منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   سير أعلام النبلاء - محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=4018)

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 02:50 AM

زيد بن الخطاب

ابن نفيل بن عبد العزى بن رياح [ ص: 298 ] السيد الشهيد المجاهد التقي أبو عبد الرحمن القرشي العدوي ، أخو أمير المؤمنين عمر . وكان أسن من عمر ، وأسلم قبله .

وكان أسمر طويلا جدا ، شهد بدرا والمشاهد ، وكان قد آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين معن بن عدي العجلاني .

ولقد قال له عمر يوم بدر : البس درعي . قال : إني أريد من الشهادة ما تريد . قال : فتركاها جميعا .

وكانت راية المسلمين معه يوم اليمامة فلم يزل يقدم بها في نحر العدو ، ثم قاتل حتى قتل ، فوقعت الراية ، فأخذها سالم مولى أبي حذيفة . وحزن عليه عمر ، وكان يقول : أسلم قبلي ، واستشهد قبلي . وكان يقول : ما هبت الصبا إلا وأنا أجد ريح زيد .

حدث عنه ابن أخيه عبد الله بن عمر خبر النهي عن قتل عوامر البيوت . وروى عنه ولده عبد الرحمن بن زيد حديثين .

استشهد في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة واستشهد يومئذ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم نحو من ست مائة ، منهم : أبو حذيفة بن عتبة العبشمي ، ومولاه سالم أحد القراء ، وأبو مرثد كناز بن الحصين الغنوي ، [ ص: 299 ] وثابت بن قيس بن شماس ، وعبد الله بن سهيل بن عمرو القرشي العامري ، وعباد بن بشر الأشهلي الذي أضاءت له عصاه ومعن بن عدي بن الجد بن العجلان الأنصاري أخو عاصم ، وأبو النعمان بشير بن سعد بن ثعلبة الخزرجي ، وأبو دجانة سماك بن خرشة الساعدي الأنصاري ، وعبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول الأنصاري . وعشرتهم بدريون . ويقال : إن أبا دجانة هو الذي قتل يومئذ مسيلمة الكذاب .

أسعد بن زرارة

ابن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار .

السيد نقيب بني النجار أبو أمامة الأنصاري الخزرجي ، من كبراء الصحابة . [ ص: 300 ]

توفي شهيدا بالذبحة فلم يجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بعده نقيبا على بني النجار وقال : " أنا نقيبكم " فكانوا يفخرون بذلك .

قال ابن إسحاق : توفي والنبي - صلى الله عليه وسلم - يبني مسجده قبل بدر .

قال أبو العباس الدغولي : قيل : إنه لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة قبل العقبة الأولى بسنة مع خمسة نفر من الخزرج ، فآمنوا به ، فلما قدموا المدينة تكلموا بالإسلام في قومهم ، فلما كان العام المقبل ، خرج منهم اثنا عشر رجلا ، فهي العقبة الأولى ، فانصرفوا معهم ، وبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ، مصعب بن عمير يقرأهم ويفقههم .

قال ابن إسحاق : حدثنا محمد بن أبي أمامة بن سهل ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، قال : كنت قائد أبي حين عمي ، فإذا خرجت به إلى الجمعة ، فسمع الأذان ، صلى على أبي أمامة ، واستغفر له . فقلت : يا أبة ، أرأيت استغفارك لأبي أمامة كلما سمعت أذان الجمعة ما هو ؟ قال : أي بني ، كان أول من جمع بنا بالمدينة في هزم النبيت من حرة بني بياضة يقال له : نقيع الخضمات قلت : فكم كنتم يومئذ ؟ قال : أربعون رجلا . فكان أسعد مقدم النقباء الاثني عشر ، فهو نقيب بني النجار ، وأسيد بن الحضير نقيب بني عبد الأشهل ، [ ص: 301 ] عبد الأشهل وأبو الهيثم بن التيهان البلوي من حلفاء بني عبد الأشهل ، وسعد بن خيثمة الأوسي أحد بني غنم بن سلم ، وسعد بن الربيع الخزرجي الحارثي قتل يوم أحد ، وعبد الله بن رواحة بن ثعلبة الخزرجي الحارثي قتل يوم مؤتة وعبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر السلمي نقيب بني سلمة ، وسعد بن عبادة بن دليم الخزرجي الساعدي رئيس ، نقيب ; والمنذر بن عمرو الساعدي النقيب قتل يوم بئر معونة ، والبراء بن معرور الخزرجي السلمي ، وعبادة بن الصامت الخزرجي من القواقلة ورافع بن مالك الخزرجي الزرقي - رضي الله عنهم .

وروى شعبة : عن محمد بن عبد الرحمن ، أن جده أسعد بن زرارة أصابه وجع الذبح في حلقه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لأبلغن أو لأبلين في أبي أمامة عذرا . فكواه بيده فمات ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ميتة سوء لليهود ; يقولون : هلا دفع عن صاحبه . ولا أملك له ولا لنفسي من الله شيئا

. [ ص: 302 ] وقيل : إنه مات في السنة الأولى من الهجرة - رضي الله عنه - وقد مات فيها ثلاثة أنفس من كبراء الجاهلية ، ومشيخة قريش : العاص بن وائل السهمي والد عمرو ، والوليد بن المغيرة المخزومي ، والد خالد ، وأبو أحيحة سعيد بن العاص الأموي .

الواقدي : حدثني معمر ، عن الزهري ، عن أبي أمامة بن سهل ، قال : هم اثنا عشر نقيبا رأسهم أسعد بن زرارة .

وعن عمر : عن عائشة ، قالت : نقب النبي - صلى الله عليه وسلم - أسعد على النقباء وعن خبيب بن عبد الرحمن ، قال : خرج أسعد بن زرارة وذكوان بن عبد قيس إلى مكة إلى عتبة بن ربيعة ، فسمعا برسول الله ، فأتياه ، فعرض عليهما الإسلام ، وقرأ عليهما القرآن ، فأسلما ، فكانا أول من قدم المدينة بالإسلام .

وعن أم خارجة : أخبرتني النوار أم زيد بن ثابت أنها رأت أسعد بن زرارة قبل مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس الصلوات الخمس ، يجمع بهم في مسجد بناه . قالت : فأنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قدم صلى في ذلك المسجد وبناه ، فهو مسجده اليوم .

إسرائيل : عن منصور ، عن محمد بن عبد الرحمن ، قال : أخذت أسعد بن زرارة الذبحة ، [ ص: 303 ] فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : اكتو ; فإني لا ألوم نفسي عليك .

زهير بن معاوية : عن أبي الزبير ، عن عمرو بن شعيب ، عن بعض الصحابة ، قال : كوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسعد مرتين في حلقه من الذبحة وقال : لا أدع في نفسي منه حرجا .

الثوري : عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : كواه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أكحله مرتين .

وقيل : كواه فحجر به حلقه - يعني بالكي .

وقيل : أوصى أسعد ببناته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكن ثلاثا . فكن في عيال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدرن معه في بيوت نسائه ، وهن : فريعة ، وكبشة ، وحبيبة . فقدم عليه حلي فيه ذهب ولؤلؤ ، فحلاهن منه .

وعن ابن أبي الرجال ، قال : جاءت بنو النجار ، فقالوا : مات نقيبنا أسعد ، فنقب علينا يا رسول الله . قال : أنا نقيبكم .

قال الواقدي : الأنصار يقولون : أول مدفون بالبقيع أسعد ، والمهاجرون يقولون : أول من دفن به عثمان بن مظعون

. [ ص: 304 ] وعن أبي أمامة بن سهل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عاد أسعد ، وأخذته الشوكة فأمر به فطوق عنقه بالكي طوقا ، فلم يلبث إلا يسيرا حتى توفي - رضي الله عنه .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 02:52 AM

عتبة بن غزوان

ابن جابر بن وهيب ، السيد الأمير المجاهد أبو غزوان المازني ، حليف بني عبد شمس .

أسلم سابع سبعة في الإسلام ، وهاجر إلى الحبشة ، ثم شهد بدرا والمشاهد . وكان أحد الرماة المذكورين ، ومن أمراء الغزاة ، وهو الذي اختط البصرة وأنشأها .

حدث عنه خالد بن عمير العدوي ، وقبيصة بن جابر ، وهارون بن رئاب ، والحسن البصري ، ولم يلحقاه ، وغنيم بن قيس المازني . وقيل : كنيته أبو عبد الله . [ ص: 305 ]

ابن سعد : أنبأنا محمد بن عمر ، حدثنا جبير بن عبد الله ، وإبراهيم بن عبد الله من ولد عتبة بن غزوان .

قالا : استعمل عمر عتبة بن غزوان على البصرة فهو الذي مصر البصرة واختطها ، وكانت قبلها الأبلة ، وبنى المسجد بقصب ، ولم يبن بها دارا .

وقيل : كانت البصرة قبل تسمى أرض الهند ، فأول ما نزلها عتبة ، كان في ثمان مائة ، وسميت البصرة بحجارة سود كانت هناك ، فلما كثروا بنوا سبع دساكر من لبن ، اثنتين منها في الخريبة ، فكان أهلها يغزون جبال فارس .

قال ابن سعد : كان سعد يكتب إلى عتبة وهو عامله ، فوجد من ذلك ، واستأذن عمر أن يقدم عليه ، فأذن له . فاستخلف على البصرة المغيرة ، فشكا إلى عمر تسلط سعد عليه ، فسكت عمر ، فأعاد عليه عتبة وأكثر ، قال : وما عليك يا عتبة أن تقر بالأمر لرجل من قريش ؟ قال : أولست من قريش ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : حليف القوم منهم ولي صحبة قديمة . قال : لا [ ص: 306 ] ننكر ذلك من فضلك . قال : أما إذ صار الأمر إلى هذا ، فوالله لا أرجع إلى البصرة أبدا . فأبى عمر ورده ، فمات بالطريق ، أصابه البطن .

وقدم سويد غلامه بتركته على عمر ، وذلك سنة سبع عشرة - رضي الله عنه .

توفي بطريق البصرة وافدا إلى المدينة سنة سبع عشرة وقيل : مات سنة خمس عشرة وعاش سبعا وخمسين سنة - رضي الله عنه . له حديث في صحيح مسلم .

أبو نعامة السعدي : عن خالد بن عمير وشويس قالا : خطبنا عتبة بن غزوان فقال : ألا إن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذاء ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء ، وإنكم في دار تنتقلون عنها ، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم . وذكر الحديث .
[ ص: 307 ] عكاشة بن محصن

السعيد الشهيد أبو محصن الأسدي حليف قريش ، من السابقين الأولين البدريين أهل الجنة .

استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على سرية الغمر فلم يلقوا كيدا .

وروي عن أم قيس بنت محصن قالت : توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعكاشة ابن أربع وأربعين سنة .

قال : وقتل بعد ذلك بسنة ببزاخة في خلافة أبي بكر الصديق سنة اثنتي عشرة ، وكان من أجمل الرجال ، - رضي الله عنه . [ ص: 308 ]

كذا هذا القول ، والصحيح أن مقتله كان في سنة إحدى عشرة ، قتله طليحة الأسدي الذي ارتد ، ثم أسلم بعد وحسن إسلامه .

وقد أبلى عكاشة يوم بدر بلاء حسنا ، وانكسر سيفه في يده ، فأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - عرجونا من نخل أو عودا ، فعاد - بإذن الله - في يده سيفا ، فقاتل به وشهد به المشاهد .

حدث عنه أبو هريرة ، وابن عباس ، وغيرهما .

وكان خالد بن الوليد قد جهزه مع ثابت بن أقرم الأنصاري العجلاني طليعة له على فرسين ، فظفر بهما طليحة فقتلهما ، وكان ثابت بدريا كبير القدر ، ولم يرو شيئا .

وقيل : إن ابن رواحة الأمير يوم مؤتة لما أصيب ، دفع الراية إلى ثابت بن أقرم ، فلم يطق ، فدفعها إلى خالد ، وقال : أنت أعلم بالحرب مني .

ثابت بن قيس

ابن شماس بن زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج ، أبو محمد ، وقيل : أبو عبد الرحمن . [ ص: 309 ]

خطيب الأنصار كان من نجباء أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ولم يشهد بدرا ، شهد أحدا ، وبيعة الرضوان .

وأمه هند الطائية ، وقيل : بل كبشة بنت واقد بن الإطنابة ، وإخوته لأمه عبد الله بن رواحة ، وعمرة بنت رواحة .

وكان زوج جميلة بنت عبد الله بن أبي ابن سلول ، فولدت له محمدا .

قال ابن إسحاق : قيل : آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين عمار ، وقيل : بل المؤاخاة بين عمار وحذيفة . وكان جهير الصوت ، خطيبا ، بليغا .

الأنصاري : حدثني حميد ، عن أنس ، قال : خطب ثابت بن قيس مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، فقال : نمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأولادنا ، فما لنا ؟ قال : الجنة . قالوا : رضينا .

مالك وغيره : عن ابن شهاب ، عن إسماعيل بن محمد بن ثابت بن قيس أن ثابت بن قيس قال : يا رسول الله ، إني أخشى أن أكون قد هلكت ، ينهانا الله أن نحب أن نحمد بما لا نفعل ، وأجدني أحب الحمد . وينهانا الله عن الخيلاء ، [ ص: 310 ] وإني امرؤ أحب الجمال ، وينهانا الله أن نرفع أصواتنا فوق صوتك ، وأنا رجل رفيع الصوت ، فقال : يا ثابت ، أما ترضى أن تعيش حميدا ، وتقتل شهيدا ، وتدخل الجنة ؟ .

أيوب ، عن عكرمة ، قال : لما نزلت لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي الآية ، قال ثابت بن قيس : أنا كنت أرفع صوتي فوق صوته ، فأنا من أهل النار . فقعد في بيته ، فتفقده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر ما أقعده فقال : بل هو من أهل الجنة ، فلما كان يوم اليمامة ، انهزم الناس ، فقال ثابت : أف لهؤلاء ولما يعبدون ! وأف لهؤلاء ولما يصنعون ! يا معشر الأنصار ، خلوا سنني لعلي أصلى بحرها ساعة ، ورجل قائم على ثلمة ، فقتله وقتل . [ ص: 311 ]

أيوب ، عن ثمامة بن عبد الله ، عن أنس ، قال : أتيت على ثابت بن قيس يوم اليمامة وهو يتحنط ، فقلت : أي عم ، ألا ترى ما لقي الناس ؟ فقال : الآن يا ابن أخي .

ابن عون : حدثنا موسى بن أنس ، عن أنس ، قال : جئته وهو يتحنط ، فقلت : ألا ترى ؟ فقال : الآن يا ابن أخي . ثم أقبل ، فقال : هكذا عن وجوهنا نقارع القوم ، بئس ما عودتم أقرانكم ، ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقاتل حتى قتل .

حماد بن سلمة : أنبأنا ثابت ، عن أنس أن ثابت بن قيس جاء يوم اليمامة وقد تحنط ، ولبس ثوبين أبيضين ، فكفن فيهما ، وقد انهزم القوم ، فقال : اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء ، وأعتذر من صنيع هؤلاء ، بئس ما عودتم أقرانكم ! خلوا بيننا وبينهم ساعة ، فحمل ، فقاتل حتى قتل ، وكانت درعه قد سرقت ، فرآه رجل في النوم ، فقال له : إنها في قدر تحت إكاف ، [ ص: 312 ] بمكان كذا وكذا ، وأوصاه بوصايا ، فنظروا فوجدوا الدرع كما قال . وأنفذوا وصاياه .

سهيل : عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس .

وعن الزهري : أن وفد تميم قدموا ، وافتخر خطيبهم بأمور ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لثابت بن قيس : قم فأجب خطيبهم . فقام ، فحمد الله وأبلغ ، وسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون بمقامه .

وهو الذي أتت زوجته جميلة تشكوه وتقول : يا رسول الله : لا أنا ولا ثابت بن قيس . قال : أتردين عليه حديقته ؟ قالت : نعم . فاختلعت منه

[ ص: 313 ] وقيل : ولدت محمدا بعد ، فجعلته في لفيف وأرسلت به إلى ثابت ، فأتى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحنكه وسماه محمدا . فاتخذ له مرضعا .

قال الحاكم : كان ثابت على الأنصار يوم اليمامة ، ثم روى في ترجمته أحاديث منها لعبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، قال : حدثني عطاء الخراساني قال : قدمت المدينة ، فأتيت ابنة ثابت بن قيس ، فذكرت قصة أبيها ، قالت : لما نزلت لا ترفعوا أصواتكم جلس أبي يبكي . فذكرت الحديث .

وفيه : فلما استشهد رآه رجل ، فقال : إني لما قتلت ، انتزع درعي رجل من المسلمين وخبأه ، فأكب عليه برمة ، وجعل عليها رحلا ، فائت الأمير فأخبره ، وإياك أن تقول : هذا حلم ، فتضيعه ، وإذا أتيت المدينة فقل لخليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن علي من الدين كذا وكذا ، وغلامي فلان عتيق ، وإياك أن تقول : هذا حلم ، فتضيعه . فأتاه فأخبره الخبر ، فنفذ وصيته ، فلا نعلم أحدا بعد ما مات أنفذت وصيته غير ثابت بن قيس - رضي الله عنه .

وقد قتل محمد ، ويحيى ، وعبد الله بنو ثابت بن قيس يوم الحرة .

ومن الاتفاق أن بني ثابت بن قيس بن الخطيم الأوسي الظفري وهم : عمر ، ومحمد ، ويزيد ، قتلوا أيضا يوم الحرة ، وله أيضا صحبة ، ورواية في السنن وأبوه من فحول شعراء الأوس ، مات قبل فشو الإسلام بالمدينة ، ومن [ ص: 314 ] ذريته عدي بن ثابت محدث الكوفة ، وإنما هو عدي بن أبان بن ثابت بن قيس بن الخطيم بن عمرو بن يزيد بن سواد بن ظفر الظفري . نسب إلى جده .


أرب جمـال 8 - 2 - 2010 02:54 AM

شهداء أجنادين واليرموك

وقعة أجنادين كانت بين الرملة وبيت جبرين في جمادى سنة ثلاث عشرة . فاستشهد :

نعيم بن النحام القرشي العدوي من المهاجرين .

وأبان بن سعيد بن العاص الأموي ، وقيل : قتل يوم اليرموك ، وهو الذي أجار عثمان لما نفذه النبي - صلى الله عليه وسلم - رسولا إلى قريش يوم الحديبية .

وهشام بن العاص بن وائل السهمي ، أخو عمرو ، يكنى أبا مطيع ، اللذان قال فيهما النبي - صلى الله عليه وسلم - : ابنا العاص مؤمنان وقيل : قتل يوم اليرموك . [ ص: 315 ] وكان أسلم وهاجر إلى الحبشة ، ثم هاجر إلى المدينة سنة خمس ، وكان بطلا شجاعا يتمنى الشهادة فرزقها .

وضرار بن الأزور الأسدي ، أحد الأبطال ، له صحبة ، وحديث واحد . وكان على ميسرة خالد يوم بصرى ، وله مواقف مشهودة . وقيل : مات بالجزيرة بعد .

وطليب بن عمير بن وهب بن كثير بن عبد الدار بن قصي بن كلاب العبدري ، أخو مصعب ، وهو ابن عمة النبي - صلى الله عليه وسلم - أروى . بدري من السابقين ، هاجر أيضا إلى الحبشة الهجرة الثانية .

قال الزبير بن بكار : قيل كان أبو جهل يشتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ طليب لحي جمل ، فشجه به ، قال غير الزبير : فأوثقوه ، فخلصه أبو لهب خاله .

وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب بن هاشم ، ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برز بطريق ، فضربه عبد الله بعد منازلة طويلة على عاتقه ، فأثبته ، وقطع الدرع ، وأشرع في منكبه ، ولما التحم الحرب ، وجد مقتولا ، - رضي الله عنه - قيل : عاش ثلاثين سنة ، ويقال : ثبت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين .

وهبار بن الأسود القرشي الأسدي له صحبة . روى عنه ابناه : عبد الملك وأبو عبد الله ، وعروة ، وسليمان بن يسار ، واستشهد بأجنادين . من الطلقاء .

وهبار بن سفيان بن عبد الأسد المخزومي ، من مهاجرة الحبشة ، قتل يومئذ ، وقيل يوم اليرموك .

وخالد بن سعيد بن العاص الأموي ، من مهاجرة الحبشة ، كبير القدر ، يقال : أصيب يوم أجنادين . [ ص: 316 ]

وسلمة بن هشام هو أخو أبي جهل ، من السابقين ، هاجر إلى الحبشة ، ثم رجع إلى مكة ، فحبسه أخوه ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو له ولعياش بن أبي ربيعة في القنوت ، ثم هرب مهاجرا بعد الخندق .

وعكرمة بن أبي جهل ، استشهد يوم اليرموك سنة خمس عشرة .

وعياش بن أبي ربيعة بن المغيرة بن عياش المخزومي ، المدعو له في القنوت ، وروى عنه ابنه عبد الله ، وكان أخا أبي جهل لأمه .

وعبد الرحمن بن العوام بن خويلد الأسدي ، أخو الزبير ، حضر بدرا على الشرك ، ثم أسلم ، وجاهد ، وحسن إسلامه .

وعامر بن أبي وقاص مالك بن أهيب ، أخو سعد بن أبي وقاص الزهري ، أحد السابقين ، ومن مهاجرة الحبشة ، قدم دمشق ، وهم محاصروها بولاية أبي عبيدة . استشهد باليرموك ، وقيل بأجنادين .

ونضير بن الحارث بن علقمة بن كلدة العبدري ، من مسلمة الفتح . كان أحد الحلماء وهو ممن تألفه النبي - صلى الله عليه وسلم - بمائة بعير ، قتل يومئذ .

طليحة بن خويلد

ابن نوفل الأسدي . [ ص: 317 ]

البطل الكرار صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن يضرب بشجاعته المثل ، أسلم سنة تسع ، ثم ارتد وظلم نفسه ، وتنبأ بنجد ، وتمت له حروب مع المسلمين ، ثم انهزم وخذل ، ولحق بآل جفنة الغسانيين بالشام ، ثم ارعوى وأسلم ، وحسن إسلامه لما توفي الصديق ، وأحرم بالحج ، فلما رآه عمر قال : يا طليحة ، لا أحبك بعد قتلك عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم . وكانا طليعة لخالد يوم بزاخة ، فقتلهما طليحة وأخوه .

ثم شهد القادسية ، ونهاوند ، وكتب عمر إلى سعد بن أبي وقاص : أن شاور طليحة في أمر الحرب ، ولا توله شيئا .

قال محمد بن سعد : كان طليحة يعد بألف فارس لشجاعته وشدته .

قلت : أبلى يوم نهاوند ثم استشهد - رضي الله عنه وسامحه .

[ ص: 318 ] سعد بن الربيع

ابن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج .

الأنصاري الخزرجي الحارثي البدري النقيب الشهيد الذي آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبينعبد الرحمن بن عوف ، فعزم على أن يعطي عبد الرحمن شطر ماله ، ويطلق إحدى زوجتيه ، ليتزوج بها ، فامتنع عبد الرحمن من ذلك ، ودعا له . وكان أحد النقباء ليلة العقبة .

ابن إسحاق : عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع ؟ فقال رجل من الأنصار : أنا . فخرج يطوف في القتلى ، حتى وجد سعدا جريحا مثبتا بآخر رمق ، فقال : يا سعد ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرني أن أنظر في الأحياء أنت أم في الأموات ؟ قال : فإني في الأموات ، فأبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السلام وقل : إن سعدا يقول : جزاك الله عني خير ما جزى نبيا عن أمته ، وأبلغ قومك مني السلام ، [ ص: 319 ] وقل لهم : إن سعدا يقول لكم : إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم ومنكم عين تطرف .

عبد الله بن محمد بن عقيل : عن جابر بن عبد الله قال : جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعد ، فقالت : يا رسول الله ، هاتان بنتا سعد ، قتل أبوهما معك يوم أحد شهيدا ، وإن عمهما أخذ مالهما ، فلم يدع لهما مالا ، ولا تنكحان إلا ولهما مال ، قال : يقضي الله في ذلك . فأنزلت آية المواريث ، فبعث إلى عمهما فقال : أعط بنتي سعد الثلثين ، وأعط أمهما الثمن ، وما بقي فهو لك .

عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه قال : بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد أطلب سعد بن الربيع ، فقال لي : إن رأيته ، فأقره مني السلام ، وقل له : يقول لك رسول الله : كيف تجدك ؟ فطفت بين القتلى ، فأصبته وهو في آخر رمق ، وبه سبعون ضربة ، فأخبرته ، فقال : على رسول الله السلام وعليك ، قل له : يا رسول الله ، أجد ريح الجنة ، وقل لقومي الأنصار : لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيكم شفر يطرف ، قال : وفاضت نفسه ، - رضي الله عنه - .

[ ص: 320 ] أخرجه البيهقي ، ثم ساقه بنحوه من طريق ابن إسحاق ، عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة نحو ما مر .

ونقل ابن عبد البر عن مالك بن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من يأتينا بخبر سعد ؟ فقال رجل : أنا . فذهب يطوف بين القتلى ، فوجده وبه رمق ، فقال : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لآتيه بخبرك ، قال : فاذهب فأقره مني السلام ، وأخبره أنني قد طعنت اثنتي عشرة طعنة ، وقد أنفذت مقاتلي .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 02:55 AM

معن بن عدي

ابن الجد بن العجلان الأنصاري العجلاني العقبي البدري ، من حلفاء بني مالك بن عوف من سادة الأنصار ، كان يكتب العربية قبل الإسلام .

قال ابن سعد : وله عقب اليوم .

وروى الزهري : عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس : أن معن بن عدي أحد الرجلين اللذين لقيا أبا بكر وعمر ، وهما يريدان سقيفة بني ساعدة ، [ ص: 321 ] فقالا لأبي بكر وعمر : لا عليكم أن لا تقربوهم ، واقضوا أمركم .

قال عروة : بلغنا أن الناس بكوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا : ليتنا متنا قبله ، نخشى أن نفتتن بعده . فقال معن : لكني والله ما أحب أني مت قبله حتى أصدقه ميتا كما صدقته حيا .

قال ابن الأثير : معن بن عدي بن العجلان البلوي ، حليف بني عمرو بن عوف ، عقبي بدري مشهور .

قلت : هو أخو عاصم بن عدي بن الجد بن العجلان البلوي ، حليف بني عمرو بن عوف .

وكان عاصم سيد بني العجلان ، وهو والد أبي البداح بن عاصم ، شهد عاصم بدرا أيضا ، وحديثه في السنن الأربعة .

وكان معن ممن استشهد يوم اليمامة سنة اثنتي عشرة .

عبد الله بن عبد الله بن أبي

ابن مالك بن الحارث بن عبيد بن مالك بن سالم - وسالم هو الذي يقال له الحبلى لعظم بطنه - بن غنم بن عوف بن الخزرج ، الأنصاري الخزرجي ، المعروف والده بابن سلول المنافق المشهور ، وسلول الخزاعية هي والدة أبي المذكور . [ ص: 322 ]

وقد كان عبد الله بن عبد الله من سادة الصحابة وأخيارهم ، وكان اسمه الحباب ، وبه كان أبوه يكنى ، فغيره النبي - صلى الله عليه وسلم - وسماه عبد الله .

شهد بدرا وما بعدها ، وذكر أبو عبد الله بن منده أن أنفه أصيب يوم أحد ، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتخذ أنفا من ذهب .

والأشبه في ذلك ما روي عن عائشة ، عن عبد الله بن عبد الله بن أبي أنه قال : ندرت ثنيتي فأمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أتخذ ثنية من ذهب .

استشهد عبد الله يوم اليمامة وقد مات أبوه سنة تسع ، فألبسه النبي - صلى الله عليه وسلم - قميصه وصلى عليه ، واستغفر له إكراما لولده ، حتى نزلت : ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره الآية [ التوبة : 89 ] . [ ص: 323 ] وقد كان رئيسا مطاعا ، عزم أهل المدينة قبل أن يهاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - على أن يملكوه عليهم ، فانحل أمره ، ولا حصل دنيا ولا آخرة ، نسأل الله العافية .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 02:57 AM

عكرمة بن أبي جهل ( ت )

عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي ، الشريف الرئيس الشهيد ، أبو عثمان القرشي المخزومي المكي .
عبد الله بن عمرو بن حرام

ابن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن [ ص: 325 ] أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج ، الأنصاري السلمي ، أبو جابر أحد النقباء ليلة العقبة شهد بدرا واستشهد يوم أحد .

شعبة : عن ابن المنكدر ، عن جابر : لما قتل أبي يوم أحد ، جعلت أكشف عن وجهه وأبكي ، وجعل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهوني وهو لا ينهاني ، وجعلت عمتي تبكيه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : تبكيه أو لا تبكيه ما زالت الملائكة تظلله بأجنحتها حتى رفعتموه .

شريك : عن الأسود بن قيس ، عن نبيح العنزي ، عن جابر قال : أصيب أبي وخالي يوم أحد ، فجاءت أمي بهما قد عرضتهما على ناقة ، فأقبلت بهما إلى المدينة ، فنادى مناد : ادفنوا القتلى في مصارعهم ، فردا حتى دفنا في مصارعهما . [ ص: 326 ] قال مالك : كفن هو وعمرو بن الجموح في كفن واحد .

وقال الأوزاعي : عن الزهري ، عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خرج لدفن شهداء أحد ، قال : زملوهم بجراحهم ، فأنا شهيد عليهم . وكفن أبي في نمرة .

قال ابن سعد : قالوا : وكان عبد الله أول من قتل يوم أحد ، وكان أحمر أصلع ليس بالطويل ، وكان عمرو بن الجموح طويلا ، فدفنا معا عند السيل ، فحفر السيل عنهما ، وعليهما نمرة ، وقد أصاب عبد الله جرح في وجهه فيده على جرحه ، فأميطت يده ، فانبعث الدم ، فردت ، فسكن الدم .

قال جابر : فرأيت أبي في حفرته ، كأنه نائم ، وما تغير من حاله شيء ، وبين ذلك ست وأربعون سنة ، فحولا إلى مكان آخر ، وأخرجوا رطابا يتثنون .

أبو الزبير : عن جابر قال : صرخ بنا إلى قتلانا ، حين أجرى معاوية العين ، فأخرجناهم لينة أجسادهم ، تتثنى أطرافهم .

ابن أبي نجيح : عن عطاء ، عن جابر قال : دفن رجل مع أبي ، فلم تطب نفسي ، حتى أخرجته ودفنته وحده . [ ص: 327 ]

سعيد بن يزيد أبو مسلمة : عن أبي نضرة ، عن جابر ، قال أبي : أرجو أن أكون في أول من يصاب غدا ، فأوصيك ببناتي خيرا ، فأصيب ، فدفنته مع آخر ، فلم تدعني نفسي حتى استخرجته ودفنته وحده بعد ستة أشهر ، فإذا الأرض لم تأكل منه شيئا ، إلا بعض شحمة أذنه .

الشعبي : حدثني جابر ، أن أباه توفي ، وعليه دين ، قال : فأتيت رسول الله فقلت : إن أبي ترك عليه دينا ، وليس عندنا إلا ما يخرج من نخله ، فانطلق معي لئلا يفحش علي الغرماء . قال : فمشى حول بيدر من بيادر التمر ، ودعا ، ثم جلس عليه ، فأوفاهم الذي لهم ، وبقي مثل الذي أعطاهم .

وفي الصحيح أحاديث في ذلك .

وقال ابن المديني : حدثنا موسى بن إبراهيم ، حدثنا طلحة بن خراش ، سمع جابرا يقول : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألا أخبرك أن الله كلم أباك كفاحا ، فقال : يا عبدي ، سلني أعطك . قال : أسألك أن تردني إلى الدنيا ، فأقتل فيك ثانيا ، فقال : إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون . قال : يا رب ، فأبلغ من ورائي . فأنزل الله : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون [ آل عمران : 169 ] .

[ ص: 328 ] وروي نحوه من حديث عائشة .

ابن إسحاق : حدثنا عاصم بن عمر ، عن عبد الرحمن بن جابر ، عن أبيه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إذا ذكر أصحاب أحد : والله لوددت أني غودرت مع أصحاب فحص الجبل .

يقول : قتلت معهم - صلى الله عليه وسلم .

لما قتل أبوه ، تحولت رئاسة بني مخزوم إلى عكرمة ، ثم إنه أسلم وحسن ، إسلامه بالمرة .

قال ابن أبي مليكة : كان عكرمة إذا اجتهد في اليمين قال : لا والذي نجاني يوم بدر .

ولما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هرب منها عكرمة وصفوان بن أمية بن خلف ، [ ص: 324 ] فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤمنهما ، وصفح عنهما ، فأقبلا إليه .

استوعب أخباره أبو القاسم ابن عساكر .

أخرجه الترمذي من طريق مصعب بن سعد ، عن عكرمة - ولم يدركه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : مرحبا بالراكب المهاجر ، قال : فقلت : يا رسول الله ، والله لا أدع نفقة أنفقتها عليك ، إلا أنفقت مثلها في سبيل الله .

ولم يعقب عكرمة .

قال الشافعي : كان محمود البلاء في الإسلام - رضي الله عنه .

قال أبو إسحاق السبيعي : نزل عكرمة يوم اليرموك ، فقاتل قتالا شديدا ، ثم استشهد ، فوجدوا به بضعا وسبعين من طعنة ورمية وضربة .

وقال عروة وابن سعد وطائفة : قتل يوم أجنادين .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 05:16 PM

عبد الله بن عمرو بن حرام

ابن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن [ ص: 325 ] أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج ، الأنصاري السلمي ، أبو جابر أحد النقباء ليلة العقبة شهد بدرا واستشهد يوم أحد .

يزيد بن أبي سفيان ( ق )

ابن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي الأموي . [ ص: 329 ]

أخو معاوية من أبيه ، ويقال له يزيد الخير ، وأمه هي زينب بنت نوفل الكنانية ، وهو أخو أم المؤمنين أم حبيبة .

كان من العقلاء الألباء ، والشجعان المذكورين ، أسلم يوم الفتح ، وحسن إسلامه ، وشهد حنينا ، فقيل : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه من غنائم حنين مائة من الإبل وأربعين أوقية فضة ، وهو أحد الأمراء الأربعة الذين ندبهم أبو بكر لغزو الروم ، عقد له أبو بكر ، ومشى معه تحت ركابه يسايره ، ويودعه ، ويوصيه ، وما ذاك إلا لشرفه وكمال دينه ، ولما فتحت دمشق أمره عمر عليها .

له حديث في الوضوء رواه ابن ماجه وله عن أبي بكر .

حدث عنه أبو عبد الله الأشعري ، وجنادة بن أبي أمية .

وله ترجمة طويلة في تاريخ الحافظ أبي القاسم .

وعلى يده كان فتح قيسارية التي بالشام .

روى عوف الأعرابي ، عن مهاجر أبي مخلد قال : حدثني أبو العالية قال : غزا يزيد بن أبي سفيان بالناس ، فوقعت جارية نفيسة في سهم رجل ، فاغتصبها يزيد ، فأتاه أبو ذر ، فقال : رد على الرجل جاريته ، فتلكأ ، فقال : لئن [ ص: 330 ] فعلت ذلك ، لقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية يقال له يزيد . فقال : نشدتك الله ، أنا منهم ؟ قال : لا . فرد على الرجل جاريته أخرجه الروياني في " مسنده " .

قال إبراهيم بن سعد : كان يزيد بن أبي سفيان على ربع ، وأبو عبيدة على ربع ، وعمرو بن العاص على ربع ، وشرحبيل بن حسنة على ربع ، يعني يوم اليرموك . ولم يكن يومئذ عليهم أمير .

توفي يزيد في الطاعون سنة ثماني عشرة ولما احتضر ، استعمل أخاه معاوية على عمله ، فأقره عمر على ذلك احتراما ليزيد ، وتنفيذا لتوليته .

ومات هذه السنة في الطاعون أبو عبيدة أمين الأمة ، ومعاذ بن جبل سيد العلماء ، والأمير المجاهد شرحبيل بن حسنة حليف بني زهرة ، وابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - الفضل بن العباس وله بضع وعشرون سنة ، والحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي أبو عبد الرحمن من الصحابة الأشراف ، وهو أخو أبي جهل ، وأبو جندل بن سهيل بن عمرو العامري - رضي الله عنهم .

شعبة : عن ابن المنكدر ، عن جابر : لما قتل أبي يوم أحد ، جعلت أكشف عن وجهه وأبكي ، وجعل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهوني وهو لا ينهاني ، وجعلت عمتي تبكيه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : تبكيه أو لا تبكيه ما زالت الملائكة تظلله بأجنحتها حتى رفعتموه .

شريك : عن الأسود بن قيس ، عن نبيح العنزي ، عن جابر قال : أصيب أبي وخالي يوم أحد ، فجاءت أمي بهما قد عرضتهما على ناقة ، فأقبلت بهما إلى المدينة ، فنادى مناد : ادفنوا القتلى في مصارعهم ، فردا حتى دفنا في مصارعهما . [ ص: 326 ] قال مالك : كفن هو وعمرو بن الجموح في كفن واحد .

وقال الأوزاعي : عن الزهري ، عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خرج لدفن شهداء أحد ، قال : زملوهم بجراحهم ، فأنا شهيد عليهم . وكفن أبي في نمرة .

قال ابن سعد : قالوا : وكان عبد الله أول من قتل يوم أحد ، وكان أحمر أصلع ليس بالطويل ، وكان عمرو بن الجموح طويلا ، فدفنا معا عند السيل ، فحفر السيل عنهما ، وعليهما نمرة ، وقد أصاب عبد الله جرح في وجهه فيده على جرحه ، فأميطت يده ، فانبعث الدم ، فردت ، فسكن الدم .

قال جابر : فرأيت أبي في حفرته ، كأنه نائم ، وما تغير من حاله شيء ، وبين ذلك ست وأربعون سنة ، فحولا إلى مكان آخر ، وأخرجوا رطابا يتثنون .

أبو الزبير : عن جابر قال : صرخ بنا إلى قتلانا ، حين أجرى معاوية العين ، فأخرجناهم لينة أجسادهم ، تتثنى أطرافهم .

ابن أبي نجيح : عن عطاء ، عن جابر قال : دفن رجل مع أبي ، فلم تطب نفسي ، حتى أخرجته ودفنته وحده . [ ص: 327 ]

سعيد بن يزيد أبو مسلمة : عن أبي نضرة ، عن جابر ، قال أبي : أرجو أن أكون في أول من يصاب غدا ، فأوصيك ببناتي خيرا ، فأصيب ، فدفنته مع آخر ، فلم تدعني نفسي حتى استخرجته ودفنته وحده بعد ستة أشهر ، فإذا الأرض لم تأكل منه شيئا ، إلا بعض شحمة أذنه .

الشعبي : حدثني جابر ، أن أباه توفي ، وعليه دين ، قال : فأتيت رسول الله فقلت : إن أبي ترك عليه دينا ، وليس عندنا إلا ما يخرج من نخله ، فانطلق معي لئلا يفحش علي الغرماء . قال : فمشى حول بيدر من بيادر التمر ، ودعا ، ثم جلس عليه ، فأوفاهم الذي لهم ، وبقي مثل الذي أعطاهم .

وفي الصحيح أحاديث في ذلك .

وقال ابن المديني : حدثنا موسى بن إبراهيم ، حدثنا طلحة بن خراش ، سمع جابرا يقول : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألا أخبرك أن الله كلم أباك كفاحا ، فقال : يا عبدي ، سلني أعطك . قال : أسألك أن تردني إلى الدنيا ، فأقتل فيك ثانيا ، فقال : إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون . قال : يا رب ، فأبلغ من ورائي . فأنزل الله : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون [ آل عمران : 169 ] .

[ ص: 328 ] وروي نحوه من حديث عائشة .

ابن إسحاق : حدثنا عاصم بن عمر ، عن عبد الرحمن بن جابر ، عن أبيه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إذا ذكر أصحاب أحد : والله لوددت أني غودرت مع أصحاب فحص الجبل .

يقول : قتلت معهم - صلى الله عليه وسلم .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 05:19 PM

أبو العاص بن الربيع

ابن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب القرشي العبشمي . [ ص: 331 ]

صهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوج بنته زينب ، وهو والد أمامة التي كان يحملها النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاته .

واسمه لقيط ، وقيل : اسم أبيه ربيعة ، وهو ابن أخت أم المؤمنين خديجة ، أمه هي هالة بنت خويلد ، وكان أبو العاص يدعى جرو البطحاء .

أسلم قبل الحديبية بخمسة أشهر .

قال المسور بن مخرمة : أثنى النبي - صلى الله عليه وسلم - على أبي العاص في مصاهرته خيرا وقال : حدثني فصدقني ، ووعدني ، فوفى لي وكان قد وعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرجع إلى مكة ، بعد وقعة بدر ، فيبعث إليه بزينب ابنته ، فوفى بوعده ، وفارقها مع شدة حبه لها ، وكان من تجار قريش وأمنائهم ، وما علمت له رواية . [ ص: 332 ]

ولما هاجر ، رد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - زوجته زينب بعد ستة أعوام على النكاح الأول وجاء في رواية أنه ردها إليه بعقد جديد ، وقد كانت زوجته لما أسر نوبة بدر ، بعثت قلادتها لتفتكه بها ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن رأيتم أن تطلقوا لهذه أسيرها فبادر الصحابة إلى ذلك .

ومن السيرة أنها بعثت في فدائه قلادة لها كانت لخديجة أدخلتها بها ، فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رق لها ، وقال : إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها ، وتردوا عليها ؟ قالوا : نعم . وأطلقوه ، فأخذ عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يخلي سبيل زينب - وكانت من المستضعفين من النساء - واستكتمه النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك ، وبعث زيد بن حارثة [ ص: 333 ] ورجلا من الأنصار ، فقال : كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب ، فتصحبانها . وذلك بعد بدر بشهر .

فلما قدم أبو العاص مكة ، أمرها باللحوق بأبيها ، فتجهزت ، فقدم أخو زوجها كنانة - قلت : وهو ابن خالتها - بعيرا ، فركبت ، وأخذ قوسه وكنانته نهارا ، فخرجوا في طلبها ، فبرك كنانة ، ونثر كنانته بذي طوى ، فروعها هبار بن الأسود بالرمح ، فقال كنانة : والله لا يدنو أحد إلا وضعت فيه سهما ، فقال أبو سفيان : كف أيها الرجل عنا نبلك حتى نكلمك . فكف ، فوقف عليه ، فقال : إنك لم تصب ، خرجت بالمرأة على رءوس الناس علانية ، وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا ، وما دخل علينا من محمد ، فيظن الناس أن ذلك عن ذل أصابنا ، ولعمري ما بنا بحبسها عن أبيها من حاجة ، ارجع بها ، حتى إذا هدت الأصوات ، وتحدث الناس أنا رددناها ، فسلها سرا ، وألحقها بأبيها . قال : ففعل ، وخرج بها بعد ليال ، فسلمها إلى زيد وصاحبه ، فقدما بها .

فلما كان قبل الفتح ، خرج أبو العاص تاجرا إلى الشام بماله ومال كثير لقريش ، فلما رجع لقيته سرية ، فأصابوا ما معه ، وأعجزهم هربا ، فقدموا بما أصابوا ، وأقبل هو في الليل حتى دخل على زينب ، فاستجار بها فأجارته ، فلما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - والناس في صلاة الصبح ، صرخت زينب من صفة النساء : أيها الناس ، قد أجرت أبا العاص بن الربيع . وبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى السرية الذين أصابوا ماله ، فقال : إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم ، وقد أصبتم له مالا ، فإن تحسنوا وتردوه ، فإنا نحب ذلك ، وإن أبيتم فهو فيء الله ; فأنتم أحق به . قالوا : بل نرده . فردوه كله .

ثم ذهب به إلى مكة ، فأدى إلى كل ذي مال ماله ، ثم قال : يا معشر قريش ، هل [ ص: 334 ] بقي لأحد منكم عندي شيء ؟ قالوا : لا ، فجزاك الله خيرا . قال : فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، والله ما منعني من الإسلام عنده إلا خوف أن تظنوا أني إنما أردت أكل أموالكم . ثم قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعن ابن عباس قال : رد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب على النكاح الأول ، لم يحدث شيئا .

زينب

زينب هذه كانت - رضي الله عنها - أكبر بنات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتوفيت سنة ثمان من الهجرة وغسلتها أم عطية ، فأعطاهن حقوه ، وقال : أشعرنها إياه . [ ص: 335 ]

وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحبها ، ويثني عليها - رضي الله عنها - عاشت نحو ثلاثين سنة .

ومات أبو العاص في شهر ذي الحجة سنة اثنتي عشرة في خلافة الصديق .

أمامة بنت أبي العاص

التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحملها في صلاته .

هي بنت بنته ، تزوج بها علي بن أبي طالب في خلافة عمر ، وبقيت عنده مدة ، وجاءته الأولاد منها ، وعاشت بعده حتى تزوج بها المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي ، فتوفيت عنده بعد أن ولدت له يحيى بن المغيرة .

ماتت في دولة معاوية بن أبي سفيان ولم ترو شيئا .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 05:25 PM

أبو زيد

هو من كبار الصحابة وممن حفظ القرآن كله في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم . [ ص: 336 ]

قال ابن سعد : هو ثابت بن زيد بن قيس بن زيد بن النعمان بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج .

حدثنا أبو زيد النحوي سعيد بن أوس بن ثابت بن بشير بن أبي زيد الأنصاري ثابت بن زيد ، قال النحوي : هو جدي .

شهد أحدا ، وهو أحد الستة الذين جمعوا القرآن ، نزل البصرة واختط بها ، ثم قدم المدينة فمات بها ، فوقف عمر على قبره ، فقال : رحمك الله أبا زيد ; لقد دفن اليوم أعظم أهل الأرض أمانة . وقتل ابنه بشير يوم الحرة .

العقدي : حدثنا علي بن المبارك ، عن الحسن أبي محمد قال : دخلنا على أبي زيد ، وكانت رجله أصيبت يوم أحد ، فأذن وأقام قاعدا .

وقيل : اسم أبي زيد أوس ، وقيل : معاذ . والأول أصح .

عباد بن بشر

ابن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل .

الإمام أبو الربيع الأنصاري الأشهلي ، أحد البدريين .

كان من سادة الأوس ، عاش خمسا وأربعين سنة ، وهو الذي أضاءت له عصاته ليلة انقلب إلى منزله من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

أسلم على يد مصعب بن عمير ، وكان أحد من قتل كعب بن الأشرف اليهودي واستعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على صدقات مزينة وبني سليم ، وجعله على حرسه في غزوة تبوك ، وكان كبير القدر - رضي الله عنه .

أبلى يوم اليمامة بلاء حسنا ، وكان أحد الشجعان الموصوفين .

ابن إسحاق : عن يحيى بن عباد بن عبد الله عن أبيه ، قال : قالت عائشة : ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد يعتد عليهم فضلا ، كلهم من بني عبد الأشهل : سعد بن معاذ ، وعباد بن بشر ، وأسيد بن حضير [ ص: 338 ]

آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة .

وروي بإسناد ضعيف عن أبي سعيد الخدري : سمع عباد بن بشر يقول : رأيت الليلة كأن السماء فرجت لي ، ثم أطبقت علي ، فهي إن شاء الله الشهادة . نظر يوم اليمامة وهو يصيح : احطموا جفون السيوف . وقاتل حتى قتل بضربات في وجهه - رضي الله عنه .

ابن إسحاق : عن محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن عائشة قال : تهجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي ، فسمع صوت عباد بن بشر ، فقال : يا عائشة ، هذا صوت عباد بن بشر ؟ قلت : نعم . قال : اللهم اغفر له .

حماد بن سلمة : عن محمد بن إسحاق ، عن حصين بن عبد الرحمن الخطمي ، عن عبد الرحمن بن ثابت الأنصاري ، عن عباد بن بشر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يا معشر الأنصار ، أنتم الشعار والناس الدثار .

[ ص: 339 ] قال علي بن المديني : لا أحفظ لعباد سواه .

عباد بن بشر بن قيظي الأشهلي ، قال ابن الأثير : وقع تخبيط في اسم جده . قال : وإنما هو عباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن الأوس الأوسي .

استشهد - رضي الله عنه - يوم اليمامة .

أما عباد بن بشر بن قيظي ، فهو أنصاري من بني حارثة ، أم قومه في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - له حديث في الاستدارة في الصلاة إلى الكعبة . والله أعلم .

قال عباد بن عبد الله بن الزبير : ما سماني أبي عبادا إلا به - يعني بالأشهلي .

ومن شعره :
صرخت له فلم يعرض لصوتي ووافى طالعا من رأس جذر فعدت له فقال من المنادي
فقلت أخوك عباد بن بشر [ ص: 340 ] وهذي درعنا رهنا فخذها
لشهر إن وفى أو نصف شهر فقال : معاشر سغبوا وجاعوا
وما عدموا الغنى من غير فقر فأقبل نحونا يهوي سريعا
وقال لنا لقد جئتم لأمر وفي أيماننا بيض حداد
مجربة ، بها الكفار نفري فعانقه ابن مسلمة المردي
به الكفار كالليث الهزبر وشد بسيفه صلتا عليه
فقطره أبو عبس بن جبر وكان الله سادسنا فأبنا
بأنعم نعمة وأعز نصر
لعباد حديث واحد مر ، وهو لابن إسحاق ، عن حصين بن عبد الرحمن الأنصاري ، عن عبد الرحمن بن ثابت بن الصامت ، عن عباد بن بشر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : يا معشر الأنصار ، أنتم الشعار والناس الدثار ، فلا أوتين من قبلكم .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 08:07 PM

عبد الله بن عمرو بن حرام

ابن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن [ ص: 325 ] أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج ، الأنصاري السلمي ، أبو جابر أحد النقباء ليلة العقبة شهد بدرا واستشهد يوم أحد .

شعبة : عن ابن المنكدر ، عن جابر : لما قتل أبي يوم أحد ، جعلت أكشف عن وجهه وأبكي ، وجعل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهوني وهو لا ينهاني ، وجعلت عمتي تبكيه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : تبكيه أو لا تبكيه ما زالت الملائكة تظلله بأجنحتها حتى رفعتموه .

شريك : عن الأسود بن قيس ، عن نبيح العنزي ، عن جابر قال : أصيب أبي وخالي يوم أحد ، فجاءت أمي بهما قد عرضتهما على ناقة ، فأقبلت بهما إلى المدينة ، فنادى مناد : ادفنوا القتلى في مصارعهم ، فردا حتى دفنا في مصارعهما . [ ص: 326 ] قال مالك : كفن هو وعمرو بن الجموح في كفن واحد .

وقال الأوزاعي : عن الزهري ، عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خرج لدفن شهداء أحد ، قال : زملوهم بجراحهم ، فأنا شهيد عليهم . وكفن أبي في نمرة .

قال ابن سعد : قالوا : وكان عبد الله أول من قتل يوم أحد ، وكان أحمر أصلع ليس بالطويل ، وكان عمرو بن الجموح طويلا ، فدفنا معا عند السيل ، فحفر السيل عنهما ، وعليهما نمرة ، وقد أصاب عبد الله جرح في وجهه فيده على جرحه ، فأميطت يده ، فانبعث الدم ، فردت ، فسكن الدم .

قال جابر : فرأيت أبي في حفرته ، كأنه نائم ، وما تغير من حاله شيء ، وبين ذلك ست وأربعون سنة ، فحولا إلى مكان آخر ، وأخرجوا رطابا يتثنون .

أبو الزبير : عن جابر قال : صرخ بنا إلى قتلانا ، حين أجرى معاوية العين ، فأخرجناهم لينة أجسادهم ، تتثنى أطرافهم .

ابن أبي نجيح : عن عطاء ، عن جابر قال : دفن رجل مع أبي ، فلم تطب نفسي ، حتى أخرجته ودفنته وحده . [ ص: 327 ]

سعيد بن يزيد أبو مسلمة : عن أبي نضرة ، عن جابر ، قال أبي : أرجو أن أكون في أول من يصاب غدا ، فأوصيك ببناتي خيرا ، فأصيب ، فدفنته مع آخر ، فلم تدعني نفسي حتى استخرجته ودفنته وحده بعد ستة أشهر ، فإذا الأرض لم تأكل منه شيئا ، إلا بعض شحمة أذنه .

الشعبي : حدثني جابر ، أن أباه توفي ، وعليه دين ، قال : فأتيت رسول الله فقلت : إن أبي ترك عليه دينا ، وليس عندنا إلا ما يخرج من نخله ، فانطلق معي لئلا يفحش علي الغرماء . قال : فمشى حول بيدر من بيادر التمر ، ودعا ، ثم جلس عليه ، فأوفاهم الذي لهم ، وبقي مثل الذي أعطاهم .

وفي الصحيح أحاديث في ذلك .

وقال ابن المديني : حدثنا موسى بن إبراهيم ، حدثنا طلحة بن خراش ، سمع جابرا يقول : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألا أخبرك أن الله كلم أباك كفاحا ، فقال : يا عبدي ، سلني أعطك . قال : أسألك أن تردني إلى الدنيا ، فأقتل فيك ثانيا ، فقال : إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون . قال : يا رب ، فأبلغ من ورائي . فأنزل الله : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون [ آل عمران : 169 ] .

[ ص: 328 ] وروي نحوه من حديث عائشة .

ابن إسحاق : حدثنا عاصم بن عمر ، عن عبد الرحمن بن جابر ، عن أبيه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إذا ذكر أصحاب أحد : والله لوددت أني غودرت مع أصحاب فحص الجبل .

يقول : قتلت معهم - صلى الله عليه وسلم .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 08:08 PM

يزيد بن أبي سفيان ( ق )

ابن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي الأموي . [ ص: 329 ]

أخو معاوية من أبيه ، ويقال له يزيد الخير ، وأمه هي زينب بنت نوفل الكنانية ، وهو أخو أم المؤمنين أم حبيبة .

كان من العقلاء الألباء ، والشجعان المذكورين ، أسلم يوم الفتح ، وحسن إسلامه ، وشهد حنينا ، فقيل : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه من غنائم حنين مائة من الإبل وأربعين أوقية فضة ، وهو أحد الأمراء الأربعة الذين ندبهم أبو بكر لغزو الروم ، عقد له أبو بكر ، ومشى معه تحت ركابه يسايره ، ويودعه ، ويوصيه ، وما ذاك إلا لشرفه وكمال دينه ، ولما فتحت دمشق أمره عمر عليها .

له حديث في الوضوء رواه ابن ماجه وله عن أبي بكر .

حدث عنه أبو عبد الله الأشعري ، وجنادة بن أبي أمية .

وله ترجمة طويلة في تاريخ الحافظ أبي القاسم .

وعلى يده كان فتح قيسارية التي بالشام .

روى عوف الأعرابي ، عن مهاجر أبي مخلد قال : حدثني أبو العالية قال : غزا يزيد بن أبي سفيان بالناس ، فوقعت جارية نفيسة في سهم رجل ، فاغتصبها يزيد ، فأتاه أبو ذر ، فقال : رد على الرجل جاريته ، فتلكأ ، فقال : لئن [ ص: 330 ] فعلت ذلك ، لقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية يقال له يزيد . فقال : نشدتك الله ، أنا منهم ؟ قال : لا . فرد على الرجل جاريته أخرجه الروياني في " مسنده " .

قال إبراهيم بن سعد : كان يزيد بن أبي سفيان على ربع ، وأبو عبيدة على ربع ، وعمرو بن العاص على ربع ، وشرحبيل بن حسنة على ربع ، يعني يوم اليرموك . ولم يكن يومئذ عليهم أمير .

توفي يزيد في الطاعون سنة ثماني عشرة ولما احتضر ، استعمل أخاه معاوية على عمله ، فأقره عمر على ذلك احتراما ليزيد ، وتنفيذا لتوليته .

ومات هذه السنة في الطاعون أبو عبيدة أمين الأمة ، ومعاذ بن جبل سيد العلماء ، والأمير المجاهد شرحبيل بن حسنة حليف بني زهرة ، وابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - الفضل بن العباس وله بضع وعشرون سنة ، والحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي أبو عبد الرحمن من الصحابة الأشراف ، وهو أخو أبي جهل ، وأبو جندل بن سهيل بن عمرو العامري - رضي الله عنهم .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 08:42 PM

يزيد بن أبي سفيان ( ق )

ابن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي الأموي . [ ص: 329 ]

أخو معاوية من أبيه ، ويقال له يزيد الخير ، وأمه هي زينب بنت نوفل الكنانية ، وهو أخو أم المؤمنين أم حبيبة .

كان من العقلاء الألباء ، والشجعان المذكورين ، أسلم يوم الفتح ، وحسن إسلامه ، وشهد حنينا ، فقيل : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه من غنائم حنين مائة من الإبل وأربعين أوقية فضة ، وهو أحد الأمراء الأربعة الذين ندبهم أبو بكر لغزو الروم ، عقد له أبو بكر ، ومشى معه تحت ركابه يسايره ، ويودعه ، ويوصيه ، وما ذاك إلا لشرفه وكمال دينه ، ولما فتحت دمشق أمره عمر عليها .

له حديث في الوضوء رواه ابن ماجه وله عن أبي بكر .

حدث عنه أبو عبد الله الأشعري ، وجنادة بن أبي أمية .

وله ترجمة طويلة في تاريخ الحافظ أبي القاسم .

وعلى يده كان فتح قيسارية التي بالشام .

روى عوف الأعرابي ، عن مهاجر أبي مخلد قال : حدثني أبو العالية قال : غزا يزيد بن أبي سفيان بالناس ، فوقعت جارية نفيسة في سهم رجل ، فاغتصبها يزيد ، فأتاه أبو ذر ، فقال : رد على الرجل جاريته ، فتلكأ ، فقال : لئن [ ص: 330 ] فعلت ذلك ، لقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية يقال له يزيد . فقال : نشدتك الله ، أنا منهم ؟ قال : لا . فرد على الرجل جاريته أخرجه الروياني في " مسنده " .

قال إبراهيم بن سعد : كان يزيد بن أبي سفيان على ربع ، وأبو عبيدة على ربع ، وعمرو بن العاص على ربع ، وشرحبيل بن حسنة على ربع ، يعني يوم اليرموك . ولم يكن يومئذ عليهم أمير .

توفي يزيد في الطاعون سنة ثماني عشرة ولما احتضر ، استعمل أخاه معاوية على عمله ، فأقره عمر على ذلك احتراما ليزيد ، وتنفيذا لتوليته .

ومات هذه السنة في الطاعون أبو عبيدة أمين الأمة ، ومعاذ بن جبل سيد العلماء ، والأمير المجاهد شرحبيل بن حسنة حليف بني زهرة ، وابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - الفضل بن العباس وله بضع وعشرون سنة ، والحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي أبو عبد الرحمن من الصحابة الأشراف ، وهو أخو أبي جهل ، وأبو جندل بن سهيل بن عمرو العامري - رضي الله عنهم .

أسيد بن الحضير

ابن سماك بن عتيك بن نافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل . [ ص: 341 ]

الإمام أبو يحيى - وقيل : أبو عتيك - الأنصاري ، الأوسي الأشهلي ، أحد النقباء الاثني عشر ليلة العقبة .

أسلم قديما ، وقال : ما شهد بدرا ، وكان أبوه شريفا مطاعا يدعى حضير الكتائب ، وكان رئيس الأوس يوم بعاث فقتل يومئذ قبل عام الهجرة بست سنين وكان أسيد يعد من عقلاء الأشراف وذوي الرأي .

قال محمد بن سعد : آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين زيد بن حارثة ، وله رواية أحاديث ، روت عنه عائشة ، وكعب بن مالك ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، ولم يلحقه .

وذكر الواقدي أنه قدم الجابية مع عمر ، وكان مقدما على ربع الأنصار ، وأنه ممن أسلم على يد مصعب بن عمير ، هو وسعد بن معاذ .

قال أبو هريرة : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : نعم الرجل أبو بكر . نعم الرجل عمر ، نعم الرجل أسيد بن حضير أخرجه الترمذي وإسناده جيد .

وروي أن أسيدا كان من أحسن الناس صوتا بالقرآن . [ ص: 342 ]

ابن إسحاق : عن يحيى بن عباد بن عبد الله ، عن عائشة قالت : ثلاثة من الأنصار من بني عبد الأشهل لم يكن أحد يعتد عليهم فضلا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : سعد بن معاذ ، وأسيد بن حضير ، وعباد بن بشر ، رضي الله عنهم .

قال ابن إسحاق : أسيد بن حضير نقيب لم يشهد بدرا ، يكنى أبا يحيى . ويقال : كان في أسيد مزاح وطيب أخلاق .

روى حصين ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أسيد بن حضير - وكان فيه مزاح - أنه كان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فطعنه النبي - صلى الله عليه وسلم - بعود كان معه ، فقال : أصبرني ، فقال : اصطبر ، قال : إن عليك قميصا وليس علي قميص ، قال : فكشف النبي - صلى الله عليه وسلم - قميصه ، قال : فجعل يقبل كشحه ويقول : إنما أردت هذا يا رسول الله .

أبو صالح كاتب الليث : حدثنا يحيى بن عبد الله بن سالم ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : لما هلك أسيد بن الحضير ، وقام غرماؤه بمالهم ، سأل عمر في كم يؤدى ثمرها ليوفى ما عليه من الدين . فقيل له : في أربع سنين ، فقال لغرمائه : ما عليكم أن لا تباع ، قالوا : احتكم ، وإنما نقتص في أربع سنين ، فرضوا بذلك ، فأقر المال لهم ، قال : ولم يكن باع نخل أسيد أربع سنين من [ ص: 343 ] عبد الرحمن بن عوف ، ولكنه وضعه على يدي عبد الرحمن للغرماء .

عبد الله بن عمر : عن نافع ، عن ابن عمر قال : هلك أسيد ، وترك عليه أربعة آلاف ، وكانت أرضه تغل في العام ألفا ، فأرادوا بيعها ، فبعث عمر إلى غرمائه : هل لكم أن تقبضوا كل عام ألفا ؟ قالوا : نعم .

قال يحيى بن بكير : مات أسيد سنة عشرين وحمله عمر بين العمودين عمودي السرير حتى وضعه بالبقيع ثم صلى عليه ، وفيها أرخ موته الواقدي وأبو عبيد وجماعة .

وندم على تخلفه عن بدر ، وقال : ظننت أنها العير ، ولو ظننت أنه غزو ما تخلفت . وقد جرح يوم أحد سبع جراحات .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 08:45 PM

الطفيل بن عمرو الدوسي

صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - كان سيدا مطاعا من أشراف العرب ، ودوس بطن من الأزد ، وكان الطفيل يلقب ذا النور ، أسلم قبل الهجرة بمكة .

قال هشام بن الكلبي : سمي الطفيل بن عمرو بن طريف ذا النور لأنه قال : يا رسول الله ، إن دوسا قد غلب عليهم الزنا ، فادع الله عليهم . قال : اللهم اهد دوسا . ثم قال : يا رسول الله ، ابعث بي إليهم ، واجعل لي آية . فقال : اللهم نور له وذكر الحديث .

وفي مغازي يحيى بن سعيد الأموي : حدثنا الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، عن الطفيل الدوسي . [ ص: 345 ]

وذكره ابن إسحاق عن عثمان بن الحويرث ، عن صالح بن كيسان أن الطفيل بن عمرو قال : كنت رجلا شاعرا سيدا في قومي ، فقدمت مكة ، فمشيت إلى رجالات قريش ، فقالوا : إنك امرؤ شاعر سيد ، وإنا قد خشينا أن يلقاك هذا الرجل ، فيصيبك ببعض حديثه ; فإنما حديثه كالسحر ، فاحذره أن يدخل عليك وعلى قومك ما أدخل علينا ، فإنه فرق بين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجته ، وبين المرء وابنه .

فوالله ما زالوا يحدثوني شأنه ، وينهوني أن أسمع منه حتى قلت : والله لا أدخل المسجد إلا وأنا ساد أذني ، قال : فعمدت إلى أذني ، فحشوتها كرسفا ثم غدوت إلى المسجد ، فإذا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائما في المسجد ، فقمت قريبا منه ، وأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله ، فقلت في نفسي : والله إن هذا للعجز ، وإني امرؤ ثبت ، ما تخفى علي الأمور حسنها وقبيحها ، والله لأتسمعن منه ، فإن كان أمره رشدا أخذت منه ، وإلا اجتنبته . فنزعت الكرسفة ، فلم أسمع قط كلاما أحسن من كلام يتكلم به ، فقلت : يا سبحان الله ! ما سمعت كاليوم لفظا أحسن ولا أجمل منه .

فلما انصرف تبعته ، فدخلت معه بيته ، فقلت : يا محمد ، إن قومك جاءوني فقالوا لي كذا وكذا ، فأخبرته بما قالوا ، وقد أبى الله إلا أن أسمعني منك ما تقول ، وقد وقع في نفسي أنه حق ، فاعرض علي دينك ، فعرض علي الإسلام فأسلمت ، ثم قلت : إني أرجع إلى دوس ، وأنا فيهم مطاع ، وأدعوهم إلى الإسلام لعل الله أن يهديهم ، فادع الله أن يجعل لي آية قال : اللهم اجعل له آية تعينه .

فخرجت حتى أشرفت على ثنية قومي ، وأبي هناك شيخ كبير ، وامرأتي وولدي ، فلما علوت الثنية وضع الله بين عيني نورا كالشهاب يتراءاه الحاضر في ظلمة الليل ، وأنا منهبط من الثنية ، فقلت : اللهم في غير وجهي ، [ ص: 346 ] فإني أخشى أن يظنوا أنها مثلة لفراق دينهم ، فتحول فوقع في رأس سوطي ، فلقد رأيتني أسير على بعيري إليهم ، وإنه على رأس سوطي كأنه قنديل معلق ، قال : فأتاني أبي فقلت : إليك عني ، فلست منك ولست مني . قال : وما ذاك ؟ قلت : إني أسلمت واتبعت دين محمد . فقال : أي بني ، ديني دينك ، وكذلك أمي ، فأسلما ، ثم دعوت دوسا إلى الإسلام ، فأبت علي وتعاصت ، ثم قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : غلب على دوس الزنا والربا فادع عليهم . فقال : اللهم اهد دوسا .

ثم رجعت إليهم ، وهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقمت بين ظهرانيهم أدعوهم إلى الإسلام ، حتى استجاب منهم من استجاب ، وسبقتني بدر وأحد والخندق ، ثم قدمت بثمانين أو تسعين أهل بيت من دوس ، فكنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى فتح مكة . فقلت : يا رسول الله ، ابعثني إلى ذي الكفين ، صنم عمرو بن حممة ، حتى أحرقه . قال : أجل ، فاخرج إليه . فأتيت ، فجعلت أوقد عليه النار ، ثم قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقمت معه حتى قبض .

ثم خرجت إلى بعث مسيلمة ومعي ابني عمرو ، حتى إذا كنت ببعض الطريق رأيت رؤيا ، رأيت كأن رأسي حلق ، وخرج من فمي طائر ، وكأن امرأة أدخلتني في فرجها ، وكأن ابني يطلبني طلبا حثيثا ، فحيل بيني وبينه ، فحدثت بها قومي ، فقالوا : خيرا ، فقلت : أما أنا فقد أولتها : أما حلق رأسي فقطعه ، وأما الطائر فروحي ، والمرأة الأرض أدفن فيها ، فقد روعت أن أقتل شهيدا ، وأما طلب ابني إياي ، فما أراه إلا سيعذر في طلب الشهادة ، ولا أراه يلحق في سفره هذا . قال : فقتلالطفيل يوم اليمامة ، وجرح ابنه ، ثم قتل يوم اليرموك بعد . [ ص: 347 ]

قلت : وقد عد ولده عمرو في الصحابة ، وكذا أبوه ينبغي أن يعد في الصحابة فقد أسلم فيما ذكرنا ، لكن ما بلغنا أنه هاجر ولا رأى النبي - صلى الله عليه وسلم .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 08:47 PM

ابن أم مكتوم

مختلف في اسمه ; فأهل المدينة يقولون : عبد الله بن قيس بن زائدة بن الأصم بن رواحة القرشي العامري .

وأما أهل العراق ، فسموه عمرا . وأمه أم مكتوم ، هي عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة بن عامر بن مخزوم بن يقظة المخزومية . من السابقين المهاجرين .

وكان ضريرا مؤذنا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع بلال ، وسعد القرظ ، وأبي محذورة ، [ ص: 361 ] مؤذن مكة .

هاجر بعد وقعة بدر بيسير ، قاله ابن سعد ، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحترمه ، ويستخلفه على المدينة ، فيصلي ببقايا الناس .

قال الشعبي : استخلف النبي - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن أم مكتوم يؤم الناس ، وكان ضريرا وذلك في غزوة تبوك . كذا قال ، والمحفوظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما استعمل على المدينة عامئذ علي بن أبي طالب .

وقال قتادة : استخلف النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن أم مكتوم مرتين على المدينة ، وكان أعمى .

وروى مجالد عن الشعبي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استخلف ابن أم مكتوم على المدينة في غزوة بدر . فهذا يبطل ما تقدم ، ويبطله أيضا حديث أبي إسحاق عن البراء قال : أول من قدم علينا مصعب بن عمير ، ثم أتانا بعده عمرو بن أم مكتوم ، فقالوا له : ما فعل من وراءك ؟ قال : هم أولاء على أثري .

شعبة : عن أبي إسحاق ، سمع البراء يقول : أول من قدم علينا مصعب بن عمير ، وابن أم مكتوم ، فجعلا يقرئان الناس القرآن . [ ص: 362 ]

حماد بن سلمة : حدثنا أبو ظلال ، قال : كنت عند أنس ، فقال : متى ذهبت عينك ؟ قلت : وأنا صغير . فقال : إن جبريل أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده ابن أم مكتوم ، فقال : متى ذهب بصرك ؟ قال : وأنا غلام ، فقال : قال الله تعالى : إذا أخذت كريمة عبدي لم أجد له جزاء إلا الجنة .

قالت عائشة : كان ابن أم مكتوم مؤذنا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أعمى .

وروى حجاج بن أرطاة ، عن شيخ عن بعض مؤذني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : كان بلال يؤذن ، ويقيم ابن أم مكتوم ، وربما أذن ابن أم مكتوم ، وأقام بلال . إسناده واه .

وقال ابن عمر : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن بلالا يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم وكان أعمى لا ينادي حتى يقال له : أصبحت أصبحت .

قال عروة : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مع رجال من قريش منهم عتبة بن ربيعة ، فجاء ابن أم مكتوم يسأل عن شيء ، فأعرض عنه ، فأنزلت عبس وتولى أن جاءه الأعمى [ عبس : 1 ] .

[ ص: 363 ] الواقدي : حدثني عبيد الله بن نوح ، عن محمد بن سهل بن أبي حثمة ، قال : استخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن أم مكتوم على المدينة ، فكان يجمع بهم ويخطب إلى جنب المنبر يجعله على يساره .

يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه عن عبد الله بن معقل ، قال : نزل ابن أم مكتوم على يهودية بالمدينة كانت ترفقه ، وتؤذيه في النبي - صلى الله عليه وسلم - فتناولها فضربها ، فقتلها ، فرفع ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال هو : أما والله إن كانت لترفقني ، ولكن آذتني في الله ورسوله . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أبعدها الله ، قد أبطلت دمها .

أبو إسحاق : عن البراء قال : لما نزلت : لا يستوي القاعدون دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - زيدا وأمره ، فجاء بكتف وكتبها ، فجاء ابن أم مكتوم ، فشكا ضرارته ، فنزلت غير أولي الضرر .

[ ص: 364 ] ثابت البناني : عن ابن أبي ليلى ، أن ابن أم مكتوم قال : أي رب ، أنزل عذري . فأنزلت غير أولي الضرر فكان بعد يغزو ويقول : ادفعوا إلي اللواء ، فإني أعمى لا أستطيع أن أفر ، وأقيموني بين الصفين .

عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن خارجة بن زيد ، عن أبيه ، قال : كنت إلى جانب النبي : - صلى الله عليه وسلم - فغشيته السكينة ، فوقعت فخذه على فخذي ، فما وجدت شيئا أثقل منها ، ثم سري عنه ، فقال لي : اكتب فكتبت في كتف " لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون " . فقام عمرو بن أم مكتوم ، فقال : فكيف بمن لا يستطيع ، فما انقضى كلامه حتى غشيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السكينة ، ثم سري عنه ، فقال : اكتب غير أولي الضرر .

قال زيد : أنزلها الله وحدها ، فكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع الكتف .

ابن أبي عروبة : عن قتادة ، عن أنس : أن عبد الله بن أم مكتوم يوم القادسية كانت معه راية سوداء ، عليه درع له . [ ص: 365 ]

أبو هلال : عن قتادة ، عن أنس : أن عبد الله بن زائدة - وهو ابن أم مكتوم - كان يقاتل يوم القادسية وعليه درع له حصينة سابغة .

قال الواقدي : شهد القادسية معه الراية ، ثم رجع إلى المدينة ، فمات بها ، ولم نسمع له بذكر بعد عمر .

قلت : ويقال استشهد يوم القادسية .

حدث عنه عبد الرحمن بن أبي ليلى مرسل ، وأبو رزين الأسدي وغيرهما .

والقادسية ملحمة كبرى تمت بالعراق ، وعلى المسلمين سعد بن أبي وقاص ، وعلى المشركين رستم ، وذو الحاجب ، والجالينوس .

قال أبو وائل : كان المسلمون أزيد من سبعة آلاف ، وكان العدو أربعين وقيل : ستين ألفا معهم سبعون فيلا .

قال المدائني : اقتتلوا ثلاثة أيام في آخر شوال سنة خمس عشرة ، فقتل رستم وانهزموا .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 08:47 PM

بلال بن رباح ( ع )

مولى أبي بكر الصديق ، وأمه حمامة ، وهو مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

من السابقين الأولين الذين عذبوا في الله ، شهد بدرا ، وشهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - على التعيين بالجنة ، وحديثه في الكتب .

حدث عنه ابن عمر ، وأبو عثمان النهدي ، والأسود ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وجماعة .

ومناقبه جمة استوفاها الحافظ ابن عساكر ، وعاش بضعا وستين سنة .

يقال : إنه حبشي ، وقيل : من مولدي الحجاز .

وفي وفاته أقوال : أحدها بداريا في سنة عشرين .

عاصم : عن زر ، عن عبد الله ، أول من أظهر إسلامه سبعة : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر ، وعمار ، وأمه سمية ، وبلال ، وصهيب ، والمقداد . فأما النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر فمنعهما الله بقومهما ، وأما سائرهم فأخذهم المشركون ، [ ص: 348 ] فألبسوهم أدراع الحديد ، وصهروهم في الشمس ، فما منهم أحد إلا واتاهم على ما أرادوا إلا بلال ; فإنه هانت عليه نفسه في الله ، وهان على قومه ، فأعطوه الولدان ، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة ، وهو يقول : أحد ، أحد وله إسناد آخر صحيح .

أبو حيان التيمي : عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبلال عند صلاة الصبح : حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام ; فإني قد سمعت الليلة خشفة نعليك بين يدي في الجنة . قال : ما عملت عملا أرجى من أني لم أتطهر طهورا تاما في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت لربي ما كتب لي أن أصلي .

حسين بن واقد : حدثنا ابن بريدة سمعت أبي يقول : أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعا بلالا ، فقال : بم سبقتني إلى الجنة ؟ ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي ، إني دخلت الجنة البارحة ، فسمعت خشخشتك أمامي ، وأتيت على قصر من ذهب ، فقلت : لمن هذا ؟ قالوا : لعمر . فقال بلال : ما أذنت قط إلا صليت ركعتين ، وما أصابني حدث إلا توضأت ، ورأيت أن لله علي ركعتين أركعهما ، فقال : بها

[ ص: 349 ] حماد بن سلمة : عن ثابت ، عن أنس مرفوعا : دخلت الجنة ، فسمعت خشفة ، فقلت : ما هذه ؟ قيل : بلال .

عمارة بن زاذان : عن ثابت ، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : السباق أربعة : أنا سابق العرب ، وسلمان سابق الفرس ، وبلال سابق الحبشة ، وصهيب سابق الروم .

المسعودي : عن القاسم بن عبد الرحمن ، قال : أول من أذن بلال .

ابن المنكدر : عن جابر ، قال عمر : أبو بكر سيدنا أعتق بلالا سيدنا .

عمر بن حمزة : عن سالم : أن شاعرا مدح بلال بن عبد الله بن عمر ، فقال :
وبلال عبد الله خير بلال
فقال ابن عمر : كذبت ، بل وبلال رسول الله خير بلال .

[ ص: 350 ] وفي حديث عمرو بن عبسة فقلت : من اتبعك ؟ قال : حر وعبد . فإذا معه أبو بكر وبلال .

وفي كنية بلال ثلاثة أقوال : أبو عبد الكريم ، وأبو عبد الله ، وأبو عمرو ، نقلها الحافظ أبو القاسم .

[ ص: 351 ] وقال : حدث عنه أبو بكر ، وعمر ، وأسامة بن زيد ، وابن عمر ، وكعب بن عجرة ، والصنابحي ، والأسود ، وأبو إدريس الخولاني ، وسعيد بن المسيب ، وابن أبي ليلى ، والحكم بن مينا ، وأبو عثمان النهدي .

قال أيوب بن سيار - أحد التلفى - عن محمد بن المنكدر ، عن جابر ، عن أبي بكر ، عن بلال ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أصبحوا بالصبح ; فإنه أعظم للأجر .

وقال محمد بن سعد : بلال بن عبد الله من مولدي السراة ، كانت أمه حمامة لبني جمح .

وقال البخاري : بلال أخو خالد وغفرة مؤذن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات بالشام ، وذكر الكنى الثلاثة . [ ص: 352 ]

قال عطاء الخراساني : كنت عند ابن المسيب فذكر بلالا ، فقال : كان شحيحا على دينه ، وكان يعذب في الله ، فلقي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : لو كان عندنا شيء ، ابتعنا بلالا ، فلقي أبو بكر العباس ، فقال اشتر لي بلالا ، فاشتراه العباس ، وبعث به إلى أبي بكر ، فأعتقه .

محمد بن خالد الطحان : أنبأنا أبي ، عن داود ، عن الشعبي قال : كان موالي بلال يضجعونه على بطنه ، ويعصرونه ، ويقولون : دينك اللات والعزى ، فيقول : ربي الله أحد أحد ، ولو أعلم كلمة أحفظ لكم منها لقلتها . فمر أبو بكر بهم ، فقالوا : اشتر أخاك في دينك ، فاشتراه بأربعين أوقية ، فأعتقه ، فقالوا : لو أبى إلا أوقية لبعناه ، فقال : وأقسم بالله لو أبيتم إلا بكذا وكذا - لشيء كثير - لاشتريته .

وفي السيرة أن أبا بكر اشتراه بعبد أسود مشرك من أمية بن خلف .

هشام بن عروة : عن أبيه قال : مر ورقة بن نوفل ببلال ، وهو يعذب على الإسلام ، يلصق ظهره بالرمضاء ، وهو يقول : أحد أحد ، فقال : يا بلال صبرا ، والذي نفسي بيده لئن قتلتموه لأتخذنه حنانا .

هذا مرسل . ولم يعش ورقة إلى ذلك الوقت .

هشام : عن ابن سيرين أن بلالا لما ظهر مواليه على إسلامه مطوه في [ ص: 353 ] الشمس ، وعذبوه ، وجعلوا يقولون : إلهك اللات والعزى ، وهو يقول : أحد أحد . فبلغ أبا بكر ، فأتاهم ، فقال : علام تقتلونه ؟ فإنه غير مطيعكم . قالوا : اشتره . فاشتراه بسبع أواق ، فأعتقه .

وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : الشركة يا أبا بكر . قال : قد أعتقته
.

ابن عيينة : عن إسماعيل ، عن قيس قال : اشترى أبو بكر بلالا وهو مدفون في الحجارة بخمس أواق ذهبا ، فقالوا : لو أبيت إلا أوقية لبعناكه ، قال : لو أبيتم إلا مائة أوقية لأخذته . إسناده قوي .

إسرائيل عن المقدام بن شريح ، عن أبيه ، عن سعد ، قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستة نفر ، فقال المشركون : اطرد هؤلاء عنك فلا يجترئون علينا ، وكنت أنا وابن مسعود وبلال ورجل من هذيل وآخران ، فأنزل الله ولا تطرد الذين يدعون ربهم الآيتين [ الأنعام : 52 ، 53 ] .

[ ص: 354 ] ابن علية : عن يونس ، عن الحسن قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بلال سابق الحبشة .

قالت عائشة : لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، وعك أبو بكر وبلال ، فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول :
كل امرئ مصبح في أهله والموت أدنى من شراك نعله
وكان بلال إذا أقلع عنه يرفع عقيرته ويقول :
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذخر وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل
اللهم العن عتبة ، وشيبة ، وأمية بن خلف ، كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء .

الحسن بن صالح : عن أبي ربيعة ، عن الحسن ، عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ ص: 355 ] اشتاقت الجنة إلى ثلاثة : علي ، وعمار ، وبلال .

أبو ربيعة عمر بن ربيعة الإيادي ضعيف .

حسام بن مصك عن قتادة ، عن القاسم بن ربيعة ، عن زيد بن أرقم يرفعه : نعم المرء بلال سيد المؤذنين يوم القيامة ، والمؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 08:49 PM

وله طرق أخر ضعيفة . ويروى بإسناد واه من مراسيل كثير بن مرة : " يؤتى بلال بناقة من نوق الجنة فيركبها " .

ابن المبارك ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : سادة السودان : لقمان والنجاشي وبلال ومهجع

[ ص: 356 ] رواه معاوية بن صالح ، عن الأوزاعي معضلا .

هشام بن عروة عن أبيه قال : أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا وقت الفتح ، فأذن فوق الكعبة .

وقال ابن سعد : حدثنا إسماعيل بن أبي أويس ، حدثنا عبد الرحمن بن سعد بن عمار المؤذن ، حدثني ابن عمي عبد الله بن محمد وعمار بن حفص ، وأخوه عمر ، عن آبائهم ، عن أجدادهم : أن النجاشي بعث بثلاث عنزات إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطى عليا واحدة ، وعمر واحدة ، وأمسك واحدة ، فكان بلال يمشي بها بين يديه في العيدين حتى يأتي المصلى ، فيركزها بين يديه ، فيصلي إليها ، ثم كان يمشي بها بين يدي أبي بكر ، ثم كان سعد القرظ يمشي بها بين يدي عمر وعثمان .

قالوا : ولما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء بلال يريد الجهاد إلى أبي بكر الصديق ، فقال له : يا خليفة رسول الله ، إني سمعت رسول الله وهو يقول : أفضل عمل المؤمن الجهاد في سبيل الله فقال أبو بكر : فما تشاء يا بلال ؟ قال : أردت أن أرابط في سبيل الله حتى أموت .

قال أبو بكر : أنشدك بالله يا بلال ، وحرمتي وحقي ، فقد كبرت وضعفت ، واقترب أجلي . فأقام معه حتى توفي .

ثم أتى عمر ، فرد عليه ، فأبى بلال ، [ ص: 357 ] فقال : إلى من ترى أن أجعل النداء ؟ قال : إلى سعد فقد أذن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم . فجعله عمر إلى سعد وعقبه .

حماد بن سلمة : عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، أن أبا بكر لما قعد على المنبر يوم الجمعة ، قال له بلال : أعتقتني لله أو لنفسك ؟ قال : لله . قال : فائذن لي في الغزو . فأذن له ، فذهب إلى الشام ، فمات ثم .

محمد بن نصر المروزي : حدثنا أحمد بن عبد الرحمن القرشي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، أخبرني سعيد بن عبد العزيز ، وابن جابر وغيرهما أن بلالا لم يؤذن لأحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأراد الجهاد ، فأراد أبو بكر منعه ، فقال : إن كنت أعتقتني لله ، فخل سبيلي . قال : فكان بالشام حتى قدم عمر الجابية ، فسأل المسلمون عمر أن يسأل لهم بلالا يؤذن لهم ، فسأله ، فأذن يوما ، فلم ير يوما كان أكثر باكيا من يومئذ ، ذكرا منهم للنبي - صلى الله عليه وسلم .

قال الوليد : فنحن نرى أن أذان أهل الشام عن أذانه يومئذ .

هشام بن سعد : عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال : قدمنا الشام مع عمر ، فأذن بلال ، فذكر الناس النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم أر يوما أكثر باكيا منه .

أبو أحمد الحاكم أنبأنا محمد بن الفيض بدمشق ، حدثنا أبو إسحاق [ ص: 358 ] إبراهيم بن محمد بن سليمان بن أبي الدرداء ، حدثني أبي عن جدي سليمان ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء قال : لما دخل عمر الشام ، سأل بلال أن يقره به ، ففعل ، قال : وأخي أبو رويحة الذي آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيني وبينه ، فنزل بداريا في خولان ، فأقبل هو وأخوه إلى قوم من خولان ، فقالوا : إنا قد أتيناكم خاطبين ، وقد كنا كافرين فهدانا الله ، ومملوكين فأعتقنا الله ، وفقيرين فأغنانا الله ، فإن تزوجونا فالحمد لله ، وإن تردونا فلا حول ولا قوة إلا بالله . فزوجوهما .

ثم إن بلالا رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في منامه وهو يقول : ما هذه الجفوة يا بلال ؟ أما آن لك أن تزورني ؟ فانتبه حزينا ، وركب راحلته ، وقصد المدينة ، فأتى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل يبكي عنده ، ويمرغ وجهه عليه ، فأقبل الحسن والحسين ، فجعل يضمهما ويقبلهما ، فقالا له : يا بلال ، نشتهي أن نسمع أذانك . ففعل ، وعلا السطح ، ووقف ، فلما أن قال : الله أكبر ، الله أكبر ارتجت المدينة ، فلما أن قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، ازداد رجتها ، فلما قال : أشهد أن محمدا رسول الله ، خرجت العواتق من خدورهن ، وقالوا : بعث رسول الله ، فما رئي يوم أكثر باكيا ولا باكية بالمدينة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك اليوم .

إسناده لين وهو منكر .

قتيبة : حدثنا الليث ، عن يحيى بن سعيد قال : ذكر عمر فضل أبي بكر ، [ ص: 359 ] فجعل يصف مناقبه ، ثم قال : وهذا سيدنا بلال حسنة من حسناته .

أبو هشام الرفاعي : حدثنا ابن فضيل ، حدثنا إسماعيل ، عن قيس ، قال : بلغ بلالا أن ناسا يفضلونه على أبي بكر ، فقال : كيف يفضلوني عليه وإنما أنا حسنة من حسناته .

الواقدي : حدثنا سعيد بن عبد العزيز ، عن مكحول قال : حدثني من رأى بلالا رجلا آدم ، شديد الأدمة ، نحيفا ، طوالا ، أجنأ ، له شعر كثير ، وخفيف العارضين ، به شمط كثير ، وكان لا يغير .

وقيل : كان بلال ترب أبي بكر .

قال سعيد بن عبد العزيز : لما احتضر بلال قال : غدا نلقى الأحبة محمدا وحزبه ، قال : تقول امرأته : واويلاه ! فقال : وافرحاه ! .

قال محمد بن إبراهيم التيمي ، وابن إسحاق ، وأبو عمر الضرير ، وجماعة : توفي بلال سنة عشرين بدمشق .

قال الواقدي : ودفن بباب الصغير وهو ابن بضع وستين سنة .

وقال علي بن عبد الله التميمي : دفن بباب كيسان .

وقال ابن زيد : حمل من داريا ، فدفن بباب كيسان . وقيل : مات سنة [ ص: 360 ] إحدى وعشرين .

وقال مروان بن محمد الطاطري : مات بلال في داريا ، وحمل فقبر في باب الصغير .

وقال عبد الجبار بن محمد في " تاريخ داريا " : سمعت جماعة من خولان يقولون : إن قبره بداريا بمقبرة خولان .

وأما عثمان بن خرزاذ فقال : حدثنا محمد بن أبي أسامة الحلبي ، حدثنا أبو سعد الأنصاري عن علي بن عبد الرحمن : قال مات بلال بحلب ، ودفن بباب الأربعين .

جاء عنه أربعة وأربعون حديثا ، منها في " الصحيحين " أربعة ، المتفق عليها واحد .

وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بحديث موقوف .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 08:52 PM

خالد بن الوليد ( خ ، م ، د ، س ، ق )

[ ص: 366 ]

ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن كعب .

سيف الله تعالى ، وفارس الإسلام ، وليث المشاهد ، السيد ، الإمام ، الأمير الكبير ، قائد المجاهدين ، أبو سليمان القرشي المخزومي المكي ، وابن أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث .

هاجر مسلما في صفر سنة ثمان ، ثم سار غازيا ، فشهد غزوة مؤتة ، واستشهد أمراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الثلاثة : مولاه زيد ، وابن عمه جعفر ذو الجناحين ، وابن رواحة ، وبقي الجيش بلا أمير ، فتأمر عليهم في الحال خالد ، وأخذ الراية ، وحمل على العدو ، فكان النصر . وسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - سيف الله ، فقال : إن خالدا سيف سله الله على المشركين .

وشهد الفتح وحنينا ، وتأمر في أيام النبي - صلى الله عليه وسلم - واحتبس أدراعه ولأمته في سبيل الله ، وحارب أهل الردة ، ومسيلمة ، وغزا العراق ، واستظهر ، ثم اخترق البرية السماوية بحيث إنه قطع المفازة من حد العراق إلى أول الشام في خمس ليال في عسكر معه ، وشهد حروب الشام ، ولم يبق في جسده قيد شبر إلا وعليه [ ص: 367 ] طابع الشهداء .

ومناقبه غزيرة ، أمره الصديق على سائر أمراء الأجناد ، وحاصر دمشق فافتتحها هو وأبو عبيدة .

عاش ستين سنة وقتل جماعة من الأبطال ، ومات على فراشه ، فلا قرت أعين الجبناء .

توفي بحمص سنة إحدى وعشرين ومشهده على باب حمص عليه جلالة . [ ص: 368 ]

حدث عنه ابن خالته عبد الله بن عباس ، وقيس بن أبي حازم ، والمقدام بن معدي كرب ، وجبير بن نفير ، وشقيق بن سلمة ، وآخرون . له أحاديث قليلة .

مسلم : من طريق ابن شهاب ، عن أبي أمامة بن سهل أن ابن عباس أخبره أن خالد بن الوليد الذي كان يقال له : سيف الله أخبره أنه دخل على خالته ميمونة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجد عندها ضبا محنوذا قدمت به أختها حفيدة بنت الحارث من نجد ، فقدمته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرفع يده ، فقال خالد : أحرام هو يا رسول الله ؟ قال : لا ، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه . فاجتررته فأكلته ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر ولم ينه .

هشام بن حسان : عن حفصة بنت سيرين ، عن أبي العالية : أن خالد بن الوليد قال : يا رسول الله ، إن كائدا من الجن يكيدني ، قال : قل : أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ذرأ في الأرض ، وما يخرج [ ص: 369 ] منها ، ومن شر ما يعرج في السماء وما ينزل منها ، ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن . ففعلت ، فأذهبه الله عني .

وعن حيان بن أبي جبلة ، عن عمرو بن العاص ، قال : ما عدل بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبخالد أحدا في حربه منذ أسلمنا .

يونس بن أبي إسحاق ، عن العيزار بن حريث أن خالد بن الوليد أتى على اللات والعزى فقال :
يا عز كفرانك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانك
وروى زكريا بن أبي زائدة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبد الرحمن السلمي أن خالدا قال مثله .

قال قتادة : مشى خالد إلى العزى ، فكسر أنفها بالفأس .

وروى سفيان بن حسين ، عن قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث خالدا إلى العزى ، وكانت لهوازن ، وسدنتها بنو سليم ، فقال : انطلق ، فإنه يخرج عليك امرأة [ ص: 370 ] شديدة السواد ، طويلة الشعر ، عظيمة الثديين ، قصيرة . فقالوا يحرضونها :
يا عز شدي شدة لا سواكها على خالد ألقي الخمار وشمري
فإنك إن لا تقتلي المرء خالدا تبوئي بذنب عاجل وتقصري
فشد عليها خالد ، فقتلها ، وقال : ذهبت العزى فلا عزى بعد اليوم
.

الزهري : عن عبد الرحمن بن أزهر : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين يتخلل الناس ، يسأل عن رحل خالد ، فدل عليه ، فنظر إلى جرحه ، وحسبت أنه نفث فيه .

وقال ابن عمر : بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - خالدا إلى بني جذيمة ، فقتل وأسر ، فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - يديه وقال : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد . مرتين .

الواقدي : عن رجل ، عن إياس بن سلمة عن أبيه قال : لما قدم خالد بعد صنيعه ببني جذيمة ، عاب عليه ابن عوف ما صنع ، وقال : أخذت بأمر الجاهلية ، قتلتهم بعمك الفاكه ، قاتلك الله .

[ ص: 371 ] قال : وأعابه عمر ، فقال خالد : أخذتهم بقتل أبيك ، فقال عبد الرحمن : كذبت ، لقد قتلت قاتل أبي بيدي ، ولو لم أقتله ، لكنت تقتل قوما مسلمين بأبي في الجاهلية ، قال : ومن أخبرك أنهم أسلموا ؟ فقال : أهل السرية كلهم . قال : جاءني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أغير عليهم ، فأغرت ، قال : كذبت على رسول الله ، وأعرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن خالد وغضب وقال : " يا خالد ، ذروا لي أصحابي متى ينكأ إلف المرء ينكأ المرء "
.

الواقدي : حدثنا يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة ، عن أهله ، عن أبي قتادة قال : لما نادى خالد في السحر : من كان معه أسير فليدافه ، أرسلت أسيري ، وقلت لخالد : اتق الله ، فإنك ميت ، وإن هؤلاء قوم مسلمون . قال : إنه لا علم لك بهؤلاء .

إسناده فيه الواقدي ، ولخالد اجتهاده ، ولذلك ما طالبه النبي - صلى الله عليه وسلم - بدياتهم .

الواقدي : حدثنا يوسف بن يعقوب بن عتبة ، عن عثمان الأخنسي ، عن عبد الملك بن أبي بكر ، قال : بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - خالدا إلى الحارث بن كعب أميرا وداعيا ، وخرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع ، فلما حلق رأسه ، أعطاه ناصيته ، فعملت في مقدمة قلنسوة خالد ، فكان لا يلقى عدوا إلا هزمه .

وأخبرني من غسله بحمص ، ونظر إلى ما تحت ثيابه ، قال : ما فيه مصح ما بين ضربة بسيف ، أو طعنة برمح ، أو رمية بسهم .

[ ص: 372 ] الوليد بن مسلم : حدثنا وحشي بن حرب ، عن أبيه ، عن جده وحشي : أن أبا بكر عقد لخالد على قتال أهل الردة وقال : إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سله الله على الكفار والمنافقين .

رواه أحمد في " مسنده " .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 08:58 PM

هشام بن عروة : عن أبيه قال : كان في بني سليم ردة ، فبعث أبو بكر إليهم خالد بن الوليد فجمع رجالا منهم في الحظائر ، ثم أحرقهم ، فقال عمر لأبي بكر : أتدع رجلا يعذب بعذاب الله ؟ قال : والله لا أشيم سيفا سله الله على عدوه . ثم أمره ، فمضى إلى مسيلمة .

ضمرة بن ربيعة : أخبرني السيباني عن أبي العجماء ، وإنما هو أبو العجفاء السلمي ، قال : قيل لعمر : لو عهدت يا أمير المؤمنين ، قال : لو أدركت أبا عبيدة ثم وليته ثم قدمت على ربي ، فقال لي : لم استخلفته ؟ لقلت : سمعت عبدك وخليلك يقول : لكل أمة أمين ، وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة . ولو أدركت خالد بن الوليد ثم وليته فقدمت على ربي لقلت : سمعت عبدك وخليلك يقول : خالد سيف من سيوف الله سله الله على المشركين . [ ص: 373 ]

رواه الشاشي في " مسنده " .

أحمد في " المسند " : حدثنا حسين الجعفي ، عن زائدة ، عن عبد الملك بن عمير ، قال : استعمل عمر أبا عبيدة على الشام وعزل خالدا ، فقال أبو عبيدة : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : خالد سيف من سيوف الله ، نعم فتى العشيرة .

حميد بن هلال : عن أنس : نعى النبي - صلى الله عليه وسلم - أمراء يوم مؤتة فقال : أصيبوا جميعا ثم أخذ الراية بعد سيف من سيوف الله خالد . وجعل يحدث الناس وعيناه تذرفان .

إسماعيل بن أبي خالد : عن قيس ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنما خالد سيف من سيوف الله صبه على الكفار . [ ص: 374 ]

أبو إسماعيل المؤدب : عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، عن ابن أبي أوفى ، مرفوعا بمعناه .

وجاء من طرق عن أبي هريرة نحوه .

أبو المسكين الطائي : حدثنا عمران بن زحر ، حدثني حميد بن منيب قال : قال جدي أوس ، لم يكن أحد أعدى للعرب من هرمز ، فلما فرغنا من مسيلمة أتينا ناحية البصرة ، فلقينا هرمز بكاظمة ، فبارزه خالد فقتله ، فنفله الصديق سلبه ، فبلغت قلنسوته مائة ألف درهم ، وكانت الفرس من عظم فيهم ، جعلت قلنسوته بمائة ألف .

قال أبو وائل : كتب خالد إلى الفرس : إن معي جندا يحبون القتل كما تحب فارس الخمر .

هشيم : حدثنا عبد الحميد بن جعفر ، عن أبيه ، أن خالد بن الوليد فقد قلنسوة له يوم اليرموك ، فقال : اطلبوها . فلم يجدوها ، ثم وجدت فإذا هي قلنسوة خلقة ، فقال خالد : اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحلق رأسه ، فابتدر الناس شعره ، فسبقتهم إلى ناصيته ، فجعلتها في هذه القلنسوة ، فلم أشهد قتالا وهي [ ص: 375 ] معي إلا رزقت النصر .

ابن وهب : عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن عبد الرحمن بن الحارث : أخبرني الثقة أن الناس يوم حلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابتدروا شعره ، فبدرهم خالد إلى ناصيته ، فجعلها في قلنسوته .

ابن أبي خالد : عن قيس ، سمعت خالدا يقول : لقد رأيتني يوم مؤتة اندق في يدي تسعة أسياف ، فصبرت في يدي صفيحة يمانية .

ابن عيينة : عن ابن أبي خالد ، عن مولى لآل خالد بن الوليد ، أن خالدا قال : ما من ليلة يهدى إلي فيها عروس أنا لها محب أحب إلي من ليلة شديدة البرد ، كثيرة الجليد في سرية أصبح فيها العدو .

يونس بن أبي إسحاق : عن العيزار بن حريث قال : قال خالد : ما أدري من أي يومي أفر : يوم أراد الله أن يهدي لي فيه شهادة ، أو يوم أراد الله أن يهدي لي فيه كرامة .

قال قيس بن أبي حازم : سمعت خالدا يقول : منعني الجهاد كثيرا من [ ص: 376 ] القراءة ورأيته أتي بسم ، فقالوا : ما هذا ؟ قالوا : سم . قال : باسم الله . وشربه . قلت : هذه والله الكرامة ، وهذه الشجاعة .

يونس بن أبي إسحاق : عن أبي السفر قال : نزل خالد بن الوليد الحيرة على أم بني المرازبة ، فقالوا : احذر السم لا تسقك الأعاجم ، فقال : ائتوني به ، فأتي به ، فاقتحمه وقال : باسم الله ، فلم يضره .

أبو بكر بن عياش : عن الأعمش ، عن خيثمة ، قال أتي خالد بن الوليد برجل معه زق خمر ، فقال : اللهم اجعله عسلا ، فصار عسلا .

رواه يحيى بن آدم ، عن أبي بكر ، وقال : خلا بدل العسل ، وهذا أشبه ، ويرويه عطاء بن السائب عن محارب بن دثار مرسلا .

ابن أبي خالد : عن قيس ، قال : طلق خالد بن الوليد امرأة ، فكلموه ، فقال : لم يصبها عندي مصيبة ، ولا بلاء ، ولا مرض ; فرابني ذلك منها .

المدائني ; عن ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، قال : قدم أبو قتادة على أبي بكر ، فأخبره بقتل مالك بن نويرة وأصحابه . فجزع ، [ ص: 377 ] وكتب إلى خالد ، فقدم عليه ، فقال أبو بكر : هل تزيدون على أن يكون تأول ، فأخطأ ؟ ثم رده ، وودى مالكا ، ورد السبي والمال .

وعن ابن إسحاق قال : دخل خالد على أبي بكر ، فأخبره واعتذر ، فعذره .

قال سيف في " الردة " : عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : شهد قوم من السرية أنهم أذنوا وأقاموا وصلوا ، ففعلوا مثل ذلك ، وشهد آخرون بنفي ذلك ، فقتلوا . وقدم أخوه متمم بن نويرة ينشد الصديق دمه ، ويطلب السبي ، فكتب إليه برد السبي ، وألح عليه عمر في أن يعزل خالدا ، وقال : إن في سيفه رهقا . فقال : لا يا عمر ، لم أكن لأشيم سيفا سله الله على الكافرين .

سيف : عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير وغيره أن خالدا بث السرايا ، فأتي بمالك ، فاختلف قول الناس فيهم وفي إسلامهم ، وجاءت أم تميم كاشفة وجهها ، فأكبت على مالك - وكانت أجمل الناس - فقال لها : إليك عني ; فقد والله قتلتني . فأمر بهم خالد ، فضربت أعناقهم . فقام أبو قتادة ، فناشده فيهم ، فلم يلتفت إليه ، فركب أبو قتادة فرسه ، ولحق بأبي بكر وحلف : لا أسير في جيش وهو تحت لواء خالد . وقال : ترك قولي ، وأخذ بشهادة الأعراب الذين فتنتهم الغنائم . [ ص: 378 ]

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 09:00 PM

ابن سعد : أنبأنا محمد بن عمر ، حدثني عتبة بن جبيرة ، عن عاصم بن عمر بن قتادة . قال : وحدثني محمد بن عبد الله ، عن الزهري ، وحدثنا أسامة بن زيد عن الزهري ، عن حنظلة بن علي الأسلمي في حديث الردة : فأوقع بهم خالد ، وقتل مالكا ، ثم أوقع بأهل بزاخة وحرقهم ، لكونه بلغه عنهم مقالة سيئة ، شتموا النبي - صلى الله عليه وسلم - ومضى إلى اليمامة ، فقتل مسيلمة ، إلى أن قال : وقدم خالد المدينة بالسبي ومعه سبعة عشر من وفد بني حنيفة ، فدخل المسجد وعليه قباء عليه صدأ الحديد ، متقلدا السيف ، في عمامته أسهم . فمر بعمر ، فلم يكلمه ، ودخل على أبي بكر ، فرأى منه كل ما يحب ، وعلم عمر ، فأمسك . وإنما وجد عمر عليه لقتله مالك بن نويرة ، وتزوج بامرأته .

جويرية بن أسماء : قال : كان خالد بن الوليد من أمد الناس بصرا ، فرأى راكبا وإذا هو قد قدم بموت الصديق وبعزل خالد .

قال ابن عون : ولي عمر ، فقال : لأنزعن خالدا حتى يعلم أن الله إنما ينصر دينه ، يعني بغير خالد .

وقال هشام بن عروة عن أبيه ، قال : لما استخلف عمر ، كتب إلى أبي عبيدة : إني قد استعملتك ، وعزلت خالدا .

وقال خليفة : ولى عمر أبا عبيدة على الشام ، فاستعمل يزيد على فلسطين ، وشرحبيل بن حسنة على الأردن ، وخالد بن الوليد على دمشق ، وحبيب بن مسلمة على حمص . [ ص: 379 ]

الزبير بن بكار : حدثني محمد بن مسلمة ، عن مالك ، قال : قال عمر لأبي بكر : اكتب إلى خالد : ألا يعطي شاة ولا بعيرا إلا بأمرك . فكتب أبو بكر بذلك ، قال : فكتب إليه خالد : إما أن تدعني وعملي ، وإلا فشأنك بعملك . فأشار عمر بعزله ، فقال : ومن يجزئ عنه ؟ قال عمر : أنا ، قال : فأنت .

قال مالك : قال زيد بن أسلم : فتجهز عمر حتى أنيخت الظهر في الدار ، وحضر الخروج ، فمشى جماعة إلى أبي بكر ، فقالوا : ما شأنك تخرج عمر من المدينة وأنت إليه محتاج ، وعزلت خالدا وقد كفاك ؟ قال : فما أصنع ؟ قالوا : تعزم على عمر ليجلس ، وتكتب إلى خالد ، فيقيم على عمله ، ففعل .

هشام بن سعد : عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال عمر لأبي بكر : تدع خالدا بالشام ينفق مال الله ؟ قال فلما توفي أبو بكر ، قال أسلم : سمعت عمر يقول : كذبت الله إن كنت أمرت أبا بكر بشيء لا أفعله ، فكتب إلى خالد . فكتب خالد إليه : لا حاجة لي بعملك . فولى أبا عبيدة .

الحارث بن يزيد : عن علي بن رباح ، عن ناشرة اليزني : سمعت عمر بالجابية ، واعتذر من عزل خالد ، قال : وأمرت أبا عبيدة . فقال أبو عمرو بن حفص بن المغيرة والله ما أعذرت ، نزعت عاملا استعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووضعت لواء رفعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إنك قريب القرابة ، حديث السن ، مغضب في ابن عمك . [ ص: 380 ]

ومن كتاب سيف عن رجاله قال : كان عمر لا يخفى عليه شيء من عمله ، وإن خالدا أجاز الأشعث بعشرة آلاف ، فدعا البريد ، وكتب إلى أبي عبيدة أن تقيم خالدا وتعقله بعمامته ، وتنزع قلنسوته حتى يعلمكم من أين أجاز الأشعث ؟ أمن مال الله أم من ماله ؟ فإن زعم أنه من إصابة أصابها ، فقد أقر بخيانة ، وإن زعم أنها من ماله ، فقد أسرف ، واعزله على كل حال ، واضمم إليك عمله . ففعل ذلك .

فقدم خالد على عمر فشكاه وقال : لقد شكوتك إلى المسلمين ، وبالله يا عمر إنك في أمري غير مجمل . فقال عمر : من أين هذا الثراء ؟ قال : من الأنفال والسهمان ، ما زاد على الستين ألفا فلك تقوم عروضه . قال : فخرجت عليه عشرون ألفا ، فأدخلها بيت المال ، ثم قال : يا خالد ، والله إنك لكريم علي وإنك لحبيب إلي ، ولن تعاتبني بعد اليوم على شيء .

وعن زيد بن أسلم عن أبيه : عزل عمر خالدا فلم يعلمه أبو عبيدة حتى علم من الغير . فقال : يرحمك الله ; ما دعاك إلى أن لا تعلمني ؟ قال : كرهت أن أروعك .

جويرية بن أسماء : عن نافع قال : قدم خالد من الشام وفي عمامته أسهم ملطخة بالدم ، فنهاه عمر .

الأصمعي : عن ابن عون ، عن ابن سيرين ، أن خالد بن الوليد دخل وعليه قميص حرير ، فقال عمر : ما هذا ؟ قال : وما بأسه ؟ قد لبسه ابن عوف . [ ص: 381 ] قال : وأنت مثله ؟ ! عزمت على من في البيت إلا أخذ كل واحد منه قطعة ، فمزقوه .

روى عاصم ابن بهدلة : عن أبي وائل أظن قال : لما حضرت خالدا الوفاة ، قال : لقد طلبت القتل مظانه فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي ، وما من عملي شيء أرجى عندي - بعد التوحيد - من ليلة بتها وأنا متترس ، والسماء تهلني ننتظر الصبح حتى نغير على الكفار . ثم قال : إذا مت ، فانظروا إلى سلاحي وفرسي ، فاجعلوه عدة في سبيل الله .

فلما توفي ، خرج عمر على جنازته ، فذكر قوله : ما على آل الوليد أن يسفحن على خالد من دموعهن ما لم يكن نقعا أو لقلقة .

النقع : التراب على الرءوس ، واللقلقة : الصراخ .

ويروى بإسناد ساقط أن عمر خرج في جنازة خالد بالمدينة وإذا أمه تندبه وتقول :
أنت خير من ألف ألف من القوم إذا ما كبت وجوه الرجال
فقال عمر : صدقت إن كان لكذلك . [ ص: 382 ]

الواقدي : حدثنا عمرو بن عبد الله بن عنبسة ، سمعت محمد بن عبد الله الديباج يقول : لم يزل خالد مع أبي عبيدة حتى توفي أبو عبيدة ، واستخلف عياض بن غنم . فلم يزل خالد مع عياض حتى مات ، فانعزل خالد إلى حمص ، فكان ثم ، وحبس خيلا وسلاحا ، فلم يزل مرابطا بحمص حتى نزل به ، فعاده أبو الدرداء ، فذكر له أن خيله التي حبست بالثغر تعلف من مالي ، وداري بالمدينة صدقة ، وقد كنت أشهدت عليها عمر . والله يا أبا الدرداء لئن مات عمر ، لترين أمورا تنكرها .

وروى إسحاق بن يحيى بن طلحة ، عن عمه موسى قال : خرجت مع أبي طلحة إلى مكة مع عمر ، فبينا نحن نحط عن رواحلنا إذ أتى الخبر بوفاة خالد ، فصاح عمر : يا أبا محمد ، يا طلحة هلك أبو سليمان ، هلك خالد بن الوليد . فقال طلحة :
لا أعرفنك بعد الموت تندبني وفي حياتي ما زودتني زادا
وعن أبي الزناد : أن خالد بن الوليد لما احتضر بكى وقال : لقيت كذا وكذا زحفا ، وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة بسيف ، أو رمية بسهم ، وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت العير فلا نامت أعين الجبناء .

قال مصعب بن عبد الله : لم يزل خالد بالشام حتى عزله عمر . وهلك بالشام ، وولي عمر وصيته . [ ص: 383 ]

وقال ابن أبي الزناد : مات بحمص سنة إحدى وعشرين وكان قدم قبل ذلك معتمرا ورجع .

الواقدي : حدثنا عمر بن عبد الله بن رياح ، عن خالد بن رياح ، سمع ثعلبة بن أبي مالك يقول : رأيت عمر بقباء ، وإذا حجاج من الشام ، قال : من القوم ؟ قالوا : من اليمن ممن نزل حمص ، ويوم رحلنا منها مات خالد بن الوليد . فاسترجع عمر مرارا ، ونكس ، وأكثر الترحم عليه ، وقال : كان - والله - سدادا لنحر العدو ، ميمون النقيبة . فقال له علي : فلم عزلته ؟ قال : عزلته لبذله المال لأهل الشرف وذوي اللسان ، قال : فكنت عزلته عن المال ، وتتركه على الجند ، قال : لم يكن ليرضى ، قال : فهلا بلوته ؟ .

وروى جويرية ، عن نافع ، قال : لما مات خالد لم يدع إلا فرسه وسلاحه وغلامه ، فقال عمر : رحم الله أبا سليمان ، كان على ما ظنناه به .

الأعمش : عن أبي وائل قال : اجتمع نسوة بني المغيرة في دار خالد يبكينه ، فقال عمر : ما عليهن أن يرقن من دموعهن ما لم يكن نقعا أو لقلقة .

قال محمد بن عبد الله بن نمير ، وإبراهيم بن المنذر ، وأبو عبيد : مات خالد بحمص سنة إحدى وعشرين .

وقال دحيم : مات بالمدينة . [ ص: 384 ]

قلت : الصحيح موته بحمص ، وله مشهد يزار . وله في " الصحيحين " حديثان ، وفي مسند بقي واحد وسبعون .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 09:04 PM

صفوان ابن بيضاء

[ ص: 384 ] وهي أمه ، اسمها دعد بنت جحدم الفهرية . وأبوه هو وهب بن ربيعة بن هلال بن مالك بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك .

أبو عمرو القرشي الفهري ، من المهاجرين ، شهد بدرا .

فروى الواقدي ، عن محرز بن جعفر عن جعفر بن عمرو قال : قتل صفوان بن بيضاء طعيمة بن عدي .

ثم قال الواقدي : هذه رواية . وقد روي لنا أن صفوان بن بيضاء لم يقتل يوم بدر ، وأنه شهد المشاهد ، وتوفي في رمضان سنة ثمان وثلاثين ولم يعقب .
سهيل ابن بيضاء الفهري

من المهاجرين ، يكنى أبا موسى ، هاجر الهجرتين إلى الحبشة ، في رواية ابن إسحاق والواقدي . [ ص: 385 ]

وعن عاصم بن عمر بن قتادة قال : لما هاجر سهيل وصفوان ابنا بيضاء من مكة نزلا على كلثوم بن الهدم .

قال ابن سعد : قالوا : وشهد سهيل بدرا وهو ابن أربع وثلاثين سنة ، وشهد أحدا . إلى أن قال : ومات بعد رجوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تبوك بالمدينة سنة تسع ولم يعقب .

قلت : وهو الذي صلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد .

ولهما أخ اسمه سهل ابن بيضاء الفهري ، وشهد بدرا وشهد أحدا .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 09:05 PM

المقداد بن عمرو

( ع )

صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحد السابقين الأولين وهو المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة القضاعي الكندي البهراني .

ويقال له : المقداد بن الأسود ; لأنه ربي في حجر الأسود بن عبد يغوث الزهري فتبناه ، [ ص: 386 ] وقيل : بل كان عبدا له أسود اللون فتبناه ، ويقال : بل أصاب دما في كندة ، فهرب إلى مكة ، وحالف الأسود .

شهد بدرا والمشاهد ، وثبت أنه كان يوم بدر فارسا ، واختلف يومئذ في الزبير .

له جماعة أحاديث .

حدث عنه علي ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وجبير بن نفير ، وابن أبي ليلى ، وهمام بن الحارث ، وعبيد الله بن عدي بن الخيار ، وجماعة .

وقيل : كان آدم طوالا ، ذا بطن ، أشعر الرأس ، أعين ، مقرون الحاجبين ، مهيبا . عاش نحوا من سبعين سنة .

مات في سنة ثلاث وثلاثين ، وصلى عليه عثمان بن عفان ، وقبره بالبقيع - رضي الله عنه .

حديثه في الستة ، له حديث في " الصحيحين " . وانفرد له مسلم بأربعة أحاديث . [ ص: 387 ]

أخبرنا إسحاق الأسدي : أنبأنا ابن خليل ، أنبأنا اللبان ، أنبأنا أبو علي الحداد ، أنبأنا أبو نعيم ، أنبأنا أحمد بن المسندي ، حدثنا موسى بن هارون ، حدثنا عباس بن الوليد ، حدثنا بشر بن المفضل ، حدثنا ابن عون ، عن عمير بن إسحاق ، عن المقداد بن الأسود قال : استعملني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على [ ص: 388 ] عمل ، فلما رجعت ، قال : كيف وجدت الإمارة ؟ قلت : يا رسول الله ، ما ظننت إلا أن الناس كلهم خول لي ، والله لا ألي على عمل ما دمت حيا .

بقية : حدثنا حريز بن عثمان ، حدثني عبد الرحمن بن ميسرة ، حدثني أبو راشد الحبراني قال : وافيت المقداد فارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحمص على تابوت من توابيت الصيارفة ، قد أفضل عليها من عظمه ، يريد الغزو ، فقلت له : قد أعذر الله إليك . فقال : أبت علينا سورة البحوث انفروا خفافا وثقالا [ التوبة : 41 ] .

يحيى الحماني : حدثنا ابن المبارك ، عن صفوان بن عمرو ، حدثنا عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه قال : جلسنا إلى المقداد يوما ، فمر به رجل ، فقال : طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والله لوددنا أنا رأينا ما رأيت ، فاستمعت ، فجعلت أعجب ، ما قال إلا خيرا ، ثم أقبل عليه ، فقال : ما يحمل أحدكم على أن يتمنى محضرا غيبه الله عنه ، لا يدري لو شهده كيف كان يكون فيه . والله لقد حضر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقوام كبهم الله على مناخرهم في جهنم ، لم يجيبوه ولم يصدقوه ، أولا تحمدون الله ، لا [ ص: 389 ] تعرفون إلا ربكم مصدقين بما جاء به نبيكم ، وقد كفيتم البلاء بغيركم ؟ والله لقد بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - على أشد حال بعث عليه نبي في فترة وجاهلية ، ما يرون دينا أفضل من عبادة الأوثان ، فجاء بفرقان حتى إن الرجل ليرى والده ، أو ولده ، أو أخاه كافرا ، وقد فتح الله قفل قلبه للإيمان ، ليعلم أنه قد هلك من دخل النار ، فلا تقر عينه وهو يعلم أن حميمه في النار ، وأنها للتي قال الله تعالى ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين [ الفرقان : 74 ] .

وفي " مسند أحمد " لبريدة : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عليكم بحب أربعة : علي ، وأبي ذر ، وسلمان ، والمقداد .

وعن كريمة بنت المقداد ، أن المقداد أوصى للحسن والحسين بستة وثلاثين ألفا ، ولأمهات المؤمنين لكل واحدة بسبعة آلاف درهم ، وقيل : إنه شرب دهن الخروع ، فمات .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 09:08 PM

أبي بن كعب

( ع )

ابن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار . [ ص: 390 ]

سيد القراء أبو منذر الأنصاري النجاري المدني المقرئ البدري ويكنى أيضا أبا الطفيل .

شهد العقبة وبدرا ، وجمع القرآن في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وعرض على النبي - عليه السلام - وحفظ عنه علما مباركا ، وكان رأسا في العلم والعمل - رضي الله عنه .

حدث عنه بنوه محمد ، والطفيل ، وعبد الله ، وأنس بن مالك ، وابن عباس ، وسويد بن غفلة ، وزر بن حبيش ، وأبو العالية الرياحي وأبو عثمان النهدي ، وسليمان بن صرد ، وسهل بن سعد ، وأبو إدريس الخولاني ، وعبد الله بن الحارث بن نوفل ، وعبد الرحمن بن أبزى ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وعبيد بن عمير ، وعتي السعدي ، وابن الحوتكية ، وسعيد بن المسيب ، وكأنه مرسل ، وآخرون .

فعن عيسى بن طلحة بن عبيد الله قال : كان أبي رجلا دحداحا ، يعني ربعة ، ليس بالطويل ولا بالقصير .

وعن ابن عباس بن سهل ، قال : كان أبي أبيض الرأس واللحية .

وقال أنس : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بن كعب : إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن . وفي لفظ : أمرني أن أقرئك القرآن . قال : الله سماني لك ؟ قال : نعم . قال : وذكرت عند رب العالمين ؟ قال : نعم . فذرفت عيناه [ ص: 391 ]

ولما سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أبيا عن أي آية في القرآن أعظم ، فقال أبي الله لا إله إلا هو الحي القيوم . ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - في صدره وقال : ليهنك العلم أبا المنذر .

قال أنس بن مالك : جمع القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة كلهم من الأنصار : أبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد أحد عمومتي .

وقال ابن عباس : قال أبي لعمر بن الخطاب : إني تلقيت القرآن ممن تلقاه من جبريل - عليه السلام - وهو رطب .

وقال ابن عباس : قال عمر : أقضانا علي ، وأقرؤنا أبي ، وإنا لندع من قراءة أبي ، وهو يقول : لا أدع شيئا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد قال الله تعالى : ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها [ البقرة : 106 ] . [ ص: 392 ]

وروى أبو قلابة ، عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أقرأ أمتي أبي .

وعن أبي سعيد قال : قال أبي : يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما جزاء الحمى ؟ قال : تجري الحسنات على صاحبها . فقال : اللهم إني أسألك حمى لا تمنعني خروجا في سبيلك . فلم يمس أبي قط إلا وبه الحمى .

قلت : ملازمة الحمى له حرفت خلقه يسيرا ، ومن ثم يقول زر بن حبيش : كان أبي فيه شراسة .

قال أبو نضرة العبدي : قال رجل منا يقال له جابر أو جويبر طلبت حاجة إلى عمر وإلى جنبه رجل أبيض الثياب والشعر ، فقال : إن الدنيا فيها بلاغنا ، وزادنا إلى الآخرة ، وفيها أعمالنا التي نجزى بها في الآخرة . فقلت : من هذا يا أمير المؤمنين ؟ قال : هذا سيد المسلمين أبي بن كعب .

قال مغيرة بن مسلم ، عن الربيع ، عن أنس ، عن أبي العالية قال : قال رجل لأبي بن كعب : أوصني ، قال : اتخذ كتاب الله إماما ، وارض به قاضيا وحكما ، [ ص: 393 ] فإنه الذي استخلف فيكم رسولكم ، شفيع ، مطاع ، وشاهد لا يتهم ، فيه ذكركم وذكر من قبلكم ، وحكم ما بينكم ، وخبركم وخبر ما بعدكم .

الثوري ، وأبو جعفر الرازي ، واللفظ له : عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم . قال : هن أربع ، كلهن عذاب ، وكلهن واقع لا محالة ، فمضت اثنتان بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخمس وعشرين سنة ، فألبسوا شيعا ، وذاق بعضهم بأس بعض ، وبقي ثنتان واقعتان لا محالة : الخسف والرجم .

أخبرنا إسحاق الأسدي ، أنبأنا يوسف الحافظ ، أنبأنا أحمد بن محمد ، أنبأنا أبو علي المقرئ : أنبأنا أبو نعيم ، حدثنا محمد بن إسحاق بن أيوب ، حدثنا إبراهيم بن سعدان ، حدثنا بكر بن بكار ، حدثنا عبد الحميد بن جعفر ، حدثني أبي ، عن سليمان بن يسار ، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال : كنت واقفا مع أبي بن كعب في ظل أطم حسان ، والسوق سوق الفاكهة اليوم ، فقال أبي : ألا ترى الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا ؟ قلت بلى ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : يوشك أن يحسر الفرات عن جبل من ذهب ، فإذا سمع به الناس ، وساروا إليه ، فيقول من عنده : لئن تركنا الناس يأخذون منه لا يدعون منه شيئا ، فيقتل الناس من كل مائة تسعة وتسعون . [ ص: 394 ]

أخرجه مسلم من طريق عبد الحميد ، وله إسناد آخر وهو الزبيدي ، عن الزهري ، عن إسحاق مولى المغيرة عن أبي .

أبو صالح الكاتب : حدثنا موسى بن علي ، عن أبيه أن عمر خطب بالجابية ، فقال : من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبي بن كعب ، ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيدا ، ومن أراد أن يسأل عن الفقه فليأت معاذا ، ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني ; فإن الله جعلني خازنا وقاسما .

ورواه الواقدي عن موسى أيضا .

أبو بكر بن عياش : عن عاصم عن زر قال : أتيت المدينة ، فأتيت أبيا فقلت : يرحمك الله ، اخفض لي جناحك - وكان امرءا فيه شراسة - فسألته عن ليلة القدر ، فقال : ليلة سبع وعشرين .

سفيان الثوري : عن أسلم المنقري ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه قال : قال أبي بن كعب : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أمرت أن أقرأ عليك القرآن . قلت : يا رسول الله ، وسميت لك ؟ قال : نعم . قلت لأبي : فرحت بذلك ؟ قال : وما يمنعني وهو تعالى يقول : قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا . [ ص: 395 ]

تابعه الأجلح ، عن عبد الله ، عن أبيه .

محمد بن عيسى بن الطباع : حدثنا معاذ بن محمد بن محمد بن أبي بن كعب ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبي ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا أبا المنذر ، إني أمرت أن أعرض عليك القرآن . فقلت : بالله آمنت ، وعلى يدك أسلمت ، ومنك تعلمت . فرد القول ، فقلت : يا رسول الله ، وذكرت هناك ؟ قال : نعم باسمك ونسبك في الملأ الأعلى . قلت : اقرأ إذن يا رسول الله .

وقد رواه أبو حاتم الرازي ، عن ابن الطباع ، فقال : حدثنا معاذ بن محمد بن معاذ بن أبي .

سفيان عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن مسروق ، عن عبد الله بن عمرو مرفوعا : استقرئوا القرآن من أربعة : من ابن مسعود ، وأبي ، ومعاذ ، وسالم مولى أبي حذيفة .

وأخرج أبو داود من حديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة ، فلبس عليه ، فلما انصرف ، قال لأبي : أصليت معنا ؟ قال : نعم . قال : فما منعك . [ ص: 396 ]



أرب جمـال 8 - 2 - 2010 09:09 PM



شعبة : عن أبي جمرة حدثنا إياس بن قتادة ، عن قيس بن عباد ، قال : أتيت المدينة للقاء أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن فيهم رجل ألقاه أحب إلي من أبي ، فأقيمت الصلاة ، وخرج فقمت في الصف الأول ، فجاء رجل فنظر في وجوه القوم ، فعرفهم غيري ، فنحاني ، وقام في مقامي ، فما عقلت صلاتي ، فلما صلى قال : يا بني ، لا يسوءك الله ; فإني لم آت الذي أتيت بجهالة ، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لنا : كونوا في الصف الذي يليني وإني نظرت في وجوه القوم ، فعرفتهم غيرك ، وإذا هو أبي - رضي الله عنه .

الدارمي حدثنا يحيى بن حسان ، حدثنا عكرمة بن إبراهيم ، أخبرنا يزيد بن شداد ، حدثني معاوية بن قرة ، حدثني عتبة بن عبد الله بن عمرو بن العاص ، حدثني أبي ، عن جدي قال : كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم عيد ، فقال : ادعوا لي سيد الأنصار . فدعوا أبي بن كعب ، فقال : يا أبي ، ائت بقيع المصلى ، فأمر بكنسه الحديث . [ ص: 397 ]

الوليد بن مسلم : حدثنا عبد الله بن العلاء ، عن عطية بن قيس ، عن أبي إدريس الخولاني : أن أبا الدرداء ركب إلى المدينة في نفر من أهل دمشق ، فقرءوا يوما على عمر : إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ولو حميتم كما حموا ، لفسد المسجد الحرام .

فقال عمر : من أقرأكم هذا ؟ قالوا : أبي بن كعب . فدعا به ، فلما أتى قال : اقرءوا . فقرءوا كذلك . فقال أبي : والله يا عمر إنك لتعلم أني كنت أحضر ويغيبون ، وأدنى ويحجبون ، ويصنع بي ويصنع بي ، ووالله لئن أحببت ، لألزمن بيتي ، فلا أحدث شيئا ، ولا أقرئ أحدا حتى أموت . فقال عمر : اللهم غفرا ! إنا لنعلم أن الله قد جعل عندك علما فعلم الناس ما علمت .

ابن عيينة : عن عمرو ، عن بجالة أو غيره قال : مر عمر بن الخطاب بغلام يقرأ في المصحف النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم . فقال : يا غلام حكها . قال : هذا مصحف أبي . فذهب إليه فسأله فقال : إنه كان يلهيني القرآن ، ويلهيك الصفق بالأسواق .

عوف : عن الحسن : حدثني عتي بن ضمرة قال : رأيت أهل المدينة [ ص: 398 ] يموجون في سككهم . فقلت : ما شأن هؤلاء ؟ فقال بعضهم : ما أنت من أهل البلد ؟ قلت : لا . قال : فإنه قد مات اليوم سيد المسلمين ، أبي بن كعب .

أيوب : عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب ، عن أبي قال : إنا لنقرأه في ثمان ليال - يعني القرآن .

سلام بن مسكين : حدثنا عمران بن عبد الله ، قال أبي بن كعب لعمر بن الخطاب : مالك لا تستعملني ؟ قال : أكره أن يدنس دينك .

الأعمش : عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال عمر : اخرجوا بنا إلى أرض قومنا . فكنت في مؤخر الناس مع أبي بن كعب . فهاجت سحابة ، فقال : اللهم اصرف عنا أذاها ، قال : فلحقناهم وقد ابتلت رحالهم ، فقال عمر : ما أصابكم الذي أصابنا ، قلت : إن أبا المنذر قال : اللهم اصرف عنا أذاها ، قال : فهلا دعوتم لنا معكم .

قال معمر : عامة علم ابن عباس من ثلاثة : عمر ، وعلي ، وأبي .

قال مسروق : سألت أبيا عن شيء ، فقال : أكان بعد ؟ قلت : لا . قال : [ ص: 399 ] فاحمنا حتى يكون ، فإذا كان ، اجتهدنا لك رأينا .

الجريري : عن أبي نضرة ، قال : قال رجل منا يقال له : جابر أو جويبر ، قال : أتيت عمر وقد أعطيت منطقا فأخذت في الدنيا ، فصغرتها ، فتركتها لا تسوى شيئا ، وإلى جنبه رجل أبيض الرأس واللحية والثياب ، فقال : كل قولك مقارب إلا وقوعك في الدنيا ، هل تدري ما الدنيا ؟ فيها بلاغنا - أو قال : زادنا - إلى الآخرة ، وفيها أعمالنا التي نجزى بها . قلت : من هذا يا أمير المؤمنين؟ قال : هذا سيد المسلمين أبي بن كعب .

أصرم بن حوشب : عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية قال : كان أبي صاحب عبادة ، فلما احتاج الناس إليه ، ترك العبادة وجلس للقوم .

عوف : عن الحسن ، عن عتي بن ضمرة ، قلت لأبي بن كعب : ما شأنكم يا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نأتيكم من الغربة نرجو عندكم الخير فتهاونون بنا ؟ قال : والله لئن عشت إلى هذه الجمعة لأقولن قولا لا أبالي استحييتموني أو قتلتموني .

فلما كان يوم الجمعة ، خرجت ، فإذا أهل المدينة يموجون في سككها ، فقلت : ما الخبر ؟ قالوا : مات سيد المسلمين أبي بن كعب .

قد ذكرت أخبار أبي بن كعب في " طبقات القراء " ، وأن ابن عباس وأبا العالية ، وعبد الله بن السائب قرءوا عليه ، وأن عبد الله بن عياش المخزومي قرأ [ ص: 400 ] عليه أيضا ، وكان عمر يجل أبيا ، ويتأدب معه ، ويتحاكم إليه .

قال محمد بن عمر الواقدي : تدل أحاديث على وفاة أبي بن كعب في خلافة عمر . ورأيت أهله وغيرهم يقولون : مات في سنة اثنتين وعشرين بالمدينة ، وأن عمر قال : اليوم مات سيد المسلمين .

قال : وقد سمعنا من يقول : مات في خلافة عثمان سنة ثلاثين قال : وهو أثبت الأقاويل عندنا ، وذلك أن عثمان أمره أن يجمع القرآن .

وقال محمد بن سعد : حدثنا عارم ، حدثنا حماد ، عن أيوب ، عن ابن سيرين : أن عثمان جمع اثني عشر رجلا من قريش والأنصار فيهم أبي بن كعب ، وزيد بن ثابت في جمع القرآن .

قلت : هذا إسناد قوي ، لكنه مرسل . وما أحسب أن عثمان ندب للمصحف أبيا ، ولو كان كذلك لاشتهر ، ولكان الذكر لأبي لا لزيد ، والظاهر وفاة أبي في زمن عمر ، حتى إن الهيثم بن عدي وغيره ذكرا موته سنة تسع عشرة .

وقال محمد بن عبد الله بن نمير ، وأبو عبيد ، وأبو عمر الضرير : مات سنة اثنتين وعشرين فالنفس إلى هذا أميل ، وأما خليفة بن خياط ، وأبو حفص الفلاس فقالا : مات في خلافة عثمان . وقال خليفة مرة : مات سنة اثنتين وثلاثين .

وفي سنن أبي داود : يونس بن عبيد ، عن الحسن أن عمر بن الخطاب جمع الناس على أبي بن كعب في قيام رمضان ، فكان يصلي بهم عشرين ركعة . [ ص: 401 ] وقد كان أبي التقط صرة فيها مائة دينار ، فعرفها حولا وتملكها ، وذلك في " الصحيحين " . [ ص: 402 ]

وروى عنه ابن عباس قصة موسى والخضر وذلك في " الصحيحين " أيضا .

ولأبي في الكتب الستة نيف وستون حديثا .

وأنبأني بنسبه الحافظ أبو محمد النوني ، وقال مالك بن النجار : هو أخو عدي ودينار ومازن ، واسم النجار والدهم تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج . قال : وأبي بن كعب هو ابن عمة أبي طلحة الأنصاري .

وكان أبي نحيفا ، قصيرا ، أبيض الرأس واللحية .

قال الواقدي : رأيت أهله وغير واحد يقولون : مات في سنة اثنتين وعشرين بالمدينة . وقد سمعت من يقول : مات : في خلافة عثمان سنة ثلاثين وهو أثبت الأقاويل عندنا . قال : لأن عثمان أمره أن يجمع القرآن .

روى حماد بن زيد : عن أيوب وهشام ، عن ابن سيرين : أن عثمان جمع اثني عشر رجلا من قريش والأنصار فيهم أبي وزيد بن ثابت في جمع القرآن .

له عند بقي بن مخلد مائة وأربعة وستون حديثا ، منها في البخاري ومسلم ثلاثة أحاديث ، وانفرد البخاري بثلاثه ، ومسلم بسبعة .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 09:16 PM

النعمان بن مقرن

[ ص: 403 ]

هو النعمان بن عمرو بن مقرن بن عائذ بن ميجا بن هجير بن نصر بن حبشية بن كعب بن ثور بن هدمة بن لاطم بن عثمان بن مزينة .

أبو عمرو المزني الأمير ، أول مشاهده الأحزاب ، وشهد بيعة الرضوان ، ونزل الكوفة ، ولي كسكر لعمر ، ثم صرفه ، وبعثه على المسلمين يوم وقعة نهاوند ، فكان يومئذ أول شهيد .

أخبرنا سنقر الحلبي بها : أنبأنا عبد اللطيف اللغوي ، أنبأنا عبد الحق اليوسفي ، أنبأنا علي بن محمد ، أنبأنا أبو الحسن الحمامي ، أنبأنا ابن قانع ، حدثنا الحسن بن علي بن كامل ، حدثنا عفان حدثنا حماد ، عن أبي عمران الجوني ، عن علقمة بن عبد الله المزني ، عن معقل بن يسار ، عن النعمان بن مقرن أنه قال : شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يقاتل أول النهار ، انتظر حتى تزول الشمس . صححه الترمذي . وروي نحوه عن [ ص: 404 ] زياد بن جبير ، عن أبيه عن النعمان . شعبة : أخبرني إياس بن معاوية قال لي ابن المسيب : ممن أنت ؟ قلت : من مزينة ، قال : إني لأذكر يوم نعى عمر النعمان بن مقرن على المنبر . قال الواقدي : وكانت نهاوند في سنة إحدى وعشرين . قلت : حفظ سعيد ذلك ، وله سبع سنين .

وللنعمان إخوة : سويد أبو عدي ، وسنان ممن شهد الخندق ، ومعقل والد عبد الله المحدث ، وعقيل أبو حكيم ، وعبد الرحمن . وروي عن مجاهد قال : البكاءون بنو مقرن سبعة . قال الواقدي : سمعت أنهم شهدوا الخندق . وقيل : كنية النعمان أبو حكيم . وكان إليه لواء مزينة يوم الفتح . يروي عنه ولده معاوية ، ومسلم بن هيصم ، وجماعة .

قال ابن إسحاق : قتل وهو أمير الناس سنة إحدى وعشرين .

شعبة : عن علي بن زيد ، عن أبي عثمان قال : أتيت عمر بنعي النعمان بن مقرن ، فوضع يده على وجهه يبكي . [ ص: 405 ] أبو عمران الجوني ، عن علقمة بن عبد الله المزني ، عن معقل بن يسار : أن عمر شاور الهرمزان في أصبهان وفارس وأذربيجان فقال : أصبهان الرأس ، وفارس وأذربيجان الجناحان ، فإذا قطعت جناحا فاء الرأس وجناح وإن قطعت الرأس ، وقع الجناحان .

فقال عمر للنعمان بن مقرن : إني مستعملك . فقال : أما جابيا فلا ، وأما غازيا فنعم . قال : فإنك غاز . فسرحه ، وبعث إلى أهل الكوفة ليمدوه وفيهم حذيفة ، والزبير ، والمغيرة ، والأشعث ، وعمرو بن معدي كرب . فذكر الحديث بطوله . وهو في " مستدرك الحاكم " وفيه : فقال : اللهم ارزق النعمان الشهادة بنصر المسلمين ، وافتح عليهم . فأمنوا ، وهز لواءه ثلاثا . ثم حمل ، فكان أول صريع - رضي الله عنه .

ووقع ذو الحاجبين من بغلته الشهباء ، فانشق بطنه ، وفتح الله ، ثم أتيت النعمان وبه رمق ، فأتيته بماء ، فصببت على وجهه أغسل التراب ، فقال : من ذا ؟ قلت : معقل . قال : ما فعل الناس ؟ قلت : فتح الله . فقال : الحمد لله . اكتبوا إلى عمر بذلك ، وفاضت نفسه - رضي الله عنه .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 09:21 PM

عمار بن ياسر

( ع )

[ ص: 406 ] ابن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الوذيم ، وقيل بين قيس والوذيم حصين بن الوذيم بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر الأكبر بن يام بن عنس ، وعنس : هو زيد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان . وبنو مالك بن أدد من مذحج .

قرأت هذا النسب على شيخنا الدمياطي ، ونقلته من خطه ، قال : قرأته على يحيى بن قميرة ، عن شهدة ، عن ابن طلحة ، عن أبي عمر بن مهدي ، عن محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة ، حدثنا جدي ، فذكره وفيه قيس بن الحصين بن الوذيم ، ولم يشك . وعنس نقطه بنون . الإمام الكبير أبو اليقظان العنسي المكي مولى بني مخزوم ، أحد السابقين الأولين ، والأعيان البدريين .

وأمه هي سمية مولاة بني مخزوم ، من كبار الصحابيات أيضا . ‎‎

[ ص: 407 ] له عدة أحاديث : ففي مسند بقي له اثنان وستون حديثا ، ومنها في " الصحيحين " خمسة .

روى عنه علي ، وابن عباس ، وأبو موسى الأشعري ، وأبو أمامة الباهلي ، وجابر بن عبد الله ، ومحمد بن الحنفية ، وعلقمة ، وزر ، وأبو وائل ، وهمام بن الحارث ، ونعيم بن حنظلة ، وعبد الرحمن بن أبزى ، وناجية بن كعب ، وأبو لاس الخزاعي ، وعبد الله بن سلمة المرادي ، وابن الحوتكية ، وثروان بن ملحان ، ويحيى بن جعدة ، والسائب والد عطاء ، وقيس بن عباد ، وصلة بن زفر ، ومخارق بن سليم ، وعامر بن سعد بن أبي وقاص ، وأبو البختري ، وعدة .

قال ابن سعد : قدم والد عمار ياسر بن عامر وأخواه الحارث ومالك من اليمن إلى مكة يطلبون أخا لهم ، فرجع أخواه ، وأقام ياسر وحالف أبا حذيفة‎ بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، فزوجه أمة له اسمها سمية بنت خباط فولدت له عمارا ، فأعتقه أبو حذيفة ، ثم مات أبو حذيفة ، فلما جاء الله بالإسلام ، أسلم عمار وأبواه وأخوه عبد الله ، وتزوج بسمية بعد ياسر الأزرق الرومي غلام الحارث بن كلدة الثقفي وله صحبة ، وهو والد سلمة بن الأزرق . ويقال : إن لعمار من الرواية بضعة وعشرين حديثا . ويروى عن عمار قال : كنت تربا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسنه . [ ص: 408 ] وروى عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة قال : رأيت عمارا يوم صفين شيخا آدم ، طوالا ، وإن الحربة في يده لترعد ، فقال : والذي نفسي بيده ، لقد قاتلت بها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات وهذه الرابعة ، ولو قاتلونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر ، لعرفت أننا على الحق ، وأنهم على الباطل .

وعن الواقدي : عن عبد الله بن أبي عبيدة ، عن أبيه عن لؤلؤة مولاة أم الحكم بنت عمار أنها وصفت لهم عمارا : آدم ، طوالا ، مضطربا ، أشهل العين ، بعيد ما بين المنكبين ، لا يغير شيبه .

وعن كليب بن منفعة ، عن أبيه قال : رأيت عمارا بالكناسة أسود جعدا وهو يقرأ .

رواه الحاكم في " المستدرك " .

وقال عروة : عمار من حلفاء بني مخزوم .

وروى الواقدي عن بعض بني عمار أن عمارا وصهيبا أسلما معا بعد بضعة وثلاثين رجلا . وهذا منقطع .

زائدة : عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله قال : أول من أظهر إسلامه [ ص: 409 ] سبعة : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر ، وعمار ، وأمه سمية ، وصهيب ، وبلال ، والمقداد .

فأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمنعه الله بعمه ، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه ، وأما سائرهم فألبسهم المشركون أدراع الحديد ، وصفدوهم في الشمس ، وما فيهم أحد إلا وقد واتاهم على ما أرادوا إلا بلال ; فإنه هانت عليه نفسه في الله ، وهان على قومه ، فأعطوه الولدان يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول : أحد أحد .

وروى منصور : عن مجاهد : أول من أظهر إسلامه سبعة ، فذكرهم ، زاد فجاء أبو جهل يشتم سمية ، وجعل يطعن بحربته في قبلها حتى قتلها ، فكانت أول شهيدة في الإسلام . وعن عمر بن الحكم : قال : كان عمار يعذب حتى لا يدري ما يقول ، وكذا صهيب وفيهم نزلت : والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا [ النحل : 41 ] . منصور بن أبي الأسود : عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن عثمان قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : صبرا آل ياسر ; فإن موعدكم الجنة .

[ ص: 410 ] قيل : لم يسلم أبوا أحد من السابقين المهاجرين سوى عمار وأبي بكر . مسلم بن إبراهيم والتبوذكي : عن القاسم بن الفضل ، حدثنا عمرو بن مرة ، عن سالم بن أبي الجعد قال : دعا عثمان نفرا منهم عمار ، فقال عثمان : أما إني سأحدثكم حديثا عن عمار : أقبلت أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - في البطحاء حتى أتينا على عمار وأمه وأبيه وهم يعذبون ، فقال ياسر للنبي - صلى الله عليه وسلم - : الدهر هكذا . فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : اصبر . ثم قال : اللهم اغفر لآل ياسر وقد فعلت .

هذا مرسل ، ورواه جعثم بن سليمان ، عن القاسم الحداني ، عن عمرو بن مرة ، فقال : عن أبي البختري بدل سالم ، عن سلمان بدل عثمان . وله إسناد آخر لين وآخر غريب .

وروى أبو بلج عن عمرو بن ميمون قال : عذب المشركون عمارا بالنار . فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمر به ، فيمر يده على رأسه ، ويقول : يا نار كوني بردا وسلاما على عمار كما كنت على إبراهيم . تقتلك الفئة الباغية [ ص: 411 ] ابن عون : عن محمد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقي عمارا وهو يبكي فجعل يمسح عن عينيه ، ويقول : أخذك الكفار ، فغطوك في النار ، فقلت كذا وكذا ، فإن عادوا فقل لهم ذلك .

روى عبد الكريم الجزري : عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال : أخذ المشركون عمارا ، فلم يتركوه حتى نال من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر آلهتهم بخير ، فلما أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ما وراءك ؟ قال : شر يا رسول الله . والله ما تركت حتى نلت منك ، وذكرت آلهتهم بخير . قال : فكيف تجد قلبك ؟ قال : مطمئن بالإيمان . قال : فإن عادوا فعد . ورواه الجزري مرة عن أبي عبيدة ، فقال : عن أبيه . وعن قتادة إلا من أكره نزلت في عمار . المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن : أول من بنى مسجدا يصلى فيه عمار . [ ص: 412 ] أبو إسحاق : عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : اشتركت أنا وعمار وسعد يوم بدر فيما نأتي به ، فلم أجئ أنا ولا عمار بشيء ، وجاء سعد برجلين .

جرير بن حازم : عن الحسن ، عن عمار قال : قاتلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجن والإنس ، قيل : وكيف ؟ قال : كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلنا منزلا ، فأخذت قربتي ودلوي لأستقي ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أما إنه سيأتيك على الماء آت يمنعك منه فلما كنت على رأس البئر إذا برجل أسود كأنه مرس ، فقال : والله لا تستقي اليوم منها ، فأخذني وأخذته فصرعته ، ثم أخذت حجرا فكسرت وجهه وأنفه ، ثم ملأت قربتي وأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : هل أتاك على الماء أحد ؟ قلت : نعم فقصصت عليه القصة ، فقال : أتدري من هو ؟ قلت : لا . قال : ذاك الشيطان . فطر بن خليفة : عن كثير النواء ، سمعت عبد الله بن مليل سمعت عليا يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لم يكن نبي قط إلا وقد أعطي سبعة رفقاء نجباء وزراء ، وإني أعطيت أربعة عشر : حمزة ، وأبو بكر ، وعمر ، وعلي ، وجعفر ، وحسن ، وحسين ، وابن مسعود ، وأبو ذر ، والمقداد ، وحذيفة ، وعمار ، [ ص: 413 ] وبلال ، وسلمان . تابعه جعفر الأحمر عن كثير . الحسن بن صالح : عن أبي ربيعة ، عن الحسن عن أنس ، مرفوعا ، قال : ثلاثة تشتاق إليهم الجنة : علي ، وسلمان ، وعمار .

أبو إسحاق : عن هانئ بن هانئ ، عن علي قال : استأذن عمار على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : من هذا ؟ قال : عمار . قال : مرحبا بالطيب المطيب أخرجه الترمذي .

وروى عثام بن علي : عن الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ قال : كنا جلوسا عند علي ، فدخل عمار ، فقال : مرحبا بالطيب المطيب ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن عمارا ملئ إيمانا إلى مشاشه . سفيان : عن الأعمش ، عن أبي عمار الهمداني ، عن عمرو بن شرحبيل قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عمار ملئ إيمانا إلى مشاشه . [ ص: 414 ] عمرو بن مرة : عن أبي البختري : سئل علي عن عمار ، فقال : نسي وإن ذكرته ذكر ، قد دخل الإيمان في سمعه وبصره ، وذكر ما شاء الله من جسده . جماعة : عن الثوري ، عن عبد الملك بن عمير ، عن مولى لربعي ، عن ربعي ، عن حذيفة ، مرفوعا : اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر وعمر ، واهتدوا بهدي عمار ، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد .

رواه طائفة عن الثوري بإسقاط مولى ربعي ، وكذا رواه زائدة وغيره عن عبد الملك ، وروي عن عمرو بن هرم ، عن ربعي ، عن حذيفة . ابن عون : عن الحسن ، قال عمرو بن العاص : إني لأرجو أن لا يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مات يوم مات وهو يحب رجلا فيدخله الله النار . قالوا : قد كنا نراه يحبك ويستعملك . فقال : الله أعلم أحبني أو تألفني ، ولكنا كنا نراه يحب رجلا عمار بن ياسر . قالوا : فذلك قتيلكم يوم صفين ، قال : قد والله قتلناه . [ ص: 415 ] العوام بن حوشب : عن سلمة بن كهيل ، عن علقمة ، عن خالد بن الوليد قال : كان بيني وبين عمار كلام ، فأغلظت له ، فشكاني إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : من عادى عمارا عاداه الله ، ومن أبغض عمارا أبغضه الله . خرجت فما شيء أحب إلي من رضى عمار ، فلقيته فرضي . أخرجه أحمد والنسائي .

شعبة : عن سلمة بن كهيل ، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ، عن أبيه ، عن الأسود قال : كان بين خالد وعمار كلام ، فشكاه خالد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله : من يعاد عمارا يعاده الله ، ومن يبغض عمارا يبغضه الله .

عطاء بن مسلم الخفاف : عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أوس بن أوس قال : كنت عند علي فسمعته يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : دم عمار ولحمه حرام على النار هذا غريب .

سفيان : عن سلمة بن كهيل ، عن مجاهد ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ما لهم وما لعمار ! يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ، وذلك دأب الأشقياء الفجار .

عمار بن رزيق : عن عمار الدهني ، عن سالم بن أبي الجعد ، جاء رجل إلى ابن مسعود فقال : إن الله قد أمننا من أن يظلمنا ولم يؤمنا من أن يفتننا ، [ ص: 416 ] أرأيت إن أدركت فتنة ؟ قال : عليك بكتاب الله . قال : أرأيت إن كان كلهم يدعو إلى كتاب الله ؟ قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق . إسناده منقطع .

قال عمار الدهني : عن سالم بن أبي الجعد ، عن ابن مسعود : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : ما خير ابن سمية بين أمرين إلا اختار أيسرهما .

رواه الثوري وغيره عنه ، وبعضهم رواه عن الدهني ، عن سالم ، عن علي بن علقمة ، عن ابن مسعود .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 09:32 PM

عبد العزيز بن سياه : عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عطاء بن يسار ، عن عائشة : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : عمار ما عرض عليه أمران إلا اختار الأرشد منهما . رواه عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت عن أبيه ، قال : قالت عائشة . وقد كان عمار ينكر على عثمان أمورا لو كف عنها لأحسن فرضي الله عنهما . [ ص: 417 ] أبو نعيم : حدثنا سعد بن أوس عن بلال بن يحيى ، أن حذيفة أتي وهو ثقيل بالموت ، فقيل له : قتل عثمان فما تأمرنا ؟ فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : أبو اليقظان على الفطرة ثلاث مرات . لن يدعها حتى يموت أو يلبسه الهرم . البغوي : حدثنا ابن حميد ، حدثنا هارون بن المغيرة ، حدثنا عمرو بن أبي ، قيس ، عن عمار الدهني ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : انظروا عمارا ; فإنه يموت على الفطرة إلا أن تدركه هفوة من كبر . فيه من تضعف ، ويروى عن سعد بن أبي وقاص مرفوعا نحوه . قال علقمة : قال لي أبو الدرداء : أليس فيكم الذي أعاذه الله على لسان نبيه من الشيطان ؟ - يعني عمارا . . . الحديث . [ ص: 418 ] حماد بن سلمة : أنبأنا أبو جمرة ، عن إبراهيم ، عن خيثمة بن عبد الرحمن : قلت لأبي هريرة : حدثني . فقال : تسألني وفيكم علماء أصحاب محمد ، والمجار من الشيطان عمار بن ياسر ؟ . داود بن أبي هند : عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد قال : [ ص: 419 ] أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببناء المسجد ، فجعلنا ننقل لبنة لبنة ، وعمار ينقل لبنتين لبنتين ، فترب رأسه ، فحدثني أصحابي ولم أسمعه من رسول الله أنه جعل ينفض رأسه ويقول : ويحك يا ابن سمية ! تقتلك الفئة الباغية .

خالد الحذاء : عن عكرمة سمع أبا سعيد بهذا ولفظه : ويح ابن سمية ! تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار . فجعل يقول : أعوذ بالله من الفتن .

ورقاء : عن عمرو بن دينار ، عن زياد مولى عمرو بن العاص عن عمرو : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : تقتل عمارا الفئة الباغية . رواه شعبة عن عمرو فقال : عن رجل من أهل مصر ، عن عمرو . ابن عون : عن الحسن ، عن أمه ، عن أم سلمة مرفوعا تقتل عمارا الفئة الباغية . معمر : عن ابن طاوس ، عن أبي بكر بن حزم ، عن أبيه ، قال : [ ص: 420 ] لما قتل عمار دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص ، فقال : قتل عمار ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقتله الفئة الباغية . فدخل عمرو على معاوية ، فقال : قتل عمار . فقال : قتل عمار فماذا ؟ قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : تقتله الفئة الباغية . قال : دحضت في بولك ; أونحن قتلناه ؟ إنما قتله علي وأصحابه الذين ألقوه بين رماحنا ، أو قال : بين سيوفنا . شعبة : عن أبي مسلمة ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، عن أبي قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعمار : تقتلك الفئة الباغية .

أبو عوانة في " مسنده " وأبو يعلى من حديث أحمد بن محمد الباهلي : حدثنا يحيى بن عيسى ، حدثنا الأعمش ، حدثنا زيد بن وهب أن عمارا قال لعثمان : حملت قريشا على رقاب الناس . عدوا علي ، فضربوني ، فغضب عثمان ثم قال : مالي ولقريش ؟ عدوا على رجل من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فضربوه ، سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لعمار تقتلك الفئة الباغية وقاتله في النار . [ ص: 421 ] وأخرج أبو عوانة أيضا مثله من حديث القاسم الحداني ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن عبد الله بن محمد بن الحنفية ، عن أبيه ، عن عثمان . وأخرج أبو عوانة من طريق حماد بن سلمة ، عن أبي التياح ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، عن عمار : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : تقتلك الفئة الباغية . وفي الباب عن عدة من الصحابة ، فهو متواتر . قال يعقوب بن شيبة : سمعت أحمد بن حنبل سئل عن هذا فقال : فيه غير حديث صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكره أن يتكلم في هذا بأكثر من هذا . الثوري : عن أبي إسحاق عن أبي ليلى الكندي قال : جاء خباب إلى عمر فقال : ادن فما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا عمار . الثوري : عن أبي إسحاق ، عن حارثة بن مضرب قال : قرئ علينا كتاب ، [ ص: 422 ] عمر : أما بعد ، فإني بعثت إليكم عمار بن ياسر أميرا ، وابن مسعود معلما ووزيرا ، وإنهما لمن النجباء من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - من أهل بدر ، فاسمعوا لهما وأطيعوا ، واقتدوا بهما ، وقد آثرتكم بابن أم عبد على نفسي . رواه شريك فقال : آثرتكم بهما على نفسي . ويروى أن عمر جعل عطاء عمار ستة آلاف . مغيرة : عن إبراهيم أن عمارا كان يقرأ يوم الجمعة على المنبر ب ( يس ) وقال زر : رأيت عمارا قرأ إذا السماء انشقت وهو على المنبر فنزل فسجد .

شعبة ، عن قيس سمع طارق بن شهاب يقول : إن أهل البصرة غزوا نهاوند ، فأمدهم أهل الكوفة وعليهم عمار ، فظفروا ، فأراد أهل البصرة أن لا يقسموا لأهل الكوفة شيئا ، فقال رجل تميمي : أيها الأجدع ، تريد أن تشاركنا في غنائمنا ؟ فقال عمار : خير أذني سببت ، فإنها أصيبت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فكتب في ذلك إلى عمر ، فكتب عمر : إن الغنيمة لمن شهد الوقعة . قال الواقدي : حدثنا عبد الله بن نافع ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، قال : رأيت عمارا يوم اليمامة على صخرة وقد أشرف يصيح : يا معشر المسلمين ، أمن الجنة تفرون ؟ أنا عمار بن ياسر ، هلموا إلي . وأنا أنظر إلى أذنه قد قطعت ، فهي تذبذب وهو يقاتل أشد القتال . [ ص: 423 ] قال الشعبي : سئل عمار عن مسألة فقال : هل كان هذا بعد ؟ قالوا : لا . قال : فدعونا حتى يكون ، فإذا كان تجشمناه لكم . قال عبد الله بن أبي الهذيل : رأيت عمارا اشترى قتا بدرهم ، وحمله على ظهره وهو أمير الكوفة .

الأعمش : عن إبراهيم التيمي ، عن الحارث بن سويد : أن رجلا من الكوفة وشى بعمار إلى عمر ، فقال له عمار : إن كنت كاذبا ، فأكثر الله مالك وولدك ، وجعلك موطأ العقبين . ويقال : سعوا بعمار إلى عمر في أشياء كرهها له ، فعزله ، ولم يؤنبه . وقيل : إن جريرا سأله عمر عن عمار ، فقال : هو غير كاف ولا عالم بالسياسة . الأعمش : عن حبيب بن أبي ثابت ، قال : سألهم عمر عن عمار ، فأثنوا عليه ، وقالوا : والله ما أنت أمرته علينا ، ولكن الله أمره . فقال عمر : اتقوا الله وقولوا كما يقال ، فوالله لأنا أمرته عليكم ، فإن كان صوابا فمن قبل الله ، وإن كان خطأ إنه من قبلي . داود بن أبي هند عن الشعبي ، قال عمر لعمار : أساءك عزلنا إياك ؟ قال : لئن قلت ذاك لقد ساءني حين استعملتني وساءني حين عزلتني . [ ص: 424 ]

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 09:35 PM

روى البهي : عن ابن عمر ، قال : ما أعلم أحدا خرج في الفتنة يريد الله إلا عمارا ، وما أدري ما صنع . الأسود بن شيبان : حدثنا أبو نوفل بن أبي عقرب ، قال : كان عمار بن ياسر قليل الكلام ، طويل السكوت ، وكان عامة قوله : عائذ بالرحمن من فتنة ، عائذ بالرحمن من فتنة ، فعرضت له فتنة عظيمة . الأعمش : عن عبد الله بن زياد ، قال عمار : إن أمنا - يعني عائشة - قد مضت لسبيلها ، وإنها لزوجته في الدنيا والآخرة ; ولكن الله ابتلانا بها ليعلم إياه نطيع أو إياها . وأخرج نحوه البخاري من حديث أبي وائل . قال أبو إسحاق السبيعي : قال عمار لعلي : ما تقول في أبناء من قتلنا ؟ قال : لا سبيل عليهم . قال : لو قلت غير ذا خالفناك . الأعمش : عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن حميد ، قال عمار لعلي يوم الجمل : ما تريد أن تصنع بهؤلاء ؟ فقال له علي : حتى ننظر لمن تصير عائشة . فقال عمار : ونقسم عائشة ؟ قال : فكيف نقسم هؤلاء ؟ قال : لو قلت غير ذا ما بايعناك . [ ص: 425 ] الثوري : عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي البختري قال : قال عمار يوم صفين : ائتوني بشربة لبن . قال : فشرب ، ثم قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن . ثم تقدم فقتل . سعد بن إبراهيم الزهري : عن أبيه ، عمن حدثه : سمع عمارا بصفين يقول : أزفت الجنان ، وزوجت الحور العين ، اليوم نلقى حبيبنا محمدا - صلى الله عليه وسلم . مسلم بن إبراهيم : حدثنا ربيعة بن كلثوم ، حدثنا أبي قال : كنت بواسط ، فجاء أبو الغادية عليه مقطعات ، وهو طوال ، فلما قعد ، قال : كنا نعد عمارا من خيارنا ، فإني لفي مسجد قباء إذ هو يقول وذكر كلمة لو وجدت عليه أعوانا لوطئته ، فلما كان يوم صفين ، أقبل يمشي أول الكتيبة ، فطعنه رجل فانكشف المغفر عنه فأضربه ، فإذا رأس عمار . قال : يقول مولى لنا : لم أر أبين ضلالة منه .

عفان : حدثنا حماد ، حدثنا كلثوم بن جبر ، عن أبي الغادية ، قال سمعت عمارا يقع في عثمان يشتمه ، فتوعدته بالقتل ، فلما كان يوم صفين ، جعل عمار يحمل على الناس ، فقيل : هذا عمار ، فطعنته في ركبته ، فوقع فقتلته ، فقيل : قتل عمار . وأخبر عمرو بن العاص ، فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن قاتله وسالبه في النار . [ ص: 426 ] ليث بن أبي سليم : عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو ، مرفوعا : قاتل عمار وسالبه في النار . قال ابن أبي خالد : عن قيس أو غيره ، قال عمار : ادفنوني في ثيابي ، فإني رجل مخاصم . وعن عاصم بن ضمرة أن عليا صلى على عمار ، ولم يغسله . قال أبو عاصم : عاش عمار ثلاثا وتسعين سنة ، وكان لا يركب على سرج ، ويركب راحلته . عبد الله بن طاوس ، عن أبي بكر بن حزم قال : لما قتل عمار ، دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص فقال : قتل عمار . وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : تقتله الفئة الباغية . فقام عمرو فزعا إلى معاوية فقال : ما شأنك ؟ قال : قتل عمار . قال : قتل عمار ، فكان ماذا ؟ قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : تقتله الفئة الباغية . قال : أنحن قتلناه ؟ وإنما قتله علي وأصحابه ، جاءوا به حتى ألقوه بين رماحنا ، أو قال : بين سيوفنا . قلت : كانت صفين في صفر وبعض ربيع الأول سنة سبع وثلاثين . قرأت على الحافظ عبد المؤمن بن خلف ، أخبركم يحيى بن أبي السعود ، أخبرتنا شهدة ، أنبأنا ابن طلحة ، أخبرنا أبو عمر الفارسي ، حدثنا محمد بن [ ص: 427 ] أحمد بن يعقوب ، حدثنا جدي ، حدثنا خلف بن سالم ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا جويرية ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عمه قال : لما كان اليوم الذي أصيب فيه عمار إذا رجل قد برز بين الصفين جسيم على فرس جسيم ، ضخم على ضخم ، ينادي ، يا عباد الله ، بصوت موجع ، روحوا إلى الجنة ، ثلاث مرار ، الجنة تحت ظلال الأسل ، فثار الناس ، فإذا هو عمار ، فلم يلبث أن قتل . وبه : حدثنا جدي يعقوب ، حدثنا علي بن عاصم ، حدثنا عطاء بن السائب ، عن أبي البختري الطائي قال : قاول عمار رجلا ، فاستطال الرجل عليه فقال عمار : أنا إذا كمن لا يغتسل يوم الجمعة ، فعاد الرجل ، فاستطال عليه فقال له عمار : إن كنت كاذبا ، فأكثر الله مالك وولدك وجعلك يوطأ عقبك .

وبه : حدثنا جدي ، حدثنا وهيب بن جرير ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن صلة بن زفر ، عن عمار أنه قال : ثلاثة من كن فيه ، فقد استكمل الإيمان ، أو قال : من كمال الإيمان : الإنفاق من الإقتار ، والإنصاف من نفسك ، وبذل السلام للعالم . قرأت على أحمد بن إسحاق ، أنبأنا أحمد بن أبي الفتح ، والفتح بن عبد الله ، قالا : أنبأنا محمد بن عمر الأرموي ، أنبأنا أحمد بن محمد ، أنبأنا علي بن عمر السكري ، حدثنا أحمد بن الحسن الصوفي ، حدثنا يحيى بن معين ، [ ص: 428 ] حدثنا إسماعيل بن مجالد ، عن بيان عن وبرة عن همام قال : قال عمار : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر .

أخرجه البخاري عن عبد الله شيخ له يقال : هو ابن حماد الآملي ، وقيل عبد الله بن أبي الخوارزمي ، عن يحيى بن معين . وهو فرد غريب ما أعلم رواه عن بيان بن بشر سوى إسماعيل ، ولم يخرجه سوى البخاري . الأعمش وغيره ، عن أبي وائل قال : رأى أبو ميسرة عمرو بن شرحبيل ذا الكلاع وعمارا في قباب بيض بفناء الجنة ، فقال : ألم يقتل بعضكم بعضا ؟ قال : بلى ، ولكن وجدنا الله واسع المغفرة - آخر الترجمة والحمد لله .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 09:37 PM

أخبار النجاشي

واسمه أصحمة ملك الحبشة . معدود في الصحابة رضي الله عنهم وكان ممن حسن إسلامه ولم يهاجر ، ولا له رؤية ، فهو تابعي من وجه ، صاحب من وجه ، وقد توفي في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى عليه بالناس صلاة الغائب [ ص: 429 ] ولم يثبت أنه صلى - صلى الله عليه وسلم - على غائب سواه ، وسبب ذلك أنه مات بين قوم نصارى ، ولم يكن عنده من يصلي عليه ; لأن الصحابة الذين كانوا مهاجرين عنده خرجوا من عنده مهاجرين إلى المدينة عام خيبر .

ابن إسحاق : عن الزهري قال : حدثت عروة بن الزبير بحديث أبي بكر بن عبد الرحمن عن أم سلمة بقصة النجاشي وقوله لعمرو بن العاص : فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي ، وما أطاع الناس في فأطيع الناس فيه ، فقال عروة : أتدري ما معناه ؟ قلت : لا ، قال : إن عائشة حدثتني أن أباه كان ملك قومه ، ولم يكن له ولد إلا النجاشي ، وكان للنجاشي عم ، له من صلبه اثنا عشر رجلا ، وكانوا أهل بيت مملكة الحبشة .

فقالت الحبشة بينها : لو أنا قتلنا أبا النجاشي ، وملكنا أخاه ، فإنه لا ولد له غير هذا الغلام ، وإن لأخيه اثني عشر ولدا ، فتوارثوا ملكه من بعده ، فبقيت الحبشة بعده دهرا . فعدوا على أبي النجاشي ، فقتلوه وملكوا أخاه . فمكثوا على ذلك .

ونشأ النجاشي مع عمه ، وكان لبيبا حازما من الرجال ، فغلب على أمر عمه ، ونزل منه بكل منزلة ، فلما رأت الحبشة مكانه منه ، قالت بينها : والله إنا لنتخوف أن يملكه ، ولئن ملكه علينا ليقتلنا أجمعين ، لقد عرف أنا نحن قتلنا أباه .

فمشوا إلى [ ص: 430 ] عمه ، فقالوا له : إما أن تقتل هذا الفتى ، وإما أن تخرجه من بين أظهرنا ، فإنا قد خفنا على أنفسنا منه . قال : ويلكم ! قتلتم أباه بالأمس وأقتله اليوم ! بل أخرجوه من بلادكم . فخرجوا به ، فباعوه من رجل تاجر بست مائة درهم ، ثم قذفه في سفينة ، فانطلق به حتى إذا المساء من ذلك اليوم ، هاجت سحابة من سحاب الخريف ، فخرج عمه يستمطر تحتها ، فأصابته صاعقة فقتلته . ففزعت الحبشة إلى ولده . فإذا هم حمقى ليس في ولده خير ، فمرج على الحبشة أمرهم ، فلما ضاق عليهم ما هم فيه من ذلك قال بعضهم لبعض : تعلمون والله أن ملككم الذي لا يقيم أمركم غيره الذي بعتموه غدوة ، فإن كان لكم بأمر الحبشة حاجة ، فأدركوه ، قال : فخرجوا في طلبه . حتى أدركوه فأخذوه من التاجر ، ثم جاءوا به ، فعقدوا عليه التاج ، وأقعدوه على سرير الملك ، وملكوه .

فجاءهم التاجر ، فقال : إما أن تعطوني مالي ، وإما أن أكلمه في ذلك ، فقالوا : لا نعطيك شيئا ، قال : إذن والله لأكلمنه . قالوا : فدونك ، فجاءه فجلس بين يديه ، فقال : أيها الملك ، ابتعت غلاما من قوم بالسوق بست مائة درهم ، فأسلموه إلي ، وأخذوا دراهمي ، حتى إذا سرت بغلامي أدركوني ، فأخذوا غلامي ومنعوني دراهمي . فقال لهم النجاشي : لتعطنه دراهمه ، أو ليسلمن غلامه في يديه ، فليذهبن به حيث يشاء ، قالوا : بل نعطيه دراهمه ، قالت : فلذلك يقول : ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي ، فآخذ الرشوة فيه . وكان ذلك أول ما خبر من صلابته في دينه وعدله في حكمه ، ثم قالت : لما مات النجاشي ، كنا نتحدث أنه لا يزال يرى على قبره نور . " المسند " لأحمد بن حنبل : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، حدثني ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، [ ص: 431 ] عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي ، أمنا على ديننا ، وعبدنا الله تعالى لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه .

فلما بلغ ذلك قريشا ، ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين جلدين ، وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة ، وكان من أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم ، فجمعوا له أدما كثيرا ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا إليه هدية ، ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي ، وعمرو بن العاص السهمي ، وأمروهما أمرهم ، وقالوا لهما : ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم ، ثم قدموا له هداياه ، ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم .

قالت : فخرجا ، فقدما على النجاشي ، ونحن عنده بخير دار عند خير جار . فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته ، وقالا له : إنه قد ضوى إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ، ولم يدخلوا في دينكم ، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم ، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردهم إليهم ، فإذا كلمنا الملك فيهم ، فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم ، فإن قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم ، فقالوا لهم : نعم .

ثم إنهما قربا هدايا النجاشي ، فقبلها منهم ، ثم كلماه ، فقالا له : أيها الملك إنه ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء ، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك ، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت ، وقد بعثنا إليك أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليه ، فهم أعلى بهم عينا ، وأعلم بما عابوا [ ص: 432 ] عليهم فيه . قالت : ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله ، وعمرو من أن يسمع النجاشي كلامهم . فقالت بطارقته حوله : صدقوا أيها الملك . فأسلمهم إليهما . فغضب النجاشي ، ثم قال : لا ها الله إذا لا أسلمهم إليهما ، ولا أكاد قوما جاوروني ، ونزلوا بلادي ، واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم .

ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله فدعاهم ، فلما جاءهم رسوله ، اجتمعوا ، ثم قال بعضهم لبعض : ما تقولون للرجل إذا جئتموه ؟ قالوا : نقول والله ما علمنا ، وما أمرنا به نبينا - صلى الله عليه وسلم - كائنا في ذلك ما كان . فلما جاءوه ، وقد دعا النجاشي أساقفته ، فنشروا مصاحفهم حوله ، سألهم فقال : ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم ؟ قالت : وكان الذي يكلمه جعفر بن أبي طالب ، فقال له : أيها الملك ، إنا كنا قوما أهل جاهلية ; نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف . فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا ، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنة ، وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئا ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام .

قالت : فعدد له أمور الإسلام - فصدقناه وآمنا به واتبعناه ، فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان ، وأن نستحل ما كنا [ ص: 433 ] نستحل من الخبائث ، فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا ، وحالوا بيننا وبين ديننا ، خرجنا إلى بلدك ، واخترناك على من سواك ، ورغبنا في جوارك ، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك .

قالت : فقال : هل معك مما جاء به عن الله من شيء ؟ قال : نعم . قال : فاقرأه علي ، فقرأ عليه صدرا من كهيعص فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته ، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلي عليهم ، ثم قال النجاشي : إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة . انطلقا ، فوالله لا أسلمهم إليكم أبدا ولا أكاد .

فلما خرجا قال عمرو : والله لأنبئنه غدا عيبهم ثم أستأصل خضراءهم . فقال له عبد الله بن أبي ربيعة - وكان أتقى الرجلين فينا - : لا تفعل ; فإن لهم أرحاما وإن كانوا قد خالفونا . قال : والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى عبد . ثم غدا عليه ، فقال : أيها الملك ، إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولا عظيما ، فأرسل إليهم ، فسلهم عما يقولون فيه . فأرسل يسألهم .

قالت . ولم ينزل بنا مثلها ، فاجتمع القوم ، ثم قالوا : نقول والله فيه ما قال الله تعالى كائنا ما كان . فلما دخلوا عليه قال لهم : ما تقولون في عيسى ؟ فقال له جعفر : نقول فيه الذي جاء به نبينا هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول ، فضرب النجاشي يده إلى الأرض ، فأخذ عودا ، ثم قال : ما عدا عيسى ما قلت هذا العود . فتناخرت بطارقته حوله ، [ ص: 434 ] فقال : وإن نخرتم والله ، اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي - والسيوم الآمنون - من سبكم غرم ، ثم من سبكم غرم ، ما أحب أن لي دبرى ذهبا وأني آذيت رجلا منكم - والدبر بلسانهم الجبل - ردوا عليهما هداياهما ، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي ، فآخذ الرشوة فيه ، وما أطاع الناس في ، فأطيعهم فيه .

فخرجا مقبوحين ، مردودا عليهما ما جاءا به ، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار . فوالله إنا على ذلك ، إذ نزل به ، يعني من ينازعه في ملكه ، فوالله ما علمنا حربا قط كان أشد من حرب حربناه تخوفا أن يظهر ذلك على النجاشي ، فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه ، وسار النجاشي وبينهما عرض النيل . فقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من رجل يخرج حتى يحضر وقعة القوم ثم يأتينا بالخبر ؟ فقال الزبير : أنا ، وكان من أحدث القوم سنا . فنفخوا له قربة ، فجعلها في صدره ، ثم سبح عليها حتى خرج إلى مكان الملتقى ، وحضر ، فدعونا الله للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده ، واستوسق له أمر الحبشة ، فكنا عنده في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بمكة .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 09:38 PM

سليمان ابن بنت شرحبيل : عن عبد الرحمن بن بشير ، وعبد الملك بن هشام ، [ ص: 435 ] عن زياد البكالي ، وأحمد بن محمد بن أيوب ، عن إبراهيم بن سعد جميعا : عن ابن إسحاق ، عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أم سلمة ، عن جعفر بن أبي طالب : أن النجاشي سأله : ما دينكم ؟ قال : بعث الله فينا رسولا ، وذكر بعض ما تقدم .

تفرد بوصله ابن إسحاق ، وأما عقيل ، ويونس ، وغيرهما ، فأرسلوه . ورواه ابن إدريس عن ابن إسحاق فقال : عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن وعروة ، وعبيد الله ، عن أم سلمة . ويروى هذا الخبر عن أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبيه ، وعن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عن أبيه . ورواه ابن شابور ، عن عثمان بن عطاء ، عن عكرمة ، عن ابن عباس بطوله . أعلى بهم عينا : أبصر بهم . لاها الله : قسم ، وأهل العربية يقولون : لاها الله ذا . والهاء بدل من واو القسم ، أي : لا والله لا يكون ذا . وقيل : بل حذفت واو القسم ، وفصلت " ها " من هذا فتوسطت الجلالة ونصبت لأجل حذف واو القسم . وتناخرت فالنخير : صوت من الأنف ، وقيل : النخير ضرب من الكلام ، وجاء في رواية : من حزن حزناه . وقولها : حتى قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة عنت نفسها وزوجها . وكذا قدم الزبير وابن مسعود وطائفة من مهاجرة الحبشة مكة ، وملوا من سكنى الحبشة ، ثم قدم طائفة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما عرفوا بأنه هاجر إلى [ ص: 436 ] المدينة ، ثم قدم جعفر بمن بقي ليالي خيبر . قال أبو موسى الأصبهاني الحافظ : اسم النجاشي أصحمة ، وقيل : أصحم بن بجرى . كان له ولد يسمى أرمى ، فبعثه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمات في الطريق . وقيل : إن الذي كان رفيق عمرو بن العاص عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي . فقال أبو كريب ومحمد بن آدم المصيصي : حدثنا أسد بن عمرو ، حدثنا مجالد عن الشعبي ، عن عبد الله بن جعفر ، عن أبيه قال : بعثت قريش عمرو بن العاص ، وعمارة بن الوليد بهدية من أبي سفيان إلى النجاشي . فقالوا له ونحن عنده : قد جاء إليك ناس من سفلتنا وسفهائنا ، فادفعهم إلينا . قال : لا ، حتى أسمع كلامهم ، وذكر نحوه إلى أن قال : فأمر مناديا ، فنادى : من آذى أحدا منهم ، فأغرموه أربعة دراهم ، ثم قال : يكفيكم ؟ قلنا : لا ، فأضعفها . فلما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وظهر بها ، قلنا له : إن صاحبنا قد خرج إلى المدينة وهاجر وقتل الذي كنا حدثناك عنهم ، وقد أردنا الرحيل إليه فزودنا ، قال : نعم ، فحملنا وزودنا وأعطانا ، ثم قال : أخبر صاحبك بما صنعت إليكم ، وهذا رسولي معك ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله ، فقل له يستغفر لي . قال جعفر : فخرجنا حتى أتينا المدينة : فتلقاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعتنقني [ ص: 437 ] فقال : ما أدري أنا بفتح خيبر أفرح أو بقدوم جعفر . ثم جلس ، فقام رسول النجاشي ، فقال : هو ذا جعفر ، فسله ما صنع به صاحبنا ، فقلت : نعم ، يعني ذكرته له ، فقام رسول الله ، فتوضأ ، ثم دعا ثلاث مرات : اللهم اغفر للنجاشي . فقال المسلمون : آمين . فقلت للرسول : انطلق ، فأخبر صاحبك ما رأيت .

ابن أبي عدي ومعاذ : عن ابن عون عن عمير بن إسحاق أن جعفرا قال : يا رسول الله ، ائذن لي حتى أصير إلى أرض أعبد الله فيها ، فأذن له ، فأتى النجاشي .

فحدثنا عمرو بن العاص قال : لما رأيت جعفرا آمنا بها هو وأصحابه حسدته ، فأتيت النجاشي ، فقلت : إن بأرضك رجلا ابن عمه بأرضنا يزعم أنه ليس للناس إلا إله واحد ، وإنك إن لم تقتله وأصحابه لا أقطع إليك هذه النطفة أبدا ولا أحد من أصحابي . قال : اذهب إليه ، فادعه . قلت : إنه لا يجيء معي ، فأرسل معي رسولا . فأتيناه وهو بين ظهري أصحابه يحدثهم . قال له : أجب . فلما أتينا الباب ناديت : ائذن لعمرو بن العاص ، ونادى جعفر : ائذن لحزب الله . فسمع صوته ، فأذن له قبلي . الحديث .

إسرائيل : عن أبي إسحاق ، عن أبي بردة ، عن أبيه ، قال : أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ننطلق مع جعفر إلى أرض النجاشي ، فبلغ ذلك قريشا ، فبعثوا عمرا وعمارة بن الوليد ، وجمعوا للنجاشي هدية . فقدما عليه ، وأتياه بالهدية ، [ ص: 438 ] فقبلها وسجدا له ، ثم قال عمرو : إن ناسا من أرضنا رغبوا عن ديننا وهم في أرضك . قال : في أرضي ؟ قال : نعم .

فبعث إلينا ، فقال لنا جعفر : لا يتكلم منكم أحد أنا خطيبكم اليوم . فانتهينا إلى النجاشي وهو جالس في مجلس عظيم ، وعمرو عن يمينه ، وعمارة عن يساره ، والقسيسون والرهبان جلوس سماطين ، وقد قال له عمرو : إنهم لا يسجدون لك . فلما انتهينا بدرنا من عنده أن اسجدوا ، قلنا : لا نسجد إلا لله - عز وجل .

فلما انتهينا إلى النجاشي ، قال : ما منعك أن تسجد ؟ قال : لا نسجد إلا لله . قال : وما ذاك ؟ قال : إن الله بعث فينا رسولا وهو الذي بشر به عيسى ، فقال : يأتي من بعدي اسمه أحمد ، فأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا ، ونقيم الصلاة ، ونؤتي الزكاة ، وأمرنا بالمعروف ، ونهانا عن المنكر . فأعجب النجاشي قوله ، فلما رأى ذلك عمرو ، قال : أصلح الله الملك ، إنهم يخالفونك في ابن مريم . فقال النجاشي لجعفر : ما يقول صاحبكم في ابن مريم ؟ قال : يقول فيه قول الله : هو روح الله وكلمته ، أخرجه من البتول العذراء التي لم يقربها بشر ، ولم يفرضها ولد . فتناول عودا ، فرفعه فقال : يا معشر القسيسين والرهبان ، ما يزيد على ما تقولون في ابن مريم ما تزن هذه . مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده ، فأنا أشهد أنه رسول الله ، وأنه الذي بشر به عيسى ، ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى [ ص: 439 ] أقبل نعله ، امكثوا في أرضي ما شئتم . وأمر لنا بطعام وكسوة ، وقال : ردوا على هذين هديتهما
.

وكان عمرو رجلا قصيرا وكان عمارة رجلا جميلا ، وكانا أقبلا في البحر إلى النجاشي ، فشرب مع عمرو وامرأته ، فلما شربوا من الخمر قال عمارة : لعمرو : مر امرأتك فلتقبلني . قال : ألا تستحي ؟ فأخذ عمارة عمرا يرمي به في البحر ، فجعل عمرو يناشده حتى تركه ، فحقد عليه عمرو ، فقال للنجاشي : إنك إذا خرجت ، خلفك عمارة في أهلك . فدعا بعمارة ، فنفخ في إحليله ، فطار مع الوحش .

وعن موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب ، قال : مكر عمرو بعمارة فقال : يا عمارة إنك رجل جميل ، فاذهب إلى امرأة النجاشي ، فتحدث عندها إذا خرج زوجها ، فإن ذلك عون لنا في حاجتنا . فراسلها عمارة حتى دخل عليها . فانطلق عمرو إلى النجاشي فقال : إن صاحبي صاحب نساء ، وإنه يريد أهلك . فبعث النجاشي إلى بيته ، فإذا هو عند أهله . فأمر به ، فنفخ في إحليله ، سحره ، ثم ألقاه في جزيرة من جزائر البحر ، فجن ، واستوحش مع الوحش .

ابن إسحاق : عن يزيد بن رومان ، عن عروة عن عائشة قالت : لما مات النجاشي كنا نتحدث أنه لا يزال يرى على قبره نور . [ ص: 440 ]

فأما عمارة ، فإنه بقي إلى خلافة عمر مع الوحوش ، فدل عليه أخوه ، فسار إليه وتحين وقت وروده الماء ، فلما رأى أخاه فر ، فوثب وأمسكه ، فبقي يصيح : أرسلني يا أخي ، فلم يرسله ، فخارت قوته من الخوف ، ومات في الحال . فعداده في المجانين الذين يبعثون على ما كانوا عليه قبل ذهاب العقل ، فيبعث هذا المعثر على الكفر والعداوة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - نسأل الله المغفرة .

وحدثني جعفر بن محمد ، عن أبيه قال : اجتمعت الحبشة فقالوا للنجاشي : فارقت ديننا . وخرجوا عليه ، فأرسل إلى جعفر وأصحابه ، فهيأ لهم سفنا ، وقال : اركبوا ، فإن هزمت ، فامضوا ، وإن ظفرت فاثبتوا . ثم عمد إلى كتاب ، فكتب فيه : هو يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، ويشهد أن عيسى عبده ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم . ثم جعله في قبائه ، وخرج إلى الحبشة ، وصفوا له ، فقال : يا معشر الحبشة : ألست أحق الناس بكم ؟ قالوا : بلى . قال : فكيف رأيتم سيرتي فيكم ؟ قالوا : خير سيرة ، قال : فما بالكم ؟ قالوا : فارقت ديننا ، وزعمت أن عيسى عبد . قال : فما تقولون فيه ؟ قالوا : هو ابن الله ، فقال - ووضع يده على صدره على قبائه - هو يشهد أن عيسى ، لم يزد على هذا شيئا ، وإنما عنى على ما كتب ، فرضوا وانصرفوا . فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما مات النجاشي صلى عليه ، واستغفر له . [ ص: 441 ]

ومن محاسن النجاشي أن أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان بن حرب الأموية أم المؤمنين أسلمت مع زوجها عبيد الله بن جحش الأسدي قديما ، فهاجر بها زوجها ، فانملس بها إلى أرض الحبشة ، فولدت له حبيبة ربيبة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم إنه أدركه الشقاء فأعجبه دين النصرانية فتنصر ، فلم ينشب أن مات بالحبشة ، فلما وفت العدة ، بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطبها ، فأجابت ، فنهض في ذلك النجاشي ، وشهد زواجها بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأعطاها الصداق عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من عنده أربع مائة دينار ، فحصل لها شيء لم يحصل لغيرها من أمهات المؤمنين ، ثم جهزها النجاشي . وكان الذي وفد على النجاشي بخطبتها عمرو بن أمية الضمري ، فيما نقله الواقدي بإسناد مرسل ، ثم قال : وحدثني محمد بن صالح ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، وحدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز ، عن عبد الله بن أبي بكر قالا : كان الذي زوجها ، وخطب إليه النجاشي خالد بن سعيد بن العاص الأموي ، وكان عمرها لما قدمت المدينة بضعا وثلاثين سنة . معمر : عن الزهري ، عن عروة ، عن أم حبيبة أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش ، وكان رحل إلى النجاشي ، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوجها بالحبشة ، [ ص: 442 ] زوجه إياها النجاشي ، ومهرها أربعة آلاف درهم من عنده ، وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة ، وجهازها كله من عند النجاشي .

وأما ابن لهيعة ، فنقل عن أبي الأسود ، عن عروة قال : أنكحه إياها بالحبشة عثمان - رضي الله عنه - ; وهذا خطأ فإن عثمان كان بالمدينة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يغب عنه إلا يوم بدر ، أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقيم ، فيمرض زوجته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال ابن سعد : أنبأنا محمد بن عمر ، أنبأنا عبد الله بن عمرو بن زهير ، عن إسماعيل بن عمرو بن سعيد بن العاص قال : قالت أم حبيبة : رأيت في النوم كأن عبيد الله بن جحش بأسوأ صورة وأشوهه ، ففزعت . فإذا هو يقول : حين أصبح : يا أم حبيبة ، إني نظرت في الدين ، فلم أر دينا خيرا من النصرانية وكنت قد دنت بها ، ثم دخلت في دين محمد ، فقد رجعت إليها . فأخبرته بالرؤيا ، فلم يحفل بها ، وأكب على الخمر حتى مات .

فأرى في النوم كأن آتيا يقول لي : يا أم المؤمنين ، ففزعت فأولتها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتزوجني ، فما هو إلا أن انقضت عدتي ، فما شعرت إلا ورسول النجاشي على بابي يستأذن ، فإذا جارية له يقال لها : أبرهة كانت تقوم على ثيابه ودهنه ، فدخلت علي ، فقالت : إن الملك يقول لك : إن رسول الله كتب إلي أن أزوجكه . فقلت : بشرك الله بخير .

قالت : يقول الملك : وكلي من يزوجك . فأرسلت إلى خالد بن سعيد فوكلته ، وأعطت أبرهة سوارين من فضة ، وخواتيم كانت في أصابع رجليها ، وخدمتين كانتا في رجليها .

فلما كان العشي ، أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب ومن هناك من المسلمين فحضروا ، فخطب النجاشي ، فقال : الحمد [ ص: 443 ] لله الملك القدوس السلام . أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأنه الذي بشر به عيسى - صلى الله عليه وسلم - . ثم خطب خالد بن سعيد ، وزوجها وقبض أربع مائة دينار ، ثم دعا بطعام ، فأكلوا . قالت : فلما وصل إلي المال ، عزلت خمسين دينارالأبرهة ، فأبت ، وأخرجت حقا فيه كل ما أعطيتها فردته ، وقالت : عزم علي الملك أن لا أرزأك شيئا ، وقد أسلمت لله ، وحاجتي إليك أن تقرئي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مني السلام ، ثم جاءتني من عند نساء الملك بعود وعنبر وزباد كثير . فقيل : بنى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة ست . وقال خليفة : دخل بها سنة سبع من الهجرة . وأصحمة بالعربي : عطية . ولما توفي ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للناس : إن أخا لكم قد مات بأرض الحبشة فخرج بهم إلى الصحراء وصفهم صفوفا ، ثم صلى عليه . فنقل بعض العلماء أن ذلك كان في شهر رجب سنة تسع من الهجرة .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 09:40 PM

معاذ بن جبل

( ع )

ابن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أدي بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج . [ ص: 444 ]

السيد الإمام أبو عبد الرحمن الأنصاري الخزرجي المدني البدري . شهد العقبة شابا أمرد ، وله عدة أحاديث .

روى عنه ابن عمر ، وابن عباس ، وجابر ، وأنس ، وأبو أمامة ، وأبو ثعلبة الخشني ، ومالك بن يخامر ، وأبو مسلم الخولاني ، وعبد الرحمن بن غنم ، وجنادة بن أبي أمية ، وأبو بحرية عبد الله بن قيس ، ويزيد بن عميرة ، وأبو الأسود الديلي ، وكثير بن مرة ، وأبو وائل ، وابن أبي ليلى ، وعمرو بن ميمون الأودي ، والأسود بن هلال ، ومسروق ، وأبو ظبية الكلاعي ، وآخرون .

روى أبو إسحاق السبيعي : عن عمرو بن ميمون ، عن معاذ بن جبل قال : كنت رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حمار يقال له عفير .

قال شباب : أمه هي هند بنت سهل من بني رفاعة ، ثم من جهينة ، ولأمه ولد من الجد بن قيس .

وروى الواقدي عن رجاله أن معاذا شهد بدرا وله عشرون سنة أو إحدى وعشرون . قال ابن سعد : شهد العقبة في روايتهم جميعا مع السبعين .

[ ص: 445 ] وقال عبد الصمد بن سعيد : نزل حمص ، وكان طويلا ، حسنا ، جميلا .

وقال الجماعة : كنيته أبو عبد الرحمن ، إلا أبا أحمد الحاكم ، فقال : كنيته أبو عبد الله .

قال علي بن محمد المدائني : معاذ لم يولد له قط ، طوال ، حسن الثغر ، عظيم العينين ، أبيض ، جعد ، قطط .

وأما ابن سعد ، فقال : له ابنان عبد الرحمن وآخر .

قال عطاء : أسلم معاذ وله ثمان عشرة سنة .

وقال ابن إسحاق : ومن السبعين من بني جشم بن الخزرج معاذ بن جبل .

وروى قتادة عن أنس ، قال : جمع القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة كلهم من الأنصار : أبي بن كعب ، وزيد ، ومعاذ بن جبل ، وأبو زيد أحد عمومتي .

قال أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن شقيق ، عن مسروق ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : خذوا القرآن من أربعة : من ابن مسعود ، وأبي ، ومعاذ بن جبل ، وسالم مولى أبي حذيفة .

[ ص: 446 ] تابعه إبراهيم النخعي عن مسروق .

الثوري : عن خالد وعاصم ، عن أبي قلابة ، عن أنس مرفوعا : أرحم أمتي بأمتي أبو بكر ، وأشدها في دين الله عمر ، وأصدقها حياء عثمان ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ ، وأفرضهم زيد ، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة .

ورواه وهيب عن خالد الحذاء .

وفي " فوائد سمويه " : حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا سلام بن سليمان ، حدثنا زيد العمي ، عن أبي الصديق ، عن أبي سعيد : قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : معاذ بن جبل أعلم الناس بحرام الله وحلاله إسناده واه .

روى ضمرة : عن يحيى السيباني ، عن أبي العجفاء قال : قال عمر : لو أدركت معاذا ، ثم وليته ، ثم لقيت ربي ، فقال : من استخلفت على أمة محمد ؟ لقلت : سمعت نبيك وعبدك يقول : يأتي معاذ بن جبل بين يدي العلماء ، برتوة . [ ص: 447 ]

وروى ابن أبي عروبة ، عن شهر بن حوشب ، قال : قال عمر : فذكر نحوه وذكر معه أبا عبيدة وسالما مولى أبي حذيفة .

وروى أبو إسحاق الشيباني ، عن محمد بن عبيد الله الثقفي ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يجيء معاذ يوم القيامة أمام العلماء بين يدي العلماء .

وله إسناد آخر ضعيف .

هشام : عن الحسن مرفوعا : معاذ له نبذة بين يدي العلماء يوم القيامة .

تابعه ثابت عن الحسن .

ابن سعد : أنبأنا محمد بن عمر ، حدثنا إسحاق بن يحيى ، عن مجاهد قال : لما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة ، استخلف عليها عتاب بن أسيد يصلي بهم ، وخلف معاذا يقرئهم ، ويفقههم .

أبو أسامة : عن داود بن يزيد ، عن المغيرة بن شبيل ، عن قيس بن أبي حازم ، عن معاذ : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن ، فلما سرت أرسل في إثري فرددت ، فقال : أتدري لم بعثت إليك ؟ لا تصيبن شيئا بغير علم ; فإنه غلول ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة لقد أذعرت ، فامض لعملك رواه الروياني في " مسنده " . [ ص: 448 ]

شعبة : عن محمد بن عبيد الله ، عن الحارث بن عمرو الثقفي قال : أخبرنا أصحابنا ، عن معاذ قال : لما بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن ، قال لي : كيف تقضي إن عرض قضاء ؟ قال : قلت : أقضي بما في كتاب الله ، فإن لم يكن ، فبما قضى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فإن لم يكن فيما قضى به الرسول ؟ قال : أجتهد رأيي ولا آلو ، فضرب صدري ، وقال : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما يرضي رسول الله .

أبو اليمان : حدثنا صفوان بن عمرو ، عن راشد بن سعد ، عن عاصم بن حميد السكوني أن معاذ بن جبل لما بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن خرج يوصيه ، ومعاذ راكب ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي تحت راحلته ، فلما فرغ ، قال : يا معاذ ، إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا ، ولعلك أن تمر بمسجدي وقبري . فبكى معاذ جشعا لفراق رسول الله ، قال : لا تبك يا معاذ ، أو إن البكاء من الشيطان .

قال سيف بن عمر : حدثنا سهل بن يوسف ، عن أبيه عن عبيد بن صخر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين ودعه معاذ ، قال : حفظك الله من بين يديك ومن خلفك ، ودرأ [ ص: 449 ] عنك شر الإنس والجن . فسار فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يبعث له رتوة فوق العلماء .

وقال سيف : حدثنا جابر بن يزيد الجعفي ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - خامس خمسة على أصناف اليمن : أنا ، ومعاذ ، وخالد بن سعيد ، وطاهر بن أبي هالة ، وعكاشة بن ثور ، وأمرنا أن نيسر ولا نعسر .

شعبة : عن سعيد بن أبي بردة ، عن أبيه ، عن أبي موسى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بعثه ومعاذا إلى اليمن قال لهما : يسرا ولا تعسرا وتطاوعا ولا تنفرا . فقال له أبو موسى : إن لنا بأرضنا شرابا ، يصنع من العسل يقال له : البتع ، ومن الشعير يقال له : المزر ، قال : كل مسكر حرام . فقال لي معاذ : كيف تقرأ القرآن ؟ قلت : أقرأه في صلاتي ، وعلى راحلتي ، وقائما وقاعدا ، أتفوقه تفوقا ، يعني شيئا بعد شيء ، قال : فقال معاذ : لكني أنام ثم أقوم ، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي ، قال : وكأن معاذا فضل عليه .

سيف : حدثنا جابر الجعفي ، عن أم جهيش خالته قالت : بينا نحن بدثينة بين الجند وعدن ، إذ قيل : هذا رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوافينا القرية ، فإذا رجل متوكئ على رمحه ، متقلد السيف ، متعلق حجفة ، متنكب قوسا [ ص: 450 ] وجعبة ، فتكلم ، وقال : إني رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليكم : اتقوا الله واعملوا فإنما هي الجنة والنار ، خلود فلا موت ، وإقامة فلا ظعن ، كل امرئ عمل به عامل فعليه ولا له ، إلا ما ابتغى به وجه الله ، وكل صاحب استصحبه أحد خاذله وخائنه إلا العمل الصالح ، انظروا لأنفسكم واصبروا لها بكل شيء فإذا رجل موفر الرأس ، أدعج ، أبيض ، براق ، وضاح .

قال الواقدي : توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعامله على الجند معاذ .

وروى سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : نعم الرجل أبو بكر ، نعم الرجل عمر ، نعم الرجل معاذ بن جبل وروى نحوه ابن عيينة عن ابن المنكدر مرسلا .

حيوة بن شريح : عن عقبة بن مسلم ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن الصنابحي ، عن معاذ قال : لقيني النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا معاذ ، إني لأحبك في الله . قلت : وأنا والله يا رسول الله أحبك في الله . قال : أفلا أعلمك كلمات تقولهن دبر كل صلاة : رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .

مروان بن معاوية : عن عطاء ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد أن معاذا دخل المسجد ورسول الله ساجد ، فسجد معه ، فلما سلم ، قضى معاذ ما سبقه ، فقال له رجل : كيف صنعت ؟ سجدت ولم تعتد بالركعة ، قال : لم أكن لأرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حال إلا أحببت أن أكون معه فيها ، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فسره ، وقال : هذه سنة لكم . [ ص: 451 ]

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 09:42 PM

ابن عيينة : عن زكريا ، عن الشعبي قال : قرأ عبد الله : إن معاذا كان أمة قانتا لله حنيفا . فقال له فروة بن نوفل : إن إبراهيم ، فأعادها ، ثم قال : إن الأمة معلم الخير ، والقانت المطيع ، وإن معاذا - رضي الله عنه - كان كذلك .

وروى حيان ، عن الشعبي ، نحوها . فقيل له : يا أبا عبد الرحمن ، نسيتها . قال : لا ، ولكنا كنا نشبهه بإبراهيم . ورواه ابن علية : عن منصور بن عبد الرحمن ، عن الشعبي ، حدثني فروة بن نوفل الأشجعي بنحوه . ورواه فراس ومجالد وغيرهما ، عن الشعبي ، عن مسروق عن عبد الله . ورواه عبد الملك بن عمير : عن أبي الأحوص قال : بينما عبد الله يحدثهم إذ قال : إن معاذا كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين .

وعن محمد بن سهل بن أبي حثمة عن أبيه قال : كان الذين يفتون على [ ص: 452 ] عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة من المهاجرين : عمر ، وعثمان ، وعلي ، وثلاثة من الأنصار : أبي بن كعب ، ومعاذ ، وزيد .

وعن نيار الأسلمي : أن عمر كان يستشير هؤلاء ، فذكر منهم معاذا .

وروى موسى بن علي بن رباح ، عن أبيه ، قال : خطب عمر الناس بالجابية فقال : من أراد الفقه فليأت معاذ بن جبل .

وروى الأعمش عن أبي سفيان ، قال : حدثني أشياخ منا أن رجلا غاب عن امرأته سنتين ، فجاء وهي حبلى ، فأتى عمر ، فهم برجمها ، فقال لهمعاذ : إن يك لك عليها سبيل فليس لك على ما في بطنها سبيل ، فتركها ، فوضعت غلاما بان أنه يشبه أباه قد خرجت ثنيتاه ، فقال الرجل : هذا ابني ، فقال عمر : عجزت النساء أن يلدن مثل معاذ ، لولا معاذ لهلك عمر .

الواقدي : حدثنا أيوب بن النعمان بن عبد الله بن كعب بن مالك ، عن أبيه ، عن جده قال : كان عمر يقول حين خرج معاذ إلى الشام : لقد أخل خروجه بالمدينة وأهلها في الفقه ، وفيما كان يفتيهم به ، ولقد كنت كلمت أبا بكر أن يحبسه لحاجة الناس إليه ، فأبى علي وقال : رجل أراد وجها - يعني الشهادة - فلا أحبسه .

قلت : إن الرجل ليرزق الشهادة وهو على فراشه .

الأعمش : عن شمر بن عطية ، عن شهر بن حوشب ، قال : كان أصحاب [ ص: 453 ] محمد - صلى الله عليه وسلم - إذا تحدثوا وفيهم معاذ ، نظروا إليه هيبة له .

جعفر بن برقان : حدثنا حبيب بن أبي مرزوق ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن أبي سلمة الخولاني قال : دخلت مسجد حمص ، فإذا فيه نحو من ثلاثين كهلا من الصحابة ، فإذا فيهم شاب أكحل العينين ، براق الثنايا ساكت ، فإذا امترى القوم ، أقبلوا عليه ، فسألوه ، فقلت : من هذا ؟ قيل : معاذ بن جبل . فوقعت محبته في قلبي .

معمر : عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب قال : كان معاذ شابا جميلا سمحا من خير شباب قومه ، لا يسأل شيئا إلا أعطاه ، حتى كان عليه دين أغلق ماله كله ، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكلم له غرماءه ففعل ، فلم يضعوا له شيئا ، فلو ترك أحد لكلام أحد لترك لمعاذ لكلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يبرح حتى باع ماله ، وقسمه بينهم ، فقام معاذ ولا مال له ، ثم بعثه على اليمن ليجبره ، فكان أول من تجر في هذا المال ، فقدم على أبي بكر ، فقال له عمر : هل لك يا معاذ أن تطيعني ؟ تدفع هذا المال إلى أبي بكر ، فإن أعطاكه فاقبله ، فقال : لا أدفعه إليه ، وإنما بعثني نبي الله ليجبرني ، فانطلق عمر إلى أبي بكر ، فقال : خذ منه ودع له ، قال : ما كنت لأفعل ، وإنما بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليجبره .

فلما أصبح معاذ ، انطلق إلى عمر ، فقال : ما أراني إلا فاعل الذي قلت ، لقد رأيتني البارحة ، أظنه قال : أجر إلى النار ، وأنت آخذ بحجزتي . فانطلق إلى أبي بكر بكل ما جاء به ، حتى جاءه بسوطه ، [ ص: 454 ] قال أبو بكر : هو لك لا آخذ منه شيئا ، وفي لفظ : قد وهبته لك ، فقال عمر : هذا حين حل وطاب ، وخرج معاذ عند ذلك إلى الشام .

ورواه الذهلي : عن عبد الرزاق عن معمر : فقال : بدل أجر إلى النار : كأني في ماء قد خشيت الغرق فخلصتني .

الواقدي : حدثنا عيسى بن النعمان ، عن معاذ بن رفاعة ، عن جابر بن عبد الله قال : كان معاذ من أحسن الناس وجها ، وأحسنه خلقا ، وأسمحه كفا ، فادان ، فلزمه غرماؤه ، حتى تغيب أياما . . . وذكر الحديث وقال فيه : فقدم بغلمان .

الأعمش : عن شقيق قدم معاذ من اليمن برقيق ، فلقي عمر بمكة ، فقال : ما هؤلاء ؟ قال : أهدوا لي ، قال : ادفعهم إلى أبي بكر ، فأبى ، فبات ، فرأى كأنه يجر إلى النار وأن عمر يجذبه ، فلما أصبح ، قال : يا ابن الخطاب ما أراني إلا مطيعك . إلى أن قال : فدفعهم أبو بكر إليه ، ثم أصبح فرآهم يصلون ، قال : لمن تصلون ؟ قالوا : لله ، قال : فأنتم لله .

ابن جريج : أنبأنا ابن أبي الأبيض ، عن أبي حازم ، عن سعيد بن المسيب أن عمر بعث معاذا ساعيا على بني كلاب أو غيرهم ، فقسم فيهم فيئهم حتى لم يدع شيئا ، حتى جاء بحلسه الذي خرج به على رقبته . [ ص: 455 ] وعن نافع قال : كتب عمر إلى أبي عبيدة ومعاذ : انظروا رجالا صالحين ، فاستعملوهم على القضاء وارزقوهم .

روى أيوب : عن أبي قلابة وغيره أن فلانا مر به أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : أوصوني ، فجعلوا يوصونه ، وكان معاذ بن جبل في آخر القوم ، فقال : أوصني يرحمك الله ، قال : قد أوصوك فلم يألوا ، وإني سأجمع لك أمرك : اعلم أنه لا غنى بك عن نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك إلى الآخرة أفقر ، فابدأ بنصيبك من الآخرة ، فإنه سيمر بك على نصيبك من الدنيا فينتظمه ، ثم يزول معك أينما زلت .

روى حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت عن معاذ قال : ما بزقت على يميني منذ أسلمت .

قال أيوب بن سيار : عن يعقوب بن زيد ، عن أبي بحرية قال : دخلت مسجد حمص فإذا بفتى حوله الناس ، جعد ، قطط ، إذا تكلم كأنما يخرج من فيه نور ولؤلؤ ، فقلت : من هذا ؟ قالوا : معاذ بن جبل .

حريز بن عثمان : عن المشيخة ، عن أبي بحرية ، عن معاذ قال : ما عمل آدمي عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله . قالوا : يا أبا عبد الرحمن ، ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا ، إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع ; لأن الله تعالى يقول في كتابه : ولذكر الله أكبر . [ ص: 456 ]

نعيم بن حماد : حدثنا ابن المبارك ، حدثنا محمد بن مطرف ، حدثنا أبو حازم ، عن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع ، عن مالك الدار أن عمر - رضي الله عنه - أخذ أربع مائة دينار ، فقال لغلام : اذهب بها إلى أبي عبيدة ، ثم تله ساعة في البيت حتى تنظر ما يصنع . قال : فذهب بها الغلام فقال : يقول لك أمير المؤمنين : خذ هذه ، فقال : وصله الله ورحمه ، ثم قال : تعالي يا جارية ، اذهبي بهذه السبعة إلى فلان ، وبهذه الخمسة إلى فلان ، حتى أنفذها .

فرجع الغلام إلى عمر ، وأخبره ، فوجده قد أعد مثلها لمعاذ بن جبل . فأرسله بها إليه ، فقال معاذ : وصله الله يا جارية ، اذهبي إلى بيت فلان بكذا ، ولبيت فلان بكذا . فاطلعت امرأة معاذ ، فقالت : ونحن والله مساكين ، فأعطنا ، ولم يبق في الخرقة إلا ديناران ، فدحا بهما إليها . ورجع الغلام ، فأخبر عمر ، فسر بذلك ، وقال : إنهم إخوة بعضهم من بعض .

قرأت على إسحاق بن أبي بكر ، أخبرك يوسف الحافظ ، أنبأنا أبو المكارم اللبان ، أخبرنا أبو علي الحداد ، أنبأنا أبو نعيم ، حدثنا محمد بن علي ، حدثنا ابن قتيبة ( ح ) وأنبأنا أبو المعالي الغرافي ، أنبأنا الفتح بن عبد الله ، أنبأنا الأرموي ، وابن الداية ، والطرائفي ، قالوا : أنبأنا محمد بن أحمد ، أنبأنا عبد الله بن عبد الرحمن ، حدثنا جعفر بن محمد ، قالا : حدثنا يزيد بن موهب ، [ ص: 457 ] حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب أن أبا إدريس الخولاني أخبره أن يزيد بن عميرة ، وكان من أصحاب معاذ بن جبل ، قال : كان لا يجلس مجلسا إلا قال : الله حكم قسط تبارك اسمه ، هلك المرتابون . فذكر الحديث ، وفيه : فقلت لمعاذ : ما يدريني أن الحكيم يقول كلمة الضلالة ؟ قال : بلى ، اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال ما هذه ، ولا يثنيك ذلك عنه ; فإنه لعله يرجع ويتبع الحق إذا سمعه ، فإن على الحق نورا . اللفظ لابن قتيبة .

سليمان بن بلال : عن موسى بن عبيدة عن أيوب بن خالد ، عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة أن أبا عبيدة لما أصيب ، استخلف معاذ بن جبل - يعني في طاعون عمواس - اشتد الوجع ، فصرخ الناس إلى معاذ : ادع الله أن يرفع عنا هذا الرجز ، قال : إنه ليس برجز ولكن دعوة نبيكم ، وموت الصالحين قبلكم ، وشهادة يخص الله من يشاء منكم ، أيها الناس ، أربع خلال من استطاع أن لا تدركه ، قالوا : ما هي ؟ قال : يأتي زمان يظهر فيه الباطل ، ويأتي زمان يقول الرجل : والله ما أدري ما أنا ، لا يعيش على بصيرة ، ولا يموت على بصيرة .

أحمد بن حنبل في " مسنده " حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا مسرة بن معبد ، [ ص: 458 ] عن إسماعيل بن عبيد الله قال : قال معاذ بن جبل : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ستهاجرون إلى الشام ، فيفتح لكم ، ويكون فيه داء ، كالدمل أو كالوخزة يأخذ بمراق الرجل ، فيشهد أو فيستشهد الله بكم أنفسكم ، ويزكي بها أعمالكم . اللهم إن كنت تعلم أن معاذا سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطه هو وأهل بيته الحظ الأوفر منه ، فأصابهم الطاعون ، فلم يبق منهم أحد ، فطعن في أصبعه السبابة ، فكان يقول : ما يسرني أن لي بها حمر النعم .

همام : حدثنا قتادة ، ومطر ، عن شهر عن عبد الرحمن بن غنم ، قال : وقع الطاعون بالشام ، فخطب الناس عمرو بن العاص ، فقال : هذا الطاعون رجز ، ففروا منه في الأودية والشعاب ، فبلغ ذلك شرحبيل بن حسنة ، فغضب ، وجاء يجر ثوبه ، ونعلاه في يده ، فقال : صحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكنه رحمة ربكم ، ودعوة نبيكم ، ووفاة الصالحين قبلكم . فبلغ ذلك معاذا فقال : اللهم اجعل نصيب آل معاذ الأوفر .

فماتت ابنتاه ، فدفنهما في قبر واحد . وطعن ابنه عبد الرحمن ، فقال ، يعني لابنه ، لما سأله : كيف تجدك ؟ قال : الحق من ربك فلا تكن من الممترين قال : ستجدني إن شاء الله من الصابرين قال : وطعن معاذ في كفه ، فجعل يقلبها ، ويقول : هي أحب إلي من حمر النعم . فإذا سري عنه ، قال : رب ، غم غمك ، فإنك تعلم أني أحبك .

ورأى رجلا يبكي ، قال : ما يبكيك ؟ قال : ما أبكي على دنيا كنت أصبتها منك ، ولكن أبكي على العلم الذي كنت أصيبه منك ، قال : ولا تبكه ; فإن [ ص: 459 ] إبراهيم - صلوات الله عليه - كان في الأرض وليس بها علم ، فآتاه الله علما ، فإن أنا مت ، فاطلب العلم عند أربعة : عبد الله بن مسعود ، وسلمان الفارسي ، وعبد الله بن سلام ، وعويمر أبي الدرداء .

ابن لهيعة : عن أبي الأسود ، عن عروة قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استخلف معاذا على مكة حين خرج إلى حنين ، وأمره أن يعلمهم القرآن والدين .

أبو قحذم النضر بن معبد : عن أبي قلابة ، وعن ابن عمر قال : مر عمر بمعاذ وهو يبكي ، فقال : ما يبكيك ؟ قال : حديث سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن أدنى الرياء شرك ، وأحب العبيد إلى الله الأتقياء الأخفياء ، الذين إذا غابوا لم يفتقدوا ، وإذا شهدوا لم يعرفوا ، أولئك مصابيح العلم وأئمة الهدى .

أخرجه الحاكم وصححه ، وخولف فإن النسائي قال : أبو قحذم ليس بثقة .

يوسف بن مسلم : حدثنا عبيد بن تميم ، حدثنا الأوزاعي ، عن عبادة بن نسي ، [ ص: 460 ] عن ابن غنم قال : سمعت أبا عبيدة وعبادة بن الصامت يقولان : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : معاذ بن جبل أعلم الأولين والآخرين بعد النبيين والمرسلين ، وإن الله يباهي به الملائكة .

قد أخرجه الحاكم في " صحيحه " فأخطأ ، وعبيد لا يعرف ، فلعله افتعله .

الأعمش : عن شهر بن حوشب ، عن الحارث بن عميرة ، قال : إني لجالس عند معاذ ، وهو يموت ، وهو يغمى عليه ويفيق ، فقال : اخنق خنقك فوعزتك إني لأحبك .

قال يحيى بن بكير : سمعت مالكا يقول : هو أمام العلماء رتوة .

هلك ابن ثمان وعشرين ، وقيل : ابن اثنتين وثلاثين .

هشيم : أنبأنا علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب قال : قبض معاذ وهو ابن ثلاث أو أربع وثلاثين سنة .

المدائني : عن أبي سفيان الغداني عن ثور ، عن خالد بن معدان أن عبد الله بن قرط قال : حضرت وفاة معاذ بن جبل ، فقال : روحوني ألقى الله مثل سن عيسى ابن مريم ابن ثلاث أو أربع وثلاثين سنة . [ ص: 461 ]

قلت : يعني عندما رفع عيسى إلى السماء ، قال ضمرة بن ربيعة : توفي معاذ بقصير خالد من الأردن .

قال يزيد بن عبيدة : توفي معاذ سنة سبع عشرة .

وقال المدائني وجماعة : سنة سبع أو ثمان عشرة .

وقال ابن إسحاق والفلاس : سنة ثمان عشرة .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 09:44 PM

عبد الله بن مسعود

( ع )

عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار .

الإمام الحبر ، فقيه الأمة ، أبو عبد الرحمن الهذلي المكي المهاجري البدري ، حليف بني زهرة .

كان من السابقين الأولين ، ومن النجباء العالمين ، شهد بدرا ، وهاجر الهجرتين ، وكان يوم اليرموك على النفل ، ومناقبه غزيرة ، روى علما كثيرا .

حدث عنه أبو موسى ، وأبو هريرة ، وابن عباس ، وابن عمر ، وعمران بن حصين ، وجابر ، وأنس ، وأبو أمامة ، في طائفة من الصحابة ، وعلقمة ، [ ص: 462 ] والأسود ، ومسروق ، وعبيدة ، وأبو وائلة ، وقيس بن أبي حازم ، وزر بن حبيش ، والربيع ، بن خثيم ، وطارق بن شهاب ، وزيد بن وهب ، وولداه أبو عبيدة وعبد الرحمن ، وأبو الأحوص عوف بن مالك ، وأبو عمرو الشيباني ، وخلق كثير .

وروى عنه القراءة أبو عبد الرحمن السلمي ، وعبيد بن نضيلة ، وطائفة .

اتفقا له في الصحيحين على أربعة وستين ، وانفرد له البخاري بإخراج أحد وعشرين حديثا ، ومسلم بإخراج خمسة وثلاثين حديثا ، وله عند بقي بالمكرر ثماني مائة وأربعون حديثا .

قال قيس بن أبي حازم : رأيته آدم خفيف اللحم ، وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : كان عبد الله رجلا نحيفا ، قصيرا ، شديد الأدمة ، وكان لا يغير شيبه .

وروى الأعمش ، عن إبراهيم قال : كان عبد الله لطيفا ، فطنا .

قلت : كان معدودا في أذكياء العلماء .

وعن ابن المسيب قال : رأيت ابن مسعود عظيم البطن ، أحمش الساقين .

قلت : رآه سعيد لما قدم المدينة عام توفي سنة اثنتين وثلاثين وكان يعرف أيضا بأمه ، فيقال له : ابن أم عبد .

قال محمد بن سعد : أمه هي أم عبد بنت عبد ود بن سوي من بني زهرة .

وروي عن علقمة : عن عبد الله ، قال : كناني النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا عبد الرحمن قبل أن يولد لي . [ ص: 463 ]

وروى المسعودي : عن سليمان بن مينا ، عن نويفع مولى ابن مسعود ، قال : كان عبد الله من أجود الناس ثوبا أبيض ، وأطيب الناس ريحا .

يعقوب بن شيبة : حدثني بشر بن مهران ، حدثنا شريك ، عن عثمان بن المغيرة ، عن زيد بن وهب قال : قال عبد الله : إن أول شيء علمته من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قدمت مكة مع عمومة لي أو أناس من قومي ، نبتاع منها متاعا ، وكان في بغيتنا شراء عطر ، فأرشدونا على العباس ، فانتهينا إليه ، وهو جالس إلى زمزم ، فجلسنا إليه ، فبينا نحن عنده ، إذ أقبل رجل من باب الصفا ، أبيض ، تعلوه حمرة ، له وفرة جعدة ، إلى أنصاف أذنيه ، أشم ، أقنى ، أذلف ، أدعج العينين ، براق الثنايا ، دقيق المسربة ، شثن الكفين والقدمين ، كث اللحية ، عليه ثوبان أبيضان ، كأنه القمر ليلة البدر ، يمشي على يمينه غلام حسن الوجه ، مراهق أو محتلم ، تقفوهم امرأة قد سترت محاسنها ، حتى قصد نحو الحجر ، فاستلم ، ثم استلم الغلام ، واستلمت المرأة ، ثم طاف بالبيت سبعا ، وهما يطوفان معه ، ثم استقبل الركن ، فرفع يده وكبر ، وقام ثم ركع ، ثم سجد ثم قام . فرأينا شيئا أنكرناه ، لم نكن نعرفه بمكة .

فأقبلنا على العباس ، فقلنا : يا أبا الفضل ، إن هذا الدين حدث فيكم ، أو أمر لم نكن نعرفه ؟ قال : أجل والله ما تعرفون هذا ، هذا ابن أخي محمد بن عبد الله ، والغلام علي بن أبي طالب ، والمرأة خديجة بنت خويلد امرأته ، أما والله ما على وجه الأرض أحد نعلمه يعبد الله بهذا الدين إلا هؤلاء الثلاثة
. [ ص: 464 ]

قال ابن شيبة لا نعلم روى هذا إلا بشر الخصاف وهو رجل صالح .

محمد بن أبي عبيدة بن معن المسعودي : عن أبيه ، عن الأعمش ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه قال : قال عبد الله : لقد رأيتني سادس ستة وما على ظهر الأرض مسلم غيرنا .

وقال ابن إسحاق : أسلم ابن مسعود بعد اثنين وعشرين نفسا ، وعن يزيد بن رومان قال : أسلم عبد الله قبل دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم .

أخبرنا أحمد بن سلامة وأحمد بن عبد السلام ، إجازة ، عن عبد المنعم بن كليب ، أنبأنا علي بن بيان ، أنبأنا محمد بن محمد ، أنبأنا إسماعيل بن محمد ( ح ) وقرأت على أحمد بن إسحاق ، وعبد الحافظ بن بدران ، أخبركما أبو البركات الحسن بن محمد ، أنبأنا محمد بن الخليل بن فارس ، في سنة ثمان وأربعين وخمس مائة ، وأنا في الخامسة ( ح ) وأنبأنا علي بن محمد ، وعمر بن عبد المنعم ، وعبد المنعم بن عساكر ، وأبو علي بن الجلال ، وابن مؤمن ، قالوا : أنبأنا محمد بن هبة الله القاضي ، أنبأنا حمزة بن علي الثعلبي ( ح ) وأنبأنا أبو جعفر محمد بن علي ، وأحمد بن عبد الرحمن قالا :

أنبأنا أبو القاسم بن صصرى ، [ ص: 465 ] أنبأنا أبو القاسم الحسين بن الحسن الأسدي ، وأبو يعلى بن الحبوبي ( ح ) وأنبأنا إبراهيم بن أحمد الطائي ، ومحمد بن الحسن الأرموي ، والحسن بن علي الدمشقي ، وإسماعيل بن عبد الرحمن المرداوي ، وأحمد بن مؤمن ، وست الفخر بنت عبد الرحمن ، قالوا : أخبرتنا كريمة بنت عبد الوهاب القرشية ، أنبأنا أبو يعلى حمزة بن الحبوبي ، قالوا : أنبأنا علي بن محمد بن علي الفقيه ، أنبأنا عبد الرحمن بن عثمان التميمي ، أنبأنا إبراهيم بن أبي ثابت قالا :

أنبأنا الحسن بن عرفة العبدي ( ح ) وأنبأنا عبد الرحمن بن محمد ، والمسلم بن محمد ، وعلي بن أحمد ، قالوا : أنبأنا حنبل ، أنبأنا ابن الحصين ، أنبأنا ابن المذهب ، أنبأنا أبو بكر القطيعي ، أنبأنا عبد الله بن أحمد الشيباني ، حدثني أبي قالا : أنبأنا أبو بكر بن عياش ، حدثني عاصم ، عن زر ، عن ابن مسعود قال : كنت أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط ، فمر بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر ، فقال : يا غلام ، هل من لبن ؟ قلت : نعم ، ولكني مؤتمن ، قال : فهل من شاة لم ينز عليها الفحل ؟ فأتيته بشاة ، فمسح ضرعها ، فنزل لبن ، فحلب في إناء ، فشرب ، وسقى أبا بكر ، ثم قال للضرع : اقلص ، فقلص . زاد أحمد قال : ثم أتيته بعد هذا ، ثم اتفقا - فقلت : يا رسول الله ، علمني من هذا القول ، فمسح رأسي ، وقال : يرحمك الله إنك غليم معلم .

هذا حديث صحيح الإسناد ورواه أبو عوانة عن عاصم ابن بهدلة ، وفيه زيادة منها : فلقد أخذت من فيه - صلى الله عليه وسلم - سبعين سورة ما نازعني فيها بشر ، ورواه [ ص: 466 ] إبراهيم بن الحجاج السامي عن سلام أبي المنذر ، عن عاصم ، وفيه : قال : فأتيته بصخرة منقعرة ، فحلب فيها ، قال : فأسلمت وأتيته .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 09:45 PM

عبيد الله بن موسى ، وغيره : حدثنا إسرائيل ، عن المقدام بن شريح عن أبيه ، عن سعد قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن ستة ، فقال المشركون : اطرد هؤلاء عنك فلا يجترئون علينا ، وكنت أنا ، وابن مسعود ، ورجل من هذيل ، ورجلان نسيت اسمهما ، لوقع في نفس النبي - صلى الله عليه وسلم - ما شاء الله ، وحدث به نفسه ، فأنزل الله تعالى : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي .

رواه قبيصة ، عن الثوري ، عن المقدام .

ابن إسحاق : حدثني يحيى بن عروة بن الزبير ، عن أبيه قال : أول من جهر بالقرآن بمكة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن مسعود .

أبو بكر : عن عاصم ، عن زر قال : أول من قرأ آية عن ظهر قلبه عبد الله بن مسعود . [ ص: 467 ]

قلت : هذا مؤول ، فقد صلى قبل عبد الله جماعة بالقرآن .

أبو داود في " سننه " : حدثنا أبو سلمة ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - آخى بين الزبير وابن مسعود .

وروى مثله سفيان بن حسين ، عن يعلى بن مسلم ، عن أبي الشعثاء ، عن ابن عباس ، رواه الحاكم في " مستدركه " .

وفيه لمجاهد ، عن عبد الله بن سخبرة قال : رأيت ابن مسعود آدم ، لطيف الجسم ، ضعيف اللحم .

قلت : أكثر من آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهم مهاجري وأنصاري .

قال موسى بن عقبة : وممن قدم من مهاجرة الحبشة ، الهجرة الأولى إلى مكة ، على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن مسعود ، ثم هاجر إلى المدينة .

يحيى الحماني : حدثنا يحيى بن سلمة بن كهيل ، عن أبيه ، عن عكرمة ، قال ابن عباس : ما بقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد إلا أربعة ، أحدهم ابن مسعود .

شعبة : عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص سمعت أبا مسعود وأبا موسى [ ص: 468 ] حين مات عبد الله بن مسعود ، وأحدهما يقول لصاحبه : أتراه ترك بعده مثله ؟ قال : لئن قلت ذاك ، لقد كان يؤذن له إذا حجبنا ويشهد إذا غبنا . يحيى ، عن قطبة ، عن الأعمش ، عن مالك بن الحارث ، عن أبي الأحوص بنحوه .

وأخرج البخاري والنسائي من حديث أبي موسى قال : قدمت أنا وأخي من اليمن ، فمكثنا حينا ، وما نحسب ابن مسعود وأمه إلا من أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - لكثرة دخولهم وخروجهم عليه .

الأعمش : عن أبي عمرو الشيباني ، عن أبي موسى قال : والله لقد رأيت عبد الله وما أراه إلا عبد آل محمد - صلى الله عليه وسلم - .

حدثنا السلفي : حدثنا الثقفي أنبأنا ابن بشران ، أنبأنا محمد بن عمرو ، حدثنا محمد بن عبد الجبار ، حدثنا حفص بن غياث ، عن الحسن بن عبيد الله ، عن إبراهيم بن سويد ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن عبد الله ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا عبد الله ، إذنك علي أن ترفع الحجاب ، وتسمع سوادي حتى أنهاك . [ ص: 469 ]

رواه الثوري ، وزائدة ، عن الحسن بن عبيد الله . وفي لفظ : أن ترفع الستر ، وأن تستمع سوادي .

ورواه سفيان بن عيينة عن عمرو ، عن رجل سماه ، عن إبراهيم بن سويد ، عن عبد الله . وهذا منقطع . وكذا رواه ابن مهدي ، عن سفيان ، عن الحسن . والسواد : السرار ، وقيل : المحادثة .

وفي " مسند أحمد " من طريق ابن عون ، عن عمرو بن سعيد ، عن حميد بن عبد الرحمن قال : قال ابن مسعود : كنت لا أحبس عن النجوى وعن كذا ، وعن كذا .

وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : كان ابن مسعود صاحب سواد رسول الله - يعني سره - ووساده - يعني فراشه - وسواكه ، ونعليه ، وطهوره . وهذا يكون في السفر .

ابن سعد : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا المسعودي ، عن القاسم بن عبد الرحمن قال : كان عبد الله يلبس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعليه ، ثم يمشي أمامه بالعصا ، حتى إذا أتى مجلسه ، نزع نعليه ، فأدخلهما في ذراعه ، وأعطاه العصا ، وكان يدخل الحجرة أمامه بالعصا . [ ص: 470 ]

المسعودي : عن عياش العامري ، عن عبد الله بن شداد قال : كان عبد الله صاحب الوساد والسواك والنعلين .

الأعمش : عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله ، قال : لما نزلت ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح الآية ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قيل لي : أنت منهم رواه مسلم .

منصور والأعمش : عن أبي وائل قال : كنت مع حذيفة ، فجاء ابن مسعود ، فقال حذيفة : إن أشبه الناس هديا ودلا وقضاء وخطبة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حين يخرج من بيته ، إلى أن يرجع ، لا أدري ما يصنع في أهله لعبد الله بن مسعود ، ولقد علم المتهجدون من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أن عبد الله من أقربهم عند الله وسيلة يوم القيامة .

لفظ منصور ، كذا قال المتهجدون ولعله المجتهدون .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 09:46 PM

الأعمش : عن إبراهيم ، عن علقمة قال : كنا عند عبد الله ، فجاء خباب بن الأرت حتى قام علينا ، في يده خاتم من ذهب ، فقال : أكل هؤلاء يقرؤون كما تقرأ ؟ فقال عبد الله : إن شئت أمرت بعضهم يقرأ ، قال : أجل ، فقال : اقرأ يا علقمة ، فقال فلان : أتأمره أن يقرأ وليس بأقرئنا ؟ قال عبد الله : إن شئت حدثتك بما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قومه وقومك . قال علقمة : فقرأت خمسين آية من سورة مريم ، فقال عبد الله : ما قرأ إلا كما أقرأ . ثم قال عبد الله : ألم يأن لهذا الخاتم أن يطرح ؟ فنزعه ، ورمى به ، وقال : والله لا تراه علي أبدا . [ ص: 471 ]

شيبان : عن الأعمش ، عن مالك بن الحارث ، عن أبي الأحوص قال : أتيت أبا موسى وعنده عبد الله وأبو مسعود الأنصاري وهم ينظرون إلى مصحف ، فتحدثنا ساعة ، ثم خرج عبد الله ، وذهب ، فقال أبو مسعود : والله ما أعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك أحدا أعلم بكتاب الله من هذا القائم .

الأعمش : عن أبي الضحى ، عن مسروق قال عبد الله : والذي لا إله غيره لقد قرأت من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضعا وسبعين سورة ، ولو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني تبلغنيه الإبل لأتيته . [ ص: 472 ]

جامع بن شداد : حدثنا عبد الله بن مرداس : كان عبد الله يخطبنا كل خمس على رجليه ، فنشتهي أن يزيد .

الأعمش : عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، قال ابن مسعود : لو تعلمون ذنوبي ما وطئ عقبي رجلان .

جابر بن نوح : عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله قال : ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت وفيما نزلت . الحديث .

الثوري : عن أبي إسحاق ، عن خمير بن مالك قال : قال عبد الله : لقد قرأت من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعين سورة ، وزيد له ذؤابة يلعب مع الغلمان . [ ص: 473 ]

عبدة بن سليمان : عن الأعمش ، عن شقيق ، قال عبد الله : ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة على قراءة من تأمروني أن أقرأ ؟ لقد قرأت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعين سورة ، ولقد علم أصحاب محمد أني أعلمهم بكتاب الله ، ولو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني ، لرحلت إليه . قال شقيق : فجلست في حلق من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فما سمعت أحدا منهم يعيب عليه شيئا مما قال ولا يرد عليه . [ ص: 474 ]

شعبة : عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن عبد الله أنهم ذكروا قراءته ، فكأنهم عابوه ، فقال : لقد علم أصحاب رسول الله أني أقرؤهم لكتاب الله ، ثم كأنه ندم ، فقال : ولست بخيرهم .

سويد بن سعيد : حدثنا علي بن مسهر ، عن الأعمش ، عن أبي وائل قال : لما أمر عثمان بتشقيق المصاحف ، قام عبد الله خطيبا فقال : لقد علم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أني أعلمهم بكتاب الله . ثم قال : وما أنا بخيرهم . [ ص: 475 ]

زائدة وأبو بكر بن عياش : عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بين أبي بكر وعمر ، وعبد الله قائم يصلي ، فافتتح سورة النساء يسجلها ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأ قراءة ابن أم عبد . فأخذ عبد الله في الدعاء ، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : سل تعط . فكان فيما سأل : اللهم إني أسألك إيمانا لا يرتد ، ونعيما لا ينفد ، ومرافقة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - في أعلى جنان الخلد . فأتى عمر عبد الله يبشره ، فوجد أبا بكر خارجا قد سبقه ، فقال : إنك لسباق بالخير .

رواه يزيد بن هارون ، عن عبيدة ، عن أبي وائل ، عن عبد الله .

أبو معاوية وغيره : عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة قال : جاء رجل إلى عمر وهو بعرفة ( ح ) والأعمش عن خيثمة ، عن قيس بن مروان أنه أتى عمر ، فقال : جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة ، وتركت بها رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلب ، فغضب عمر ، وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتي الرجل ، فقال : ومن هو ويحك ؟ فقال : ابن مسعود . فما زال يطفئ غضبه ، ويتسرى عنه حتى عاد إلى حاله ، ثم قال : ويحك ! والله ما أعلم بقي من الناس أحد هو [ ص: 476 ] أحق بذلك منه ، وسأحدثك : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يزال يسمر عند أبي بكر الليلة كذلك في الأمر من أمر المسلمين ، وإنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرجنا معه ، فإذا رجل قائم يصلي في المسجد ، فقام رسول الله يسمع قراءته ، فلما كدنا أن نعرفه ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من سره أن يقرأ القرآن رطبا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد . قال : ثم جلس يدعو ، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول له : سل تعطه . فقلت : والله لأغدون إليه فلأبشره ، قال : فغدوت فوجدت أبا بكر قد سبقني .

رواه أحمد في " مسنده " عن أبي معاوية ، وروى نحوه يحيى بن سعيد الأموي ، عن مالك بن مغول ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن خيثمة فذكر القصة .

محمد بن جعفر بن أبي كثير : عن إسماعيل بن صخر الأيلي ، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار ، عن أبيه ، عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بابن مسعود وهو يقرأ حرفا حرفا ، فقال : من سره أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليسمعه من ابن مسعود .

أحمد بن حنبل في " المسند " : حدثنا وكيع ، عن عيسى بن دينار ، عن أبيه ، عن عمرو بن الحارث المصطلقي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحو ما قبله وروى [ ص: 477 ] جرير بن أيوب البجلي ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحوه .

زهير بن معاوية : عن منصور ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث عن علي ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لو كنت مؤمرا أحدا عن غير مشورة لأمرت عليهم ابن أم عبد .

رواه وكيع ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، ورواه أبو سعيد مولى بني هاشم ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، وقد رواه القاسم بن معن ، عن منصور ، فقال : عاصم بن ضمرة بدل الحارث . ولفظ وكيع : لو كنت مستخلفا من غير مشورة لاستخلفت ابن أم عبد .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 09:48 PM

ابن فضيل : حدثنا مغيرة عن أم موسى : سمعت عليا يقول : أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن مسعود ، فصعد شجرة يأتيه منها بشيء ، فنظر أصحابه إلى ساق عبد الله ، فضحكوا من حموشة ساقيه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما تضحكون ؟ لرجل عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد . [ ص: 478 ]

ورواه جرير ، عن مغيرة ، وروى حماد بن سلمة عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله نحوه ، ورواه أبو عتاب الدلال عن شعبة ، عن معاوية بن قرة بن إياس المزني ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه .

الثوري : عن عبد الملك بن عمير ، عن مولى لربعي ، عن ربعي ، عن حذيفة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ، واهتدوا بهدي عمار ، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد .

رواه جماعة هكذا عنه . ورواه أسباط ، عن الثوري فأسقط منه مولى ربعي ، ورواه مسعر عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعي . ورواه سالم المرادي عن عمرو بن هرم عن ربعي ، عن حذيفة وقال : وكيع عن سالم المرادي ، فقال عن عمرو بن مرة ، والأول أشبه . ورواه يحيى بن سلمة بن كهيل ، [ ص: 479 ] عن أبيه ، عن أبي الزعراء ، عن ابن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال فذكره .

وقال يحيى بن يعلى : حدثنا زائدة ، عن منصور ، عن زيد بن وهب ، عن عبد الله ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد .

رواه الثوري وإسرائيل ، عن منصور ، فقال عن القاسم بن عبد الرحمن مرسلا . وكذا قال ابن عيينة ، عن أبي العميس ، عن القاسم مرسلا .

وقال أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب الفراء : حدثنا جعفر بن عون ، عن المسعودي ، عن جعفر بن عمرو بن حريث : عن أبيه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قد رضيت لكم ما رضي لكم ابن أم عبد .

أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن ، حدثنا عبد الله بن أحمد الفقيه ، حدثنا هبة الله بن الحسن الدقاق ، حدثنا أبو الفضل عبد الله بن علي ، سنة أربع وثمانين وأربع مائة ، أنبأنا أبو الحسين بن بشران ، أنبأنا محمد بن عمرو ، حدثنا عباس بن محمد ، حدثنا أبو عتاب سهل بن حماد ، حدثنا شعبة ، عن معاوية بن قرة ، عن أبيه قال : صعد ابن مسعود شجرة فجعلوا يضحكون من دقة ساقيه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لهما في الميزان أثقل من أحد . [ ص: 480 ]

حاتم بن الليث : حدثنا يعقوب بن محمد ، حدثنا ابن أبي فديك ، عن موسى بن يعقوب ، عن ابن أبي حرملة ، حدثتني سارة بنت عبد الله بن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : والذي نفسي بيده إن عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد .

علي بن مسهر : عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبيدة ، عن عبد الله ، قال : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اقرأ علي القرآن . قلت : يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال : إني أشتهي أن أسمعه من غيري . فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا فغمزني برجله ، فإذا عيناه تذرفان .

رواه أبو الأحوص ، عن الأعمش ، فقال : " علقمة " بدل " عبيدة " . ورواه شعبة والثوري عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الله منقطعا .

البزار صاحب " المسند " : حدثنا أحمد بن مالك ، حدثنا مفضل بن محمد الكوفي ، حدثنا الأعمش ، ومغيرة ، وابن مهاجر ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، [ ص: 481 ]

عن عبد الله ، قال : استقرأني النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم على المنبر سورة النساء ، فقرأت حتى بلغت : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا فاغرورقت عينا النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : : من سره أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد .

مفضل تركه أبو حاتم ، ومشاه غيره .

الحميدي في " مسنده " حدثنا سفيان حدثنا المسعودي ، عن القاسم ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن مسعود : اقرأ . فقال : أقرأ وعليك أنزل ؟ . . . الحديث .

أخبرنا سنقر القضائي ، حدثنا عبد اللطيف بن يوسف ، وعبد اللطيف بن محمد القبيطي ، وجماعة ، قالوا : حدثنا محمد بن عبد الباقي ، حدثنا مالك بن أحمد ، حدثنا أحمد بن محمد بن الصلت ، حدثنا إبراهيم بن عبد الصمد ، حدثنا عبيد بن أسباط ، حدثني أبي ، حدثنا سفيان ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعي ، عن حذيفة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر وعمر ، واهتدوا بهدي عمار ، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد . [ ص: 482 ]

عفان : حدثنا الأسود بن شيبان ، حدثنا أبو نوفل بن أبي عقرب قال : قال عمرو بن العاص في مرضه ، وقد جزع ، فقيل له : قد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدنيك ويستعملك ، قال : والله ما أدري ما كان ذاك منه ، أحب أو كان يتألفني ، ولكن أشهد على رجلين أنه مات وهو يحبهما : ابن أم عبد وابن سمية .

أبو نعيم : حدثنا فطر بن خليفة ، عن كثير النواء ، سمعت عبد الله بن مليل سمعت عليا يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنه لم يكن نبي إلا وقد أعطي سبعة نجباء رفقاء وزراء ، وإني أعطيت أربعة عشر : حمزة ، وأبو بكر ، وعمر ، وعلي ، وجعفر ، وحسن ، وحسين ، وابن مسعود ، وأبو ذر ، والمقداد وحذيفة ، وعمار ، وسلمان .

رواه علي بن هاشم بن البريد عن كثير فوقفه على علي - رضي الله عنه - وهو أشبه .

أنبئت عن الخشوعي وغيره أن مرشد بن يحيى أنبأهم قال : أنبأنا أبو الحسن الطفال ، أنبأنا أبو الطاهر الذهلي ، أنبأنا أبو أحمد محمد بن عبدوس ، حدثنا عبد الله بن عمر ، حدثنا وكيع ، عن أبيه وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، قال : قال عبد الله : انتهيت إلى أبي جهل وهو صريع ، وهو [ ص: 483 ] يذب الناس بسيفه ، فقلت : الحمد لله الذي أخزاك يا عدو الله . قال : هل هو إلا رجل قتله قومه ، فجعلت أتناوله بسيف لي ، فأصبت يده ، فنذر سيفه ، فأخذته ، فضربته به حتى برد ، ثم خرجت حتى أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وكأنما أقل من الأرض ، فأخبرته ، فقال : الله الذي لا إله إلا هو . قال : فقام معي حتى خرج يمشي معي حتى قام عليه ، فقال : الحمد لله الذي أخزاك يا عدو الله ، هذا كان فرعون هذه الأمة .

قال وكيع : وزاد فيه أبي عن أبي عبيدة : قال عبد الله : فنفلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيفه .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 09:49 PM

أحمد بن يونس : حدثنا أبو شهاب الحناط ، عن محتسب البصري ، عن محمد بن واسع ، عن ابن خثيم ، عن أبي الدرداء قال : خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبة خفيفة ، فلما فرغ من خطبته قال : يا أبا بكر ، قم فاخطب . فقام أبو بكر ، فخطب ، فقصر دون النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : يا عمر ، قم فاخطب . فقام عمر ، فقصر دون أبي بكر ، ثم قال : يا فلان ، قم فاخطب ، فشقق القول ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اسكت أو اجلس ، فإنالتشقيق من الشيطان ، وإن البيان من السحر . وقال : يا ابن أم عبد ، قم فاخطب ، فقام ، فحمد الله وأثنى عليه ، [ ص: 484 ] ثم قال : أيها الناس ، إن الله - عز وجل - ربنا ، وإن الإسلام ديننا ، وإن القرآن إمامنا ، وإن البيت قبلتنا ، وإن هذا نبينا - وأومأ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - رضينا ما رضي الله لنا ورسوله ، وكرهنا ما كره الله لنا ورسوله ، والسلام عليكم .

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أصاب ابن أم عبد وصدق ، رضيت بما رضي الله لأمتي وابن أم عبد ، وكرهت ما كره الله لأمتي وابن أم عبد
.

إسناده منقطع ، رواه الطبراني في معجمه ، ونقلته من خط الحافظ عبد الغني هكذا ابن خثيم وإنما هو سعيد بن جبير ، عن أبى الدرداء هكذا هو في " تاريخ دمشق " ، ورواه محمد بن جعفر الوركاني عن أبي شهاب نحوه . وسعيد لم يدرك أبا الدرداء ، ولا أدري من هو محتسب .

إسرائيل : عن أبي إسحاق ، سمعت عبد الرحمن بن يزيد قال : قلنا لحذيفة : أخبرنا برجل قريب السمت والدل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نلزمه ، قال : ما أعلم أحدا أقرب سمتا ولا هديا ولا دلا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يواريه جدار بيته من ابن أم عبد . ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد أن ابن أم عبد من أقربهم إلى الله زلفة . [ ص: 485 ]

قوله : ولقد علم . . . إلخ رواه غندر عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : حدثني الأعمش ، عن أبي وائل ، عن حذيفة . نعيم حدثنا ابن المبارك ، عن الأعمش ، عن أبي وائل أن عبد الله ذكر عثمان فقال : أهلكه الشح وبطانة السوء .

الفسوي : حدثنا ابن نمير ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة قال : كان عبد الله يشبه النبي - صلى الله عليه وسلم - في هديه ودله وسمته ، وكان علقمة يشبه بعبد الله .

الثوري : عن أبي إسحاق ، عن حارثة بن مضرب قال : كتب عمر بن الخطاب [ ص: 486 ] إلى أهل الكوفة : إنني قد بعثت إليكم عمارا أميرا ، وابن مسعود معلما ووزيرا ، وهما من النجباء من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - من أهل بدر ، فاسمعوا لهما واقتدوا بهما ، وقد آثرتكم بعبد الله على نفسي .

الأعمش : عن خيثمة قال : كنت جالسا عند عبد الله بن عمرو ، فذكر ابن مسعود ، فقال : لا أزال أحبه بعد إذ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : استقرئوا القرآن من أربعة : منعبد الله بن مسعود ، فبدأ به ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وسالم مولى أبي حذيفة .

أخرجه النسائي . وقد رواه شعبة ، ووكيع ، وسفيان ، وأبو معاوية ، ويعلى عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن مسروق ، عن عبد الله بن عمرو ، فلعله عند الأعمش بالإسنادين . وقد رواه شعبة أيضا عن عمرو بن مرة ، عن إبراهيم ، عن مسروق ، ورواه زيد بن أبي أنيسة ، عن طلحة بن مصرف ، عن مسروق .

أخبرنا ابن علان وغيره كتابة أن حنبل بن عبد الله أخبرهم قال : أنبأنا ابن الحصين ، حدثنا ابن المذهب ، أنبأنا القطيعي ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، حدثنا الأسود بن عامر ، أنبأنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن خمير بن مالك ، قال : أمر بالمصاحف أن تغير ، فقال ابن مسعود : من استطاع منكم أن يغل مصحفه فليغله فإنه من غل شيئا جاء به يوم القيامة . ثم قال : لقد قرأت من فم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعين سورة أفأترك ما أخذت من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم ؟ [ ص: 487 ]

أخرجه أبو داود الطيالسي في " مسنده " عن عمرو بن ثابت ، عن أبي إسحاق ، عن خمير : سمعت ابن مسعود : إني غال مصحفي ، وذكر الحديث .

الواقدي : أنبأنا الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن زيد بن وهب قال : قدم علينا عبد الله ، فدخلنا إليه ، فقلنا : اقرأ علينا سورة البقرة ، قال : لا أحفظها . تفرد به الواقدي وهو متروك .

إبراهيم بن سعد : عن الزهري قال : أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن ابن مسعود كره لزيد بن ثابت نسخ المصاحف ، وقال : يا معشر المسلمين ، أعزل عن نسخ المصاحف ، ويولاها رجل والله لقد أسلمت وإنه لفي صلب أبيه كافر ، يريد زيد بن ثابت ، ولذاك يقول عبد الله : يا أهل الكوفة ، اكتموا المصاحف التي عندكم وغلوها ، فإن الله قال : ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة فالقوا الله بالمصاحف .

قال الزهري : فبلغني أن ذلك كره من مقالة ابن مسعود ، كرهه رجال من [ ص: 488 ] الصحابة .

أبو يعلى الموصلي : حدثنا سعيد بن أشعث ، حدثنا الهيصم بن شداخ ، سمعت الأعمش ، عن يحيى بن وثاب ، عن علقمة ، عن عبد الله ، قال : عجب للناس وتركهم قراءتي وأخذهم قراءة زيد ، وقد أخذت من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعين سورة ، وزيد صاحب ذؤابة يجيء ويذهب في المدينة .

سعدويه : حدثنا أبو شهاب ، عن الأعمش ، عن أبي وائل قال : خطب ابن مسعود على المنبر ، فقال : غلوا مصاحفكم ، كيف تأمروني أن أقرأ على قراءة زيد ، وقد قرأت من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضعا وسبعين سورة ، وإن زيدا ليأتي مع الغلمان له ذؤابتان .

قلت : إنما شق على ابن مسعود ، لكون عثمان ما قدمه على كتابة المصحف ، وقدم في ذلك من يصلح أن يكون ولده ، وإنما عدل عنه عثمان لغيبته عنه بالكوفة ، ولأن زيدا كان يكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو إمام في الرسم ، وابن مسعود فإمام في الأداء ، ثم إن زيدا هو الذي ندبه الصديق لكتابة المصحف وجمع القرآن ، فهلا عتب على أبي بكر ؟ وقد ورد أن ابن مسعود رضي وتابع عثمان ولله الحمد .

وفي مصحف ابن مسعود أشياء أظنها نسخت ، وأما زيد فكان أحدث القوم بالعرضة الأخيرة التي عرضها النبي - صلى الله عليه وسلم - عام توفي ، على جبريل . [ ص: 489 ]

قال عبد السلام بن حرب : عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة قال : قدمت الشام ، فلقيت أبا الدرداء ، فقال : كنا نعد عبد الله حنانا فما باله يواثب الأمراء ؟ رواه ابن أبي داود في " المصاحف " .

وبإسنادين في " مسند أحمد " : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عبد الرحمن بن عابس ، قال : حدثنا رجل من همدان من أصحاب عبد الله ، قال : لما أراد عبد الله أن يأتي المدينة ، جمع أصحابه ، فقال : والله إني لأرجو أن يكون قد أصبح اليوم فيكم من أفضل ما أصبح في أجناد المسلمين من الدين والعلم بالقرآن والفقه ، إن هذا القرآن أنزل على حروف ، والله إن كان الرجلان ليختصمان أشد ما اختصما في شيء قط ، فإذا قال القارئ : هذا أقرأني ، قال : أحسنت . وإنما هو كقول أحدكم لصاحبه : أعجل وحي هلا .

أبو معاوية : عن الأعمش ، عن زيد بن وهب قال : لما بعث عثمان إلى ابن مسعود يأمره بالمجيء إلى المدينة ، اجتمع إليه الناس ، فقالوا : أقم فلا تخرج ، ونحن نمنعك أن يصل إليك شيء تكرهه . فقال : إن له علي طاعة ، وإنها ستكون أمور وفتن لا أحب أن أكون أول من فتحها . فرد الناس وخرج إليه .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 09:50 PM

محمد بن سنجر في " مسنده " : حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا عباد ، [ ص: 490 ] عن سفيان بن حسين ، عن يعلى بن مسلم ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس قال : آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الزبير وابن مسعود . قد مر مثل هذا من وجه آخر قوي .

شريك : عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن عبد الله قال : كنا إذا تعلمنا من النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر آيات لم نتعلم من العشر التي نزلت بعدها حتى نعلم ما فيها - يعني من العلم .

مسعر : عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري قال : سئل علي عن ابن مسعود ، فقال : قرأ القرآن ، ثم وقف عنده ، وكفي به .

وروي نحوه من وجه آخر عن علي وزاد : وعلم السنة .

وأخرج مسلم من حديث الأعمش ، عن مالك بن الحارث ، عن أبي الأحوص ، قال : أتينا أبا موسى ، فوجدت عنده عبد الله وأبا مسعود ، وهم ينظرون في مصحف ، فتحدثنا ساعة ، ثم راح عبد الله ، فقال أبو مسعود : لا والله ، لا أعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك أحدا أعلم بكتاب الله من هذا القائم . [ ص: 491 ]

الأعمش : عن زيد بن وهب قال : إني لجالس مع عمر بن الخطاب ، إذ جاء ابن مسعود ، فكاد الجلوس يوارونه من قصره ، فضحك عمر حين رآه ، فجعل عمر يكلمه ، ويتهلل وجهه ، ويضاحكه ، وهو قائم عليه ، ثم ولى ، فأتبعه عمر بصره حتى توارى ، فقال : كنيف ملئ علما .

معن بن عيسى : حدثنا معاوية بن صالح ، عن أسد بن وداعة أن عمر ذكر ابن مسعود ، فقال : كنيف ملئ علما آثرت به أهل القادسية .

عفان : حدثنا وهيب عن داود ، عن عامر أن مهاجر عبد الله كان بحمص ، فجلاه عمر إلى الكوفة ، وكتب إليهم : إني والله الذي لا إله إلا هو آثرتكم به على نفسي ، فخذوا منه .

عبيد الله بن موسى : عن مسعر ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة قال : سافر عبد الله سفرا يذكرون أن العطش قتله وأصحابه ، فذكر ذلك لعمر ، فقال : لهو أن يفجر الله له عينا يسقيه منها وأصحابه أظن عندي من أن يقتله عطشا .

هشيم : حدثنا سيار ، عن أبي وائل أن ابن مسعود رأى رجلا قد أسبل ، [ ص: 492 ] فقال : ارفع إزارك ، فقال : وأنت يا ابن مسعود فارفع إزارك ، قال : إن بساقي حموشة وأنا أؤم الناس . فبلغ ذلك عمر ، فجعل يضرب الرجل ، ويقول : أترد على ابن مسعود ؟ .

معمر : عن زيد بن رفيع ، عن أبي عبيدة قال : أرسل عثمان إلى أبي عبد الله بن مسعود يسأله عن رجل طلق امرأته ، ثم راجعها حين دخلت في الحيضة الثالثة ، فقال أبي : وكيف يفتي منافق ؟ فقالعثمان : نعيذك بالله أن تكون هكذا ، قال : هو أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة .

قبيصة : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن حبة بن جوين قال : لما قدم علي الكوفة ، أتاه نفر من أصحاب عبد الله ، فسألهم عنه حتى رأوا أنه يمتحنهم ، فقال : وأنا أقول فيه مثل الذي قالوا وأفضل ، قرأ القرآن ، وأحل حلاله ، وحرم حرامه ، فقيه في الدين ، عالم بالسنة .

وفي " مستدرك الحاكم " من رواية الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن علي وقيل له : أخبرنا عن عبد الله ، فقال : علم الكتاب والسنة ، ثم انتهى .

وقال الأعمش : عن أبي عمرو الشيباني : إن أبا موسى استفتي في شيء من الفرائض ، فغلط ، وخالفه ابن مسعود ، فقال أبو موسى : لا تسألوني عن شيء [ ص: 493 ] ما دام هذا الحبر بين أظهركم .

وروى نحوه أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن أبي عطية . وروى غندر عن شعبة ، عن أبي قيس ، عن هزيل بن شرحبيل بنحو ذلك .

يعلى بن عبيد : عن الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة قال : سمعت أبا موسى يقول : مجلس كنت أجالسه ابن مسعود أوثق في نفسي من عمل سنة .

الثوري : عن الأعمش عن عمارة بن عمير ، عن حريث بن ظهير قال : جاء نعي عبد الله إلى أبي الدرداء ، فقال : ما ترك بعده مثله . سمعها يحيى القطان من سفيان .

أبو حفص الأبار : عن منصور ، عن مسلم ، عن مسروق قال : شاممت أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فوجدت علمهم انتهى إلى ستة : علي ، وعمر ، وعبد الله ، وزيد ، وأبي الدرداء ، وأبي . ثم شاممت الستة ، فوجدت علمهم انتهى إلى علي ، وعبد الله . [ ص: 494 ]

وبعضهم يرويه عن منصور ، فقال : عن الشعبي ، عن مسروق ، وقيل غير ذلك . وقال أبو وائل : ما أعدل بابن مسعود أحدا .

عبد الله بن إدريس : عن مالك بن مغول ، قال : قال الشعبي : ما دخل الكوفة أحد من الصحابة أنفع علما ولا أفقه صاحبا من عبد الله .

وبإسناد " مسند أحمد " : حدثنا يحيى بن أبي بكير ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن يحيى بن وثاب ، عن مسروق قال : حدثنا عبد الله يوما ، فقال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرعد حتى رعدت ثيابه ، ثم قال نحو ذا أو شبيها بذا .

رواه عبيد الله بن موسى عن إسرائيل فأبدل ابن وثاب بالشعبي .

وروى نحوه مسلم البطين وغيره عن عمرو بن ميمون ، فقال القعنبي : حدثنا سفيان ، عن عمار الدهني ، عن مسلم ، عن عمرو بن ميمون قال : صحبت عبد الله ثمانية عشر شهرا فما سمعته يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا حديثا واحدا . فرأيته يفرق ، ثم غشيه بهر ، ثم قال نحوه أو شبهه .

مسعر : عن معن بن عبد الرحمن ، عن عون بن عبد الله ، عن أخيه عبيد الله قال : كان عبد الله إذا هدأت العيون ، قام فسمعت له دويا كدوي النحل . [ ص: 495 ]

ابن إسحاق قال : حدثني زياد مولى ابن عياش قال : كان ابن مسعود حسن الصوت بالقرآن .

حميد بن الربيع : حدثنا أبو أسامة ، حدثنا مسعر ، عن عبد الملك بن عمير ، عن زيد بن وهب قال : رأيت بعيني عبد الله أثرين أسودين من البكاء .

الأعمش : عن إبراهيم التيمي ، عن الحارث بن سويد قال : أكثروا على عبد الله يوما ، فقال : والله الذي لا إله غيره لو تعلمون علمي ، لحثيتم التراب على رأسي . روي من غير وجه .

وفي " مستدرك الحاكم " للثوري ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه قال : قال عبد الله : لو تعلمون ذنوبي ، ما وطئ عقبي اثنان ، ولحثيتم التراب على رأسي ، ولوددت أن الله غفر لي ذنبا من ذنوبي ، وأني دعيت عبد الله بن روثة .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 09:52 PM

قال علقمة : جلست إلى أبي الدرداء ، فقال : ممن أنت ؟ قلت : من الكوفة . فقال : أوليس عندكم ابن أم عبد ، صاحب النعلين ، والوساد ، والمطهرة ، وفيكم صاحب السر ، وفيكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه ؟ . [ ص: 496 ]

عن القاسم بن عبد الرحمن أن ابن مسعود كان يقول في دعائه : خائف مستجير ، تائب ، مستغفر ، راغب ، راهب .

الأعمش : عمن حدثه قال : قال عبد الله بن مسعود : لو سخرت من كلب ، لخشيت أن أكون كلبا ، وإني لأكره أن أرى الرجل فارغا ليس في عمل آخرة ولا دنيا .

وكيع : حدثنا المسعودي ، عن علي بن بذيمة ، عن قيس بن حبتر قال : قال عبد الله بن مسعود : حبذا المكروهان الموت والفقر . وايم الله ما هو إلا الغنى والفقر ما أبالي بأيهما ابتدأت ; إن كان الفقر إن فيه للصبر ، وإن كان الغنى إن فيه للعطف ; لأن حق الله في كل واحد منهما واجب .

الثوري : عن أبي قيس ، عن هزيل بن شرحبيل ، عن عبد الله ، قال : من أراد الآخرة أضر بالدنيا ، ومن أراد الدنيا ، أضر بالآخرة ، يا قوم فأضروا بالفاني للباقي .

أبو عبد الرحمن المقرئ : حدثنا ابن أبي أيوب سعيد ، حدثني عبد الله بن الوليد ، [ ص: 497 ] سمعت عبد الرحمن بن حجيرة يحدث عن ابن مسعود أنه كان يقول إذا قعد : إنكم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة ، وأعمال محفوظة ، والموت يأتي بغتة ، من زرع خيرا يوشك أن يحصد رغبة ، ومن زرع شرا يوشك أن يحصد ندامة ، ولكل زارع مثل ما زرع ، لا يسبق بطيء بحظه ، ولا يدرك حريص ما لم يقدر له ، فمن أعطي خيرا ، فالله أعطاه ، ومن وقي شرا ، فالله وقاه ، المتقون سادة ، والفقهاء قادة ، ومجالستهم زيادة .

العلاء بن خالد : عن أبي وائل ، عن عبد الله ، قال : ارض بما قسم الله تكن من أغنى الناس ، واجتنب المحارم تكن من أورع الناس ، وأد ما افترض عليك تكن من أعبد الناس .

علي بن الأقمر : عن عمرو بن جندب ، عن ابن مسعود قال : جاهدوا المنافقين بأيديكم ، فإن لم تستطيعوا ، فبألسنتكم ، فإن لم تستطيعوا إلا أن تكفهروا في وجوههم فافعلوا .

سيف بن عمر : عن عطية ، عن أبي سيف أن ابن مسعود ترك عطاءه حين مات عمر . وفعل ذلك رجال من أهل الكوفة أغنياء ، واتخذ لنفسه ضيعة براذان فمات عن تسعين ألف مثقال ، سوى رقيق وعروض وماشية - رضي الله عنه .

وكيع : عن أبي عميس ، عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال : أوصى ابن مسعود وكتب : إن وصيتي إلى الله وإلى الزبير بن العوام ، وإلى ابنه عبد الله بن الزبير ، [ ص: 498 ] وإنهما في حل وبل مما قضيا في تركتي ، وإنه لا تزوج امرأة من نسائي إلا بإذنهما .

قلت : كان قد قدم على عثمان وشهد في طريقه بالربذة أبا ذر ، وصلى عليه . السري بن يحيى : عن أبي شجاع ، عن أبي ظبية قال : مرض عبد الله ، فعاده عثمان ، وقال : ما تشتكي ؟ قال : ذنوبي ، قال : فما تشتهي ؟ قال : رحمة ربي ، قال : ألا آمر لك بطبيب ؟ قال : الطبيب أمرضني ، قال : ألا آمر لك بعطاء ؟ قال : لا حاجة لي فيه . كذا رواه سعيد بن مريم وعمرو بن الربيع . ورواه ابن وهب ، فقال : عن شجاع . ورواه عثمان بن يمان وحجاج بن نصير عن السري ، عن شجاع ، عن أبي فاطمة .

الفسوي : حدثنا ابن نمير ، حدثنا يزيد ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس قال : دخل الزبير على عثمان - رضي الله عنه - بعد وفاة عبد الله ، فقال : أعطني عطاء عبد الله ، فعيال عبد الله أحق به من بيت المال . فأعطاه خمسة عشر ألفا . [ ص: 499 ]

حفص بن غياث : عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : وكان عثمان حرمه عطاءه سنتين .

يحيى الحماني : عن شريك ، عن أبي إسحاق أن ابن مسعود أوصى إلى الزبير أن يصلي عليه .

وعن عبيد الله بن عبد الله ، قال : مات ابن مسعود بالمدينة ، ودفن بالبقيع سنة اثنتين وثلاثين ، وكان نحيفا ، قصيرا شديد الأدمة . وكذا أرخه فيها جماعة .

وعن عون بن عبد الله وغيره : أنه عاش بضعا وستين سنة . وقال يحيى بن أبي عتبة : عاش ثلاثا وستين سنة ، وقال هو ويحيى بن بكير : مات سنة ثلاث وثلاثين قلت لعله مات في أولها . وقال بعضهم : مات قبل عثمان بثلاث سنين .

أنبأنا أحمد بن سلامة وجماعة ، عن أبي جعفر الصيدلاني ، أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله ، أنبأنا ابن ريذة ، أنبأنا الطبراني ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، وبشر قالا : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة قال : جاء رجل إلى عمر ، فقال : إني جئتك من عند رجل يملي المصاحف عن ظهر قلب . ففزع عمر ، فقال : ويحك انظر ما تقول . وغضب ، فقال : ما جئتك إلا بالحق . قال : من هو ؟ قال : عبد الله بن مسعود . فقال : ما أعلم أحدا أحق بذلك منه ، وسأحدثك عن عبد الله : إنا سمرنا ليلة في بيت أبي بكر في بعض ما يكون من حاجة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم خرجنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيني وبين أبي بكر ، فلما انتهينا إلى المسجد إذا رجل يقرأ ، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - يستمع إليه ، فقلت : يا رسول الله ، أعتمت ، فغمزني بيده : اسكت ، قال : فقرأ وركع وسجد ، وجلس يدعو ويستغفر ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : سل تعطه . ثم قال : من سره أن يقرأ القرآن رطبا كما أنزل ، فليقرأ قراءة ابن أم عبد . فعلمت أنا وصاحبي أنه عبد الله .

فلما أصبحت غدوت إليه لأبشره ، فقال : سبقك بها أبو بكر ، وما سابقته إلى خير قط إلا سبقني إليه
. [ ص: 500 ]

وكذلك رواه زائدة وغيره عن الأعمش ، عن إبراهيم .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 09:55 PM

عتبة بن مسعود الهذلي

[ ص: 500 ] هاجر إلى الحبشة ، قال ابنه عبد الله : لما مات أبي ، بكى ابن مسعود وقال : أخي وصاحبي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحب الناس إلي إلا ما كان من عمر .

وقيل : لما توفي ، انتظر عمر أم عبد ، فجاءت ، فصلت عليه .

قال الزهري : ما ابن مسعود بأعلى عندنا من أخيه عتبة .

قلت : ولولده عبد الله بن عتبة إدراك وصحبة ورواية حديث ، وهو والد أحد الفقهاء السبعة عبيد الله بن عبد الله بن عتبة .

خبيب بن يساف

[ ص: 501 ]

ابن عنبة بن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الخزرجي .

وكان له أولاد : أبو كثير عبد الله ، وعبد الرحمن ، وأنيسة ، وكانت تحته جميلة ابنة عبد الله بن أبي ابن سلول ، وقد انقرض عقبه .

ابن سعد : أنبأنا يزيد بن هارون ، أنبأنا مستلم بن سعيد ، حدثنا خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب بن يساف ، عن أبيه ، عن جده قال : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يريد غزوا ، أنا ورجل من قومي لم نسلم ، فقلنا : إنا نستحيي أن يشهد قومنا مشهدا لا نشهده ، قال : أسلمتما ؟ قلنا : لا . قال : إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين . قال : فأسلمنا ، وشهدنا معه . فقتلت رجلا ، وضربني ضربة ، وتزوجت ابنته بعد ذلك ، فكانت تقول لي : لا عدمت رجلا وشحك هذا الوشاح ، فأقول لها : لا عدمت رجلا عجل أباك إلى النار .

معن : حدثنا مالك ، عن الفضيل بن أبي عبد الله ، عن عبد الله بن نيار ، عن عروة ، عن عائشة قالت : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر ، فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل كان يذكر منه جرأة ونجدة ، ففرحوا به ، قالت : فقال : جئت لأتبعك وأصيب معك ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : أتؤمن بالله ورسوله ؟ قال : لا . قال : فارجع ، فلن نستعين بمشرك . ثم أدركه بالشجرة ، فقال مثل مقالته ، ثم أدركه بالبيداء فقال : أتؤمن بالله ورسوله ؟ قال : نعم . قال : انطلق . [ ص: 502 ]

قال الواقدي : هو خبيب بن يساف تأخر إسلامه حتى خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر ، فلحقه فأسلم ، وشهد بدرا وأحدا ، قال : وتوفي في خلافة عثمان وقد انقرض ولده .

ويقال في أبيه : إساف بن عدي ، كذا سماه ابن أبي حاتم . وقال شيخنا الدمياطي هو الذي قتل أبا عقبة الحارث بن عامر . كذا قال شيخنا ، وخطأ ما في صحيح البخاري في مصرع خبيب بن عدي الشهيد من أنه قتل الحارث يوم بدر ، فقتله آل الحارث لما أسروه به ، وهو خبيب بن عدي بن مالك من الأوس ، ولم أجده مذكورا في البدريين - رضي الله عنه .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 09:58 PM

عويم بن ساعدة

[ ص: 503 ]

ابن عائش بن قيس بن النعمان بن زيد بن أمية أبو عبد الرحمن الأنصاري من بني عمرو بن عوف .

بدري كبير ، شهد العقبتين في قول الواقدي ، وشهد الثانية بلا نزاع ، وآخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين عمر بن الخطاب ، وقال ابن إسحاق : بل بينه وبين حاطب بن أبي بلتعة .

موسى بن يعقوب الزمعي : عن السري بن عبد الرحمن ، عن عباد بن حمزة سمع جابرا سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : نعم العبد من عباد الله والرجل من أهل الجنة عويم بن ساعدة .

وقيل : كان أول من استنجى بالماء .

صالح بن كيسان : عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس : إن الرجلين الصالحين اللذين لقيا أبا بكر وعمر وهما يريدان سقيفة بني ساعدة ، [ ص: 504 ] فذكرا ما تمالأ عليه القوم ، وقالا : أين تريدان ؟ قالا : نريد إخواننا من الأنصار . فقالا : لا عليكم أن لا تقربوهم ، اقضوا أمركم ، قال ابن شهاب : فأخبرني عروة أنهما عويم بن ساعدة ومعن بن عدي .

وقيل : عويم ممن نزلت فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا .

قال ابن سعد : توفي عويم بن ساعدة في خلافة عمر وهو ابن خمس وستين سنة .

قلت : وقيل أصله بلوي .



أرب جمـال 8 - 2 - 2010 09:59 PM

قصة سلمان الفارسي ( ع )

[ ص: 505 ]

قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر : هو سلمان ابن الإسلام ، أبو عبد الله الفارسي سابق الفرس إلى الإسلام ، صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وخدمه وحدث عنه .

وروى عنه ابن عباس ، وأنس بن مالك ، وأبو الطفيل ، وأبو عثمان النهدي ، وشرحبيل بن السمط ، وأبو قرة سلمة بن معاوية الكندي ، وعبد الرحمن بن يزيد النخعي ، وأبو عمر زاذان ، وأبو ظبيان حصين بن جندب الجنبي ، وقرثع الضبي الكوفيون .

له في مسند بقي ستون حديثا ، وأخرج له البخاري أربعة أحاديث ، ومسلم ثلاثة أحاديث .

وكان لبيبا حازما ، من عقلاء الرجال وعبادهم ونبلائهم .

قال يحيى بن حمزة القاضي : عن عروة بن رويم ، عن القاسم أبي عبد الرحمن حدثه ، قال : زارنا سلمان الفارسي فصلى الإمام الظهر ، ثم خرج وخرج الناس يتلقونه كما يتلقى الخليفة ، فلقيناه وقد صلى بأصحابه العصر ، وهو يمشي ، فوقفنا نسلم عليه ، فلم يبق فينا شريف إلا عرض عليه أن ينزل به ، فقال : جعلت على نفسي مرتي هذه أن أنزل على بشير بن سعد .

فلما قدم ، سأل عن أبي الدرداء ، فقالوا : هو مرابط ، فقال : أين مرابطكم ؟ قالوا : بيروت . فتوجه قبله ، قال : فقال سلمان : يا أهل بيروت ، ألا أحدثكم حديثا يذهب الله به عنكم عرض الرباط ؟ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : رباط يوم وليلة كصيام شهر وقيامه ، ومن مات مرابطا أجير من فتنة القبر ، وجرى له صالح عمله إلى يوم القيامة
. [ ص: 506 ]

أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق ، أنبأنا عبد القوي بن عبد العزيز الأغلبي ، أنبأنا عبد الله بن رفاعة ، أنبأنا أبو الحسن الخلعي ، أنبأنا أبو محمد بن النحاس ، أنبأنا أبو محمد بن الورد ، أنبأنا أبو سعيد بن عبد الرحيم ، أنبأنا عبد الملك بن هشام ، حدثنا زياد بن عبد الله ، عن ابن إسحاق ( ح ) .

وأنبأنا أبو محمد بن قدامة ، وأبو الغنائم بن علان ، إجازة ، أن حنبل بن عبد الله أخبرهم : أنبأنا أبو القاسم الشيباني ، أنبأنا أبو علي الواعظ ، أنبأنا أبو بكر المالكي ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا أبي ( ح ) ومحمد بن عبد الله بن نمير وغيره ، عن يونس بن بكير ( ح ) وسهل بن عثمان ، حدثنا يحيى بن أبي زائدة ( ح ) وعن يحيى بن آدم ، عن عبد الله بن إدريس ( ح ) وحجاج بن قتيبة ، حدثنا زفر بن قرة ، جميعهم عن ابن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، عن ابن عباس قال : حدثني سلمان الفارسي ، قال : كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان ، من أهل قرية منها يقال لها جي وكان أبي دهقانها ، وكنت أحب خلق الله إليه ، فلم يزل بي حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية ، فاجتهدت في المجوسية حتى كنت قاطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة .

وكانت [ ص: 507 ] لأبي ضيعة عظيمة ، فشغل في بنيان له يوما ، فقال لي : يا بني ، إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي ، فاذهب فاطلعها ، وأمرني ببعض ما يريد . فخرجت ، ثم قال : لا تحتبس علي ; فإنك إن احتبست علي كنت أهم إلي من ضيعتي ، وشغلتني عن كل شيء من أمري .

فخرجت أريد ضيعته ، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى ، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون ، وكنت لا أدري ما أمر الناس بحبس أبي إياي في بيته ، فلما مررت بهم ، وسمعت أصواتهم ، دخلت إليهم أنظر ما يصنعون ، فلما رأيتهم أعجبتني صلواتهم ، ورغبت في أمرهم ، وقلت : هذا - والله - خير من الدين الذي نحن عليه ; فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس ، وتركت ضيعة أبي ولم آتها ، فقلت لهم : أين أصل هذا الدين ؟ قالوا : بالشام .

قال : ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله ، فلما جئته قال : أي بني ، أين كنت ؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت ؟ قلت : يا أبة ، مررت بناس يصلون في كنيسة لهم ، فأعجبني ما رأيت من دينهم ، فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس . قال : أي بني ، ليس في ذلك الدين خير ، دينك ودين آبائك خير منه . قلت : كلا والله ، إنه لخير من ديننا . قال : فخافني ، فجعل في رجلي قيدا ، ثم حبسني في بيته . قال : وبعثت إلى النصارى ، فقلت : إذا قدم عليكم ركب من الشام تجار من النصارى ، فأخبروني بهم .

فقدم عليهم ركب من الشام ، قال : فأخبروني بهم ، فقلت : إذا قضوا حوائجهم ، وأرادوا الرجعة ، فأخبروني . قال : ففعلوا ، فألقيت الحديد من رجلي ، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام . فلما قدمتها ، قلت : من أفضل أهل هذا الدين ؟ قالوا : الأسقف في الكنيسة . فجئته ، فقلت : إني قد رغبت في هذا الدين ، وأحببت أن أكون معك أخدمك [ ص: 508 ] في كنيستك ، وأتعلم منك ، وأصلي معك . قال : فادخل ، فدخلت معه ، فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها ، فإذا جمعوا إليه منها شيئا ، اكتنزه لنفسه ، ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق ، فأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع .

ثم مات ، فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه ، فقلت لهم : إن هذا رجل سوء ، يأمركم بالصدقة ، ويرغبكم فيها ، فإذا جئتم بها ، كنزها لنفسه ، ولم يعط المساكين ، وأريتهم موضع كنزه سبع قلال مملوءة ، فلما رأوها قالوا : والله لا ندفنه أبدا . فصلبوه ثم رموه بالحجارة . ثم جاءوا برجل جعلوه مكانه ، فما رأيت رجلا - يعني لا يصلي الخمس - أرى أنه أفضل منه ، أزهد في الدنيا ، ولا أرغب في الآخرة ، ولا أدأب ليلا ونهارا ، ما أعلمني أحببت شيئا قط قبله حبه ، فلم أزل معه حتى حضرته الوفاة ، فقلت : يا فلان ، قد حضرك ما ترى من أمر الله ، وإني والله ما أحببت شيئا قط حبك ، فماذا تأمرني وإلى من توصيني ؟

قال لي : يا بني - والله - ما أعلمه إلا رجلا بالموصل فائته ; فإنك ستجده على مثل حالي . فلما مات وغيب لحقت بالموصل ، فأتيت صاحبها ، فوجدته على مثل حاله من الاجتهاد والزهد ، فقلت له : إن فلانا أوصاني إليك أن آتيك وأكون معك .

قال : فأقم أي بني . فأقمت عنده على مثل أمر صاحبه حتى حضرته الوفاة . فقلت له : إن فلانا أوصى بي إليك وقد حضرك من أمر الله ما ترى ، فإلى من توصي بي ؟ وما تأمرني به ؟ قال : والله ما أعلم ، أي بني ، إلا رجلا بنصيبين .

فلما دفناه ، لحقت بالآخر ، فأقمت عنده على مثل حالهم حتى حضره [ ص: 509 ] الموت ، فأوصى بي إلى رجل من أهل عمورية بالروم ، فأتيته فوجدته على مثل حالهم ، واكتسبت حتى كان لي غنيمة وبقيرات .

ثم احتضر فكلمته إلى من يوصي بي ؟ قال : أي بني ، والله ما أعلمه بقي أحد على مثل ما كنا عليه آمرك أن تأتيه ، ولكن قد أظلك زمان نبي يبعث من الحرم ، مهاجره بين حرتين إلى أرض سبخة ذات نخل ، وإن فيه علامات لا تخفى ، بين كتفيه خاتم النبوة ، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ، فإن استطعت أن تخلص إلى تلك البلاد فافعل ; فإنه قد أظلك زمانه .

فلما واريناه ، أقمت حتى مر بي رجال من تجار العرب من كلب ، فقلت لهم : تحملوني إلى أرض العرب ، وأعطيكم غنيمتي وبقراتي هذه ؟ قالوا : نعم . فأعطيتهم إياها وحملوني ، حتى إذا جاءوا بي وادي القرى ظلموني ، فباعوني عبدا من رجل يهودي بوادي القرى ، فوالله لقد رأيت النخل ، وطمعت أن يكون البلد الذي نعت لي صاحبي .

وما حقت عندي حتى قدم رجل من بني قريظة وادي القرى ، فابتاعني من صاحبي ، فخرج بي حتى قدمنا المدينة ، فوالله ما هو إلا أن رأيتها ، فعرفت نعتها .

فأقمت في رق ، وبعث الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - بمكة لا يذكر لي شيء من أمره مع ما أنا فيه من الرق ، حتى قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قباء ، وأنا أعمل لصاحبي في نخلة له ، فوالله إني لفيها إذ جاءه ابن عم له ، فقال : يا فلان ، قاتل الله بني قيلة ، والله إنهم الآن لفي قباء مجتمعون على رجل جاء من مكة يزعمون أنه نبي .

فوالله ما هو إلا أن سمعتها فأخذتني العرواء - يقول الرعدة - حتى ظننت لأسقطن على صاحبي ، ونزلت أقول : ما هذا الخبر ؟ . [ ص: 510 ]

فرفع مولاي يده فلكمني لكمة شديدة ، وقال : ما لك ولهذا ، أقبل على عملك . فقلت : لا شيء ; إنما سمعت خبرا فأحببت أن أعلمه .

فلما أمسيت ، وكان عندي شيء من طعام ، فحملته وذهبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بقباء ، فقلت له : بلغني أنك رجل صالح ، وأن معك أصحابا لك غرباء ، وقد كان عندي شيء من الصدقة فرأيتكم أحق من بهذه البلاد ، فهاك هذا ، فكل منه .

قال : فأمسك ، وقال لأصحابه : كلوا . فقلت في نفسي : هذه خلة مما وصف لي صاحبي .

ثم رجعت ، وتحول رسول الله إلى المدينة ، فجمعت شيئا كان عندي ثم جئته به ، فقلت : إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة ، وهذه هدية . فأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأكل أصحابه ، فقلت : هذه خلتان .

ثم جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يتبع جنازة وعلي شملتان لي وهو في أصحابه ، فاستدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف .

فلما رآني استدبرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي ، فألقى رداءه عن ظهره ، فنظرت إلى الخاتم فعرفته ، فانكببت عليه أقبله وأبكي .

فقال لي : تحول . فتحولت ، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس ، فأعجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسمع ذلك أصحابه .

ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدر وأحد . ثم قال رسول الله : كاتب يا سلمان . فكاتبت صاحبي على ثلاث مائة نخلة [ ص: 511 ] أحييها له بالفقير وبأربعين أوقية . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه : أعينوا أخاكم . فأعانوني بالنخل الرجل بثلاثين ودية والرجل بعشرين ، والرجل بخمس عشرة ، حتى اجتمعت ثلاث مائة ودية . فقال : اذهب يا سلمان ففقر لها ، فإذا فرغت فائتني أكون أنا أضعها بيدي . ففقرت لها وأعانني أصحابي ، حتى إذا فرغت منها ، جئته وأخبرته ، فخرج معي إليها نقرب له الودي ، ويضعه بيده .

فوالذي نفس سلمان بيده ما ماتت منها ودية واحدة ، فأديت النخل ، وبقي علي المال ، فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثل بيضة دجاجة من ذهب من بعض المغازي ، فقال : ما فعل الفارسي المكاتب ؟ فدعيت له ، فقال : خذها فأد بها ما عليك . قلت : وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي ؟ قال : خذها فإن الله سيؤدي بها عنك . فأخذتها فوزنت لهم منها أربعين أوقية ، وأوفيتهم حقهم وعتقت ، فشهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخندق حرا ، ثم لم يفتني معه مشهد
.

زاد إبراهيم بن سعد ، عن ابن إسحاق ، فقال عن يزيد بن أبي حبيب ، عن رجل من عبد القيس ، عن سلمان : قال : لما قلت له : وأين تقع هذه من الذي علي ؟ أخذها فقلبها على لسانه ، ثم قال : خذها .

وفي رواية ابن إدريس ، عن ابن إسحاق ، عن عاصم بن عمر ، عن رجل [ ص: 512 ] من عبد القيس أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول : حدثني من حدثه سلمان ، أنه كان في حديثه حين ساقه لرسول الله أن صاحب عمورية قال له : إذا رأيت رجلا كذا وكذا من أرض الشام بين غيضتين ، يخرج من هذه الغيضة إلى هذه الغيضة في كل سنة مرة ، يتعرضه الناس ، ويداوي الأسقام ، يدعو لهم ، فيشفون ، فائته ، فسله عن الدين الذي يلتمس . فجئت حتى أقمت مع الناس بين تينك الغيضتين .

فلما كان الليلة التي يخرج فيها من الغيضة خرج وغلبني الناس عليه حتى دخل الغيضة الأخرى ، وتوارى مني إلا منكبيه ، فتناولته ، فأخذت بمنكبيه ، فلم يلتفت إلي ، وقال : ما لك ؟ قلت : أسأل عن دين إبراهيم الحنيفية . قال : إنك لتسأل عن شيء ما يسأل الناس عنه اليوم . وقد أظلك نبي يخرج من عند هذا البيت الذي بمكة يأتي بهذا الدين الذي تسأل عنه ، فالحق به . ثم انصرف ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لئن كنت صدقتني لقد لقيت وصي عيسى ابن مريم
.

تفرد به ابن إسحاق .

وقاطن النار : ملازمها ، وبنو قيلة ، الأنصار ، والفقير : الحفرة ، والودي : النصبة .

وقال يونس : عن ابن إسحاق ، حدثني عاصم ، حدثني من سمع عمر بن عبد العزيز بنحو مما مر ، وفيه : وقد أظلك نبي يخرج عند أهل هذا البيت ، [ ص: 513 ] ويبعث بسفك الدم . فلما ذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لئن كنت صدقتني يا سلمان لقد رأيت حواري عيسى .


الساعة الآن 05:58 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى