منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   القرآن الكريم والأحاديث وسيرة الأنبياء والصحابة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=95)
-   -   التجارة في القرآن الكريم (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=6727)

ميارى 12 - 5 - 2010 05:16 PM

[align=justify]و لأنها أعظم ما يشتغل به الإنسان عن الذكر (1), وقال الفراء : التجارة لأهل الجلب ، والبيع ما باعه الرجل على بدنه ، وخصّ قوم التجارة هاهنا بالشراء لذكر البيع بعدها ، وبمثل قول الفراء . قال الواقدي ، فقال : التجار هم : الجلاب المسافرون ، والباعة : هم المقيمون .
و ذكر الرازي(2) سبب إعادة ذكر البيع ؟ فقال الجواب عنه من وجوه :
الأول : أن التجارة جنس يدخل تحت أنواع الشراء والبيع إلا أنه سبحانه خص البيع بالذكر لأنه في الإلهاء أدخل ، لأن الربح الحاصل في البيع يقين ناجز ، والربح الحاصل في الشراء شك مستقبل
الثاني : أن البيع يقتضي تبديل العرض بالنقد ، والشراء بالعكس والرغبة في تحصيل النقد أكثر من العكس
الثالث : قال الفراء : التجارة لأهل الجلب ، يقال : اتجر فلان في كذا إذا جلبه من غير بلده ، والبيع ما باعه على يديه .
و خص الرجال بالذكر؟ لأن النساء لسن من أهل التجارات أو الجماعات (3).
الباب الرابع : أحكام التجارة في القرآن ,
و فيه فصول :
الفصل الأول : وجوب التجارة مع الله
الفصل الثاني : التجارة مع الله , وفيه مباحث :
الأول : التعريف
الثاني : رأس مالها
الثالث : كيفيتها و آدابها
الرابع : مرابحها
الفصل الثالث : التجارة مع الإنسان , وفيه مباحث :
المبحث الأول : الترغيب في التجارة
المبحث الثاني : حرص الناس على هذه التجارة
المبحث الثالث : أحكام و آداب التجارة ,
وفيه مطالب :
__________
(1) فتح القدير , ج 4 ص 35 . أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري , الكشاف عن حقائق التنزيل و عيون الأقاويل في وجوه التأويل , دار الفكر , بلا سنة الطبع , ج ,
(2) محمَّد بن عُمَر بن الحسن بن الحسين التَّيميّ ، الإمام فخر الدين الرازي , ولد 543 ه , و توفي 606 .
(3) أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي , مفاتيح الغيب , ج 11 ص 344 من موقع التفاسير www.altafsir.com
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:17 PM

[align=justify]... المطلب الأول : النهي عن التجارة بالباطل .
المطلب الثاني : أن تكون التجارة عن تراض .
... المطلب الثالث : عدم الكتابة في التجارة الحاضرة .
... المطلب الرابع : ألا تشغل التجارة عن عبادة الله و الإيمان به .
المطلب الخامس : يوم القيامة أخوف إليه من الكساد .
... المطلب السادس : بغية التجار الثواب و الأجور من الله .
... المطلب السابع : التحلي بالخلق الحسن .
الفصل الأول : وجوب التجارة مع الله
التجارة مع الله تعالى هي حقيقة هذه الحياة الفانية , فالمسلم عليه أن يذكر دائما أنه في تجارة مستمرة مع ربه , كل ساعة و كل دقيقة حتى كل ثانية لا يخلو من عملية البيع و الشراء , ماذا باع لله ؟ و أي سلعة عرض إليه تعالى ؟ , هل هي سلع مقبولة أو مردودة ؟ . و إذا كان الهدف من هذه الحياة هو عبادة الله تعالى و ابتغاء مرضاته فلا مفر إذن من التجارة مع الله , فهي واجبة بموجب الحياة في هذه الدنيا . قال الله تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ , تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ , يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ , وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ(1).
__________
(1) الصف : 10-13
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:18 PM

[align=justify]فطوبى لكل مسلم و مؤمن تاجر سلعته إلى الله تعالى , طوبى له بالفوز العظيم و النجاح الحقيقي في الدنيا من النصر و الفتح القريب , و الفوز الأخروي بدخول الجنة التي تجري من تحتها الأنهار و بيوت جميلة طيبة يسكنها مع الحور العين و ذلك هو الفوز العظيم . و القول بوجوب التجارة مع الله مستدل بهذه الآية , لأن التجارة التي تنجي من العذاب هي الإيمان بالله مع تطبيقه في مجال الجهاد بالأموال و الأنفس و الإيمان بالله أمر واجب و هو من المعلوم في الدين بالضروروة , لذا قرأ ابن مسعود رضي الله عنه الآية بالأمر بدلا من المضارع أي ( آمنوا بالله و رسوله و تجاهدون إلخ .... ) (1) , و «تُؤمِنُونَ» عند المبرد(2) والزجاج(3) في معنى آمنوا (4) ,كما ذكر ابن عاشور مجيء { يغفر } مجْزوماً تنبيه على أن { تؤمنون } { وتجاهدون } وإن جاءا في صيغة الخبر فالمراد الأمرُ لأن الجزم إنما يكون في جواب الطلب لا في جواب الخبر(5) , و قد علمنا أن الأصل في الأمر للوجوب.
و فسر ابن كثير: { يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } أي: إن فعلتم ما أمرتكم به ودللتكم عليه، غفرت لكم الزلات، وأدخلتكم الجنات، والمساكن الطيبات، والدرجات العاليات (6).
__________
(1) فتح القدير , ج 5 ص 222 .
(2) محمد بن يزيد بن عبد الأكبر المعروف بالمبرد ، (ولد 210 هـ/825 م) هو أحد العلماء الجهابذة في علوم البلاغة والنحو والنقد، عاش في العصر العباسي في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)
(3) ابراهيم بن السري بن سهل الزجاج (أبو اسحاق) النحوي، اللغوي، المفسر.
(4) تفسير القرطبي , ص 5600 , من الشاملة .
(5) ابن عاشور , التحرير والتنوير , ج 15 ص 67 , من موقع التفاسير www.altafsir.com
(6) أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي , تفسير القرآن العظيم , ج 4 ص 386
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:24 PM

[align=justify]ومن جانب المادي فقد وعد الله تعالى للتجار معه مرابح كثيرة يحبها الإنسان فصلتها الآيات التي تليها, فأي إنسان عاقل لا يتطلع إلى هذه الأرباح ؟ و قد جاءت الآية بصيغة الاستفهام (هل ) , والاستفهام مستعمل في العَرض مجازاً لأن العارض قد يسأل المعروضَ عليه ليعلم رغبته في الأمر المعروض كما يقال : هل لك في كذا؟ أو هل لك إلى كذا؟ والعرض هنا كناية عن التشويق إلى الأمر المعروض ، وهو دلالته إياهم على تجارة نافعة (1).
فما هي هذه التجارة ؟ و كيف ؟ و ما مميزاتها ؟
الفصل الثاني : التجارة مع الله , وفيه مباحث :
المبحث الأول : التعريف
التجارة مع الله هي عمل العلماء الذين يخشون الله كما تناولت الآيتان من سورة فاطر : وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29)
فبعد أن ذكر سبحانه الذين يخشونه و هم العلماء , ذكر أعمالهم وهي : تلاوة كتابه , و إقامة الصلاة , و الإنفاق سرا و علنا . و هؤلاء العلماء زاولوا التجارة مع الله أي أطاعوا الله من أجل الثواب منه .
__________
(1) ابن عاشور , التحرير والتنوير , ج 15 ص 67 , من موقع التفاسير
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:25 PM

[align=justify]قال صاحب الكشاف : التجارة بمعنى طلب الثواب بالطاعة (1), و معنى { يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ } أي: يرجون ثوابا عند الله لا بد من حصوله (2) .
وهي التجارة التي لن تبور أي لن تخسر أو لن تكسد ولن تهلك . فالتجار مع الله هم أولياؤه المهتدون , ربحت تجارتهم أيما ربح , بخلاف المنافقين الذين خسروا , كما قال : أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (3) . قال ابن جرير : وتأويل ذلك أن المنافقين - بشرائهم الضلالةَ بالهدى- خسروا ولم يربحوا، لأن الرابح من التجّار: المستبدِلُ من سلعته المملوكة عليه بدلا هو أنفسَ من سلعته المملوكة أو أفضلَ من ثمنها الذي يبتاعها به. فأما المستبدِلُ من سلعته بدلا دُونها ودونَ الثمن الذي ابتاعها به ، فهو الخاسر في تجارته لا شكّ. فكذلك الكافر والمنافق، لأنهما اختارَا الحيرة والعمى على الرشاد والهدى، والخوفَ والرعبَ على الحفظ والأمن، واستبدلا في العاجل: بالرَّشاد الحيرة، وبالهُدى الضلالةَ، وبالحفظ الخوفَ، وبالأمن الرعبَ - مع ما قد أعد لهما في الآجل من أليم العقاب وشديد العذاب، فخابا وخَسِرا، ذلك هو الخسران المبين (4).
__________
(1) أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري , الكشاف عن حقائق التنزيل و عيون الأقاويل في وجوه التأويل , دار الفكر , بلا سنة الطبع , ج 3 , ص 308 .
(2) أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي , تفسير القرآن العظيم , دار المعرفة بيروت لبنان , الطبعة الثانية , 1407- 1987 , ج 3 ص 301
(3) البقرة :16
(4) أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ,جامع البيان في تأويل القرآن , ج 1 ص 173 , دار الكتب العلمية , الطبعة الأولى 1412- 1992 .
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:27 PM

[align=justify]فما أخسره من التجار و ما أجهله بالأرباح . و بين صاحب روح المعاني بأن المقصد الأصلي من الآية تصوير خسارهم بفوت الفوائد المترتبة على الهدى التي هي كالربح وإضاعة الهدى الذي هو كرأس المال بصورة خسارة التاجر الفائت للربح المضيع لرأس المال حتى كأنه هو على سبيل الاستعارة التمثيلية مبالغة في تخسيرهم ووقوعهم في أشنع الخسار الذي يتحاشى عنه أولو الأبصار (1).
و ذكر الرازي في تفسير آية الصف , وهو قوله تعالى : { على تجارة } هي التجارة بين أهل الإيمان وحضرة الله تعالى ، والتجارة عبارة عن معاوضة الشيء بالشيء ، وكما أن التجارة تنجي التاجر من محنة الفقر ، ورحمة الصبر على ما هو من لوازمه ، فكذلك هذه التجارة وهي التصديق بالجنان والإقرار باللسان ، كما قيل في تعريف الإيمان فلهذا قال : بلفظ التجارة ، وكما أن التجارة في الربح والخسران ، فكذلك في هذا ، فإن من آمن وعمل صالحاً فله الأجر ، والربح الوافر ، واليسار المبين ، ومن أعرض عن العمل الصالح فله التحسر والخسران المبين (2).
هذا , و يتبين لنا أن التجارة مع الله هي الإيمان بالله مع فعل الطاعات من التلاوة و الصلاة و الصدقة - وهذه الثلاثة من أسباب الهداية - و الجهاد في سبيله بالمال و النفس مع الإخلاص كما أشار إليه تفسير القرطبي : { يَرْجُونَ تجارة لَّن تَبُورَ } إشارة إلى الإخلاص ، أي ينفقون لا ليقال إنه كريم ولا لشيء من الأشياء غير وجه الله ، فإن غير الله بائر والتاجر فيه تجارته بائرة (3). و قد صرح و أوضح الله سبحانه و تعالى هذه التجارة , فقال :
__________
(1) روح المعاني , ج 1 ص 173 من الشاملة .
(2) أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي , مفاتيح الغيب , ج 12 ص 475 من موقع التفاسير www.altafsir.com
(3) القرطبي ,
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:28 PM

[align=justify]إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (التوبة :111)
و في حديث الذي رواه أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ..... وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا قَالَ الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (1) .
المبحث الثاني : رأسمال التجارة مع الله
إن كل تجارة لا بد فيها من الرأسمال , سواء أكان أصلا ماديا محسوسا أو أصلا معنويا , و قد تسمى بالأصول غير منظورة (2) . و معنى الرأسمال في الاقتصاد هو الإسهام في النشاط الإتناجي من خلال الاستثمار في رأس المال المادي (مثل المصانع و المكاتب و الآلات و الأدوات) و رأس المال البشري (مثل التعليم العام و التدريب المهني) و يشكل رأس المال أحد عوامل الإتناج الرئيسية الثلاثة ( الرأسمال , العمالة , الموارد الطبيعية ) .(3)
__________
(1) سنن الترمذي , الحديث رقم 3439 باب ما جاء في عقد التسبيح باليد , من الشاملة .
(2) هي أصول غير مادية , مثل سمعة المحل , و براءات الاختراع و العلامات التجارية (trademark) معجم الاقتصاد , 209 , كرستوفر باس و صاحباه , تعريب عمرالأيوبي
(3) معجم الاقتصاد , 56
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:29 PM

[align=justify]و رأسمال هذه التجارة هو : النفس و المال و قد ذكرهما الله في الآيتين بصورة الجمع ( أموال و أنفس ) في قوله : ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ..) و قوله : ( تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ..., ) , و بعبارة الاقتصاد على التاجر مع الله أن يستثمر من نفسه و ماله في إنتاج الطاعات و القربات إلى الله سبحانه و تعالى .
و قد مثل الله سبحانه وتعالى إثابة المجاهدين بالجنة على بذلهم أنفسهم وأموالهم في سبيل الله بالشراء ، وأصل الشراء بين العباد هو : إخراج الشيء عن الملك بشيء آخر مثله أو دونه ، أو أنفع منه ، فهؤلاء المجاهدون باعوا أنفسهم من الله بالجنة التي أعدها للمؤمنين ، أي : بأن يكونوا من جملة أهل الجنة ، وممن يسكنها فقد جادوا بأنفسهم ، وهي أنفس الأعلاق ، والجود بها غاية الجود :
يجود بالنفس أن ضنّ الجبان بها ... والجود بالنفس أقصى غاية الجود
والمراد بالأنفس هنا : أنفس المجاهدين ، وبالأموال : ما ينفقونه في الجهاد (1) .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالصَّلَاةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا (2) .
__________
(1) فتح القدير , ج 3 ص 322 , من الشاملة
(2) أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري , الجامع الصحيح, رقم 327 , باب ما جاء في فضل الوضوء , ج 2 ص ,140 , دار الفكر , بلا سنة الطبع .
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:32 PM

[align=justify]المبحث الثالث : سلع التجارة مع الله ( كيفية التجارة معه )

كيف تتم هذه التجارة مع الله ؟ ما هي السلعة أو المبيعات ؟ للجواب على الأسئلة , نقرأ قوله تعالى في القرآن الكريم :
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (1) , و قوله : إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (2) , و قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ , تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (3) .
من الآيات السابقة نستخلص سلع التجارة مع الله و هي كما في الصورة التالية :
Radial Diagram
و نبين إجمالا , هذه المبيعات مستمدا من القرآن و السنة و ما كتبه العلماء فيها :
السلعة الأولى : الإيمان بالله
هو الركن الأول من أركان الإيمان الستة , كما بينه الله تعالى في قوله : لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ... إلخ (4) و كما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه لما سأله جبريل , وهو الحديث الطويل جاء فيه
__________
(1) التوية : 111
(2) فاطر : 29
(3) الصف : 10-11
(4) البقرة : 177)
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:34 PM

[align=justify]قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ قَالَ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ قَالَ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ (1) .
والإيمان في الاصطلاح الشرعي أو الإيمان عند أهل السنة والجماعة هو: التصديق الجازم، والإقرار الكامل، والاعتراف التام؛ بوجود الله تعالى وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، واستحقاقه وحده العبادة، واطمئنان القلب بذلك اطمئناناً تُرى آثاره في سلوك الإنسان، والتزامه بأوامر الله تعالى، واجتناب نواهيه. وأن محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم رسول الله، وخاتم النبيين، وقبول جميع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم عن ربه - جل وعلا - وعن دين الإسلام؛ من الأمور الغيبية، والأحكام الشرعية، وبجميع مفردات الدين، والانقياد له صلى الله عليه وسلم بالطاعة المطلقة فيما أمر به، والكف عما نهى عنه صلى الله عليه وسلم وزجر؛ ظاهراً وباطناً، وإظهار الخضوع والطمأنينة لكل ذلك. وملخصه: (هو جميع الطاعات الباطنة والظاهرة).
الباطنة : كأعمال القلب، وهي تصديق القلب وإقراره.
الظاهرة : أفعال البدن من الواجبات والمندوبات.
ويجب أن يتبع ذلك كله: قول اللسان، وعمل الجوارح والأركان، ولا يجزيء واحد من الثلاث إلا بالآخر؛ لأن أعمال الجوارح داخلة في مسمى الإيمان، وجزء منه.
فمسمى الإيمان عند أهل السنة والجماعة؛ كما أجمع عليه أئمتهم وعلماؤهم، هو:
(تصديق بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالجوارح والأركان؛ يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية) (2) .
__________
(1) اللؤلؤ و المرجان , 1 ص 5
(2) عبد الله الأثري , الإيمان حقيقته , خوارمه , نواقضه عند أهل السنة, ص 12
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:35 PM

[align=justify]أما الإيمان بالله الإيمان بالله سبحانه وتعالى: هو التصديق الجازم بوجود الله وربوبيته - جل وعلا - واتصافه بكل صفات الكمال، ونعوت الجلال، واستحقاقه وحده العبادة، واطمئنان القلب بذلك اطمئناناً تُرى آثاره في سلوك الإنسان، والتزامه بأوامر الله تعالى، واجتناب نواهيه، وهو أساس العقيدة الإسلامية ولبها؛ فهو الأصل، وكل أركان العقيدة مضافة إليه، وتابعة له. فالإيمان بالله تعالى يتضمن الإيمان بوحدانيته، واستحقاقه للعبادة؛ لأن وجوده - جل وعلا - لا شك فيه ولا ريب، وقد دل على وجوده سبحانه وتعالى: الفطرة، والعقل، والشرع، والحس. (1)
هذا الإيمان بالله هو الذي يحرك هؤلاء المؤمنين التجار (مع الله) و يحفزهم إلى عرض سلعهم في أحسن الوجوه و الصورة ولا يخافون في تجارتهم البوار و الكساد , و كيف تكسد إذا كانت هذه التجارة قد ضمن المشتري بشرائها في قوله .... لن تبور (فاطر) . و الشعور بالأمان من هذا البوار هو نتيجة الإيمان بالله , فما الأمان إلا بالإيمان , كما قال تعالى :
الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (2).
السلعة الثانية : الإيمان بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم
هو أن يصدق المؤمن التاجر ما أخبره الرسول صلى الله عليه وسلم , لأنه مأمور من عند الله أن يبلغ إلى الناس أوامر الله و نواهيه . و الإيمان بالنبي عليه الصلاة و السلام من مقتضى الإيمان بالله تعالى , لأنه قارن الأمر بالإيمان به مع رسوله و هو محمد صلى الله عليه و سلم , في قوله :
فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) .
__________
(1) المرجع السابق , 64
(2) الأنعام : 82
(3) التغابن : 8
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:36 PM

[align=justify]و للنبي صلى الله عليه وسلم حقوق على أمته وهي (1):
الإيمان المفصل بنبوته ورسالته واعتقاد نسخ رسالته لجميع الرسالات السابقة . ومقتضى ذلك : تصديقه فيما أخبر ، وطاعته فيما أمر ، واجتناب ما نهى عنه وزجر ، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع . وقد دلت على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة .قال تعالى : { فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }(2). وقال عز وجل : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } (3) . وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله » متفق عليه (4) .
وجوب الإيمان بأن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح للأمة ، فما من خير إلا ودل الأمة عليه ورغبها فيه ، وما من شر إلا ونهى الأمة عنه وحذرها منه
__________
(1) نخبة من العلماء , كتاب أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة , ص 231الطبعة الأولى , وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية , تاريخ النشر : 1421
(2) الأعراف : 158)
(3) الحشر : 7
(4) صحيح البخاري برقم (25) ، ومسلم برقم (22)
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:37 PM

[align=justify]محبته صلى الله عليه وسلم وتقديم محبته على النفس وسائر الخلق . قال تعالى : { قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }(1). فقرن الله محبة رسوله صلى الله عليه وسلم بمحبته عز وجل وتوعد من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله - توعدهم بقوله : { فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } . وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين » (2)
تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره وإجلاله . قال تعالى : { لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ }(3) . وقال تعالى : { فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (الأعراف : 157) .
والصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم والإكثار من ذلك كما أمر الله بذلك . قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }(4) وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا » (5)
__________
(1) التوبة : 24
(2) صحيح البخاري برقم (15) ، ومسلم برقم (44)
(3) الفتح : 9)
(4) الأحزاب : 56)
(5) رواه مسلم برقم (384)
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:38 PM

[align=justify]الإقرار له بما ثبت في حقه من المناقب الجليلة والخصائص السامية والدرجات العالية الرفيعة على ما تقدم بيان بعضها في أول هذا المبحث وغير ذلك مما دلت عليه النصوص . والتصديق بكل ذلك والثناء عليه به ونشره في الناس ، وتعليمه للصغار وتنشئتهم على محبته وتعظيمه ومعرفة قدره الجليل عند ربه عز وجل .
تجنب الغلو فيه والحذر من ذلك فإن في ذلك أعظم الأذية له صلى الله عليه وسلم . قال تعالى آمرًا نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخاطب الأمة بقوله : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا }(1). وبقوله : { قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ }(2).
محبة أصحابه وأهل بيته وأزواجه وموالاتهم جميعًا والحذر من تنقصهم أو سبهم أو الطعن فيهم بشيء.
__________
(1) الكهف : 110)
(2) الأنعام : 50)
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:39 PM

[align=justify]فإذا أدى المؤمن التاجر هذه الحقوق حقت له الأرباح في تجارته , و قد وعد قال صلى الله عليه وسلم : التَّاجِرُ الْأَمِينُ الصَّدُوقُ الْمُسْلِمُ مَعَ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (1) . و من كيفية الرسول في تبليغ الرسالة تلاوته القرآن على أمته , كما قال تعالى : لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2), و قوله أيضا : هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (3), و هو المبحث الآتي أي تلاوة القرآن
Radial Diagram
السلعة الثالث : تلاوة القرآن
حثت النصوص الكثيرة المسلمين التجار (مع الله) على تلاوة القرآن , منها آية الباب , وهي قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ ...... يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ , (4) . أي يداومون على قراءته حتى صارت سمة لهم وعنواناً كما يشعر به صيغة المضارع ووقوعه صلة واختلاف الفعلين والمراد بكتاب الله القرآن فقد قال مطرف بن عبد الله بن الشخير : هذه آية القراء (5) .
__________
(1) سنن ابن ماجه , 6 ص 356
(2) آل عمران : 164
(3) الجمعة :2)
(4) فاطر : 29
(5) روح المعاني , ج 16 ص 395 من الشاملة
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:40 PM

[align=justify]و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ (1). و قوله أيضا : اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ (2) .
و هل يكفي مجرد القراءة ؟ أو مجرد المسابقة ؟ أو مجرد الحفظ ؟ الجواب بلا شك لا , لماذا ؟ لأن الله أنزل القرآن ليتلى و ليتدبر معانيها ثم ليعمل بها , و معنى يتلون كتاب الله في الآية هو يتلون كتابه ويؤمنون به ويعملون بما فيه من إقام الصلاة، والإنفاق مما رزقهم الله في الأوقات المشروعة ليلا ونهارا، سرا وعلانية (3) . المطلوب منا التلاوة مع التدبر , كما قال تعالى : كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (4) . و لقد تكلمنا عن التعامل المطلوب في القرآن في الباب الأول .
وقراءة القرآن يجتمع فيها خمس مقاصد ونيات كلها عظيمة وكل واحدة منها كافية لأن تدفع المسلم أن يسارع لقراءة القرآن ويكثر الاشتغال به وصحبته ، وأهداف قراءة القرآن مجموعة في قولك :( ثم شع )
الثاء : ثواب .الميم : مناجاة ، مسألة الشين : شفاء .العين : علم العين : عمل
__________
(1) رواه مسلم باب صلاة المسافرين , 4 ص 219
(2) رواه مسلم , 4 ص 231
(3) تفسير ابن كثير , ج 5 ص 545 , من الشاملة
(4) القرآن سورة ص : 29
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:42 PM

[align=justify]و استفدنا مما كتبه د.خالد بن عبد الكريم اللاحم (1), و نذكر إجمالا هذه الأهداف نقلا من كتابه :
التلاوة من أجل العلم (قراءة القرآن للعلم)
هذا هو المقصد المهم ، والمقصود الأعظم من إنزال القرآن والأمر بقراءته ، بل ومن ترتيب الثواب على القراءة :قال الله عزوجل : {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}(2) ، {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا}(3) ، قال ابن مسعود : " إذا أردتم العلم فانثروا هذا القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين " ،
وقال الحسن بن علي : " إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل ويتفقدونها في النهار " ، وقال مسروق بن الأجدع (4) : " ما نسأل أصحاب محمد ' عن شئ إلا وعلمه في القرآن ولكن قصر علمنا عنه ، وعن عبد الله بن عمر قال : " عليكم بالقرآن فتعلموه وعلموه أبناءكم فإنكم عنه تسألون ، وبه تجزون ، وكفى به واعظا لمن عقل , وقال الحسن : " قراء القرآن ثلاثة أصناف : صنف اتخذوه بضاعة يأكلون به ، وصنف أقاموا حروفه ، وضيعوا حدوده واستطالوا به على أهل بلادهم واستدروا به الولاة كثر هذا الضرب من حملة القرآن لا كثرهم الله ، وصنف عمدوا إلى دواء القرآن فوضعوه على داء قلوبهم فركدوا به في محاريبهم وحنوا به في برانسهم واستشعروا الخوف فارتدوا الحزن فأولئك الذين يسقي الله بهم الغيث وينصر بهم علىالأعداء والله لهؤلاء الضرب في حملة القرآن أعز من الكبريت الأحمر " اهـ
__________
(1) أستاذ القرآن وعلومه المساعد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية , مفاتح تدبر القرآن و النجاح في الحياة , ص 26
(2) 29) سورة ص ]
(3) 82) سورة النساء]
(4) وهو من كبار تابعي الكوفة وأجمعهم لعلم الصحابة
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:44 PM

[align=justify]قال أحمد بن أبي الحواري : "إني لأقرأ القرآن وانظر في آيه فيحير عقلي بها واعجب من حفاظ القرآن كيف يهنيهم النوم ويسعهم أن يشتغلوا بشئ من الدنيا وهم يتلون كلام الله أما إنهم لو فهموا ما يتلون وعرفوا حقه فتلذذوا به واستحلوا المناجاة لذهب عنهم النوم فرحا بما قد رزقوا "
تلاوة القرآن من أجل العمل
قال علي بن أبي طالب _ : " يا حملة القرآن أو ياحملة العلم : اعملوا به فإنما العالم من عمل بما علم ، ووافق علمه عمله وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم يخالف عملهم علمهم وتخالف سريرتهم علانيتهم يجلسون حلقا يباهي بعضهم بعضا حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله تعالى "اهـ , وعن الحسن البصري قال :" أمر الناس أن يعملوا بالقرآن فاتخذوا تلاوته عملا " ، وقال الحسن بن علي : "إقرأ القرآن ما نهاك فإذا لم ينهك فليست بقراءة " , وقال الحسن البصري : "إن أولى الناس بهذا القرآن من اتبعه وإن لم يكن قرأه" اهـ . وعن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان وابن مسعود وأبي بن كعب _م : " أن رسول الله ' كان يقرئهم العشر فلا يجاوزونها إلى عشر أخرى حتى يتعلموا ما فيها من العمل ، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا ". يقول الآجري : " يتصفح القرآن ليؤدب به نفسه همته متى أكون من المتقين ؟ متى أكون من الخاشعين ؟ متى أكون من الصابرين ؟؟ متى أزهد في الدنيا ؟؟ متى أنهى نفسي عن الهوى ؟؟ "اهـ وفي الصحيح أن عائشة رضي الله عنها سئلت عن قول الله تعالى:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(1) ما كان خلق رسول الله ؟فقالت : " كان خلقه القرآن يغضب لغضبه ويرضى لرضاه جاء رجل بابنه إلى أبي الدرداء فقال : إن ابني هذا قد جمع القرآن . فقال : اللهم غفرا إنما جمع القرآن من سمع له وأطاع "
تلاوة القرآن بقصد مناجاة الله
__________
(1) سورة القلم]:
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:46 PM

[align=justify]عن أبي هريرة رصي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " ما أذن الله لشئ ما أذن لنبي حسن الصوت يجهر بالقرآن " , ومعنى : أذن . أي : استمع ، وأخرج ابن ماجه عن فضالة بن عبيد قال : قال رسول الله ' : " لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن يجهر به من صاحب القينة إلى قينته " ، وعن عبد الله بن المبارك قال : سألت سفيان الثوري قلت : الرجل إذا قام إلى الصلاة أي شئ ينوي بقراءته وصلاته ؟ قال : ينوي أنه يناجي ربه " ، وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن البياضي أن رسول الله خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال : إن المصلي يناجي ربه عزوجل فلينظر ما يناجيه ، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن"فالمسلم عند قراءته للقرآن عليه أن يستحضر هذا المقصد العظيم لكي يشعر بلذة القراءة حينما يستحضر أن الله يراه ويستمع لقراءته وهو يقرأ ويمدحه ويثني عليه ويباهي به ملائكته المقربين . إن أحدنا لو ظن أن رئيسه ، أو والده أو أميرا ينظر إلى قراءته ويمدحه لاجتهد في ذلك ، فكيف والذي يستمع إليه ويثني عليه ملك الملوك الذي له ما في السموات ومافي الأرض وما بينهما وما تحت الثرى .فالقارئ يستشعر أنه يخاطب الله مباشرة والله تعالى يسمعه ، فإذا مر بآية فيها تسبيح سبح ، وإذا مر بآية فيه وعيد استعاذ ، وإذا مر بسؤال سأل .
تلاوة القرآن بقصد الثواب
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:47 PM

[align=justify]وعن جابر بن عبد الله رصي الله عنهما قال : " كان النبي ' يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول : أيهم أكثر أخذا للقرآن ؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد " ، و عنه صلى الله عليه وسلم : خيركم من تعلم القرآن و علمه , و عنه صلى الله عليه وسلم : مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ , (1) .
تلاوة القرآن من أجل الاستشفاء به
قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ }(2) , وقال تعالى {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا}(3) ، وقال الله تعالى : { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} (4) , فالقرآن شفاء للقلوب من أمراض الشبهات والشهوات ، وشفاء للأبدان من الأسقام . فمتى استحضر العبد هذا المقصد فإنه يحصل له الشفاءان بإذن الله تعالى .عن علي _ قال : قال رسول الله ' : "خير الدواء القرآن" وعن عائشة أن رسول الله ' دخل عليها وامرأة تعالجها أو ترقيها فقال : عالجيها بكتاب الله ".
و إليكم رسم أهداف تلاوة القرآن
Radial Diagram
حقا إن تلاوة القرآن لسلعة غالية نبيعها إلى الله تعالى
السلعة الرابعة : إقامة الصلاة
__________
(1) سنن الترمذي , 10 ص 153
(2) سورة يونس : (57)
(3) سورة الإسراء : 82
(4) سورة فصلت : 44
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:49 PM

[align=justify]وللصلاة في الاسلام منزلة لا تعدلها منزلة أية عبادة أخرى ، فهي عماد الدين الذي لا يقوم إلا به، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأس الامر الاسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله)، وهي أول ما أوجبه الله تعالى من العبادات، تولى إيجابها بمخاطبة رسوله ليلة المعراج من غير واسطة.
قال أنس: (فرضت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به خمسين، ثم نقصت حتى جعلت خمسا، ثم نودي يا محمد: إنه لا يبدل القول لدي، وإن لك بهذه الخمس خمسين). رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه.
والمتتبع لايات القرآن الكريم يرى أن الله سبحانه يذكر الصلاة ويقرنها بالذكر تارة: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر) (1),(قد أفلح ٍ من تزكى وذكر اسم ربه فصلى (2), (وأقم الصلاة لذكري (3) , وتارة يقرنها بالزكاة: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة (4) , ومرة بالصبر (واستعينوا بالصبر والصلاة (5)، وطورا بالنسك (فصل لربك و انحر (6) (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) (7) .
وأحيانا يفتتح بها أعمال البر ويختتمها بها، كما في سورة، سأل (المعارج) (8) وفي أول سورة المؤمنين:
__________
(1) العنكبوت : 45
(2) الأعلى : 14- 15
(3) طه : 14
(4) البقرة : 43
(5) البقرة : 45
(6) الكوثر : 2-3
(7) الأنعام : 162
(8) إِلَّا الْمُصَلِّينَ , الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ , وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ , لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ( المعارج : 22 - 25)
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:50 PM

[align=justify](قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ , الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) إلى قوله: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ , وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ , أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ , الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (1) .
وقد بلغ من عناية الاسلام بالصلاة، أن أمر بالمحافظة عليها في الحضر والسفر، والامن والخوف، فقال تعالى:
(حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ , فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)(2)
وقال مبينا كيفيتها في السفر والحرب والامن:
__________
(1) المؤمنون : 1-11
(2) البقرة : 238-239
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:51 PM

[align=justify](وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا , وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا , فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ) (1).
ولان الصلاة من الامور الكبرى التي تحتاج إلى هداية خاصة، سأل إبراهيم عليه السلام ربه أن يجعله هو وذريته مقيما لها فقال: (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي، ربنا وتقبل دعاء) (2) , ومن ترك الصلاة جحودا بها وإنكارا لها كفر وخروج عن ملة الاسلام، بإجماع المسلمين (3) .
و اقرأ ما صوره ابن القيم عن الصلاة فقال :
__________
(1) النساء : 101- 103
(2) إبراهيم : 40
(3) السيد سابق , فقه السنة , دار الكتاب العربي , الطبعة الثامنة 1407 - 1987 , ج1 ص 92
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:52 PM

[align=justify]كما أن الصوم ثمرته تطهير النفس ، و ثمرة الزكاة تطهير المال ، و ثمرة الحج وجوب المغفرة ، و ثمرة الجهاد تسليم النفس إليه ، التي اشتراها سبحانه من العباد ، و جعل الجنة ثمنها ؛ فالصلاة ثمرتها الإقبال على الله ، و إقبال الله سبحانه على العبد ، و في الإقبال على الله في الصلاة جميع ما ذكر من ثمرات الأعمال و جميع ثمرات الأعمال في الإقبال على الله فيها. و لهذا لم يقل النبي صلى الله عليه و سلم : جعلت قرة عيني في الصوم ، و لا في الحج و العمرة ، و لا في شيء من هذه الأعمال و إنما قال : " و جعلت قرة عيني في الصلاة (1)". و تأمل قوله : " و جعلت قرة عيني في الصلاة " و لم يقل : " بالصلاة " ، إعلاماً منه بأن عينه لا تقر إلا بدخوله كما تقر عين المحب بملابسته لمحبوبه و تقر عين الخائف بدخول في محل أنسه و أمنه ، فقرة العين بالدخول في الشيء أكمل مِن قرة العين به قبل الدخول فيه . و الفرق بين مَن كانت الصلاة لجوارحه قيداً ثقيلاً ، و لقلبه سجناً ضيقا حرجاً ، و لنفسه عائقا ، و بين مَن كانت الصلاة لقلبه نعيماً ، و لعينه قرة و لجوارحه راحة ، و لنفسه بستاناً و لذة. فالأول : الصلاة سجن لنفسه ، و تقييد لجوارحه عن التورط في مساقط الهلكات ، و قد ينال بها التكفير و الثواب ، أو ينال من الرحمة بحسب عبوديته لله تعالى فيها ، و قد يعاقب على ما نقص منها. و الثاني : الصلاة بستان له ، يجد فيها راحة قلبه ، و قرّة عينه ، و لذَّة نفسه ، و راحة جوارحه ، و رياض روحه ، فهو فيها في نعيم يتفكَّه ، و في نعيم يتقلَّب يوجب له القرب الخاص و الدنو ، و المنزلة العالية من الله عزَّ و جل ، و يشارك الأولين في ثوابهم ، بل يختص بأعلاه ، و ينفرد دونهم بعلو المنزلة و القربة ، التي هي قدر زائد على مجرد الثواب.(2)
__________
(1) أخرجه الطبرانى (20/420 ، رقم 1012) . من الشاملة
(2) أسرار الصلاة , لابن قيِّم الجَوزيَّة , ص 39 من الشاملة
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:53 PM

[align=justify]فيا للصلاة من مكانة عظيمة , و يا لها من الأسرار و الثواب الجزيل , للذين حافظوا عليها , و أقاموها إقامة صادقة , اللهم اجعلنا مقيمي الصلاة و من ذريتنا ربنا و تقبل دعاء .
السلعة الخامسة : الإنفاق في السر و العلن
وهو ما دلت الآية في سورة فاطر , بقوله : .... و أنفقوا مما رزقناهم سرا و علانية يرجون تجارة لن تبور , قال الطبري في تفسير الآية : وقوله( وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً ) يقول: وتصدقوا بما أعطيناهم من الأموال سرًّا في خفاء وعلانية جهارًا، وإنما معنى ذلك أنهم يؤدون الزكاة المفروضة، ويتطوعون أيضًا بالصدقة منه بعد أداء الفرض الواجب عليهم فيه (1) .
و قد أجاد الرازي في تفسير الآية فقال :
" لما بين العلماء بالله وخشيتهم وكرامتهم بسبب خشيتهم ذكر العالمين بكتاب الله العاملين بما فيه . وقوله : { يَتْلُونَ كتاب الله } إشارة إلى الذكر .وقوله تعالى : { وأقاموا الصلاة } إشارة إلى العمل البدني . وقوله : { وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ } إشارة إلى العمل المالي ، وفي الآيتين حكمة بالغة ، فقوله : إنما يخشى الله إشارة إلى عمل القلب ، وقوله : { إِنَّ الذين يَتْلُونَ } إشارة إلى عمل اللسان . وقوله : { وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم } إشارة إلى عمل الجوارح ، وقوله تعالى : { سِرّاً وَعَلاَنِيَةً } حث على الإنفاق كيفما يتهيأ ، فإن تهيأ سراً فذاك ونعم وإلا فعلانية ولا يمنعه ظنه أن يكون رياء ، فإن ترك الخير مخافة أن يقال فيه إنه مراء عين الرياء ويمكن أن يكون المراد بقوله : { سِرّا } أي صدقة { وَعَلاَنِيَةً } أي زكاة ، فإن الإعلان بالزكاة الإعلان بالفرض وهو مستحب " (2).
__________
(1) تفسير الطبري , ج 20 ص 463 من الشاملة .
(2) مفاتيح الغيب , ج 12 ص 475 من الشاملة .
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:57 PM

[align=justify]فالتاجر مع الله عنده اهتمام بغيره من أقاربه و مجتمعه و الناس أجمعين . فلا يبخل بما عنده في الإنفاق لغيره , و هذا تطبيق عملي للركن الثالث من أركان الاقتصاد الإسلامي الثلاث وهو التكافل الاجتماعي (1) , لأنه من الحقائق الثابتة أن أفراد النوع البشري يتفاوتون في الصفات الجسدية والنفسية والفكرية ،وبناء على هذا التفاوت في المواهب والإمكانيات ومقدار التحمل والبذل ؛فإن هناك تفاوت سيكون في إيجاد نوعية العمل ،وبالتالي مقدار الحصول على المال . وبالتالي سيكون هناك أفراد في المجتمع معوزين ، لا يجدون كفايتهم من المال الذي ينفقونه على حاجياتهم الضرورية . ولهذا جاءت عدة تشريعات إسلامية لتحقيق التكافل والتعاون وسد النقص لدى أهل الاحتياج من أفراد المجتمع منها : -
الزكاة لسد حاجات المعوزين .
إعطاء بيت المال لأهل الحاجات .
الإنفاق الواجب على الأقارب ومن تلزمه نفقته .
النهي عن الإسراف والبذخ تحقيقاً للتوازن الاجتماعي ومراعاة لنفوس المحتاجين .
شرعت الكفارات والصدقات والقروض والهبات وصدقة الفطر والأضاحي والعقيقة وغيرها لتحقيق مبدأ التكافل والتعاون بين أفراد المجتمع.
السلعة السادسة : الجهاد بالأموال و الأنفس في سبيل الله
__________
(1) النظام الاقتصادي في الإسلام , 16[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:58 PM

[align=justify]و دليل هذه السلعة قوله تعالى : ... و تجاهدون في سبيل الله بأموالكم و أنفسكم ... , و تفسير الآية : { وتجاهدون } المراد به تجمعون بين الإِيمان بالله ورسوله وبين الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم تنويهاً بشأن الجهاد . وفي التعبير بالمضارع إفادة الأمر بالدوام على الإِيمان وتجديده في كل آن ، ,و أما { وتجاهدون } فإنه لإِرادة تجدّد الجهاد إذا استُنفِروا إليه (1). وقدّم ذكر الأموال على الأنفس؛ لأنها هي التي يبدأ بها في الإنفاق والتجهز إلى الجهاد (2) , و في سورة التوبة قدم ذكر الأنفس على الأموال لأنها في معرض الاستبدال والعرض والطلب أو ما يسمى بالمساومة ، فقدم النفس لأنها أعز ما يملك الحي ، وجعل في مقابلها الجنة وهي أعز ما يوهب (3).
والجهاد بعد هذين الوجهين ثلاثة ، جهاد فيما بينه وبين نفسه ، وهو قهر النفس ، ومنعها عن اللذات والشهوات ، وجهاد فيما بينه وبين الخلق ، وهو أن يدع الطمع منهم ، ويشفق عليهم ويرحمهم وجهاد فيما بينه بين الدنيا وهو أن يتخذها زاداً لمعاده فتكون على خمسة أوجه (4) ( جهاد بالأموال , جهاد بالنفس , جهاد بينه و بين نفسه , جهاد بينه و بين الخلق , جهاد فيما بينه و بين الدنيا) .
__________
(1) تفسير ابن عاشور , ج 15 ص 67 من الشاملة
(2) فتح القدير , ج 7 ص 216 من الشاملة
(3) أضواء البيان , ج 8 ص 247
(4) مفاتيح الغيب , ج 15 ص 341من الشاملة .
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 05:59 PM

[align=justify]و الجهاد مستمر إلى أن يرث الأرض و من عليها بجميع صوره , وهذا من مميزات هذا الدين , فإنه لن يترك الجهاد إلا و يذهب الإسلام لأن الجهاد هو الذي يحمي و يحفظ هذا الدين , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : عن معاذ بن جبل رضي الله عنه ، قال : قلت : يا رسول الله ! أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار ، قال : (( لقد سألت عن عظيم ، وإنه ليسير علي من يسره الله عليه : تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت )) ثم قال : (( ألا أدلك علي ابواب الخير ؟ : الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ، وصلاة الرجل في جوف الليل )) ثم تلا : { تتجافي جنوبهم عن المضاجع } حتى بلغ { يعملون (1)} , ثم قال : (( ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه ؟ قلت : بلي يا رسول الله ، قال : (( رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد ... إلخ (2).
ومن نوع الجهاد كذلك الجهاد الاقتصادي , و من أسلحته (3):
التضحية بالمال , وذلك لتمويل شراء السلاح و للإنفاق منه على شؤون الجهاد و المجاهدين الأخرى .
المقاطعة الاقتصادية , و تهدف إلى اقتصاد العدو الصهيوني ومن على شاكلتهم و تقوية اقتصاد الأمة الإسلامية حتى لا تكون عالة على أعدائها , و يضاف إلى ذلك الإضرار بالمصالح الاقتصادية للعدو و بكافة الوسائل و تدميرها و تحريض العالمين في كل مكان على عدم التعاون معه.
__________
(1) السجدة : 16 - 17
(2) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح , باب ما جاء في حرمة الصلاة , الحديث رقم 2541
(3) د. حسين حسين شحاته , الجهاد الاقتصادي فريضة شرعية و ضرورة إيمانية , ص 5 , الطبعة الثالثة 1423 - 2002 ... ,التوزيع المؤلف .
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 06:01 PM

[align=justify]و هذا الجهاد الاقتصادي يأخذ حكم الجهاد بصفة عامة فهو فريضة شرعية و ضرورة إيمانية , كما دل عليه آية الباب . و يؤكد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجهاد بالمال بقوله : من جهز غازيًا فى سبيل الله فقد غزا ومن خلف غازيًا فى سبيل الله فى أهله بخير فقد غزا (متفق عليه) (1) .
و إذا كان الكافرون و المشركون و اليهود ينفقون أموالهم للاعتداء على الإسلام فعلى المسلمين أن ينفقوا أموالهم في سبيل الله لحماية المسلمين , ولقد أشار الله إلى ذلك فقال : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (2) .
و حث الله المؤمنين على الإنفاق في سبيل الله فقال :
مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (3) .
فعلينا جميعا ألا نبخل في أموالنا إذا كان ذلك في مصلحة المسلمين , بل نبذل كل ما في وسعنا من أجل إعلاء كلمة الله , و لتكون كلمة الله هي العليا .
__________
(1) اللؤلؤ و المرجان , ج 1 ص 610
(2) الأنفال : 36
(3) البقرة : 261
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 06:03 PM

[align=justify]المبحث الرابع: مرابح التجارة مع الله
مرابح هذه التجارة كثيرة جدا تتمثل في عدة من الآيات منها : قوله تعالى في سورة التوبة : إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) , و في فاطر : لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) , و في النور : لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38), و في الصف : يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) , و في البقرة : مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) .
مستمدا من الآيات نستخلص هذه المرابح في الرسم الآتي:
Radial Diagram
و بالتفصيل فهي :
مغفرة الذنوب , و ذلك مفهوم من قوله (يغفر لكم) أي: إن فعلتم ما أمرتكم به ودللتكم عليه، غفرت لكم الزلات، وأدخلتكم الجنات، والمساكن الطيبات، والدرجات العاليات (1)؛ وهذا شامل للصغائر والكبائر، فإن الإيمان بالله والجهاد في سبيله، مكفر للذنوب، ولو كانت كبائر (2) .
__________
(1) ابن كثير , ج 8 ص 112
(2) تفسير السعدي , 553
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 06:04 PM

ا[align=justify]لجنة و نعيمها, وهذا صريح في التوبة (بأن لهم الجنة ) وفصلها الله في الصف (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ) أي: من تحت مساكنها [وقصورها] وغرفها وأشجارها، أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى، ولهم فيها من كل الثمرات (1)، (وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) و روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها «قَصْرٌ من لؤلؤة في الجنة فيه سبعون دارا من ياقوتة حمراء في كل دار سبعون بيتاً من زَبَرجْدة خضراء في كل بيت سبعون سريراً على كل سرير سبعون فراشاً من كل لَونْ على كلّ فراش سبعون امرأةً من الحُور العِين في كل بيت سبعون مائدة على كل مائدة سبعون لوناً من الطعام في كل بيت سبعون وَصِيفاً ووصِيفة فيعطى الله تبارك وتعالى المؤمن من القُوّة في غداة واحدة ما يأتي على ذلك كله» (2) , والمساكن الطيبة : هي القصور التي في الجنة ، قال تعالى : { ويجعل لك قصوراً } وإنما خُصّت المساكن بالذكر هنا لأن في الجهاد مفارقة مساكنهم ، فوعدوا على تلك المفارقة الموقتة بمساكن أبدية (3).
__________
(1) المرجع السابق
(2) القرطبي , 5601 من الشاملة
(3) تفسير ابن عاشور , ج 15 ص 68
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 06:06 PM

[align=justify]النصر من الله و الفتح القريب , قال الكلبي : يعني النصر على قريش وفتح مكة . وقال عطاء : يريد فتح فارس والروم (1), أي: إذا قاتلتم في سبيله ونصرتم دينه، تكفل الله بنصركم. قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } [محمد : 7] وقال تعالى: { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } [الحج : 40] وقوله { وَفَتْحٌ قَرِيبٌ } أي: عاجل فهذه الزيادة هي خير الدنيا موصول بنعيم الآخرة، لمن أطاع الله ورسوله، ونصر الله ودينه؛ ولهذا قال: { وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } (2) , وهو نصر فتح مكة فإنه كان نصراً على أشد أعدائهم الذين فتنوهم وآذوهم وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم وألَّبوا عليهم العرب والأحزاب . وراموا تشويه سمعتهم ، وقد انضم إليه نصر الدين بإسلام أولئك الذين كانوا من قبل أئمة الكفر ، فأصبحوا مؤمنين إخواناً وصدق الله وعده بقوله : { عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة } [ الممتحنة : 7 ] وقوله : { واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً (3)} . ووصف الفتح ب { بقريب } تعجيل بالمسرة . وهذه الآية من معجزات القرآن الراجعة إلى الإِخبار بالغيب (4). هنا تبلغ الصفقة ذروة الربح الذي لا يعطيه إلا الله . الله الذي لا تنفد خزائنه ، والذي لا ممسك لرحمته . فهي المغفرة والجنات والمساكن الطيبة والنعيم المقيم في الآخرة . وفوقها . . فوق البيعة الرابحة والصفقة الكاسبة النصر والفتح القريب . . فمن الذي يدله الله على هذه التجارة ثم يتقاعس عنها أو يحيد؟! (5) . و لعل هذا النصر و الفتح القريب من زيادة الفضل من الله تعالى على
__________
(1) فتح القدير , ج 7 ص 217
(2) تفسير ابن كثير , ج 8 ص 112
(3) آل عمران : 103
(4) تفسير ابن عاشور , ج 15 ص 69
(5) في ظلال القرآن , ج 7 ص 199
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 06:09 PM

[align=justify]هؤلاء التجار معه , كما دلت قوله (وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ).
الوفاء أو توفية الأجور و الجزاء بأحسن مما عملوا , من قوله (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ) و قوله (لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا) { لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا } والمراد بأحسن ما عملوا: أعمالهم الحسنة الصالحة، لأنها أحسن ما عملوا، لأنهم يعملون المباحات وغيرها، فالثواب لا يكون إلا على العمل الحسن، كقوله تعالى: { لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كَانُوا يَعْمَلُونَ } { وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ } زيادة كثيرة عن الجزاء المقابل لأعمالهم، { وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } بل يعطيه من الأجر ما لا يبلغه عمله، بل ولا تبلغه أمنيته، ويعطيه من الأجر بلا عد ولا كيل، وهذا كناية عن كثرته جدا (1). و يؤيده المربح التالي و هو :
مضاعفة الثواب و الأجور إلى سبعمئة ضعف , وهذا من قوله في البقرة :
مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (2) .
و معنى الآية أن الله تعالى ضرب المثل لتضعيف الثواب لمن أنفق في سبيله وابتغاء مرضاته، وأن الحسنة تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف (3).
حقا إنها مرابح مغرية و شيقة لمن عرف و فهم حقيقة التجارة مع الله سبحانه و تعالى , فليبادر كل منا على الإقبال لهذه التجارة و تفضيلها من أي تجارة أخرى , فبها ينال الفوز العظيم و هو النجاح الحقيقي الذي يبحث عنه و يطلبه كل إنسان .
الفصل الثالث : التجارة مع الإنسان , وفيه مباحث :
المبحث الأول : الترغيب في التجارة
__________
(1) تفسير السعدي , ج 1 ص 569
(2) البقرة , 261
(3) تفسير ابن كثير , ج 1 ص 691[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 06:13 PM

[align=justify]و هذا الحث على التجارة واضح في ندائه للمؤمنين بقوله في سورة النساء (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ .. ) ففي هذه الآية إبانةٌ من الله تعالى ذكره عن تكذيب قول الجهلة من المتصوِّفة المنكرين طلبَ الأقوات بالتجارات والصناعات ، لأن الله تعالى حرّم أكلها بالباطل وأحلها بالتجارة ، وهذا بيّن (1) .
وتخصيصها بالذكر من بين سائر أسباب الملك لكونها أغلب وقوعاً وأوفق لذوي المروءات ، وقد أخرج الأصبهاني عن معاذ بن جبل قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا وإذا وعدوا لم يخلفوا وإذا ائتمنوا لم يخونوا وإذا اشتروا لم يذموا وإذا باعوا لم يمدحوا وإذا كان عليهم لم يمطلوا وإذا كان لهم لم يعسروا » و روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : تسعة أعشار الرزق في التجارة والعشر في المواشي (2).
و روي عن النبي صلى الله عليه وسلم يا معاشر قريش لا يغلبنكم الموالى على التجارة فإن الرزق عشرون بابا تسعة عشر منها للتاجر وباب واحد للصانع وما أملق تاجر صدوق إلا تاجر حلاف مهين (الديلمى وابن النجار عن ابن عباس) (3) .
المبحث الثاني : حرص الناس على هذه التجارة و حبها إليها
وهذا الحرص من طبيعة الإنسان , فإنه جبل على حب المال و المادة و كل ما يحتاجه في هذه الحياة من متعة دنيوية , قال تعالى : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ) أي: وإنه لحب الخير -وهو: المال-لشديد. وفيه مذهبان:أحدهما: وإنه لشديد المحبة للمال.والثاني: وإنه لحريص بخيل؛ من محبة المال وكلاهما صحيح(4) .
__________
(1) تفسير القرطبي , ج 1 ص 1334 , من الشاملة .
(2) تفسير الألوسي , ج 4 ص 29
(3) الجامع الكبير للسيوطي , 27325
(4) تفسير ابن كثير , ج 8 ص 467
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 06:15 PM

[align=justify]و في سورة الجمعة أخبرنا الله تعالى بهذه الصورة في قوله : وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ..., يعني أسرعوا إلى التجارة (1) .
و قد أشكل لنا كيف يترك الصحابة رضوان الله عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم قائما في خطبة الجمعة ؟ ألم يصلوا معه ؟ و الجواب : إنها كانت لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدّم الصلاة يوم الجمعة على الخطبة (2), أي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة قبل الخطبة مثل العيدين ، حتى كان يوم جمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، وقد صلّى الجمعة فدخل رجل فقال : إن دِحْيَة بن خليفة الكَلْبي قدم بتجارة ، وكان دِحيَة إذا قدم تلقّاه أهله بالدِّفاف؛ فخرج الناس فلم يظنّوا إلا أنه ليس في ترك الخطبة شيء؛ فأنزل الله عز وجل : { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا } . فقدّم النبيّ صلى الله عليه وسلم الخطبة يوم الجمعة وأخّر الصلاة , و لم يبق معه إلا أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ ، وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجَرّاح ، وسعيد بن زيد وبلال ، وعبد الله ابن مسعود (3) .
و لكن كون النبي صلى الله عليه وسلم قدم الصلاة على الخطبة مثل صلاة العيد , أنكره الألوسي وقال ولا أظن صحة هذا الخبر ، والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم لم يزل مقدماً خطبتها عليها ، وقد ذكروا أنها شرط صحتها وشرط الشيء سابق عليه ، ولم أر أحداً من الفقهاء ذكر أن الأمر كان كما تضمنه ولم أظفر بشيء من الأحاديث مستوف لشروط القبول متضمن ذلك ، نعم ذكر العلامة ابن حجر الهيتمي أن بعضهم شذ عن الإجماع على كون الخطبة قبلها والله تعالى أعلم (4) .
__________
(1) تفسير الطبري , ج 24 ص 386
(2) تفسير ابن كثير , ج 8 ص 124
(3) تفسير القرطبي , ص 5620 من الشاملة
(4) روح المعاني , ج 21 ص 16
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 06:17 PM

[align=justify]و على كل حال فقد ترك الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم قائما من أجل التجارة التي قدمت و تحمل ما يحتاجون إليه , و هذا الترك و الانفضاض إلى التجارة لدليل على حرصهم عليها , و ما ذلك إلا لشدة حاجتهم إليها . ولم يظنّوا إلا أنه ليس في ترك الخطبة شيء (1).
بعد هذا يتبين لنا أن ترك الصحابة رضوان الله عليهم النبي صلى الله عليه وسلم قائما في الخطبة بسبب حاجتهم إلى الطعام الذي يحمله دحية ابن خليفة في تجارته , لأن الوقت , وقت الضرورة و الحاجة مع ظنهم أن ذلك ليس بمنهي عنه . ولم ينههم الرسول صلى الله عليه وسلم , إنما قال : لو اتبع آخرهم أوّلهم لالتهب عليهم الوادي نارًا. و لم يأمر الله تعالى كذلك بنهيهم , بل أمر النبي بأن يخبر هم أن ما عند الله خير و أبقى لهم من تجارة هؤلاء .
وطعن الشيعة لهذه الآية الصحابة رضي الله تعالى عنهم بأنهم آثروا دنياهم على آخرتهم حيث انفضوا إلى اللهو والتجارة ورغبوا عن الصلاة التي هي عماد الدين وأفضل كثير من العبادات لا سيما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وروي أن ذلك قد وقع مراراً منهم ، وفيه إن كبار الصحابة كأبي بكر . وعمر . وسائر العشرة المبشرة لم ينفضوا ، والقصة كانت في أوائل زمن الهجرة ، ولم يكن أكثر القوم تام التحلي بحلية آداب الشريعة بعد ، وكان قد أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر فخاف أولئك المنفضون اشتداد الأمر عليهم بشراء غيرهم ما يقتات به لو لم ينفضوا ، ولذا لم يتوعدهم الله تعالى على ذلك بالنار أو نحوها بل قصارى ما فعل سبحانه أنه عاتبهم ووعظهم ونصحهم (2) .
المبحث الثالث : أحكام و آداب التجارة
إن لهذه التجارة أحكام و آداب نستخلصها من الآيات التي فيها كلمة (تجارة) , و قد ذكرت في المبحث عن أقسام التجارة , منها :
المطلب الأول : النهي عن التجارة بالباطل .
__________
(1) تفسير القرطبي , 5620 من الشاملة
(2) روح المعاني , ج 21 ص 17[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 06:18 PM

[align=justify]و هذا من قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ.. ) و معناه أن تكون التجارة عن طريق الرّبا والقمار والبخس والظلم (1) , أو بأنواع المكاسب التي هي غير شرعية، كأنواع الربا والقمار، وما جرى مجرى ذلك من سائر صنوف الحيل، وإن ظهرت في غالب الحكم الشرعي مما يعلم الله أن متعاطيها إنما يريد الحيلة على الربا, و مثال تطبيق الآية كما روي عن ابن عباس في الرجل يشتري من الرجل الثوب فيقول: إن رضيته أخذته وإلا رددته ورددت معه درهما-قال: هو الذي قال الله عز وجل: { وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ }(2) . ومِن أكل المال بالباطل بَيْعُ العُربَان؛ وهو أن يأخذ منك السلعة أو يكتَري منك الدابة ويعطيك درهماً فما فوقه ، على أنه إن اشتراها أو ركب الدابة فهو من ثمن السلعة أو كِراء الدابة؛ وإن ترك ابتياع السلعة أو كِراء الدابة فما أعطاك فهو لك (3) .
__________
(1) تفسير الطبري , ج 8 ص 216
(2) تفسير ابن كثير ,
(3) تفسير القرطبي , 1329 , و في بعض الكتب سمي ببيع العربون , ذهب الجمهور إلى منعه لأن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن بيع العربان . و قال أحمد بن حنبل : لا بأس ببيع العربان و دليله أن النبي سئل عن العربان في البيع فأحله , و قد أصبحت طربقة بيع العربون في عصرنا الحاضر أساسا للارتباط في التعامل التجاري الذي يتضمن التعهد بتعويض ضرر الغير عن التعطل و الانتظار , و رجح د. وهبة بجوازه عملا بالعرف . ( الفقه الإسلامي و أدلته , 5 ص 450 .
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 06:20 PM

[align=justify]فالأكل عن هذا الطريق ( الباطل) من الظلم الذي حاربه الإسلام في جميع المعاملات بين الناس , ويؤكد هذا المعنى أن جميع ما جاء النهي عنه من المعاملات في الكتاب والسنة، يعود في الحقيقة إلى إقامة العدل، ونفي الظلم. فالشارع الحكيم نهى عن الربا لما فيه من الظلم، ونهى عن الميسر؛ لما فيه من الظلم وأكل المال بالباطل، ونهى عن أنواع كثيرة من البيوع؛ لما فيها من الظلم والبغي بغير الحق، وذلك كنهيه عن بيع المصراة، والمعيب، ونهيه عن النجش، والبيع على بيع أخيه المسلم، وعن تلقي السلع، وعن الغبن، وعن الغش، وعن التدليس على الناس بتزيين السلع الرديئة، والبضائع المزجاة، وتوريطهم بشرائها، وغير ذلك كثير؛ فإن عامة ما نهي عنه من المعاملات يرجع المعنى فيها إلى منع الظلم (1), أو الأكل بينهم بالباطل.
المطلب الثاني : أن تكون التجارة عن تراض .
قرئ: تجارة بالرفع وبالنصب، وهو استثناء منقطع، كأنه يقول: و في لا تتعاطوا الأسباب المحرمة في اكتساب الأموال، لكن المتاجر المشروعة التي تكون عن تراض من البائع والمشتري فافعلوها وتسببوا بها في تحصيل الأموال (2) .
__________
(1) الحوافز التجارية التسويقية , ص 35
(2) تفسير ابن كثير , ج 2 ص 268
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 06:22 PM

[align=justify]فالتجارة عن تراض، هو ما كان على ما بيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم من تخيير كل واحد من المشتري والبائع في إمضاء البيع فيما يتبايعانه بينهما - أو نقضه بعد عقد البيع بينهما وقبل الافتراق - أو ما تفرقا عنه بأبدانهما عن تراض منهما بعد مُواجبة البيع فيه عن مجلسهما , وقال آخرون: بل التراضي في التجارة، تُواجب عقد البيع فيما تبايعه المتبايعان بينهما عن رضى من كل واحد منهما: ما مُلِّك عليه صاحبه وَملِّك صاحبه عليه، افترقا عن مجلسهما ذلك أو لم يفترقا، تخايرا في المجلس أو لم يتخايرا فيه بعد عقده (1) , و ذهب إلى هذا القول الحنفية و المالكية فالتراضي يحصل بمجرد صدور الإيجاب و القبول فيتحقق الالتزام من غير انتظار لآخر المجلس , و لم يأخذوا بالأحاديث الواردة في إثبات خيار المجلس لمنافاتها لعموم الآية (2).
و الحديث على ثبوت خيار المجلس كثير منها : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ وَرُبَّمَا قَالَ أَوْ يَكُونُ بَيْعَ خِيَارٍ , و قوله عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا (3).
__________
(1) تفسير الطبري , ج 6 ص 56
(2) الفقه الإسلامي و أدلته , 5 ص 251
(3) صحيح البخاري , 7 ص 253 و 300
[/align]

ميارى 12 - 5 - 2010 06:24 PM

[align=justify]ومن هذه الآية الكريمة احتج الشافعي رحمه الله على أنه لا يصح البيع إلا بالقبول؛ لأنه يدل على التراضي نَصا، بخلاف المعاطاة فإنها قد لا تدل على الرضا ولا بد، وخالف الجمهورَ في ذلك مالك وأبو حنيفة وأحمد وأصحابهم، فرأوا أن الأقوال كما تدل على التراضي، وكذلك الأفعال تدل في بعض المحال قطعا، فصححوا بيع المعاطاة مطلقا، ومنهم من قال: يصح في المحقَّرات، وفيما يعده الناس بيعا، وهو احتياط نظر من محققي المذهب، والله أعلم (1).
المطلب الثالث : عدم الكتابة في التجارة الحاضرة .
و هذا الحكم من قوله تعالى في أطول الآيات في القرآن و الذي جاء فيها الأمر بالكتابة في الدين , و المعاملة الأخرى و هو قوله تعالى : ..... إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ..... , أي إذا كان البيع بالحاضر يدا بيد، فلا بأس بعدم الكتابة لانتفاء المحذور في تركها (2).
ولمّا علم الله تعالى مشقة الكتاب عليهم نصّ على ترك ذلك ورفع الجناح فيه في كل مبايعة بنقد ، وذلك في الأغلب إنما هو في قليل كالمطعوم ونحوه لا في كثير كالأملاك ونحوها . وقال السّدِّيّ والضّحاك : هذا فيما كان يداً بيد . و قوله تعالى : { تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ } يقتضي التقابض والبينونة بالمقبوض . ولمّا كانت الرِّباع والأرض وكثير من الحيوان لا يقبل البينونة ولا يغاب عليه ، حَسُن الكَتْبُ فيها ولحقت في ذلك مبايعة الدَّين؛ فكان الكتاب توثُّقاً لِما عسى أن يطرأ من اختلاف الأحوال وتغيُّر القلوب .
__________
(1) تفسير ابن كثير , ج 2 ص 629
(2) نفسير ابن كثير , ج 1 ص 725
[/align]


الساعة الآن 10:22 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى