بن كيسان : ومنه ظعينة للهودج إذا كان فيه المرأة . وقال الزجاج : " بكأس من معين " أي من خمر تجري كما تجري العيون على وجه الأرض . والمعين : الماء الجاري الظاهر . |
الساعة الآن 08:31 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |