منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   القرآن الكريم والأحاديث وسيرة الأنبياء والصحابة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=95)
-   -   التوبة والاستغفار (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=8743)

ميارى 28 - 7 - 2010 04:13 AM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 41

وقفنا عند صفات عباد الرحمن لنتعلم كيف نطبق هذه الصفات وكيف نبتعد عن الكبائر الثلاث الشرك والقتل والزنا لأن هناك بعض الناس المؤمنين قد يقعون في هذه الكبائر. وسنتحدث في هذه الحلقة عن كيفية عدم الانزلاق في هذه الكبائر وسبق وتعرضنا لجريمة الشكر واليوم نتحدث عن القتل وكيف نتعلم عدم الوقوع في هذه الكبيرة. قد يكون هناك إنسان مؤمن من عباد الرحمن ويقع في هذه الكبيرة وللأسف تتكرر هذه الجريمة كل يوم بين الناس بسبب خلاف بسيط أو مرور سيارة أو مباراة كرة أو غيره.
نتوقف عند أول جريمة قتل على الأرض ونستعرض آيات سورة المائدة (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32))
أول جريمة قتل في التاريخ البشري قصة ابني آدم التي تعرضت لها الآيات في سورة المائدة وسنقف عند شكل الجريمة والحوار الذي دار بين الأخوين لنتدبر كيف لا نقع في جريمة القتل.
نبدأ من واقع القصة في القرآن الكريم: لا بد أن نقف وقفة عن القصص القرآني. الحق تبارك وتعالى يقول (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق) إذا تدبرنا هذه الكلمات نعلم أنه هناك نبأ عن ابني آدم ليس بالحق، وهنا نقف عند مصائب وقع فيها الكثيرون من إسرائيليات وأكاذيب. نسأل ما اسم ابني آدم؟ الكل يقول قابيل وهابيل، فنقول من أخبركم؟ القرآن لم يذكر اسمهما مع أنه ذكر أسماء آخرين كثر في القرآن. الرسول r لا تقتل نفس ظلماً إلا وعند ابن آدم الأول كفل منها" ولم يذكر اسمه فنحن لا نجد أسماء ابني آدم لا في القرآن ولا في الحديث الصحيح وإنما أُخذت من كتب بني إسرائيل. الرسول r حذر من هذا الأمر عندما دخل عليه عمر بن الخطاب معه بعض صحائف التوراة التي تثبت رسالة الرسول rوبعض أوصافه فغضب الرسول وقال: أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ أي ما زلت شاكّاً في كلامي حتى تأخذ من التوراة وأقسم r وقال: والذين نفسي بيده لقد جئت بها إليكم ناصعة بيضاء أي على المحجة البيضاء كما هي لم يكن ساحراً ولا كاذباً ولا شاعراً وإنما جاء بها كما أنزلها عليه الله تعالى ونحن كمسلمين ملتزمون بالقرآن والسُنة الصحيحة. أول كلمة في قصة ابني آدم (بالحق) يعني الذي ستسمعه في غير القرآن ومن غير الرسول r سيكون غير حق. الآيات التي سبقت القصة الكلام فيها عن بني إسرائيل. بعض الشراح والمفسرين وقف عند نهاية قصة ابني آدم ولم يذكر الآية الأخيرة (من أجل ذلك) ما هو (ذلك)؟ ولهذا بعض المفسرين قالوا ليسا ابني آدم من صلبه وإنما من بني إسرائيل لأنه قال بعدها (من أجل ذلك كتبنا على بين إسرائيل) ولكن الحديث الصحيح يقول (ابن آدم الأول). يمكن للمسلم الحق أن يعرف الحديث الصحيح من المكذوب من سياقه وكلامه. حديث الرسول r(ابن آدم الأول) يؤكد أن الذي قتل ابن آدم الذي من صلبه وأنه لم يعرف اسمه. الرسول r سمع ما جاء في التوراة فلم يقترب من هذه المسألة. إبن مسعود قال: لا تسمعوا لليهود، فقالوا لماذا؟ قال هم ضلّوا أنفسهم فكيف يهدوكم؟.
الآيات تحتاج لجهد كبير: ما معنى (واتلُ) ومعنى (عليهم) (نبأ ابني آدم بالحق)؟ القرآن يُصلِح كل زمان ومكان والقرآن له سبب خاص وسبب عام والسبب العام أهم من السبب الخاص.
يكثر الكلام في هذه الأيام دفاعاً عن اليهود ويقولون أن الله تعالى هو الذي أنزل التوراة والانجيل لكن غاب عن هؤلاء أننا نؤمن بالتوراة والانجيل التي أنزلها الله تعالى على موسى وعيسى عليهما السلام لا ما حرّفه اليهود. القرآن هو الكتاب الوحيد الذي تعهد الله تعالى بحفظه (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) وعندما يكون بين أيدينا القرآن لا أحتاج لسماع غيره مما في التوراة والانجيل، نحن نأخذ من القرآن والسُنة الصحيحة. الآية تخاطب الرسول r(واتل عليهم) أي علينا أن نأخذ من الرسول r و (عليهم) في الآية تعود على اليهود لأنهم ضلوا.
الله تعالى هو الذي يقص نبأ ابني آدم على رسوله الصدوق محمد r فلا نحتاج لأي كتاب آخر كما يقول البعض في قصة موسى r مع العبد الصالح الذي يسميه كثيرون الخضر. وكذلك لم ترد اسم زوجة آدم في القرآن أبداً وإنما عرفناها من الحديث الصحيح " لولا اليهود ما خنز اللحم ولولا حواء ما خانت أنثى زوجها" أنه من بُخل االيهود كانوا يأخذون اللحم ولا يوزعونها فيفسد اللحم والخيانة في ذكر حواء لزوجها هي خيانة العهد والوفاق وعدم المشورة والتشاور وليس مسألة الخيانة الزوجية كما تورد الإسرائيليات أنها هي التي أغوته ليأكل التفاحة مع أن هذه قصة لا تمت للحقيقة بأية صلة والقرآن قال (فوسوس إليه) ولم يقل إليهما. وكذلك قصة العبد الصالح في سورة الكهف وابني آدم لم يذكر القرآن أسماءهم. الأهم من القصة هو العبرة وليست القصة نفسها وأسماء الذين فيها.
الآية (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق) توقّع في القرآن آيتين: (إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ (62) آل عمران) إذن أي قصص آخر هو غير حق، والآية الثانية (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ (3) يوسف) يعني هناك قصص غير القرآن لكن أحسن القصص تأخذه من القرآن حتى لو القصة صحيحة عند اليهود، لا قصص بعد القرآن. وقال أحسن القصص ولم يقل حسن فنأخذ الأحسن من القرآن الكريم وكما قال ابن مسعود اليهود ضلوا أنفسهم فكيف يهدوننا؟
الذي سأل الرسول r عن عدد الفتية في الكهف لم يحدد القرآن الكريم عددهم لأن العدد لا يفيد وإنما الذي يفيد واقع القصة ووجودهم في الكهف وانفصالهم عن قومهم وكذلك الذي سأل عن إخوة يوسف وأسمائهم، ماذا يفيد معرفة أسمائهم هم كانوا 11 فقط وهذا يكفي. القرآن يعنى بأمور في الوقت الذي تعنى فيه التوراة المحرفة بأمور أخرى. في القرآن قال (إذ قربا قرباناً) لم يقل لماذا قرّبا القربان؟ لكن في التوراة يقولون أن أحد ابني آدم أراد أن يتزوج أخته التي في نفس البطن. لكن لماذا لا نأخذ أكثر من احتمال بدل أن نحدد احتمالاً واحداً؟ العبرة تكون في أكثر من احتمال لأنه تعالى أطلق القربان في القصة، فقد يكون الموضوع غيرة بين الأخوين أو حسد بين الأخوين أو فعلاً قصة الزواج من أخته وغيرها. وكنا نقوم ببحث عن واقع التوراة في القصة وصار البعض يقول كان قابيل على حق فما المانع أن يتزوج أخته من نفس البطن؟ ومن هنا يبدأ الكل بالتفسير على هواه، هذا لا يصح، نحن عندنا قرآن وكل كلمة لها وقع.
نبدأ بالآيات: (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق). النبأ كلمة لا تطلق إلا على الخبر المهم الذي يبنى عليه أمور فقصة ابني آدم سيبنى عليها تشريع (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل) وقاله الرسول r" من سنّ في الإسلام سُنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيئاً" فالذي يرتكب ذنباً يأخذ وزر من عمل بها إلى يوم القيامة. وقلنا أن مقابل الصدقة الجارية هناك سيئة جارية (في الحديث: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث وذكر منها صدقة جارية، وذكرنا سابقاً أن الصدقة الجارية هي التي عملها الميت في حياته) لا يمكن أن نعمل الدين على هوانا نحن (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ (23) الجاثية) وقال علي ابن ابي طالب: لو كان الدين بالعقل لكان المسح على الخف من أسفله لكننا نحن نأخذ الشرع من الرسول r فقد كان يمسح على الخف من فوق لأننا متبعون ولسنا مبتدعين.
الآيات ينبني عليها تشريع. كيف يقتل الإنسان نفساً؟ الآيات تقول (فطوعت له نفسه قتل أخيه) ولم يقتل الشيطان كما يحتج كثير من الناس أن الشيطان دفعه للقتل وغيره وما زال البعض يحتجون على الآية (إن كيد الشيطان كان ضعيفاً). القرآن قال في كيد النساء عظيم وفي كيد الشيطان ضعيف. في قصة ابني آدم لم يذكر الشيطان وإنما قال (فطوعت له نفسه) وفي بعض التفاسير يقولون أن الشيطان علّم أحد ابني آدم كيف يققل أخاه فنقول له من أين جئت بهذا الكلام؟ الآيات واضحة (فطوعت له نفسه قتل أخيه) ولو كان هناك شيء من الشيطان لأوضحها القرآن فعلينا أن نبتعد عن الإسرائيليات بالكُليّة وأن نتعرض للتفسير على مراد الله إن شاء الله.
عدم فضح الله تعالى لعباده دليل قبول توبة العبد لكن الذي تمثل فيلماً خلاعياً مثلاً ثم تتوب وتلتزم فهل الفيلم الذي صورته هو من باب السيئة الجارية والبعض تناشد الفضائيات عدم نشر هذه الأفلام لكنهم للأسف يعرضونها ويعتبرونها حقوقهم. هذا يعود إلى نيتها ساعة تصوير الفيلم وساعة التوبة وتوبتها مقبولة بإذن الله تعالى لأنه تعالى قال (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) النساء). إذا أصدر أحدهم كتاباً فيه كثير من السيئات ليحصل على المال ثم يتوب هذه معصية عن إصرار وتخطيط ولا تنفع وتوبته توبة مصطنعة غير حقيقية. إذا كانت هذه الفنانة مثلاً إرتكبت الخطأ بجهالة وكلمة بجهالة لا تعني بجهل مع أن بعض المفسرين قالوا أنه لا يعرف أن عليها عقوبة لكن الجهالة عند أهل اللغة هي السفه والحمق أي كنت تعرف أن هذا خطأ وحرام لكن من سفاهته وحمقه فعلها لكن توبته على الله تعالى إن تاب بصدق بدليل الآية (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً) و(على) تفيد الإلزام وإن كان الله تعالى لا يلزمه شيء ومن فضل الله تعالى أنه قال (ثم يتوبون) التي فيها تراخي ولو قال فيتوبون لكان هناك شرط ضمني أن تكون سريعة. لكن من قريب تظهر درجة الصدق والعبودية هل تابت مثلاً بعد فيلم واحد أو عشرة أو أكثر؟ (ثم) تعطي الأمل لكل من عصى الله تعالى.
النبأ هو الخبر العظيم كما في سورة النبأ (عم يتساءلون عن النبأ العظيم) والعرب لا تطلقها إلا على الخبر المهم العظيم الذي ينبني عليه أموراً كثيرة جداً. (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق) أي لا تأخذ من أي مصدر وإنما خذ من القرآن الذي يقص عليك النبأ بالحق. (إذ قربا قرباناً) الإسرائيليات تقول أن ابن البطن الأول يأخذ ابنة البطن الثاني والعكس هذا من الاسرائيليات وهذا كلام يقيد الآيات وكذلك أن أحد ابني آدم اختار أفضل كبش لديه والآخر اختار أسوأ الزرع وهذا كله من الاسرائيليات. هم يقولون أن ابن البطن الأول يأخذ ابنة البطن الثاني والعكس هذه لا تحتاج لقربان بالمنطق. عندما يريد أن يستأثر بأخته من نفس البطن لا يقدم قرباناً. القربان يقدم تقرّب للإله إرضاء عن شيء شرعي. الكذب زاضح في الاسرائيليات فالقربان يكون في الأمور المشروعة وليست الأمور غير المشروعة ولكن المسألة كأنها حقد بين الأخوين أو حسد فقالوا نقدم قرباناً ونرى من هو أفضل؟ الرسول سمّى القاتل الأول، فقبول قربان الثاني كان دليل (إنما يتقبل الله من المتقين) هذه قاعدة إن لك تتق الله تعالى لن يقبل منك أي شيء وصاغها القرآن في صيغة القاعدة الأصولية وهي واضحة لا تحتاج لشرح (إنما يتقبل الله من المتقين).
(فتقبل من أحدهما) الفعل مبني لما لم يسمى فاعله لوم يقل فتقبل الله لأنه يريد أن يبين أن القضية لا دخل للمقتول بها وهذا سر بناء الفعل لما لم يسمى فاعله أن الذي تقبّل أكبر مني وليس لي علاقة بالأمر. (ولم يتقبل من الآخر) المسألة خارجة عن إطار هذا وهذا.
الأخوين يقدمان قرباناً لله تعالى والله تعالى هو الذي تقبل لكن أحد ابني آدم قال (لأقتلنك) فما ذنب الآخر؟ لم يدر أي حوار وإنما الحقد والغيرة والحسد جعلت ابن آدم الأول القاتل لا يدع مجالاً للحوار. عبرة القصة أنه ابني آدم انقسما إلى فريقين فريق على رأسه الإبن الأول القاتل والفريق الآخر على رأسه الإبن المقتول وهذه حقيقة البشر الآن قسم عنده الطمأنينة وثقة بالله ليس لها حد والبعض قد يتوهم أن في هذه الوداعة سلبية لكنها لا تعني أنه قبل أن يُقتَل. أحدهما قال (لأقتلنك) الطرف الآخر كيف يمنع الأول من قتله؟ لو دافع عن نفسه لقتله، لكن هل يقتله ويدخل النار؟ بالطبع لا. الإبن الثاني كان بمنتهى الذكاء وفي حواره استثار فيه المروءة والشهامة حتى يصرفه عن القتل أنه حتى لو مددت يدك لتقتلني لن أقتلك فالمفروض أن شهامة الأول تقتضي أن لا يقتل أخاه. لكن الأول قال جازماً بفعل مؤكّد تأكيداً (لأقتلنّك) ولم يقل سأقتلك. الإبن الثاني فضّل أن يكون المقتول لأنه يخاف الله رب العالمين (إني أخاف الله رب العالمين) إذن الذي منعه من قتل أخيه ليس سلبية ولا وداعة ولا مسالمة بلا معنى. في الغزوات الرسول r كان يوجه أصحابه: لا تقتلوا امرأة ولا طفلاً ولا شيخاً ولا تقطعوا شجرة، وهذا لا ينفي الرجولة أو يدل على التنازل لكن هي من دواعي الشجاعة والمروءة. هناك قاعدة عند ابن آدم: الآدمي بنيان الربّ ملعون من هدمه.
البعض في كتب التفسير يقولون كيف عرف ابن آدم الأول القتل؟ فنقول أن الله تعالى علّم آدم الأسماء كلها. قال لأخيه (لأقتلنك) فردّ الآخر (لئن بسطت إليّ يدك ) أي أنت ستفعل شيئاً لن أفعله فكأنه يقول له سأكون أعزلاً وهو يحاول أن يمنع وقوع الجريمة لأنه فعلاً يخاف من الله ويعرف عقاب القتل. عبد الله بن عمر قال: من ورطات الدنيا ورطة كبيرة تعملها في الدنيا ليس لها منفذ ولا مخرج هي القتل لأن القتل فرع الموت والموت صفة الإله الحق (يحيي ويميت) الخلق لله والموت لله فإذا عرفت القتل فهل تعرف أن تخلق أو تعيد الذي قتلته؟ القتل هو فعل لله الإنسان يدخل نفسه فيه وكأنه ينصّب نفسه إلهاً وهذا سر ورود القتل بعد الشرك (ولا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون) لأن القاتل عمل شيئاً من صفات الخالق لا من صفات البشر. (ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق) فإذا استطاع أحد أن يقتل نفساً فهل يمكن إذا أراد التوبة أن يعيد هذا المقتول.
كذلك المنتحر ليس له حق في الانتحار. نذكر بحديث الرسول r: إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن" وأقول لكل من يتصدى للإفتاء وأذكِّر بما قاله الحسن البصري يا أيها المفتي تثبّت قبل أن تفتي فإنك توقع بالإنابة عن الله ورسوله.
بُثّت الحلقة بتاريخ 1/5/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 04:15 AM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 42

ما زلنا في موضوع التوبة والاستغفار وكل ابن آدم خطاء لكن ليس كل من يخطيء يعرف أن يتوب إلى الله وهناك كثير من الناس يقولون تبت إلى الله ثم يعود إلى المعصية من جديد فالتوبة ليست كلمة تقال فقط. وتكلمنا عن صفات عباد الرحمن وذكرنا أن بعض المؤمنين قد يقع في إحدى الكبائر الثلاثة الشرك أو القتل أو الزنا. وأشرنا إلى موضوع الشرك والقتل وتحدثنا عن موضوع دخول الإسرائيليات في قصص القرآن وكثيرون لا يتوقفون عند هذه الإسرائيليات ولا يتحققون منها.
اتصل بي أحد الأخوة وقال أنه لا بأس أن نأخذ من الإسرائيليات ونتحدث عنها لأن الرسول r قال: حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج. الحديث صحيح لكن للأسف هذا الأخ لم يفهم الحديث. الحديث في البخاري وهو صحيح ونصّه: بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فيتبوأ مقعده من النار" الحديث يقول حدّثوا عن بني إسرائيل ولم يقل إرووا عن بني إسرائيل وفرق بين أن أحدّث عن بني إسرائيل يعني أكشف وأبين ما كانوا عليه من ضلال وقتل الأنبياء وفق ما جاء في القرآن الكريم. ولو المعنى الذي أراده هذا الأخ لكي يبرر أخذه من الإسرائيليات لقال rإرووا عن بني إسرائيل أي خذوا من قصصهم ولكنه r قال حدّثوا عن بني إسرئيل وحتى لو اتفقت الروايات في الإسرائيليات مع ما ورد في القرآن لا نأخذ منها لأننا لا نحتاج لنأخذ من التوراة والانجيل ولدينا القرآن الذي هيمن على جميع الكتب السماوية. ونحن نأخذ منهجنا كمسلمين وفق قاعدة ثابتة من القرآن والسنة الصحيحة فكما وجدت الإسرائيليات في قصص القرآن وجد الحديث الضعيف.
الناس انقسمت فريقين بعضهم يقول نحتاج لفرز الأحاديث بعد أن اختلط الحديث الضعيف بالحديث والبعض الآخر يقولون نتمسك بالقرآن وليس لنا علاقة بالسنة. لكن نقول نحن منهجنا كمسلمين مبني على القرآن والسنة الصحيحة التي بها أوضح r القرآن للصحابة والمسلمين. الحديث يؤخذ من حيث أمرين: المتن والسند. السند هذا موضوع علم الحديث ويسمى علم الرجال أو الجرح والتعديل والمتن هو موضوع أهل اللغة وسبق أن تحدثنا عن الحديث الضعيف حول سورة يس وبلغ حد الضعف أن يكون موضوعاً وبحثنا في سنده ومتنه لأن في سنده كاذب. قصة إبني آدم في القرآن في منتهى الإبداع اللغوي والبياني والقرآن سكت عن زمان القصة وعن أسماء أبطال القصة وعن سيناريوهات وضعتها الإسرائيليات والقرآن سكت عنها فكأن القرآن يقول أن القرآن له سبب خاص وسبب عام والآية يجب أن توضع في الإطار العام وحتى يتجنب المسلمين القتل عليهم أن يقرأوا القصة على مراد الله في القرآن ولذلك قال (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق) والحق في عُرف أهل اللغة لا يتعدد فالحق واحد لذا هو من أسماء الله الحسنى. في القصة الواحدة لديك عدة روايات بين القرآن والتوراة والإنجيل ثبت بنص القرآن كذب هذه الروايات والمتوقع أن يكون هناك رواية واحدة نأخذها من القرآن ولا نأخذها من الإسرائيليات. وللأسف الإسرائيليات غلبت الرواية الصحيحة في القرآن والأحاديث الضعيفة غلبت الأحاديث الصحيحة. وقلنا أن القرآن والسنة لم يذكر أسماء ابني آدم وهذه قضية منتهية ونعلق على وقل القائل حدثوا عن بني إسرائيل نقول هذا حديث صحيح لكن حدّثوا عن بني إسرائيل أي افضحوا ما فعلوه. وليس من قبيل الصدفة أن سورة البقرة لما تأتي على رأس الكتاب بعد الفاتحة مع أن ترتيبها 86 في النزول هذا له حكمة بالتأكيد وبعدما يضع تعالى أسس تعريف المؤمن والكافر والمنافق يتكلم عن بني إسرائيل باستفاضة. بني إسرائيل يقولون هم شعب الله المختار ولم يسألهم أحد بماذا فضلوا علينا؟ هذه كانت حقيقة والله تعالى فضلهم على العالمين لأنهم الأمة الوحدية التي ذكر عندهم صفات الرسول r من موسى u تارة ومن عيسى تارة أخرى، وكلاهما تكلما عن أوصاف الرسول عندهم. وعندما جاء r كذبوه وقالوا عنه شاعر وكذاب ومجنون ومع هذا صبر r إلى آخر يوم في حياته وقال لنا هذا الحديث : بلغوا عني ولو آية " وأنا أحذر أن الإسرائيليات تنسب الكلام إلى الرسول r وهو منه براء وفي كل الأحاديث الصحيحة لم يذكر إسم ابني آدم وإنما قال ابن آدم الأول على القاتل. لا بد أن نذكر أنفسنا أن نحمد الله تبارك وتعالى على نعمة الإسلام والله تعالى أنعم علينا بنعم ظاهرة وباطنة كلها لا تعادل نعمة الإسلام. ومع هذا هناك من جاء من أبوين غير مسلمين وأسلم وهناك من جاء من أبوين مسلمين وتنصّر أو تهوّد ولكن سيبقى الإسلام شرف لكل من دان به.
نتكلم عن الكبيرة الثالثة وهي الزنا. قال تعالى في سورة يوسف (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29) وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)). يوسف u تعرض لابتلاءات كثيرة من إمرأة العزيز ثم أشهدت النسوة فقد تعرض للفتنة مرتين وسنتحدث كيف كانت ردة فعل يوسف u حتى نتعلم.
أولاً شكل الغواية جاء من امرأة ذات سلطة وسلطان. وحتى نقارن بين هذه القصة والواقع الآن حيث يقول الناس أنا عبد مأمور ولو لم أفعل كذا لأدخلوني السجن أو غيره. فعلينا أن نأخذ الإبتلاء كما هو وننجح فيه. قصة يوسف u نأخذها مثالاً لتوقيع رفض الزنا والبعض يقولون هذا نبي فنقول له لماذا أنزل الله تعالى الرسل والأنبياء؟ قال تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) الأحزاب) هذه القصة نوقّعها من حديث رسول الله تعالى الذي يذكر سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: شاب نشأ في طاعة الله أي شاب عوّد نفسه على الحلال وأبعد نفسه عن الحرام وعلينا كمسلمين أن نعوّد أنفسنا على رفض المعصية ويتمرن على عدم الاستجابة للمعصية لذا نقع فيها بسرعة. فالحديث يذكر شاب نشأ في طاعة الله أي عوّد نفسه على الحلال وأبعد نفسه عن الحرام وهذا يبدأ من البيت والمدرسة والتنشئة الصحيحة. لا صبر للناس هذه الأيام على هذا التدريب. سورة يوسف من أولها إلى آخرها مبنية على الصبر وكل حادثة حصلت في قصة يوسف u فيها صبر. وجاءت سورة يوسف كقصة واحدة لأن فيها قاعدة واحدة يتفرع منها أمور كثيرة الصبر: إبتداء عدم صبر الإخوة على أبيهم، عدم صبر الإخوة لحالهم، عدم صبر امرأة العزيز، عدم صبر النسوة، عدم صبر صاحبي السجن. وفي وسط الابتلاء قال يعقوب u(فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) ليس أي صبر وإنما صبر جميل (وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ).
البعض يبرر لنفسه المعصية ويقولن أن العزيز كان ضعيفاً جنسياً مع أن هذا لم يرد في القرآن وإنما في الاسرائيليات وحتى لو كان هذا الكلام صحيحاً لدينا قوله تعالى (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)) هذه جاءت بعد أن الإنسان يتفلّت وينفلت (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ) والنفس تلعب به (يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)) ثم يقول قاعدة (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)) ثم يقول (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17)) ما سبب ورود هذه الآية هنا؟ هذا سنتحدث عنه لاحقاً، ثم يقول تعالى (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20)) ما الذي يوقع الناس؟ الدنيا بما فيها من لذة عاجلة. (وَتَذَرُونَ الْآَخِرَةَ (21)) أي لو صبرت في الدنيا التي ستنتهي مهما طالت وتركت الحياة الحقيقية (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) العنكبوت) هم لا يعلمون وعلمهم سقط أمام العاجلة. فالتوقيع القرآني في سورة القيامة رائع (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)) فمهما اعتذرت يوم القيامة لن ينفع وسيكون الكلام كله بلا قيمة (كلا) كلمة زجر ورجع ونفي ما تحتج به (لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) المؤمنون) البرزخ هو حاجر بين عالم الدنيا وعالم الآخرة.
الإنسان يريد أن يعجل ويأخذ لذة عاجلة وينسى اللذة الباقية. أغلب الناس التي تقع في خطيئة الزنا بعد أن ينتهي من هذه الجريمة تبكي لأنهم عرفوا أنهم أخذوا لذة قصيرة منكرة يعقبها ندم في الدنيا وحسرة وألم في الآخرة.
(وقال الذي اشتراه) هذه الآية تمهيد للواقعة الأساسية. يجب أن نتذكر (وشروه بثمن بخس) شروه بمعنى باعوه بثمن بخس وتوقيع القرآن بديع في هذا الذي سيكون له شأن عظيم فيما بعد كيف كانت بدايته (بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين) ولو رجعنا لأصل القصة إخوة يوسف بدأوا (اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا) بعد آيات الشراء والبيع قال (والله غالب على أمره) وقال تعالى (ولكن أكثر الناس لا يعلمون). من الذي دفع أحد إخوة يوسف لقول (قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ) لو قتلوه أو ألقوه أرضاً أي تركوه في أرض بعيدة لم يحدث الذي حدث وإنما قال أحد الإخوة ألقوه في الجب ( إن كنتم فاعلين). أمر الله تعالى غالب مهما خطط الناس ولو وضع الناس هذه الآية على أنها قاعدة أساسية لم يذهب أحد لساحر ولا غيره لكن (لكن أكثر الناس لا يعلمون). إخوة يوسف سمعوا كلام هذا الأخ وفعلاً التقطه بعض السيارة كما قال (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ). هذه القصة يحكيها الله تعالى لبين إسرائيل وللناس جميعاً قصة رائعة نأخذ منها موعظة واحدة وهي الصبر. (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ).
توقيت نزول هذه السورة على الرسول r وذكر القصة كاملة من أول الرؤيا إلى أن مكنه الله تعالى في الأرض والدعاء الذي ختم به يوسف u ونسب الفضل لله تعالى وقال (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ) لا يمكن لأحد أن يأخذ الملك لأن الملك لله تعالى و (من) تعطي معنى جزء ولكنه كبير لأنه من عند الله تعالى. هل كان الرسول r أول المقصودين بعظة الصبر لما لاقاه من مشاق في الدعوة؟ وهل كانت رسالة للرسول r بأن الله تعالى ناصره؟
هي ليست بهذا المعنى وإنما من باب تسلية الرسول rوزيادة الاطمئنان. كل ما في القرآن كلام الله تعالى حتى لو جاء على لسان الكفار. إبراهيم u قال (بلى ولكن ليطمئن قلبي) أي ليزداد اطمئناناً لأنه قال (بلى ولكن) هناك فرق بين أن أحتاج للصبر أو أني صابر وأحتاج لتسلية حتى لا يتفلت مني الصبر. التسلية بمعنى التهوين عليك ما أنت فيه فتداوم على الصبر ويثبتك عليه. (ما ودعك ربك وما قلى) هذه ردّ على من قال إن رب محمد قلاه وهذا اعتراف من الكفار أن لمحمد r رب. سورة الضحى لو ركزنا في تفسيرها وشرحها وتوقيعها لكان يجب أن نكون متأكدين من حدوث الإسراء لأنه تعالى قال (ولسوف يعطيك ربك فترضى) وما أعظم من الإسراء! الرسول r صابر لكنه يحتاج إلى تثبيت فكانت سورة يوسف. الآيات فيها سبب عام وسبب خاص والسبب العام أشمل، السبب الخاص لرسول الله r والسبب العام للأمة حتى يتعلموا كيف يتعاملوا مع الأحداث وكيف يصبروا وغيره.
وفي تكملة الحديث: ورجل دعته امرأة ذات مال وجمال فقال إني أخاف الله رب العالمين. لو أخذنا توقيع هذه (معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي) وهنا نوضح أن ربي هنا يعني الله تعالى وليس العزيز كما في بعض كتب التفسير لأن يوسف u له رب واحد هو الله تعالى ثم إن العزيز قال (أكرمي مثواه) ولم يقل أحسني مثواه والإكرام غير الأحسان ثم قال يوسف u(إنه ربي أحسن مثواي) لم يقل أكرم مثواي (هذه سنشرحها لاحقاً). المرأة التي تدعو ذات مال وجمال وامرأة العزيز في سورة يوسف ذات منصب وجمال (راودته) أي هونت عليه الأمر فقال يوسف u(قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) الآيات واضحة وقوية والآيات تحتاج لشغل حتى نرد على من يخرج بمعاذير ويبرر لنفسه. القصة تحتاج لوقفات مع الألفاظ في هذه القصة حتى يعرف المسلم الحق كيف تكون حقيقة الإيمان. تعريف الإيمان هو ما وقر في القلب وصدّقه العمل، هذه نجدها في يوسف (وكذلك يجتبيك ربك) هذا إيمان وما صدقه العمل في قوله (معاذ الله). معظم المفسرين قالوا أن الهمّ توقيع المراودة والموضوع من حيث الزنا انتهى عند قوله تعالى (معاذ الله) وانتهى طلب الزنا (ولقد همت به وهمّ بها) هذا موضوع آخر وهي أرادت أن تقتله لتخفي ما فعلته لأن الهم في اللغة يعني الشروع في العمل وانصرف في القرآن للقتل. حتى تدافع عن نفسك ممن يريد أن يقتلك ستقتله لذا قال (وهمّ بها). علينا أن نفتح قلوبنا لنسمع أكثر من عبرة على موعظة واحدة وهي الصبر.
بُثّت الحلقة بتاريخ 8/5/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 04:16 AM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 43
تقديم علاء بسيوني
كيف لا يقع الإنسان في خطيئة الزنى؟ يوسف u قال كلمتين فقط عندما عرضت عليه المعصية (معاذ الله) لكنهما خرجتا من القلب عن يقين وعن صدق وكثير من الناس يقول أعوذ بالله أنا أزني؟ لكن نسأل هل هذا الكلام خارج من القلب أم من اللسان فقط؟ وماذا لو كانت هناك ظروف ضاغطة عليه فهل سيقع في المعصية بسهولة أو يقاوم ولا يقع أو يقع بصعوبة؟ نحن نريد أن نكون من الذين لا يقعون في هذه المعصية أبداً.
ما زلنا في قصة يوسف u لنستخرج الدروس والعِبَر (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (21) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)) المتوقع أن السرد يكون بالترتيب في القصة من بداية شراء يوسف ثم انتقل إلى لما بلغ أشده وهل حصل هناك قفزة زمنية في الرواية (فترة أربعين سنة) وإذا حصلت هذه القفزة فلماذا؟ في البداية قال تعالى (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) ثم قال (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ) هي فترة بلوغ الأشدّ هي فترة زمنية أكرمت فيها امرأة العزيز مثوى يوسف u تنفيذاً لتعليمات العزيز. الآية تقول (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) ساعة اشتراه كان في ذهنه أن يتخذه ولداً وهذا ما دفع بعض المفسرين من أصحاب الإسرائيليات أن يقول أن العزيز كان عاجزاً وأنه لا ينجب. العزيز كان وزيراً للشؤون الداخلية التي كانت أشمل من الشرطة ويسمى عزيز مصر وهو أهم شخصية في الوزارة آنذاك ويجب أن لا نغفل أنه رجل ذو بصيرة وله رؤية فلما رأى الولد أنه بقي في البئر فترة وما زال على قيد الحياة دار في ذهنه أن يكون لهذا الولد شأن وكانت نظرته ثاقبة وهذا ما حصل فالآية تقول (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ) يعني الأمر الذي صدر من العزيز لامرأته ا، تكرم مثواه نُفِّذ على أكمل وجه بدليل قوله تعالى (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ) الله تعالى بنصّ القرآن غالب على أمره وهذا الذي دفع امرأة العزيز أن تكرم مثواه والعزيز أن يأمر امرأته بذلك لذا قال تعالى (وكذلك) الكاف هنا للتشبيه والتمثيل فالأمر الذي صدر من العزيز لامرأته بإكرام مثوى يوسف كان الله غالب على أمره وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث يعني مكّن الله تعالى ليوسف في الأرض وسرّ التمكين أنه كان عند يوسف u إلهام من الله تبارك وتعالى ووحي من الله تعالى بالحكم والعلم لتأويل الأحاديث وهذا كان سبب تمكين يوسف في الأرض لأنه كان يأوّل الأحاديث بوحي وعلم من الله تعالى بدليل أنه لما كان في السجن وقال له صاحبي السجن إنا نراك من المحسنين قال (قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) لم يكن يوسف يفسر كتفسير هذه الأيام للأحلام وإنما كان يفسر من واقع أكثر من آية في القرآن (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ (6)) هذا في البداية ساعة قص الرؤيا على أبيه ثم قال (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) و(الله غالب على أمره) تعليم يوسف هذا العلم ليُمكّن في الأرض فضلاً على أن الله تعالى آتاه العلم والحكم (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) الحُكم في أغلب التفاسير هي النبوة والعلم هو أن تستظهر بواطن الأمور فالذي يستعصي على غيره يظهر عنده بفضل من الله تعالى وبإلهام من الله تعالى (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي). العلم الذي عند يوسف u هو علم إلهي. إذا قال رجل في يوم من الأيام سيحدث كذا يكون قد كفر بالله (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) الجن) هذه آية حاكمة والاستثناء فيها لم يفهمه الكثيرون حتى الآن وما يحصل الآن من قنوات تبث تفسير الأحلام على مدار اليوم والليلة هذا كلام فارغ. الرؤيا الصالحة من سمت الأنبياء والمرسلين لكن أن أرى أنا رؤيا ثم يفسرها أحد ثم أتصل ثانية وأقول أنا حصل لي كذا هل يعني الكل أصبح أنبياء؟ الرسول r قال أن الرؤيا التي تتحقق هي رؤيا الأنبياء لكن بعض الناس لديهم نوع من الهواجس النفسية لأن لديهم نوع من الشفافية والرؤيا واقع نفسي يتهيأ للشخص من خلال تفكيره بأمر ما. علم السيوكولوجيا علم صعب جداً وقد تناول الدكتور يحي الرخاوي هذا الأمر بشكل جميل ويقال أن الشخص يفكر في أمر فيخزنه العقل ثم يراه في المنام هذا يكون من واقع الذي حصل لكن لا يقول أنا ما رأيت رؤيا إلا وحصلت، هذه خاصة بالأنبياء فقط. لكن بالنسبة للبشر العقل الباطني يخزّن ما يفكر فيه الإنسان ثم لما يراه في المنام يكون من واقع الذي يحصل. يوسف نبي والله تعالى أ‘طاه علماً إلهياً ومع ذلك قال (ذلكما مما علمني ربي) لذا لما سألوه عن رؤيا الملك لم يتكلم بتفسير الرؤيا لكن قال لهم ماذا سيحصل وكأنه توجيه من يوسف حتى تمر الأزمة هذه ليست رؤيا يوسف وإنما بإلهام من الله تعالى لأنه تكلم فيما سيحدث خلال 15 سنة (سبع سنين رخاء وسبع سنين عجاف ثم العام الذي فيه يغاث الناس) وهذا الكلام لا يكون إلا بوحي من الله تعالى وإلهام من الله تعالى. والقرآن لم يقل ولنعلمه تأويل الأحاديث وإنما قال (ولنعلمه من تأويل الأحاديث) (من التبعيضية) وليس العلم المطلق لأن هذا العلم خاص لله تعالى.
(وكذلك مكنا ليوسف) إذن الأمر الذي صدر من العزيز كان تطبيقاً لقول الله تبارك وتعالى (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) إخوة يوسف أرادوا إبعاده فكان الخير في إبعاده وهذا تطبيق قوله تعالى (وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً (11) الإسراء).
(وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) هل كل ما حصل ليوسف من التمكين وتأويل الأحاديث والعلم الإلهي والنصرة والعلم والحكم كله جزاء الإحسان؟
بالطبع لأنه تعالى قبل أن يقول وراودته التي هو في بيتها قال (كذلك نجزي المحسنين) أثبت له الإحسان.
علم الله تبارك وتعالى تعالى يخترق كل الأزمنة والأمكنة دون حدود ويوسف u لم يتعرض للفتنة بعد ولما كان صغيراً لم يظهر أنه من المحسنين لأنه لم يُبتلى فلماذا ذُكِر موضوع الإحسان مبكراً (من المحسنين) وهو ما زال صغيراً؟ قال تعالى (ولما بلغ أشده) هذه مثل (والله غالب على أمره) هذه تطمئنك على أمرين: أمر مضى وأمر سيحصل، الأمر الذي مضى هو تدبير الكيد من إخوة يوسف فلولا أنهم أبعدوه لما كان كل الفضل ليوسف هذا كالذي ينقلك إلى قسم جديد لم أكن تريده وعندما انتقلت تريد أن تشكره لأن حياتك تغيرت إلى الأفضل وأصبحت أفضل مما كنت، هذه الله غالب على أمره هذا في الماضي والأمر الآخر في المستقبل هو الذي حصل عندما قال يوسف u(معاذ الله) ثم حصل أمر آخر: أدخلوه السجن فأوّل الحديث ثم قال الملك ائتوني به فالأمر يسير من فاضل إلى أفضل ومن حسن إلى أحسن لأنه من المحسنين ولأنه من المخلَصين وليس من المخلِصين وهذه تبين عظمة الأداء القرآني في أكثر من موضع في القرآن. فكما أن قوله تعالى (والله غالب على أمره) لها توقيع بديع جداً عندما قال أبوهم (والله المستعان) أنت عندما تستعين بالله تبارك وتعالى استعان يعقوب بالله فذهب ووجد ابنه ذو شأن عظيم في مصر بعد أن كان مرمياً في غيابت البئر. إذن الصبر والاستعانة والقرآن يعلمنا (والله المستعان) ونحن كمسلمين نرددها في اليوم أكثر من مرة (إياك نعبد وإياك نستعين) لكن أتمنى أن نقولها بتوقيع لكننا نقولها بلساننا فقط ولو استعنا بالله فعلاً لا يحصل لنا ما يحصل في أيامنا هذه. يعقوب قال (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) نحن نقدم العبادة على الاستعانة لكي نحقق العبودية لله تعالى والتوحيد ولو قلناها بيقين وصدق يحصل لنا ما حصل ليعقوب ولو طال الزمن، كم بقي يعقوب بدون أن يرى ولده؟ وكاد ولده الآخر أن يضيع منه لكن قبل الاستعانة (والله المستعان) هناك صبر (فصبر جميل) وليس صبراً عادياً وإنما صبر جميل فكلما صبرت أكثر كافأك الله تعالى وكلما كان الصبر أطول تكون المكافأة أكبر هذه (والله غالب على أمره). ثم (وكذلك نجزي المحسنين) متى؟ (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أعطاه الله الحكمة والنبوة والعلم ومن أول الأحداث (وكذلك نجزي المحسنين) دعته امرأة العزيز فقال (معاذ الله) ثم النسوة لما رأينه بدأن يراودنه مع أنها غير ظاهرة لفظاً ولكنها واضحة معنى من قوله (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) ولم يقل تصرف عني كيدها فلما ذهب الرسول إليه قال اسأل النسوة فلما سئلت النسوة قلن (حاشا قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ) امرأة العزيز برّأته والنسوة برّأنه هذه بطولة نادرة في قضية رفض الزنا وفي قضية العفة وفي الحديث يقول r: " ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال". هذه امرأة العزيز، وهؤلاء النسوة كان لهن شأن وكان هناك طبقية، إمرأة العزيز أعدت لهن متكأ أي كان لهن شأن لا يقل عن شأنها هي فلما يوسف يقول (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) لم يقل إنا إيماني قوي ولكنه استعان بالله ويقول لولا أن الله تعالى يهديني ما اهتديت وأهل الجنة في الجنة يقولون الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. لذلك يوسف حتى في تأويل الأحاديث قال (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) وفي قضية النسوة قال (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) وليس من عند نفسه لأنه لوحده يكون من الجاهلين فالإحسان والتخليص بفعل الله تعالى ولم ينسبها يوسف إلى نفسه.
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) هذا السنّ الذي يكون فيه مطمع شاب فتيّ قوي وقد تربى على توجيهات امرأة العزيز. (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا) الذي اشتُهر بتسريب الشائعة أنها هي تراود وهو يرفض والشائعة في حق يوسف تسربت صح لكن للأسف الشائعة في أيامنا تتسرب خطأ لم يقولوا أنه يحب امرأة العزيز كأن الله تعالى يعلمنا أنه من يتق الله يجعل له مخرجاً ويكفينا أن الله تعالى قال (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا) الضمائر كلها تعود عليها هي لا عليه لأن الله تعالى حماه حتى في الشائعة وبقي يوسف حتى في الشائعة مستوراً بفضل من الله تبارك وتعالى لأنه اتقى ولأنه أحسن ولأن الله تبارك وتعالى أخلصه.
(وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) ما هو شكل المراودة؟ راودته تثبت أنها على يقين وأن الغالب في ضميرها أن يوسف سيرفض. راودته يعني خدعته وعملت مفاعلة في العملية التي ستعملها. إذا كنت تضمن عملية لا تدبر لها لكن إذا لم تكن تضمنها تقوم بوضع خطط، هذه كلمة (وراودته). وألفاظ القرآن تبين تمكنها من المراودة وموقف يوسف الضعيف الذي كان يجب أن يجعله يقبل لكنه لم يقبل (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ) لم يقل وراودته امرأة العزيز لأن البيت بيتها وهذا يعطيها قوة وسلطة ودراية بالبيت ومداخله ومخارجه لذا لما يقول (وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ) من باب المراودة والمفاعلة في الطلب فتوهم الضحية أنه في أمان وأنها غلّقت وليس أغلقت باباً فإذا أغلقت بقفل واحد لباب واحد تكون غلّقت فلا يقلّ عن ثلاثة أقفال أو أبواب (المفاعلة تزيد الجمع في العربية) هذا من باب وراودته من باب المفاعلة في الطلب والخداع والطلب. كل هذا وهو في بيتها وقد يصبح في الشارع إذا رفض وهذه حجة يتحجج بها البعض يقول أخاف أن أُطرد أو غيره وأنا في بلد غريب وأخاف أن أُسجن لكن يوسف قال (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) هي قالت لو لم ينفذ ما تريده سيسجن (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) لكنه قال (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) لأنه لن يغضب ربه. الرسول r يقول " ورجل دعته امرأه" أي أن المرأة قد تستدرج الرجل لكن الرجل قال (إني أخاف الله) لأنه من عرف الله خافه ومن خاف الله إمتثل أوامره ومن امتثل أوامر الله إجتنب نواهيه ومن كان خُلُقه ذلك كان أعبد الناس. الذي يمشي على الصراط يكون أعبد الناس وإن الحلال بيّن والحام بيّن وحتى في الأمور المتشابهة دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.
هل كل الناس عندها استعداد أن تدفع الثمن البديل كالسجن مثلاً؟ بالتأكيد لا، يوسف قيل له إما أن تفعل أو تدخل السجن (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) ليس هناك بدائل وارجع لقول الحق (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ) هذا واقع حال وليس مجرد تهديد. كل كلمة في القرآن لها وقع لما قال (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ) يعطيها مقومات القوة وله مقومات الضعف.
(وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ) كلام وفعل ومراودة واطمئنان بمخادعة وفعل بإقفال الأبواب وهناك ما يتصور في المراودة أنها وعدته بمناصب ترفعه لأنها امرأة العزيز. التهديد لم يأت إلا بعد رفض يوسف أما المراودة فليس فيها تهديد هي راودته لأنها على يقين أنه سيرفض. الذي يشرح (وهمّت) واستبقا الباب. الله تعالى لما نفى عنه قال (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء) الفحشاء هي الزنا والسوء عندنا قولين إما مقدمات الزنا وإما القتل ونحن نغلّب القتل لأن مقدمات الزنا من الزنا وتقع تحت الفحشاء فالسوء هو القتل. من أول راودته ابدأ مرحلة الهم والاستباق.
لا تقل جاريها حتى تضعف فلا تغلّب العقل البشري على أمر الله تبارك وتعالى لأن الله تعالى قال (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيل (32) الإسراء) لم يقل ولا تفعلوا الزنا. عندنا منهج إلهي إذا غلّبناه نُعصم وإذا غلبنا هوانا نقع.
(هيت لك) يعني أقبِل لكنها كلمة غير عربية ولها معاني كثيرة وأخطأ من قال هي فعل أمر. المفسرون اعتقدوا أنها من هيّأ الأمر لكنها كلمة عرّبها القرآن مثل كلمة إسرائيل أي صفي الله عرّبها القرآن ولم يضع لها القرآن بديلاً. هيت لك كلمة عند حوران عرّبها القرآن ومعناها أنا تحت أمرك معناها افعل ولا حرج أنت مستور ومؤمّن بدليل قول يوسف (معاذ الله). الفرق بين يوسف وبين الآخرين أن هناك من لا يحتاج إلى مراودة وإنما هو الذي يبادر. الفرق بين من اتبع القرآن في يوسف وبين الناس أو بين الصالحين وبين الناس العامة حتى يقال يوسف نبي ونحن لا يمكن أن نكون مثله لكن هناك من الصالحين في زماننا من يوجهه الله تعالى لقراءة القرآن وتدبره وحتى لو أخطأ يتوب. الناس العاديين لو سألوا الله المعونة أعانهم وعصمهم لأنه (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) الطلاق). قد يكون المخرج في السجن فالسجن مكّن يوسف في الأرض وكان فاتحة خير على يوسف. في الحقيقة كل ما حدث ليوسف (والله غالب على أمره) كلها كانت أدوات لتنفيذ الله تعالى لأمره. يوسف قال السجن أحب إلي مما يدعونني إليه لأن ما يدعونني إليه يغضب الله تعالى فرضا الله تعالى عنده أهم من مشقة السجن والتعب. وكل شيء سوى الجنة حقير وكل عذاب سوى النار هيّن هذا عند الصالحين. عندما ألفيا سيدها لدى الباب قال بمنتهى الوقاحة (قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ويوسف u لم يتكلم إلا بعد أن تكلمت هي، هو الذي فتح الباب وهي كانت وراءه وهذا دليل أنها هي التي كانت تجري وراءه فقالت (قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ثم بعد أن تكلمت قال يوسف (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي) كأني بيوسف لو لم تتكلم هي لما تكلم يوسف ولما فضحها. ومن ستر الله سبحانه وتعالى وتوقيعاً لقوله تعالى (وكذلك نجزي المحسنين). أحدهم في الاسرائيليات قال أن الشاهد من أهلها هو القميص وهذا لا يعقل لأن القميص ليس من أهلها. كانت لدى امرأة العزيز وقاحة وجرأة مع أن العزيز قال (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ) لكنها لما سمعت ما قاله النسوة دعتهن وقالت ما قالت فهي مثال للمرأة المتبجحة التي لا تستحي والتي تفعل كل شيء من أجل الحصول على ما تريده وتنفذ ما قالته. بدأ الأمر بشهوة ثم صار كِبراً لأنه هي التي تأمر يجب أن تطاع وهذا يوسف الذي ربّته هي وكان في بيتها ومع هذا رفض هذا من مقومات القوة عندها ومقومات الضعف لدى يوسف فثارت كيف أمرت ولم تطاع مع أنها عملت حيلاً وخططاً. البعض قالوا أن الهمّ للزنا أن يوسف u جلس منها مجلس الزنا وهذا كلام غير صحيح لأنها هي قالت (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ) يوسف r بُرّيء من كل من له صلة بالقصة. هي برّأته والشيطان برأه وبرّأه الله تبارك وتعالى وبرّأته النسوة مجتمعات والشاهد وما زالوا في الاسرائيليات يقولون جلس منها مجلس الزنا. هي برّأته مرة قالت مقدمة العذر (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) هذا تهديد ولما النسوة قالوا (قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ) قالت امرأة العزيز (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) وهذا توقيع لكلام الشاهد (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ (27)) لو كان يوسف الذي هجم ليعتدي عليها ستقطع قميصه من الأمام. الشاهد من أهلها كان حكيماً وقال انظروا القميص من أين هو مقطوع. وإرسال هذا الشاهد من أهلها توقيع قوله تعالى (والله غالب على أمره). عادة الشاهد من أهلها يكون في صفّها لكنه كان حكيماً وقال الحق.
بُثّت الحلقة بتاريخ 15/5/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 04:17 AM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 44

نتكلم عن الكبائر الثلاث التي تحدث عنها القرآن عند توصيف عباد الرحمن في سورة الفرقان وذكر تعالى أن عباد الرحمن لا يقعون في هذه الكبائر الثلاث (الشرك بالله والقتل والزنا) ووقفنا في سورة يوسف عند إحدى هذه الكبائر. ولو لاحظنا أن هذه الكبائر هي سبب البلاء في هذا العالم الذي يمكن أن يهدم المجتمعات البشرية. والبعض يعتقد أن الزنا أمر بسيط إلا أن الزنا يبدأ في الفِكر والنظر والعقيدة قبل أن يزني بالجوارح. وللأسف سمعنا مؤخراً عن الخلافات الموجودة بين العلماء ومنها موضوع رضاع الكبير وهو حديث ورد في صحيح البخاري وهل هذه فتوى خاصة أو عامة يمكن تطبيقها على الجميع؟ لكن هذا الأمر إذا طبقناه فيه فساد وزنا فلا يمكن لسكرتيرة أن تُرضع مديرها في العمل استناداً لهذا الحديث وهذا سيكون باباً من أبواب الزنا.
ومع هذه الخلافات الأخيرة البعض اهتز إيمانه بالسُنّة الشريفة والبعض قال نأخذ الأحكام من القرآن الكريم فقط ونترك السُنّة والبعض صار يشكك في السنة كلها بسبب الاختلاف في الأحاديث فهل كل حديث خاص بقضية معينة يمكن تطبيقه عاماً وهل يمكن لأي كان أن يجتهد ويفتي للأمة بحسب فهمه هو فقط؟
ما يحدث يرد على من كان يتشدق منذ سنوات على المحدَثين من الدعاة أو الدعاة الجدد ولكن هؤلاء الدعاة الجدد لم يأت أحد من هؤلاء بما جاء به القدامى ثم إننا لم نتعلم كيف نتفقه في ديننا والفقه نفسه معناه الفهم وكونه يطلق في المعنى الاصطلاحي على ما يتعبد به من عبادات ومعاملات يحتاج وقفات. والفتاوى التي خرجت علينا منذ فترة لم يكن ينبغي أن تظهر وعلينا أن نتحقق من سند الحديث ومتنه. قلنا أن الحديث ينقسم إلى المتن والسند وعند السند ليس هناك كبير وهذه هي القضية في الحقيقة. نحن نتكلم في موضوع يوسف uوقلنا كل من تعلّق بقصة يوسف برّأ يوسف. مم برأه؟ برّأه من الإسرائيليات وأصبحنا ندافع بالقرآن عن الإسرائيليات إنما لو تعرضنا للقرآن والسنة الصحيحة فقط لما احتجنا أن ندافع عن يوسف. وقفنا عند أن كل من تعلق بقصة يوسف برّأ يوسف مما قالته الإسرائيليات والذين أطلقوا العنان لهل في التفسير وخلطوا بين الهم والمراودة. الكلمة في القرآن تشرح لنا الموضوع بدون اللجوء إلى الإسرائيليات.
ما حاجة الناس إلى هذه الفتاوى؟ وهل تحققنا من صحة الحديث؟ وهل الحديث عن رضاع الكبير كان واقعة صحيحة؟ الذي يقول نأخذ بالقرآن ونترك الحديث نرد عليه بسؤال: الحج سنة أو فرض؟ الإجابة المنطقية أنه فرض لأنه أحد أركان الإسلام. فرض كتوصيف له أو كتوقيع؟ لو سمعت الحديث: "بُني الاسلام على خمس شهادة إن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاء وحج البيت وصوم رمضان" هذا حديث صحيح متفق عليه. هلى نعرف أن نحج؟ كلا إن لم نسأل كيف حج الرسول r لن نعرف أن نحج فنحن بدون السنة لا نعرف أن نفعل شيئاً الصلاة قال r صلوا كنا رأيتموني أصلي وتنقسم لحالتين: حالة من شاهد في عهد الرسول r وحالة من جاء بعده وعلِم. الذي يريد أن يحج يسأل كيف حج الرسول فيحج مثله والذين يقولون قرآن فقط هذا كلام مردود عليه بواقع الحال. نأخذ السنة الصحيحة كلها لأن السنة الضعيفة يجب أن نخرج منها.
هل يحب مراجعة كتب السنن الموجودة بين أيدي الناس لأننا بحاجة لمعرفة أن الأحاديث الموجودة في الكتب هي صحيحة؟. الألباني والغزالي حققوا في الأحاديث وقامت عليهم الدنيا. الصحيح من الأحاديث موجودة ومنقحة ولا نحتاج للتدقيق فيه. هل البخاري فوق الخطأ؟ البعض يقول أصح كتاب بعد القرآن البخاري وهذا خطأ صحيح أن البخاري أصح كتاب حديث لكنه لا يقارن بكتاب الله تعالى لأن القرآن الكريم لا يقارن بأي كتاب والله تبارك وتعالى نزّهه على باقي الكتب السماوية ولم يتصد لأي كتاب سماوي إلا القرآن فالقرآن لا يقارن حتى بكتاب سماوي فما بالك بالكتاب البشري؟ البخاري نحترمه لكنه بشر يصيب ويخطيء. القضية أنه عند البعض لا يمكن أن تمس البخاري ومسلم وعندما نحل هذه القضية نحل الأزمة الموجودة. المشكلة في التناول فالبعض يقول أن البخاري لا يمسّ ومسلم لا يمسّ. ذكرنا سابقاً موضوع حديث سورة يس وأثبتنا أنه حديث موضوع ووقفنا في السند عند المشيخة، من هم المشيخة؟ وهذا حديث يقال في كل مكان للأسف. خطورة البدعة أنها تتعرض لما تتعرض له الإشاعات أي أنها تزيد مع كل شخص يخبرها. هل إذا راجعنا أحدهم في كلمة واحدة في الحديث كمن يراجع في حديث موضوع؟!. أهل الحديث يعرفون الحديث الصحيح من الضعيف لكن المشكلة في قضية التناول. علينا أن نأخذ قضية الدعوة إلى الله بحذر وأذكِّر بما قاله الحسن البصري يا أيها المفتي تثبّت قبل أن تفتي فإنك توقع بالإنابة عن الله ورسوله.
القضية في التناول فالرسول r قال كلاماً كيف فهمه الصحابة؟ وكيف نفهمه نحن ولم نعاصره r فماذا نفعل حتى نفهم الحديث؟. في موضوع رضاع الكبير قالوا أنها قضية خاصة بسالم مولى حذيفة وكان طفلاً. عندنا قضايا خطيرة ولغط كثير منها أنهم يقولون الإسلام حرّم التبني وهذا غير صحيح ما حرّمه الإسلام هو إنتساب الطفل إلى المتبنّي. والبعض تكلم عن الرقم 19 وفك شفرة القرآن وهذا كلام سخيف ومن الخبل فهل نزل القرآن بشفرة خاصة وبأسرار لا تُعلم؟ هناك أسرار في القرآن لكن ليس هنام شفرة. السر في الرقم 19، أين رسول الله r من هذا العلم؟ هل علمه وكتمه أم لم يعلمه؟ نحن نعرض ديننا فكيف نعرض ديننا بهذه الطريقة؟ يجب إحترام عقول الناس عند عرض المعلومات والأفكار. هناك كتاب دراسة إحصتئية عمل فيه متواليات عددية وأخذ ترتيب السور في القرآن فعملت بنياناً رياضياً متكاملاً بحيث لو أخذت كلمة من القرآن وغيرت مكانها ينهار هذا الترتيب وقال هذا نوع من الاعجاز. نحن لا يمكن أن نحكم على هذا الكتاب لكن أقول أن القرآن نزل منهجاً للأمة كيف تعيش فالذي لم يدرس الرياضيات سيفهم القرآن والرجل الأمي البسيط الذي لا يقرأ ولا يحسب لما قرأ القرآن في عهد الرسول r لم يسألوا عن كلمة معناه أنهم فهموه. الذي سمع (فلا أقسم بمواقع النجوم) أثبتوا أن النجم يفنى لكن موقع النجم لا يفنى وإن فني النجم ولكن الرجل الأعرابي فهمها في حينها زأخذها على أنها مسألة إيمانية أن الله تعالى أقسم بعظيم وليس له علاقة بالنجم ومواقع النجم ولكنه نظر إلى المقسم عليه. يجب أن نطوع فهمنا للقرآن على مراد الله لا رغبة في شهرة كاذبة. للأسف البعض يُدخل الناس في متاهة بدون أن يعلموا وأسأل الله تعالى أن نُخلِص لله تبارك وتعالى، نحن ندرس سورة يوسف حتى نتعلم كيف لا نقع في الزنا وأخذنا قصة ابني آدم حتى نتعلم كيف لا نقع في القتل وأخذنا قصة إبراهيم u لنتعلم كيف لا نقع في الشرك. هناك حديث لم يفهمه الناس (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربعة) الأسئلة الأربعة لم يذكرها الرسول r لنسمعها فقط وإنما لنسمعها ونعمل بها فلما قال "وعن علمه في ما فعل" هل العلم هنا بمعنى الفهم أو العلم أو الاعتقاد أو ماذا؟ لم نأخذ هذا الأمر على محمل الجد من الرسول r ولو أخذناه بفهم رسول الله r لعملنا صح. ليس المقصود أصحاب العلم والعلماء فقط وإنما لكل الناس. حتى نفهم هذه النقطة نعود إلى أسئلة القبر: في القبر أول سؤال: من ربك؟ هذا علم. والخلاف بين أهل العلم والفلسفة وأهل القرآن جمع في كتاب قصة الإيمان وقال أن الفلاسفة عندهم شغل بعضه له فائدة وبعضه بدون فائدة أما أهل القرآن فشغلهم كله فائدة علمهم ينصب على معرفة من ربّي؟. السؤال في القبر لا يرد عليه باللسان وإنما بلسان الحال. نحن يجب أن نأخذ العلم لنعمل به والرسول r علمنا كيف نتلقى وكيف نعمل ألم يقل لأهله " اعملوا فما أُغني عنكم من الله شيئاً لن يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم، من أبطأ به عمله لم يُسرع به نسبه". علينا أن نسمع كلام الرسول r لنسير بشكل صحيح وعلينا أن نأخذ القرآن والمنهج على مراد الله تعالى. نحن سنتعلم إلى أن نموت والذي إيمانه ثابت صحيح لا يتزعزع أبداً أما الذي يتزعزع إيمانه بمثل هذه الأمور يكون إيمانه لم يكن قوياً لذا من فضل الله عليه أن عليه أن يقف عند مثل هذه الأحداث ليراجع إيمانه.
أنا كمسلم يحجب أن أتناول أي قصة من القرآن لأن الله تعالى قال (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) يوسف) ولا نأخذ من خارج القرآن والذي ألجأنا للدفاع عن يوسف uأن البعض فتح المجال للإسرائيليات تتكلم وللأحاديث الضعيفة حتى أدانوا يوسف وجعلوه أنه جلس منها مجلس الزنا وغيره. كل من تعلق بالقصة برّأ يوسف. من تعلّق بالقصة؟ أولاً الله رب العالمين وثانياً محمد r وثالثاً يوسف u- وهذا ترتيب يناسب مقتضى الحال في القصة - ثم امرأة العزيز نفسها ثم الشاهد من أهلها ثم العزيز ثم النسوة ثم الملك ثم إبليس. ثمانية برّأوا يوسف وأولهم رب العالمين برّأه من مطلع السورة إلى نهايتها. ساعة ذكر يوسف لأبيه الرؤيا (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)) هو يتكلم عن 11 كوكباً والشمس والقمر كل هؤلاء لا يقال عنهم رأيتهم وإنما رأيتها لأنها لغير العاقل فساعة قال رأيتهم نقف عندها ولا نفوّت أي كلمة في القرآن. لو كان يتكلم عن الكواكب والشمس والقمر لقال ساجدة وإنما قال ساجدين.
(ساجدين) كأن يوسف u أوّل الحديث. والعظيم أن يعقوب u قال (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (5)) وهذا الذي حصل. الكلام هنا على الإخوة (إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) فالذي يحرِّك الإخوة هو الشيطان وهذا من ذكاء يعقوب uلأنه نبي وهذا كلام له وزن (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) فالشيطان الذي هو للإنسان عدو مبين سيقلب إخوتك ضدك. ثم قال تعالى (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ (6)) نفهم معنى يجتبيك. يجتبيك يعني يصطفيك لكن ما معنى (كذلك)؟ كذلك تدل على أن هناك اصطفاء قبل هذا الاصطفاء فالاصطفاء الأول تمّ ساعة قال رأيتهم لي ساجدين. (كذلك) تكرار لعمية الإصطفاء. الاصطفاء في البشر يجعله من الأنبياء ويصنعه الله تعالى على عينه فهو مصطفى من قِبَل الله تعالى و (وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) إذا أردت أن تعرف توصيف يوسف عليك أن ترجع للـ 25 نبي الذين ذكرهم في القرآن للرسول r وقال له (أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ (90) الأنعام). أن يعلمه من تأويل الأحاديث ومجتبى من الله هذه براءة ليوسف من الله تعالى والأنبياء معصومين لا يعرفون أن يرتكبوا إثماً. هذا أولاً ثم قال تعالى (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (21)) هو وعده بهذا في الآية السابقة (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) وهنا قال (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) ونجد عجباً في تفسير هذه الآية إلا من رحم ربي الذين رفضوا الإسرائيليات بما لها وما عليها ولم يسمعوها والشيخ رشيد رضا ناقش الإسرائيليات وردّها وأثبت لهم سفه ما يقولون قولاً واحداً. التبرئة الثانية من الله (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) ثم ليبين لنا كيف اجتباه قال تعالى (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)). الرسول r برّأ يوسف بتوقيع القرآن والحديث. هنا قال تعالى (آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) الحكم النبوة والعلم علم تأويل الأحاديث الذي سيجعل له شأن عند الملك فيما بعد. بعدها مباشرة قال تعالى (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ) إذن هو من المحسنين لذا لن ينفع أن تقولوا عليه بعدها ما قاله البعض. ثم قال (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) ولو كان هناك احتمال أن يأتي يوسف هذا العمل لقال تعالى كذلك لنصرفه عن السوء وإنما قال لنصرف عنه السوء إذن لا احتمال أنه هو يذهب إلى السوء ولكن السوء يأتي إليه بفعل امرأة العزيز والله تعالى سيصرفه عنه وهذه تبرئة ثانية من الله تعالى أن يوسف u مبرّأ من أن يذهب إلى السوء وإلى الفحشاء (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ (33)). عندنا أكثر من (كذلك) وكلها تعود على (كذلك) الأولى ساعة تأويله للرؤيا عندما قصّها قصّها مأوّلة. (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) السوء القتل والفحشاء الزنا هذا بإجماع الآراء، المراودة كانت للزنا والهمّ كان للقتل. ومهما سمينا السوء أو الفحشاء فيوسف uلا يفعل هذه ولا هذه ولنخرج من الخلاف نقول السوء أياً كان والفحشاء أياً كانت أي فعل فاحش وأي فعل من السوء والفحشاء بإطلاقه سنصرفهم عنه بأمر من الله تعالى لأنه من عبادنا المخلَصين أو المخلِصين لو كان مخلِص بفعله يأخذ جزاء الإخلاص ولو كان مخلَصاً لن يفعلها ففي الحالين هو مبرّأ. هذه تبرئة أخرى من الله تعالى. والرسول r برّأ يوسف (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا) الحكم والعلم جاؤوه لأنه محسن (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) لنذكر ساعة سئل الرسول r عن الإيمان والإحسان قال في الإحسان (أن تعبد الله كأنك تراه) وجدت رواية عند مسلم "لما سئل عن الإحسان قال أن تخشى الله كأنك تراه". لأنه لو قلنا أن تعبد الله يكون الإحسان منحصراً بالعبادة لكن أن تخشى تشمل كل شيء من معاملات وعبادات لأن الذي يخشى الله يخشاه في السر والعلن. قلنا سابقاً أن الأمة غاب عنها إعمال صفة الرقيب ولو شغلت إسم الله الرقيب لا يحصل لنا كل ما يحصل. لما سئل الرسول r ما الإحسان؟ قال أن تخشى الله كأنك تراه. الطفل عندا يبدأ بشرب السيجارة لا يشرب أمام أبيه أبداً خاصة لو له مكانة لأنه يخاف منه. والرسول r يضرب لنا مثالاً ويقول لو أردت أن تكون محسناً إعمل في حياتك كأنك ترى أن الله تعالى يراك، إخشَ الله كأنك تراه فالذي يشرب السيجارة بعيداً عن أبيه هل يشربها وهو يعلم أن الله تعالى يراه من الذي يخشى الله كأنه يراه؟ (فإنك إن لم تكن تراه فإنه يراك) سواء رأيته أو لم تره؟ هو المحسن لأن المحسن لا يأتي الفاحشة ولا السوء لأنه يخشى الله في أعماله كأنه يراه والله تعالى قال (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) فبتوقيع القرآن أن يوسف من المحسنين برّأه الرسول rبتوصيفه الإحسان لأن المحسن لا يأتي بالسوء والفحشاء لأنه عمل على خشية الله كأنه يراه.
لم تحصل المراودة ولم يحصل الهمّ. اتفق المفسرين على المراودة لكن اختلفوا على الهم. أهل الإسرائيليات (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ) لا يوجد مراودة من يوسف هنا ولما جاءوا ليتكلموا عن الهم علّقوه بالزنا. وسنثبت أن المراودة شيء والهمّ شيء. لما تكلموا في الهمّ قالوا همّت لتزني ولكن الهمّ في اللغة هو التفكير في الشيء قبل أن تأتيه شرعت في الأمر تكون هممت (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) إذن موضوع الهمّ غير المراودة. راودته فعل وليس هماً ولقد همّت أي لم تشرع وعندنا حديث قدسي (إن همّ عبدي بحسنة) يعني لم يعملها بعد.
بُثّت الحلقة بتاريخ 5/6/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 04:19 AM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 45
تقديم علاء بسيوني
قصة يوسف u مليئة بالدروس والعبر وفيها منهج نطبقه لعدم الوقوع في الزنا. كيف لا نقع في الكبائر عندما نتعرض لامتحانات بسبب الشهوة؟. ذكرنا في الحلقة السابقة كيف تمت تبرئة يوسف u من كل من تعلق بالقصة وسنكمل اليوم باقي القائمة وكيف تمت تبرئة يوسف u لنستخلص منهج يوسف r.
تكلمنا عن تبرئة الله تعالى والرسول r ليوسف u وذكرنا الفرق بين المراودة والهمّ. من أطلق العنان للإسرائيليات ضيّع نفسه. في أقرب تعريف للهمّ هو مقاربة القيام بالفعل وليس القيام بالفعل لأن القيام بالفعل يكون عملاً وليس همّاً. وهناك خلاف بين أهل اللغة وأهل التفسير وأهل الحديث وفي الحديث الصحيح عن رسول الله r عن الله تعالى " إذا همّ عبدي بحسنة فاكتبوها فإن عملها فاكتبوها عشرة وإن همّ عبدي بسيئة فلا تكتبوها فإن عملها فاكتبوها سيئة واحدة" إذن هناك فرق بين الهمّ والعمل. يجب أن نفرق بين أمرين الهمّ بالحسنة والهمّ بالسيئة، هل فكر أحدنا لم قال تعالى إن همّ عبدي بحسنة فاكتبوها فإن عملها فاكتبوها عشرة ولماذا عند السيئة قال وإن همّ عبدي بسيئة فلا تكتبوها وفي رواية فإن عاد عنها تكتب حسنة وإن عملها تكتب سيئة واحدة. إذا همّ بحسنة اكتوبها حسنة وإذا عملها اكتبوها عشرة إلى سبعمائة ضعف والله يضاعف لمن يشاء وفي السيئة إن همّ بها لا تكتب وإن عاد عنها تكتب حسنة وإن عملها سيئة تكتب سيئة واحدة. ما الفرق بينهما؟ الهمّ بالحسنة أنت تنوي أن تعمل خيراً فإن لم تفعلها إذن هناك ما منعك عنها خارجة عن إرادتك. أما عند السيئة الوضع اختلف لأن الهمّ بالسيئة يكون فيه تصارع بين أمرين المانع والمقتضى، المانع أي الشيء الذي يمنع الإنسان أن يعمل السيئة وهذا المانع أحد أمرين إما منع من الفاعل نفسه هو لا يفعل (مثلاً ضميره يصحو ويعود عنها) أو من خارجه مثلاً ذهب يسرق لكن هناك من رآه فلم يفعلها هذه لا تكتب حسنة. القرآن يقول (وراودته) أي فعلت وعندما يقول بعدها (ولقد همّت به) إذن موضوع الهم يختلف عن موضوع المراودة. (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ) وحتى يؤكد أنها مستمرة في الفعل قال (وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ) إذن المراودة هنا كاملة من جهتها ثم قال بعدها (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) يعني الهمّ غير المراودة لذا صدق أهل اللغة حين قالوا أن الهمّ هنا حتى تنتقم منه تقتله أو تضربه . إذن موضوع الهمّ يختلف عن موضوع المراودة. الزنا هو المراودة وهي عرضت نفسها للنهاية وليس لديها مانع هي مستمرة وعرضت نفسها وغلّقت الأبواب وقالت هيت لك، هذا ليس همّاً. نعود ثانية إلى قوله تعالى (ولقد همت به) الهمّ هي همّت ثم قال (وَهَمَّ بِهَا لَوْلا) لماذا لم يقل القرآن أنها حاولت تقتله وإنما قال همّت؟ لأن المانع الذي ليس من عندها منعها لأن يوسف u هرب منها (واستبقا الباب) هي حاولت أن تفتك به لأنه رفض من منطق أنها هي امرأة العزيز بما لديها وفعلت كل ما فعلت. ما هو منطق الزنا عند الناس؟ الرجل هو الذي يطلب عادة والمرأة مطلوبة إلى ذلك الحين هذا المنطق كان سائداً ولهذا همّت امرأة العزيز بقتل يوسف u فهي عملت كل ما عملت ثم يرفضها وهي من هي؟ لأن المرأة تشعر بالطعنة في أنوثتها وقيمتها كأمرأة إذا عرضت نفسها ورفضها الرجل. الهمّ يتسارع في المانع الذي هو واقع الحال والمقتضى الذي هو أصل الحال أن المرأة هي التي تُطلب. وهذه قالتها في حضور النسوة (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) هي تريد أن تنتقم من يوسف لكن هذه الآيات شهدت عليها.
المقتضى أن الرجل عادة يطلب المرأة لكن امرأة العزيز ويوسف، هو في بيتها والقرآن يوضح وضعه ووضعها، هي التي تراود وهو الذي يرفض. موضوع الهم يختلف عن المراودة، هي استمرت في المراودة إلى النهاية وفي موضوع الهمّ هو منعها لأنه (وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) 90% من المفسرين قالوا رأى صورة أبيه أو جبريل. رأى لا تأتي هنا بمعنى الرؤية المشاهدة وإنما بمعنى العلم لأنه نبيّ بدليل توصيف القرآن له (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) وتوصيف الرسول r للمحسن أنه يخشى الله كأنه يراه، يراه ليست بمعنى المشاهدة وإنما بمعنى العِلم. رؤية الله تعالى مستحيلة لكن العلم الإنسان يعلم من هو الله دون أن يشاهده. رأى في القرآن جاءت كثيراً بمعنى المشاهدة لكن في آيات فاصلة جاءت بمعنى العلم (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) أي أنك ستعلم كأنك رأيت (ألم تر كيف فعل ربك بعاد) (ما كذب الفؤاد ما رأى) الفؤاد محل القلب وما رأى أي ما رأته العين وعلمه القلب إذن رأى بمعنى العِلم. الفؤاد محل القلب في البدن توقيع القرآن (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) القصص). المُحسِن المخلَّص النبي لا يحتاج للرؤية المشاهدة لكي يخاف ولكنه يخشى الله كأنه يراه.
الهم مختلف عن المراودة والهمّ لو يقع من يوسف u وإنما وقع من امرأة العزيز هي همّت لتنتقم أو تقتل. البعض يقول لم لم يقل القرآن (لم يهمّ بها) وإنما قال (وهمّ بها لولا)؟ يجب أن نقرأ الآية على الشكل التالي: ولقد همّت به/ وهمّ بها لولا. (لولا) حرف امتناع لوجود إمتنع الهمّ في حق يوسف لوجود البرهان. لنتخيل أن القرآن قال ولقد همّت به ولم يهمّ بها ستوحي أنه لم يهمّ لضعف وإنما الأقوى أنه يمكنه الهمّ لكنه لم يفعل ليكون تطبيقاً لكونه من المحسنين وهو لأنه من المحسنين لم يهمّ، هي همّت ولم تنهي الهمّ لموانع خارجية لأن يوسف هرب منها بدليل الآية بعدها (واستبقا الباب) وإذا لاحظنا الآية نجد أنه قال (ولقد همّت) بالتأكيد بينما قال (وهمّ بها لولا) المقتضى أنها تريد الانتقام وهو لم ينتقم لأنه من المحسنين المخلَصين وهو بطشه كرجل غير بطشها كامرأة والقتل لا يأتيه عاقل. والمانع الذي منع إتمام موضوع الضرب أو القتل من خارجها.
موسى u قتل نفساً لكن هذا موضوع منفصل ولم يجري مجرى جميع الأنبياء أو المرسلين وسبق أن ذكرنا صكّ ملك الموت والصك هنا كان لملك الموت على أساس أنه رجل لأن الملك لما جاءه لم يأتيه كملك. هذه من الأمور الخصوصية والعينية لا يجري على كل الأنبياء والمرسلين.
(واستبقا الباب): ذكرنا أن الله تعالى برّأ يوسف والرسول r برّأ يوسف. ويوسف u برّأ نفسه أول لكمة قالها يوسف ساعة راودته امرأة العزيز هي قوله (معاذ الله) الذي يقول معاذ الله في تلك اللحظة هل يتصور أنه يجاري؟ (معاذ الله) أي لا أقرب من هذا الشيء أبداً. وقوله معاذ الله كأنه يستعصم بالله تعالى وامرأة العزيز قالت (فاستعصم). قال معاذ الله هذه أول تبرئة من يوسف ليوسف والتبرئة الثانية لما ألفيا سيدها لدى الباب هي قالت (قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا) وهذا يدل على قسوة قلبها، هي لم تحدد نوع السوء وإنما كان كلامها مبهم مرسل يدل على أن هناك كلاماً تخفيه ولو كانت صادقة لقالت ما هو السوء. لكن يوسف قال (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي). إجمال كلامها وإبهامه وكلام يوسف ووضوحه حرّك عند الشاهد أن المسألة يجب أن تستبان لا منها لأنها كاذبة ولا من يوسف لأنه ضعيف وهي امرأة العزيز.
لماذا تكلم يوسف وقال (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي)؟ الأنبياء هم الصادقون فإما أن يتكلم ويقول الحق أو لا يتكلم. الشاهد قال (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ (27)) هل هذه شهادة أو تحقيق؟ هو يعكي العزيز مسوغات التحقيق لكن القرآن اعتبره شهادة (إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ) بدأ من مقتضى الحال بالمراودة أن يوسف هو الذي يتهجم عليها (وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ) لم يقلب الموضوع حتى لا يقول عن يوسف (فكذب) لأن هناك فرق بين كذب وكان من الكاذبين. القرآن عصم يوسف من يكذب وإنما قال فصدق وقال عن امرأة العزيز فكذبت. لو قلب الصياغة وقال إن كان قميصه قد من قُبُل فكذب وإنما قال (فصدقت وهو من الكاذبين) لأن القرآن لا يتهم أحداً من الأنبياء والرسل بالكذب إنما يقول (وكونوا مع الصادقين) لم يقل من الصادقين لأن الصادقين بإجماع العلماء هم الأنبياء والمرسلين فقد يكون الناس مع الصادقين لكنهم لا يكونوا منهم في الدنيا لأن الصدق المطلق للأنبياء. الشاهد كان ذكياً فقال (فصدقت وهو من الكاذبين) (فكذبت وهو من الصادقين) يوسف فعلاً من الصادقين. لما شهد الشاهد بشهادته حرّك عند العزيز أمراً. إمرأة العزيز برّأت يوسف بإبهامها للفظ السوء (من أراد بأهلك سوءاً) ثم جائت التبرئة مرتين: مرة لما جمعت النسوة ولنبهرن به قال (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) ويوسف u قال (معاذ الله) ثم قال (هي راودتني عن نفسي) ولما سأل يوسف الملك يسأل النسوة وقالت النسوة (قلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ) قالت امرأة العزيز (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) برّأته ثلاث مرات مرتين مرة بالتلميح واثنتان بالتصريح.
برّأه العزيز (فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيم) بعد كلام الشاهد المنطقي وجد القميص قد من دبر فقال (قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) يعني حكم أنها مذنبة (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ) هذه تبرئة من فم العزيز. (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا) لأن صاحب الحق إذا تكلم يشهد الجميع له فقال العزيز ليوسف لا تتكلم أنت بريء وهذا يدل على أنه ضعيف الشخصية وليس عنده نخوة أو رجولة لأنه بعد هذا كله سجن يوسف ونزل على رغبة امرأته مع علمه ببراءة يوسف.
برّأه النسوة. العملية تسربت من قصر العزيز إلى الشارع بالحق (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) لا يوجد في الآية إسناد فعل ليوسف u مع أن منطق الإشاعات أن تكبر وتزداد لكن ما قيل في القرآن في حق يوسف على لسان النسوة إلا الحق. ويوسف u قال (هي راودتني عن نفسي) فقال الصدق وتكررت الإشاعة وترسبت على مراد الله فقالت النسوة (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) الذي يقول إنا لنراها في ضلال مبين يتوقع أنهن لما يرونه ينبهرن لكن لا يراودنه. حتى من ينكر الزنا قد يقع فيه إذا سلّم لنفسه العاصية ولإبليس. المفروض أن النسوة عندما ترى يوسف أن يقولن هو جميل لكن لا يراودنه. والذي فضح النسوة هو الملك لم يقل لهن ماذا تشهدون في حق يوسف ولكن قال (قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ) هذا دليل على أنه لما جاءه الرسول من يوسف حقق في الأمر وهذا يدل على أن الملك كان حصيفاً واعياً. يوسف قال للرسول (فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ) المتعلق عند يوسف ما قالته امرأة العزيز أمام النسوة (وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ) لكن الملك لما سأل قال (قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ) هذا يدل على أن فتح تحقيقاً في الموضوع وظهر أن النسوة راودنه أيضاً وهذا يدل عليه قول يوسف (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) وننتبه إلى قوله تعالى (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ (17) النساء) إذن الجهل هو أنك تعرف العقوبة على المعصية وتعمل المعصية. لكن يوسف استعصم وكأنه تعلق بشيء، الاستعصام مثل استمسك بالعروة الوثقى واعتصموا بحل الله، الكون الأملس لو أمسكته يقع لكن الكوب الذي له عروة لا يقع. فقد استمسك بالعروة الوثقى الألف والسين والتاء عندما تدخل على الفعل الثلاثي تدل على الطلب كأنه طلب من الله أن يمكنه من الدين وإذا مكنك الله من الدين مكنك منه على مراده لا مرادك أنت وهواك وشهواتك وعندما تمشي على مراد الله تكون مستعصماً وكلما عرض عليك سوءاً لا تقع فيه. يوسف قال (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) فالذي يصرف هو الله تعالى (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) يوسف لم يعصم نفسه بوعيه وإنما الله تعالى سيعصمه (أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ). التبرئة الثانية من يوسف (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) قال أحبّّ ولم يقل أرحم أي شيء يزيل غضب الله تعالى عليّ تكون محببة إلى قلبي وإن كانت قبيحة. (مما يدعونني) اي النسوة وبدل أن كانت متهمة واحدة أصبحن متهمات امرأة العزيز والنسوة. لو أن يوسف حاشاه جارى امرأة العزيز وتسربت الشائعة ستتجع عليه النسوة فتشيع الفاحشة لكنها لا تشيع في حالة يوسف لأنه كان حائط صدّ أمام الفاحشة. القرآن يبين أن يوسف من عباد الله المخلَصين والمحسنين ولا يقول أحد أن يوسف نبي مخلَص ونحن بشر لأن الله تعالى وصفه بالمحسنين والرسول r لما وصّف لنا الإحسان قال أن تخسى الله كأنك تراه.
الملك برّأ يوسف u أيضاً أنه عمل التحقيق فجعل النسوة تقول (قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ) وجعل امرأة العزيز تقول (الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ) الملك برّأه بأنه فتح النحقيق ولم يكن مطلوباً منه ذلك. وما قالته امرأة العزيز أمام النسوة قالته الآن أمام النسوة والملأ والعالمين جميعاً لأن القرآن كتاب للعالمين
(ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) الضمير في (أخنه) عائد على يوسف u. البعض قال أن الكلام على العزيز لكن هذا الكلام مردود فهي خانته وكل الذي عملته خيانة. هي تتكلم عن يوسف أنها لما قالت الكلام أمام النسوة لم يسمعه إلا النسوة أما الآن فالكلام يسمعه العالمين لذا قالت (الآن حصحص الحق).
إبليس برّأ يوسف r(إلا عبادك منهم المخلَصين) والمولى تعالى قال عن يوسف (إنه من عبادنا المخلَصين). الشيطان هو الذي استثنى (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) ص). في سورة الحجر المولى قال (قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42)) إن عبادي وقلنا نضع مكان الياء في عبادي الرحمن (عباد الرحمن). لو فتشنا في القرآن نجد توقيع (فادخلي في عبادي) هذه في الآخرة نجدها (وعباد الرحمن) هذه في الدنيا. نحن انتقلنا من توصيف عباد الرحمن في سورة الفرقان إلى سورة يوسف لأننا نتعلم كيف لا نقع في الزنا. الرسول r أوتي جوامع الكلم قال " يامعشر الشباب" والقرآن قال عن يوسف (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) هذا الكلام ينطبق على الأنبياء ومن تبعهم. (وراودته) هي راودته لما بلغ أشده لذا الرسول r يقول " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليزوج" والفاء تدل على المسارعة.
بًثّت الحلقة بتاريخ 12/6/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 04:20 AM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 46

الوقفة مع سورة يوسف هذه السورة فيها من القصص القرآني وفيها التسلية لرسول الله r والتثبيت والتربية وفيها المنهج الذي يفيدنا في الوصول إلى منهج عدم الوقوع في الزنا. وقد ظهرت هذه الكبيرة في مجتمعاتنا وللأسف نجد أن بعض الناس يجد تبريراً لهذه المعصية وكأن الناس تقيم لنفسها منهجاً خاصاً غير منهج الإسلام. الزنى فاحشة كبيرة وهي ليست غلطة شخصية وإنما هي فاحشة تتعلق بأكثر من شخص والقضية تحتاج إلى تدبر ووقفة وسنتعرض اليوم لسورة يوسف من أول الرؤيا التي رآها يوسف uإلى أن تتحقق بتدبير وتخطيط محكم من الله تعالى في ظل تمكين يوسف بعد كل الابتلاءات والامتحانات لأنه كان من المحسنين ومن المخلَصين.
كيف استقبل يوسف ويعقوب الرؤيا وكيف أحكم الله تعالى تدبيره وآياته؟ (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)) الآيات تبدأ بحروف مقطعة اختلف فيها المفسرين والفقهاء هل نسلّم بها دون علم بمعناها أم هي إشارة إلى إعجاز أنها حروف تكون منها القرآن أم أن لها دلالات معينة في تكرار هذه الحروف في السور؟
الحروف المقطعة فيها إشكالية كبيرة في كتب التفسير وأغلب المفسرين لم يصلوا فيها لرأي قاطع بل إن أكثرهم عرض عدة آراء وتركوا للقارئ أن يختار ولم يقطع بها برأي وهذا يدل على أن فيها آراء مثيرة قديمة وحديثة ونحن نحترم البحث والتدبر. الحروف المقطعة عندما نكون في المسجد ويسألك أحدهم ما معنى ألم؟ هذه الكلمة ليس لها أصل في المعنى بحد ذاتها، الحرف ليس له معنى لوحده وإنما يظهر معناه من تركيبه في كلمة. ليس هناك معنى لحرف الألف وسؤال ما معنى ألف سؤال ليس له معنى، قد تسأل ما معنى كتاب لكن لا تسأل ما معنى كاف، أو ألف. لا نقول ما معنى ألم؟ هذا سؤال خطأ لكن نقول ما المراد من هذه الحروف المقطعة لأن لغة القرآن تتسق في فهمها في التناول مع أمور منها المعنى هناك آية في القرآن لها معنى، وهناك كلمة في القرآن لها معنى وهناك كلمة تأتي بلازم المعنى وهناك كلمة تأتي بالمراد. الحروف المقطعة من هذا النوع ليس لها معنى كحرف العين مثلاً ليس لها معنى إن لم تكن أنت تشير إلى شيء لأنه قد يكون استخدام الحروف هذه كشفرة لكن حتى الذين استخدموا الحروف كشفرة قصدوا المراد منها كأنها إشارة فصار لها مراد وليس معنى. كثير من قالوا أن في الحروف المقطعة مرادات كثيرة والقرآن جاء من الله تبارك وتعالى على غير سابق نمط لم يسبقه كتاب مثله وهذه القضية سببت مشكلة عند من يقرأ القرآن ويتلقى القرآن في آيات التحدي (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ (23) البقرة) هذه آية معناها شرحت وبقينا مدة نفهمها على غير مراد الله فيها من حيث اللغة لأنه تعالى عندما يقول (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) أليس لهذه الآية وقع أنه نزل عربياً؟ نزول القرآن بالعربية له وقع والعرب كانوا أصحاب بلاغة شعرية ونثرية وكانوا لا يطاولوا ولا يباروا ببراعة يشهد التاريخ لها ولما جاء القرآن أعجز الجميع وأعجز المعجزين وعندما نزلت آيات التحدي لم يتدخل أحد العاقل منهم لم يتدخل والذي تدخل قال كلاماً ليس له أصل ولا معنى وأسلم بهذا التدخل كثير من الناس. القرآن معجز ومن ضمن إعجاز القرآن هذه الحروف ومن ضمن إعجاز هذه الحروف أن لا يكون لها مراد نصل إليه باتفاق وقد يكون لكل منا رأي فلا أهاجم رأيك ولا تهاجم رأيي وقد يحتمل جميع الآراء كما قال الشافعي رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. حينما نزل القرآن على رسول الله rبإجماع الكل أن الرسول r كان وما يزال حتى يلقى الله تبارك وتعالى أميّ، تغيرت بعض صفات الرسول في لحظتها (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى) لم يعد يتيماً لأن الله تعالى آواه ووجدك ضالاً فهدى هداه الله ووجدك عائلاً فأغنى أغناه الله، لم يقل ثم وإنما جاء بالفاء لا نقول على الرسول يتيماً ولكنه نقول عنه النبي الأمي، قال تعالى (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)) توصيف الأميّ الصحيح بعد بحوث كثيرة من فم رسول الله rأنه الذي لا يكتب ولا يحسب وليس الذي لا يقرأ ولا يكتب كما تعلمنا، في السابق كنا ندرس في الكتّاب والشيخ الذي يجرس كان في الغالب كفيفاً والكفيف غالباً يكون الله تعالى علّمهم أيما تعليم ولهم براعة يشهد الجميع لها، هذا الكفيف لم يتعلم الكتابة لكنه تعلم القرآن سماعاً ولما سئل الرسول قال نحن أمة أميّة لا تكتب ولا تحسب لم يقل لا نقرأ، لأنه في ذلك الزمان كانت القراءة تتم بالسماع بل إن القرآن بالذات يؤخذ بالسماع وإلا سنخطيء في القرآءة. قد يكون الرجل لا يكتب ولا يحسب ولكنه يقرأ سماعاً وهناك قراءة عن سماع وقراءة عن كتابة.
الرسول r لما قال نحن أمة لا نكتب ولا تحسب هل كان يقصد أن الأمة الأمية لا يجب أن تتعلم ولا نحسب وهل هذا كان مراد الرسول r؟ كلام الرسول r يعني الفخر بما فعله القرآن في هذه الأمة لما يقول نحن أمة لا نكتب ولا نحسب ثم يصبح عندنا على مر العصور علماء في كل العلوم والمجالات فهذا فخر لأنه ساعة نزل القرآن كنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب لم ينكرها القرآن ولا الرسول rلكن انظروا ماذا فعل القرآن بالأمة في كل العلوم في حياة الرسول r وبعد الرسول r. ما المراد أنه يكون الرسول r لا يكتب ولا يحسب؟. ذكرنا سابقاً مثل الورقات الثلاث ورقة بيضاء وورقة مكتوبة بالرصاص وورقة مكتوبة بالحبر وطلبنا من أحد أن يكتب على واحدة من هذه الورقات الثلاث فيأخذ الورقة الفارغة لا المكتوبة بالرصاص ولا المكتوبة بالحبر لأنه ليس عليها شيء ويسهل الكتابة عليها ولن يتداخل مع الذي يكتبه أي شيء كما سيحصل مع الورقة المكتوب عليها بالرصاص أو الحبر. هذا المثال عبارة عن أنك أنت تتدبر أمراً والله تعالى يريد أن ينزل كتابه الخاتم على رجل، فالرصاص يدل على من تعلّم نصف تعليم والحبر يدل على من جلس على علماء وتعلم كل مناحي التعليم ثم جاء القرآن كيف سيكون عقل هذا وعقل ذاك والورقة البيضاء هي العقل الذي لم يتدخل فيه أحد. كلمة النبي الأمي لم يلحقها تغيير لأنها شرف لأنه بعدما نزل القرآن سيقولون أن الشخص الرومي الذي يسنّ عنده السيوف هو الذي علّمه لكن الله تعالى رد عليهم (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ (103) النحل) القول أعجمي والقرآن عربي. لو كان الرسول r جلس على أحد قبل القرآن وتعلم يكون الشك منطقياً (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) العنكبوت) عندها سيكون ارتيابهم بحق. لكن النقطة الأهم هو ما جاء في سورة النجم (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) النجم) قال صاحبكم أي أنتم احكموا عليه قبل الرسالة والوحي وستعرفون أنه كان أمياً ولم يتعلّم على أحد وكان صادقاً أميناً (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)) والقاعدة (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)). إذن الرسول rما تعلم على يد بشر وأنتم أصحابه وشاهدين عليه لكنه ساعة تعلم علّمه شديد القوى وهو علم إلهي ووحي يقرأه سماعاً ولا علاقة له بمسألة الكتابة وغيرها. الرسول r ببشريته ظنّ أنه سينسى القرآن فنزل قوله تعالى (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) القيامة). كل هذا يبين عندنا عظمة الأمية عند الرسول rالأمية عندنا سُبّة وفي عصر الرسول rتعلموا وكان هناك شعراء وأدباء لكنه شرف للرسول r أنه كان أمياً وساعة تعلمت تعلمت على يد الله سبحانه وتعالى. الضمير في (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ (23) البقرة) يعود على الرسول لأن مثلية القرآن مستحيلة بنص القرآن. لو قلت لك إعمل الشيء الفلاني لكن هذا الشيء مستحيل لا آتي بعد قليل وأطلب منك أن تأتي بمثل هذا المستحيل. المستحيل ليس له مثل (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) هذه قاعدة، بمثل هذا القرآن، مثلية القرآن مستحيلة بدليل قوله تعالى (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) الإسراء) النتيجة أنهم لا يأتون بمثله، وفي سورة البقرة يقول (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ (23) البقرة) أي من مثل عبدنا لأن المثلية في القرآن مستحيلة، الإعجاز أيها العرب أن تأتوا برجل أميّ يتساوى مع الرسول ويأتي بقرآن مثله دون معونة من بشر. الرسول r كان أمياً ذهب إلى الغار وعاد بالقرآن فاتوا بشخص أميّ يذهب إلى الغار وييأتي بمثل القرآن أو بسورة حتى لو مثل أقصر سورة، هذا غير ممكن والناس أسلمت عندما حاول البعض أن يأتي بسورة مثل ما جاء به الرسول r. والتحدي كان أن يأتوا بسورة من مثل الرسول r. الأميّ يتكلم في كل شيء لكن إذا طلبت منه تهجئة كلمة اقتصاد لا يعرف لأن الأميّ يعرف مسمّى الحرف ولا يعرف إسمه. هناك فرق بين الإسم والمسمى لأن المسمى لا يمكن لأحد أن يغيره، المسمى واحد وهو محمد أما أسماؤه فكثيرة محمج وأحمد والحاشر والماحي والذي يتغير الأسماء والمسمى واحد وكثير يخطيء فيها فيقول البعض ضع هذا تحت أي مسمى وهذا خطأ ويجب أن يقال تحت أي إسم فالمسمى واحد والأسماء كثيرة. لما يقول الأمي (ألم) يكون قد قرأ فالحروف المقطعة من ضمن المراد منها أنها تدل على تعلّم الأمي كمدلول ومراد. الذي يقرأ في القرآن بترتيب الكتاب كان قد قرأ في يونس (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) يجب أن نقف عند معنى الحكيم لكن المنطق يقول أن هذه التركيبة يجب أن يكون لها مراد، في سورة الحجر (الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ) الخلاف في الحكيم والمبين ولما نقرأ سورة يونس نجد أنها تتكلم عن توحيد الألوهية والربوبية وإثبات البعث والجزلء وصدق رسول الله r وهذا كله يحتاج إلى حكمة. لما نقرأ سورة يوسف نتكلم عن نبي واحد وإخوته وأبيه وكل القصة حتى أفهمها للناس تحتاج لبيان. إذن لما نحتاج إلى حكمة يقول حكيم ولما نحتاج إلى بيان يقول مبين وكلمة مبين تأتي من البيان الحق. ولذلك (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) ولو دققنا في المعنى هناك (تلك من آيات الله) وفي حالة يوسف قال (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)) الله تعالى هو الذي سيقص، عند القصص في البيان قال (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ) للعظمة كما ذكرنا في قوله تعالى (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) ومحمد r ولد عام الفيل وقلنا تر بمعنى تعلم من العليم العلام ولما يخبرك الله تعالى ستعرف بواطن الأمور وظواهرها بحيث لو حضرت الواقعة بنفسك لن تعلم كل هذه المعلومات وستحضرها من زاوية واحدة. (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) أي سيحاول اليهود في عصرك أن يأتوا بقصة من التوراة فإذا قارنت بين القصص ستجد أن هذه القصة أحسن القصص.
مسألة احتيار القرآن عربياً واختيار الرسول r عربي وفي شبه الجزيرة العربية كلها دلائل تخاطب أصحاب العقل. هذه لحكمة من الله تبارك وتعالى. (عربياً لعلكم تعقلون) لما يقول الإنسان لعلّ تفيد التمني لكن لما رب العالمين يقول لعلّ لا تفيد التمني وإنما تفيد الغاية كأن غايته سبحانه من نزول القرآن عربياً لنعقل نحن، كأنه تعالى ميّزنا اختارنا إختياراً أولاً واصطفانا بأن جاء بالرسالة الخاتمة عربية وهذا في حد ذاته آية. نضرب مثالاً الرجل الفرنسي أو الإنجليزي قد يكون له حجة يوم القيامة لكن نحن ما ستكون حجتنا؟ هو قد نعذره لأن القرآن عربي وهو لا يعرف العربية ولو ترجموا له ومهما ستترجم لن تؤدي معنى القرآن حتى المحترفين في الترجمة لا يمكن أن يترجموا بشكل يفهم الغربي المعنى كما نفهمها نحن بالعربية، كيف نترجم قوله تعالى (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ (187) البقرة) حاولنا أن نترجم لباس لكن لم نصل لترجمة الكلمة بحيث تعطي معناها المراد بالعربية. هناك فرق في الفهم بين القرآن بالعربية والترجمة وهذا فضل الله تعالى علينا. الناس من أصل غير عربي يجدون صعوبة في فهم القرآن ويقفون وقفات منطقية فإذا كان هذا حال غير العرب فالمفروض أن العرب يفقهون القرآن ويطبقونه. نزول القرآن عربياً هذا نوع من التكريم لم نعرف قيمته والله تعالى يقول لصاحب الرسالة (وإن كنت من قبله لمن الغافلين) نحن خلطنا الغفلة بالجهل بالأمية من غير أن نعلم. الناس تقول كيف يقال عن الرسول أنه من الغافلين؟ ولكن نقول هذا كلام الله تعالى وليس كلامنا نحن في الرسول فعلينا أن نطوّع فهمنا للنص، الغفلة هي أنه كان r على حاله من الأمية لم يتعلم إلى أن جاءه القرآن فأصبح r صنيع الله تعالى الذي اصطفاه. الرسول r لو جلس مع أحدهم وتكلم معه في الخلق والكون وجاءه القرآن سيكون عنده تردد بين ما قيل له وبين ما نزل من القرآن واله تعالى أراد أن يأخذ الرسول r العلم من الله تعالى فقط. والله تعالى لم يقل له وإن كنت من قبله لمن الجاهلين وإنما قيل له ضال وغافل وهذا مدح لأن الغفلة إما أن تكون ذاتية وإما أن تكون رغماً عنه والتي حصلت للرسول r رغماً عنه حتى يصطفيه الله تعالى على مراده. لكن اليوم لو أحدنا سمع القرآن ولم يعمل به تكون غفلة ذاتية وتكون عيباً وتصل بهم إلى جهالة أي يعرف الحكم ويعمل السيئة. من سلبيات هذه الأمة استمرار حالة الجهالة من جاهلية قريش الأولى فالقرآن عربي وفيه ذكرنا وذكر تاريخنا ومع ذلك لا تتعلم الأمة ولا تتدبر المنهج أما اليهود فأدركوا هذا الاصطفاء وعندما تحولت النبوة الخاتمة من بني يعقوب إلى بني إسماعيل تعبوا نفسياً كيف أخذ الله تعالى هذا الشرف منهم وأعطاه لبني إسماعيل لكنهم من جهلهم قتلوا الأنبياء لما كانت الرسالة منهم. البعض يقول لك الآن اثبت لي أن الحشيش والكوكايين حرام من القرآن، بعد كل هذه القرون وما زلنا في حالة جهالة وقلنا أنه لن ينفع الإنسان عذره يوم القيامة (بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15) القيامة). في التوراة نصوص أن الله تعالى يكلم الذين ليس عندهم علم أن الله سيصطفي الأمة الجاهلة لينزل عليهم الرسالة والقرآن كنوع من الكيد لليهود. توصيف العرب في قريش ومكة في سورة السجدة بديع جداً في قوله تعالى (لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) السجدة) هذه المنطقة لم يأتها كتاب ولا رسول ولا نذير من قبله، هذه آية حاكمة فارقة، تبين أن هذا شرف لكن أول ما جاءنا جاءنا قرآن كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وكتاب أنزله الله تبارك وتعالى وتصدى لحفظه (وإن كنت من قبله لمن الغافلين) وهذا شرف لرسول الله أن يكون غافلاً عما دون هذا الكتاب المنزل من السماء وحياً من الله تبارك وتعالى لم يتعرض له بشر ولم يقصر فيه ملك والآيات كثيرة شاهدة فساعة الله تعالى قال للملك إنزل بسورة الإخلاص (قل هو الله أحد) لم يأت الملك تنفيذاً للأمر الله في سورة الإخلاص قائلا لرسول الله r (الله أحد) وإنما قال (قل هو الله أحد) ليظل الأمر من الله تبارك وتعالى لجبريل لمحمد r إلى أن تقوم الساعة كل واحد يقول (قل هو الله أحد). هذا الكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والذي اقترح أن يحذف كلمة (قل) لأن الخطاب كان للرسول هذا اقتراح باطل تافه ليس له أصل في الدين ولا الإسلام. كثيرون قالوا هناك أمور في القرآن لم يعد لها داعي ومنها كلمة (قل) لكن نقول أن الذي يقول هذا الكلام تنازل عن إسلامه لأن القرآن أنزله الله تعالى حافظاً له فلما تقول نغيّر فيه تكون قد تنازلت عن إسلامك. نحن لم نتفق كيف نتناول هذا القرآن وكيف نستعمله كمنهج حياة وهذا من تقصير الناس وسيحاسبون عليه لأنهم تمكنوا من عمل مناهج في كل نواحي الحياة ورفضوا المنهج الإلهي لحياتهم الباقية.
بُثّت الحلقة بتاريخ 19/7/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 04:21 AM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 47

ما زلنا في سورة يوسف وسنتعرض لهذه السورة بالتدبر لاستبيان واستجلاء ما فيها من دروس وعِبر من خلال هذا القصص القرآني العظيم. نبدأ بالحديث عن الغفلة الذاتية والغفلة الخارجة عن الإرادة الإنسانية والناتجة عن ظروف معينة. في ختام الآية الثالثة قال تعالى (وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) وقلنا أن هذه الآية ليست إهانة للرسول r وسنوضح معنى الغفلة هنا.
الإنسان قد يكون غافلاً بذاته وهو المقصر فيترك الأمور ولا يصلي ولا يصوم وقد تكون الغفلة رغماً عنه في قضية لم يصل علمه إليها بعد والغفلة التي نسبت إلى الرسول r هي من الغفلة الثانية والكلام واضح في القرآن (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ) القرآن سيتضمن بعض القصص عن بعض الأنبياء والمرسلين فكيف يصل الرسول لهذه الأمور من غير وحي؟ إذن هذه غفلة خارجة عن إرادة الرسول r وقلنا أن المنطقة التي نزل فيها وحي قال تعالى عنها (لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) السجدة) لم يأتي أحد هذه المنطقة من الأنبياء والمرسلين، الغفلة إلى وقت نزول القرآن فيتعلم الرسول r ويأخذ القصص لا من التوراة ولا الإنجيل وإنما يأخذ القصص من الله تعالى لذا هو القصص الحق ولذلك الرسول حزن حزناً شديداً لما قال له عمر عندما قال له وقعت على أحد كتب اليهود وفيها كلام فقال r أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ لا يقبل الرسول r أن تأخذ من اليهود والنصارى أي شيء لأن الإيمان يجب أن يكون على ما جاء به رسول الله r.
سؤال: طالما أن الله تعالى قال في قرآنه أنه وضع في تنزيله للكتب السابقة وضع آيات وعلامات تبشر بهذا الرسول الخاتم r وطالما أن الله تعالى وضع دلالات في الكتب السابقة (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ (146) البقرة) فما الضرر أن نأخذ من كتبهم ونبحث عن الدلالات؟
المشكلة أن هذه الكتب حُرّفت والكتب الأصلية خُبِّأت ونحن عندنا كتاب سليم فلماذا نأخذ من المحرَّف. قرآننا يغنينا عن أي مسألأة أو مشكلة تقع بين الكتب السابقة. وعلينا أن لا نأخذ الأحاديث التي ليس فيها تخريج ولا سند وإنما نأخذ الأحاديث الصحيحة بعيداً عن الإسرائيليات. هناك كلام كثير عن أسماء إخوة يوسف لكن هذا كلام لا أصل له. التوراة الحقيقية على نمط القرآن لأنه كلام الله تعالى لذا لا يهم الأسماء وفي سورة يوسف (قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ (10)) لم يحدد إسمه لأنه لا يهم ولم يحدد أي منهم ولم يحدد عمره أو من أي أم؟ القرآن يكفي ولا نحتاج للتوراة ولا لأي كلام آخر نحن لسنا متهوكون فيها ولا نحتاج إلا للقرآن الذي فيه أحسن القصص، قد نسمع قصصاً غير ذلك لكن أحسن القصص قصه القرآن الكريم.
(إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) لما نتدبر الأمر (إذ) هنا تعني اذكر يا محمد لقومك وللعالمين ساعة قال يوسف لأبيه أي ستأخذ الكلام من رب العالمين (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) هذه الآية تدل على أن الاصطفاء ليوسف u قد تم لأنه يقول له (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) من مطلع القصة ويوسف يأوّل واعتبر أن الأحد عشر كوكباً والشمس والقمر أي سيحصل شيء في المستقبل يؤكد الاجتباء والاصطفاء فيسجد له الأب والأم والإخوة ويعقوب u فهم التأويل لذا قال في السورة (وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ) أي الرؤيا التي حكاها لأبيه سابقاً تحققت وهذا السجود ليس سجود عبادة ولكن سجود تحية. قال يعقوب (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) خاف منهم وكان لتلك اللحظة لم يفضل يعقوب يوسف على إخوته ولكنه فقط شعر في تلك اللحظة بعد الرؤيا أن ليوسف شأن ومصطفى بين إخوته وهذا الذي جعل يعقوب يعتني به فيعقوب نبي ولما يسمع من يوسف الرؤيا ويعلمها ويعقوب عنده هذا العلم (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) يتم النعمة أي هناك نعمة والعلم أصله عندهم فيتم النعمة بأن يعطيها ليوسف u.
إخوة يوسف تكلموا عن تفضيل يوسف على إخوته كأنه فضّل أم يوسف على أمهم. الإسرائيليات خاضت كثيراً وقالوا أن يعقوب يحب يوسف وأمه أكثر وهذا الكلام مرفوض. نقول أنه من ضمن حِكَم هذه السورة تصحيح الأخطاء في مجتمعاتنا ولم يكن الخطأ عند يعقوب u.
(إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) الإخوة يرون أن يوسف وأخوه مفضلين عند يعقوب فهل لهذا علاقة بأن يعقوب كان يحب أمهم أكثر من زوجاته الأخرى؟ من ضمن حكمة هذه السورة أنه عندما تكون في واقعة يعقوب وعندك أكثر من زوجة يجب أن تراعي هذه المسألة حتى لا يحدث لك مثلما حدث مع إخوة يوسف. وإخوة يوسف لم يعرفوا أنهم كانوا على خطأ إلا بعدما عرفو يوسف في النهاية كأنهم كرهوا أباهم من منطق أنه كان يفضل يوسف وأخيه. سُئل أحد الحكماء من أحب أبنائك إليك؟ قال صغيرهم حتى يكبر وغائبهم حتى يعود ومريضهم حتى يشفى. إخوة يوسف قالوا كلمة تظهر أن يعقوب على حق (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) عصبة اي نحن قائمون على هذا الرجل أي هم الذين يعملون وهم كبار في السن من كلامهم أما يوسف وأخوه فهم صغار وكان يعقوب يحب أخو يوسف الأصغر عن يوسف إلى أن رأى يوسف الرؤيا التي أكدت له أنه هو الذي سيأخذ النبوة ويرثها ولذلك أول ما قاله يعقوب ليوسف (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا) والعيب ليس منهم وإنما (إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ).
(وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) من قال هذا الكلام؟ المخاطب يوسف وكل القرآن كلام الله تعالى لكن الحوار هنا ما زال على لسان يعقوب. الصياغة القرآنية في بعض المواطن صاغها الله تعالى على صياغة قائلها وبعض الكلام صاغه على صياغة القرآن. المتكلم يعقوب يفهّم يوسف أن النبوءة لن تأتيه إلا بعد أن يبلغ أشده وهذا الكلام معناه احذر يا بني لأن النبوة ستأتيك وستكون مثل ابراهيم واسحق وهم أنبياء. الإسرائيليات تقول (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ) أتمها على إبراهيم بالنبوة واسحق بالذبح وعندهم أن الذبيح هو اسحق وهذا ليلبَّس الأمور علينا. بعض المفسرين وهو يعرض الإسرائيليات لا يعلق عليها في كل المواطن ففي بعض التفاسير (تفسير الرازي) نسي أن يعلق على مسألة أن إسحق هو الذبيح كما ورد في الإسرائيليات لكنه لم ينبه عليها وهذا خطر الإسرائيليات بينما في تفسير محمد رشيد رضا نبّه وقال وهل إسحق هو الذبيح؟.
الكلام الذي يقوله يعقوب u معناه أنه هو أيضاً لديه قدرة على التأويل فهل يمكن أن نعتبر هذه القالة ليعقوب u هي إخبار أن يوسف سيكون نبياً؟ نعم الموضوع بدأ من الرؤيا لأن يعقوب قال له (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ) الإسرائيليات قالت أن يوسف جاء بأبيه وإخوته وأخبرهم بالرؤيا ولكن في القرآن فرق في النص لأنه أخبرنا أن يوسف أخبر أباه فقط وإلا لما حذّره أبوه من إخوته ولو كان يوسف أخبر يعقوب وأبناؤه لكانوا كادوا له أكثر ولكانوا ربما قتلوه أمام أبيه.
بعض الآراء تقول أن بداية الوحي ليوسف كانت عندما رمي في البئر (فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) وهذا خلط بين استشعار يعقوب بنبوءة يوسف من ساعة الرؤيا لكن بداية الوحي ليوسف في البئر. يعقوب يستشعر أن ليوسف شأن لأنه سيكون نبياً ولم يفضله لأنه يحب أمه ويحب أخيه لأنه أصغر وهم قالوا (ونحن عصبة) اي هم كبار ولا يحتاجون لعطف ولا حنان.
(لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ) إنتهى كلام يعقوب الخطاب الآن من الله تبارك وتعالى للرسول r ويقول له الذي يريد أن يتعلم من أمتك يا محمد (لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ) لآيات أي عِبر. من هم السائلين؟ قالوا في الإسرائيليات مجموعة من اليهود جاءت للرسول وسألوه عن أسماء إخوة يوسف فنزلت الآية وهذا كلام فارغ لأن القرآن لا يعتبر بالسبب الخاص وإنما العبرة فيه بالسبب العام. آيات للسائلين من وجهة نظري آيات للسائلين عبر العصور وأي بيت مسلم أو غير مسلم لا يخلو من أي يفضل بعض أبنائه على بعض أو إخوة يكرهوا بعضهم وفيه الحقد والغيرة وانظر إلى الصبر إذا دخلت إلى بيت مسلم، محور السورة أن الجميع ليس عندهم صبر إلا يوسف ويعقوب.
(إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (8) اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9)) أعطوا اقتراحات كيف يقتلون يوسف وكأنه لم يكن هناك من الإخوة من ينصح بعدم التفكير بقتل يوسف. أقصى هداية جاءتهم أنه بدل أن يتقلوه يأخذوه لبئر ويرموه فيه. الأول يقول اقتلوه ثم الآخر يقول لا تقتلوه وآخر يقول ضعوه في الجب ليأتي العزيز ويشتريه ثم يذهب لبيت العزيز فتربيه امرأة العزيز وتراوده فيمتنع والله غالب على أمره فالذي كتبه الله تعالى أزلاً يجب أن يتم. ولو أن إخوة يوسف بحقدهم وكرههم عرفوا أن هذا البئر سيكون فيه هذا الخير ليوسف لقتلوه.
ولو تبين ما في الغيب من حدثٍ لكان يُعلم ما يأتي ويجتنب
أو كما يقال الحذر لا يمنع القدر لأن الله تعالى غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ولا يريدون أن يتعلموا ولا يريدون أن يفهموا المواعظ والقرآن حتى لا يحصل ما يحصل الآن من أمور في المجتمع الإسلامي والأمة من فتاوى. يجب أن نستخرج المواعظ والعِبر من القرآن لتنجو الأمة مما هي فيه.
جلسة إخوة يوسف فيها كراهية تآمر والحوار فيه إتجاه تصاعدي في الحقد وإنما تصاعد الحقد عندهم لأنهم بدأوا بقتل يوسف لأنهم بدأوا بمسوغ القتل ومن ذكاء يعقوب ونبوءته قال ليوسف (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) الشيطان بدأ مع الإخوة من النهاية (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) أنه لأن أبوهم ظالم سيقتلون وعندما لا يقتلوا يكونوا جيدين وهذا من تلبيس إبليس بدأ لهم أن الأب ظالم والأبناء لا يستحقوا ولو قتلتم يوسف سيكون لديكم حق فعندما لا تقتلوه ستكونوا جيدين. هذه الآيات تدل على مكانة يوسف من مطلع القصة. عندما جاءت امرأة العزيز بالنسوة بعدما قلن (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) قالت امرأة العزيز (وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ) هذه تبين مكانة يوسف أنها خبّأته في مكان أمين. المنطق أن تكون النسوة في صالة وامرأة العزيز تقول ليوسف ادخل عليهن لكنها قالت اخرج عليهن. (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) ليس بمعنى القطع وإنما بمعنى الجرح، قطع اليد فصلها والناس تستعمل كلمة القطع للدلالة على الجرح، النسوة جرحت أيديهن ولكن القرآن استعمل الكلمة للمبالغة التي تدل على انبهارهم بيوسف u فقالت (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) دليل على أنها أدخلت يوسف u مرة ثانية لأنها تغار عليه كأنها طلبت منه أن يخرج إليهن ثم طلبت منه الخروج ولو كان واقفاً في الغرفة لقالت فهذا الذي. كل هذا يبين منزلة يوسف u. لو لاحظنا أن الإخوة قالوا (اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ) هذه المعصية بتخطيط، اقتلوه ثم توبوا وهذا الذي جعل أحد الحكماء العلماء إبن عباس أللقاتل توبة؟ مرة قال لا ومرة قال نعم فعندما سألوه قال الأول كان آتياً ليقتل فقلت له لا، وهذا يدل على أن يجب أن يكون هناك مواجهة بين السائل والمسؤول لتأثير وجه السائل عند المسؤول بياناً ولا تنفع الفتوى على الهاتف أو التلفزيون لأن هذه الفتاوى ستكون ناقصة قاصرة لكن الفتاوى العامة لا بأس أن يجاب عنها عبر التلفزيون أما الأسئلة الشخصية فيجب أن تكون برؤية السائل وإذا كان أمر طلاق فلا بد أن تحضر الزوجة أو الزوج لأنه يجب أن يسمع المسؤول من الطرفين.
(قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ) عناية يعقوب بيوسف وعناية امرأة العزيز به وعناية الملك به هذه منزلة يوسف وليس من السهل أن يصلوا ليوسف وهذه منزلته. يعقوب u بدأ يحرّص على يوسف من ساعة ما أخبره بالرؤيا بدليل الآيات التي بعدها لما قال إخوة يوسف (قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ) هو لم يكن يسمح ليوسف بالخروج لدرجة أن الإخوة قالوا ما لك لا تأمنا على يوسف وهنا نقول " كاد المريب أن يقول خذوني" كلمة (لا تأمنا) كان يجب على يعقوب أن يعمل حسابه لكن يعقوب لم ينتبه لقولهم هذا وهذا لم يحصل لأن الله غالب على أمره. قال يعقوب نفاذاً لقضاء الله تبارك وتعالى (قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ) قال لهم أمرين: أن تذهبوا به والثاني أن يأكله الذئب فلما رد إخوة يوسف على أبيهم لم يعلقوا على مسألة حزن أبيهم لأنهم لا يريدون أن يتكلموا بها حتى لا تظهر عداوتهم ليوسف ولأنهم يكرهون حرص يعقوب على يوسف وإنما قالوا (قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ) وتكلموا في المسألة الثانية باستفاضة (قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) ثم قالوا (إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ) وهذا ما حصل لأنهم خسروا فعلاً ويكفي ذُلّهم وهو العزيز قبل أن يعرفوه. (فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) في السابق لم يكونوا قد حسموا أمرهم في يوسف هل يقتلوه أو يضعوه في الجب أما لما ذهبوا به أجمعوا أن يجعلوه في غايب الجب.
(وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) هنا بدأ الوحي والإلهام والنبوءة تبدأ بالرؤيا الصادقة الصالحة ولما تتحقق بعد ذلك ثم الإإلهام أو الوحي ثم تأويل الأحاديث ثم (وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ) هذه النبوءة كاملة. (لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ) هذه الآيات فيها عدد كبير من الآيات ولو احتاط يعقوب لما أعطاهم يوسف ولكن الله غالب على أمره ولما رجع إخوة يوسف "كاد المريب أن يقول خذوني" (قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ) بينوا أن يعقوب لا يُخرج يوسف وامرأة العزيز لا تُخرِج يوسف والملك قال (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) وهذه تبين مكانة العباد الصالح. كل القصة تحصل نفاذاً لأمر الله تعالى (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ).
بُثّت الحلقة بتاريخ 26/6/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 04:23 AM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 48

في سورة يوسف كثير من القصص القرآني الذي يعطي عبر نستفيد بها ونحن نبحث في أحوال مجتمعاتنا الإسلامية بعد أن كثرت المشاكل والمعاصي والفتن والناس تتساءل كيف نخرج من هذه الورطة وكيف يفك الإنسان نفسه من قيد المعصية بعد أن باتت المعصية هي الأصل وهي الغالبة وأصبح الخير هو الشيء النادر في هذا الزمن؟ اليوم نركز على المؤامرة التي تشابكت خيوطها من إخوة يوسف ليتخلصوا من هذا الإبن المدلل المحبب المفضل عند أبيه باعتبار أن هناك ضلال من هذا الأب الذي فضّل هذا الإبن على باقي الأبناء وهم عصبة - هذا من وجهة نظرهم – وشعروا بالحقد والغل الشديد الذي دفعهم لارتكاب ما ارتكبوه.
المؤامرة بدأت وهناك قرار أن يتخلصوا من الأخ الصغير إما بقتله وإما بغيره. حصل إجماع منهم أن يجعلوه في الجب. (فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) في المكان الذي تعرض فيه يوسف لابتلاء ومخاطر كثيرة وغدر إخوته به جاءه الوحي الإلهي في تلك اللحظة اصطفاء وتأكيداً أن رعاية المولى سبحانه وتعالى ستنجيه من هذه الظروف فما دلالة هذا التوقيت؟
دلالة التوقيت مهمة جداً في كل شيء حتى في أي شيء يحصل للإنسان فتجد أحدنا في بعض الظروف - نحن نريد أن نعيش قوله تعالى وأوحينا إليه بتوقيع اللغة وليس بمفهوم استقر للأسف عند بعض المفسرين وهناك خلاف كبير هل بدأ الوحي هنا أو النبوءة – كلمة أوحينا يكون أحدنا في مشكلة ثم تجد أن هناك خاطراً يأتيه ويوجهه فيرتاح وبعد فترة يشعر أن الله تعالى هو الذي أرشده إلى هذا الحل. كلمة وأوحينا إليه بالنسبة للسن الذي كان فيه يوسف حينها يجب أن تؤخذ على معناها القرآني هل هة وحي من الله أي بداية النبوءة؟ نحن قلنا أن النبوءة بدأت من وقت الرؤيا واطمأن يعقوب إلى هذا وقال (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) ثم قال (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) إذن النبوءة بدأت من ذلك الوقت. العيب أننا نقف عند قضية ونحلل فيها بحيث نخرج خارج المعاني المرادة في القرآن كما تفعل الإسرائيليات. هناك كلماتن لو انتبهنا لهما لوجدنا كم يضحك الشيطان على الإنسان (فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ) كأن أخذهم له بحد ذاته انتصار وكأنهم فرحين بهذا الأمر لأن يعقوب لم يكن يدعهم يأخذوا يوسف ولا يخرجه من البيت فهم فرحوا بمجرد أنه تركهم يأخذوا يوسف. هذا فعلاً هو القصص الحق لما نعيش قوله تعالى (فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ) ونتدبر ونرتل القرآن على مدار قوله تعالى (أفلا يتدبرون القرآن) يمكن أن نعمل منها سيناريو كامل في كلمة (وَأَجْمَعُواْ) تشعرك أنه كان هناك محاورات هل نقتله أو ندعه أو نرجعه؟ هذه الكلمة فيها دروس كثيرة. (وَأَجْمَعُواْ) تدل على أنه حصل إجماع أنهم سيجعلوا يوسف في غيابت الجب وهذه الكلمة تدل على أنه كان هناك أكثر من رأي وعندما نعود للآية (قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ) هذا قائل واحد وعندما قال تعالى (فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ) تدل على أنه كان هناك آراء كثيرة لكن القرآن لم يعرضها لعدم أهميتها لأن القرآن يعطينا الخلاصة والنتائج. القائل تكلم برأيه حتى لا يُقتل يوسف u لأن الله تعالى غالب على أمره.
قتل يوسف أو رميه في البئر كلاهما معصية لكن الإنسان لسذاجته يعتقد أنه إذا أتى المعصية الأقل يكون هو جيد والذي قال لا تقتلوا يوسف يظهر أنه أرحم إخوته لكنها مصيبة ومعصية لذا إذا رجعنا آية (لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ) يوسف بحد ذاته آية وكل أخ من الإخوة آية والاثنين مع بعصهما آيات ومن ضمن الآيات الذي ذكرناه أن أحد إخوته قال ألقوه في غيابت الجب يلتقطه بعض السيارة فلنفرض أنهم التقطوه لكنهم ساروا به بعيداً ولم يره ثانية. الشيطان قد يزيّن لك من باب الخيرية أنك تفعل خيراً ويجعلك تقارن نفسك بمن هو أسوأ منك في المعصية لا بالذي أفضل منك في الطاعة. لما يوضع يوسف في الجب ولو تُرك في الجب ولم تأت السيارة قد يموت وهذا قتل لذا على الإنسان أن يراجع نفسه حتى فيما يبدو له أنه خير على مدار الذي ذكرناه أنه هناك من أهعم أفضل مني في المعصية وأفضل مني في الطاعة فعليّ أن أقارن نفسي بالذي هو أفضل مني في الطاعة. الشيطان يزيّن لإخوة يوسف من البداية (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ). نحن نعرض قصة يوسف لأن بعض الناس يمشون جياتهم الدينية على منطقهم ومنهجهم هم لا على منهج الله وهذا ما يريد الشيطان أن يفعله على منطقه هو فالسارق يريد أن الدميع يسرق حتى يتساوى الجميع معه. هذه القصة فيها عِبر كثيرة في كل كلمة وكل لحظة فيها ولو تدبرها المسلم سيتغير حاله ويسير على منهج الله تعالى ومنهج الرسول r.
(فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15) وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17) وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18))
هناك كلمات تعطي معاني ودروس كثيرة. هناك إجماع أن يجعلوا يوسف في غيابت الجب فما دلالة توصيف الجب بـ (غيابت الجب)؟
ما هو الجب أولاً؟ البئر عند العرب يعني فيه ماء والبئر لو فيه ماء وتركت يوسف فيه سيغرق. غيابت الجب هي حفرة بجانب البئر الأساسي ينزل فيها من يريد أن يأخذ الماء من البئر المجاور فيكون في مكان منخفض عن المكان الذي فيه الماء والمكان الذي ينزل فيه هذا الشخص ليس منخفضاً جداً ويُرى من فيه فهم إما رموه في الفجوة التي بجانب البئر الأول فكانت كلمة غيابت ليس لها معنى لكن القصة أنهم جاءوا ببئر فارغ. غيابت الجب عميق ولو فيه ماء سيغرق يوسف وهذه كان فيها مناقشة بين أهل التفسير نستخلص منه أن البئر كان فارغاً بدليل (غيابت) والدليل (وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَـذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) هذه تدل على أنهم رموه في البئر الذي فيه ماء أو البئر الذي فيه كان فيه ماء ثم جف.
ألم يحصل حوار بين إخوة يوسف ويوسف عندما ألقوه؟ حصل حوار بدليل قوله تعالى (وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) معنى الإلهام أنه سيأتي وقت ستخبرهم ماذا فعل بك إخوتك وهذا دليل على أن يوسف سينجو وهذا وحي ببشرى وسكينة لذا لم يقل لإخوته لماذا تتركوني هنا أو غيره. الوحي طمأنه أنه سيكون في موضع أفضل منهم (وهم لا يشعرون) أي لا يشعرون بهذا الوحي في اللحظة التي ألقوه فيها في الجب، يوسف عندما ألقاه إخوته وجاءه الوحي لم ينادي على إخوته أي هم لم يشعروا بالوحي الذي نزل لطمأنة يوسف u. الرسول r لما كان ينزل عليه الوحي لا يشعر به أحد. يوسف سكت فجأة ولم يعد له صوتاً فلم يعودوا ليروا هل هو بخير إذن (وهم لا يشعرون) أي لا يشعرون بما أوحى الله تعالى له بالسكينة والبشرى وطبعاً الوحي الإلهي للموحى إليه يجعله يطمئن به بدليل أم موسى. هل يمكن لأحد أن يرمي ولده في البحر إذا كان خائفاً عليه؟! الوحي أيده الله تعالى بالربط على القلب (فإذا خفت عليه فألقيه في اليم) الوحي يجعل الموحى إليه مطمئناً ويجعله ينفذ لذا كما سكتت أم موسى سكت يوسف u. إنصرف إخوة يوسف من تركه في البئر إلى ما سيقولونه لأبيهم وهذه معركة أخرى وهي معركة الكذب وهم أصلاً تبلدت مشاعرهم والآيات فيها قوة كبيرة فكلمة عشاء في الآية (وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ) بعض المفسرين قال أنه بعد أيام لكن عشاء تدل على أنه في نفس اليوم. لم لم يقل عصراً؟ هم اختاروا الليل لأن ملامح وجه الكاذب تظهر في النهار هم يتباكون لذا يجب أن تكون عشاء حتى لا تظهر ملامحهم وفي ذلك العصر لم يكن هناك إضاءة كافية لذا اختار القرآن كلمة عشاء وقد يكونوا قد انتهوا من مهمتهم باكراً لكنهم لم يتمكنوا من مواجهة أبيهم في النهار. حجتهم مرفوعة هم قالوا (قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا) الآيات كلها عِبر ولو وقفنا على الآيات أن الذئب أكل يوسف نجد أن يعقوب هو الذي أخبر بهذا الأمر في الآية (قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ) وهم ردوا على يعقوب (قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ) كأنهم قالوا له أنت أعطيتنا المفتاح وسنقول لك أن الذئب أكله. هذا أمر والأمر الآخر أنهم لو قرأنا الآيات بتدبر نجد أن هناك ميثاق وعهود نقضوها جميعاً (لحافظون، لناصحون، لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون) هم خسروا في كل المواقف حتى لما سامحهم يوسف كان هو الأقوى. هم نقضوا كل هذا في كلمة (إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ) وهم أعطوه العهد بأنهم سينتبهوا له، هم أخذوا يوسف ليلهوا معهم (أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) يرتع أساسها في اللغة للبهائم (بهائم رُتّع) أُخذت للإنسان لتدل على أنه من كثر ما سيكون مسروراً لن يفكر البهائم تأكل دون تفكير بمشاكل أو غيرها، هم قالوا سيجعلوه مسروراً وسيفعل ما يشاء وهم سيحفظونه، يوسف سيرتع ويلعب لكنهم عكسوا الأمر فاستبقوا هم وتركوا يوسف يحافظ لهم على المتاع. هذا يبين أن الكاذب ينسى "إن كنت كذوباً فكن ذكوراً" هم قالوا لأبيهم أنهم سيحفظونه لكنهم قالوا العكس لأنهم كاذبين وأقروا أنهم كاذبون بدليل قولهم (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) وهذه الآية تعطي معنى كاد المريب أن يقول خذوني.
إخوة يوسف قالوا (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) كأنهم غير مقتنعين بالكذبة التي كذبوها على أبيهم. الرسول r يعلمنا كلمتين في منتهى الإبداع فيقول: "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدّيقاً وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً" الناس نوعان إما رجل يصدق ويتحرى الصدق وإما رجل يكذب ويتحرى الكذب. الكذب بدأ من أول كلام إخوة يوسف (وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ) يوسف لم يمت فعلام يبكون، الكذب بدأ من كلمة يبكون وقالوا (قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) هم لم يذهبوا ليلعبوا وإنما ذهبوا بيلقوا يوسف في الجب، (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) لو كنا تدل على أنهم غير ذلك. هم أظهروا كرههم للأب أنه لن يصدقهم. ما قالوا وما أنت بمصدق لنا لأن الأب كان كارهاً لتصرفاتهم وأدائهم لذا قال ليوسف (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) فهذه عقيدة الأب عن هؤلاء الأبناء. وما أنت بمؤمن لنا، ما هو الإيمان وما هو الصدق؟ هو ليس مؤمناً بهم ولا لهم وهذه مسألة عقيدة عند الأب يدل عليها ما قاله يعقوب ليوسف عندما قص عليه الرؤيا (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) فالذي يحرك الإخوة هو الشيطان. فيكيدوا لك كيداً أي سيفعلوا بك ما يقضي عليك وهذه عمومية القصة القرآنية مثل قصة إبني آدم التي حصرتها الإسرائيليات في موضوع الزواج من أخته لكن القرآن ترك الحقد ليكون عاماً وفي قصة يوسف أيضاً لو قص عليهم الرؤيا لكادوا له كيداً ولحركهم الشيطان لا الإيمان واليقين والوازع وهذا يشرحه (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) أي أن عقيدة يعقوب تجاه أولاده أنهم كاذبون. هم الذين يقولون حقيقتهم دون أن يشعروا ولم يقولوا ما أنت بمصدق لأن هذه الحكاية عنوان لوضوع كبير جداً أنهم حاقدون فاشلون.
الكذبة واهية جداً في مسألة التنفيذ ومجيئهم بالقميص لكن منطقياً لو أن الذئب أكل يوسف كله فلماذا ترك القميص ولو كان الذئب أكل جزءاً منه فأين الباقي؟ لم نجد مفسراً وقف عند هذه النقطة. القرآن يقول (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) مباشرة (المحقق اللغوي في بعض الأمور يجب أن يكون مثل المحقق البوليسي). هل رأينا ذئباً يأكل كل الضحية كاملاً؟ لا بد أن يبقى شيء منه أو جثّته. لم يترك الذئب شيئاً منه؟ هذا غير منطقي؟ ولو كان أكله كله فمن أين جئتم بالقميص؟ القميص كان مع يوسف له وقائع كثيرة: ساعة الذئب وساعة امرأة العزيز وساعة ألقوه على وجه أبيه. نحن أقل ذكاء من يعقوب وانتبهنا لهذا الأمر فبالتأكيد يعقوب انتبه للأمر فقال (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) هو تأكد عند ذلك أن يوسف حيّ وأنه لا ذئب أكله لذا توجه إلى الله تعالى (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) الصبر في انتظار شيء فصبر جميل حتى يعود يوسف أو يظهر مرة أخرى. من قوله (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا) نقلهم نقلة غريبة جداً ولم يسألهم أين رأسه أو جثته وقال (وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) كأن المولى تعالى يريد أن يخبرنا من فهم يعقوب للمسألة أن يعقوب تأكد بفضل من الله تبارك وتعالى أن يوسف ما زال على قيد الحياة لذا قال (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) الصبر الذي يمكنك من التفكير والصبر انتظاراً لأمر الله تعالى والصبر الذي يجعلك تقول هذا ابتلاء صعب ويحتاج إلى صبر من نوع معين وهو الصبر الجميل. المواعظ في السورة كثيرة لكن العبرة واحدة وهي الصبر. حتى بعض الصابرين يصلون لمرحلة لا يمكنهم أن يصبروا أكثر ولما سُئل أحد الحكماء ما الصبر؟ فقال الصبر يبدأ من حيث ينتهي وكأن الصبر ليس له نهاية وليس له حدود. فصبر جميل سأل أحدهم هل هناك صبر غير جميل؟ نعم هو الصابر الذي يشكو صاحبه.
الصبر هو العبرة الرئيسية في قصة يوسف وهذا رسالة للرسول rتثبيتاً له وأمراً له بمزيد من الصبر على المشقة التي يجدها في الدعوة وموت خديجة وموت عمه وعلى كل الصعاب التي يلقاها في سبيل الدعوة وإعلاء كلمة الحق.
لما يعقوب رد على كلام أبنائه (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا) يدل على أنه أهدر كل الكلام والكذب الذي جاءوا به فهل كان لديه أسباب أخرى دفعته ليطمئن أن يوسف سيكون بخير من واقعة الرؤيا التي لم تتحقق على أرض الواقع بعد.
بُثّت الحلقة بتاريخ 3/7/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 04:24 AM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 49

نقف في هذه الحلقة عند كلمتين اليقين والقدر: اليقين في نفس يعقوب u وهو يسمع قصص كيد أبنائه الكاذبة عن الذئب الذي قيل أنه أكل يوسف وعن السباق الذي لم يتم وعن أكاذيب وصور مشوهة لا ترقى إلى مصاف قصص الأطفال ومع ذلك ورغم تلك الأكاذيب لم يدخل معهم في نقاش بل قال (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا) إذن هو حسم القضية واطمأن أن يوسف u على قيد الحياة وهذا الاطمئنان مرده إلى رؤيا يوسف التي لم تتحقق بعد ورؤيا الأنبياء حق، هذا هو الجانب اليقيني للقصة وقد يسأل البعض إذا كان يعقوب uمتأكداً كل التأكد من حقد وغِلّ إخوة يوسف على يوسف فلماذا وافق أن يأخذوه؟ لأنه (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ). هل اليقين عند يعقوب u مرده فقط إلى ضعف الحبكة في مجموعة الكذب التي صاغها إخوة يوسف في قصة الذئب والقميص الذي عليه دم أو لاطمئنانه أن الرؤيا لم تتحقق بعد ورؤيا الأنبياء حق؟
هذا موضوع مهم في التلقي كيف نتلقى لنعتبر وهذه القصة ليست لمجرد القصة والتسلية كما في الإسرائيليات وإنما هي قصة للعبرة. الرسول r لما ماتت خديجة وأبو طالب والعبرة في الصبر لأن هذه القصة من أهم القصص (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) ليعتبر الرسول r والأمة من بعده. هل اليقين كان عند يعقوب uمن كثرة الكذب الواضح من إخوة يوسف أو لأجل الرؤيا التي رآها يوسف لم تتحقق؟ نقول هي الإثنين معاً، الأولى واضحة قال (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ) إذن الرؤيا لها وقع وسواء تحدث بها أو لم يتحدث فهي رؤيا حق ويوسف من الأنبياء (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) النبوءة لها سن معين فلذا يوسف ينبغي أن يكبر لتتحقق الرؤيا. نضع أنفسنا مكان يعقوب الذي قال كلمة ما استخدمت في القرآن إلا لوضع التناقض أو لوضع النقيض (كلا بل تكذبون بالدين) إذن (بل) تأتي لتنفي الذي يُدّعى أو حقيقة، (بل) عندما تأتي تنفي الخبر وتؤكد نقيضه، يعقوب لم يفكر ولم يناقش وإخوة يوسف فتحوا مواضيع تستدعي النقاش وإنما قال (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) إذن الأمر الذي عمله إخوة يوسف غير الذي يقولونه. هل الذئب أكل يوسف كله؟ أو أن الذئب لما يهاجم يأكل جزءاً ويترك الجثة؟. لماذا قال يعقوب (بل) ولم يناقش أبناءه ولم يسألهم؟ لأنه يعلم بعقيدة الأنبياء واليقين – اليقين كلمة عالية جداً - واليقين عند يعقوب u مليون في المائة جاءه من نقطة الرؤيا التي لم تتحقق ويقينه يقين جاد وليسيقيناً مدّعى فقال (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) وانتقل الكلام إلى موضوع آخر (وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ). يعقوب قال في نفسه إخوة يوسف يكيدوا ليوسف ولما رجعوا إلى أبيهم بالقميص بدون جثة دل هذا يعقوب على أنهم تخلّصوا منه ودله على أن الذئب لم يأكله لأنهم لم يحضروا الجثة ولو أكله الذئب فعلاً لجاؤوا بالجثة ويقولوا لأبيهم أنه مات ومعهم جثة يوسف وقالوا له أنه مات ولا يمكن ليعقوب أن يكذبهم. فطالما ليس هناك جثة يكون الأمر لم يحصل. ثم كلمة (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) باستخدام (على) و(دم كذب)، متى الدم يكون كذباً؟ هناك دم صدق لو الذئب أكله فعلاً ولكان القميص مقطعاً، فالدم يكون كذباً عندما يكون القميص سليماً وعليه دم فلا يعقل أن الذئب أكله دون أن يمزق قميصه. (على) تبين كذبهم لأن الدم على القميص وليس في القميص والدم من الخارج وليس من الداخل والقطع يكون عادة من الداخل فكلمة (على) لها وقع، لذا قال يعقوب (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا) متأكداً أن يوسف على قيد الحياة وأن هناك أمر حصل ليس حقيقياً وما قيل له غير الذي حصل لذا قال (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا) و(سوّلت) لها توقيع غريب جداً ولم يقل فعلت لأن السول من الاسترخاء لا يُعمل إلا بتأكيد وتخطيط فكأنه أراد أن يقول أنه فهم أن إخوة يوسف عملوا أمراً خططوا له ولم يتحقق ولم يتأذى يوسف فطالما ليس هناك جثة إذن ما فعلوه فعلوه بعد تفكير لكن حوفظ على يوسف. كلمة سول في القرآن يعني الإسترخاء وهذه توقع القائل (قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ) أي يتخلصوا من يوسف بدون قتله. يعقوب قال (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا) يعني فكرتم باسترخاء ونتيجة التفكير لم يؤذوا يوسف لأنه لو أذوه لجاؤوا بجثته ثم قال (وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) فيها توقيعان: توقيع الرسول rأنه كلما حزبه أمر فزع إلى الصلاة وفيها نقول (إياك نعبد وإياك نستعين) فإذا كان يعقوب u إستعان بالله مرة فالمسلم يستعين بالله في اليوم 17 مرة في الفرائض ما عدا النوافل لكن علينا أن نقرأها ونحن موقنون بها فكثيرون عند الصلاة الجهرية يرتلوا القرآن وفي الصلاة السرية يصلون الآيات بالقراءة ونحن أمرنا بالترتيل لذا من الخطأ أننا نقرأ ولا نعمل بها. لما قال يعقوب (وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) هذه فيها توقيع للرسول بأن يصبر (فاصبر كما صبر أولو العزم) وكان كلما حزبه أمر فزع إلى الصلاة وصلى ركعتين ونحن نفعل هذا لكن نقول إياك نستعين دون إدراك ولو فعلناها مرة بيقين تساوي آلاف المرات بدون إدراك ويعقوب u قالها مرة واحدة ولكن بيقين (وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ).لذا علينا أن نرتل القرآن ترتيلاً وعند قراءة الفاتحة يجب أن نقف على رؤوس الآيات وأهم آية (إياك نعبد وإياك نستعين) فإذا استعنت بالله أعانك الله تبارك وتعالى ولذا من ضمن روايات الفاتحة عندما نقول إياك نعبد وإياك نستعين هناك روايتان إما أن الله تبارك وتعالى يقل هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل أو يقول يا عبدي مني العون ومنك العبادة.
(وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) هذا كلام يعقوب لأبنائه فما دلالة استخدام كلمة (تصفون)؟
هو يريد أن يقول لهم أن كلامهم عبارة عن مجرد كلام ووصفهم للوقائع كذب بدليل عدم إحضارهم الجثة، ما تصفون أي ما تكذبون وهذا كلام لا يرقى للوصف وإنما هو عرض لأمور خيالية بدليل (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) وسيُظهر الله تعالى فيما بعد أن يوسف على قيد الحياة وأن كلامهم كذب. ومن عظمة الأداء القرآني أن الكلام تحول إلى صورة أخرى (وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ) أحد إخوة يوسف قال (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) وحققه الله تعالى (وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ) وكلمة سيارة تدل على أن هؤلاء محترفين السير وهم يمشون في الصحراء وكلما يمروا على بئر يتزودوا بالماء وإذا كانوا عشرة يرسلوا واحداً منهم ويكون محترفاً بإنزال الدلو وإحضار الماء فلما أدلى دلوه (قَالَ يَا بُشْرَى هَـذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً) اي ساعة ما أخرجوه كان ممكن أن يأخذوه حتى أخو يوسف لما توقع قال (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) لكن التعبير القرآني في وقائع أرادها الله تبارك وتعالى على مراده فقال (قَالَ يَا بُشْرَى هَـذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً) هذه تؤكد (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) شروه هنا بمعنى باعوه وهناك فرق بين شرى اشترى: شرى يعني باع واشترى بمعنى أخذ، وكانوا فيه من الزاهدين لكن وقع البيع على مراد الله تعالى (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ) وهناك ترتيب معين يحصل ليأتي العزيز فيشتريه وهم يكونوا من الزاهدين فيتم البيع على مراد الله تعالى وتخطيطه والله غالب على أمره، (وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) لأن الإنسان لم يعلم الحقيقة ليس في كون الله صدفة لأنه إله وحاشاه أن يكون في كونه صدفة. قدرة الله تعالى شيء وعلمه شيء لذا (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ).
(وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) القرآن كله لو قرأناه بتدبر نستفيد ونذهب إلى امرأة فرعون ماذا قالت عن موسى ونقارن الأمرين، العزيز قال لامرأته (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) هذه كلمة عالية نحن نقول في لغتنا اليومية "أنا شاريك" دليل الاهتمام، أعطاه لامرأته وهدفه أن ينفعه في المستقبل أو يتخذه ولداً هذا يدل على أن العزيز ليس لديه أولاد فيربي الغلام إما يفيد في الجيش أو يتخذه ولداً هذا توقيع العزيز لامرأته في يوسف uوالعزيز كان له وجهة وكان لامرأته وجهة أخرى، الرجل أخذه لسببين وهي لما كبر يوسف اختلفت الوجهة وذهبت إلى أمر لم يفكر فيه العزيز من قبل (عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) النفع لا يمكن لأن يكون مقابل أذى والولد لا يمكن أن يفكر في أمه. نذهب لموسى u لما وجده فرعون وامرأته التي هي من الصالحين كان لها وجهة نفس وجهة العزيز وليس امرأة العزيز. لما نمشي في السرد القرآني لقصة يوسف uنجد إبداعاً ففي قوله تعالى (قَالَ يَا بُشْرَى هَـذَا غُلاَمٌ) هل تقابل وتتناسب مع قولهم (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ)؟ تغير قولهم لأن الله تعالى غالب على أمره ولكن أكثرهم لا يعلمون وهذا يدل على أن هذا الغلام فعلاً بشرى وسيكون له شأن لكن في لحظات شروه بثمن بخس وربما يكون البشرى للذي أدلى الدلو أما بقية القافلة فلم تجد له نفع فشروه بثمن بخس. انبهروا بجمال يوسف لأن الفتنة في قصة يوسف هي من جماله. امرأة فرعون كان لها نفس الوجهة التي عند العزيز لكن امرأة العزيز تحتلف عن امرأة فرعون إلى أن تابت. كل حادثة لها وقع وما كان عند العزيز كان عند امرأة فرعون. القصة تظهر فيما بدا من القرآن بعد ذلك (أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا).
(وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) عندما نجد (وكذلك) نرجع لقول يعقوب (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) هذا تنبؤ من يعقوب أن هذا الغلام يوسف سيكون له شأن على مراد الله تبارك وتعالى كما حصل لابراهيم وإسحق بالنبوة. وكذلك سيتم التمكين ليوسف وهذا ما قاله العزيز (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا). لو قارنا بين ما قاله العزيز وما قالته امرأة فرعون نجد عظمة الأداء القرآني فهو قال (عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) وامرأة فرعون قالت (قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ) وفي يوسف (قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ) كأن (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) في قصة يوسف لم تقال فقط لقصة يوسف وإنما لكل قصص في القرآن ولكل آية في القرآن. هناك قال (قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ) وامرأة فرعون قالت (لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) هذا المنطق والعقل والعجيب في الأمر أن العزيز رجل وامرأة فرعون امرأة. ومن قدر الله تعالى أن يكون العزيز لا ينجب وامرأة فرعون لا تُنجب. (وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) بعض الأحيان نأخذ الأمور بسطحية ولا يتأمل في القرآن لو كان العزيز لديه أولاد لم يكن ليشتري يوسف ولو امرأة فرعون تنجب لما أخذت موسى فالله تعالى يهيأ الأمور التي هي في الحقيقة غريبة والمنطق واحد في القصتين وكلاهما قال (عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) وفي القصتين قيل (لا تقتلوه). والعجيب أن يقتنع فرعون بما قالته امرأته مع أنه كان يقتل الأبناء الذكور. (لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً وهم لا يشعرون أن الذي تقوله امرأة فرعون ويقتنع بع فرعون ويغير رأيه بالذكور حتى يقع ما يريد الله تعالى (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ).
هل هناك تناقض في أن امرأة فرعون قالت (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) وهو لم ينفعهم ولم يتخذوه ولداً وإنما كان وبالاً عليهم بينما في قصة يوسف فهو فعلاً أنقذ البلاد في وقت المجاعة؟
موسى u أنقذ من كان مسلماً وانصاع لأوامر الله تعالى وامرأة فرعون كانت من الصالحين فموسى u نفعها ونفع كل من أسلم وآمن به ويوسف u أنقذ البلاد بما فيها امرأة العزيز لأنها تابت. الله تبارك وتعالى ينجي الصالحين والتائبين والعائدين إليه حتى إخوة يوسف وما تنبأ به يعقوب كان ليوسف وإخوته فعندما يقال (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ) الذين منهم إخوة يوسف إذا تابوا إلى الله لذا قال (قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) حصل منهم توبة وقبول من الله تعالى لذا لا تقل أنا عاصي وإنما تب إلى الله تعالى فإذا تبت إليه كنت كمن لم يعصي الله تعالى وتساويت معه في رحمة الله تعالى هذ رحمه الله تبارك وتعالى في أنه لم يقع في المعصية وذاك رحمة الله تبارك وتعالى في أنه تاب عليه (أولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات).
التمكين ليوسف u كان في الأرض وليس تمكيناً فقط له بين إخوته فما دلالة التمكين في الأرض؟
مسألة يوسف مسألة عالمية وليست مسألة إخوة وأب وعائلة وإنما مسألة بلد وسيخرج من نطاق الأسرة إلى نطاق المجتمع إلى نطاق الدولة. رؤيا الملك لم يأول الرؤيا كما يحدث الناس وإنما أعطاهم نصائح وما قاله لهم هو توجيه إلهي من الله تعالى وكلمهم في وقائع في أمور ستحدث على مدار 15 سنة (7 سنوات رخاء وسبع سنين عجاف ثم عام يغاث فيه الناس وفيه يعصرون) فيوسف u تكلم في وقائع لا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى ولا وجه للمقارنة بين ما أخبرهم به يوسف من الله تعالى وبين ما يقوله بعض مفسري الأحلام هذه الأيام فهذا تهريج ودجل وعلينا أن نعود لله تبارك وتعالى وإلا نشرك بالله لأن الذي يقول للناس معنى الحلم كذا وسيحصل كذا هذا من باب الشرك بالله والعياذ بالله. وسندلل من القرآن على كذب ما يقوله مفسرو الأحلام.
(وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) نعود لقوله تعالى (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) هذه قيلت له من يعقوب والأولى قيلت عنه من الله تبارك وتعالى وهو قاله (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي). طالما أمر الله تعالى سيأتي فاعتبروه قد أتى لذا في قوله تعالى (أتى أمر الله فلا تستعجلوه) نأخذه على أن أمر الله تعالى أتى. يقين يوسف وهو يأول الأحاديث أن هذا ليس ذكاء منه وإنما قال (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) عندما فسر للذين معه في السجن.
أمر الله تعالى قائم لا يُرد وهو أمر أزلي مقدر سلفاً والناجي في النهاية هو من يحصن نفسه بكثير من الأجر والثواب ليوم من أهل الجنة والنعيم.
بُثّت الحلقة بتاريخ 10/7/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 04:25 AM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 50

القصص القرآني هو القصص الحق والغرض منه الدروس والعبر الكثيرة التي يستفيد كل من يتدبر هذا الكتاب العزيز القرآن إلى أن تقوم الساعة وهو ليس لمجرد التسلية أو لمجرد التلاوة العابرة الغافل عنها القلب وإنما يجب أن نستخرج منها الدروس والعبر الحياتية لتعيننا على ابتلاءات الحياة في كل عصر وفي كل مكان. مع قصة يوسف التي حكاها الله تعالى كقصة واحدة متكاملة فيها دروس كثيرة جداً وقد انتقلنا إليها عند كلامنا عن الكبائر التي وردت في سورة الفرقان ومنها الزنا وكيف يتجنبه الإنسان. نستمر مع الدروس في قصة يوسف u. قصة يوسف مشوقة جداً ونحن نستخرج منها الدروس العبر وقد وصلنا إلى موقف يعقوب وهو يُعرَض عليه بعض الأكاذيب الملفقة التي تنافي العقل والمنطق من قِبَل أبنائه لذا رد مباشرة وبدون مناقشة وقال (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) بمعنى أنه عرف أن كلامهم كذب وأن يوسف على قيد الحياة واستعان بالله تعالى بالصبر وليس أس صبر وإنما الصبر الجميل. ونقف عند موقف آخر وهو قوله تعالى (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا) إنتهى المشهد الأول بين يعقوب وأبنائه وانتقل إلى مشهد يوسف في مصر عند العزيز وقصة الابتلاء مع امرأة العزيز. لماذا اختزل تعالى المرحلة التي فيها فترة نشأة يوسف وتربيته بعد أن كان صغيراً عندما ألقي في البئر وانتقل فجأة إلى مرحلة الشباب؟. الإختزال في المدة عندما قال العزيز (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) أن امرأة العزيز قامت على رعايته. القرآن يراعي ما هو مهم وفي بعض القصص لا داعي لذكر كل التفاصيل وإنما يعلمنا القرآن أن نهتم بما هو ضروري.
(وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25))
في كل موقف يتعرض له يوسف uهناك رد فعل من يوسف (معاذ الله) (هي راودتني عن نفسي) ويبين القرآن أن كل هذا لأنه من عباد الله المخلَصين. الآيات فيها علم بعمق ويحتاج إلى توقف وتدبر ماذا نحتاج كمسلمين من هذه القصة؟ هي عظة وعبرة وهذه الآيات تبين لنا كيف يجب أن نتصرف كمسلمين. عندنا أكثر من مرة وردت (وكذلك) من بداية السورة (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) لم يقل نجزي يوسف وإنما نجزي المحسنين كلهم وليس فقط يوسف مع أن القصة خاصة بيوسف وكأنما يوسف عبارة عن مَثَل. البعض يقول أنا لست يوسف ويوسف نبي فنقول له أن الضمير لا يعود على يوسف فقط وإنما المحسنين فأي محسن يمكنه أن يخرج من أي أزمة إذا كان من المحسنين. ولو عدنا إلى كلام الرسول r لما سئل عن الإحسان عندنا روايتين في الصحيح عند مسلم رواية "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه" وهذه الرواية تخصص الإحسان وتربطه بالعبادة لكن هناك رواية أخرى في مسلم " الإحسان أن تخشى الله كأنك تراه" وتخشى هنا تشمل العبادة والمعاملات. إذن الإحسان هو الخروج من أي مأزق مهما كان كبيراً.
هل العلاقة بين العبد وربه علاقة خشية وخوف منه أم علاقة حب وتكون العلاقة مبنية على الحب والقرب والشوق للقائه؟ فما دلالة كلمة الخشية في حديث الرسول ٍr عن الإحسان؟ هل هذه خشية خوف أو عقاب أو خشية أن يراني حبيبي على وضع لا يرضيه؟ يجب أن تكون خشية خوف وهذا الموضوع موضوع نقاش بين أهل اللغة والفلسفة والتفسير وكل يتكلم من وجهة نظره لكن من يتكلم بما أراه الله تعالى يجب أن ينقل كل توصيف. هناك كتاب للشيخ نديم الجسر عنوانه قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن وعمل الكاتب قصة قد تكون مفترضة وهمية أو حقيقية وسماها قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن وعرض كلام أهل الفسلفة وكلام أهل العلم وكلام القرآن وقد نجح الكاتب لأن الله تعالى آتاه زمام الكلمة نجح في التوفيق بين الإتجاهات الثلاث وطوّع كلام بعض الفلاسفة لحظيرة العلم والقرآن وهناك من تفلسف في هذا الأمر وقالوا أن تحب الله أفضل من أن تخاف منه لكن هذا ينكبق على العباد وليس على الإله الحق، العبادة أن تخشى الله كأنك تراه أنت كبشر لا تستطيع أن تراه وعندنا حديث قدسي عن عمل أهل الجنة وعمل أهل النار فيسأل هل رأوني؟ قالوا لا فقال فكيف لو رأوني؟ العلاقة في العبودية (العبودية علاقة بين طرفين العابد والمعبود) وسبب المشاكل في مجتمعاتنا أن العبادة لم تمشي على مراد المعبود وإنما على هوى العابد. أنت تتصور أن تحب الله ولا تخاف منه لكن هذا الأمر يمكن أن يكون في علاقتك مع أبيك أو أخيك أو عمك لكن مع الله تعالى يجب أن نضع العلاقة ضمن (ليس كمثله شيء) يجب أن نفهم منها أن الله تعالى منزه عن كل هذه القياسات ولو لم تخاف من الله لن تفعل. بعض أهل العلم اختلف في قول رابعة العدوية (لو أنك تعلم أني أخافك مخافة نارك فأدخلني فيها ولو تعلم أني أحبك محبة جنتك فاحرمني منها) وبعض أهل العلم قالوا وإذا لم نخف كيف تكون العلاقة؟ وبعض كلام الصحابة يفيد هذه النقطةومنهم علي ابن أبي طالب لما سئل عن الإيمان قال الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد لويم الرحيل.
ألا يمكن أن تكون العلاقة بين العبد وربه علاقة حب وخوف وخشية في نفس الوقت؟ الصحابة قالوا للرسول r أنهم يحبون ربهم لأنه هداهم وأخرجهم من الظلمات إلى النور وهناك بعث ونشور وجنة ونار فالمولى يقول لرسوله أن يقول للصحابة (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ (31) آل عمران) فهل هناك تعارض بينها وبين الخشية من الله؟ لا تناقض الحب والخوف لا يكونا طرفي نقيض لكن يجب أن نأخذهما بخط واحد ويمكن في علاقة البشر بالبشر يمكن أن يكون الحب يسبق الخوف أو يتجرد عن الخوف لكن في العلاقة مع الله تعالى الأمر يختلف ويجب أن يسبق الخوف الحب. الآية تقول (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ) ليست القضية أن تحب الله تعالى ولكن المهم أن يحبك الله تعالى والصحابة لم يفهموا لتلك اللحظة حقيقة الواقع هم فهموا أن الله تعالى هداهم لكن مسألة الحب والخوف يجب ان توصف بشكل صحيح بين الخالق والمخلوق ولا تمشي على نفس منهج العلاقة بين مخلوق ومخلوق. مثلاً رئيس مجلس إدارة في شركة من ساعة ما تولى منصبه عمل حاجزاً بينه وبين موظفيه لا يمكن لأحد أن يدخل له لكنه يعطي الموظفين حقوقهم هذه الشركة ستنجح بنسبة معينة وشركة أخرى المدير لم يعمل حاجزاً بينه وبين الموظفين والكل يدخل إليه في أي وقت ويسهرون معه ويلتقون به في النادي وما شابه لكن نسبة نجاح هذه الشركة لا تصل إلى مستوى الشركة الأولى لأنه لم يعمل إنضباط مع أنه محبوب وشركة أخرى رئيسها عمل انضباط لكن في وقت الإجازات يخرج مع موظفيه هذا لم يتخطى حدوده، هذه الأمثلة تنفع بين البشر وبعضهم لكن مع الله تعالى ليس كمثله شيء ويوضع سبحانه وتعالى في مكانة لا يوازيها بشر. وقد تكلمنا سابقاً أنه في بعض مساجدنا عند القبلة يكتبون الله، محمد، أبو بكر، عمر، عثمان، علي وهذا لا يجب أن يكون لأن الله تعالى ليس كمثله شيء وعندما نضع محمد r لا نضع معه بشر آخر مثل أبو بكر وعمر وعثمان وعلي صحيح أن محمد r بشر لكنه نبي يوحى إليه. لأنه علينا أن نعرف معنى حدود العبودية وهذه مسألة عقيدة التي إن فسدت تفسد جميع العبادات والمعاملات. (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ) أحسن من يوقّع هذا الكلام هو الرسول r ثم الصحابة والتابعين وقال تعالى في توةصيف أهل الجنة (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا (16) السجدة) خوفاً وطمعاً وليس حباً لأنه لو لم تخف لن تفعل. خوفاً وطمعاً هنا إعرابها مفعول لأجله، لِمَ تتجافى؟ خوفاً وطمعاً. الطمع يأتي معه الحب لأنه لا يمكن أن تطمع في عدوك أو في من لا يعطيك لذا الطمع يمشي مع الحب. الحب يعطي الطمع لذا (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا) إذن لا يمكن أن تطمع في إله لن يعطيك لذا نضع الخوف أولاً ثم الحب والحب يمكن أن يأتي داخل الطمع لكن لا يأتي ضمن الخوف. الحب هو الذي يولد العمل والانضباط. رب العالمين في الحيث القدسي عن أهل الجنة وأهل النار يسألهم ماذا يريدون بعد؟ فرب العالمين يرد عليهم رداً يظهر لهم أن الأمر ليس فقط جنة ونار وإنما يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبداً. الله تعالى يوم القيامة يسأل عباده في الجنة إن كانوا يريدون شيئاً آخر فيحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبداً (وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) وقبلها (وما تقرب إلي عبدي بشيء أفضل مما افترضته عليه) النوافل عملت حب لكن الفرض الأول نتيجة الخوف لأنك لم لم تخف لن تؤدي الفرض. بحثنا سابقاً عن موضوع الحج وتأخيره فوجدنا أن 30 – 35 % من الذين يذهبون للحج خائفون ولا يكررون الحج ويذهب للحج كأنه يحمل فوق كتفيه جبلاً أما الذي يخرج كل سنة لا يسأل ولا يهمه وإذا أخطأ يقول بمنتهى البساطة أعوّضها في السنة القادمة وهنا يدخل في أمور لا يملكها هو لأنه لا يضمن أن يعيش للسنة القادمة وعند بعض أهل العقائد هذا يعتبر كفراً لأنه تجاوز حدود الإله ويقرر أنه سيحيا إلى السنة القادمة وتجاوز حدوده كمخلوق، هذه مسألة الخوف والحب.
يظن البعض عندما ينظر إلى النصرانية أن الله محبة كعقيدة عند المسيحية وأن العلاقة بين المسيحيين وربهم علاقة محبة أما عند المسلمين فالعلاقة بين الله تعالى والعباد علاقة خوف ورعب وليس حباً وهذا خطأ وخلط في الأمور من وجهة نظر هؤلاء في ديننا القرآن هيمن على باقي الكتب والدليل قصة يوسف التي نتكلم فيها ولولا القرآن لما علم الرسول r قصة يوسف وقلنا بدأت السورة بقوله تعالى (وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) لو تحدث الرسول بقصة يوسف ولم يقل أنها وحي فمن أين أتى بها؟ الغفلة في الآية غفلة علم. هناك علاقة بين الخالق والمخلوق وهناك منهج تلتزم به وهذا المنهج يعرّف الإله الحق والرسول r. السؤال في القبر يبيّن عظمة هذا المنهج أول سؤال في القبر من ربك؟ لم يقل مَنْ الله؟ وإنما قال من ربك أنت؟ كل منا سيُسأل نفس السؤال، ما مفهومك أنت لربك؟ فالذين يلقنون الميت عند القبر يعتقدون أن الرد في القبر لسان مقال ولكنه لسان حال. الكفار قال تعالى عنهم (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (25) لقمان) الله لكن ليس ربهم ولو سئلوا في القبر سيقول لا أدري ولن يعلم الإجابة لأن العقيدة فاسدة.
الله تعالى لا يجزي الأنبياء والمخلَصين فقط وإنما وعد المحسنين الذين أحسنوا تطبيق العقيدة. كيف يستفيد الشاب العادي عندما يعرض عليه الزنا من قصة يوسف u؟ الفرق بين من يعتصم بالله ومن لا يعتصم امرأة العزيز فامرأة العزيز تخبئ شيئاً ويوسف لا يخبئ شيئاً وما نخبئه لا بد أن خطأ لأن الرسول r قال " البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وخشيت أن يطّلع عليه الناس" أي لما فكرت لأأن تفعله قلت لا بد أن أخفيه وخشيت أن يطلع عليه الناس إذن الشاب يمكن أن يكون هذا مقياس لنفسه طالما يخبئ أمراً ما فهو خطأ لكن لو كان يمشي في الشارع ومعه كتاب أو خرج من المكتبة فهذا لا يختبئ من أحد. وللأسف يحصل الآن مجاهرة بالمعصية ولم يعد هناك من يخبئ أمراً ولم يعد هناك حياء. الرسول r يقول " إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات ومن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه" يجب أن نتعلم من آيات قصة يوسف كيف نخرج من أي موقف نقع فيه عندما تحاصرنا المعصية كما في سورة يوسف امرأة العزيز عرفت كيف تحتال عليه لكنه لم يقع.
(وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) علينا عندما نتدبر القرآن أن نعلم أن العزيز قال أحد أمرين وطالما قال (أو) إذن الأولى غير الثانية، (عَسَى أَن يَنفَعَنَا) أي يُربّى خارج البيت لكن يشرف عليه العزيز فيكون من الأتباع أو الحاشية أو نتخذه ولداً أي داخل البيت أي منهما حصل؟ أنه تربى بالبيت لذا وقّعها تعالى في الآية بعدها (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ) والفرض الأول (عَسَى أَن يَنفَعَنَا) لم يحصل مثلما حصل مع موسى عندما قال امرأة فرعون (عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) فربّته هي.
(وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) علينا أن نقف ونتعلم القرآن. في البداية قال (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) الرؤيا التي حصلت أمر عالي جداً ومثلها سيجتبيك المولى عز وجل ويعلمك من تأويل الأحاديث فيعقوب وهو يسمع ابنه أوّل الرؤيا وهذا ظهر في كلمتين (إنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) رأيتهم تعود على عاقل مع أنه رأى الشمس والقمر وإلا لقال رأيتها. وحب يعقوب ليوسف زاد لأنه حصل له اصطفاء ومكانة ليست عند الأبناء الباقين لذا قال له (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) وهذا كلام يعقوب يؤكده الله تبارك وتعالى (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ) هذا كلام المولى عز وجل يؤكد كلام يعقوب وكأن كلام يعقوب تمنياً في البداية لذا قال تعالى (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ) وبعدها قال (وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) أي أن ما تنبأ به يعقوب تحقق بأمر الله تبارك وتعالى لأن الله غالب على أمره. البعض قال (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) قال أن على أمره تعود على يوسف ولكن هذا لا يعقل فالآية الله غالب على أمره هو سبحانه فكل ما يحصل في القصة يؤكدها هذه الآية. هذه قاعدة يجب أن نمشي عليها في كل حلقاتنا (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) ليس في كون الله صدفة لكن القاعدة (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) ويوقّعها أيضاً بقوله تعالى (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) فمن أراد أن يدخل في الإحسان الذي يعرّفه الرسول بقوله (الإحسان أن تخشى الله كأنك تراه فإن لا تكن تراه فإنه يراك) عليه أن يخاف ويعمل حسابه أنت لا تراه لأنه سبحانه لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار فاعمل حسابك وأنت تعمل أنه تعالى يراك عندها تكون من المحسنين وإذا كنت منهم فالله تبارك وتعالى هو الذي يتصدى لك ويدافع عنك وفي القرآن توقيعات مبدعة على هذه النقطة (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) الطلاق) لم يحدد من أي شيء وإنما جعلها مطلقة من أي مأزق من أي شيء (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (3) الطلاق). القضية في نقطتين: الحكم والعلم. ما الحكم؟ ما الذي جعل يوسف يقف هذا الموقف الصلب أمام امرأة العزيز بكل ما فعلته؟. الحكم طرف بين متعارضين طرف منهما دائماً حق والآخر باطل لذلك القاضي الذي يحكم أي يعمل فيصل بين الاثنين لذا قالوا الحكم عنوان الحقيقة. الذي آتاه الله تعالى الحكم يمكنه أن يفرق بين الحق والباطل ويمكن أن يفرق بين الصواب والخطأ لذا أول كلمة قالها يوسف (معاذ الله) أول كلمة قالها جاءته من مناط الحكم ويبقى مناط العلم. وسنقف عند الحكم والعلم وهذه التي جعلت يوسف يقول (معاذ الله) ومنها نتعلم كيف نتصدى ونقف في مواجهة هذه الأمور.
المنهج غالب دائماً لأن الله سبحانه وتعالى غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
بُثّت الحلقة بتاريخ 17/7/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 05:46 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 51

الدروس والعبر كثيرة جداً في سورة يوسف ونحن نقف عند كل آية وكل كلمة لنصل إلى المنهج الذي يمكن أن نستفيد منه في حياتنا وبالتحديد في الواقعة التي نتكلم عنها وهي واقعة المراودة ونتكلم على أي إنسان عندما يتعرض لمأزق الشهوة والمراودة وللأسف في حياتنا الآن النساء تراود الشباب وتنصب الشباك حول فريستها. فكيف لهذا الإنسان الذي يتعرض لحادثة زنى أو مراودة أن يقول كما قال يوسف (معاذ الله)؟ هل هو كلام باللسان أم أن القلب يجب أن يكون على يقين نابع وصادق ويجعل هذا اليقين واقعاً يعصمه من الخطأ (فاستعصم). في الحلقة الماضية وقفنا عند الحكم والعلم لما بلغ يوسف أشده (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (كذلك) كلمة مهمة نربطها هنا مع ما سبق في الآيات ونفرق بين الحكم والعلم وعلاقتهما بيوسف u.
الحق تبارك وتعالى يبدأ نقلة جديدة ومرحلة جديدة (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) بعد أن قال (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا). بلغ أشده أي بلغ مبلغ الرجال في القوة والعقل والحكمة والعلماء أخذوا هذه الكلمة وعملوا منها كلمة البلوغ هناك لفظ اضطلاحي وهي كلمة البلوغ إذا بلغ الفتى الحلم والفتاة المحيض وصارت للكلمة معنى إصطلاحياً وهذه الكلمة تطلق على الإنسان وطالما قال (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) عند أهل اللغة أي أنه عند الفتى عندما يستطيع أن ينجب مثله وتستطيع المرأة أن تنجب مثلها، امرأة العزيز راودته بعد أن بلغ أشده ولم تراوده وهو طفل لأنها ليست شاذة والمراودة لم تذكر إلا بعد (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) وإنما لما بلغ أشده. وكلمة أشده قدرها العلماء بحوالي 30 أو 35 سنة. نحن مختلفين في نقطة كم سنة وهذا لا يهم وإنما الذي يهم وقع القرآن (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا) حكماً يستطيع أن يحكم ويميز بين الحق والباطل والخطأ والصواب والعلم تأويل الأحاديث الذي سيعلمه لغيره وينفع به البلد كلها ولذلك في الحلقة الماضية قلنا أن العزيز قال أمران (عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) والقرآن عقّب (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ) أي يوسف تربى داخل البيت ونفعهم وصدق حدس العزيز لأن يوسف نفع الأمة كلها وليس فقط بيت العزيز وهذا يدل أن العزيز كان لديه بصيرة قد تكون خابت في امرأته ولكن صدقت في يوسف لأن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ومن ضمن توقيع هذه الآية ما فعلته امرأة العزيز ولو لم تفعل هذا فأين إظهار عفة يوسف وأين ما حصل له عند دخوله السجن؟ لذا عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له والمسلم الواعي يشكر في الحالتين ويصبر في الحالتين. لو كانت امرأة العزيز مثالية لم يكن يوسف ليدخل السجن ويأول الأحلام ولم يصبح عزيز مصر فهي قضية متكاملة لذا علينا أن نرى العِبَر فيها ونقول دائماً الحمد لله رب العالمين، بحان الله، لا حول ولا قوة إلا بالله وكلام كثير نفهم منه أن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
يجب أن نفهم معنى الابتلاء لأن البعض لا يفهم معنى الابتلاء يقول إذا ابتلاه ربه هل يكرهني ربي؟ هذا عكس حقيقة الواقع في الابتلاء. عندما يُبتلى أحد بمرض السرطان مثلاً يجب أن يسجد لله ركعتين شكراً لأنه إنذار بعلم الوصول باقتراب الأجل فيستعد فإن طال عمره واستعد يكتسب حسنات وإن جاءه الأجل يكون مستعداً لذا من يسجد لله شكراً عندما يعلم أنه مصاب بمرض خبيث هو فهمان وليس فاهماً فقط. ما بكى العارفون على شيء أهم من حسن الخاتمة وحسن الخاتمة لا يأتي مع موت الفجاءة ولذها كان r يستعيذ من موت الفجاءة لكن الموت الذي يكون بترتيب أن يمرض الإنسان ويدخل المستشفى هذا فضل من رب العالمين لكننا لم نتعود أن نحمد الله ونشكره وكل أمر نأخذه بمنظور ضيق مثل كوب الماء الذي يراه البعض فارغاً والآخر يراه ملآن. وهذه نقطة عليها يبكي العارفون الفاهمون.
(وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) من هم المحسنون؟ الرسول r قالها لنا " أن تخشى الله كأنك تراه" هذا هو الإحسان والقرآن الكريم قال (آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) الذاريات) هذه تصرفات المحسنين والقرآن يقول وكذلك نجزي المحسنين أي أن كل من أحسن يأخذ جزاء يوسف لما أحسن. الحكم والعلم ليس هناك أهم من هاتين يحتاجهما المسلم. توقيع الحكم والعلم (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) كأن الحكم والعلم لا يكونوا في أيّ سن أو لأي أحد، (آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا) قالها بتجريد من غير تعريف بـ (أل). عندما نقرأ قوله تعالى (وراودته) نحن قبل أن نُكمِل الآية مطمئنين على يوسف u لأن الله تعالى آتاه حكماً وعلماً وهو محسن لذا كان سهلاً توقيع القرآن مع من يفهم كلام الله تعالى. الاختلاف الذي حصل في موضوع الهمّ رحم الله الشيخ عبد الجليل عيسى ومحمد رشيد رضا الذين فسروا القرآن بحب وبتعمق قالوا لا نرى محلاً للخلاف في قصة الهم وذكرنا سابقاً من هم الذين برّأوا يوسف uالله تعالى والعزيز وامرأة العزيز والنسوة والشاهد حتى إبليس برّأه إذن يوسف لا يقع في معصية والله تعالى إعتبره من المحسنين (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) ثم قال بعدها (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ) نحن مطمئنين على يوسف u. يجب أن نفهم استخدام ألفاظ القرآن لِمَ قال راودته؟ لأن المراودة لا تتم إلا بخداع والخداع لا يكون إلا مع شخص أنت تتوقع أنه يرفض كما جاء في قوله تعالى على لسان إخوة يوسف (قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ (61)) سيعلمون حيلاً قد تطول حتى يأخذوه، هذه شرحت (وراودته) وشرحت ما فعله إخوة يوسف (قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ) أي هم لهم حيل في هذه المواضيع. طالما قال سنراود أي أن أباهم سيرفض عندما يطلبوا منه ذلك.
المسوغات هي التي جعلت البعض يفهمون الهمّ خطأ لكن الأمر واضح عندما نفهم القرآن. القرآن يقول (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ) يبين أن موقف يوسف ضعيف لكن علينا أن نتذكر الحُكم والعلم وأن يوسف من إصطفاء الله وأنه من المحسنين. (عَن نَّفْسِهِ) أي أن نفسه رافضة وقلنا أنه إذا رأت المرأة مَنْ أمامها أنه موافق فلم تراوده؟ هي تحتاج أن تلمح له فقط وسيأتي إليها. إمرأة العزيز خرجت عن إلف المعتاد ولذا همّت به والهمّ هنا كان للقتل. وعلينا أن نفرق بين السوء والفحشاء البعض قال هما للزنا وبعض أهل اللغة قالوا أن السوء يختلف عن الفحشاء فقالوا الزنا والقتل وواقعة الزنا في رأيهم أنها انتهت عند قول تعالى على لسان يوسف (معاذ الله) حسمت القضية هنا. (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) عندما نقرأها بهذه الطريقة نفهم منها أن امرأة العزيز عملت ما هو غير معتاد لأن العادة أن يطلب الرجل المرأة لكن أن تطلب المرأة الرجل هذا أمر غير إلف العادة وهذه المرأة امرأة العزيز وقالت لزوجها الحكم وهذا يظهر سطوتها وهي تكلمت مع النسوة (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) هي التي تحكم وهذا الأمر يبين سطوتها وسلطانها وإضافة إلى ذلك جرح الأنوثة في رفض يوسف لها لما قال (معاذ الله). لو الرجل طلب من المرأة ورفضت لا يحصل شيئاً لأن هذا هو المعتاد لكن أن تطلب امرأة العزيز وهي جبارة ومتسلطة ويرفض يوسف لها الطلب، نسأل هنا هي طلبت الزنا ويوسف رفض فهل تهم بالزنا ثانية؟ كلا أن مسألة الزنا انتهت إنما الهمّ هنا هو البطش والقتل (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) وبعدها قال (وَاسُتَبَقَا الْبَابَ) والمراودة عكس هذا فالمراودة أمر واستبقا الباب أمر آخر ويبدو أنه مشاحنة أما المراودة فكانت تدلل وإغراء وغيره. (وَاسُتَبَقَا الْبَابَ) مع أنها غلّقت الأبواب. (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) غلّقت ولم تقل أغلقت وقالت الأبواب ولم تقل الباب حصل انتقال من المراودة إلى القول المباشر (وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ) لم تكتفِ بالإشارة وإنما قالتها ولهذا همت به. المراودة أخذت وقتاً وقامت بأمور تظهر ليوسف أنه آمن (وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ) لو قالت أغلقت يكون الباب له قفل واحد لكن قالت غلّقت والأبواب وليس الباب وقصور الملوك لا يكون الباب قريب من الباب الآخر وإنما هناك فواصل بين الأبواب فهناك على الأقل ثلاثة أبواب أو أكثر. المراودة لم تنفع فغلّقت الأبواب فلم يستجب يوسف لها ثم قالت صريحة (وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ) والبديع هنا الذي يجب على شبابنا وفتياتنا على حد سواء أن يوقِّعوا قوله تعالى (معاذ الله) الذي يطلب يرفضه الآخر ويعيده إلى الصواب. امرأة العزيز الواضح من مجرى القصة في القرآن أنها لم تعد إلى الصواب مع أن يوسف قال لها (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) هو يعطيها درساً في الأخلاق لكن هذا الدرس كان له رد فعل عكسي مع امرأة العزيز.
في عصرنا يحاول البعض أن يكبق منهج الله تعالى ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فيجد استهزاء من الناس لأنه يقول الحق. هنا السؤال هل سيصمد ويتحمل؟ يجب على الإنسان أن يصمد ويتحمل مهما كانت الظروف ومهما حاول الناس إحباطه. امرأة العزيز حاولت أن تبطش بيوسف u لذا صاغها القرآن بطريقة (ولقد همت به/ وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه) بعض شيوخنا الأفاضل ممن فهم القرآن قرأ الآيات: ولقد همت به/ وهم بها لولا أن رأى برهان ربه. لا نقول لماذا قال تعالى هكذا وإنما نقول ما الحكمة في قوله تعالى؟ تخيل لو القرآن قال ولقد همت به ولم يهم يوسف بها قد تدل على أن يوسف كان عاجزاً ضعيفاً لذا لم يهم لكن القرآن صاغ صياغة (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) هذه الصياغة تدل على أن يوسف u كان قادراً على امرأة العزيز ونتذكر ابني آدم أحدهما أراد قتل الآخر والثاني لم يدافع وإلا كان قتله وإنما قال (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) المائدة) إبن آدم الثاني لم يدافع عن نفسه لأن الرسول r قال لنا قاعدة : إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار فسأل الناس عن الثاني قال r لأن الآخر كان حريصاً على قتل أخيه. لذا يوسف لم يهم ولذا صيغت الآية بهذه الصياغة ويوسف u لم يهم ليس عن عجز أو عن ضعف وإنما عن حكمة وعلم الذي أعطاه إياه الله تعالى ونحن نقول الرسول r علّم المتعلمين لأنه r أول ما تعلم علمه شديد القوى وكذلك يوسف قال لما فسر لصاحبيه في السجن قال (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) أرجع الفضل إلى الله تعالى. ولهذا صيغت الآية بهذه الصياغة ولِو قال القرآن لم يهمّ يوسف بها قد نظن أنه كان ضعيفاً عاجزاً لكن القرآن أراد أن يقول أن يوسف لو أراد لهمّ بها لكن الصياغة الصحيحة لفهمكم: ولولا أن رأى برهان ربه لهمّ بها معنى الكلام أو لولا حرف امتناع لوجود مثل: شربت الماء لولا أن الإناء كُسِر أنا أريد أن أشرب لكن حصل ما منعني من الشرب. لولا امتناع لوجود فلوجود البرهان امتنع الهمّ، إمتنع وجود الهمّ لوجود برهان ربه وبرهان الله تعالى للأولياء والصالحين والأنبياء سابق. الإسرائيليات قالوا أنه رأى صورة يعقوب على الحائط أو رأى العزيز وهذا كلام فارغ فهل يوسف يخاف من أبيه أكثر مما يخاف من الله تعالى لكن في القرآن قال تعالى (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) والآية تعطينا حيثيات الحكم (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) المخلَصين من قبل آدم ومن ساعة ما قال الشيطان (إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) الحجر) وقوله تعالى (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) الحجر) هؤلاء العباد العاديين فما بالنا بالأنبياء؟.
على من يعود الضمير في (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ)؟ هل يعود على الله تعالى أم على العزيز الذي ربّى يوسف؟ اختلف المفسرون وأهل اللغة في هذا الأمر وأنا شخصياً أرى أن قوله (إنه ربي) يعود على الله تعالى لأن الضمير في اللغة يعود على أقرب عائد، قال (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ) الله، إنه ربي. ثم في ذلك الزمن كان يطلق لفظ الرب على الملك وهو قالها (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ) لكن يوسف لم يقل ربي إلا على رب العالمين (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) يوسف نبي ولا يطلق اللفظ إلا على من يستحقه لأنه نبي فاهم والرجل معه في السجن يقول على الملك ربي لكن يوسف لا يقوله إلا على الله تعالى. وهو الله تعالى (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ). هناك فرق بين إكرام المثوى وإحسان المثوى، أن تكرم مثواه في يديك أن تعمل له لكن الإحسان نتيجة وهي ليست للبشر لذلك (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) الذي يحسن لما يؤدي نعمة لأحد يؤديها لله تعالى وليس لأحد فهذا هو الإحسان يكون لله وليس لأحد لكن الإكرام يكون من أحد لأحد إنما الإحسان أساساً من عند الله تبارك وتعالى ولهذا قال (أَحْسَنَ مَثْوَايَ) لم يقل أكرم مثواي. ثم قال (إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) الظالمون تختلف باختلاف الفاعل: امرأة العزيز ظلمت نفسها وظلمت زوجها أما يوسف uلو فعل هذه الفعلة هو ليس في باله إلا الله تعالى. امرأة العزيز تخاف من زوجها بدليل أنها عندما التقت زوجها لدى الباب قالت (قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) لذا بنى الفعل لما لم يسمى فاعله (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) حتى يكون الفعل على حسب الفاعل، يوسف لا يخاف إلا من الله رب العالمين. (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) هم لم يهم وليس عن عجز أو ضعف وإنما خوفاً من الله تعالى تبارك وتعالى.
(كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) كذلك علمناه الحكم والعلم فرفض لنصرف عنه السوء حتى يبين أن البرهان سابق ولذلك قال (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)) ما معنى رأى هنا؟ تيقن وليس رأى بعينه لأن هذا أقل درجات الإيمان وسبق أن شرحنا الفرق بين علم اليقين وحق اليقين وعين اليقين. إذا كان هناك شخص أخبرناه أن الرسول r قال أن في كوب ما عسلاً فالرجل قال طالما أن الرسول r قالها فأنا أصدقه كما فعل أبو بكر الصديق فهذا وثّق الكلام هذا إيمان بعلم اليقين (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) التكاثر) الرؤيا هنا من الفعل رأى بمعنى رؤية علِم من كثرة العلم كأنهم يرونها، هناك شخص يقول أنا أصدق الرسول لكني أريد أن أرى ما بداخل الكوب فنظر فقال نعم فيها عسل (ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ) وثالث قال أريد أن أذوقها (إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) الواقعة) لم يصدق حتى يذوق، وهذا لم يؤمن حتى دخل النار، هذا في النار. هذه الثلاثة أول واحد هذه أقل درجات الإدراك وأعلى درجات اليقين والإيمان (علم اليقين) والثالث أعلى درجات الإدراك وأقل درجات اليقين والإيمان (حق اليقين) والثاني وسط بين الإثنين (عين اليقين).
ختمت الآيات في سورة الواقعة بالتسبيح (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) إلحق نفسك ونزّه الله تعالى عن الشريك. (فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) الواقعة) دخل النار لأنه لم ينزّه المولى عز وجل هذا دخل في النار، (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96) الواقعة). أي إلحق نفسك ونزه الله تعالى عن الشريك. أعلى درجات الإيمان أقل درجات الإدراك وأعلى درجات الإدراك أقل درجات الإيمان. صاحب هذا المقام إسمه الصدّيق لأنه صدق في وقت ومكان لم يكن أحد يصدِّق. وأول صفات المتقين أنهم يؤمنون بالغيب. نحن كمسلمين نقول أعلم أن الله حق وأن محمداً حق وأن الجنة حق وأن النار حق وأن القيامة حق وآخرين لم يصدقوا كلام الله ورسوله إلا عندما أصبحوا في النار (فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) الواقعة) لم يصدق القرآن وكرم الرسول إلا عندما أصبح في النار. وكما أطمع أنا في الجنة خائف من النار (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) السجدة) لذلك في المحسنين قال (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) الفرقان) الناس كلهم نيام وهم يبيتون لربهم والناس كلهم يسهرون وهؤلاء يصلون ويذكرون الله تعالى، وهؤلاء (كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) الذاريات) شتان بين من يسهر الليل يسبح ويصلي وبين من يتكلم في أمور أخرى.
(كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) لذا رفض الزنا ورفض أن يهم بها كما همت به. التوقيع في الآية (وَاسُتَبَقَا الْبَابَ) (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) أي قبل وقوع الواقعة ونصرف هنا بمعنى صرفنا، الفعل المضارع هنا بوقع الماضي (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) بمعنى كان من عبادنا المخلصين هو مخلَص من قبل الواقعة لذا جرى يوسف وجاء قوله تعالى واستبقا الباب، نسأل أي باب؟ الباب هنا جنس وليس باباً بعينه. هو جرى من امرأة العزيز (واستبقا الباب) أي تسابقا والذي سبق ظهر من القميص الذي قُدّ من دبر إذن يوسف هو الذي سبق والشاهد أوضح هذه المسالة ولفت نظرهم إلى من قطع قكيصه من دبر. إستبق يعني تسابقا والذي سبق عرفناه من القميص إذن يوسف هو الذي سبق إذن يوسف وفرّ هارباً منها وبدأ يفتح الأبواب حتى وصل إلى آخر باب " باب السكة أو باب الطريق" ووجد العزيز عنده. الباب الأولى لجنس الباب والثانية لآخر باب وأنت خارج والذي يعتبر بالنسبة للداخل أول باب. (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) حددت له نوع العقوبة ولم تحدد نوع السوء لكن صِدْق يوسف قلب الموازين هي لم تقل من أراد بأهلك زنى وإنما قالت سوءاً.
الابتلاءات جاءت متتالية على يوسف uولم يكن لديه وقت ليستريح ومع هذا قال (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) لم يقل أهون.
بُثّت الحلقة بتاريخ 24/7/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 05:48 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 52


ابتلاءات كثيرة ومتوالية دون توقف يتعرض لها يوسف u بدءاً من الحقد والحسد واضغينة التي أحاطت به وهو صغير من إخوته الذين كانوا يحقدون على يوسف ويحسدونه على حب أبيه له. كل هذه المشاعر الحاقدة هي البيئة التي أحاطت به منذ صغره. ويتطور الأمر إلى ترجمة المشاعر إلى جريمة إلى عبودية وإلى بيع إلى غربة وافتراق عن الأهل والبيئة إلى نشأة في مجتمع غريب إلى تعرّض يوسف لابتلاءات من التي ربته صغيراً إلى فتنة السجن، فتن متلاحقة والعجيب في هذا القصص القرآني العظيم أن مع كل ابتلاء وفتنة ينجح يوسف u وهذا النجاح ليس مجرد إفلات وإنما يحصل على أعلى الدرجات ببساطة لأنه من عباد الله المخلَصين. نكمل مع ابتلاءات يوسف u وكنا قو وقفنا عند عملية الإستباق بينه وبين امرأة العزيز ومنه نأخذ ملمحاً آخر من القصة.
نقف عند قوله تعالى (واستبقا الباب) (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29)) يا لموقف العزيز! لم يعنِّف زوجته ولا أي شيء كأن الموضوع عادي بالنسبة له!. (واستبقا الباب) ما دلالة إختيار الصياغة هذه للفعل على هذا الشكل؟ ومسألة ربط الفعل بهذه الصياغة بما قلناه أن هذا الإستباق ليس لأن يوسف يهرب من واقعة الزنا ولكنه استباق حتى لا يتحول صراعه معها إلى قتل لها.
هذه الآيات سنقف عليها وقوف التدبر لأسباب كثيرة منها حتى نبين كم تعرض يوسف للازم معنى المراودة وتعرض لضغوط كثيرة جداً حتى يوافق على ما طلبته امرأة العزيز ومع ذلك رفض بكل الوسائل والسبل وهذا نموذج حيّ لكل شبابنا ونساءنا على الابتعاد عن الرذائل والوقوف حجر عثرة أمام ما يوسوس به الشيطان أو النفس العاصية والعياذ بالله. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى الآيات فيها ألفاظ تعلمنا كيف نتدبر. الكلمات في القرآن يختلف عن أي سياق لغوي آخر لذا قلنا يجب أن ننتبه للغة القرآن ونشير إلى بعض التفاسير التي تستخدم الألفاظ أن قدّت يعني قطعت وينبغي أن نعلم أن القرآن يختلف عن الصياغة الأدبية في كلام البشر أو كلام الشعراء والأدباء لذا سنجد بعض الكلمات التي لا تصلح إلا هي ولا ينفع أن نضع قطعت مكان قدّت.
إذا بدأنا بقوله تعالى (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ) الإستباق المعنى اللغوي له أن اثنان أحدهما يريد أن يحقق هدفه قبل الآخر أياً كان هذا الهدف. ورد قوله تعالى على لسان إخوة يوسف (قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ (17)) نستبق هنا تختلف عن استبقا الباب. في الأولى قال (نستبق) أما هنا فقال (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ) نستبق الأولى قد تكون سباق جري أو تكون سباق رمي سهام وعند رمي السهام هل هناك هدف يرمون عليه أو يستبقون من يرمي السهم أعلى؟ استبق الأولى هنا مطلقة يجرون مسابقة بينهم. أما هنا (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ) فهل الهدف هو الباب؟ يجب أن نتوقف عندها لأنه سبق أن قيل (وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ)، (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ) ثم قال (ألفيا سيدها لدى الباب) وقبلها قال (وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ) فلا يمكن أن يكون سيّدها الذي لدى الباب يكون عند الباب الأول أو الثاني ولا يمكن إلا أن يكون هذا الباب هو آخر باب. الباب هنا له توقيع قال هناك (وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ) أما في (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ) هو آخر باب والباب هنا هو جنس الباب. غلّقت لم يقل أغلقت وقال الأبواب ولم يقل الباب، غلّقت أي يجب أن يكون على الباب أكثر من قفل حتى تضمن أن الباب لن يُفتح من الخارج. هذا كلام لغوي جميل وفيه منطق، (استبقا الباب) أي يوسف يفتح الأبواب واحداًً تلو الآخر لغاية ما ألفيا سيدها لدى الباب الأخير. إذن كلمة استبق الباب هنا، هذه ليست مسابقة يلعبها مع امرأة العزيز وإنما لكل منهما هدف هو يريد أن يفلت وهي تريد أن تمنعه لأنها تريد أن يتم ما أرادته بدليل ما قالته (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) هذا كان غرضها في ملاحقة يوسف لكن توقيع القرآن كان بديعاً في قوله (وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ) البعض يقولون قدّ بمعنى قطع وهذا غير صحيح لأنه لو قرأنا القرآن كله نجد أنه لم يستخدم القرآن هذه الكلمة في مكان آخر. يقولون قد يعني قطع أو مزق لكن قطع ومزق لهم معاني يختلفوا عن قدّ. قدّ في اللغة يعني شق بطول القميص أي قطعته بالطول. قدّ شق بالطول، قطّ شق بالعرض. إذن التدبر في آيات القرآن يقف بنا عند استخدام اللفظ أنه لا ينفع يف الآية غير (قدّ) إذن قدّ يعني شق طولي، كلمة مزّق جاءت في سورة سبأ فقط (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7)) وجاءت في استخدام معين وبمعنى معين التمزيق أي التقطيع بحيث لا يبقى شيء من الذي مُزِّق. معنى قدّ اللغوي الأوحد أنها شقته بالطول. (وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ) هذه سيكون لها وقع في التحقيق الذي سيتم لأنه حصل تحقيق جنائي. (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ) لم قال ألفيا ولم قال سيدها؟ ألفيا استخدمت في القرآن ثلاث مرات في حين أنه في سورة الكهف قال (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا (65)) عندما يشرحون ألفيا يقولون وجدوا ولكن هذا ليس صحيحاً.
قلنا أن الباب ليس الهدف والإستباق يختلف باختلاف هدف الفاعل، بالنسبة ليوسف هو يفلت منها حتى لا يقف أمام إنسانة تريد أن تقتله بعد أن فشلت في المراودة وهي تريد أن تمنعه من الخروج وتحقق رغبتها بدليل ما قالته أمام النسوة (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ). وقلنا أن قدّت أي شقّت بالطول وهذا المعنى له وقع جنائي في التحقيق مهم جداً يعلمنا إياه القرآن. (ألفيا) لم يقل وجدا لأن وجدا معناها قابل والمقابلة في القرآن تختلف باختلاف الكلمة التي أُطلقت على المقابلة (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا (170) البقرة) ألفى يعني أمر تقابله من غير ترتيب منك. ألفيا سيدها امرأة العزيز لما عملت المراودة وغلقت الأبواب كان ممكن أن يجاريها يوسف فهذه العملية ستأخذ وقتاً فهي رتبت بحيث أن العزيز لن يعود في ذلك الوقت، ألفيا تدل على أنها تفاجأت لو قال وجدا سيدها تدل على أنها تنتظره أما ألفيا فتدل على أنه تفاجأت لأنه ليس موعد عودته. كلمة سيدها تبيّن كيف صيغ القرآن إن صح التعبير وأنه كتاب يختلف عن أي كتاب آخر. كان يمكن أن يقال زوجها أو بعلها لكن لن تعطي المعنى الذي تعطيه كلمة سيدها. عندما نقرأ (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا (21)) أخذه ليربيه في بيته فهناك احتمال أن يكون يوسف خادماً وسيكون العزيز بالنسبة ليوسف سيّد. فلو كان كذلك لقال ألفيا سيده لدى الباب وهذا أقرب للصياغة لأن سيدها أفضل منها أن يقول زوجها من وجهة نظر الصياغة الأدبية وعندما نعمل بحث لغوي في ذلك العصر لوجدنا أن النساء كانت تطلق على الزوج كلمة السيد (ومن هنا جاءت كلمة سي السيد الذي استعملها نجيب محفوظ). السيد هو الزوج لم يقل سيده إذن العزيز بالنسبة ليوسف أب بالبنوّة ولم يعتبره خادماً عنده أو ذو شأن صغير داخل البيت لذا أطلق هذا اللفظ ليعيطنا هذه المعاني.
هنا سندخل على أسلوب منقطع النظير في توقيع الكلمات في القرآن (قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) هذا توقيع غريب جداً من هذه المرأة لم تقل كان سيعتدي عليّ وإنما تعطي بكلامها فرصة ليوسف أنها قد تتهمه أو لا تتهمه والإتهام غير واضح. هي تقول لزوجها كأن أحد في الداخل يحاول أن يعتدي عليها وعلى يوسف مثلاً أو على أحد من أهله وهي هربت مع يوسف. ممكن الذي حاول غير موجود وهي لم تقل أنه يوسف أساساً وهذا يدل على أن هذه المرأة كان لديها من الخبث أنها توحي ليوسف أن الأمر بيدها يمكنها أن تقول أو لا تقول وهي ما زالت مصرة على موقفها قالت (قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) كلها مبهمة لم تحدد (ما، جزاء، من، أراد، سوءاً) وكلمة يسجن مفتوحة لأن السجن يعني الحبس لو هي ستحبسه لقالت من المسجونين كما قال فرعون لأن يُسجن قد يكون في البيت، أو عذاب أليم غير محددة حتى تُفهم يوسف أن الأمر بيدها هي. هناك فرق بين كلامها ورد يوسف فقال مباشرة (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي) حدد الفاعل، هناك فرق بين ما قالته هي وما قاله يوسف (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي) فهو حدد الفاعل هذا الكلام من قلب القرآن ولا نحتاج إلى الإسرائيليات. حدد المتهمة وحدد ما أرداته ولم يقل سوء. امرأة العزيز لم تتكلم عن الفحشاء وإنما قالت سوء والسوء عند العرب هو القتل وليس الفحشاء أو الرذيلة أو الزنا، هي خبأت ما أرادته بكلام مبدع (قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا). هذا الكلام كان أمام العزيز قطعاً هذا مشهد ثلاثي بالقطع، رباعية المشهد فيه احتمالات وكل احتمال يكون معه احتمال آخر: (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي) وبعدها قال (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا) نقف هنا عند الشهادة هل كان هذا الرجل مع العزيز أو نودي عليه لاحقاً؟ كل احتمال يكون معه احتمال آخر. ثلاثية الموقف فيه امرأة العزيز والعزيز ويوسف والموقف الثاني رباعية المشهد فيه امرأة العزيز والعزيز ويوسف مع الشاهد. إحتمال أن الشاهد كان مع العزيز غير معقول لأنه لو كان الشاهد مع العزيز لرأى قميص يوسف وما احتاج أن يقول (إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ) لأن هذا القول يفيد الجهل والاحتمالية. إذن الإحتمال الأول مستحيل أن الشاهد رأى يوسف وعليه القميص. لكن الإحتمال الثاني أوقع أنه أُرسِل له ولم ير القميص وهذه فيها احتمالين إما أنه أُرسل له القميص أو أن القميص وقع من يوسف. ما يقوله البعض أن الشاهد طفل ضغير تكلم في براءة يوسف هذا كلام بليس عليه دليل من القرآن فلا نأخذ به. (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا) شهد تأتي بمعنى حضر الواقعة وهذا لم يحصل وتأتي بمعنى علم أي أن هذا الرجل عنده علم استنباط تحكي له الحكاية فيقول (إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ (27)) إذن هذا الرجل يقول المنطق أنه إما كان واقفاً لكن القميص لم يكن على يوسف أو أنه استدعي بعد الحادثة.
(وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا) هل المقصود من أهل امرأة العزيز؟ أو من أهل الحكمة؟ ما علاقة هذا بتغليب رأي على رأي؟
من أهلها أي من أهل امرأة العزيز وكأنه يريد أن يقول أنه إذا كان الإنسان حكيماً صادقاً عاقلاً لن يهمه إذا كانت على صلة قرابة به وإنما يقول الحق وهذا ما علمنا إياه رسول الله rأبو ذر الغفاري يقول أوصاني خليلي محمد r أن أصل رحمة وإن قطعني وأن أقول الحق ولو كان مُرّاً. لكن صاحب الصدق لا يكذب أبداً مهما كانت علاقته أو مصلحته. (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا) الشاهد لم ير القميص وإلا تكون شهادته ليس لها قمية أنه لو رأى القميص مقطوعاً من الخلف فلا أهمية لشهادته. إما أن يكون قد استدعي في الحالتين الشاهد لم ير القميص ابتداء وإنما هو يتكلم عن الواقعة فالقرآن يعمل سيناريو ويعمل واقعة نحن نستبط بقية القصة إذن الكلام قيل أمام العزيز أنها قطعت القميص إذن هناك كلام حٌذِف دلّ عليه الكلام بعده وهذا عظمة الأداء القرآني أنه ليس فيه تطويل وأنت تستنبط بقية القصة. قال الشاهد أنه إذا هجم أحدهم على امرأة وهي لا تريده فعلاً فستدافع عن نفسها فسيكون القطع من الأمام أما لو كان العكس فيكون قطع القميص من خلف. فسأل الشاهد عن القميص ليرى من أين قطع القميص ووجد أنه قُد أي شق بالطول، يمكن أنه سأل عن القميص وفي خلال إحضار القميص قال الشاهد هذا الكلام بدليل أنه قال (فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) عندما قال حيثيات الحكم لم يكن يرى القميص لكنه الآن رأى. من الذي قال هنا؟ العزيز أو الشاهد؟ عندنا فاعل ومتكلم والمتكلم إما الشاهد وإما العزيز. قال (فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) القميص جيء به ولما رأى - الغالب أن الكلام إلى الآن كلام الشاهد - لأن الحكم سيكون للشاهد، عندما سمعنا (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا) أي أعطيت الشاهد مناط التحكيم أنه سنسمعه الضمير عائد على الشاهد. كان يمكن أن يقال (إنه من كيدكِ إن كيدكِ عظيم) لكنه عمم الحكم كأن امرأة العزيز لها منزلة حتى عند الشاهد بحيث لا يمكنه أن يتهمها فأطلق الحكم على كل النساء مع أن الكلام يقصدها هي.
نتكلم عن العزيز وله شأن في مجتمعه ونتكلم عن امرأة العزيز ولها شأنها في مجتمعها وعند زوجها ونتكلم عن يوسف الذي اشتروه وربّوه وهو بمثابة العبد لما يقول يوسف عكس كلام امرأة العزيز فلماذا لا يكتم على الموضوع؟ وما دلالة توسيع الأمر والمدينة سمعت الكلام؟ وجيء بالشاهد فهل كان معروفاً عن يوسف أنه كان ذو شأن وهو صدّيق؟
بيّن القرآن هذا في قوله (سيدها) ولم يقل سيّده وهذا يثبت منزلة يوسف عند العزيز فهو يعتبره ابنه ولا يعتبره خادماً في البيت وكلمة سيد تدل على أنه زوجها وتدل على منزلة يوسف. هذه المنزلة بيّنها القرآن في استخدام كلمة (سيدها) كان يمكن أن يقول سيده أو سيدهما لكن القرآن قال سيدها. والأهم أنه قد يكون الملك جاء بالشاهد لا حتى يفضح وإنما حتى يحسم الأمر أمام نفسه لأنه يعرف أن هذا الولد صدّيق والأحداث لا تدل على أن يوسف يتصرف هكذا وهو يريد أن يقطع الشك باليقين وهي تقول كلاماً يجب أن يحقق فيه مع أنها صاغت الكلام بطريقة ملتبسة عامة (قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) وهي تريد أن تبين أن هناك واقعة أخرى غير ما حصل حقيقة لكن فضحها يوسف في ردّه (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي) قد يكون كلاهما يهربان من سارق وهي فتحت المجال ليوسف لكن يوسف فضح الأمر بصدقه وقال الحقيقة. العزيز كأنه أراد أن يحسم الأمر فطلب الشاهد الحكيم حتى يحكم في الأمر وكلام الشاهد يؤكد هذه الفكرة من طريقته في التفكير. أُخبِر بالموضوع ودل حكمه على أنه عنده وعي بدليل أنه طلب القميص ليراه ويتحقق من الحيثيات حتى في جرائم القتل عندنا يحدث هذا الأمر تصل إلى القاتل عن طريق هذا الفكر. القرآن عبّر (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا) وقال الشاهد لها (قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) جمع النسوة كلهن. ونلاحظ أن الشاهد بدأ بالقُبُل (إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ) أي بدأ بتصديقها هي أي بما يخدمها وهذا يبين منزلة امرأة العزيز عنده فبدأ بالكلام باعتبار أنها صادقة وكان يجب أن يقول المقابل (وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ) حوّل الموضوع إلى فكرة كيد النساء ولم يتهمها مباشرة (فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ). البعض يربط بين كيد النساء ويقولون أنه أقوى من كيد الشيطان (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76) النساء) ولكن لا رابط بين الإثنين وهذا فرع من كل، كيد الشيطان كيد عام فلا تنفع هذه المقابلة. ما استطاع الشاهد أن يوجه الاتهام لها فقال على وجه العموم (قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) اتهام للناسء وهي من ضمنهن. الكلام إلى هنا كلام الشاهد ونعتبره هو المحقِق الذي يحقق في الموضوع وطلب القميص (فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ) إذن هذه براءة ليوسف وانتهى دوره هنا وترك الأمر عند العزيز. قال العزيز (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ) يأخذها أكثر المفسرين على أنه الكلام في هذه الواقعة ونحن نقول أعرض عن هذه الواقعة وذكرها وعن التهديدات التي تعرض لها من امرأة العزيز لكن لا تتكلم في هذا الموضوع. الرجل يفهم منه بعد ذلك أن هذا التعميم الذي في كلامها يقصد منه أنها تضحك عليه وأنها في نفس الوقت تهدد يوسف لذا قال له أعرض عن هذا ولا يهمك من كلامها وتهديدها. ثم قال (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ) غفر فعل ثلاثي لما يدخل عليه الألف والسين والتاء أي طلب المغفرة فهل تستغفره هو؟ وهذا ما جعل البعض يظن أنه ما زال كلام الشاهد يعني فاستغفري زوجك لكن كلا قوله.( يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا) هذا كلام العزيز ولا يمكلكه الشاهد (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ) نقول هذا كلام العزيز لأن الشاهد لم يستطع أن يقول هذا الكلام لامرأة العزيز بدليل أنه أطلق الحكم وعمّمه (قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ). من قوله (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا) هذا كلام العزيز. قال استغفري هل تستغفره هو؟ أو تستغفر الله تعالى؟ هناك خلاف بين المفسرين على هذا وهذا ما سنوضحه في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.
بُثّت الحلقة بتاريخ 14/8/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 05:49 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 53

سورة يوسف ملئية بالآيات والقصص القرآني الذي يعطينا الدروس والملامح ونحن نتكلم عن واقعة الزنا وقلنا كيف أن الذي لا يتبع المنهج يقع بسهولة في براثن النفس الأمارة بالسوء والشياطين شياطين الإنس والجن والنتيجة واحدة وهي الوقوع في المعصية والزنا. ونحن نحاول أن نتعلم كيف لا نقع في هذه المعصية.
وقفنا عند انتقال المشهد من حالة التحكيم التي يشهد فيها الشاهد ببراءة يوسف وينتشر الخبر في المدينة وتتكلم النسوة عن الواقعة ويصل كلامهن إلى امرأة العزيز وتتصاعد الأحداث حتى ينتهي الأمر بدخول يوسف البريء إلى السجن.
(وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) يوسف)
لماذا قال قال (نسوة) ولم يقل (قالت)؟ ولماذا تكلمت النساء تحديداً بالموضوع؟ وهل امرأة العزيز كان عندها فراسة؟ وما الذي جعلها أحضرت النسوة وأحضرت لكل واحدة منهن سكينة كأنها استقرأت ماذا سيحصل عندما سيرون يوسف الجميل؟ واستقرأت أنهم سيقطعون أيديهم عندما يرون يوسف؟ فما الذي دفعها إلى أن تفكر وتدبر هذا التدبير الذي قد لا يخطر على بال بشر عادي؟.
الآيات تحمل في طياتها كماً كبيراً من المعاني ومن المراد اللغوي في الكلمات وليس هناك كلمة في القرآن الكريم كله إلا ولها معنى ولها لازم معنى ولها مراد وقلنا سابقاً أن القرآن لن يُفهم إذا سألت ما معنى هذه الكلمة وحدها وإنما القرآن تختلف صياغته عن أي كتاب آخر وأي صياغة أخرى لذا قال في بداية السورة (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)) ولعلّ هنا للغاية أن العرب يفهموا الكلام ثم يُعلِّموه. نرجع آيات قليلة لنقول أن الموقف كان محصوراً بين ثلاثة أشخاص (يوسف وامرأة العزيز والعزيز) ثم أربعة أشخاص فقط (يوسف والعزيز وامرأة العزيز والشاهد) والذي شغل العزيز فقط أن لا يُسمع هذا الكلام خارج القصر. عظمة الأداء القرآني في هذه الآية (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ) يدل على أن العزيز خائف أن ينتقل الكلام ويُعرف خارج المدينة. (وقال نسوة في المدينة) إذن الكلام انتقل. القضية كلها في أننا لما نسمع الأحداث ونسير مع الفهم المنطقي للآيات يدل على أن أربعة كانوا على علم بالموضوع فإذن كيف تسرب الموضوع إلى خارج القصر؟ حرص العزيز ويجب أن نفهم أنه لما قال (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا) يجب أن نعلم أن يوسف أعرض عن هذا لأنه صدّيق وامرأة العزيز قالت له هيت لك قال معاذ الله ولهذا لما قال له العزيز أعرض عن هذا يؤكد أن يوسف أعرض عن هذا لأنه لا ينقل الكلام. لكن الآية بعدها (وقال نسوة في المدينة) تدل على أن الموضوع عُرِف خارج القصر. يجب أن نفهم أن العزيز لما قال (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا) يجب أن نعلم أن يوسف أعرض عن هذا ولم يتكلم لأنه يخاف الله تعالى ولم ينقل الكلام. (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ) لا نعلم إن كانت استغفرت بل والآيات بعدها تدل على أنها ما زالت مصرة على المعصية والرذيلة. إذن من نقل الكلام إلى خارج القصر؟ يوسف لم يفعل، هناك احتمال أن العزيز لديه حرس وهم كانوا معه عندما دخل القصر وأياً كان فهذا يدل لعى أنه لا شيء يبقى مخفياً كما نستعملها في كلامنا. (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ) وهي الكلمة التي قالها يوسف (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي) لذا يمكن أن يكون أحد من الحرس هو الذي نقل الكلام.
(وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) أولاً نسوة جمع قِلة لكلمة امرأة عندما تريد أن تجمعها (نساء تدل على الكثرة ونسوة على القلة) وجمع القلة هنا لو أنهن صادقات في كلامهن (إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) فهل يقمن بما فعلنه؟ لمذا قال النسوة هذا الكلام؟ كلامهم يدل على أن النسوة من كثرة ما سمعت عن يوسف وجماله أشاعت هذه الأمور لعل العزيز يطرد يوسف من القصر فتستأثر به إحداهن. هذا الكلام هو منطق الأحداث من أول قول يوسف (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ) لم يقل (كيدها) أي أن ما قالته النسوة هو من كيدهن كما أن الكلام الذي قالته امرأة العزيز هو من كيدها. النسوة نقلت الكلام ونشرته لعل العزيز يطرد يوسف فتستأثر به إحداهن. وزادت النسوة على الكلام (قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا). علة يوسف أنه واقع في كيد امرأة العزيز وفي كيد غيرها وهذه ليست مسألة طبيعية بل كل واحدة تفكر وتخطط (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ) تدل على أن النسوة صدّقت يوسف وأن امرأة العزيز هي التي راودت يوسف وأن الوقائع نقلت كما حصل في قصر العزيز وأنه ليس هناك أسرار فلا بد أن يتسرب الخبر وينتشر الموضوع.
في ظل كل هذه الظروف نقف عند أن يوسف u يتحلى بقدر من الوسامة والجمال والرجولة لدرجة أن النسوة وصفته (إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ) هذا أيضاً يحقق قوله تعالى (والله غالب على أمره).
بدأ الكلام ينتشر في المدينة ووصل إلى امرأة العزيز والمنطق يقول أن الإنسان إذا انكشف سره يتوارى خجلاً ويحاول أن يغير هذا الصورة ليخفي الفضيحة لكن امرأة العزيز دائماً لديها مواقف متقدمة وجريئة وأحضرت النسوة إلى القصر وكأنه لا يهمها الموضوع أن يُعرف سرّها أو لا يعرف وإنما يهمها أن يتم ما أرادته بدليل أنها تقول أمام النسوة (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) كل هذا الكلام يظهر أنها امرأة من طراز فريد. أؤكد أن كلمة نسوة لم يحدد القرآن عددهم وإنما أشار أنه جمع قلة وفي بعض التفاسير يذكرون عددهن وهذا كلام ليس عليه دليل لأنه لم يحدد القرآن عددهن وإنما هم نسوة غير معروفين ولا يهمنا ما عدد النسوة.
(وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (30)) تظهر أن الإنسان يقول عن أمر ما خطأ ثم يفعله. كان المتصور أن يقول يوسف وإلا تصرف عني كيدها لأن النسوة أنكرت هذا الفعل على امرأة العزيز من قبل لكن يوسف قال (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ) هذا يدل على أن النسوة وقعت في نفس الخطأ الذي انتقدت امرأة العزيز عليه قبل ذلك وهذا يظهر شيوع الفاحشة في مجتمع لم يتبنى الفضيلة ومع هذا يوسف ثابت في موقفه ولم يبرر وهذا يدل على عظمة الأداء ليوسف. (وقال نسوة في المدينة) لم يقل نسوة المدينة فحرف (في) يبين أنه جمع قلة من النسوة وليس كل نسوة المدينة وهذا يدل على أنه كما أن يوسف عنده من الفضيلة ما حماه من ارتكاب المعصية هناك نساء كثيرات لم تلتفت إلى هذا الأمر فذكر (في) في الآية من صيانة الإحتمال. النسوة قالت عن امرأة العزيز أنها في ضلال مبين ثم راودن يوسف أيضاً. بعض المفسرين يقول أن امرأة العزيز دبرت للنسوة أن تقطع أيديهن هذا كلام غير صحيح لأنه لم تقصد أن تقطع النسوة أيديهن وكأن العملية كلها احتفال وإنما ما أرادته فقط هو أن ترى النسوة يوسف. (متكأ) في عرف أهل اللغة هو ما يتكأ عليه وفيه كثير من الطعام والفاكهة وعلينا أن نفهم الآيات على مراد الله فيها (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ) لم يقل بكلامهن لأنها اعتبرت الكلام مكر لأنهن ظنن أن العزيز عندما يسمع هذا الكلام يطرد يوسف من القصر فيتحقق مراد النسوة. فمن بديع القرآن أنه قال (سمعت بمكرهن) وليس بكلامهن لأنه هو ليس كلاماً ولكنه في الحقيقة مكر (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ) هنا تبين مقدار حبها ليوسف، قوله له (اخرج) يدل على أنها وضعت يوسف في مكان ولم تقل له ادخل عليهن أي لم يكن في مكان خارجي مكشوف وإنما كان يوسف مصاناً في مكان داخلي. (قد شغفها) كأنك شققت القلب ووضعت الحب في سودة القلب، شغفها أي ملك شغاف قلبها وحبه تمكن منها وهذا يظهر في أكثر من موقف: لما قالت (ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً) لم تذكره من حبها له، والنقطة الثانية (وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَرًا إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ) ثم قالت (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) تدل على أنها أدخلته مرة ثانية وخبّأته كأنها أخرجته لمحة ثم أدخلته من جديد ولذلك استعمل (فذلكن) لمّا تكلمت عنه تكلمت بإشارة البعيد. قولها (وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ) ثم (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) تدل على أنها خبّأته عن أعين النسوة وهذا يدل على أن العزيز لم يطرد يوسف وإنما هو تحت تصرف امرأة العزيز هي التي تأمره بالدخول أو الخروج.
كلمة (وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ) وقع في نفس النسوة أن الله تعالى لا يخلق مثل يوسف فقلن (وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ)، ساعة ما رأينه وقع في أنفسهن شيئاً أن هذا لن يخلق مثله فقلن (وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ) ولذلك أكبرنه أي قلن الله أكبر ولما قلن حاشا لله ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم كأنهن رأين بشراً كثيراً لكن ليس مثله فقالت امرأة العزيز مباشرة (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) هذا من حيث جماله فأعلت من قيمة يوسف وأنه في عِفّة وأنه بعيد المنال وهي تجعل النسوة يتحسرن بقولها عن عفّته (وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ) ومع هذا لن تتركه (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) لما يسجن بعد ذلك كل أهل المدينة يعلمون أن يوسف ما زال على عفته واستمسك واستعصم لكن لو لم يسجن يوسف لكان دل ذلك على أن يوسف قبل بمراودة امرأة العزيز، فالسجن كان لفائدة يوسف. قد تقول فلان في السجن لكن من يؤكد ذلك؟ ولكن قال (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ) يؤكد ذلك دخول فتيان معه وخرج أحدهم يتكلم عن يوسف فهذا أكبر دليل على أن يوسف استمسك إلى نهاية الأمر وامرأة العزيز قالت (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) وسُجِن يوسف إذن لم يرتكب الفحشاء. دخول الفتيان أكبر دليل على أن يوسف في السجن وأنه استمسك بالامتناع عن الوقوع في المعصية. كان ممكن أن تبقيه في القصر ولكن كان دل على أن يوسف قبل معها.
(قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) المسلم الحق يبقى رضى الله عنده أهم من أي شيء في أي موقف وأهم مما يُحِبّ فجعله (أحب).
الموقف صعب على يوسف هو موقفه ضعيف وامرأة العزيز لديها سلطان وقوة ولكن المنهج عنده واضح وكلما تعرض للخطر أو الفتنة يستعمل المنهج لينجو وليس عنده لحظة ضعف أو شك. الكيد لم يكن فقط من امرأة العزيز وإنما من النسوة فقال (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) فيها دعوة من النسوة وامرأة العزيز أن يكون هناط علاقة محرمة وعلى رأسعهم امرأة العزيز ومع هذا يوسف يستعصم بالله ويستعين بالله والله تعالى يكافئه دائماً بالنصر.
العلاقة بين امرأة العزيز ويوسف كانت ستكون في منتهى الشذوذ لأنها هي بمثابة أمه التي ربّته ثم أن المفروض أن يكون الرجل هو الذي يقود زمام المبادرة لكن هذه المرأة خرجت عن إلف العادة. استخدام فعل المراودة (وراودته التي هو في بيتها عن نفسه) مع هذه القوة وهي ساعة طلب الموضوع راودته وتزينت وتجملت وعملت كل ما تفعله النسوة إذا أردن هذا والذي يدل على هذا كله كلمة (وراودته). وكلمة (هيت لك) هذا التصريح بعد الإيحاء، المراودة كانت إيحاءات لكنها هي خرجت من الإيحاءات إلى التصريح. نذكر ما قاله إخوة يوسف (سنراود عنه أباه) أي سيحتالون على أبيهم ليأخذوه. كلمة المراودة افتعال شتى أنواع الحيل للوصول إلى المراد فلما لم تنفع المراودة مع يوسف (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ) هي انتقلت من المراودة التي تعني كل أنواع الإيحاءات من غير تصريح فلما لم تحصل على نتيجة صرّحت وقالت (هيت لك). يوسف نبي وثابت على مبدئه وهذا يعني أنه يتميز بالذكاء عن باقي البشر ولم يلقِ بالاً للمراودة وهذا الذي جعل امرأة العزيز تنتقل من الإيحاء إلى التصريح وعند التصريح قال (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ) فظل مستمسكاً ومستعصماً بالله تعالى إلى آخر الطريق هذا يبين لنا الآية (لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ) الآيات هو استعصامه واستمساكه بالعروة الوثقى بدليل لما مكرت النسوة وكادوا مع كيد امرأة العزيز ومكرها قال يوسف (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) لم يقل أهون عليّ. عند الناس العاديين نقول أهون أن فلان فضل السجن على الرشوة. لو سألنا أنفسنا لماذا نخطئ؟ لأننا لا نضع الخطأ مع العفة وإرضاء الله في كفتي ميزان لا نفكر وإنما نقدم على المعصية. أحبّ على وزن أفعل (أفعل التفضيل) كأن فيها كفتان: إرضاء الله أو الخطأ. لو يوسف uحاشا لله وعاذ الله عمل الفاحشة لكان سيداً مطاعاً وهذا ما يتحجج به البعض الآن لكن نقول لهم كل نعيم في الدنيا مؤقت وزائل والبعض يقول فعلت ووقعت للحفاظ على لقمة العيش. (أحبّ) لأن الحياة لما وصفت في القرآن وصفت أنها متاع أي يعني مهما طال وقتها فلها نهاية. انظروا إلى من هم في نعيم دنيوي مهما طال به الأمد فله نهاية وسينتهي الأمر قبل أن تبدأ الدنيا بالنسبة للواحد منا يحدد الأجل وعندما ينفخ الملك الروح في الجنين قبل أن يولد يحدد رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد. الأجل تحدد قبل أن يولد فالأجل هذا أصلاً سيف مسلط على الرقاب فمهما طال النعيم في الدنيا سيزول وكل نعيم في الدنيا سوى الجنة حقير وكل عذاب سوى النار في الآخرة هيّن. لذا يوسف قال (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) السجن له نهاية بالتأكيد حتى لو مات في السجن سيكون في الجنة فلما استمسك يوسف واستعصم بالله دخل السجن لكن خرج منه عزيزاً وخرج في مكانة الرجل الذي ما حرص على امرأته ولا على بيته فلما حرص يوسف على مرضاة الله خرج بمكانة العزيز ولما مكّنه الملك بمنتهى الرضى والاحتياج له فجعل الله تعالى في مكانة وجعل كل البلد تحتاجه. لذا قال (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) ولم يقل أهون علي لكن أحب من ماذا؟ مما يجعونني إليه. لم يقل أنا الذي أصد وإنما قال (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) لما قال (معاذ الله) يوسف يعلم أن الذي يحميه ليس قوته وإنما استمساكه واستعصامه بالله تعالى. (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) إذن الذي لا يعمل مثل يوسف يكون من الجاهلين وإذا كان من الجاهلين لن يكون في الجنة لا في الدنيا ولا في الآخرة. ونعيم الدنيا نعيم متاع وهو أمر زائل وليس حقيقة لكن الحياة الدنيا في الاخرة متاع لأنه نعيم مؤقت سيزول إما بموتك أنت وابتعادك عنه أو بابتعاد النعيم عنك. كل كلمة في الآيات توقع توقيعاً بديعاً في مناط الأحداث يعني النسوة قطعن أيديهن وقلن حاشا لله في هذه الأثناء امرأة العزيز تكبر يوسف عند النسوة ليتحسرن عليه أكثر. (وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ) ويوسف قال (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) بعد واقعة امرأة العزيز واستدعائها للنسوة هو ما زال في بيت العزيز.
(ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) استجابة المولى له كانت في صرف الكيد عن يوسف, لما أراد المولى أن يوقع لنا كُنه يوسف في هذه المسألة قال (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) لن يقل لنصرفه عن السوء والفحشاء ولما دعا يوسف واستجاب له ربه قال (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ) هذه تكررت مرتين. لنصرف عنه السوء كأن يوسف وكل من استمسك واستعصم تجعله في مكانة لا تجعله يذهب إلى السوء والفحشاء وإنما هم الذين يأتونه والذي يستمسك ويستعصم لن يكون مرتاحاً لأن السوء والفحشاء سيأوتك وهذا من الابتلاء. الابتلاء أن يأتيك السوء والفحشاء (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) العنكبوت) يقولوا هنا معناها يعلنوا إيمانهم لذلك توقيعها في القرآن (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا (14) الحجرات) المولى قال للرسول (قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) المسألة ليست في أن أقول ولكن تحصل أحداث تدل على إيمانك لا تكون بالكلام وإنما تكون بالفعل لذلك (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الملك) فالفتنة والابتلاء هي من تثبت إيمان فلان من عدمه.
بُثّت الحلقة بتاريخ 21/8/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 05:51 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 54

ما زلنا مع قصة يوسف والدروس المستفادة منها والعجيب أنه مع كل ابتلاء ينجح يوسف باستعانته بالله وقوة إيمانه وعقيدته وهذه نقطة فاصلة عندما يتعرض الإنسان لهكذا ابتلاء يرجع الأمر كله لله سبحانه وتعالى ولا يتكل على قوته.
الدرس المهم الذي وقفنا عنده في الحلقة السابقة أنه رغم مكر امرأة العزيز وفتنة النساء وكل الملابسات الله تعالى كان الملجأ والملاذ ليوسف u(وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) ومع هذا سيدخل يوسف السجن لكن نقف قليلاً عند مسألة استجابة الله تعالى في صرف الكيد عن يوسف. نريد أن نوضح هل هذه الإستجابة كانت قاصرة على أن يوسف لا يضعف أمام كيد النسوة أو أن تأثيره سيمتد إلى المراحل ما بعد دخول السجن؟
مسألأة الإستجابة تحتاج لوقفة في توقيع كل إتجاه. نعود آية ماذا قال يوسف ساعة تكلمت امرأة العزيز في وضعه بعد الرفض المستمر ساعة قال (معاذ الله) وأمام النسوة كان هناك شأن آخر لم يتكلم عنها القرآن وتركها للقارئ كل يأخذ حسب فهمه وتدبره وتلقيه. قال (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) تنبين لهم أن النسوة وقعن في حب يوسف من نظرة واحدة فقط لكنها قالت كلمة السجن أكثر من مرة في كلامها ولما نوقع القرآن نجد أن أول ما قالته لما ألفيا سيدها لدى الباب قالت (قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) وأمام النسوة قالت (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) والذي سنقف عنده أن يوسف نبي وشأنه في الكلام يختلف عن شأن أيّ شخص آخر غير نبي. قال (رب) في الدعاء نتكلم بحسب توجيه الدعاء لله تعالى عندنا كلمة رب وكلمة إله متى نستخدم كل منهما؟ المسألة التي فيها يوسف مسألة رفض معصية أي هناك تكليف بـ(إفعل ولا تفعل) وهذه مسألة تتعلق بالألوهية لم يقل القرآن (إلهي) وإنما قال (رب) والمسألة التي نتكلم فيها لا تتعلق بإفعل ولا تفعل التي تتعلق بالربوبية وإنما تتعلق بالألوهية التي تتعلق بالتكليف نستشعر في قوله تعالى (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) أن يوسف متمسك بأنه ليس بطلاً وأنها ليس شطارة منه وإنما هو يستعين بالله. قلنا امرأة العزيز راودته في البداية فقال (معاذ الله) ولم يقل معاذ ربي لأن هذه مسألة رفض معصية في تكليف بـ إفعل ولا تفعل (ألوهية) فمعاذ الله مكانها هنا. ولما قال (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) لأنه يريد أن يقول ما قاله ساعة أكد مناط الرب فلم يقل (إنه الله أحسن مثواي) وإنما قال (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ)، وفي السجن قال (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) لم يقل الله، وهنا قال (قال رب) كأنه يقول مع أن هذه معصية فأنا متمسك بالربّ الذي رباني وأنقذني فهو الذي سينقذني.
صياغة القرآن كل كلمة في مكانها وكل شيء محسوب بشكل دقيق.
الإنسان البسيط الذي ليس لديه علم ولكن لديه يقين بالفطرة ويستعين بالله هل يتساوى مع العالمين أم أن الأمر يتعلق بالفطرة؟ الله سبحانه وتعالى يتعامل مع خلقه بمسألة الفطرة التي فطر الناس عليها ويمكن ألأن يكون هذا البسيط أفضل عند الله من ألف عالم والمسألة تتعلق باليقين والصدق. لو قرأنا آيات سورة يوسف هي ليست قصة فقط وإنما فيها حصيلة علمية لننجو لذلك الكلام في القرآن بقصد التمثيل والتشبيه، يوسف يخرج من كل موقف بيقين ومسألة السجن يوسف قال كلمة بعد تهديده بالسجن للمرة الثانية وهو موقفه ضعيف جداً والنسوة من كبار القوم ولما يتكلم يتكلم مع نفسه ولا يكلم النسوة (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) بينه وبين الله تعالى. لما نسمع أنه قال رب في هذا الموقف فعندما يمس الإنسان الضر يدعو ربه وليس الله (دعوا ربهم). (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) هل ما تفعله النسوة محبوب؟ أحبّ أفعل تفضيل أي شيء أفضل من شيء. هذا فيه رسالة أن يوسف رجل طبيعي ولكنه قال (أحب إلي) أي بالنسبة ليوسف أما غيره فقد يكون هذا الشيء محبوب. يوسف ليس عنده حب تفضيل وإنما هو ليس عنده هذا الأمر والسجن أحب إليه من هذا الأمر. السجن والمعصية التي مناطها غضب الله عز وجل، السجن مهما كان فيه أحب إلى يوسف وليس أهون وليس باعتبار أن ما تدعوه إليه النساء محبوب وإنما مسألة مرضاة الله والمعصية يأخذ المناط من العملية وهو في باله المولى عز وجل وليس النسوة بدليل الكلمات التي قالها (معاذ الله) بعد تصريح امرأة العزيز (هيت لك).
يوسف u رأى أن السجن أحب إليه من معصية الله عز وجل رغم أن الأمر فيه ظلم وتقييد الحرية وإحساسه أنه مسجون ظلماً وأنه بريء ومع هذا يرى يوسف أن السجن أفضل من معصية الله عز وجل فهل هذا أيضاً من ضمن قوله تعالى (والله غالب على أمره). يوسف مهما كان السجن أهون عنده من معصية الله وأي شيء أمام معصية الله محببة ليوسف مهما كان فيها من ضيق ولذلك التوقيع الإلهي بعدها أن دخوله السجن أخرجته عزيز مصر. معصية الله ليست واردة عنده ولما توجه إلى الله قال (رب) والتوقيع القرآني (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ). قال (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) هناك أمران في الدعاء أنه حتى لو دخل السجن هو مرتاح لكنه يريد أن يصرف الله تعالى عنه كيدهن وقد يكون الصرف في دخوله السجن والله تعالى قال (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ) وقلنا أن الاستجابة غير التلبية الاستجابة قد تكون بشيء لم تكلبه ثم التلبية يوم القيامة تكون باستبدالها ببيت في الجنة لكن هنا حصلت الإستجابة بالتلبية (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ). فصرف عنه كيدهن أي أن النسوة سكتن عندما وجدن رفض يوسف. (فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ) مستمرة في حق يوسف (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) السوء يأتي إليك لكن التوقيع القرآني يبعد عن يوسف السوء والفحشاء وكيد النسوة. (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) عندنا طلب أن يصرف عنه الكيد وهو في سبيل ذلك مستعد أن يدخل السجن والذي حصل في الاستجابة شيء رائع استجابة بالتلبية (فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ) وتوقيع غريب (ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ).
ما الذي جعلهم يغيرون رأيهم ويدخلون يوسف السجن مع أنه ما زال في بيت العزيز مع أن العزيز قال في البداية (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا)؟
(ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) أي آيات براءة يوسف وهذا أمر غريب. ما الذي بدا؟ المفروض أن الموضوع قد انتهى لكن يوسف ما زال في بيت العزيز ولا يمكن أن تعود العلاقة بين يوسف وامرأة العزيز كما كانت قبل (هيت لك). القرآن يصون احتمال هذا الأمور (بدا لهم) من هم؟ الوضع يجب أن يفهم أن (لهم) تعني العزيز وأهل مشورته والذي بدا لهم بدا لهم نتيجة الوضع وأن يوسف ما زال داخل القصر والعزيز يخرج. للأسف أن امرأة العزيز ما زال لها تأثير لأنها قالت من البداية (إلا أن يسجن) وسجن يوسف تحقيق لرغبتها. لم يطردوا يوسف لأن امرأة العزيز تريده أمام عينها وتحت شيطرتها فعندما يكون في السجن هي تعرف أخباره. لو سأل العزيز أهل المشورة لنصحوه بأن يطرد يوسف وليس سجنه لأنه قال له (يوسف أعرض عن هذا) وقوله (واستغفري لذنبك) هي المخطئة فلمَ يسجن يوسف؟ هذا يدل على أنه ما زال لديها تأثير على العزيز. الآيات تنطق على براءة يوسف فلماذا يسجن؟
(حتى حين) امرأة العزيز عندها أمل أن يخرج من السجن عندما تستشعر أنه سيوافق ولهذا لم يحدد عدد سنوات لسجنه وإنما قال (حتى حين) ولا يوجد سجن بدون تحديد مدة عقوبة. لم نسمع لا في القانون ولا في القرآن (حتى حين) عقوبة مفتوحة! إذن (حتى حين) أي أنها تستعيده للقصر إذا سمع كلامها ورجع عن استعصامه بالله وقبل بالمعصية. (حتى حين) توقيع مبدع في إصرار امرأة العزيز على المعصية والأعدب إصرار يوسف على الإلتجاء إلى الله تعالى وأن السجن أحب إليه من معصية الله تعالى.
(ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ (36)) أي نُفِّذ القرار. (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ) القارئ يظن أنه لن يحدث مشاكل على اعتبار أن دخول السجن عقاب فكيف استجاب له ربه؟ هذه نقطة أثارها بعض المفسرين. (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ) وهذا حصل لأن الله تعالى صرف عنه كيدهن ويوسف لم يطلب من ربه أن لا يدخله السجن، يوسف يقول (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) مشكلته الحقيقية هي الكيد أما السجن فليس لديه فيه مشكلة. لو أنه قال لا أريد أن أدخل السجن ولا أريد الكيد لاختلف الأمر لكن يوسف قال السجن ليس مشكلة أما الكيد فهو المشكلة وليس لديه مانع من دخول السجن فلاستجابة كانت مبدعة إستجابة بالتلبية فصرف عنه كيدهن وابتلاه لتوقيع السجن (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) العنكبوت) يوسف قال حلى لو دخلت السجن فليس هناك مشكلة وهو صادق بدليل أن القرآن الكريم قال (لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ (36)) أي دخل السجن. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) السجن يبدو أن شر لكنه فيه كل الخير. إرض بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس وهذا الغنى ليس غنى مال ولكن غنى في كل شيء. المهيمن هو الله تعالى وهو غالب على أمره وهذه قيلت في أول القصة (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) في كل شيء في المراودة والشاهد والنسوة واستدعاء امرأة العزيز للنسوة وإصرارها على المعصية ثم سجن يوسف مع أنه بريء ولكن السجن توقيع لقوله (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ) يوسف رجل صادق. من أول يوم في السجن قال له اللذان دخلا معه (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) وبدأوا بسؤاله وصدق الله تعالى (إنه من عبادنا المخلصين). قد يكون هذان الفتيان اللذان دخلا مع يوسف هما أيضاً مظلومين. التوقيع القرآني (قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ) تدل على أن كل واحد منهما مختلف. لأول مرة يكون مع البراءة حكم مع أنهم رأوا الآيات التي رأوا براءة يوسف فيها حكموا عليه بالسجن.
(ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) من الذي أبدى لهم؟ الله تعالى لأنه غالب على أمره. كما حصل مع النبي r قبل الهجرة عندما تشاور المشركين في قريش هل يقتلونه أو يخرجوه لكن الله غالب على أمره فأخرجوه.
ينتقل المشهد إلى داخل السجن وتأخذ القصة منعطفاً جديداً حتى تتحقق أيضاً إرادة الله تعالى (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) مع يوسف فتيان لا ندري هل هما مذنبان أو مظلومان والغريب أن الإثنين يحلما بحلم مختلف وجاءا إلى يوسف بالتحديد ويقولان (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) هذا كله تدبير إلهي أن أحدهما سيخرج من السجن وسيكون مقرباً من الملك حتى لما يحلم الملك ولا يعرف أحد تأويل الرؤيا يذهب هذا الفتنى ليوسف ليأول الرؤية. هل كلمة (معه) في دخل معه السجن هل هي معية المكان أو معه أي في نفس الوقت؟ قد تكون هذه أو تلك. ودخل معه السجن أي نفذ الحكم ودخول يوسف السجن كان (هل كلمة حتى حين تعني عندما يوافق على ما طلبته امرأة العزيز أو حتى حين أي حتى تهدأ الأمور) هناك ما يسمى حبس احتياطي حتى تهدأ الأمور. لكن يبدو أن حتى حين لها علاقة بأن امرأة العزيز لها سيطرة لأنهم نفذوا رغبتها في سجن يوسف.
المفروض أن أهل المشورة يكونوا من الحكماء فلم لم يقوم أحد منهم ويقول اطردوا يوسف من المدينة؟ وهل العزيز في قلبه مكانة ليوسف فأبقاه في نفس المدينة؟ يوسف له مكانة عند العزيز بدليل قوله تعالى (ليسجنن) بالجمع ولم يقل ليسجنه العزيز. الحكم كان لأهل المشورة الذين سيطرت عليهم امرأة العزيز ويوسف غالي على قلب العزيز لأنه ربّاه توقيعها أن يوسف دخل السجن.
ما الذي سيحصل في السجن وتأويل الرؤيا وخروج يوسف من السجن سنتناولها في الحلقة القادة إن شاء الله تعالى.
بُثّت الحلقة بتاريخ 28/8/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 05:52 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 55
تقديم علاء بسيوني
سورة يوسف تمثل مشواراً طويلاً من الابتلاءات وتثبت أن يوسف uينجح في كل ابتلاء ويثبت أنه من عباد الله المخلَصين وأن وعد الله سيتحقق (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ). الذي يخصنا من هذه الدروس نلخصها في درس كبير أن المنهج واضح ومهما كانت المعوقات فإن الذي يتمسك بالمنهج هو الذي سيربح في النهاية لكن القصة تبقى في مناط الصبر عند الإنسان لأن الإنسان ينظر لوعد الله تعالى بالنصر ويريده في الحال وعندما يُعرض على إنسان مالاً حراماً من عمل فيه شبهة أو محرمات تجد بعض الناس يقول هل أترك عملي قبل أن أجد عملاً آخر؟ البعض يعتقد أنه يستمر في عمل الحرام والشبهة إلى أن يظهر لك طريق حلال! الله تعالى وعد بالنصر فهل نصبر على الابتلاءات حتى نحصل على الجائزة أم لا؟ هذه هي الفلسفة المستفادة من قصة يوسف u.
مشهد دخول السجن مشهد جديد يدخل فيه البريء يوسف السجن وهذه من ضمن ابتلاءات يوسف u وكل ما حدث هو من ترتيب محكم من الله سبحانه وتعالى وليس من قبيل الصدفة.
(وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40))
عندما يكون إنسان بهذه المواصفات ويختاره الله تعالى ليكون نبياً ورسولاً فهذا لا يأتي من فراغ والمواصفات الموجودة فيه بالفطرة ومع أنه سبحانه وتعالى تعهد يوسف u بالتربية وأنه من نسل أنبياء كل هذه المقومات يجب أن تجعل يوسف يتصرف بهذا الشكل.
دخل يوسف السجن ودخل معه اثنان بغض النظر عما قيل في الإسرائيليات (وفي هذه كثير من الاسرائيليات التي دخلت في كتب التفاسير أن أحدهما كان خباز الملك والآخر ساقي الملك وأنهما حاولا أن يدسا السم للملك والذي نجا بعد ذلك هو الذي أخبر الملك بالمكيدة وهذا كله لا أصل له وهو من الإسرائيليات) هذان الفتيان رأيا بفراستهما أن يوسف من المحسنين فسألوه وهذه ثقة بيوسف أنه سيؤوّل لهم الرؤيا وحتى لا تفهم الثقة خطأ من الفتيان أرجع يوسف u الفضل كعادته لله تعالى (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي)، والملمح الآخر اهتمام الفتيان بالرؤيا وتأويلها فأجّل يوسف تأويل الرؤيا إلى ما بعد إخبارهما عن التوحيد وكان همّه الأساسي أن يخبرهم بمناط العقيدة والتوحيد قبل تأويل الرؤيا. فهل لو كان أحد غير يوسف في هذا الموقف يتصرف بهذا الشكل؟ أم هل هذا منطق الأنبياء والمحسنين المخلَصين ويتحقق قوله تعالى (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)؟
هذا كله يحتاج إلى تدبر. الله تعالى يضرب المثال في قضية العِفّة والبعد عن معصية الله في كبيرة من الكبائر التي اشتهرت في كل عصر وخاصة عصرنا وهي الزنا بنبي لأنه عندما يقول (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) الأحزاب) الناس عندما تسمع هذه الآية يحتجون ويقولون هو رسول ونحن لا يمكن أن نكون مثله إذن لماذا أرسل الله تعالى الرسول؟ هذه قضية غابت عن الناس فالله تعالى عندما يضرب المثل بالرسل يجب أن نحاول أن نكون مثلهم. لما قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ (119) التوبة) الصادقين عندما تكون مطلقة تعني الأنبياء والرسل والقرآن لم يقل من الصادقين (المنّية هي ليست بيدي وإنما هي اصطفاء من الله تعالى) أما مع الصادقين تعني معية تقليد وليست معية توصيف. وما زال الناس يسألون عن قضية ابليس لما خاطبه تعالى هل كان من الملائكة أم لا (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) الحجر) ولم يقل منهم لأنه ليس منهم. هذه الآيات في قصة يوسف توضح أموراً عالية جداً أولاً (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ) هذه معية ذات هم دخلوا معه والاحتمالات كثيرة ونحن نتكلم لنوضح للمشاهدين بعض ما جاء في كتب النفسير لأن بعض المفسرين يرفض الإسرائيليات في بداية التفسير ثم فجأة يضع إحتمالات لكلام لم تقله إلا الإسرائيليات (أن أحد الفتيان خباز الملك والآخر ساقي الملك ونحن ليس عندنا دليل على هذا لا في القرآن ولا في السنة الصحيحة) ثم يقول أن أهل المشورة دبروا مؤامرة أن هذان الفتيان أرادوا أن يسمموا العزيز لكنه في نفس الوقت قال أنهما ساقي الملك وخباز الملك وليس العزيز كما قالوا في أول الرواية وأوقع نفسه في خطأ واضح. للأسف ليس كل ما هو تراث محقق فما نفعل للمسلم الذي أمامه عشرات الكتب التي فيها الصحيح وغير الصحيح؟ فهل يجب أن يكون هناك لجنة كبيرة تحقق ما هو موجود في المصادر وهل يجب أن يكون هناك تفسير عصري للقرآن ويستخدم الدروس والعبر من القصص القرآني والآيات حتى نطبقها كمنهج في حياتنا كمسلمين. هذا منهجنا نحن نتدبر القرآن من خلال التوقيع اللغوي للآيات في مختلف السور بدليل انتقالنا من سورة الفرقان إلى الروم إلى سورة يوسف وتوقيع سورة يوسف (ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (40)) وذكرنا ما قاله تعالى في سورة الروم (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)). عيب غالبية المسلمين في هذا العصر أنه أول ما يجد القصة يريد أن يسمعها كقصة ولا يريد أن يأخذ العبرة والعظة. ففي قصة يوسف عندما سأله االفتيان (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) نراك فعل يرى يأتي بمعنى شاهَد أو علِم فعندنا احتمالين قد يكون الفتيان سمعا قصة يوسف uالذي أدخلوه السجن حتى تسكت القضية وكلام الناس، (إنا نراك من المحسنين) تحتمل أن يكون معناها إنا علِمنا أنك من المحسنين أو نشاهدك الآن. يسوف uلما سمع منهما الرؤيا قال لهما أنه سيخبرهما لأن الله تعالى علّمه الذي علّمه لأنه اتبع عقيدة وأنه من عائلة تعبد الله الواحد وأثبت لهم العقيدة والتوحيد وتكلم معهم ليكونوا من أهل التوحيد وضرب لهم المثال هل يعبدون إلهاً واحداً أو آلهة بدون أن يقول لهم أن عنده وحي وإنما بالمنطق هل تعبد عدة آلهة تختلف أهواءهم وكل منهم يطلب منك طلباً أو تعبد إلهاً واحداً؟ وتوقيع القرآن أن السجن كان سجناً إحتياطياً مؤقتاً بدليل أن أحد الفتيان سيخرج من السجن والآخر سينفذ عليه عقوبة إذن السجن ليس سجن عقوبة وإنما سجن احتياطي فصدق الذي قال (ليسجننه حتى حين) عند أهل المشورة تعني حتى تهدأ الأمور وعند امرأة العزيز حتى يعقل يوسف ويرجع من وجهة نظرها. هذا الكلام هل نأخذه من كلام الله تعالى أو من الإسرائيليات؟ عيب الإسرائيليات يظهر غباء لأنهم يأتون بكلام ليس موجوداً لا في الكتاب ولا في السنة وينسبون كلاماً لم يقله الرسول r ونحن عقيدتنا في ديننا ما قاله الله تعالى وما قاله الرسول r. في خطبة الرسول rكان يفتتح خطبته: "فإن خير الكلام كتاب الله وخير الهدي هدي محمد r" فهذان هما المصدران اللذان نأخذ منهما والرسول r حذّرنا من الاسرائيليات (وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) حذرنا الرسول r أن لا نأخذ من غيره، خذ من الكتاب ومن السنة حتى ترتاح ولا يأتيك ما يمكن أن يشك فيه. تعريف البدعة هي الزيادة في الدين على سبيل التعبد ما لم يفعله الرسول r. هناك حديث : "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة" ما معنى الحديث؟ السُنّة غير البِدعة التي هي أن تأتي بما هو غير مسبوق. السُنّة الحسنة بمعنى أحيا سُنّة غابت عن الناس والسُنّة السيئة هي البِدعة فكلمة (سنّ) الأولى بمعنى أحيا وكلمة (سنّ) الثانية هي أحدث بِدعة لم تُعمل سابقاً وهذا من المشترك اللفظي. والمسلم يجب أن يعمل كل ما عمله الرسول r وينتهي عن كل ما لم يفعله الرسول r. الناس للأسف تسأل بعد أن تعمل وليس قبل كما يحدث في الحج بدل أن يسأل عن كل ما يجب فعله قبل أن يحج يسأل بعدما يعود ويكون قد عمل.
في بعض النقاشات بين المسلمين وغير المسلمين والحوارات بين الديانات يقول المسلمون كيف نناقش بالقرآن والأحاديث وهؤلاء لا يؤمنون بالقرآن ولا بالرسول r؟ فهل يصلح هذا المنطق المجرد الذي استخدمه يوسف u الذي يتناسب مع الفطرة هل يصلح لأن يكون ركيزة للنقاش مع غير المسلمين؟ هذا يصلح في بداية النقاش مع غير المسلمين يجب أن تبدأ بمنطقية الأمور كما فعل يوسف u ثم ينقلهم للعقيدة وعندما يدخلون العقيدة نكلمهم بالقرآن.
يوسف لم يتكلم مع فتيان السجن عن الرؤيا بداية وإنما توقيع القرآن قال أنه سيقول لهما عندما يحصل أي كلما يحصل لهما سيقول ولكنه يقول ليس من عنده وإنما من عند ربه. وقبل أن يتكلم عن العقيدة الصحيحة تكلم بمنطق (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) وذكر أنه اتبع ملة آبائه (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ (38)) ذكر عقيدتهم التي هي التوحيد ولم يلزمهم بها وهذه سياسية ومنهجية فكر وطريقة عرض (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) هل أعبد بشراً أم أعبد إلهاً؟ الذي يسير على منهج عقيدة يرتاح والبعض يقول أن الإغريق عندهم آلهة لكل شيء وهذا الإله عمل والآخر عمل كذا وهذا كله غير صحيح لأن هذا من صنع بشر الذي أخبر القصة أن هناك آلهة متعددة وحصل بينهم صراع وفي الأصل هذا غير صحيح وإنما من عند بشر فهل أعبد بشراً أو أعبد إلهاً؟ القرآن عرض لكل هذا لكن في قضية الإختيار جاء بآية في منتهى الإبداع (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ (11) لقمان) هل ادّعى أحد أنه خلق؟ لو قال أحدهم أنا خلقت ولم ينازعه أحد ستعبده لكن لم يدّعي أحد الخلق. القرآن علمنا كيف نجادل النمرود الذي ادّعى لنفسه أنه يحيي ويميت لم يناقشه إبراهيم فيها وإنما استدرجه إلى قضية أكبر (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ (258) البقرة) التوقيع القرآني (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) هذا كلام بمنطق القرآن. (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ (11) لقمان) من قال أنه خلق الشمس أو القمر أو الأرض أو غيرها؟ لا أحد. البعض قد يتساءل في الآية (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) المؤمنون) هذه الآية من عدالة التوقيع اللغوي في القرآن. أثبت الله تعالى الخلق لغيره لكن هذا الذي يخلق خلق من ماذا؟ لو ضربنا مثلاً أن رجلاً نجاراً وضعته في غرفة فارغة وقلت له إصنع لي طاولة فسيسألك أن تعطيه خشباً ومسامير وأدوات لكن خلق الله لهذا قال فتبارك الله الذي خلق من دون شيء الذي يقولون عنه عدم لكن لا عدم في وجود الله وكلمة عدم لا تتفق مع الله واجب الوجود وليس موجوداً كما يقولون لأن الموجود إسم مفعول أي هناك من أوجده وهذا لا يليق بالله تعالى. الخالق الأعظم سبحانه وتعالى يخلق من لا شيء من لا وجود وليس من عدم (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) يس) له أي أن الشيء عنده سبحانه موجود ولو كان عندنا غير موجود إذن ليس هناك عدم مع الله تعالى. أحسن الخالقين أثبت الله تعالى لك الخلق لكن حدود خلقك من موجودات أما خلقه تعالى فمن لا شيء. هذا هو المنطق الذي يتفق مع الفطرة السليمة التي توصل للإله الحق وللدين الحق والمنهج الحق ولذا استعمل يوسف u هذا المنطق في طريقة العرض ليصل بالفتيان إلى التوحيد الحق.
يوسف أوّل الرؤيا من عند الله تعالة بدليل قوله (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) لأنه عندما تعرض الناس عليك الرؤيا تقول أنا رأيت كذا وهذا الكذا يريد الناس أن يوقعوه في الواقع فالذي يعبر الرؤيا ينقل هذا الكلام إلى أرض الواقع، الذي يقول أني رأيت أو حلمت يستعمل أفعالاً ماضية والماضي قد حصل ويمكن أن يملكه أي أحد لكن عندما تفسر له تقول له سيحصل كذا أي هذا سيحصل في المستقبل وهذا أمر لا يكون إلا لله تعالى. يوسف قال (قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا) الحلم ماضي والمفسر عندما يفسر ينقل الكلام من الماضي للمستقبل لكن من يملك هذه إلا الله تعالى؟ ومن يتجرأ أن يقول سيحصل لك كذا؟ هذا ما نسمعه في برامج تفسير الأحلام وهذا كفر لأن المستقبل غيب والغيب لا يملكه إلا الله تعالى.
أول ما قال يوسف (قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا (37)) قال (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) اي أنه يتكلم بوحي وما علمه الله تعالى إياه وصاحب الوحي إذا قال سيحصل يعني سيحصل فعندما قال r(غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) الروم) (غلِبت الروم) هذا فعل ماضي و(سيغلبون) هذا مستقبل وهذا وحي من الله تبارك وتعالى لمحمد r ولا أحد يقدر عليه سوى الله سبحانه وتعالى.
الصياغة القرآني والفتيان يتكلمان عن الرؤيا (قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ) استخدما فعل المضارع (أراني) لأنه يؤكد أنه رآها رؤية منامية كأنها واقع ولا زالت في ذهنه وكأنها حاصلة الآن حتى لا يشك يوسف uبالرؤيا ولذلك استخدم الفعل المضارع (أراني).
يجب أن نستفيد من قصة يوسف وطريقة عرضه لمنطق التوحيد المجرد وطريقة مخاطبته للفتيان في السجن بالدعوة الحسنة واللطف (يا صاحبي السجن) لتكون دروساً لنا في مخاطبة الناس ودعوتهم وأمرهم بالمعروف ونهيههم عن المنكر والدعوة لا تكون من إنسان فظ وقالها القرآن للرسول r (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ (159) آل عمران).
بُثّت الحلقة بتاريخ 4/9/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 05:53 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 56
تقديم علاء بسيوني
الرحلة مستمرة في سورة يوسف والهدف استخلاص المنهج من قصة يوسف الذي رغم تعرضه لابتلاءات كثيرة خرج منتصراً وهذا نستفيد منه حتى لا نضعف ونقع في الزنا. وقفنا عند دخول يوسف السجن الذي هو تدبير إلهي لحكمة أن يخرج يوسف من السجن بصورة أحسن ويبرّأ والعبرة دائماً بالخواتيم.
مسألة دخول يوسف السجن والفتيان وكيف استغل يوسف هذا الموقف ليدخل في مسألة التوحيد فما الدرس الذي نخرج منه من قصة يوسف r؟
(وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40))
دائماً أكثر الناس لا يعلمون والقِلّة عادة هي المنتبهة الطائعة والأكثرية هي الغافلة ولكن البقاء للأصلح والعبرة بالخواتيم ومن دعاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه " اللهم اجعلني مع القليل" وهناك من لا يشكر (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) سبأ) (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61) غافر).
نلخص قصة يوسف r أن مسألة منهج يوسف u وهو مع تزايد الابتلاءات لا يضعف والبعض يعتقد أنه إذا ابتلاه ربه فهو غاضب عليه ويرى عكس الأمر فبدل أن يراه منحة أو رفعة درجات يعتقد أنها محنة وأن الله تعالى غاضب عليه. فما الذي جعل يوسف يصل لهذه المرتبة؟
نحن لم ننتقل من سورة الفرقان إلى سورة يوسف إلا لتحقيق كيف نتقي هذا الإم الذي هو الزنا وطبقنا هذا على كل إثم من الآثام التي ضرب تعالى بها المثل في سورة الفرقان وهي غير مذكورة على سبيل الحصر وإنما على سبيل التمثيل: الشرك والقتل والزنا. الشرك مثال لأمور كثيرة تظهر من حديث لرسول الله r "إذا كان العبد المؤمن وإذا كان العبد الكافر" ممكن يسأل أحدهم أين الباقي؟ هو حدد المؤمن والكافر ومع العلم أنه في مقابل الإيمان هناك صنوف كثيرة النفاق والشرك والكفر لكن الرسول r يعطي مثالاً يجمع تحته كل الصنوف فكما قال إذا كان العبد المؤمن قد يكون محسناً أو مؤمناً أو غيره من درجات العبودية لله تعالى وكلهم في الجنة لكن تختلف درجاتهم وأقلّ الجنة جنة وأقل النار نار والعياذ بالله. هناك فرق بين التصنيف ودرجات الجنة وهذه عملية واسعة جداً فداخل كل درجة درجات فالمؤمن يختلف عن مؤمن آخر والرسول r قال بين أبي بكر وعمر هيهات هيهات هيهات، وهذا الكلام داخل الدرجة. نضرب مثالاً بداية يوسف كيف كانت وكيف كانت نهايته وماذا تعرض له من ابتلاءات؟ أول إخبار عن يوسف u يرى رؤيا (إذ قال يوسف لأبيه) ونهايته عزيز مصر، ملك مصر مكانة لم تأت بين يوم وليلة ونحن عندما يعرض علينا حادثة الزنا هذه لدقائق ورفضنا لها ينبني عليها أمور لا نتحيلها فبرفضنا لها نكون قد أغضبنا الشيطان والناس وأرضينا الله تعالى. نسير مع يوسف في كل واقعة، كل واقعة تعطينا موضوعاً لكنه هو يحمل همّ أمر آخر، امرأة العزيز تفكر في واقعة الزنا التي تنتهي في دقائق معدودة مهما طالت لكن بالنسبة ليوسف (معاذ الله) ولما جاءت بالنسوة راودنه جميعاً وعندها كلّم المولى عز وجل وقدّم له مسألة في منتهى الخطورة لا يفعلها إلا من صدق مع الله فقال (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ (33)) إتهم نفسه بالتقصير مع أنه لم يقصّر أبداً ووضع نفسه في منزلة حتى يبين أن الفضل لله تعالى وهنا يعلمنا أن نبقى في معية الله واثبت الفضل لله. نحن لا نعرض لقصة يوسف لنتكلم عن مسألة الرؤيا ولكن ضرب الله تعالى بيوسف المثل وهو واحد لنتعلم منه.
ما الفرق بين دخول يوسف السجن وخروجه من السجن؟
(وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52) وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56))
لم يخرج يوسف u مباشرة وإنما خرج بشروطه بعد أن يُبرّأ. يجب أن نتعلم كيف نتدبر القرآن وهي غير سهلة مع أنها قد تبدو سهلة. وردت (ائْتُونِي بِهِ) مرتين أول مرة ليأول الرؤيا ويسمعها الملك منه شخصياً والثانية بعد أن تكلمت النسوة وتكلمت امرأة العزيز فبقاء يوسف في السجن على مراده هو لا خروجه على مراد العزيز تبين أن يوسف صاحب فكر ومنهج ويظهر أنه لم يخرج لأنه بريء من التهمة ولكن خرج يلبي إحتياج الملك. نقطة البقاء في السجن المدة التي تكلمت فيها النسوة وذكرنا أن الملك أجرى تحقيقاً مع النسوة (قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ) ولم يحقق مع امرأة العزيز التي تكلمت من تلقاء نفسها (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) هذا يؤكد مقدار الحب الكامن في نفسها ليوسف ويؤكد منزلة يوسف عند الناس فضلاً عن امرأة العزيز وهي تكلمت من غير تحقيق. ويؤكد ما قاله يوسف في بداية الأمر أن العملية ليست كلاماً يقال (السجن أحب إلي) أحبّ هذه احتاجت لاختبار لذا لما قال تعالى (فاستجاب له ربه) قال أحدهم كيف استجاب وقد دخل السجن؟ هذا يبين أننا لم نفهم معنى الاستجابة. الاستجابة وقعت في أمرين استجابة تلبية في أمر واستجابة ابتلاء في أمر آخر. أحياناً تدخل شخصاً تعرفه أنت والناس تجهله فتدخله في تجربة حتى تثبت لغيرك ما تريد أن تُظهره فيه ولو لم تكن واثقاً من الشخص ومن النتيجة لا تقدم على التجربة. الذي يجري الأحداث بهذه الكيفية هو الله تعالى تحقيقاً لقوله تعالى (والله غالب على أمره) هذه الآية تعمل دائماً لأن الذي سمع من يوسف كان ممكن أن يأخذ تأويل الرؤيا من يوسف ويقولها للملك مباشرة وهذا يحصل الآن من سرقة الأبحاث والاكتشافات والأفكار في الجامعات وغيرها.
حياتنا مبنية اليوم على عكس هذه المفاهيم ويسألأ الناس ماذا نفعل؟ نقول لهم علينا أن نكون في معية الله لأن الله غالب على أمره وإلا لكان الرجل الذي نجا من السجن أخذ تأويل الرؤيا من يوسف وأخبرها للملك بنفسه. يوسف u صاحب فكر ومنهج فهو قال لصاحبه في السجن اذكرني عند ربك لا من أجل الخروج لأنه فسر الرؤيا وهو في السجن وإنما من أجل البراءة. يوسف من أول الآيات يسير بمنهج على مراد الله وهذه بدأت من بداية القصة ويعقوب حذّره من بداية القصة (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا (5)) الذي حصل هو الكيد ويوسف لم يقص الرؤيا لإخوته وسمع ما قاله له أبوه وإلا لكانوا قتلوه ولكن الله غالب على أمره.
نربط بين مكانين في سورة يوسف (ائتوني به) وبين آخر السورة (رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102) وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)) الموضوع يبلوره الله تعالى لنا على لسان يوسف u. كلام يوسف ترجمة لما يقوله المولى تعالى أن المنهج إلهي وأن الفضل لله وهمّه ليست الدنيا وإنما الآخرة وما حصل ليوسف كله بولاية الله تبارك وتعالى (أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ) ولذلك في مسألة الرؤيا قال (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) يعني ما حصل من بداية القصة (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)) إلى آخرها (رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ) واختيار هذا التوصيف لله (فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) فالذي فطر السموات والأرض سهل عليه أن يفعل كل هذا (أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) كل ما حصل بولاية الله وفي الآخرة توفني مسلماً لم يقل مؤمناً أو محسناً لأن هذا إسلام الوجه وهو أرقى درجات العبودية، يوسف أسلم في البداية ثم آمن ثم اتقى ثم أحسن ثم أسلم إسلام الوجه فلا يغرنا إيماننا أن نموت مسلمين لكن يوسف من ذكائه قال (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) هو يعتبر نفسه ليس من الصالحين لأنه يستقل ما يفعله. هو لا يعتبر نفسه من الصالحين وهذا من ذكاء المؤّدي وإنما يريد أن يكون مع الصالحين في الآخرة. الآية فيها توقيع بديع جداً يقول للرسول r(ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ (102)) وهذه قضية حجر الزاوية في قضي الإيمان لذا في مطلع البقرة (الذين يؤمنون بالغيب) الإيمان بالغيب مهم جداً وهذه القصة بالنسبة للرسول r لما تكلم بها غيب (وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) ما حصل بين إخوة يوسف لم يحضره الرسول r والمفروض أن اليهود عندما سمعوا القصة وهي عندهم في التوراة والإنجيل كان عليهم أن يصدقوا ولكنهم حرفوا وقالوا عنه مجنون وساحر.
في التوراة خطاب من الله تعالى لبني إسرائيل أنه سيرسل لهم من بني إخوتهم رسولاً والمفروض أن يكون من نسل اسماعيل لأنه أخو اسحق لكنهم أدخلو الهوى في التفسير وقالوا سيخرج النبي منهم. كلام عيسى لبني إسرائيل (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ (6) الصف) وبنو إسرائيل كانوا يريدون أن يكون خاتم الأنبياء منهم (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم (29) الروم) هؤلاء الذين ظلموا تصلح في كل عصر لأنهم قد يكونوا ظلموا أنفسهم أو ظلموا الناس أو ظلموا غيرهم والذي يظلم نفسه يتبع الهوى لا المنهج. من أين عرف الرسول r قصة يوسف إن لم يكن وحياً؟ هو وحي لأنه لم يكن في تلك الفترة ولم يتعلم لذلك يقول تعالى له (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102)) هو لم يكن معهم ليعلم وهذه الآية تطمئن الرسول r وتطمئننا على الواقعة التي حدثت (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) ثم يقول (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)) هذا الذي كان يجب أم يكون لكن التوقيع (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) وقال قبلها (ولكن أكثر الناس لا يعملون) (ولكن أكثر الناس لا يشكرون). لننظر ما حدث في عهد رسول الله ونأخذ النسبة نجد القليل من أسلم لذا قال (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) ثم قال بعدها بآيتين (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)) وهذا ما يحص في مجتمعنا اليوم كل واحد على طريقته كما قال تعالى في سورة الروم قال (كل حزب بما لديهم فرحون) أي يدعون أنهم هم الصح. لأم الله واحد لا بد أن يكون الدين واحداً والطريقة واحدة لذا افتراق الأمة على 71 أو 72 أو 73 هذا كلام منطقي لكن بالمنطق الإله الواحد يعبد بدين واحد لأن الحق لا يتعدد. شاهدنا في قصة يوسف ما حدث من عهد (إذ قال يوسف لأبيه) إلى قوله (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ) المُلك الذي أخذه لم يكن ملكاً مطلقاً لذا قال (من الملك) لأن الملك المطلق لله تعالى فيوسف نبي فهم الحقيقة وقال (وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ) نضعها مع (ذلكما مما علمني ربي) لم يقل تفسير الأحلام وإنما تأويل الأحلام.
قال (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ) بعض الملك والبعض يغتر بقدرة أو بتصرف أو غيره فلما تفنى السموات والأرض ويموت كل شيء يسأل تعالى لمن المُلك اليوم؟ لله الواحد القهار. هذا الموضوع حجر زاوية فلا يمكن أن يكون القرآن مخلوق لأن ملك الموت نفسه سيموت والله تعالى ينادي بالقرآن إذن القرآن باقٍ ببقاء الله إذن تعريف القرآن هو كلام الله باق ببقاء الله لا يصيبه موت أو عجز أو تحريف أو غيره (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
سورة يوسف مليئة بالدروس أولها أنه يجب أن نلجأ للمولى عز وجل ثم لا نغتر بعبادتنا وقربنا إلى الله لكن نسأل الله تعالى المعونة وأهمها يجب أن نفهم المنهج جيداً ولا نعتمد على النوايا فقط ولا نقصر في فهم المنهج ونتصور أننا على صواب ولا يمكن أن نقع لذا علينا الاستعانة بالله تعالى ومسألة الزنا ليست حكراً على الشباب الذي يعاني من الكبت والذي يتعرض لمغريات كثيرة وإنما هناك من هم متزوجون لسنوات ولكنهم بسبب بعض المشاكل أو أي سبب من الأسباب يقعون في الزنا لأسباب عديدة ولكنه لن يقع إذا قال يا رب وفهم المنهج وطلب العون من الله تعالى.
هل مشوار الحياة هو منتهى الأمل؟ مستقبلنا الحقيقي هو في الآخرة وليس في الدنيا (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) العنكبوت) إذن هم لا يعلمون والغالبية لا تعلم. الإنسان يتسابق لشراء أرض هنا وبيت هناك ولم ينتبه أنه سيترك كل ما يملك ولا يفكر ببناء قصور له في الجنة
أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها
فمن بناها لخير طاب مسكنه ومن بناها لشرّ خاب بانيها
المفروض أن نفكر ونفهم الحياة فلو جمعنا الأموال لن نأخذه معنا القبر ولن نأخذ أكثر مما كتبه الله تعالى لنا فمن الذكاء أن آخذ على قدر حياتي حتى أعبد هذا الإله وعندنا آية فاصلة حاكمة (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فعلينا أن نوقّع ونحقق هذا الآية. علينا أن نعمل في الدنيا بما يتناسب مع المنهج ولو قصدنا وجه الله تعالى في أي عمل سيوفقنا الله تعالى ويجب أن لا يشغلنا شيء عن ذكر الله تعالى لأننا سنترك كل شيء في هذا الدنيا.
خلال شهر رمضان المبارك يعرض برنامج طريق الهداية يومي الخميس والجمعة الساعة 3.30 عصراً بتوقيت مكة المكرمة.
بُثّت الحلقة بتاريخ 11/9/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 05:55 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 57
تقديم علاء بسيوني
التوبة ليست كلمات يقولها اللسان وانتهى الأمر، هناك من يقول بلسانه تبت إلى الله ثم يقع في المعصية ذلك لأنه ببساطة لم يتب، فالتوبة عملية متكاملة تحتاج إلى فهم ووعي ومكانة من القرب والتوقى عند الله سبحانه وتعالى. كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. شهر رمضان كان فرصة لتقرب الإنسان لله والطاعة لكن للأسف البعض يقل تقربه بعد رمضان وبالتالي يخطيء الإنسان فيحتاج للتوبة. ذكرنا في حلقات سابقة الكبائر الثلاثة التي ذكرها تعالى في سورة الفرقان وهي الشرك بالله والقتل والزنا وكيف نفعِّل عملية التوبة حتى نبتعد عن الكبائر ثم الصغائر ثم يصل لمرحلة القرب من الله تعالى والتقوى.
(وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71))
هل الترتيب في الآيات يوصف أن هناك شروط للتوبة نحن غافلون عنها؟ هل عندما أخطيء يخرج الإيمان من قلبي؟ وما المقصود بالأعمال الصالحة؟ وهل من شروط التوبة أن أعيد الحقوق لأصحابها بعد أن أتوب حتى لو كانت كلمة؟
موضوع التوبة اعتاد الناس أن يتوبوا باللسان (أستغفر الله، تبت إلى الله) وكثير من يخلط بين الاستغفار والتوبة ولا يعرفون مقام كل واحد منهما. في عهد علي ابن أبي طالب أمير المؤمنين دخل رجل إلى الصلاة فقال اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك ثم قال الله أكبر وبدأ بالصلاة فسأله علي ابن أبي طالب ماذا فعلت؟ قال كنت أتوب، فقال علي ابن أبي طالب "إن سرعة التوبة باللسان هي توبة الكذابين". علي ابن أبي طالب لم يعلم مم يتوب الرجل لكن لفت نظره سرعة توبة الرجل بالكلام. الرجل سأله: فما التوبة؟ قال عليّ: التوبة كلمة تقع على ستة أشياء (يعني حتى تتوب يجب أن تمر بست مراحل) فالندم على ما مضى (يجب أن تندم على ما فات وكثير لا يندم على ما فات لأننا لو لم نستحضر المعصية لن نعلم كيف يتوب، لم نسأل أنفسنا مم نتوب؟ ولماذا نتوب؟ وإلى من نتوب؟ لو استحضرت عظمة الله تعالى الذي تتوب إليه الذي لا يمكن أن تنقض العهد معه، نحن لم نفهم من هو الله؟ يقول العلماء من استحضر العقوبة والمعاقِب لم نقدم على المعصية. البعض يحتج بالحديث القدسي الذي فيه يذنب العبد ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب، هذا حديث صحيح والله تعالى قال لرسوله r: (نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ (50) الحجر) لم تقف الآية عند الغفور الرحيم، يجب أن نضع صفات الجلال والكمال عند قدم المساواة مع بعض هو رحيم لكن ليس عن ضعف، هو رحمن لكن ليس عن عدم قدرة. (كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ (12) الأنعام) رب العالمين لا يلزمه شيء وقال تعالى في الحديث القدسي (إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم حراماً). قال عليّ ابن أبي طالب: التوبة كلمة تقع على ستة أشياء: الندم على ما مضى (هذا من حيث المعصية ذاتها تستقبحها) وفي رواية قال عليّ الندامة وليس الندم، الإعادة فسأله الرجل الإعادة لماذا؟ قال عليّ: للفرائض، يعني ساعة ما وقعت في المعصية هناك فرائض سقطت منك فلا بد أن تعيد هذه الفرائض، البعض يعتبر نفسه في فترة المعصية كافر حتى لا يؤدي الفرائض التي سقطت منه، هذه الأمور تكشف حقيقة التائب والتوبة، فكأن علي ابن أبي طالب يضخِّم مرحلة المعصية، حتى لو صلى العاصي الفرائض في مرحلة المعصية لكنه لم يكن يؤديها بشكلها المطلوب وإلا لنهته عن الفحشاء والمنكر، الدنيا دار ابتلاء والله تعالى جعلها امتحاناً لنا. الإنسان في مرحلة المعصية إذا أطلق نفسه للسرقة أو الزنا أو الشرك وضرب القرآن مثالاً لنا في الكبائر الثلاثة، إبراهيم ويوسف وابني آدم كلام علي ابن طالب عندما قال إعادة الفرائض كأنما يذكر العاصي أنك تصلي للإله الذي زنيت تحت سماه وسرقت تحت سماه وقتلت تحت سماه، عندما تستعظم التوبة ستشاور نفسك مائة مرة قبل أن تعصي. ثم قال علي ابن طالب: رد المظالم، وقال لا يمكن أن تقبل توبة في حق العبد إلا إذا رددت المظلمة سواء كانت كلمة أو مال أو غيره، لو مات من ظلمته أرسل المال للورثة أو ضع المال باسمه صدقة جارية. ثم قال علي: إذابة النفس في الطاعة يعني حتى لا تعمل معصية مرة ثانية تدخل نفسك في طاعات كثيرة، هناك من يأتي المسجد قبل صلاة الظهر بنصف ساعة حتى لا يُخطئ لأنه كان يهرب من المدرسة مع زملائه وكان يتركهم ليأتي للمسد حتى لا يُخطيء. هذا كالذي يحيط نفسه بالتوبة حتى لا يقع في المعصية. ناقشنا مسألة (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) مسألة العمل لأن الإنسان العاصي عصى لأن لديه وقت فراغ فقال علماء النفس إذا أردت أن يعود هذا العاصي عن معصيته أشغله بعمل، وأخص العمل الصالح أن لا تعود للمعصية وأن تشغل نفسك بطاعة حتى تكون لك وقاية وهذا ما عبّر عنه علي ان أبي طالب بإذابة النفس في الطاعة كأن النفس أصبحت جزءاً من الطاعة. ثم قال علي ابن أبي طالب: إذاقة النفس مرارة الطاعة. لما قال الندم قال على ما مضى ولما قال الفرائض قال التي سقطت منك ورد المظالم للناس وإذابة النفس بالطاعة لأنك شغلتها بالمعصية وإذاقة النفس مرارة الطاعة هذه مقابل معالجة لذة المعصية التي تباهى بها العاصي في فترة المعصية وزينها له الشيطان، قال عليّ مرارة لأن أمامها تزيين من الشيطان وأؤكد أن للطاعة حلاوة لا يعرفها إلا من جرّبها كقيام الليل له عند ما يفعلها حلاوة. تبدأ الطاعة بمرارة لكنها ستنتهي بحلاوة وما قال عليّ ابن أبي طالب مرارة إلا ليقابل التزيين فالعاصي يكون معجباً وفرحاً في فترة المعصية ويسعد بها. ثم قال علي ابن أبي طالب: البكاء فسأله الرجل على ماذا أبكي؟ قال مقابل الضحك الذي ضحكته وأنت تعصي فكل ضحكة ضحكتها في معصية يجب أن يقابلها بكاء كل هذا تفعله حتى تفيق أنت لم تتب بعد وإنما هذه كلها مراحل تحضيرية وهذا يبين عظمة الفهم عند علي ابن أبي طالب. نعود لمسألة الإعادة للفرائض إذا فلسفناها نقول قال تعالى (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) العنكبوت) والرسول r يقول في الحديث الشريف: " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له" إذن في الحقيقة كلام علي ابن أبي طالب يوافق القرآن والسنة، إذن الصلوات التي كان يصليها في فترة المعصية لا تحسب له صلاة لأنها ليس فيها شروط الصلاة، لا يعيدها إذا نهته صلاته عن المعصية أما المستمر في المعصية فيجب أن يعيد الفرائض. الإنسان لما يعمل طاعة يكون سعيداً لكن الذي عمل معصية يكون حزيناً.
كل شيء له ثمنه هذا المفهوم إذا غاب عن الناس يجعل الناس يستمرون في المعصية؟ وإذا كان الله تعالى لم يمهلك لتتوب فماذا تفعل؟ لو ضمن أحدنا عمره فليفعل ما يشاء ثم يتوب قبل الموت. وهل استسهال الذنب واستسهال التوبة عوامل تسهل للإنسان الوقوع في الذنب مرة ثانية وثالثة؟ وهل كلام علي ابن أبي طالب من شروط التوبة تحضير لعملية التوبة؟ الإنسان أولاً يستأصل الذنب من تاريخه أولاً ويستأصل من القلب ارتباطه بلذة المعصية. الإذاقة تصرف الذهن لشيء جميل لكن علي ابن ابي طالب يقول إذاقة النفس مرارة الطاعة فكأن بهذا الكلام يعاقب النفس على ما فعلت فمثلاً طول قيام ليل تسأل القائم ليلاً لم تفعل هذا فيقول لك أنا أربي النفس وأؤدبها حتى لا تعود إلى ما فعلت كما يتحمل المريض مرارة الدواء ليتحقق العلاج. الشاعر قال:
إذا كنت في نعمة فارعاها فإن المعاصي تزيل النِعَم
إحدى الأخوات الفاضلات روت لي قصتها مع الحجاب فقالت كانت تتباهى بجسمها وشعرها فبعث الله تعالى مرضاً لو اكتمل معها لابتعدت عن الناس فطلبت من الله تعالى أن يشفيها وهي تلتزم بطاعته وكانت صتدقة فشفاها الله تعالى والتزمت لكن هذه المسألة لا تتم لأي شخص فالموت أو المرض يأتي بغتة وفجأة. الذي عنده نعمة الصحة ويستخدمها في معصية الله تبارك وتعالى وفي إغضاب الله سبحانه وتعالى فأنت لا ترضى أن تغضب أبوك أو أمك أو مديرك وهؤلاء بشر فكيف أمام عظمة الإله الحق.
يا ليت ما بيني وبينك عامر وما بيني وبين العالمين خراب
على كل واحد فينا كلما تعرض عليه معصية استعرض عظمة الإله الحق القوي القادر يراقبني في كل شيء وبعض الناس تقدم على المعصية وليس في بالها صفة الرقيب لله تبارك وتعالى وذاك الرجل الذي اختلى بامرأة فقال لها لا يرانا أحد سوى الكواكب في السماء فقالت له أين مكوكبها؟ فرجع عن المعصية. قد تأتي الغفلة نتيجة عدم استحضار الإله الحق وعظم الصفة التي أغفلناها وهي الرقيب. هل سمعت عن تاجر مخدرات اتفق أن يلتقي مع تاجر مخدرات آخر في قسم الشرطة؟ بالطبع لا وإلا لكان مجنوناً ولكن للأسف نحن نعصي أمام الله تعالى وغاب عنا أنه تعالى لا ينام ولا يغيب وغفلنا عن قوله تعالى (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ (255) البقرة) آية الكرسي جميعنا يحفظها لكن قليل من يعمل بها لأن النفس والشيطان ينسياه إياها. لو نجح الإنسان أن يحول مرارة الطاعة لأول وهلة إلى لذة الطاعة يستبدلها بلذة المعصية ولا يجب أن نفهم كلام علي ابن أبي طالب على أنها ستظل مرارة وإنما تبدأ مرارة ثم تصير حلاوة مثابل حلاوة المعصية المزيفة بالتزيين. وقال مرارة لأن الطاعة دائماً فيها مشقة لأنه حُفّت الجنة بالمكاره وحُفّت النار بالشهوات. أنت تقوم في ليالي الشتاء الباردة وتتوضأ بالماء البارد وتصلي لذلك إسباغ الوضوء على المكاره فيه فضل كاستخدام الماء البارد في الشتاء والماء الحار في الصيف فتوضأ وأسبغ الوضوء ولك فضل إضافي وأجر في كلاهما. نحن على دين يكافيء الله تعالى من يعمل حسنة فالذي يجامع زوجته له أجر كما أنه إذا وضع شهوته في حرام يحاسبه الله عليه، هذا إله حق إذا أحسنت يكافئك وإذا أخطأت يعاقبك ولذلك قوله تعالى (فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) كأني بعلي ابن أبي طالب أن مسألة التبديل ليست رخيصة وسهلة "ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة" لذا نشتاق جميعاً إليها ويسعى إليها العاملون وكلمة الجنة تأتي مع الذين يعملون والإيمان مقرون دائماً بالعمل (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ (105) التوبة) المسألة تحتاج لوقفة حتى الذي يتوب بسرعة يمكن أن يقع في المعصية ثانية في نفس اليوم فالذي يأتي سهلاً يذهب سهلاً والإمام علي ابن أبي طالب يريدك أن تفهم معنى التوب ولذلك بعد أن استعرض المولى الكبائر الثلاث في الآية قال (إلا من تاب) الذي تاب ووقع ثانية هل نقول عليه تاب؟ كلا لأنه وقع في المعصية ثانية إذن لما يقول تعالى (إلا من تاب) يعني تاب بحق وصدق وأول علامات قبول التوبة عدم الرجوع إلى المعصية لأن الذي يعود للمعصية ثانية لم تكن توبته حقيقية لأن التوبة في القرآن واللغة توبتان: عندما يفكر الإنسان بالتوبة يجب أن يكون الله تعالى قد تاب عليه (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) التوبة) تاب الأولى أي هداهم للتوبة وطالما هداك الله للتوبة ستتم بشكل صحيح ولن يحصل بعدها معصية لأن الذي هداك إليها هو الله عز وجل وليس أنت. في موضوع توقيع قبول التوبة نجد في القرآن (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ (25) الشورى) قال تعالى عن عباده ولم يقل من عباده لأن (من) في اللغة تعطي للفاعل منشأ الفعل فإذا قلت فلان أخذ منك شيئاً يعني أن هذا الشيء كان ملكك أنت فكلمة (من) تعطي منشأ فعل العطية للتائب بينما هي ليست هكذا. (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة ليست عندهم المنشأ ليس عندهم مثل توبة آدم (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) البقرة) آدم لما عصى لم يعرف أن يتوب فحسمها القرآن (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) آدم مفعول به وليس الفاعل فهو أخذ من رب العالمين الذي أعطاه وهذه مسألة تقطع لسان من يقول أن علينا وزر من آدم لأن آدم انتهى وزره في تلك اللحظة عندما تاب عليه الله تعالى وما ذنبنا نحن؟ لأنه (ولا تزر وازرة وزر أخرى) (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء). آدم u تاب الله تعالى عليه (فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) الله تعالى تواب قبل آدم فما وقع آدم في المعصية إلا لإعمال صفة التواب والذنب انتهى. خطورة الفكر أن الإنسان يضع فكراً من عندياته بعيداً عن المنهج الذي وضع الله تعالى قواعده وبالتالي وارد أن العقل البشري أن يضل لذا قيل: من اعتمد على عقله ضلّ ومن اعتمد على غيره ملّ ومن اعتمد على ماله زلّ ومن اعتمد على الله لا ضل ولا ملّ ولا زلّ. لو أن أبي أخطأ فما ذنبي أنا؟ فكيف يقولون أن علينا وزر من آدم؟ لو كان عندنا وعي علينا أن نسجد لله على معصية آدم لأنه لو لم تحصل هذه المعصية لما شرعت التوبة. هذه علاقة بينك وبين الحالق إذن هناك منهج واضح لذلك قال تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ) استخدام (عن) كأن الله تعالى يريد أن يبعدك عن المعصية فينأى بك عن المعصية ويتحمل عنك. (عن) تعطي معنى التحمل فكأنك ساعة نويت أن تتوب بصدق توبة نصوحة ليست توبة كلام يتقبل الله تعالى عنك.
بُثّت الحلقة بتاريخ 30/10/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 05:56 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 58
تقديم علاء بسيوني
ما زلنا نتكلم عن التوبة وقلنا أنها حالة وليست مجرد كلمات تقال باللسان وإنما هي حالة حتى يصير الإنسان متاباً. تكلمنا في الحلقة السابقة عن حديث قدسي يحرم الله تعالى الظلم على نفسه وعلى البشر وفيه علاقة الخالق بالمخلوقات. سنقف عند قضية الخطأ والاستغفار والتوبة وسنقف كثيراً في الحديث القدسي عند أمور نربطها ببعضها حتى يصل الإنسان إلى حالة توبة مستديمة. نلمح في الأحاديث القدسية ملمح من الخصوصية بعيداً عن القرآن والأحاديث الشريفة وكأنها علاقة مباشرة أكثر بين الخالق والعباد وكأن بها درجات قرب من الله تعالى.
نقف عند كنه الحديث القدسي. نحن عندنا القرآن الكريم كلام الله سبحانه وتعالى وعندنا الحديث النبوي الشريف وعندنا الحديث القدسي. القرآن كلام الله يُتعبد بتلاوته ونأخذ منه المنهج والتوجيه. الحديث القدسي كلام الله لكن لا نتعبد بتلاوته وإنما نأخذ منه النصح والتوعية والعلاقة التي بيننا وبين الله تعالى وبيننا وبين الناس وبين العبد ونفسه ومع أن العلاقة التي بيننا وبين الله تعالى واضحة والتي بيننا وبين الناس واضحة ومع ذلك نقع في أخطاء كثيرة لكن لم ينتبه أحد للعلاقة بينه وبين نفسه والكلام في الحديث القدسي يقف عند هذه المنطقة ويحتاج لمن يبيّنه لنا. لما يقول تعالى في الحديث القدسي: " إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم حراماً فلا تظالموا" "بينكم" هذه واسعة جداً فهي تشمل ما بيننا وبين الناس وبيننا وبين أنفسنا وأبشع أنواع الظلم أن تظلم نفسك وكل علماء الإسلام الذين تكلموا في أنواع الظلم ذكروا مراحل ثلاث: الظلم بينك وبين الله والظلم بينك وبين الناس ومرحلة ثالثة وهي الظلم ما بينك وبين نفسك. الظلم الذي بيني وبين الله ظلمت فيه نفسي والظلم الذي بيني وبين الناس هو ظلم للنفس لأنها ستعاقب عليه والظلم الذي بيني وبين نفسي كلها ظلم للنفس، ساعة أقع في الظلم بيني وبين الله لن يتأثر الله تعالى ولكن أنا الذي أتأثر بذلك. إذن القرآن كلام الله يتعبد بتلاوته والألفاظ من عند الله تعالى أما الحديث القدسي فهو كلام الله لكن لا يُتعبد بتلاوته والألفاظ من عند الله تعالى أما الحديث النبوي فالمعنى من عند الله تعالى يوقعه في ذهن رسول الله rواللفظ من عند رسول الله r.
لما ذكرنا الحديث القدسي كنا نتكلم عن نقطة مهمة جداً في التوبة وهي رد المظالم، عندما يكون عندك شرط أن ترد المظالم إذن أنت وقعت في ظلم والله تبارك وتعالى ينهى في هذا الحديث عن الظلم بكل أنواعه وهو تعالى حرّمه على نفسه. في رواية الإمام مسلم "إني حرمت الظلم على نفسي" وفي رواية الإمام البخاري في الأدب المفرد " إني قد حرمت الظلم على نفسي" و(قد) تأتي للتأكيد. كيف نفهم هذا الحديث؟ ما هو الظلم؟ ما هو التحريم؟ كيف حرمه الله تعالى على نفسه؟ كيف نأخذ التوعية والنصائح العالية من الله تبارك وتعالى لعباده (عباد الرحمن) فالحديث يتسق في نقطتين: العبودية الحقة لله تبارك وتعالى وأن أشرف أنا كمسلم أن أنتسب لله تبارك وتعالى لما يقول يا عبادي كما قال وعباد الرحمن وثانياً أتقي الظلم حتى لا أقع في مظلمة أضطر فيها أولاً لرد المظالم قبل أن أتوب.
ما الفرق في التلقي بين الأحاديث القدسية والنبوية والقرآن؟ القرآن والحديث القدسي كلام الله تعالى يبلغها جبريل u للرسول r أما الحديث النبوي فالرسول r يتكلم بما أوقعه الله تبارك وتعالى في ذهنه إلهاماً أو وحياً. الوحي أنواع مثل (وأوحينا إلى أم موسى) وحي بيد القدير سبحانه وتعالى. لما قال r : إن الروح الأمين ألقى في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي أجلها" هذا وحي بطريق الإلهام. هناك وحي مباشر مثل (إقرأ باسم ربك الذي خلق) هذا وحي عن طريق الإلقاء وظهرت واضحة عند بداية الوحي.
نص: الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضالٌ إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائعٌ إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه".
النداء بـ (يا عبادي) ليس من قبيل الصدفة فالله تبارك وتعالى يريد أن يفهمنا حقيقة العلاقة بيننا وبينه. وذكرنا أن العلاقة بيننا وبين الخالق تعالى غير مفهومة والعلاقة بين أي اثنين يجب أن يكون هناك عقد بينهما ومنهج ورابطة فالعلاقة بيننا وبين الله تعالى من عهد آدم إلى يوم القيامة كم أنزل الله تعالى أنبياء ورسل مع رسالات لأن الأمور لا تسير إلا بمنهج. الله تعالى الإله وضع لنا منهجاً هو القرآن الذي فيه كل شيء يخطر على بالك وفيه حقيقة هذه العلاقة وهذه العبودية. عندما يقول تعالى (يا عبادي) فهو يخاطب فئة من الخلق يجب أن يكون عليها الخلق من العبيد لأننا كلنا عبيد هناك من يأتي لمرحلة العبودية بالعبادية بهواهم ورغبتهم وبما هداهم الله تعالى لأن هذا الحديث يشمل كل شيء يمكن أن تشك فيه فإذا قلت أنا قرأت المنهج واهتديت تكون مخطئاً لأن الله تعالى هو الذي هداك. عندما يقول تعالى "يا عبادي إني حرّمت" أصل التحريم أن تمنع شيئاً، تقول حرمت الشيء الفلاني أي منعته وهذه صيغة من صيغ التحريم وهناك صيغة ثانية منطقية في هذه العلاقة وهي الأمر بالمنع. لما يقول تعالى "إني حرمت الظلم على نفسي" الظلم مرحلة خطيرة في مراحل العلاقات لكن لما يحرِّمه تعالى على نفسه هل من شأن الإله الحق أن يظلم؟ وهل يحتاج تعالى أن يُلزم نفسه على شيء؟ هل الحديث فيه تحفيز للإنسان ليسير على المنهج والله تعالى لن يظلم أبداً فلو وجدت خيراً فاحمد الله ولو وجدت غيرك فلا تلومن إلا نفسك لأنك أنت ظلمت نفسك. الله تعالى لا يلزمه شيء وعندما نتكلم عن المولى عز وجل علينا أن نفهم كنه الإله الحق وهناك خلل لدينا في فهم كنه الإله الحق والله تعالى لا يحتاج إلى شيء إنما هو مراد الله سبحانه وتعالى. لما نذكر إسم الجلالة نقول الله تعالى وعيلنا أن نفهم معنى (تعالى) التي تعني تقدّس وتنزّه عن أمور منها الظلم. لما نقول سبحانه وتعالى يعني تعالى عن أمور وتقدس عنها ومنها الظلم، يوم القيامة هو يوم الفصل والله تعالى يقول فيه لا ظلم اليوم يعني قبل هذا كان هناك ظلم كثير لأن الله تبارك وتعالى توجهت إرادته لأن يحرِّم الظلم إطلاقاً ولما يقول إني حرّمت الظلم على نفسي علينا أن نفهمها من حيث واقعنا نحن لأن الله تبارك وتعالى لا يحتاج إلى تحريم شيء إنما توجهت إرادته إلى ذلك ويجب أن نفهم نحن الجملة في هذا الإطار. "وجعلته بينكم محرماً" الظلم بيننا من أنواع التحريم القاطعة من الله تبارك وتعالى فلما أنت تظلم غيرك تحتاج لتوبة لأنك لما فعلت شيئاً ظلمت فيه نفسك أو غيرك أنت ابتداء لن تستطيع أن تظلم الله تعالى لأنه تعالى قال "لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني" لا يمكن لك لأن تضر الولى عز وجل ولا يمكن أن تنفعه وإنما الضرر سيعود عليك أنت وهنا الألفاظ في الحديث قاطعة في التبيان. لما يخاطب الله تعالى في الحديث يقول يا عبادي عؤلاء دخلوا في العبودية بإرادتهم. ولما يقول تعالى (وما ربك بظلام للعبيد) المفاعلة هنا لأنه جمع كل الناس تحت كلمة عبيد فالكل عبيد ومن اختار العبودية لله تبارك وتعالى فأسلم لمحمد r أو لعيسى u أو موسى u أو أي من الأنبياء هذا رجل يتحرك طواعية مع المنهج الذي أنزل من السماء وتوصيفه في كل زمان ومكان أنه مسلم ويكون من العباد لا من العبيد وساعة ما يقع في خطأ يخرج من العباد إلى العبيد. لما وصف الله تعالى عباد الرحمن قال (لا يزنون، لا يقتلون، لا يدعون) هؤلاء لا يفعلوا ذلك لكن من يفعل ذلك يلقى أثاماً ويضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً إلا من تاب. وتاب هنا تعني رجع لأنه لما أخطأ خرج من العباد فلما قال تاب رجع بهذه التوبة التي قبلها الله تعالى إلى مرحلة العبادة ولو أخطأ ثانية فهو لم يتب توبة كاملة وإنما كانت توبته كاذبة ولذلك من أول علامات التوبة عدم الرجوع إلى الذنب لكن لو عمل معصية من نوع آخر يكون توبته قد قبلت بدليل أنه لم يرجع إلى القتل أو الزنا أو الشرك لكن رجع مثلاً للسرقة وهي نوع آخر فتكون التوبة قبلت في مكانها. لما قال تعالى (وعباد الرحمن) لم يقل عباد القوي جاء بصفة الرحمن التي لا يمكن لأن يقع فيها ظلم فإذن ساعة وقع في هذه الكبائر الثلاث يكون هو أوقع نفسه فيها نفسه العاصية استجابت للشيطان سواء من شياطين الإنس أو الجن فالمولى عز وجل يوقع حقيقة العلاقة بيننا وبينه تعالى فقال " إني حرمت الظلم على نفسي" أي منعته على نفسي وهذا تفضل من الله على عباده وعيلنا أن نطمئن أن الله تعالى رحمن رحيم ونحن نحب أن يعاملنا الله تعالى يوم القيامة بالفضل لا بالعدل.
بعض الناس لما يتعرض لظلم في حياته ولا ينصفه القضاء مثلاً ولا يجد العدل في حياته فيقولون أين العدل؟ وهل هذا يرضي الله تعالى؟ ويغيب عنه أن الدنيا دار ابتلاء وظلم. الذي اغتصب أرضاً من أحد يكون قد ظلم نفسه أولاً ويوم القيامة سترد المظالم فيأخذ المغتصَب حسنات المغتصِب فإذا فنيت حسناته يطرح عليه من سيئات المغتَصب فيطرح على وجهه في النار لأنه لا ظلم اليوم. فعندما نسمع لا ظلم اليوم لو كنت واعياً لفهمت أنه كان هناك ظلم لكن ليس من الله تعالى لأنه في الحديث قال " إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً" فالذي يظلم في الدنيا فكأنه يخالف المنهج ويخالف أوامر وتعلميات الله تبارك وتعالى وهو يظلم تحت وطأة الكبر والطمع والجشع وهذا الظالم يخرج بإرادته من العبادية إلى العبيدية لذا قال تعالى فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه. وقال تعالى في الحديث القدسي (فلا تظالموا) ولم يقل فلا تظلموا لأنه تعني الظلم من طرف واحد فهو تعالى يمنعك عن الظلم ويمنع غيرك عن الظلم أيضاً ولذلك في قراءة أخرى للحديث (فلا تظّالموا) لما يظلموا مرة تصبح عندهم عادة ويكون فيها مفاعلة ويكون الظالم هذا ظلاّم يشتهي الظلم. ثم نادى تعالى (يا عبادي كلكم ضال) وهذه الكلمة (كلكم) خطيرة، البعض يقول الأنبياء معصومون لكن من الذي عصمهم؟ عصمهم الله تعالى، لذا جاء الاستثناء في الحديث (إلا من هديته) إذن كلكم ضال إما ضلال انحراف أو ضلال عبودية. عندنا حديث آخر :"ما من مولود يولد إلا على الفطرة" أنت مولود على الفطرة السليمة والفطرة عبارة عن الميثاق الأزلي القديم الذي أخذه الله تبارك وتعالى من بني آدم (وإذ أخذ الله من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا).
علاقة الفطرة بالتلقي من الله تعالى: طالما أن الله تبارك وتعالى بيده كل شيء يطعم من يشاء ويكسو من يشاء ويضل من يشاء ويهدي من يشاء البعض يسأل لم يحاسبنا الله تعالى إذن؟ رب العالمين سيحاسبنا جميعاً وهذه الإشكالية موجودة في أذهان بعض الناس. لو عُينت أستاذاً في كلية وبقيت على مدار سنة تعطي محاضرات وتسأل الطلاب ويجيبون فيمكنك بعد سنة أن تعرف من سيكون الأول والثاني والثالث إلى العاشر فيقولون أنت ظلكتنا فتعمل لهم امتحان وتريهم إجابتهم، هذا للبشر فما بالك بالله تعالى؟ إرادته يجب أن تكون على واقع. أنت انصرفت إرادتك بواقع حصل فالأول في فصلك على واقع امتحنته فنجح. المولى تعالى قبل أن يخلق تتوجه الإرادة إلى شيء (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) (كن) على وقع الكينونة تقع على شيء فهل يمكن أن يفاجأ الإله بأن فلان اهتدى؟ بالطبع لا لأن من صفاته تعالى المهيمن القيوم وعلمه أزلي. هذا الإله الحق لا يعبد إلا بإرادته ولا يعصى إلا بعلمه. نضرب مثالاً: فرعون قال أنا إله وهذه الأنهار تجري من تحتي لم يكن يعرف من يعصيه ومن يطيعه ومن كان ينحني له ممكن أن يكون لا يحبه لكن الإله الحق ساعة يُعبد يعبد بإرادة الله تعالى والذي يعصي يعصي بعلم الله تعالى بل وبإرادته فساعة يعبد الله يعبد على إرادته والعاصي عصاه بعلمه تعالى وبإرادته. في الحديث "فمن وجد خيراً فليحمد الله" وفي الجنة يقول أهلها (الحمد الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) والذي في النار عرف مقابل هذا. لو لم يرد الله تعالى أن يهدينا ما هدانا. في قوله تعالى في المنافقين قصة كبيرة (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً) المرض كان عندهم فزادهم الله تعالى مرضاً وهذا رد على الذي يقول أن الله تعالى لم يهديه. قال تعالى (إنهم فتية آمنوا بربهم فزدناهم هدى) وقال تعالى (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا (19) الإسراء) وهو يسعى إياه أن يقول أنا بل يقول الحمد لله الذي هداني لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة فإسلامي أنا وساعة قلت أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله أحمد الله تعالى على هذه النعمة. هذه الهداية مرجعها إلى الله تبارك وتعالى ولذلك قال تعالى (كلكم ضال إلا من هديته) والهداية هنا تبدأ باصطفاء الأنبياء والمرسلين الذين سيصبحوا رسلاً أي هناك من أرسلهم وهم سيكونوا ناقلي الرسالة والدين إلى الأرض ويحتاجون إلى من ينقل لهم عن الله تعالى فكان أمين الوحي جبريل u. الأمر كله بالنقل من الله تعالى إلى أمين وحي السماء ومن أمين وحي السماء إلى الأنبياء فكأني بالله تبارك وتعالى يقول ما كان الأنبياء قادرون على أن يأخذوا من الله تعالى مباشرة، ساعة اختلى رسول الله r في الغار كان وحده يتدبر ويتفكر وهذا طلب والله تعالى صاحب الفضل الأول فلا يعبد إلا بإرادته ولا يعصى إلا بعلمه وهذه قضية يجب أن نؤمن بها ولذلك قال تعالى (كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم) استهدوني أي اطلبوا الهداية مني لا تطلبوها من أحد آخر لأنه سيكون ضلال وشرك فلا نذهب إلى شيخ وإنما نطلب الهداية مباشرة من الله تعالى ولذلك قال تعالى لرسوله r ساعة وجهه إلى هذه النقطة قال (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) إرادته تعالى ومشيئته أنه قريب لكن ليس عن طريق أحد حتى محمد r. كل أسئلة القرآن جاءت إما على صيغة (قل) أو (فقل) لما يقول تعالى للرسول (قل) يعني أن السؤال قد سئل وإذا قال (فقل) يعني السؤال لم يسأل بعد وإنما سيُسألأ. ولما قال (وإذا سألك عبادي عني) لم يقل فقل أو قل وإنما قال (فإني قريب) فالله تعالى قريب من العباد وقريب من العبيد إذا أرادوا أن يعودوا إلى الله تعالى. قال تعالى (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم) بمجرد أن تخرج من العبيدية إلى العبادية ستجد الله تعالى قريب ورحيم لأنك نويت. لو يقل يا عبادي الذي أخطأوا وإنما قال أسرفوا. من المسرف؟ الذي ينفق بشكل كبير بوعي أو غير وعي، هؤلاء أسرفوا في البعد عن الله والضلال. قال تعالى لهؤلاء (لا تقنطوا من رحمة الله) والشيطان يقنط الإنسان من رحمة الله (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته). لذا قال تعالى (فاستهدوني أهدكم) البعض يقول ربنا لم يهدني بعد. استهدوني أي اطلبوا الهداية لكن لا تقول ربنا لم يهدني بعد. يجب عليك أن تتحرك لطلب الهداية (قل إن هدى الله هو الهدى) (من يهده الله فلا مضل له) (فمن يهدي من أضل الله) الله تبارك وتعالى هو الذي يهديه لأنه القادر على كل شيء. فاستهدوني يعني اطلبوا الهداية من الله تبارك وتعالى وقوله تعالى أهدكم أي الذي يطلب الهداية من الله تعالى بصدق لأنه لو كان الطلب صادقاً لتحققت الهداية. الذي يقول ولا يفعل إما أن يكون غير صادق وإما أنه لم يطب مطعمه ولهذا قال تعالى في الحديث بعدها (كلكم جائع إلا من أطعمته).
بُثّت الحلقة بتاريخ 6/11/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 05:57 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 59
تقديم علاء بسيوني
حديث قدسي بديع يخاطب الله تعالى فيه كل البشر ويضع فيه أسس للفهم والتلقي عن المولى تبارك وتعالى في قضية الخلق وقضية علاقة الأشياء ببعضها فيما يتعلق بالهدى والهداية ومسيرة الحياة في مشوار الإنسان حتى يلقى الحساب إما إلى الجنة وإما إلى النار والمشكلة أنه رغم كل الكلام في القرآن الكريم الذي يحتاج لتدبر وتلقي ورغم كلام المصطفى r إلا أن هذه القضية ما زالت غير مفهومة إلى هذا اليوم والناس ما زالت تسأل هل نحن مسيرون أو مخيرون وطالما أن كل شيء بقدر الله وهو تعالى المهيمن والمتحكم في المصائر والأقدار فلماذا يحاسبنا؟ وإذا قيل لأحدهم لماذا لا تصلي أو لماذا لا تتحجبي يقولون لم يهدني الله تعالى بعد وكأن التقصير من وجهة نظرهم يرجع إلى المولى تعالى حاشاه. وقفنا في الحلقة السابقة مع الحديث القدسي:
نص: الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضالٌ إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائعٌ إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه".
هذا الحديث يحتاج إلى تدبر ووعي حتى نفهم عن الله تعالى. قضية الهدى والضلال هل هي قضية خاصة بالله تعالى وليس لي علاقة بها؟ وهل أنتظر أن يهديني الله تعالى وأنا جالس في بيتي؟ إذا كان هذا الكلام صحيحاً فلماذا تخرج من بيتك لتبحث عن رزقك؟
من جماع ما سبق هذا الذي يدور في أذهان الناس وهذه هي الحقيقة للأسف الشديد فيما يتعلق بالهداية في أذهان الناس. القضية باختصار يوضحها القرآن كثيراً ويوضحها الله تبارك وتعالى في قرآنه بالقرآن. يوضح أن الله تبارك وتعالى أنزل المنهج تلو المنهج لهداية الناس ودعنا نتكلم من القرآن من عند محمد r القرآن منهج الهدى (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) توصيف هذا الكتاب في الكتاب (إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم) المنهج ينزل فالذي يتلقى يستقيم والذي لا يتلقى لا يستقيم. المشيئة هنا تعود على المتلقي ولما نسمع هذا الكلام نفهم أن المنهج ينزل بأمر من الله تبارك وتعالى وعلى الناس أن يتلقوه لكن في الحقيقة مردّ المشيئة هذه حتى لا يغتر مخلوق بإيمانه (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين) هذه الآية تحل لغزاً كبيراً بين أهل المنطق وأهل العلم وأهل علم الكلام وأهل علم الحديث وأهل علم التفسير لأنها قضية زلت فيها أقدام وتوقفت فيها أفهام والكل احتار فيها، لمن الهداية؟ لله تبارك وتعالى إذن يقولون فما ذنبي أن خلقني الله تعالى يهودياً أو نصرانياً؟ هذه حجة الضعيف في الفهم عن الله تبارك وتعالى. لما يقول تعالى وهو يخاطب الرسول r الذي كلفه بالرسالة وبالمنطق لا يمكن لأن يكون الرسول r الذي أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق أن يكون على ضلال لكن في الحديث القدسي ما يقابله في القرآن: الحديث يقول : يا عبادي كلكم (بما فيكم الأنبياء والمرسلون) ضالّ (الكل ضال حتى الأنبياء ولكن ليس ضلال منهج أو عقيدة أو شرك أو نفاق أو كفر وإنما ضلال بحث عن الإله الحق) قال تعالى (ووجدك ضالاً فهدى). اليهودي ضلاله كفر وابراهيم u لما خرج يبحث عن الإله الحق هذا ضلال بحث. الله تعالى يخاطب رسوله r بقوله (ووجدك ضالاً فهدى) الضلال هنا يتلخص فيما كان يفعل r في أن يذهب بمفرده إلى الغار ليتفكر في هذا الكون وهذه الحياة وفي هؤلاء الذين يعبدون الأصنام حتى أنه r كان يرفض مبادئ الأخلاق قبل أن يأتيه المنهج كما سبقه إلى هذا جميع الأنبياء فالضلال هنا ضلال بحث عن هذه الحقيقة وعن الإله الحق وكل واحد فينا ضلاله ختلف عن الآخر وحتى ونحن في طريق الهداية يكون هناك نوع من الضلال الجزئي. ساعة يوسوس الشيطان بمعصية وتطمئن النفس لهذه الوسوسة وتشرع في التنفيذ هذا نوع من أنواع الضلال. عندما تسيء النفس مرة بعد مرة إما أن تطمئن لهذه المعصية وإما ترفض وهذه هي النفس اللوامة وهذه قضية الصراع بين المؤمن الحق والشيطان، بين النفس على إطلاقها وبين الشيطان وهذه الوسوسة نوع من أنواع الضلال يحدث للإنسان ولذلك من عظمة هذا الإله الحق في توقيعه لهذه المسألة حيث النية بعد الوسوسة والتنفيذ إسمع لقوله تعالى "كلكم ضال إلا من هديته" ومن ضمن الهداية أن يرحم الله تبارك وتعالى عبده فلا يكتب عليه ما توسوس به نفسه ويقول تعالى للملائكة :"إذا هم عبدي بحسنة فاكتبوها وفي المقابل إذا همّ عبدي بسيئة فلا تكتبوها والحسنة إن عملها تكتب عشرة أضعاف إلى سبعمائة ضعف والله يضاعف لمن يشاء ومن رحمته تعالى في المقابل إن همّ العبد بسيئة فلا تكتبها الملائكة فإن عاد عنها تكتب حسنة فالذي يعود إلى الله تعالى ولا يعمل السيئة تكتب له حسنة فإن عملها تكتب عليه سيئة واحدة في حين أن الحسنة تكتب حسنة من فورها وإن عملها تكتب من عشرة إلى سبعمائة ضعف والله يضاعف لمن يشاء هذا نوع من أنواع الهداية والرحمة وتحريم الظلم والله تعالى ألزم نفسه بهذا وإن كان لا يلزمه شيء سبحانه وتعالى "إني حرمت الظلم على نفسي". ومن منطلق تحريم الظلم أن تكون ضالاً فيهديك الله تعالى، جائع فيطعمك، عارٍ فيكسيك هذا من أنواع تحريم الظلم. "كلكم ضال إلا من هديته" هل الله تعالى خلقنا على الضلال؟ وعندنا حديث "وما من مولود إلا ويلد على الفطرة" كلكم ضال هذا باعتبار لو أني تركتكم لأنفسكم مثل لو أن الله تعالى ترك أهل مكة على ما كانوا عليه صنعوا الأصنام وعبدوها فإذن الإنسان إذا تُرك من غير منهج يضلّ لا أنه هو خُلِق على الضلال لأننا مخلوقين على الفطرة (وإذ أخذ الله من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى) الفطرة هي الميثاق الذي أقررنا به ونحن في أصلاب الآباء أن الله تعالى واحد لا شريك له. لو تُركنا للأهواء نضل فيرسل الله تعالى المنهج تلو المنهج لهداية الناس فالذي يأخذ المنهج ويلتزم به.
طالما هذا كلام الله تعالى أنه أخذ الميثاق منا ونحن في أصلاب الآباء يولد الإنسان ويكبر ويصبح له عقل وإرادة ومع هذا نجد كثيراً من الملاحدة والذين لا يعترفون بالدين فأين ذهب هذا الميثاق بالنسبة لهؤلاء؟ والله تعالى يقول في الحديث القدسي "فاستهدوني أهدكم" وهذا هو الحل بالنسبة لهؤلاء. فما الذي حصل لهؤلاء وماذا فقدوا خلال الفترة من ساعة أخذ الميثاق إلى ساعة أنكروا وجود الله؟ الذي فقدوه هو التسليم، هذه قضية صعبة وهي من أصعب مناطق الدين مسألة العقيدة. الذي فقدوه هو التسليم ونحن نتكلم عمن أنكر الله. نرجع إلى ابني آدم القاتل والرافض الذي قتل عرف أن هنالك إله بدليل أنه قرّب إليه قرباناً وهذا مثبت عنده فلما رفض الله تعالى القربان أنكر الله فهذا أسوأ من الذي أنكر الله تعالى. أيهما أسوأ الكافر بالله الذي يعصي أو المؤمن الذي يعصي؟ المؤمن الذي يعصي لأنه يعرف أن هنالك إله وهو عصاه. الملحد قد لا يعرف أن هنالك إله أما ابن آدم القاتل عرف أن هنالك إله وقدم له قرباناً ومع هذا تمرد على ما أمره الله تعالى به. الكافر والمنافق والمشرك في بوتقة والمؤمن الموحد الذي يعصي، المؤمن العاصي أسوأ لأنه عرف الله ومع هذا يكذب ويغش ويقتل وهناك من ترفض الحجاب وتناقش في الحديث والمنهج. عندما يأتي هذا الكلام من كافر فلا بأس لكن أن يأتي من مؤمن فهذا أصعب. الله تعالى يقول لرسوله r "ووجدك ضالاً فهدى" نبدأ من أول الخط أن يختار الله تعالى هذه النطفة ليكون مسلماً ولما يختار النطفة الثانية ليكون يهودي أو نصراني أو مشرك وعندما تعلم أنك ولدت من أبوين مسلمين تحمد الله وهذا سبب الحمد لأنني لم آتي بالهداية من عند نفسي وحتى الذي يأتي إلإسلام طواعية بعد بلوغه يأتي بفضل من الله تبارك وتعالى وهذا سبب دعاء أخل الجنة في الجنة لم يقولوا هذا من عندنا وإنما قالوا (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله). سُئل الصدّيق عن هذه النقطة هل تأتي الهداية من عند نفسي أو من عند الله تعالى؟ وهذه مسألة اختلف فيها أهل علم الكلام وأهل علم التفسير. دأب الإله الحق أن يُطاع بإذنه وأن يُعصى بعلمه وليس أحد يتفلت منه فحاشاه أن يقع في ملكه وكونه ما لا يريد أو أن يريد ما لا يقع وعقيدة كل مسلم تقع بين هذين الأمرين. سُئل الصديق: هل عرفت ربك؟ قال نعم، قالوا فبِمَ؟ قال عرفت ربي بربي ولولا ربي لما عرفت ربي (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) فقالوا فكيف عرفته؟ قال: العجز عن الإدراك إدراك والبحث في ذات الله إشراك. طالما لا يمكنني أن أنفي وجود الله كأني اثبته فمن أثبت وجود الله فعلى الذي لم يستطع إثباته أن يسلِّم والبحث في ذات الله وأنت تعلم يعتبر من أنواع الشرك لذلك كلكم ضال وتبدأ بالأنبياء إلا من هديته. ثم قال "فاستهدوني أهدكم" لا تقول لم أعرفه وانتهى الأمر وإنما علينا أن نستهديه تعالى حتى يهدينا. أرسل الله تعالى الرسل مكلفين بالرسالة وأرسل محمداً r(يا أيها المدثر قم فأنذر) والرسول r قال " بلغوا عني ولو آية" فالرسالة وصلت إلى كل واحد منا لنبلغ عنه لكن للأسف نحن لا نطلب الهداية والذي يذهب للمعصية لو استهدى الله لهداه وما عمل المعصية لأن الله تعالى قال (فاستهدوني أهدكم). الله تعالى قال (يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) لأن تعالى يحاسب بعلمه. الذي يولد على غير الإسلام والذي يولد على الإسلام سيكون هناك من غير المسلمين من يُسلم ومن المسلمين من يضل ويعصي. المسألة بين أن تستهدي الله وأن يهديك الله فإذا هداك وعملت معصية ثانية تكون بعلم الله لأنه سبق وذكرنا أنه تعالى يُعبد بإذنه ويُعصى بعلمه.
الذين عملوا التكنولوجيا هم غير المسلمين ويبثون قنوات تجرّح الاسلام هذه ستكون حجة عليهم لأنهم لم يبحثوا عن الإسلام مع معرفتهم به (ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد) "إني حرمت الظلم على نفسي" "كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم" إذا هديت واحداً للإسلام ثم يخرج من الإسلام هذه تقع بعلم الله لكن بإرادة الذي خرج. (فألهمها فجورها وتقواها) (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وايتاء ذي القربى) فألهمها فجورها وتقواها يعني أن الله تعالى لا يأمر بالفجور وإنما يبيّن للنفس الفجور لتجتنبه والتقوى لتتبعها لكن ماذا تفعل النفس؟ ولذلك فمن وجد خيراً فليحمد الله على هدايته ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسك. لذا لا تقل أنا اهتديت وإنما الهداية من الله تعالى لذا جاء في الحديث القدسي "فمن وجد خيراً فليحمد الله" ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه فأنت السبب وهذا بعلم الله تعالى (وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً) اليهودي وغير المسلم على الإطلاق لا يمكن أن يفعلوا شيئاً غير مكتوب فهؤلاء مسلمون كرهاً أما المسلم الطائع فهو مسلم بإرادته طوعاً وينسب الهداية لله تعالى (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله). إختيارك أنت جزاؤه عندك لذا سمى الله تعالى يوم القيامة يوم الدين.
الشباب اليوم يناقش ويجادل في أمر الدين ويقولون لماذا يحاسبهم الله تعالى وهو الذي وضع قوانين الكون ووضع الجنة والنار. هؤلاء كأنهم يريدون ان يضعوا هم قوانين الكون ويجب أن نحاورهم من منطقهم هم. من هم هؤلاء؟ وأين هو ضمن هذا الكون؟ هل أنت على رأس الكون أو أنت عبد لله؟ إذا كنت عبداً لله يجب أن تسلم له لأنه تعالى لا يُسأل عما يفعل. العقيدة أن تسلِّم للإله الحق دون أن تناقش أو ترتاب. يجب أن نحاور هؤلاء الشباب بالعقيدة ويجب أن نشعرهم بالفشل أمام أنفسهم. نسألهم هل أنتم مؤمنون بالقرآن؟ إذا قال نعم فاسألهم أن يعرِّفوا القرآن. البعض يشكك في القرآن ولكل إجابة من إجابات الشباب هؤلاء ردّ مناسب. القضية (من أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا) الحل (كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى) نسيتها تطرح على الذي أخذ ونسي أو الذي نسي أن يأخذ. نقف عند نقطة (قال رب) الآن عرف أن له رب! مطلع الآية تتكلم عن الذي لم يذكر الله (من أعرض عن ذكري) لكن يوم القيامة يقول هذا المعرِض (ربِّ) كأني بالله تعالى كما قال لفرعون (آلآن وقد عصيت قبل). هذه عظمة هذا المنهج أنه في لحظة الموت والخروج من الدنيا يفهم الإنسان الحقيقة الكاملة في آية (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد) المصيبة أن يوم القيامة سيقول (ربِّ لم حشرتني أعمى) هذه الحجة الثانية عليه أنه كان بصيراً. هناك فرق بين العمى عمى النظر والعمه عمى البصير ولذلك (إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور). الله تعالى يقول (يا عبادي كلكم ضال) يتكلم تعالى هنا عن الضلال السابق على الهداية التي تكون دائماً من الله وهو ضلال البحث ولو كان الضلال بالمعنى المعلوم لدنيا لقال يا عبيدي وإنما شرفنا بكوننا عباده وشرفنا بشرف الانتساب إليه. القضية أن كلمة عبادي هذه حتى نكون ضمن (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي) أي ادخلي في زمرة عبادي. عبادي كلمة أو مرحلة الذي يذهب إليها يكون مطمئناً والاطمئنان يكون ساعة الموت أو القيامة وليس في الدنيا، ساعة الموت يقولها ملك الموت (يا أيتها النفس المطمئنة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان) وهذه منطقة يجب أن نفهمها ملك الموت يقول أحد أمرين: يا أيتها النفس المطمئنة أو يا أيتها النفس الخبيثة، هذه تحصل عند ساعة الموت ولا ينفع عندها صلاتكم للمست أو صدقاتكم أو حجكم أو عمرتكم عنه ويبقى في هذا المقام قوله تعالى (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى).
هل الإرادة الإلهية يوم القيامة يمكن أن تغيّر مصير من يدخل النار بدعاء أهله مثلاً؟ إذا تغير المصير فقد كتب الله تعالى هذا ومن ثمّ (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) الدعاء أنت مأمور به ومن ضمن إيمانك وإسلامك الدعاء أنت عليك الدعاء ونسأل الله القبول. يجب علينا أن نضمن أعمالنا والرسول r قال لأهله "اعملوا فلن أغني عنكم من الله شيئاً".
بُثّت الحلقة بتاريخ 13/11/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 05:58 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 60
تقديم علاء بسيوني
طريق الهداية مفتوح أمام الناس لكن ماذا يفعل الناس؟ هل يجلسون في بيوتهم ينتظرون الهداية أم يسيرون على هذا الطريق؟ ربطنا الحديث القدسي الذي ذكرناه في الحلقة السابقة مع إشكاليات يعيشها الناس في بحثهم عن الهداية ووقفنا عند نقطة ان تكرار النداء في الحديث القدسي بصيغة يا عبادي بعض الناس تتكلم عن علاقة الخالق بالمخلوقات ويقولون لماذا اختار الله تعالى العلاقة بين الخالق والمخلوقين بهذا الشكل ويتناسون المنهج الذي وضعه الله تعالى لهم في الدنيا أما في الجنة فليس مطلوباً منك أي شيء وإنما كل شيء مسخر لك في الجنة فهل هذا ثمن ذلك؟ هذا هو الجزاء وهناك فرق بين دار الجزاء ودار التكليف الدنيا جعلها الله تعالى دار اختبار وجعل الآخرة دار جزاء (أفحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) كل ما يحصل في الدنيا ابتلاءات وكل شيء له جزاء إن كان خيراً فخير وإن كان شراً فشرّ والدنيا دار ابتلاء ودار اختبار. والرسول r في بداية رسالته جمع عشيرته وقومه وقال لهم: والله إن الرائد لا يكذب أهله والله لو كذبت الناس كلهم ما كذبتكم ولو غششت الناس كلهم ما غششتكم والله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون وإنها إما جنة أبداً وإما نارٌ أبداً. هذا الحديث يلخص قواعد الموضوع. الرسول r كان يُعرف بين قومه بالصادق الأمين، الجنة والنار ملخص الحديث "فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه" (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله). في الحديث القدسي الذي معنا تكررت كلمة يا عبادي، الكلام واضح مسألة الجوع والعري مسألتان متلازمتان لأنهما في قضية التوكل في الرزق والرزق يأتي على نمطين إما لجلب المنفعة كالطعام حتى تكون الصحة جيدة وإما لدفع المضرة كاللباس. "كلكم جائع وكلكم عار" قضيتنان متلازمتان. الرزق قضية غفل عنها الناس فمنهم من يسعى وكأنه هو الذي يرزق نفسه ومنهم الذي تكاسل وقال ربنا يرزقني وكلاهما خطأ وإنما عليك أن تسعى بكل طاقتك وتعلم أن الله هو الرزاق وليس الرازق. نذكر أنفسنا بقضية مهمة وهي أنه في الأكل (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) وفي اللباس قوله تعالى (ولباس التقوى ذلك خير) كم يتزين الناس؟! من يتلقى الحديث القدسي يجب أن يأخذ اللباس على أنه لباس التقوى وليس فقط اللباس الساتر لأنه يوم القيامة سيفضح الإنسان وقد يكون بذنوبه ومعاصيه عارٍ يوم القيامة رغم أنه لبس في الدنيا أفخر الملابس لذلك (ولباس التقوى ذلك خير) فاطلب هذا وذاك. وفي الطعام كم يأكل الناس ويطعمون كل هذا ليس من الله تعالى "فاستطعموني أطعمكم" عليك أن تبحث عن الطعام الحلال، سعد ابن أبي وقاص سأل الرسول r أن يكون مستجاب الدعوة فقال له r أطِب مطعمك تكن مستجاب الدعوة إذا أطبت المطعم وأخذت الطعام من الله تبارك وتعالى سائلاً إياه الرزق الحلال وأطعمك الله تبارك وتعالى والصدّيق كان إذا شك في لقمة أرجعها لأنه أي جسد نبت من الحرام فالنار أولى به. يجب أن نعرف كيف نتلقى القرآن والحديث. الله تعالى يخاطب جماعة المؤمنين (يا عبادي) كأنه يدفع الناس بإتجاه العبودية الحق لله تبارك وتعالى في حقيقة العلاقة بين الخالق والمخلوق ومسألة العبودية أن تمر وتمضي باطمئنان من الله تبارك وتعالى قي خلال هذه الدنيا على مراد الله. الرسول r في قضية الإسراء أعطاه الله تعالى توصيفاً مبدعاً (سبحان الذي أسرى بعبده) وهو r يقول: من شهد أن لا إله إلا الله وأني عبد الله ورسوله. هذه العبودية عند الإنسان الواعي شرف لهذا العبد أمام هذا المعبود الحق سبحانه. كيف أقول لربنا لماذا تفعل هذا؟ توقيع القرآن (لا يُسأل عما يفعل) والذيت تمردوا قال تعالى فيهم (بل اتبع الذين ظلموا) أبشع أنواع الظلم أن يظلم الناس أنفسهم ويوردوها التهلكة لذا قال تعالى " إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم حراماً" فلا يظلم أحدٌ نفسه لأنه ستكون خيبة له. من أشرف أنواع التعامل في العلاقة أن تكون عبداً لله تبارك وتعالى, هناك بشر عبد بشراً لكن نحن نعبد الله تبارك وتعالى والله تعالى اختار لنبيه في قصة الإسراء أنه عبده لذا القضية لا يناقش فيها محمد r لأنه عبد وإنما يناقش المعبود الذي قال عن نفسه (سبحان الذي أسرى بعبده).
مسألة العبادية في الحديث، النداء يطرح حقيقة ثم تكليف (كلكم ضال، كلكم جائع،،،) ويطلب من العباد أن يسألوه المعونة، القضية هل فهمنا الأمر أم لم نفهمه؟ لما يتعرض الناس لأمر لم يفهموه، قال تعال (ادعوني أستجب لكم) وفي الحديث القدسي طلب تعالى من عباده الدعاء فهناك من يدعو ولا يجد شيئاً؟
هذه نقطة مهمة في موضوع الاستجابة. الناس تريد أن تسير الأمور على مرادها هي، الله تعالى لم يقل ادعوني ألبّي لكم وإنما قال ادعوني أستجب لكم. الاستجابة هي تصويب خطأ الدعاء الذي هو من القاصر أو الغافل أو غير العالِم وأقصد كل البشر، نحن ندعو بجهلنا والحق تبارك وتعالى بعلمه يستجب. نحن ندعو بما نعتقد أنه خير لنا مثلاً ندعو أن الله تعالى ينجح ابني هذا العام والمولى يعلم بعمله المسبق الأزلي أن هذا الولد لو (لأنه أصلاً برحمته تعالى لم يكتب له أن ينجح لأنه لو نجح سيغتر ويفشل) لو علمتم الغيب لاخترتم الواقع، أنت طلبت النجاح لكن النجاح ليس في نجاه هذا العام وإنما هو في سقوطه هذا العام ونجاحه فيما بعد. الاستجابة هنا أن يصوب الإله الحق خطأ الدعاء، بعض الأمهات تدعو على أولادها في حالة غضب بالموت فلو أن الله تعالى لبى هذا الدعاء لمات الولد هذا هو الإله الحق. علينا أن ننبه أن البعض يقول انتبه ماذا تدعو فقد يكون باب السماء مفتوح الآن لكن باب السماء مفتوح دائماً لا يُقفل وهذا للأسف كلام بمنطقنا نحن ومن الخطر أن نجعل المسائل تسير على هوانا نحن فلو أن الله تعالى لبى دعوة المرأة على ولدها لماتت هي، الله تعالى استجاب لها بأن صوّب خطأ الدعاء لأن القرآن يقول (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم) الله تعالى يصوّب خطأ الدعاء فلا يلبّي وهذه هي الاستجابة. "كلكم عارٍ، كلكم جائع" البعض يدعو لكن لا يجد جواباً لكن بعض الناس الرزق والمال يفسدهم فلذلك الله تعالى يرزقهم على مراده هو لا على مرادهم هم لأن بعض الناس إذا أغناه الله بعد فقر فأفسد وشرب الخمر وغيره. لذا إرض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس وهذا كلام رسول الله r في أننا نحن لا نعرف لأين الخير فقد يكون الخير في المال وقد يكون في قلة المال. شخص أمه مريضة تسأل الله تعالى لها الشفاء ويطلبون لها الرحمة والشفاء وينقسم الأولاد إلى قسمين قسم يريدها أن لا تموت حتى لو تألمت ألماً شديداً وهذا منتهى الأنانية لأن هذا الولد يحبها ولا يريد أن يبعد عنها وقسم آخر عاقل يقول ربنا ارحمها أياً كانت الرحمة وهذا من منطقية السؤال والإستجابة. فالحمد لله إذا شفيت والحمد لله إذا ماتت والآجال مكتوبة أزلاً والله تعالى يصوب خطأ الدعاء. من الخطأ أن نقول أدعو الله كثيراً ولا يستجاب لي لأنه تعالى قال (ادعوني أستجب لكم) الله تعالى يستجيب في عدم تنفيذ الدعاء وتلبيته والرسول r قال: ما أصاب عبد قط همٌّ ولا حزن فقال اللهم إني عبدك إبن عبدك إبن أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ فيّ حكمك عدل فيّ قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي إلا فرج الله ما فيه وأبدله مكانه فرحاً" الدعاء فيه تسليم لله تعالى، أنت في هم تريده أن يفرجه لك ذكرت الله وذكرت نفسك بالعبودية له وكأن الرسول r يقول لك وأنت تدعو أنت عبد عليك أن ترضى بأي قضاء وأنت تحت أمر الله لما أسأل الله تعالى أساله بكل اسم له تعالى وهناك من الأسماء ما لا نعرفها إلا يوم القيامة، الرسول r يسأل الله تعالى بالقرآن (أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي) أبدله الله تعالى حزنه فرح الرضا وإن كان لم يلبي ويجب أن أوقن بأن ما يحصل لي هو خير. الذي يفهم الدين بشكل صحيح يعلم أنه ليس هناك يوم أبيض ويوم أسود لأن أمر المؤمن كله خير " عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته شراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وما ذلك إلا للمؤمن" الشاكر والصابر هما جماع أهل الجنة. عند الشكر لم يتضمن معنى الحمد لكن عند الصبر يجب أن يتضمن معنى الحمد لذا نقول أن الحمد كلمة مزدوجة الأداء تقال عند الكرب فتفرجه وتقال عند الخير فتزيده وهذا من فضل الله وليس من سبيل الصدفة أن يكون على رأس الكتاب وبعد البسملة الحمد لله. الحمد غير الشكر ولذلك قال تعالى (لئن شكرتم لأزيدنكم) الشكر على شيء يستوجب الشكر لكن الحمد يكون على الحالتين.
سورة الفاتحة تنطبق على الحديث القدسي الذي بين أيدينا ولذلك مطلع الحديث يا عبادي يقابلها في الفاتحة رب العالمين. الشكر على الخير لكن الحمد في مطلع الكتاب تكون للخير والشكر، لو شكرت على ضراء تكون عبيطاً لكن تحمد على الضراء إذن الحمد هو إطلاق الثناء على الله تبارك وتعالى وتقدسيه وتنزيهه عما لا يليق أن نقول له لماذا فعلت كذا يا رب. الحمد لا يكون إلا لله والشكر يكون لغير الله وسبحانه لا يُحمد على مكروه سواه لأننا عبيده لا يمكن أن نفعل شيئاً وإرادة الله نافذة "أنت تريد وأنا أريد فإذا رضيت بما أريد أعطيتك ما تريد وإذا كفرت بما أريد منعتك ما تريد ولا يكون إلا ما أريد" إرادة الله تعالى هي الغالبة والرسول r يذكرنا أننا إذا كنا في همّ إلجأ إلى الله تعالى على أنك عبده ناصيتك بيده ولا يمكن أن يحكم اله تعالى حكماً لا أنفذه وعلي أن أعلم أن كل ما يصيبني عدل لأنه تعالى حرّم الظلم على نفسه. حرم الله الظلم على نفسه قوة لا ضعفاً ولأنه لا يليق بالله تعالى أن يكون ظالماً. الظالم ليس قوياً لأنه لا يظلم إلا ضعيفاً ولا يستطيع أن يظلم قوياً. مناط الظلم ليس القوة وإنما الضعف لذلك "إني حرمت الظلم على نفسي" لأنه قوي.
"يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم" قال تعالى تخطئون ولم يقل تذنبون فما الفرق بين الخطأ والذنب ولماذا قدم الليل على النهار وما الفرق بين المغفرة والتوبة؟ الذنب إسم لما يقع في الخطأ أو بالخطأ والتوقيع اللغوي في الحديث مبدع لفهو كلام الله تعالى فقال إنكم تخطئون بالليل والنهار، الخطأ كُتِب ذنباً. قدم الليل على النهار لأن الليل يحمل كثيراً من الأخطاء عن النهار الفاضح فمثلاً الجرائم تتم في الليل مظنة أن لا يراهم أحد وهذا أخطر شيء، غاب عنهم أن إذا غابوا عن أعين الناس فالله تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أنت تختبئ من مبصر والله تعالى هو البصير سبحانه والله تعالى هو الرقيب يراك حيث اختفيت من الناس ولذلك قال تعالى (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) اللطيف هو الذي يرى ما دقّ من الأفعال ومن دعاء الرسول r اللهم اغفر لي ذنبي كله دقّه وجلّه أوّله وآخره علانيته وسره، المغفرة مطلوبة في كل ما عملناه صغيراً أو كبيراً سراً أو علانية والله تعالى يعلم ما خنت به الناس وأعميته عنهم وما تخبئه في ذهنك ولا يعلمه الناس ولذلك " يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم" هذه سابقة على التوبة ذكر الإستغفار والمغفرة. الاستغفار طلب المغفرة والمغفرة ستر الذنب حتى تتوب فلا يفضحك ويبقى الذنب مستوراً وليس من مصلحتنا أن يزيل السيئة لأن الله تعالى يبدل السيئات حسنات بعد قبول التوبة. الرسول r يقول " يا أيها الناس استغفروا ربكم وتوبوا إليه فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة" هو r يعلمنا التوبة لتكون منهج حياة وأعظم التوبة التوبة عن توبة ولذلك قال تعالى (إن الله يحب التوابين) وقلنا أن الذي عمل ذنباً ورجع اسمه تاب ثم يعمل ذنباً ويرجع وهذا لا يسمى تواباً وإنما التواب الحقيقي هو الله تعالى فأنت تأخذ من هذه الصفة بأن تتوب عن ذنب وتستديم على التوبة من هذا الذنب واستمرار التوبة حتى لا يعود إلى الذنب.
البعض يسأل أن الله تعالى لا تفيده عباداتنا وقول البعض هل أن الله محتاج لعبادتنا كلمة محتاج خطأ. العبادات هب لمصلحتك أنت فالصلاة أمر من الله الصانع الخبير بصنعته تعرض عليه في اليوم خمس مرات وهذ من قبيل عرض الصنعة على الصانع خمس مرات في اليوم هذا لمصلحة الصنعة نفسها لا لمصلحة الصانع. الرسول r كان إذا أهمه أمر يفزع إلى الصلاة فكأن يعرض الصنعة على الصانع ليصلحها. كأن الصلاة تشحن الجسد والروح على مراد الله تعالى. قال تعالى (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) عسى ليس من باب التمني وإنما من باب الغاية والرسول r أسوة لنا وعلينا أن نقلّده. الله تعالى يوقع الحديث "يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني" الله تعالى كإله حق لا أحد يضره ولا ينفعه لأنه تعالى هو الغني عن العالمين وأوضح هذا بمثال آخر فقال ساعة أطلب منكم الهداية أو التقوى (يا أيها النبي اتق الله) (هدى للمتقين) فقال " يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً" ساعة يطلب الله تعالى منا التقوى فهذا ليس له وإنما لأجلنا نحن وكذلك " يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً " لو يقل (منكم) لأنه تعالى يفترض التقوى في العباد ويا عبادي يفترض أن يكونوا من أهل التقوى والصلاح. لو أن البشرية كلها كانت على قلب أفجر رجل ما نقص ذلك من كلك الله تعالى شيئاً وهذا توقيع لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني.
البعض يقول أن الإنسان ضعيف لا يملك شيئاً ولن ينفع الله تعالى أو يضره بشيء ومع هذا فالله تعالى يفرحه توبة عبده فكيف نوفق بينهما؟ الرسول r يقول: "لله أفرح بتوبة أحدكم من أحدكم وقع على ضالته وقد فقدها في الفلاة" الله لا يفرح بك وإنما الله يفرح لك. أنت ساعة تتوب السؤال هل يفرح الله بك أو لك؟ هذه هي القضية. الله تعالى يفرح لك وليس بك قال تعالى (وإن تشكروا يرضه لكم) يرضى لكم وليس بكم. الفرحة منشأها عند الله تعالى لأنه ساعة خلقني وهداني ثم تبت إليه بعد أن أخطأت بفضله الذي شرع التوبة وآدم أخطأ ليعمل صفة التواب فالله تعالى يفرح لنا وليس بنا.

ميارى 28 - 7 - 2010 05:59 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 61
تقديم علاء بسيوني
هل انتهت القضية عند عرض الله تعالى للرسالة وطريق الهداية؟ وهل انتهت القضية عندما أرسل الله تعالى الرسل بالمنهج أم أن هناك من الناس من أخذ الهدى وتلقته وفهمته ونجحت ومنهم من لم يفهم المنهج جيداً ومنهم من رفض المنهج ورفض الإله. هل القصة متعلقة بهدى المولى تعالى فقط أم أن الأمر يتعلق بالإنسان نفسه الذي إما ينجح أو يفشل. الحديث القدسي يقرر أن الكل ضال وجائع وعار إلا من هداه الله وأطعمه وكل جملة تنتهي بأمر إلهي لبني البشر فهل هذا الأمر هو مناط المشكلة ومناط التلقي عند بني آدم وهو الذي يحدد إن كان هذا الإنسان من الفائزين أم من الخاسرين؟
هذا مناط التكليف وهو مناط لنتيجة أيضاً بمعنى أن الحديث القدسي الذي بين أيدينا هو حديث محوري يوضح الله تعالى فيه حقائق قرآنية كثيرة هي المنهج. ساعة نسمع " يا عبادي كلكم... كلكم....لكان الأمر علينا أكبر من الحداث الآن لكن في الحديث "كلكم... إلا....فافعلوا" كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم واستهدوني أي اطلبوا مني الهداية، بعدما يقول كلكم إلا من الواقع أنه لن ينجو إلا من ينفذ هذه التعليمات ويأخذ المنهج على مراد الله. والحديث الذي معنا واقع في منطقة في منتهى الخطورة في التلقي. نضرب مثالاً في كل الفئات الضالة التي ظنت أنها بضلالها ستنجو مثل المرجئة والقدرية والجبرية وكل الذين ظنوا أنه لم يفهموا أو فخوموا خطأ، المنهج ليس منهجاً إطلاقياً أطلقه الله تعالى ولم يرتب على التلقي أو عدمه نتائج فالمنهج واضح جداً ولم يحصل أن يدّعي أحد الألوهية ثم يقول للناس " من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" وكل من ادعى الألوهية يريد الجميع أن يطيعوه وهو ليس قادراً على إجبارهم على الطاعة. مثل الجبرية أين كانوا من هذا المنهج؟ كانوا يقولون كل شيء أُجبرنا الله عليه، مسألة الجبر والقضاء والقدر موضوع صعب وسنتكلم عنها قريباً إن شاء الله. هذ القضية صعبة لكنها محلولة لأنه في نهاية الحديث القدسي يقول تعالى "فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه" وقال تعالى "إنما هي أعمالكم أحصيها لكم" و"لكم" هنا يجب أن تُفهم على مدار العمل إما أنها ستكون لكم أو ستكون عليكم، مع فئة ستكون لكم ومع فئة ستكون عليكم لأنها بالسلب لأنه (من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها) وهذه الآية حاكمة فاصلة المنطق يقول أنه من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فلنفسه لكنه تعالى قال ومن أساء فعليها ولذلك في النهاية لا تعتقد أنك ستعصي والمولى تعالى يفاجأ بعصيانك، هذا لن يكون إلهاً!. الله تعالى يعلم الإحصاء والنتيجة وإنما يحصيها ومن ضمن معاني أحصيها أن منتهاها إلى علمه سبحانه ولا تعتقد أنك آمنت بمجهودك وشطارتك أو عصيت بغفلة عن الله وحاشا الله أن يريد ما لا يقع أو أن يقع في ملكه ما يريد فهو سبحانه يُعبَد بأمره ويُعصى بعلمه وهذا هو الإله الحق وسبق أن ذكرنا أن اليهودي أو غير المسلم الذي يخرج صباحاً من بيته يعتقد أنه متمرد على الله هو مسلم كرهاً والمسلم الذي يخرج من بيته متوكلاً على الله تعالى هو مسلم طوعاً. القضية خطيرة في نفسي أنا ماذا فهمت؟ هناك الحديث الشريف بصيغه الكثيرة "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة" هذه حقيقة وفي رواية مسلم "من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة" لما نأخذ الحديث بكلمة (يعلم) ونذهب إلى أول سؤال في القبر (من ربك؟) لا يُسأل من الله؟ أنت ليس مطلوباً منك أن تعرّف الإله الحق وإنما المطلوب منك ما هي عقيدتك؟ ومرحلة الإعتقاد هذه مرحلة غابت عن الأمة، نسمع قصص الصحابة ثم نسرق أو نكذب أو نزني. الفرق بين واقعنا والصحابة أننا نستبعد أن نكون مثلهم. الحديث القدسي " يا عبادي إنما هي أعمالكم" (إنما) للحصر والقصر. المولى تعالى يقول (إنما هي إعمالكم) واحضر حالة وفاة لم يكن يصلي يريدون أن يصلوا له ويحجوا له ويتصدقوا له لكن أين نحن من الحديث (إنما هي أعمالكم) أعمالكم أنتم وليس أعمال أحد آخر، (ولقد جئتمونا فرادى) (وأن ليس للإنسان ما سعى) ما سعى هو، (وأن سعيه سوف يُرى) ليس كل عمل نعمله سيُقبل لأنه لو عملت عملاً لا تريد به وجه الله تبارك وتعالى سيكون رداً عليك لأنه تعالى قال في الحديث القدسي" أنا أغنى الأغنياء عن الشرك فمن عمل عملاً أشرك فيه معي غير فأنا منه براء وهو للذي أشرك" إذا عملت العمل لأحد خذ منه الجزاء لكن لو عملته لوجه الله فانظر إلى جزاء الله تعالى لك ولا يضيع عنده عمل سبحانه. "إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم فمن وجد خيراً فليحمد الله" ودعاء أهل الجنة في الجنة (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) هؤلاء يتكلمون بمنطق الصدق. هذه الآية ملخص صحيح الاعتقاد بالنتيجة، هم داخل الجنة وأخذوا جائزتهم وكلامهم منطق صدق وحق. الذي أى عند موته ملائكة سود الوجوه ثم صلى له أهله وحجوا له فماذا يفيده؟ إنما هي أعمالكم. الله تعالى قال لرسوله (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم) (ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد).
الذي يُذنب ظلم نفسه وهو أول من يتلقى نتيجة ظلمه وليس المظلوم الذي يعتقد أنه ظلمه بل إن هذا المظلوم يأخذ أجراً على صبره على الظالم. الظالم لو لم يتب يكون قد ظلم نفسه، وأول ما ذكره الله تعالى في الحديث القدسي الذي بين أيدينا هو تحريم الظلم "إني حرمت الظلم على نفسي" هذه القاعدة من الله تبارك وتعالى وفضل كبير أن يحرم الله على نفسه الظلم لسبب ولا يجب أن نفهم أن الله تعالى حرّم على نفسه الظلم لشيء "إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني؟ لا نفهم أن الذي قدّمه الله تعالى قدّمه كما يفعل البشر فبعض الملوك يعطون شيئاً لأحد حتى يسكت عنه أو مكافأة، المولى تعالى عندما يعطي ليس هذا لأنه لا يحتاج نفعاً ولا يضره شيء، وبدأ بذاته تعالى فقال: إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً" يعني قبل أن يخلق الله تعالى آدم ممثلاً للبشر هذه هي القضية أن الله تعالى لم يحرم الله الظلم على نفسه فقط فالله تعالى الذي عندما خلق البشر كتب فوق العرش "إن رحمتي سبقت غضبي" يوضح لنا أن أعمالنا في الغالب تغضب الله تعالى فلو أطلق الله تعالى العنان حاشاه للأعمال أن تكون هذه مقابل هذه فتكون كارثة فلو هذه الدنيا من عهد آدم إلى يوم القيامة تساوي عند الله جناح بعوضة وهي لا تساوي ما سقى الكافر شربة ماء. لو كان هناك إله من البشر وكان هناك من يكفر به لسجنه وقتله لكن الله تعالى يمهل الكافر حتى يتوب لأن رحمته سبقت غضبه. الله تعالى ادخر 99% من رحمته للآخرة لأن الدنيا دار فناء لا تحتاج أكثر من 1% من رحمة الله تعالى لكن دار الخلود والنعيم الأبدي يحتاج إلى رحمات فهناك مكافآت ولهذا أيضاً من ضمن الآيات التي أتمنى أن نفهم صح هي قوله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) البعض يفهم أن الله تعالى لا يغفر للمشرك لكن الآية تتكلم في الشرك الدائم الذي لم يتب صاحبها من الشرك لكن لو تاب قبل الموت يغفر الله تعالى له لأن عندنا آية أخرى في سورة الفرقان (والذين لا يدعون مع الله إله آخر) ثم قال (إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك ) المشرك لو تاب يُقبَل والله تعالى قال في آية أخرى (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً) حتى الشرك والكفر إذا تاب وعاد صاحبه. إلا من تاب في الآية يقابلها في الحديث القدسي الذي معنا "يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني" اطلب المغفرة من الله وأنت تتوب، أنت تقول أستغفر الله هل تطلبها بنية الإستغفار؟ الحديث يوجهنا إلى أن نطلب من الله تعالى أن يوجهنا الله تعالى إلى المغفرة (ثم تاب عليهم ليتوبوا) لو كان المذنبون واعين لطلبوا من الله تعالى التوبة الأولى أي أن يوجههم الله تعالى للتوبة ولنعرف أن الله قبل التوبة نرى هل نعود إلى الذنب؟ إذا عدنا تكون التوبة ليست توبة صادقة. عندما نقول يجب أن يقول مع القول عمل يثبت أن القول صحيح فعلامة قبول التوبة يعتمد على رجوعنا للذنب أو عدمه، لو قبلت توبتك لن تعود للذنب أبداً واعلم أنه لو عدت إلى الذنب تكون توبتك لم تكن صحيحة صادقة. الله تعالى يطالبنا بالتوبة من أجل المجتمع نفسه حتى يعود التائب لحضن المجتمع.
هل إذا دخل السجن أحد المذنبين يخرج وقد تعلم من الدرس أو يخرج وهو أكثر جرأة على الذنب أو يخرج بحالة منهارة ويرفضه المجتمع لأنه خرج من السجن فلن يجد عملاً ولا مصدر دخل بالحلال وللأسف الناس تنظر له على أنه كان مسجوناً فيرفضوه بينهم فماذا يفعل هذا الشخص والمجتمع لم يساعده ولا يعطيه فرصة ليعمل عملاً حلالاً؟ هذا الشخص ظالم ومظلوم وللأسف الشارع الوضعي لم يتعلم من الله تعالى الشارع الحكيم لم يتعلم التوبة ولم يتعلم أن العقوبة هي للتهذيب وللأسف هذه شعارات فارغة جوفاء لأن الذي يدخل السجن يخرج أسوأ مما دخل وهذه قضية صعبة ولو تعلمنا من الله تعالى يجب أن تكون العقوبة الأولى للمذنب تعذير ثم يكون هناك من يعمل معه نفسياً واجتماعياً حتى يؤهّل حقيقياً للعودة إلى حياته السليمة. الشارع الحكيم سبحانه وتعالى ستير فإذا يمعت من يقول أن هذا زاني أو سارق فاعلم أنها ليست المرة الأولى لأنه تعالى ستير لا يفضح المذنب من المرة الأولى وإذا كانت المرة الأولى وتاب يقبله الله تعالى. حتى في موضوع رد المظالم إذا لم تكن قادراً على رد المظالم فالجأ إلى الدعاء" اللهم إن ما بيني وبينك ذنوباً كثيرة وما بيني وبين خلقك ذنوباً فما كان بيني وبينك فاغفره لي وما كان بيني وبين خلقك فتحمله عني" هذا عندما لا يكون المذنب قادراً على رد المظالم فعلاً وليس مدّعياً عدم القدرة لأن الله تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور والله تعالى هو المهيمن سبحانه وتعالى.
القصة تكون عند التلقي فالله تعالى يضع التشريع ويضع المنهج ويبين الطريق والإنسان هو الذي يختار ولهاذ يجب أن يدفع هو ثمن ما اشترى. بعد التقرير في الحديث القدسي قال تعالى " يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار" ثم ذكر موضوع التوبة والاستغفار ثم بين أننا كبشر لن ننفع ولن نضر الله تعالى فما سر هذا الترتيب؟ هذه هي الدنيا، عندما نولد الفترة التي قبل البلوغ هذه هي الدنيا، ساعة تبدأ محاسبتك عند البلوغ إذا كنت عاقلاً سيبدأ التسجيل عليك (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) الانفطار) أول مدار البلوغ هي العقيدة، من الله؟ من ربك؟ ما دينك؟ أنت جُبلت على المنهج لكن ساعة البلوغ هناك منهج وضعه الله تعالى ولم يتركك هملاً لذا في سورة الرحمن (الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان) هذه اختلف فيها المفسرون والبعض يقول خلق الإنسان كان المفروض أن تأتي أولاً لكن ترتيب الآيات تدل على أن الله تعالى خلق المنهج أولاً، وبالنسبة لآدم منهجه ساعة التوبة لأنه لما قيل له لا تقرب الشجرة ثم أكل منها شرع له التوبة وهذا منهج. قال r : "لو لم تذنبوا يستبدلكم الله تعالى بقوم يذنبون فيتوبون فيغفر الله لهم" ضفات الله تعالى أزلية لا يعطلها شيء وأنت مخلوق على مراد الله تعالى لا على مرادك. نحن لا يمكن أن نغير قواعد الكون (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) لا بد من الخطأ لأن الله تعالى تواب ولهذا قال تعالى (إن ربك واسع المغفرة) اللمم أمر بسيط ومع هذا يحتاج إلى واسع المغفرة لأن العبد قد يرتكب لمماً كثيراً يحتاج واسع المغفرة أو لأن العباد على مر العصور كثير فهذا يحتاج واسع المغفرة وهذه تتناسب مع قوله تعالى إن رحمتي سبقت غضبي وهذا كلام الله تعالى لا تعارض فيه ولذلك الترتيب في الحديث القدسي يفيدنا نحن حتى نكون متوكلين لا متواكلين وسنخطئ ولذا علينا أن نستغفر أي نطلب من الله تعالى أن يتوب علينا والله تعالى لا يحتاج لنا فلا ننفعه ولا نضره ولهذا قال بعدها في الحديث القدسي " يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً" لا بإيمانك ستنفع الله تعالى ولا بكفرك ستضره وبيّن لنا وقائع الموضوع في قدرته وفي ما عندنا فقال " يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخل البحر" كلمة صعيد يمكن أن تأخذ معنى الزمان ومعنى المكان، المخيط إبرة الخياطة ملساء لا تحمل شيئاً لو أنزناه الماء ماذا تأخذ من البحر؟ لا شيء وهذه نقطة يجب أن نفهمها فهي لا تنقص من البحر شيء ولو كان بسيطاً. قارون رغم عظم خزائنه لو أخذنا منها ستنتهي لكن عطاء الله تعالى لا ينفد وإنما هو عطاء متزايد والقاعدة إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ولا يأخذ من رصيد ما حاشاه فعطاء الله تعالى ليس له حدود ولهذا المثال عن المخيط البعض قد يتصور أن المخيط سيأخذ شيئاً قليلاً من البحر وهذا خطأ لأن المخيط لا يأخذ شيئاً من البحر. الناس للأسف من يأسها توقفت عن الدعاء واستسلمت مع أن في القرآن آية حاكمة (وقال ربكم ادعوني استجب لكم) تطبيقها (وإذا سألك عبادي عني أجيب دعوة الداع إذا دعان) إذن علينا أن ندعو الله تعالى لكن على الداعي أن يكون موقناً أن يدعو الله تعالى ويوقن أنه سبحانه هو الذي يجيب لا غيره. الله تعالى قال لموسى عن فرعون: إستغاثك سبعين مرة فلم تغثه وعزتي وجلالي لو استغاثني مرة لأغثته، المسألة ليست مسألة دعاء (فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي) الإستجابة شرط قبول الدعاء فكم من قائل يقول يا رب وهو لا يقصد يا رب!. لا يفهم من كلامنا أن نتوقف عن العمل ونكتفي بالدعاء فقط. الشاعر قال:
وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
الله تعالى ساعة خلقك أعطاك قبل أن تسأله. الرسول r يعلمنا سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت (هذا العهد الذي أخذه الله تعالى علينا في عالم الذر) أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" سماه الرسول r سيد الاستغفار، عندما يقول أنت ربي هذا دليل التوحيد، أنا أعمل ما بوسعي وعندما أريد أن أرجع يجب أن أبوء بنعمة الله تعالى عليّ، لو كانت عقيدتك أنه لا يغفر الذنوب إلا الله تعالى فسيغفر لك.
نص: الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضالٌ إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائعٌ إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه".
بُثت الحلقة بتاريخ 27/11/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 06:00 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 62
تقديم علاء بسيوني
سنتابع كلامنا عن حديث الرسول r الذي تكلمنا عنه في حلقات سابقة. لما الرسول r يتكلم فهو ليس كأي شخص آخر وإنما قال عن نفسه "أوتيت مجامع الكلِم" وكلامه فيه من الإبداع ما يجب علينا أن نفهمه ونحفظه ونطبقه وكل كلمة يقولها الرسول r لها معنى. نتكلم عن الهم والغم الذي لا ينجو منه أحد ولا يوجد من يعيش بلا منغصات والرسول r يقول في الحديث "ما من عبد يصيبه هم ولا حزن" الصياغة نتوقف عندها في أكثر من ملمح.
نص الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصاب مسلما قط هم ولا حزن فقال اللهم إني عبدك وابن أمتك ناصيتي في يدك ماض في حكمك عدل في قضاءك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي إلا أذهب الله همه وغمّه وأبدله مكان حزنه فرحا قالوا يا رسول الله ألا نتعلم هذه الكلمات قال بلى ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن.
الرسول r يتكلم عن تفريج الهم والحزن واستخدم تحقيقاً لهذا الهدف أربعة ألفاظ أولها أن يجعل القرآن ربيع القلب (ربيع القلب) فما هو ربيع القلب وما علاقة القلب بالهم والغمّ ولماذا القلب بالتحديد؟ عادة نقول عقلي مشغول والرسول r تكلم عن القلب.
الحديث مهم جداً في أمور كثيرة ويمكن ربنا تعالى له فضل علينا أننتوقف عنده مرة ثانية ونوضح نقاطاً كثيرة تخدمنا ونحن نتكلم عن عباد الرحمن ومسألة التوبة والاستغفار. الحديث نرجع إلى أوله (ما أصاب) يعني أي شيء يصيب أي إنسان هذه نقطة يجب أن نتوقف عندها، أي شيء، أي إصابة عضوية أسرية اجتماعية، كلام الرسول r ليس كأي كلام ويجب على المتلقي أن يتلقى حديث رسول الله r بطريقة تختلف عما إذا كان يتلقى من أي أحد آخر. أي إصابة من أي نوع حلّها في هذا الحديث وليس عند ساحر أو بشر أو غيره وهذا مضمون الحديث العام، يقين العبد في الله تعالى. أي شخص أصيب بأي إصابة كانت يذهب لمن هو قادر على حلّها فالمريض يذهب إلى الطبيب مثلاً فيبحث عن أكفأ طبيب ويقول له أنا مصاب بكذا لكن عندما يتوجه إلى الله تعالى أول ما يقول (اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك) سلّم أمره إلى الله تعالى أولاً رضى بقضائه بأن الذي حصل مهما اعترض الشخص لا يمثل شيئاً وكل شيء بيد الله ولو اعترضت أو وافقت لن يؤثر على الله تعالى في شيء لن ينفع أحد ربنا ولن يضره أحد كما جاء في الحديث القدسي (لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم....) الإبداع في هذا الحديث القدسي لو كان الناس كلهم على أتقى قلب رجل ما زاد ذلك في ملك الله تعالى شيئاً ولو كانوا على أفجر قلب رجل ما نقص ذلك من ملك الله تعالى شيئاً فالحديث النبوي توقيع لهذا الحديث القدسي العبد يعلن التسليم لله تعالى وأننا كلنا عبيد. إذا كنت في هم أو حزن أو غم، يقول العبد المهموم (اللهم إني عبدك وابن أمتك ناصيتي في يدك ماض في حكمك عدل في قضاءك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك) أي أن لله تعالى أسماء نعرفها وأسماء لا نعرفها فالعبد يسأل الله بكل هذه الأسماء لأنه ربما يكون الحل بإسم من الأسماء التي يجهلها فيقول العبد (اللهم إني عبدك وابن أمتك ناصيتي في يدك ماض في حكمك عدل في قضاءك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك) (أو) هنا في الحديث ليست للتخيير، ورد في الحديث كل الاحتمالات. ثم قال (أن تجعل) لم يقل أن تفرج ما أنا فيه وهذا سيكون فيه ضيق لكنه دخل على الأصل (أن تجعل القرآن ربيع قلبي) كأن حل أي مشكلة أياً كانت هو بالقرآن ولو القرآن ربيع قلب أي شخص أي قضية ستحل، الحل لأي مشكلة تصادفها هو في القرآن.
البعض قد يفهم من هذا الكلام أن القرآن ليس كتاب منهج وإنما كتاب شفاء ويعالجون به الأمراض حتى العضوية. نحن سبق وذكرنا أن العلاج بالقرآن كلام فارغ والقرآن لا يعالج أمراض عضوية وإنما الأصل في القرآن أنه كتاب منهج وكلام الرسول r يعني أنني لو اتبعت المنهج بشكل صحيح لن أعترض على مصيبة أصابتني وإنما أرضى بها وأسلّم بها وأكون عبداً لله تعالى والفاعل هو الله تعالى وأبدأ في حلها. لو القرآن ربيع قلب المصاب تهون المصيبة وتحل، القرآن نفسه يكون ربيع القلب. نقف عند كلمتي ربيع وقلب: القلب وعاء العقل ووعاء الفكر والتعقل والتدبر لذلك قال تعالى (نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين) يعني القرآن نزل على قلب الرسول r وليس على عقله لأن القلب عو وعاء العقل والعقل هو في القلب، التعقل والتدبر في القلب ولذلك ربيع قلبي، ربيع تبين المسألة، لما كان القلب هو وعاء التعقل الأحداث التي تحصل على مر السنين والأسابيع والشهور لو قسمنا السنة إلى أربع فصول نحصل على الشتاء والخريف والصيف والربيع وأحسنها الربيع والرسول r ليس صدفة أن يختار الربيع وليس صدفة أن يكون مولد الرسول r في شهر ربيع الأول. فالربيع هو أفضل فصول السنة فلو كنت أتحدث مع أحد وكنت أشعر بالحر سيتضايق السامع وإذا كان يشعر بالبرد أيضاً سيتضايق وإذا كان الجو خريف لكن لو كان الربيع ستجد السامع يسمع بذكاء وتعقل فربيع القلب أي أن تجعل القرآن في مناط القلب في أفضل الأوقات فإذا ما حدثت المصيبة تلقاها وهو في أحسن حال. ربيع القلب، مثلاً نقول فلان كريم أو عادل ولو أردت المبالغة أقول فلان هو العدل أو هو الكرم مثلاً لما يقول القرآن (في عيشة راضية) هل العيشة راضية أو الذي يعيش هو راضي؟ الذي يعيش هو راضي لكن إذا كانت العيشة نفسها راضية فما بالك بالذي يعيش؟
سؤال: القرآن ليس كتاب شفاء من الأمراض العضوية كما يفعل الكثيرين والبعض يقول ورد في القرآن أن القرآن شفاء لما فيه الصدور فكيف نوفق بين الأمرين؟
ما هو أولاً (لما في الصدور)؟ ما في الصدور ليس أعضاء وإنما مسألة عقيدة فالقرآن يحل مشكلة العقيدة ويعالج هذه القضية لكن كلمة علاج الناس الذين يعالجون بالقرآن يفهمونها خطأ، العلاج ممارسة الداء نفسه والتعامل معه لكن الشافي هو الله تعالى والله تعالى لم يقل علاج لما في الصدور وإنما قال شفاء لما في الصدور أنت تعالج بالقرآن الكافر عقيدة وتبدأ تناقشه ولن تسأله عما في بطنه، أنت تتكلم معه عن العقيدة، تسأله من ربك؟ ثم تبدأ التعامل معه. إذن القرآن شفاء لما في الصدور أي لما استقر عقيدة في صدرك. حتى الحديث (أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري) نعود لنقطتين أن الله تعالى أنزل القرآن على صدر الرسول r ولما أراد تعالى أن يوقع هذا توقيعاً بيّناً قال لرسوله r(ألم نشرح لك صدرك) يعني لو لم يشرح صدر رسول الله r لما تلقى القرآن وهو الذي قال (إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً) ثقيلاً على قلبك فإن لم يكن الصدر منشرحاً لا يوقّع ما في القلب بما في الصدر ولذلك القلب والصدر مرتبطة. قال (لنثبت به فؤادك) والفؤاد غير القلب. عندنا قلب وصدر وفؤاد وبعض المفسرين يطلقوا القلب على الفؤاد وهذا ليس دقيقاً ونحن من أنصار من يقول إذا تغير الكلمة تغير المعنى لا يمكن أن تكون الفؤاد بمعنى القلب وإلا لما استخدم هذه الكلمة وهذا واضح في قوله تعالى عن أم موسى (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) القصص) الفؤاد كان سيكون فارغاً لولا أن الله تعالى ربط على قلبها، فالفؤاد محل القلب فإذا أردت التعبير عن شيء سطحي نقول قلب ولو كان عميقاً نقول القلب ولذلك قال تعالى (وكذلك لنثبت به فؤادك) لم يقل قلبك فلما يثبت الفؤاد فمن باب أولى يثبت القلب لكن لو ثبت القلب لا يعني بالضرورة تثبيت الفؤاد. قال تعالى (وكذلك لتثبت به فؤادك) نزلت الآية عندما طلب المشركون من الرسول r أن ينزل عليه القرآن جملة واحدة فقال تعالى (كذلك لنثبت به فؤادك) و(كذلك) تعني كذلك أنزلناه متفرقاً لنثبت به فؤادك لأنه لو نزل جملة واحدة فكيف يحفظه وكيف يناقشه؟ نزل القرآن مفرقاً فالآية مثلاً (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) قضية بعينها حُلّت نزلت هذه الآية فسمعها المسلمون وطبقوها. إذن أن تجعل القرآن ربيع قلبي أي بالتطبيق، ربيع قلبي، الربيع مثل النسمة الطيبة ثم قال (ونور صدري). قال تعالى في القرآن (والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى وللآخرة خير لك من الأولى) وقلنا أن الآخرة هنا أي آخر مرة نزل فيها الوحي أفضل من السابقة عليها وبعد أن عدد له كل أفضال الله تعالى من ساعة ما كان الرسول r يذهب إلى الغار يبحث عن الإله الحق بعيداً عن الأصنام قال تعالى له (ألم يجدك يتيماً فآوى فأما اليتيم فلا تقهر وأما بنعمة ربك فحدث) ثم قال بعدها مباشرة (ألم نشرح لك صدرك) إذن عندما سيحدّث الرسول r سيحدّث بما شُرح به وله الصدر فثبّت الله الفؤاد وشرح الصدر فالذي يتكلم سيتكلم بشكل صحيح ولو المتلقي هكذا ستهون عليه أي مصيبة. خذ رجلاً عاقلاً وآخر مجنون وأخبرهما خبراً معيناً فالعاقل يسأل من قال هذا الكلام ويتأكد منه أما المجنون فيذيع الخبر مباشرة دون تأكد. إذن مسألة ربيع القلب كأن الربيع هو الجو الأمثل والحالة النفسية المثلى لوقوع القرآن في القلب ليسهل تلقي الحوادث والأخبار فإذا أزلت السبب لا يعود للمسبب معنى. ربنا يشرح صدر الإنسان للإسلام وفي المقابل يجعل صدر الكافر ضيقاً والله تعالى مع بني إسرائيل قال عنهد (وأشربوا في قلوبهم العجل) والشرب يكون من الفم عادة لكن أشربوا في قلوبهم هذه تحتاج إلى علاج وكأن عقيدتهم فسدت بحيث أنهم ارتوا كفراً بالله تعالى. فلما الرسول r يقول (ربيع قلبي ونور صدري) ثم قال (وجلاء حزني وذهاب غمي) أولاً القرآن توقيع تلقي (ربيع قلبي ونور صدري) ثم أصبح فاعلاً (وجلاء حزني وذهاب همي). الله تعالى قال عن سورة الإخلاص أنها تعدل ثلث القرآن وهذه الجملة يقوم عليها علم كامل، القرآن مقسم إلى ثلاثة أقسام ثلث منه التوحيد (سورة الإخلاص) هذا ثلث التوحيد فلما القرآن يكون ثلثه توحيد وثلثه يتكلم عن الخلق والبعث والجزاء والثلث الأخير توقيع صدق رسالة الرسول r وقلنا أن هناك أوضاعاً في القرآن لا يمكن للرسول r أن يغامر بها ويقولها لو كان هو الذي يؤلف القرآن مثال (سيقول السفهاء من الناس) لا يتكلم عن المستقبل وإنما يتكلم عن ما حصل لو كان هو الذي ألّف القرآن كما يزعمون لأنه قد يأتي هؤلاء السفهاء ويقولون كلاماً غير الذي قاله. هم عندهم في التوراة أن محمداً r نبيّ القِبلتين ونزل في القرآن أنه لما تتحول القبلة سيقولون هذا الكلام ولو كان عندهم ذرة سيطرة لما قالوا هذا الكلام، الآيات تدل على الهيمنة ومن أسمائه سبحانه وتعالى المهيمن قال تعالى عنهم سفهاء وهم وقّعوها بأنفسهم، إذن لا يمكن أن يكون محمد r هو الذي ألّف القرآن. كل ثلث من القرآن تحتاج إلى حلقات إثبات منطقي عقلي ففي التوحيد مثلاً (لا إله إلا الله) هل هناك إله إدّعى أنه إله ولم يُقصمه الله تعالى؟ فرعون والنمرود ادعوا الألوهية فقصمهم الله تعالى، في مسألة الخلق لم يدّعي أحد الخلق ولم يقل أحد أنه خلق الشمس أو البشر، البعث والجزاء جاءت من الأرض نراها ميتة ثم يحييها الله تعالى وكذلك تخرجون فعلينا أن نقيس هذه بهذه. وصدق رسالة الرسول الله rبآيات مثل: (قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون) هذه في يدك (ولا أنتم عابدون ما أعبد) لو قال أحدهم أشهد أن لا إله إلا الله يكون ضيّع القرآن وضيع الرسول لكنلم يقلها أحد وهذا نفهم منه هيمنة المهيمن سبحانه وتعالى لأن الذي قالها هو الله تعالى. لما يقول تعالى (تبت يدا أبي لهب) لو كان عند أبي لهب ذرّة سيطرة لقال للرسول r أنت تقول أنه من قال لا إله إلا الله دخل الجنة والقرآن يقول أني في النار وأنا أقول لا إله إلا الله (ولو كذباً أو نفاقاً) لضيّع القرآن لكنه لم يفعلها لأنه لا يستطيع. هذه الآيات تثبت صدق رسالة رسول الله r وأنه لا يأتي بهذا الكلام من عنده وإنما من عند الله تبارك وتعالى. إذن الخلق والبعث والجزاء والتوحيد وصدق رسالة الرسول r هذه أثلاث التوحيد، سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن لأنه تتكلم في ثلث التوحيد. سورة الفاتحة سميت الجامعة لأنها تتكلم في الأثلاث الثلاثة (إياك نعبد) توحيد، (مالك يوم الدين) تفويض.
كلمة التوحيد يعتبرها البعض أنها مجرد شعور الإنسان أن هنالك إله واحد لكن هذه الكلمة لها أبعاد كثيرة وغياب هذه المعاني عن الناس هي التي تجعل الناس تهلع وتجزع. يحب أن أوقن أن هنالك إله واحد وأوقن أن ناصيتي بيد الله وأن حكم الله نافذ وأن الله تعالى عدل فلا يمكن أن يظلمنا. هذه الثلاث مضمون التسليم ومناطه، التسليم بأني عبد وأن الله تعالى إله واحد وكلمة إله تعني القدرة والسيطرة ولا يمكن أن يكون هو إله وهناك من يفعل له شيئاً، البشر لا يحيط بكل القضايا في وقت واحد إنما الإله الحق هو القادر أبداً في كل وقت وفي كل حين المهيمن أبداً ولذلك لا يكون في لحظة غير مهيمن لا يمكن لأنه تعالى القاهر فوق عباده. لذلك قلنا لما أدخل الوليد بن مسلم سامحه الله (المنتقم) في أسماء الله الحسنى والناس صدقت أن هذا الإسم من أسماء الله الحسنى لكن هذه الصفة صفة الثبوت، الحديث عند البخاري ومسلم ليس فيه تعداد للأسماء، البعض يقول أنها موجودة في القرآن في قوله تعالى (والله عزيز ذو انتقام) وذو انتقام غير المنتقم وهناك فارق لغوي بينهما، ذو انتقام أي صاحب انتقام قد ينتقم وقد لا ينتقم لكن المنتقم النافع هذه صفة ثابتة وليس لنا نحن أن نسمي الله تعالى فلو كنا مسلمين نأخذ أسماء الله تعالى من القرآن أو من الحديث الصحيحة لأن الرسول r لا ينطق عن الهوى (إن هو إلا وحي يوحى) فالمهيمن هو الله والرسول r يعبر عما أوحي إليه ولو لم يعلم الرسول r أن هذا الإسم الذي ورد في السنة يصادف إسماً عند الله لما أطلقه. إذا كنت موحّداً واعترضت أكون لست موحّداً. الله سبحانه وتعالى محيط (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) وما بينهما أيضاً سبحانه. إذا وحدت ثم اعترضت تكون ما وحدت لأنه من دواعي التوحيد التسليم، عندما يموت أحد ترى الناس تصرخ كأنه أول واحد يموت. النفس والشيطان يعملان على هذه المنطقة وهي منطقة العقيدة الشيطان يفسد العقيدة ولو أفسدها تفعل كل شيء خطأ ولكن لو كانت عقيدتك سلمية لا يمكن أن يوسوس لك الشيطان لذلك اختار الرسول rالألفاظ بدقة في هذا الحديث الذي معنا وفي كل حديث. (ربيع قلبي) تخيل لو في كل قلب القرآن ربيعه سيبقى هذا القلب صاحياً قوياً شاباً في كل وقت، فكلمة ربيع تصادف موضوع الفصول ومن العمر الفتوة والشباب واعي لا ينام. (ونور صدري) الصدر وعاء التوقيع كما أن القلب وعاء التوقيع. الأطباء النفسيين عندما يذهب إليهم مريض محبط يكون هذا المريض غير قادر على أخذ نَفَس. نحن لم نتعامل مع النفس على أنها عضو وهذا خطأ يجب أن يقوم بسرعة، لو كان عندك ألم في ظهرك تمسك بظهرك لكن إذا آلمتك نفسك فماذا تمسك؟ علينا أن نتعامل مع النفس على أنها عضو، عندما تكون نفسي متعبة لا أتكلم مع أحد حتى لا يظنون أني مجنون. لكن نحن نعلم أن البشر جماع نفس وجسم. عندما نتعامل مع أنفسنا ومع الناس ومع القرآن يجب أن نضع في أذهاننا أن الجسم يمكن أن نستغني عن جزء منه أما النفس فلا، إذا كان عندي ألم في يدي مثلاً لا أستخدمها لكن إذا تعب جزء من نفسي يتعطل كل الجسم لذلك قال الرسول r (ربيع قلبي ونور صدري) فإذا حصل هذا سيكون (وجلاء حزني وذهاب همي) هذا دعاء. فلان تعب فقال هذا الدعاء وتحقق وقال ربكم ادعوني استجب لكم لو دعا هذا الرجل واستجاب الله تعالى له ثم حصل أمر آخر فهذا الرجل لا يحتاج للدعاء ثانية لأن القرآن أصبح ربيع قلبه ونور صدره فالمشكلة الثانية ستحل تلقائياً فلو دعا مرة واحدة وتحقق مرة وحافظت عليه سيكون نمط حياتك أنه كلمت يحصل شيء يحصل اليقين والتثبيت والإحسان وكأنه تطعيم وقائي يصلح للأبد. إذا أصاب العبد هم أو غم وكان قلبه واعياً سيتعامل مع الهم والغم وسيذهبا وبعدها يكون محصّناً من الهم والغم. البعض يقول أن فلان مسحور والسحر موجود فلو سيطر المسحور على نفسه قليلاً لن يقدر عليه الساحر إذا كان القرآن ربيع قلبه ونور صدره لأن الساحر لما يكفر يسخر له الجن والعياذ بالله والجن أنواع لكن المسحور معه المولى عز وجل فمن يقدر على من؟ المصيبة عند الناس أنها عندما تسمع بكلمة السحر يخاف ويجزع. هذه مسألة اليقين والتوكل والثقة بالله تعالى ولذلك في الحديث القدسي (أنا عند ظن عبدي بي) هذا الحديث عملت مع الدكتور رمضان عليه سنة كاملة وذكرنا مراحل التلقي في الإدراك (العلم والظن والشك والوهم) الجهل لا يدخل معها لأنه ليس علماً، لم يقل المولى أنا عند علم عبدي بي والعلم أقوى من الظن لأنه لا أحد يحيط بالله تعالى أبداً ولذلك الرجل الذي يأخذ كتابه بيمينه ويدخل الجنة قال (إني ظننت أني ملاق حسابيه) لمجرد أنه ظنّ عمل وعبّر بالظن بدل العلم لأنه في حضرة علام الغيوب لا يمكن أن يقول علمت ولذلك قالها المولى تعالى (أنا عند ظن عبدي بي).
بُثّت الحلقة بتاريخ 17/12/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 06:01 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 63
تقديم علاء بسيوني
نعود لآيات سورة الفرقان في هذه الحلقة لنبلور فهمنا للتوبة والاستغفار وعباد الرحمن الذين يعرفون كيف يصلون إلى التوبة حتى يصلوا إلى المتاب وهي المكان التي فيها عودة دائمة إلى الله تعالى وهي المكان الذي يحفظ الإنسان. كيف نرجع إلى هذا المكان الآمن في ستر الله تعالى ورعايته.
تكلم الله تعالى في سورة الفرقان عن أكبر الكبائر (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76) قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77))
موضوع مضاعفة العذاب يقول الناس أن الله تعالى عادل ويحاسبنا بما عملنا وفي الحسنات يضاعف لنا إلى سبعمائة ضعف أما السيئة فتحسب سيئة واحدة فكيف نوفق بين الأمرين؟
هذا سؤال جيد لكنه خطأ، جزاء سيئة سيئة أما مضاعفة العذاب فهو في السيئة نفسها وليس في عدد السيئات. تكلمنا سابقاً عن (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) الرحمن) الذي خاف مقام ربه يأخذ جنتين وعندما خلق الله الخلق بحكمته عمل لكل واحد مكان في الجنة ومكان في النار فإذا دخل الجنة يفرغ مكانه في النار ولما يدخل واحد الجنة يأخذ جنة جزاء العمل وعندما يدخل أحد النار يفرغ مكانه في الجنة فالآخر يورثها جزاء أنه خاف مقام ربه. ولو كنا واعين نضع المقابل أن الذي لم يخف مقام ربه له نارين. هذا كلام منطقي في الآية والآية تتكلم عن مضاعفة العذاب والعذاب ليس عذابين فقط وإنما عذابات. لو عمل أحدهم سيئة آخرون يقلدونه في هذه السيئة والرسول r يقول: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة (وفي رواية: دون أن ينقص من أجره شيئاً) ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة (وفي رواية: دون أن ينقص من أوزاره شيئاً)" إذن عندنا صنفين واحد يعمل سنة حسنة (أحد الدعاة فهمها وقال أنه يمكن لأحد أن يبتكر سُنّة لكنه هذا المفهوم خطرة لأن هذه تكون بدعة وليت سنة لما أما أفعل شيئاً) كلمة سنّ جاءت من سُنّة أي أحيا سُنّة كان يعملها الرسول r وغابت عن الناس لأن الذي يعمل ما لم يعمله الرسول r يكون بدعة، توقيع هذا في القرآن أن القرآن يشجع ويحث على الأخذ بالعلم الحديث، قال تعالى (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) الحج) المفسرون في العصر القديم قالوا (على كل ضامر) قالوا أن الإبل من كثرة السفر تضمر وفي العصر الحديث فلم يعد يذهب أحد على الجِمال ولو بحثنا عن كلمة ضمر في اللغة نجد أن ضامر معناه كل مُغلَق إذن السيارة والطائرة ضامر ومنها أضمر فلان أمراً أو الضمير. العلم الحديث يجب أن يكون على ما سنّه رسول الله r. ومن سن في الإسلام سنة سيئة هذه تأتي من عند البشر لأن الرسول r لم يعمل سيئة فمثلاً إذا فتح أحدهم خمّارة أو كباريه أو غيره يكون قد سن سنة سيئة. الرسول r قال : أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين" وقال أحدهم أنا أريد أن أحيي سنة الرسول r وسأفتح داراً للأيتام وآخرون فتحوا دوراً أخرى تقليداً هذه سنة حسنة والأجر يتضاعف، هذه في الحسنات وكذلك في السيئات (لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ (25) النحل). العذاب يضاعف أضعافاً مضاعفة وليس ضعفين كما يفهمها الناس، يضاعف كلمة منضبطة. الذى حرّف التوراة والإنجيل أضلّ الناس الذين يصدقونه إلى يوم القيامة. التوقيع القرآني ينبهنا إلى أن المضِلّ يحمل وزره ووزر من أضَلّه إلى يوم القيامة.
مسألة مضاعفة العذاب شيء منطقي فكما فهمنا أن الذي يتقي الله تعالى يأخذ مكانه ومكان من دخل النار بينما الذي لم يتقي ولم يتوب سيدخل النار ومكانه في الجنة يفرغ ومكان المؤمن الطائع في النار يفرغ فيأخذه هذا العاصي لأن أضل أناساً عدة وعمل سيئات جارية فعليه وزره ووزر من أضله إلى يوم القيامة. كلمة يضاعف لا تعني ضعفين وإنما مضاعفة إلى يوم القيامة وهذا عيب البدعة لأن كل بدعة ضلالة. يجب أن نتوقف عند كل أمر ونسأل هل فعله الرسول r. العذاب فيه خلود وفيه إهانة، الخلود لأن العاصي لم يتب والإهانة هل هي في نوعية العذاب أو لمجرد أنه لن يدخل الجنة؟ العذاب وصف في القرآن بأنه أليم وهذا يتحدث عن الأعضاء أي عذاب أليم يؤلم العضو ولما يقول عذاب مهين فهو عذاب نفسي إذن العذاب عضوي ونفسي. هناك من تكفيه الكلمة أو الإشارة فقط ليستحي وهناك من يستمر ولو نظرت إليه ولا يتوقف إلا إذا ضربته فالناس أصناف. إذن العذاب نوعين نوع يعاقب الله تعالى به الأعضاء (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ (56) النساء) هذا العذاب العضوي ووصف في القرآن بأنه أليم، عظيم أما العذاب الآخر (عذاب مهين) فأنت تتكلم عن إهانة النفس. كل المتكبرين في الدنيا والعظماء والمسؤولين قال فيهم رسول الله r "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر" (أنا) هنا يجب توضيحها والناس تخطئ عندما تقول أنا وأعوذ بالله من كلمة أنا وليس هذا ما قصده الرسول r وإنما ما ورد أنه طرق باب رسول الله r فقال من؟ قال الطارق أنا، فقال r أنا أنا، كأن الرسول r يريده أن يقول اسمه. (أنا) التي يتكلم عنها الإنسان من باب الكِبر هذا لا يدخل الجنة فالذي يقول من هذا حتى أتكلم معه؟ هذا كِبر. الرسول r قال لمعاذ " كُفّ عنك لسانك فقال معاذ أونحن مؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال له رسول الله r: ثكلتك أمك يا معاذ وخل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم؟ لذلك اللسان تعبير عما بداخل النفس فلو كان في النفس كِبر سيظهر لذلك قال تعالى (ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) الدخان) هذا العذاب المهين. قوله تعالى (وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) الإهانة هنا مستمرة لأنه ساعة وقع في المعاصي كان مستهزئاً ولم يعمل صفة الرقيب فمقابلها إهانته وخلوده في العذاب أليم إذن الخلود أليم (وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) ثم استثنى (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) لا يدخل التائب النار ولا يخلد فيها ولا يهان ومن عمل معصية أو كبيرة ثم تاب ليس عليه عذاب أساساً وهناك من الناس من هو معجب بأنه يدخل النار ثم يخرج والقرآن لم يتكلم في هذا الموضوع. نسأل سؤالاً إذا ارتكب أحدهم معصية ثم تاب إلى الله لن يدخل النار لأن الله تعالى قال (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) آمن لأنه ساعة ارتكب المعصية خرج من دائرة الإيمان، (فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71)) المتاب هو المكان الآمن يبقى فيه بعيداً عن المعصية وطالما ابتعد عن المعصية فلماذا يدخله الله تعالى النار؟. هناك نقطتان أولاً أن الله تعالى لم يخلقنا للعصمة فالعصمة للأنبياء والمرسلين أما نحن البشر فخُلِقنا لنخطئ ونتوب ما خلق الله تعالى آدم إلا ليعصي ولذلك لما موسى وآدم احتجوا كانت حجة آدم أقوى وأول إخبار عن آدم في القرآن قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً (30) البقرة) يعني سوف يجعل في الأرض خليفة فهو مخلوق للأرض وأغلب الآراء العلمية أن جنة آدم في جنة تدريب على المعصية والتوبة في الأرض ولما قال اهبطوا منها هو هبوط معصية. وأصل كلمة جنة في القرآن في الأرض واستعيرت لجنة الخلد حتى يمكن للإنسان أن يتخيلها، أول إخبار عن كلمة جنة في القرآن قوله تعالى (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) القلم) جنة بمعنى بستان يجنّ من بداخله أي يستره وأطلقها الله تعالى على جنة السماء لكن فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. نحن خلقنا لنخطئ والرسول r قال لو لم تذنبوا لجاء الله تعالى بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر الله لهم حت تبقى صفة التواب. إذا أخطأت ولم تتب أو أخطأت ولم تتب لا يستوون فالذي تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً يتوب الله تعالى عليه. هذا الرجل الذي أخطأ وتاب أفضل من الذي لم يخطئ لأن الذي لم يخطئ لم يذق لذة المعصية (بإجماع العلماء وتزيين الشيطان والنفس على أن للمعصية لذة) أجبر الإمنسان نفسه على عدم المعصية وعلى طاعة الله، لماذا بدل الله سيئات العاصي حسنات؟ تبديل السيئات أولاً السيئات القديمة تصبح حسنات لأنه منع نفسه لذة المعصية وكان يحبها واستبدل بها مشقة الطاعة فتبدل السيئات حسنات والسيئات المفترض أنه كان سيأخذها لو استمر في المعصية ستكون تلقائياً حسنات. واحد عمل مائة ألف سيئة وفجأة تاب فهذه المائة ألف صاروا مائة ألف حسنة والحسنة بعشرة إلى سبعمائة ضعف والله يضاعف لمن يشاء ومن همّ بسيئة ففعلها تكتب سيئة واحدة فإذا عاد عنها تكتب حسنة.
إذا عمل أحدهم سيئة جارية وبعد سنة تاب لكن خلال السنة هناك من عمل بهذه السيئة وآخرون عملوا مثلها فماذا يحصل بالسيئات الجارية وكل من قلّد هذا الرجل إذا تاب هذا الرجل وندم ورجع وترك الأموال الحرام وبدأ ينصح الناس؟
السيئات الجارية بالنسبة لهذا الرجل التائب هو لما عمل هذه السيئة مثلاً عمل خمارة، هناك من عمل خمارة وهناك من لم يعمل فالذي عمل يحمل السيئات والذي لم يعمل لا يحمل سيئات، هذا الرجل تاب وبتوقيع القرآن (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) ومن أخص العمل الصالح أن لا يعود لهذا الذنب ومن أشمل العمل الصالح أن يعمل عملاً يناقض الذي فعله فلو هدم الخمارة وعمل مكانها دار أيتام أو مستشفى ولا يتركها خمارة ليأخذها غيره ويفسد فيها. البعض يريد أن يتوب لكنه يريد أن يحتفظ بالأموال الحرام فالتوبة درجات وهناك درجات للقبول والمكافأة هناك من لا يأخذ من الأموال التي اكتسبها بالحرام، هناك من يهدم الخمارة ويعملها مسجد أو دار أيتام ليقلب السيئة إلى صدقة جارية وهذا (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) فكأن الذي أفسد المجتمع عشر سنين عليه أن يصلح المجتمع عشر سنين كما أفسده ولو مات قبل أن تنتهي هذه السنوات يحاسبه رب العالمين على نيته. بمجرد أن يتوب الإنسان العاصي ويعترف تسقط عنه السيئات ويمكن لهذا الرجل أن يذهب إلى من عنده خمارة وينصحه وعليه أن يعوّض عن كل السيئات والعقاب بأن العاصي الذي يسن سنة سيئة أنه يحمل وزره ووزر من عمل بالسيئة لأنه يضر بالمجتمع وقد يقلّده ضعاف النفوس ولو كان العاصي صادقاً فمع توبته عليه أن يعيد هؤلاء الذين قلّدوه عن الاستمرار في المعصية نفسها.
الأفلام السينمائية التي فيها مشاهد ساخنة ويكون الممثل والممثلة تابوا لكن الأفلام ما زالت تعرض فهل على التائبين ذنب؟ المشكلة في الناس أنهم يقولون أن هذه مشاهد تمثيلية والممثلين لا يمارسون الرذيلة وإنما يمثلون الرذيلة ولهؤلاء نقول تمثيل الرذيلة رذيلة ونحن نقول حديث الرسول r الحلال بيّن والحرام وبيّن. إذا تاب الممثلين ويمكنهم شراء الأفلام فليفعلوا ويمكن شرائها من نفس الأموال التي كسبوها فإذا لم يفعلوا فالتوبة مقبولة إن شاء الله تعالى. الذين يشاهدون هذه الأفلام هم المسؤولون عن الذهاب إلى السينما وهم محاسبون على ذلك. الحلال بيّن والحرام بيّن ومن صفات عباد الرحمن (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا). التوبة لهؤلاء مقبولة إن شاء الله تعالى لكن بشرط (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) فقد لا يكون عند الممثلين مال ليشتروا به الأفلام فلا باس لكن عليهم أن ينشروا بين الناس أن ما فعلوه كان خطأ ويمنعوا الفساد في المجتمع. العمل الصالح يتوقف على إمكانيات كل شخص فإذا كان مع الممثلين مال هل يشتروا به الأفلام أن يبنوا مسجداً يجب أن نمنع الأفلام أولاً لأن درء المفاسد مقدمة على جلب المنافع ويمكن لأحد من الأشخاص الميسورين أن يشتري هذه الأفلام ويمنع عرضها لأن هذه حسمة جارية بالسلب والمنع.
الأمور المعنوية كالخلافات الزوجية بين زوجين يدخل بينهما أحد الأشخاص ويزيد من الأزمة الزوجية ويوحي للزوجة أنه سيسعدها ويأخذها من زوجها هذا الرجل لو أراد أن يتوب ماذا يفعل؟
التوبة كلمة لو فهمناها تكون الإجابة سهلة واضحة، التوبة هي العودة والرجوع إلى الله تعالى أن يعود إلى الله تعالى وأن يستغفر وهذه مسألة كافية ولو كان الزوج مثلاً غير مسامح له حق عند الرجل فإما يأخذ من حسناته يوم القيامة وإما أن يرفع الله تعالى هذا الحق وهناك دعاء "اللهم ما كان بيني وبينك فاغفره لي وما كان بيني وبين خلقك فتحملها عني" لا يضيع شيء عند الله تعالى، إما أن يأخذ حسنات من عنده فإذا فنيت يؤخذ من أوزاره ويوم القيامة إسمه يوم الفصل ويوم التعابن وكل إسم له معنى وله موقف لكن نقول أن على كل إنسان أن يبادر ويشارع في التوبة إلى الله تعالى وليست التوبة كلمات تقال باللسان فقط وإنما هي حالة.
بُثّت الحلقة بتاريخ 25/12/2007م

ميارى 28 - 7 - 2010 06:03 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 64
تقديم علاء بسيوني
ما زلنا مع سورة الفرقان نتكلم عن قضية طويلة في التناول والتعاطي وهي قضية التوبة والإنابة إلى الله تبارك وتعالى وليس عجيباً أن نأخذ هذه الفترة الطويلة لتناول هذه القضية لأن عملية التوبة لدى الناس تتم بشكل غير صحيح وهي بعيدة عن منهج الله تعالى ورسوله لأن الناس يعتقدون أن التوبة كلمتان باللسان فقط والدليل أن الإنسان يقع في نفس الخطأ مرة أخرى بعد أسبوع أو أسبوعين للأسف والذنب لم يمحى وما زال في صحيفته. التوبة معناها أنك قفلت الباب بوجه المعصية وعدت إلى جوار الله تعالى.
نبدأ بصفات أخرى لعباد الرحمن وهو موضوع الزور والبعض يظن أن الزور فقط هو متعلق بشهادة الزور فقط في المحكمة. وقبل ذلك ورد استفسار من بعض المشاهدين عن دلالة تكرار التوبة في الآيتين في خواتيم سورة الفرقان (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71)). فما فائدة التكرار أولاً؟ ثم ما دلالة عدم ورود الإيمان في الآية الثانية؟
في هذه الآيات الاستثناء لا بد أن نقف عليه (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) هنا الاستثناء من توقيع العقوبة وقلنا سابقاً في قوله تعالى (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ) أن هذه الثلاث تعتبر مثال فقط وليست هي وحدها التي تتم فيها المضاعفة وليست هي وحدها التي فيها ذنوب، الكبائر الثلاث ضربها الله عز وجل كأمثلة فقط لكن نضعها عناوين كبيرة على رأس كل الذنوب، وعندما يضرب الأمثلة بهذه الثلاث يقول (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) الاستثناء مم؟ هذه نقطة مهمة لنفهم لماذا قال مرة (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) ومرة (وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا)؟. الاستثناء من توقيع العقوبة يعني (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ) هذه للجميع (يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا)، هذا الكلام لو أخذناه بعيداً عن سورة الفرقان وأوصاف عباد الرحمن يكون له وقع وكونه داخل في توصيف عباد الرحمن وقلنا أن عباد الرحمن ضرب بهم المثل أنهم لا يدعون مع الله إلهاً آخر يعني هذه الصفات ليس صفات عباد الرحمن فيجب أن نعلم عمن يتكلم القرآن؟ القرآن يتكلم عن جماعة قبلها في توقيع سورة الفرقان قبلها سورة النور وقبلها سورة المؤمنون ننتبه إلى صفات المؤمنين في سورة المؤمنون (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) هنا صفات جماعة من المسلمين اتصفوا بالإيمان (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) وصفهم بأنهم (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) وبعد صفات عديدة قال (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9)) فلما نتكلم عن الصلاة بالنسبة للمؤمنين عندنا صفتين: أولاً هم خاشعون في صلاتهم وأنهم يحافظون عليها والمنطق يقول أن تأتي المحافظة على الصلاة في وقتها أولاً ثم تخشع فيها (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا (103) النساءً) فلماذا قدّم؟ كأن هذه مسألة منتهية وكأن المحافظة على الصلوات من صفات المؤمنين من باب التذكير فقط وهذه المسألة منتهية عند المؤمنين وإلا لا يكون مؤمناً وإنما يكون مسلماً ونذكر بقوله تعالى (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا (14) الحجرات) قد يكون في صفاتهم أنهم لم يكونوا يحافظون على الصلاة فالله تعالى حرمهم من صفات المؤمنين ومن عدالة السماء قال تعالى (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) لم يقفل الباب في وجههم. الفرق بين لم ولمّا أن (لم) تقفل الباب (لم يفعل ذلك) أما (لمّا يفعل ذلك) يعني لم يفعل إلى الآن لكنه متوقع أن يفعل.
سؤال: التأخير في المحافظة على الصلاة على الخشوع هل يعني أنهم يحافظون على الصلاة في وقتها ويحافظون على الخشوع فيها؟ لا بأس بهذا المعنى لكن المعنى الأهم أنه يريد أن يقول أن مسألأة المحافظة على الصلاة عند المؤمنين مسألة منتهية لكن المسألة أن يخشعوا في الصلاة. لو عندنا مائة مؤمن وعندنا مائة مسلم عند أذان الظهر مثلاً أن المؤمنين جميعاً عندما يسمعون الأذان سيقومون إلى الصلاة حتماً هؤلاء يحافظون على الصلاة لكن المسألة من سيخشع من بين هؤلاء الذين دخلوا؟ ستجد نسبة 20% ربما فقط خاشعين. هذه هي القضية ولذلك قدّم تعالى الخشوع في الصلاة على المحافظة عليها. لما تكلم تعالى عن المؤمنين جاء بصفتين استبعدهما تماماً في حق عباد الرحمن وبالعكس تكلم في عباد الرحمن عن صلاة الليل كأني بالمولى عز وجل يقول بعد أن تكلم عن صفات المؤمنين أن مشكلتهم إما أنهم يخشعوا بعد أن يحافظوا، هذه المشكلة منتهية عند عباد الرحمن، عباد الرحمن يخشعوا ويحافظوا وبقي عندهم قيام الليل وهذه يفعلها جميعهم أن عباد الرحمن يبيتون لربهم سجداً وقياماً ولم تقال في حق المؤمنين. كأننا نسير بالترقي من الإسلام إلى الإيمان لما وصلنا إلى سورة المؤمنون سبقها الكلام عن الصلاة والمحافظة عليها والخشوع فيها فأخذنا المؤمنين كمثال على الترقي من الإسلام إلى الإيمان ولذلك عباد الرحمن أرقى فلم يذكر لهم مسألة الخشوع في الصلاة أو المداوة عليها لأنها مسألة منتهية عندهم من ساعة ما كانوا مؤمنين. كأني بالله تعالى أن عباد الرحمن هؤلاء صفوة الصفوة وهم أرقى ناس داخل الإيمان الذي قلنا يرتقي من الإيمان إلى التقوى إلى الإحسان وهذا ما نادى به الحق تبارك وتعالى ساعة قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) آل عمران) عندنا درجتان بعد الإيمان وهما التقوى والإحسان اللتان عملهما عباد الرحمن بدليل أنه عندما لا تكلمني في قضية ما فذلك لأنني أعملها أصلاً ولما ذكرها في عباد الرحمن لم يذكرها كما ذكرها في سورة المؤمنون على أنها مشكلة لأنها ليست مشكلة عندهم وإنما قال (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) الفرقان) إذن كل عبد من عباد الرحمن لا يحافظ على الصلاة فقط وإنما عندما يذهب لبيته الكل ينام بينما هو كعبد من عباد الرحمن يبيتون لربهم سجداً وقياماً.
سؤال: البعض يقول أن ظروف الحياة متعبة وأعباء وشغل وأن في هذا في تكليف زيادة وهم يشعرون أنهم مقصرون فهم بالكاد يصلون الفرائض كيف نصحو ليلاً ونصلي الليل ثم نذهب إلى أعمالنا باكراً؟
نحن لا نطلب من الناس أن يقوموا كل الليل. سبحانه وتعالى قال (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) وعندما حللناها قلنا أنه من رحمة هذا الدين أنه إذا كنت متعوداً أن تقوم من الليل ساعة تصلي فيها وتقرأ فيها القرآن وفي ليلة انشغلت أو مرضت ولم تقم ليلة فالملائكة تكتب لك هذا الثواب لأنه ما منعك إلا المرض أو ما شابه. المهم عندما يكون لديك فراغ تقوم أو لا تقوم؟ نضرب مثال بدولة نامية ودولة متقدمة، الدولة النامية تحتجّ وتقول عدد سكاني كثير والدول المتقدمة عندنا نفس العدد أو أكثر ولكنها استثمرت هذا العدد، ليس عندهما موارد لكن فرق بين من استثمر ومن لم يستثمر، المهم العمل.
الناس التي تحتج أن الحياة صعبة وأنه لا وقت لديهم ليقوموا الليل نقول لهم أنهم لم يفعلوها وهم ليسوا مشغولين. ولو أنهم فهموا سبب خلق الله تعالى لنا لارتاحوا ولشعروا أن العبادة هي الحياة (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات) هذا الاستثناء غريب جداً فالله تعالى لم يخلقنا فقط للعبادة وإنما للاستخلاف في الأرض والعمل وهذه كما يقال الحج عرفة فهل تعني أنه ليس هناك منى أو طواف أو أو؟ كلا، وإنما هو يذكر أهمّ ما في الحج. إذن نحن أهمّ ما خلقنا لأجله هو العبادة ويجب أن تسير حياتنا على هذا المبدأ. نحن مثلاً في مواعيد المحاضرات نحددها بحسب مواقيت الصلاة فالذي يفعل هكذا يكون مرتاحاً في مسألة العبادة. الذي لم يبدأ الصلاة وهو صغير مع أنه يلتزم يقوم بتقطيع الصلاة رغماً عنه لأنه لم يتعود عليها منذ الصغر وهذا ما نراه بأعيننا وكذلك الصيام. الصلاة والصيام آيتين من آيات الله تعالى في التمرّس والرسول rلم يتكلم في الشهادة أو الزكاة أو الحج وإنما قال مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم لعشر. البعض يقول هل هو بالغصب؟ نقول لا ليس غصباً وإنما لو تعبت مع الولد منذ الصغر سيرتاح لاحقاً والذي يتعود على الصلاة تصبح عنده سليقة ولا تعود أمراً متعباً كما يحتج البعض. ولذلك رب العالمين لم يتكلم عن مسألة المحافظة على الصلوات أو الخشوع فيها مع عباد الرحمن لأنهم هم متعودون عليها وهذا أمر منتهي بالنسبة لهم. قال تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) المؤمنون) هذه صفات المؤمنين أما بالنسبة لعباد الرحمن نفى تعالى هذه الصفة عنهم فقال (ولا يزنون) نحن سنضع صفات هؤلاء وهؤلاء لنعلم أننا نتكلم عن فئة يستحقون الغُرفة (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) الفرقان) مسألة الصبر تحل هذه المشكلة التي يحتج بها الناس ويقولون أن العمل عبادة. في أوائل سورة البقرة تكلم تعالى عن فئة من فئات الناس وهم اليهود الذين صبروا على كل شيء إلا العبادة والإيمان والإخلاص لذلك قال تعالى لهم (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) البقرة). قال تعالى استعينوا بالصبر والصلاة ثم قال (وإنها لكبيرة) بالمفرد قال بعض المفسرون أن الضمير يعود على الصلاة لكن نحن نقول لو نظرنا إلى الصلاة والصبر نجد أن الصلاة من غير صبر لا تؤدى بشكل جيد فالمسيء صلاته لم يصبر ولو صبر لوصل إلى الخشوع التي هي من صفات المؤمنين. لو قرأنا الآية بتدبر لغوي نجد أن الهاء في (وإنها) تعود على الصبر والصلاة معاً تعود على توقيع استعينوا، أي استعينوا بالصبر والصلاة وإن الاستعانة بهما لكبيرة إلا على الخاشعين أي لن يجمع بين الاثنين إلا الخاشعين وهذا ما وصف به المؤمنين ولما تكلم عن عباد الرحمن ذكر ما لا يفعله المؤمنون لأنهم مروا بهذه الدرجات سابقاً.
هذه هي القضية في مسألة تكرار التوبة. يتكلم تعالى عن عباد الرحمن فيما لا يفعلون هذه الصفات هم لا يفعلون الشرك ولا القتل ولا الزنا لذلك قال (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) هؤلاء ليسوا من عباد الرحمن. في التوقيع هناك فرقان فريق لا يعمل هذه الكبائر وهم عباد الرحمن وفريق يعملها لما نتكلم عن التوبة نتكلم عن هؤلاء وعن المحتمل من هؤلاء أن أحداً من عباد الرحمن يذل فيشرك أو يقتل أو يزني. الآية الأولى على الذين ليسوا من هؤلاء فقال آمن لأنه مهتز في هذه النقطة (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) أما الآية الثانية فهي لعباد الرحمن وكأني بالله تعالى يطمئنهم أنه من أخطأ منكم في هذه الأمور يمكن أن يعود وعندما يرجع يرجع أأمن من الذي قبله وكأن التوقع من عباد الرحمن أن لا يكرر الغلطة إنما المتوقع من غير عباد الرحمن أن تتكرر وكما قلنا سابقاً أنها إذا تكررت الغلطة تكون التوبة لم تكن صحيحة أو أن التائب ادّعى التوبة ولم يتب بشكل صحيح لذلك قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا (8) التحريم) وقلنا النصوح من نَصُحَ العسل الذي تأتي به النحلة من غير غش منك لا قبل ولا بعد لأن العبض يغش العسل بعد أن تأتي به النحلة وهناك من يغشه قبل بإطعام النحل السكر ولم يدع النحلة تجني من الأزهار وهذا غش قبل الإنتاج. نصح العسل أي من غير غش منك ويسمى عسل ناصح أي نافع فيه شفاء. البعض يطعم النحل السكر ليس لغرض الغش وإنما لتربية النجل في موسم معين حيث لا تتوافر الأزهار وهذا موضوع بينهم وبين الله تعالى وهو سبحانه هو سيحاسبه. (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) النحل) الوحي من الله تعالى والنحلة استجابت. القصة في الإخلاص والصبر والعمل هل هو لله أو غيره. التوصيف لعباد الرحمن (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ) نفي عنهم الشرك والقتل والزنى ثم قال (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) هذا ليس منهم وإنما ممن عمل هكذا لأنه قبلها قال (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) تبقى صفات عباد الرحمن ليس فيها الكبائر الثلاثة وليس فيها عقوبة وإنما الذي يخطيء من عباد الرحمن مع جماعة المؤمنين من السورة قبلها يبقى باب التوبة مفتوحاً وقلنا سابقاً نتمنى أن يتوب في مجلس المعصية نفسه لأنه تعالى قال (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) النساء) البعض يشرحها على أنها جهل أي أن الذي يعرف عقوبة شيء ويفعله ليس به توبة وهذا غير صحيح لكن بجهالة أي بحماقة والحماقة يعني أنه يعرف العقوبة ويعملها لأن المتوقع في ذهن العالم أن الذي لا يعرف العقوبة ليس له عقاب كما في القانون الوضعي نحن نتكلم عن الذي عرف وعمل والمولى تعالى صاغها بطريقة مبدعة (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ) الفيصل عند المولى عز وجل أنه تاب بسرعة.
سؤال: ما أهمية التوبة من قريب ونحن نتذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "هلك المسوّفون"؟
إن صحّ هذا الحديث لأن فيه مشكلة في السند لكن هذا الحديث معناه جميل ومخيف لأن لما ننظر إلى المسوّف تجده لا يعمل. مشكلة الحديث في السند لكن المتن صحيح. الذي يسوّف فعلاً لا يعمل لذلك هلك المسوّفون. المتن السليم نأخذه لكن لا ننسبه للرسول صلى الله عليه وسلم. (ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ) لأن العقيدة عند المؤمن الحق ونحن نتكلم على كل المسلمين لأن الآية لم تحدد فئة، العقيدة السليمة التي يجب أن تكون في ذهن كل واحد منا هو أننا قد نموت الآن لو قلت أنني سأتوب غداً تكون فسدت عقيدتي دون أن أشعر لأن هذا يعني أني اعتقدت أني سأعيش إلى الغد ومن قال أني سأعيش إلى الغد؟ ألم يحدث أن مات أحد في مجلس المعصية أو مجلس الشرك أو الزنا؟ بالطبع حصلت, لو تاب هذا المذنب في مجلس المعصية يدخل في الآية (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ) (على) حرف يفيد الإلزام وإن كان الله تعالى لا يلزمه شيء. لو مات العاصي على توبة فيكون من قريب لأنه تاب في مجلس المعصية ويكون قطعاً رب العالمين قد رضي عنه لذا لا يجب علينا أن نصف هذا في الجنة وهذا في النار لأننا لا نعرف على ماذا مات العاصي في مجلس المعصية هل تاب أو لم يتب؟ الله تعالى يحاسبه وعندما وصفنا علم الله سبحانه تعالى قلنا: علم ما كان وما يكون وما سوف يكون وما لا يكون لو كان كيف كان يكون، هذا علمٌ محيط ولذلك لا يمكن أن نقول فلان في الجنة أو في النار.
الحجاج رغم ما فعل في حياته من إراقة الدماء وقطع الرؤوس ومع هذا عند موته وهو على فراش المرض كان خائفاً من الله تعالى فقال " يظنون أنك لن تغفر لي لكن ثقتي بك أنك ستغفر لي" هذا منتهى الذكاء بالتسليم بالعقيدة. هذا الكلام يبين ذكاء التائب أو العائد إلى الله تعالى وهذه قضية لا يعلمها إلا الله تعالى كما ذكرنا في قضية توبة العاجز معظم العلماء قالوا ليس للعاجز توبة لكن عند أهل العلم الحقيقي العاجز له توبة لأنه يتوب إلى الله عز وجل الذي من أسرار عمله أنه علم ما لا يكون لو كان كيف كان يكون والله تعالى يحاسبه على أنه لوعاش هل كان سيعمل المعصية أو سيتوب؟ الآيات فيها قوة في الأداء (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ) يلزم الله تعالى نفسه بها. ثلث القرآن آيات دالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وهذه الآية من ضمنها لأن الرسول لا يمكن أن يقول بهذه الآية إلا إذا كانت وحياً من الله تعالى كما في آية سورة الروم (وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) الروم) المتكلم ليس محمداً صلى الله عليه وسلم وإنما هو وحي يوحى لهذا كل آيات توصيف القرآن آيات عقيدة مثل قوله تعالى (ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ) آية عقيدة لأن الذي سيؤجل التوبة إلى الغد عمل كأنه ضامن على الله أنه سيعيش للغد. قبل أن ينام المؤمن يقول (باسمك اللهم وضعت جنبي وباسمك أرفعه اللهم إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين) وعندما استفاق قال (الحمد لله الذي أحياني بعد أن أماتني وإليه النشور). الموت أولى لأنه حتى علماء التوصيف قالوا أن النوم هو الموتة الصغرى ولذلك قال (إن أمسكت نفسي فاغفر لها وارحمها وإن أرسلتها فاحفظها) والرسول صلى الله عليه وسلم لما بُعِث قال لأهله بعد أن جمعهم "والله إن الرائد لا يكذب أهله والله لو كذبت الناس كلهم ما كذبتكم ولو غششت الناس كلهم ما غششتكم، والله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون وإنها إما جنة أبداً وإما نار أبداً" هذا منتهى البلاغة لخّص الموضوع كله بهذا الكلام، هذه رسالته وهو صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم. هذا جوهر الإسلام وهذه الرسالة وهذا ما يجب أن يكون في عقيدة كل مسلم ولذلك قال (إلا من تاب) هذا الاستثناء من الذي يعمل أي الذي يتوب لن يأخذ ضعف العذاب لأنه بالتوبة خرج من العذاب وعاد إلى الفئة التي كان فيها إما عباد الرحمن أو المؤمنين لأن الدجنة درجات فإن لم يكن من عباد الرحمن يحتاج إلى إيمان لأنه بمعصيته خرج من الإيمان وإذا كان من عباد الرحمن فهم مؤمنون وعودتهم أقرب من أولئك لذلك قال (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71)) متاباً في اللغة مصدر ميمي كأن نقول الذي يفعل هذا سيكون في مكان آمن. الذي في معية اللله يجب أن يبقى في معية الله لأنه إذا لم يكن في معية الله سيكون في معية الشيطان سواء كان هذا الشيطان شيطان إنس أو شيطان جن وسبق أن ذكرنا أن شيطان الإنس أصعب من شيطان الجن وقد انتشروا في المجتمع وازدادوا جداً ولذلك الحسن البصري لما سئل أيهما أهون عليّ شيطان الإنس أو شيطان الجن؟ قال شيطان الجن أهون لأن شيطان الجن إذا استعذت بالله ولى مدبراً أما شيطان الإنس فلا ينجيك منه إلا الله تعالى ولذلك في التوقيع شياطين الإنس أخطر من شياطين الجن لأنهم يتكلمون معك بلغتك ولذلك من أبدع التوقيع القرآني قال (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)).
يجب أن نعترف أننا فهمنا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم خطأ " هل أدلكم على أكبر الكبائر الشرك بالله وعقوق الوالدين ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور" ثم اعتدل وأخذ يكررها حتى قلنا ليته سكت" ليته سكت معناه أن الصحابة رأوا الرسول صلى الله عليه وسلم منفعلاً جداً وهو يقول ألا وشهادة الزور، نحن فهمنا شهادة الزور أنها الشهادة الزور في المحكمة أمام القضاء. المولى عز وجل قال (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ (72)) والناس فهموا لا يشهدون بالزور وسنشرحها في الحلقة القادمة عندما نعرب كلمة الزور فالذين أعربوا الزور مفعول به فهم على حق والذين أعربوها نائب عن المصدر على خطأ، الزور هنا أي لا يشهدون شهادة الزور هذا ليس المعنى المطلوب وإلا لقال تعالى لا يشهدون بالزور. حتى شهادة الزور في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم مطلقة. الرسول قال في الصيام " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" يدع يعني يبعد، كل قول زور يتبعه عمل. والآية (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (185) البقرة) شهد هما بمعنى حصر إذن لا يشهدون الزور أي لا يحضرون كل الزور.
بُثّت الحلقة بتاريخ 15/1/2008م

ميارى 28 - 7 - 2010 06:04 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 65
تقديم علاء بسيوني
(وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72))
مسألة شهادة الزور فهم الناس أن القصد منها للأسف أنك تطلب للشهادة في محكمة فتشهد شهادة زور مقابل بعض المال واعتبروا أن هذا هو الموضوع وانتهى بينما ذكرنا في نهاية الحلقة السابقة عن مفهوم أوسع وشهادة الزور أن تحضر أو تشهد أي قول زور أو كلام زور أو عمل زور كما قال r(من لم يدع قول الزور والعمل به) وقول الزور يجب أن يتبعه موقف فاسد في المجتمع. ما هي أبعاد هذا الموضوع وكيف لا نقع فيه وكيف نخلص المجتمع منه هو محور حلقتنا اليوم. تفشى في المجتمع الإسلامي هذه الأيام للأسف ظاهرة أن الناس تقول زور وتشهد زور وتعمل زور وتشهد قوانين زور وأوضاع زور فما معنى كلمة الزور؟
نتكلم عن كلمة (لا يشهدون الزور) وهذه أولاً صفة منفية عن عباد الرحمن ومن يقترب من صفاتهم لا يشهدون الزور. المشكلة في قصر الموضوع على شهادة الزور في المحكمة وهذا خطأ لأن فعل شهد له أكثر من معنى: شهد يعني قال أو حضر وحضر أشمل من قال فشهادة الزور في المحكمة فرع من شهادة الزور المطلقة في الآية مثل قوله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) شهد هنا بمعنى حضر إعلان الصيام. شهد فعل يأتي بأكثر من معنى. لا يشهدون أي لا يحضرون وبالتالي لا يقولون. في الغزوات كان يقال الذي شهد بدر يعني الذي حضرها وليس الذي رآها، يعني اشترك فيها ومن ضمن المعاني أنه حضر ولو سلباً أنت تحضر وتسكت فالساكت عن الحق شيطان أخرس. هذا كلام واضح أنك أنت حضرت والمصيبة أن يكون عندك من مقومات الكلام بحيث لو تكلمت يسمع لكلامك ويكون لكلامك وقع، لكن أنت تحضر وتسكت هذه مصيبة وأن تحضر وتتكلم زور هذه أكبر. يقولون من شهد بدر يعني من اشترك بالموقعة وهذا يختلف هل اشترك صادقاً أو منافقاً هذه أشياء لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى وفي توصيفه تعالى أنه (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) وما تخفي الصدور لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى. (لا يشهدون الزور) بمعنى الشهادة نطقاً أو الحضور مشاركة بالسلب والإيجاب تكلم أو لم يتكلم، تكلم يأثم ولم يتكلم يأثم والإثم توقيعه عند الله تعالى في الحالتين ومعلوم من الدين بالضرورة أن العلماء ومن على شاكلتهم أعظم ذنباً في هذه الدرجات من غيرهم لأن غيرهم سيقولون لا نعرف لكن هؤلاء العلماء يعرفوا.
الزور يجب أن نفهمه: ما هو الزور؟ بعض المفسرين قال الزور الغناء والرقص والمعازف وغيره، هذا فرع من الفروع لكن الزور يشمل كثيراً من المعاني وقد توصلت لتعريف للزور من كتب اللغة وهو تمويه الباطل وتزينه بما يوهم أنه الحق. الزور هو الباطل لأن الذي يزوّر أكبر واحد يعرف أن هذا باطل بدليل أنه يزوره ويعطيه لغيره على أنه حقيقة. تزييف العملة (لا نقول تزوير العملة العملة لا تزور وإنما تزيف) هذا التزييف زور ولكنه ليس تزويراً. البنك المركزي أخذ الصيغة القانونية من الدولة بأن يطبع ورقة المائة جنيه وعنده غطاء نقدي يغطي العملة وهذه الورقة لها رصيد يغطيها ليصدرها البنك ولو لم يكن عنده لا يطبع وعندما يطبع يطبع كمية محددة يمكنه أن يغطيها، عند المزيف هذا ليس موجوداً، هذا أمر والأمر الثاني أن البنك يعمل الطباعة على ورق معين والثاني يعمل على ورق أبيض والبنك يطبع بشكل معين والمزيف يقلده وهذا هو تمويه الباطل وتزيينه بما يوهم أنه الحق فإذا أعطاك النقود المزورة تأخذها ولا تعرف إذا لم تكن خبيراً وتأخذ الورقة السليمة، هذا المزيف عمل زوراً وليس تزوير فالتزوير أن أقلّد إمضاء شخص أو محافظ البنك مثلاً لأن التزوير يحتوي على التزييف إذا وقّع أحد المزورين على أنه محافظ البنك هذا تزوير، (والذين لا يشهدون الزور) الزور هو بالتعريف الذي قلناه هو كل الباطل وهو ما يقابل الحق. مجلس يشرك فيه بالله، يكفر فيه بالله وأنت تقول هذا هو الإيمان بالله حضوره زور وكل من يحضر هذا المجلس هذا عبارة عن تمويه الباطل وتزيينه بما يوهم أنه الحق فالذي يتفرج على هذا المجلس لا يعرف لكن لما يجد من هم متخصصون في هذا المجال حاضرين سيقول هذا هو الحق. عباد الرحمن لا يشهدون الزور، هذا التعبير كأني بعباد الرحمن في أعلى مراحل الحق والصدق لأن كلمة الزور بمعنى البهتان والكذب وكله عكس الحق والصدق. الرسول r عندما قال الحديث واعتدل في جلسته وأخذ يردد ألا وقول الزور ألا وقول الزور قال الصحابة ليته سكت خوفاً عليه من وقع الكلمة لأنهم رأوه rوقد غضب واحمرت جبهته الشريفة. قول الزور من أكبر الكبائر لأنها تدفع الناس للإيمان بهذا الكلام دفعاً عن طريق شاهد الزور وشاهد الزور هنا أي حاضر مجلس الزور خصوصاً إذا كانت القضية كبيرة يترتب عليها فساد مجتمعي كبير وشاهد الزور هذا أخذ سيئة جارية لملايين الناس وعبر سنوات لأنه من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة. عندما نتكلم عن موضوع اقتصادي وموجود رجل اقتصاد ولكنه لم يعلق على الحديث فتظن أن الكلام صحيح لأنه لم يتكلم ولم يعلق فهو بدون أن يشعر شهد زوراً سلبياً لأنه حضر ولم يتكلم.
ما دلالة استخدام اللغو بعد شهادة الزور (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72))؟
لأن الله سبحانه وتعالى يتكلم عن عباد الرحمن وقال (إذا) ونقف عند صفات المؤمنين في سورة المؤمنون وصفهم بأنهم (والذين هم عن اللغو معرضون). عباد الرحمن معرضين عن اللغو وهم لا يذهبوا إلى اللغو أبداً لكن إذا صادف أنهم مروا رغماً عنهم مروا كراماً ولو ذهب إلى اللغو لا يكون من عباد الرحمن ولا من المؤمنين لأن الله تعالى قال في توقيع المؤمنين (والذين هم عن اللغو معرضون).
نحن نتكلم عن توقيت معين فيه احتالفين برأس السنة الميلادية ورأس السنة الهجرية والاحتفال يأخذ عند الناس إما شكل طراطير وزمامير وشرب ما لذ وطاب من الخمور والأنوار تطفأ عند الساعة الثانية عشرة ويحصل تقبيل بين الرجال والنساء فما علاقة الخمرة والزمامير بذكرى دينية؟
لهذا نسأل ما هو الزور؟ تمويه الباطل وتزينه بما يوهم أنه الحق، هناك كثيرون ممن كان يفعل مثل هذه الأمور وتاب الآن يحاول أن يعكس ما كان يفعله فيصوم مثلاً في هذه اليوم ليكفر عما فعله في سنوات سابقة لأنه لما عمل هذا سابقاً عملها بجهل لأنه كان تائهاً لاهياً عاصياً ناسياً غير فاهم أو تعود على ذلك لذلك نقول إياكم أن تغلقوا باب التوبة في وجه أحد لأن العاصي عصى وهو تائه أو ناسي لكن عندما ندم العاصي على ما فات يكون قد تاب وأقل التوبة ندم وهذه توبة مقبولة بيقين ولو أحدهم سمع كلامنا اليوم وقال سأفعل هكذا السنة القادمة ومات يموت على توبة لأن الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى. من أخص الأحاديث عن رسول الله هذا الحديث، أولاً الرسول r يعلمك كيف تحسب أعمالك والله تعالى أمر الملائكة إذا هم عبدي بحسنة فاكتبوها فإن عملها اكتبوها عشرة وفي بعض الروايات العشرة إلى سبعمائة ضعف والله يضاعف لمن يشاء وإذا هم بسيئة لا تكتبوها فإن عاد عنها من أجل الله تكتب حسنة وإن عملها تكتب سيئة واحدة هل هناك أعدل من هذا؟! والرسول r يصف هذه "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" وسؤالي ما الذي دفع الرسول r ليقول "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله"؟ ما علاقة الهجرة هنا؟ وأول الحديث إنما الأعمال بالنيات وآخر الحديث يوضح المعنى "ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه". ما دلالة استخدام الهجرة هنا؟ كأن حياة الواحد فينا مبنية على أحد هجرتين إما هجرة لله ورسوله أو هدرة لشيء آخر هو عمل من أعمال الدنيا، تجارة أو امرأة ينكحها أو تجارة. هل هذا يعني أن الذي هجرته إلى الله ورسوله لا يتزوج؟ هذا لو تزوج يتزوج لله وكل عمل يعمله لله ورسوله وهذا يعيدنا إلى شهادة الزور وإلى اللغو، هذا يذهب لله ورسوله والآخر يذهب للزور واللغو. ما الذي دفع الرسول r ليقول: من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله وروسله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه"؟ حتى الذين هاجروا من بلادهم على أنه هارب في سبيل الله أو رافض لبلده أو غيره إلى بلاد يعمل فيها معاصي تكون هجرته لدنيا يصيبها وليس لله ورسوله. ولو أخذنا الشباب الذي يسافر بحثاً عن العمل لأن الدنيا ضاقت عليه وسمع أنه في دولة ما أوروبية هنالك فرص عمل أو هجرة (الهجرة عندنا أعلى المراتب) وهاجر توقيعاً لقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا (97) النساء) وآخر يفكر يريد أن يعمل وهو مسلم يريد أن يعيل نفسه وينشئ أسرة مسلمة لمجتمع مسلم قوي وهو لا يجد هذا في بلده وسيسافر إلى بلد غير مسلم لكنه سيبحث عن عمل يرضي الله تعالى، هذا هجرته إلى الله ورسوله ولو كانت هجرته إلى دار كفر لكن المهم ان يحافظ على نيته التي بدأ بها. هناك كثيرون بدأوا بنية الهجرة لكن لما وصلوا إلى تلك البلاد تحولوا وغرقوا في المعاصي. الكتاب سيكون فيه كل شيء (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء هذه من أخص الآيات في القرآن كأنك أنت الذي ستحاسب نفسك. هنالك حديث للرسول rمتنه مبدع لكن سنده فيه كلام: "لن يدخل أحدكم الجنة إلا وهو يعلم أنها أولى به من النار ولن يدخل أحدكم النار إلا وهو يعلم أنها أولى به من الجنة" هذا توقيع الآية (كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً) الذي داخل النار لو سألته ما الأمر يقول لك أنا المخطئ وهو مقتنع جداً أنها أولى به من الجنة نسأل الله الرحمة لنا ولهم. الآية حلّّت لنا مسألة الحديث الذي متنه سليم لكن السند غير سليم نأخذه ولا ننسبه للرسول r. التوقيع القرآني مبدع (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)) كرر كلمة (مروا) و(كراماً) مقابلها لئاماً لأن كريم هنا ليست ضد الشح والبخل وإنما ضد اللؤم فالذين يدعون إلى المفاسد واللغو لئام ومقابلهم من عباد الرحمن ومن هم على شاكلتهم كراماً. الشريحة التي بين هاتين الشريحتين لا هم ذاهبون للغو ولكنهم يقعون في المعصية، في بعض الأحيان أنت تأخذ أسرتك للعشاء في مطعم ثم فجأة تحضر راقصة إلى المطعم عليك أن تخرج إذا استطعت لأن هذا مجلس زور. الرسول r قال "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". القرآن لما عبر بكلمة (مروا) أي ليس في نيتهم أن يمروا.
كلام الرسول r واضح "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". هناك للأسف الشديد أناس لما نتكلم معهم عن أحكام تجادل وهم ليسوا أصحاب العلم مثل مسألة الحجاب تكلم فيها الكل والبعض قال هو لنساء النبي r فقط. ما أجمع عليه علماء الأمة والإجماع من قواعد التشريع فلتأخذ النساء موضوع الحجاب صيانة احتمال فالتي تدعي أنها غير مقتنعة بالحجاب نقول لها هل أنت أعلم من علماء المسلمين؟ هل نصبت نفسها أنها أعلم من علماء الأمة. البعض قال الآية فقط لتغطية فتحة الصدر فقط وليس الشعر لكن الآية تشرح نفسها (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها). العلم واضح وما أجمع عليه علماء الأمة هو التشريع فالتي نصبت نفسها أعلم من علماء الأمة فماذ تفعل في الإجماع وهو تشريع الإسلام؟ علماء الأمة تخصصوا في هذا العلم ولم يجاملوا أحداً ولم يكن عندهم ضغوط ولم يكن هنالك مجاملة في الدين وهذه الأمور استقرت منذ الأزل. الآية تشرح نفسها (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) إلا ما ظهر منها فيها كلام كثير عند علماء اللغة أن الشعر عند المرأة من مفاتن المرأة. (لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو) مجلس مثل هذا الذي تكلموا فيه مجلس لغو شهدت أو لم تشهد حضرت أو لم تحضر تكلمت أو لم تتكلم ومررت عليه يجب أن يكون مرورك عليه يجب أن تكون من الكرام وتعرض عنه ولذلك في توصيف المؤمنين قبل عباد الرحمن قال (والذين هم عن اللغو معرضون) معرضون أي لا يعملوا فيه ولا يسمعوه ولا يروجوه.
مسألة المرور، ما معنى (مروا كراماً)؟ هل مروا كراماً معناها أنهم سكتوا وابتعدوا أو أنهم قبل أن يبتعدوا قالوا نصيحة أو كلاماً حق لوجه الله بهدوء وذوق؟ كراماً تقابل الموقف، إذا كان الموقف يستدعي أن أتكلم وأنا من أهل الكلام يجب أن أتكلم. (مروا) تكررت مرتين لنرى من الذي مرّ؟ وكراماً بحسب الوقف ود يستدعي الموقف ألا أتكلم وتوصيفي من الكرام قد يكون بألا أتكلم وقد يكون إذا تكلمت بحسب الموقف وهذا يعتمد على وعي الذي مرّ. في بعض الأحيان يطلب منا الناس أن نرد على من يتهم الإسلام بشيء أو يهاجم القرآن لكن نقول هؤلاء يتفرج عليهم ألف واحد ونحن يتفرج علينا مليون فإذا تكلمت عنه أكون قد شهرته من غير أن أشعر، فشطارة المار أن يحسبها وتوصيفه من الكرام يتوقف على حساباته وحساباته هذه لوجه الله ونحن عندما حسبناها حسبناها لوجه الله لا نحن خائفون. صحيح أن القضية التي تثار قضية دينية ولكن طريقة عرضها واستغلال بعض الجهال من الذين لا يفهمون اللغة يصعِّد الموضوع بالمقلوب ولهذا نحن ننبه الناس بطريقتنا لكن بأسلوب آخر غير الرد على هؤلاء مباشرة. البعض يتكلم عن مداراة السفيه وأولها لا أتكلم معه لكن ليس معناها أن أسكت عن القضية لكن أتكلم عنها في الوقت المناسب لأنه حسب القاعدة الأصولية أولاً ليس كل ما يُعلم يقال وثانياً وليس كل ما يقال حاضر أهله وثالثاً ليس كل من هو حاضر أهله بآتٍ وقته فنحن عندنا ما يحكمنا ومن الشطارة أن تتحرك وحتى تكون من الكرام يجب أن تكون واعياً لهذه النقاط. تكون مقصراً لو جاء الوقت المناسب ولم تتكلم. مثلاً لو هم يتكلم في موضوع وفي الأمة موضوع أخطر ووتكلمت معه في موضوعه أكون ضيّعت الأولويات وهذا ما يعرف عندنا بفقه الأولويات.
لما سئل الرسول rفي أكثر من موقف أي الأعمال أحب إلى الله؟ كان جواب الرسول r مختلفاً بحسب السائل نفسه.وهذا الذي جعل بعض الناس لم تفهم الأحاديث وطبقتها على أنها أحاديث عامة مثلاً قضية الحج عن الغير لم يتكلم فيها القرآن وهي قضية من الخطورة بمكان لأنها لو كانت فرضاً لتكلم فيها القرآن لكن لم يتكلم فيها القرآن ولا الرسول قالها بصيغة الإلزام وإنما جاءه رجل أو امرأة، هذا قال له نذرت أمي أن تحج فقال حج عن أمك هذا حج نذر قاسوا عليه الحج عن الغير وقالوا الرسول أمر ولكن الرسول r رد على واحد وفي حادثة أخرى قال أحد الصحابة لبيك عن شبرمة فقاله له r أحججت عن نفسك؟ قال لا فقال r حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة وهذا كلام مجازي معناه دعك في حالك، شبرمة لم يحج لأنه لم يستطع. البعض يقول أبي كان يستطيع أن يحج وجمع المال لكن قبل موسم الحج مات؟ هذه تعود عليك أنت لا أقول أنك آثم إذا لم تحج عنه وقد يأخذ الأب ثواب الحج بنيته لكن أنت تأخذ المال وتضعه في يد الأيتام أو الآرامل تأخذ أجراً وضاعفاً والبعض يأخذ المفهوم الآخر ويحج. الإمام الشافعي أباح الحج عن الغير إذا كانت النية منعقدة عنه وللأسف نحن نقحم أنفسنا في أمور من غير أن نفهمها فالذي أباح الحج عن الغير استند إلى قول الرسول r للرجل الذي سأله أن أمه ماتت وقد نذرت أن تحج قال له حج عنها لكن الرسول r قال هذا الكلام لهذا الرجل وليس للأمة كلها. والبعض يعمل عشرات العمرات في مرة واحدة بحجة مسجد عائشة الذي يخرج الناس إليه ثم يعود للعمرة وهذا المسجد للمرأة الحائض التي تدخل مكة في موسم الحج وهي حائض وهو لم يكن مسجداً وإنما الرسول r قال لعائشة اخرجي إلى الحِلّ وعودي وخرج معها عبد الرحمن ابن أبي بكر لم يدخل وهو معتمر وإنما خرج معها للحماية هي التي خرجت للحل ورجعت وعملت العمرة التي لم تعملها في البداية لأنها دخلت متمتعة. لكن للأسف البعض يذهبون ويعودون من التنعيم مرات ومرات. إذا تجاوز الإنسان الميقات بدون إحرام فليس له عمرة فالسفرة بعمرة من هذا المفهوم وكل أهل دولة لهم ميقات من مكان معين. الذي يخرج من القاهرة إلى مكرة يحرم من مصر لكن الذي يذهب للمدينة لا يحرم إلا إذا وصل ميقات أهل المدينة. هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون فالذين إذا مروا باللغو مروا كراماً تعود للمار نفسه وتصنيفه وفهمه واختياره هو وهل سيكون من اللئام أو الكرام أمام الله تبارك وتعالى إن كان قاصداً الخير فهجرته إلى الله ورسوله وإن كان قاصداً للشر فهجرته إلى ما هاجر إليه.
الترتيب الإلهي في الآية (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) الفرقان) القرآن يقول أنه إذا مررت باللغو يمكن أن يتكلم وينصح وإذا لم يفعل يكون ممن هم صماً وعمياناً وهذا ما سنتحدث عنه في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.
بُثّت الحلقة بتاريخ 22/1/2008م

ميارى 28 - 7 - 2010 06:06 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 66
تقديم علاء بسيوني
(وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) الفرقان)
ذكرنا في الحلقة السابقة مفهوم كلمة الزور التي فهمها الناس على أنها منحصرة في شهادة زور في محكمة ولكنا ذكرنا مفهوم هذه الكلمة. وشرحنا كلمة اللغو وكيف أن عباد الرحمن لا يذهبون للغو وإنما إذا مروا به مروا كراماً. واليوم ندخل في قضية أخرى في قوله تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) الفرقان) فما معنى الصم والعميان؟ وهل هذا مرض؟ ولماذا هاتان الصفتان استخدمت مع التذكير بآيات الله تعالى؟
ما حكمة ترتيب هذه الآية (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) الفرقان) بعد آية شهادة الزور (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72))؟
(وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76) قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77))
كان إكرام الضيف من مميزات العرب قبل الإسلام ولم يكن يُسأل الضيف عن حاجته قبل ثلاثة أيام فإذا كان هذا الإكرام من البشر في الدنيا فما بالنا بالجنة حيث الملائكة تسلم على المؤمنين وتستقبلهم؟!
لماذا جاءت كلمة صم وعمياناً مباشرة بعد آية شهادة الزور واللغو؟ من تفسير كلمة كراماً أنها بحسب الإنسان الذي يمر ما هي حالته إن كان عادياً ليس له علاقة بالعلم فعليه أن ينصرف أو يبتعد عن هذا المجلس وإن كان عالماً يختلف الأمر لأنه كما في الحديث الصحيح "من رأى منكم منكراً فليغيّره" وبدأ اتغيير يأخذ أكثر من شكل على حسب الإنسان الذي يغيّر "فبيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وهو أضعف الإيمان" لكن أضعف هنا ليس تقليلاً من شأن المسألة القلبية ولكنها تختلف باختلاف من يستطيع أن يغيّر فالذي يستطيع أن يغيّر بقلبه غير الذي يغير بلسانه غير الذي يغير بيده. المسألة في عباد الرحمن أننا نتكلم عن أناس أراد لهم الله تعالى ذلك الوصف ووقعه في القرآن توقيعات شتى منتهاها أنهم صفوة الصفوة من أول ما بدأ الحديث عنهم (وعباد الرحمن). عباد الرحمن يتساوون مع فئة اختارها واصطفاها الله تبارك وتعالى اصطفاء لا يتدخل الواحد منا فيه لا شأن لنا به وهم الأنبياء والمرسلون هذا اصطفاء الله تبارك وتعالى. وفي حلقة سابقة شرحنا مسألة المنيّة والمعية في مسألة الصدق (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ (119) التوبة) لم يقل (من الصادقين). كلما تأتي درجة من درجات العبودية ينادي الله تعالى بالارتقاء فيها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ) المفهوم الشائع عند الناس أن المؤمن هذا وصل إلى درجة عالية من العبودية لكن لما نسمع القرآن (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ) ناداهم وأثبت لهم الإيمان ومسألة الإيمان لا تثبت إلا بالعمل. لما يقول تعالى (وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) أفهم منها أنني لا يمكن أن أكون من الصادقين وإنما يمكن أن أكون معهم. لذلك كلمة الصادقين في هذه الآية تختلف عما إذا وردت خارج القرآن لأنه إذا قيلت خارج القرآن قد يكون فلان من الصادقين وفلان من الصادقين وقد تكون محدودة بفئة ولكن عندما ترد في القرآن فهي تقتصر على الأنبياء والمرسلين وهؤلاء مقصور عليهم الصفة المطلقة الصدق المطلق ونذكر الرسول r عندما قال " إن الرائد لا يكذب أهله" ونذكر أنهم كانوا يسمونه قبل البعثة وقبل الرسالة الصادق الأمين كأن فطرة الله التي فطر الناس عليها أن الذي سيأتي نبياً أو رسولاً يكون معروفاً بالصدق ومن غير المعقول أن يشاع في المجتمع أن فلان كاذب ثم تنزل عليه الرسالة. العرب عندهم موضوع توثيق المصدر موضوع مهم وهذا ما يبحث عنه أهل التحقيق والحديث فيقولون هذا وضاع وهذا كذاب. وأبو بكر الصديق فعلها حين قيل له أن صاحبك يزعم أنه صعد إلى السماء فكان أبو بكر الصديق من الذكاء بمكان أنه أثنى عليهم وأثبت لهم ما يدّعون عندهم الحق بأن الكلام لا يُصدّق لكن لما كان المتكلم محمد r خرج عن كنه الخبر إلى كنه الرجل وصفة الرجل فقال: إن كان قال فقد صدق وهم شهدوا له بالصدق ويثقون به ويحفظون أماناتهم عنده وحتى بعد البعثة كان يأتمنوه على أموالهم وهم كافرون به فهذا يؤكد أن صفة الصدق المطلقة يجب أن تكون ثابتة في الرجل الذي سيرسله الله تبارك وتعالى وهذا – إن صح الكلام – من دأب السماء ودأب رسالات السماء وهذا ما كان عليه كل الأنبياء والمرسلين وهذا ما قاله المولى عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ (119) التوبة).
تكلمنا عن مراتب الإيمان الإسلام والإيمان والتقوى والإحسان وإسلام الوجه لله وقلنا أن التقوى مرحلة نسبية وهي أشبه بحالة أن تضع نفسك فيها وتعمل لنفسك حماية ووقاية بينك ومبين محارم الله وبينك وبين ما يغضب الله ولكن هي في نفس الوقت أداة وسلاح أنه كلما أردت أن ترتقي إلى مرتبة إيمانية أعلى وتقترب من الله تعالى تحتاج لهذا السلاح حتى تصل إلى مرتبة أعلى وهي أعلى ولذلك في كل مرة يطلب تعالى من المؤمنين أن يتقوا الله. هذه النسبية تغيب عن بعض المفسرين والشراح في قضية التقوى. هناك سلاحان التقوى والصبر وإذا لم يأخذ بهما معاً لا يرتقي، التقوى تعمل له سياج والصبر يجعله يستمر في الترقي. آخر الجزاء في آيات عباد الرحمن قال تعالى (أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75)) كل الجزاء لأنهم صبروا. سورة الفرقان كونها تسمى الفرقان يحتاج لوقفة والختام لكل الصفات التي ذكرناها قال (بما صبروا) لم يحدد على ماذا صبروا وكأن الآية تشير إلى الصبر المطلق لمن أراد يكون من عباد الرحمن لأن الذي يجب أن نتوقف عنده اليوم أن المسألة تتعلق بأمور لم تذكر. في بداية الصفات قال (وعباد الرحمن) وقلنا أن الواو هنا لها وقع مهم. لما نسمع صفة من أخص الصفات وهي قوله تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73))، بعد كل الصفات التي ذكرها تعالى عن عباد الرحمن قال في الجزاء (بما صبروا) موضوع الصبر هذا يعطي ملمح بأن الأمر صعب وموضوع التقوى نسبية أمر صعب لأن هناك زمان أسهل من زمان واختيار الله سبحانه وتعالى لكل واحد فينا تاريخ ميلاد فترة من كذا إلى كذا له وقع داخل المكان مع الزمان يعني الموضوع نسبي لكل واحد فينا ولكل مجتمع وسنتكلم في نسبية مطلقة والبعض يقول ليتنا كنا في عهد النبي r لهذا نقول أنت لا تدري هل كنت ستكون من المؤمنين أو من الكافرين تماماً كما تسأل طفل ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟. هل البيئة تؤثر أو الوراثة تؤثر؟ هذه المسائل كلها تعود إلى الله تبارك وتعالى ونحن كمسلمين جئنا مسلمين بالسليقة علينا أن نكثر من قول: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
القرآن لما يتكلم يتكلم عما في أيدينا أن نفعله فعندما تكلم في صفات عباد الرحمن قال تعالى (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)) تكلم أنهم يعملون ما في أيديهم وما ليس في أيديهم يسألوا الله سبحانه وتعالى أن يعنهم عليه لأن مشوارهم يحتاج للصبر. الصبر ليس أمراً سهلاً عندما يكون هنالك تكليف وتوصية بالصبر فلا بد أن هذا التكليف صعب ويحتاج إلى صبر.
البعض يقول أن التقوى صعبة وأن القابض على دينه في هذا الزمن كالقابض على جمر لكن نقول لهؤلاء هل يمكنكم أن تصبروا على نار جهنم؟ في ختام سورة الفرقان قال تعالى (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75)) وفي سورة البقرة (أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175)) يتكلم تعالى عن أهل النار، مفارقة أن عباد الرحمن يأخذون الجنة بما صبروا والكافرون يسألهم الله تعالى سؤالاً استنكارياً من باب التهكم أنهم يعملون أعمالاً ستؤدي بهم على النار وهم يعتقدون أنهم بعيدون عنها. كل من كفر بالله تعالى يستبعد العذاب لذلك كل الأحاديث وتوقيع الآيات توصي بأن لا تستبعد المسألة لأن الناس يقولون أين نحن من القيامة؟ والحكيم قال: إن غداً لناظره قريب. لذلك توقيع القرآن كان مبدعاً في هذا الأمر في قوله تعالى (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) النحل) هل هو وقع أو لم يقع؟ القرآن الكريم يعلمنا أن ما وعد الله تعالى به أنه قد حصل طالما وعد الله تبارك وتعالى به اعتبره حصل ولذلك (أتى) بالفعل الماضي ثم أمرك ألا تستعجل. مسألة العقيدة يجب أن تكون في عقيدة كل واحد فينا أن كل ما أراده الله تعالى وقع أزلاً ولذلك (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) أي اظهر. لكنه ساعة أراد وقع وهذا سر (أتى أمر الله) لم يقل سيأتي. بالنسبة لنا نقول سأفعل ذلك إن شاء الله تعالى ولكن بالنسبة لمراد الله حصل هذا عقيدة أن تعتبر ما أراده الله وقع وهذا توقيع (أتى أمر الله فلا تستعجلوه) ما معنى لا تستعجلوه؟ هو كل شيء عنده بقدر، هو أتى لكن متى يقع؟ كل شيء له ميعاد وربنا لن يغير ما أراده في مراده حتى يرضيك ولذلك جمعت سورة الفرقان في أواخرها كل ما يخطر على بالك في مسألة العقيدة. مسألة الواو في قوله تعالى (وعباد الرحمن) وفي الختام قال (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75)) (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)) هؤلاء ليسوا من عباد الرحمن وإنما الذين لم يعرفوا أن يكونوا من عباد الرحمن وهذا من عظمة الصياغة القرآنية وصف عباد الرحمن بصفات ثابتة وصفات منفية وبعد أن أنهى ذكر صفاتهم وأدخلهم الجنة قال (قل ما يعبأ بكم ربي) من هؤلاء؟! عندما يتكلم القرآن عن أي صفة يعمل حساب مقابلها إذن عباد الرحمن فئة لها صفات كثيرة جداً والذي لن يتمكن أن يكون منهم ولا من أقرانهم من المحسنين والمتقين المقابل سيكون صعباً جداً والعياذ بالله النفاق، الشرك جمعوا في بوتقة واحدة (قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم) شرح هذه الآية أن الله تبارك وتعالى قرر أن فلان كذا وفلان كذا ولم يمنع أن يأتي من ولد نصرانياً أو يهودياً أن يُسلم أو مسلم يتهود أو يتنصر لذا صدق تعالى (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) لكن المؤمن إن وجد خيراً فليحمد الله ولذلك دعاء أهل الجنة في الجنة "الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله". قال تعالى (قل ما يعبأ بكم ربي) لولا أن الله تعالى قدر أن تنادوا وتدعوا إلى هذا الدين ليس هناك أهمية كما ذكرنا في الحديث القدسي لن يزيد أحد ولن ينقص من ملك الله تعالى شيئاً فأنت الذي تحتاج إلى الله والاستعانة به ولو كنت في عز إيمانك لا تغترّ.
من الناس من يسمع كلام الله تعالى ويقول حاضر والبعض يجادل ويجادل في آيات الله تعالى فهل هذا أحد معاني أن يكون أحدهم أطرش لا يسمع وأعمى لا يرى؟ في توصيف عباد الرحمن أكثر من ملمح وتركيب الآيات لما قال أول صفة غير الصفة الثانية، والآية (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)) هي الصفة الثامنة من صفات عباد الرحمن، كان يمكن في خارج القرآن أن يقول وعباد الرحمن الذي إذا ذكروا بآيات ربهم لكن يمكن أن يقال (ذكروا) ونحن نتكلم عن أول صفة من صفات عباد الرحمن؟ طالما قال (ذكروا) يعني هم يعرفون المنهج لذا لا تنفع أن تكون صفة أولى. في التلقي عموماً لديك أمران إما أن الموضوع الذي تتحدث فيه له قدوم أول على السامع وهنا يكون الأمر تعليماً وليس تذكيراً وإما أن يكون الموضوع تذكيراً يكون متأكداً أن هذا ليس القدوم الأول وإنما يذكِّر. نحن نشرح في صفات عباد الرحمن كلمة (ذكروا) معناها يتناسوا أو يغفلوا؟ كلا بدليل أنه أثبت لهم صفات تنفي عنهم النسيان وصفاتهم التي أوصلتني إلى هذه الصفة الثامنة تثبت أنهم ليس من صفاتهم أنهم ينسوا. هم يخشعون ويحافظون على الصلوات ويبيتون لربهم سجداً وقياماً والله تعالى يريد أن يثبت لهم أمراً جديداً فهم لديهم الفطرة السليمة التي أخذت الميثاق الأول في عالم الذر (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) الأعراف) إذن عباد الرحمن حافظوا على الميثاق الذي لم يستطع أحد أن يحفظه فكلمة (ذكروا) لا تتكلم عن أمر حصل لهم في الدنيا وإنما تتكلم عما حصل في عالم الذر والفطرة السليمة احتفظت لهم به بدليل أنهم يبيتون لربهم سجداً وقياماً ولا يزنون ولا يقتلون، فالذي جعلهم يبيتون لربهم أنهم ذكروا بالميثاق الأول والقدوم عندهم ليس آيات وإنما ما أخذه الله وأراد أن نمتثل به لكننا لم نفعل لذلك (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) الروم) إذن الدين القيم هو أن تذكر الذي لا يذكره أحد ولذلك استعمل الواو ونسبهم إلى نفسه سبحانه فقال (وعباد الرحمن) لأخص صفة من صفات الله تعالى وهي الرحمن. عباد الرحمن لم يكونوا من النبيين وإنما معهم كما في سورة الإسراء (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106) قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا {س}(109)) لمجرد أنهم أوتوا العلم أول ما يسمعوا القرآن هذا أول قدوم عليهم بالنسبة للقرآن لكن بالنسبة للعلم هذا قدوم ثاني بالنسبة لهم كمعلومات لأن التوراة والانجيل والقرآن لم يختلفوا، إذا كان القرآن عندهم قدوم أول لكن الرصيد الذي عندهم من التوراة والانجيل تجعل القرآن عندهم قدوم ثاني. الذي جعلهم يفهمون القرآن أن عندهم التوراة والإنجيل لكن الذي جعل عباد الرحمن فهموه ولم يخروا عليه صماً وعمياناً أن عندهم فطرة وهذه صفة لم تتحقق على مر العصور إلا لعباد الرحمن وهذا الذي جعلهم يتساوون بالنبيين كما في قوله تعالى (أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا {س}(58)) وأصبحوا مع النبيين. يجب أن نفهم (وعباد الرحمن) من أين أتت؟ في الإسراء قال (قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا (107)) لم يقل كلمة الرحمن وقال يخرون عليها سجداً ويبكون ثم قال في سورة الإسراء (قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ) وفي مريم قال (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن) بعد أن ذكر الأنبياء على مر العصور قال (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ (58) مريم) إسرائيل يعني يعقوب، المذكورين عم الذين منهم تفرع النبيين كلهم، ثم ممن هدينا واجتبينا هؤلاء ليسوا بأنبياء، (وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا) يعني الحمد لله الذي هدانا لهذا. نبيين وغير نبيين ومنهم عباد الرحمن قال (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) لم يقل ربهم أو الله لأن وقع عندهم أن الرب أو الله هو الرحمن ولذلك قال في الإسراء (قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى (110)) إذن أخص صفة في الأسماء الحسنى هي الرحمن الذي سيكون منها الانتساب من فئة من أمة محمد r يستوون مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا (69) النساء) أي الذي يضع نفسه مع عباد الرحمن في التوصيف سيكون في الآخرة مع النبيين. الجنة درجات فانظر أين تضع نفسك؟ قال تعالى غرفة وليس جنة، كلمة غرفة عند العرب تعني أنها عالية لذلك لم يقل في صفات عباد الرحمن أنهم يجزون الجنة وإنما أخذوا أعلى الجنان منازل النبيين فقال (أولئك يجزون الغرفة). فلما نراجع آيات سورة الإسراء ومريم والفرقان نجد أن قوله تعالى (وعباد الرحمن) الواو هنا كانت تعقيباً على تشبيههم ووصفهم مع فئة لا تكون باختيارنا نحن وهم النبيين لكن في اختيارنا أن نكون معهم لذلك قال (أولئك يجزون الغرفة) وسيصبرون على ابتلاءات الدنيا لأن الجنة تستأهل هذا الصبر والرسول r الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر طلب منا أن نسأل الله تعالى الفردوس الأعلى التي هي الغرفة.
بُثّت هذه الحلقة بتاريخ 29/1/2008م

ميارى 28 - 7 - 2010 06:07 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 67
تقديم علاء بسيوني
الوقوف على معاني القرآن الكريم هو التدبر بعينه ونحن للأسف في الأمة الإسلامية نعاني من مشكلة في السلوكيات والمعاملات حتى في التطبيق التعبدي. ونسأل أنفسنا بعض الأسئلة: هل صلاتنا كصلاة الرسول r؟ كم واحد من أمة الإسلام قرأ كتاب صفة صلاة الرسول r؟ ما هي سنن الصلاة وآدابها؟ هل أخلاقنا وسلوكياتنا مع بعض أو في الشارع أو في البيت ينطبق مع جوهر الرسالة والإسلام الصحيح؟ هل جميع أطراف المجتمع مسؤولين وأناس في وظائف مختلفة وأصحاب مهن حرة وغير حرة، كبار وصغار ورجال ونساء كل هذه الشرائح هل سلوكياتها منضبطة مع جوهر الرسالة التي نزلت على قلب الرسول r؟ المشكلة تكمن في عدم فهمنا للقرآن، نحن نتسابق في قراءة القرآن وحفظه لكن نسأل هل نقرأ بتدبر؟ وهل فهمنا المعاني؟ وهل نطبِّق ونحسن التطبيق؟ هذه هي المشكلة.
قلنا هذا الكلام رداً على بعض الناس الذين يسألوننا هل ما زلتم في سورة الفرقان؟ وهل ما زلتم في مسألة التوبة والاستغفار؟ ولماذا مررتم بسرعة على آيات الإسراء ومريم؟ هنالك بعض الناس الذين يريدون أن يفهموا بتدبر. الخشوع الذي تكلمنا عنه وارتباطه بتلقي آيات الله ونحن كنا نتكلم عن قوله تعالى في سورة الفرقان (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)) والقرآن الكريم ضرب لنا مقابل آخر (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) الإسراء) (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) مريم) نلفت النظر أولاً للمقابلة أن هنالك من يسمع الآية الإلهية فيتحول إلى أصم وأعمى وهنالك من يسمع الآية وجوهر التكليف فيزداد خشوعاً ويبكي، فلماذا يبكي؟ وكيف تأتي هذه الحالة؟ لكن أولاً نفهم التوصيف فما معنى (يخرون للأذقان) وهل هي مختلفة عن يخر ساجداً؟ هل السجود أمر والخرور للأذقان أمر آخر؟
هذه المقدمة هو ما يجب أن يكون عليه لا نقول المسلم أو المتقي أو المحسن وإنما عباد الرحمن، هؤلاء العباد تميزوا بالصفات التي ما زلنا نشرحها والصفة التي وقفنا عندها هي صفة التلقي. علينا أن نفهم مسألة التلقي: ننظر لأي إنسان إذا رجعنا بالذاكرة إلى الإعدادي والثانويي، من هو المتفوق؟ المتفوق هو الذي يتلقى بوعي والوعي لو درسناها جيداً هي الكلمة التي أطلق خطأ وهي الحفظ. هذه الطريقة في التلقي هي التي أوصلتنا لمسألة الخرور أو نوع الخرور. الآية في سورة الفرقان في وصف عباد الرحمن لا تنفي الخرور وإنما تنفي كنه الخرور ونوعه (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)) إذن خروا سجداً أو بكياً، الناس تتصور أن النفي للخرور، الآية لم تقل لم يخروا وإنما قال لم يخروا صماً وعمياناً، هم يخرّون ولكن سجداً وبكياً هذا في توصيفهم قبل أن يكونوا من عباد الرحمن، سجداً وبكياً تأتي مع المؤمنين المتقين لكن عباد الرحمن أعلى صفة.
نقف عند الفعل يخرّ: هناك فرق في اللغة عندما نقول فلان سمع الذكر أو القرآن فسجد أو فلان سمع الذكر فخرّ ساجداً فما الفرق بينهما؟ لو فهمنا الفرق بينهما يمكن أن نصل إلى الموضوع ولكن لا نريد التسرع. لو قلت سجد فلان يكون مالكاً زمام كل أعضائه ومسيطراً عليها ويحسب سجوده بدليل أنه عندما نسمع السجود في القرآن لا نجدها للأذقان إلا مع فعل خرّ. هناك سجود كثير (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا (100) يوسف) هذا الخرور الذي يكون العبد غير مسيطر على أعضائه يعملها بدون تنظيم ومن غير إنفعال أو تصنّع وإنما يفعلها طبيعياً أول ما يسمع يخرًّ، استجابة لا إرادية (لكن ليس بمعنى لا وعي لأن الوعي شيء واللاوعي شيء آخر لأنه أثبت لهم أنهم لم يخروا صماً وعمياناً وإذا أردنا إثباتها نقول خرّوا بآذان واعية وأعين واعية إذن أثبت لهم الوعي ومن كثرة ما وعي خرّ، إذن لا إرادية لا تنفي الوعي، خرّ ساجداً لا إرادياً لكن بمنتهى الوعي. لأن هذا الإنسان فهم جيداً وتلقى جيداً أثّر فيه فاستجابت جوارحه فصدقت أعضاؤه فخرّ لله تعالى. كلمة خرّ لا تأتي إلا مع من فهم كنه الإله، علم من هو المسجود له؟. أن تعي هذا الأمر مسألة بحد ذاتها ولذلك من عرف الله خافه ومن خافه إمتثل أوامره. ساعة يعصي الإنسان يقفل الشيطان على منطقة الوعي الكبير (وعي الله) لهذا قال (يخرون للأذقان) ولم يقل يخرون سجداً. ما معنى يخرون للأذقان؟ الخرور هو سرعة الأداء نتيجة علو الوعي، يعني قمة الإدراك مع اللاإرادية من الإنفعال الذي حصل أي فهم جيداً ولما أفهم يعني أن هذا الإله الحق لا ينفع إلا أن أسجد له فلم أسيطر على أعضائي. إذا نظرنا لمن هو ساجد وأخذنا له مسقط أفقي نجده ساجد على الجبهة مع الأنف وهذا موضع واحد في السجود ويجب أن يستوي الأنف مع الجبهة، هذا السجود هو السجود بالإرادة لكن الخرور لا يكون بإرادة فما الذي يجعل الجبهة مع الأذقان؟ أن يختفي البروز الذي هو الأنف فلما تخر للأذقان تكون كأنك أزلت علامة التكبر لأن الأنف علامة التكبر في الدنيا حتى في التعبير العامي يقولون رافع أنفه في السما. لو أنت ساجد بإرادة ستنزل على أعضاء وجهك لكن لو خررت بلا إرادة كأنك أزلت الأنف دليل التكبر، سجد لدرجة أنه ليس هناك كبر ولا استعلاء وأنه لا شيء أمام الإله الحق. يخرون للأذقان أي من كثرة ما الخرور أتى بطريقة لاإرادية في السيطرة على الأعضاء يكون كأنه ساجد على ذقنه وهذا يعني كأنه ليس فيه ذرة كِبر ولا استعلاء ولهذا لو نظرنا إلى خرّ انظر إلى سجدة الصلاة وسجدة التلاوة في المساجد سجدة التلاوة أقرب للخرور لأن الجميع يسجد سجدة التلاوة وراء الإمام بسرعة لأن هناك آية سجود وآيات السجود كلها عظمة لله وخشوع. وموضوع الكبر هو الذي أوصل إبليس ومن على شاكلته ومن يتبعه إلى ما هو عليه، الله تعالى حرّم الجنة على من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر وقال تعالى لإبليس (قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) الأعراف) لأنه في حضرة الرحمن.
الإنسان الذي سيعي بصدق ومعرفة يقينية قدر المولى سبحانه وتعالى ويفتح القلب للتلقي للآيات هو الذي فتح الطريق. عندما نعلم أولادنا المذاكرة نعلمهم أن يحبوا الموضوع الذي يذاكرونه وليس مجرد مذاكرة للامتحان فقط لينجحوا فيه وإنما نريدهم أن يتعلموا، لا نريد أن نكون جهلة وإنما يجب أن ننهل من العلم لنترقى فالذي يعمل هذا مع القرآن يفهم جيداً كأنه يستعد لأحسن صورة للتلقي فيعطيه الله تعالى بأحسن صورة من الفهم والوعي فيصل إلى الحالة الإيمانية فيخر الإنسان بأعضاء روحه ساجداً قبل أن يخر بأعضائه وهذا ينتفي معه الكبر وهي مشلكة إبليس التي أوردته المهالك هو ومن على شاكلته ومن يتبعه.
ولذلك أقسم رسول الله r أنه لن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر وهذا القسم من الرسول rفي أوج أنه أرسله الله تبارك وتعالى رحمة للعالمين، قولها مع التركيب الصياغي في الحديث يبين خطورة الكبر وخطورة فروع الكبر للكبر فروع كثيرة جداً ولا يمكن إنسان عادي أن يحصيها فيقع فيها وهذا مرجعه إلى الوعي. البعض عندما تتكلم معه في نقطة يقول أين الكبر؟ مسألة أن تصرخ في وجه خادم أو خادمة أو نحوه هذا من الكبر لأننا عندما تتبادل الأوضاع مع الذي تتكلم معه لن ترضاه لنفسك فإذا قلت وكيف أكون مكانه؟! هذا من الكِبر، هذا فرع لكن لا أحد يعلمه وهذا نعيده لما قاله أنس بن مالك خادم رسول الله r والخدمة عند رسول الله r شرف لأي مخلوق، أنس قال أنه لم يقل له r عن أمر كان يجب أن يعمله ولم يعمله لم لم تعمله؟ ولا أمر ما كان يجب أن يعمله وعمله قال له لم عملته؟ ومع هذا كان رسول الله r أرق في تعامله مع الخادم لدرجة أنه مرة أرسله بثلاثة دراهم التي لم يكن غيرها في البيت فذهب ولعب وأضاع الدراهم فتأخر فخرج رسول الله r خلفه فسأله أنه تأخر وقال أين الدراهم؟ فقال ضاعت فسأله r هل تعرف أن تعود إلى البيت بعد أن تنتهي من اللعب؟ قال نعم. ضع هذا الموقف في الزمن الذي نعيشه أولاً الدراهم ليس هناك غيرها وضيعهم الخادم وهو يلعب فماذا كان سيحصل لهذا الخادم؟ كان سيحصل له ضرب وحبس وتعذيب بدون دواعي هذا فرع من فروع الكبر، الناس الواعية لا يقول فلان يعمل عندي وإنما يقول يعمل معي. هذا نتيجة الوعي بحق الذي قلنا عليه حفظ، الحفظ لا ينفع اغة ولا توقيعاً لأن الرجل الذي حفظ والرجل الذي فهم، من تأخذ معك في جلسة علم؟ نأخذ الذي فهم يسندنا في جلسة علم لأن الذي يحفظ لو نسي كلمة لا يمكن أن يكمل أما الفاهم يعي والكلمة الصحيحة للحفظ هو الوعي فالوعي عليه معول عليه جداً لذلك بعضنا سيأتي يوم القيامة ليس عنده حصيلة قرآن أبداً أي عمل وأنا أذكِّر الناس بالسؤال الرابع في القبر غير المشهور في المنابر، ما عملك؟ الإجابة: قرأتُ كتاب الله فآمنت به وصدقته، آمنت به يعني قرأته بوعي وفهمت وصدقت أي طبقت هذا الكلام يعني عملت به. لم يقل (وقل قولوا) وإنما قال (وقل اعملوا) العمل هو المهم ولذلك حصيلة القرآن يوم القيامة العمل. لن تجد في الجنة يهودي أدرك رسول الله r ولم يؤمن به، وأيضاً المسلم الذي لم يقرأ القرآن ووعاه وفهمه وعمل به لن تجده في الجنة لأن الفيصل عندنا العمل. عندما يأتيك أحد بخبر لم تتأكد من صحته تقول إدّعى ولا تقل قال لأنها لا تخدم المعنى وعندما نطبق رأي عمر بن الخطاب في القضاء قال عمر البينة على من ادعى، يثبت بها حجة قوله، واليمين على من أقسم. البينة على من ادعى نفهم من هذا أنها هذه كارثة ونحن حياتنا كلها للأسف إدعاءات وهذا الذي وجدنا نتيجته أن الله تعالى يقول في سورة الفرقان (وعباد الرحمن) أي أن عباد الرحمن مختلفين عن كل التوصيف السابق ولما قالها تعالى أعطانا صفات بطريقة توقيع غير مسبوقة قمة الإبداع، هناك صفات أثبتها لهم وصفات نفاها عنهم، مثلاً (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا (63) الفرقان) هذه صفة إثبات وفي آية أخرى قال (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ (68)) لم يقل الذين وصلوا في التوحيد إلى غاية التوحيد لأن هذه الصفة بالإثبات لا يعملها إلا هم والصفة الثانية المنفية الناس كلهم يعملونها إلا هم والاستثناء للقلة. (وإذا ذُكِّروا) التذكير يختلف عن الفهم الشائع عند الناس أنك لما تذكرني بشيء يجب أن أكون أعرفها لكن أعرفها في حق عباد الرحمن هي قاعدة في الفطرة السلمية لم يعملها غيرهم ولما تنظر لهذا الاستثناء لهم، مَنْ مِن خلق الله أخذ هذه الصفة في القرآن؟ (وعباد الرحمن) هذه صفات البشر ولم يأخذ هذه الصفة في القرآن إلا الملائكة ولذلك ليس من قبيل الصدفة أن يقول تعالى (قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ).
عندما ذكرنا الكِبر وخطورته نجد أن بعض الناس من المتقين يرتكبون شيئاً من الكِبر حتى وهو يعمل الخير كالذي ينادي على ولد فقير وهو في سيارته ويمد يده ويعطيه بشكل فيه كِبر، يجب أن نعلم أن المفروض أن الذي يكسب في هذه العملية هو الذي يتعب، لكن هذا الرجل هو الغني وأعطى الفقير وأعطاه المال بصورة فوقية وكان مفروضاً به أن يذهب إلى الفقير المحتاج ويعطيه. توصيف اليد العليا والسفلى أن اليد العليا هي التي تعطي والسفلى هي التي تأخذ. لو عرف الرجل الذي يقول خُذ قيمة الآخذ لقال الحمد لله الذي أرسل لي من يحمل حسناتي إلى الجنة دون أجر، الفقير يعطيني حسنات توصلني الجنة وهو ليس له أجر في هذا، أصحاب البيوت الذين يطرق بابهم سائل في ستر الليل يجب أن يعلموا أن الله تعالى أرسل لهم هدية، والسيدة عائشة كانت تعطر مال الصدقة والسيدة خديجة دعت للسائل دعاء وعلينا أن نتعلم من هؤلاء ونطبق ونعي المسألة، لذلك وعي الموضوع أن الآخذ له فضل علي ويجب أن أعيها وتكون في حساباتي والكثير منا يتصرف بحسن نية لكن الاستثناءات لا ينبني عليها تشريع، نحن لا نتكلم عن المتعب لأن لديه عذر والقرآن عذر المريض والمسكين ونحن نتكلم في صفة العموم والقاعدة الأصولية أن الضرورات تبيح المحظورات لكن يبقى الوعي للمسألة.
هناك فرق بين إنسان يسمع آيات الله والتكليف الإلهي فيخر ساجداً للأذقان وبين من يسمع التكليف فبدل أن يشعر بثق المسؤولية عندما يسمع الذكر وكأنه لا يرى ولا يسمع. هناك مفارقة أخرى وهي حالة الخشوع التي نحن نبحث عنها في الصلاة والعبادات وهناك أناس يصلون إلى مثل هذه الحالة عن طريق المعصية فتجد إحداهن تقول أنها تسمع الموسيقى ثم ينتابها شعور بأنها يجب أن ترقص ولا يمكن أن تتمالك نفسها وتحركت جوارحها للمسخرة.
في مسألة الخشوع ومسألة السجود قلنا أنه من أعلى التوصيفات أن يخر ساجداً وليس يسجد فقط وهناك موقف في قصة موسى مع السحرة في الآيات التي تحدثت عن القصة (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) الشعراء) الفعل مبني للمجهول ويحمل معنى الإجبار، السحرة آمنوا بعد أن علموا أن ما فعلوه هم هو إيحاء لكن ما جاء به موسى سحر وتحولت العصى إلى حية فعلاً ورغم أنهم آمنوا ورأوا الدليل والبرهان وصفهم القرآن بأنهم ألقوا ساجدين فلماذا؟
الخرور هو قمة الوعي قمة الإدراك فيعملان لا إرادة في السجود. لما نقول قمة الوعي والإرادة نعني أن الإنسان سمع الآيات وهو يسمعها عرضها على الواقع فوجدها منطقية جداً وعقلانية جداً لا تخرج خارج إلف المعتاد وهذا عمل رصيداً من الخشوع فأعطاه اللاإرادة هذه بإدراك كامل ووعي كامل ولهذا قال تعالى عليهم (يخرون أو خروا أو يخروا) ولم يقلها على سحرة موسى مع أن المعنى فيها لأنهم رأوا البرهان والمعجزة الإلهية وكثير من الناس في عضرنا هذا يطلبون المعجزة للتصديق. بالنسبة لموقف السحرة رأوا الآية والمعجزة لكن في القرآن لم يقل أنهم لم يخروا ساجدين. (ألقي) فعل مبني لما لم يُسمى فاعله (لا نقول مبني للمجهول لأن الفاعل هو الله هو الذي ألقاهم). الخرور قمة الوعي والإدراك عمل خشوعاً وهنا لما سمع لم يتنازعه شيء، لو ذكرنا سورة مريم الذي فعل هذا هم النبيون والذين اجتباهم ربهم وهداهم (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) مريم) لما أُطلق على الرجل الخرور هو عنده نزعته ولم يتنازعه شيء. ذكرنا في الحلقة السابقة أن الفطرة هنا سليمة لدرجة أنهم تذكروا الميثاق (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) الأعراف) لكن هؤلاء قال (ألقي) معهم لأنهم رأوا اليقين لكن تتنازعهم العقيدة التي كانت عندهم لأنك تأخذهم من إمام إلى مأموم، وهذا الذي يمنع بعض الناس من أن يسلموا، هل أصلي خلف هذا وأنا فلان الفلاني؟ هذا منعه الكِبر. الذي يتنازعهم أمران: منطق ويقين وأمور تراهم بعينك. لماذا سجد السحرة؟ لأن هذه هي الماء في حارة السقايين كما يقال بالعامية. السحرة أُلقوا لأنهم رأوا اليقين وكأنهم يقولون نتمنى أن نسجد لكنهم لم يسدوا فألقاهم الله تعالى، الوضع الطبيعي أن يسجدوا لكن لو سجدوا لموسى ماذا سأصبح وماذا كنت؟ وقد كان وعدهم فرعون بالثواب، هؤلاء ليس عندهم فطرة سليمة ولا خشوع. الخرور جاء على من له فطرة سليمة تلاقت الإرادتان فجاء الخرور رغم أنه غير إرادي كان بوعي منهم والسجود عند السحرة قمة التصديق لكن يتنازعهم أمراً أنهم لو سجدوا لموسى كاذا سيصبحون وماذا كانوا قبله؟! لما نوقع القرآن هم في هذا الموقف أداة، لما سجدوا بهذه الطريقة هم أداة لغيرهم هذه إرادة الله تعالى هنا في هذا الموقف لأنه قد يقول أحدهم لو سجد الساحر سيسجد الناس. الناس التي تتفرج على هذا الموقف حساباتهم إما أن يكون موسى صح أو السحرة صح، ماذا سيفعل المتفرج؟ إذا الساحر لا قدر الله كسب سيكون معه وإذا كسب موسى؟! الغريب أن الناس الذين كانوا موجودين في عصر فرعون فطرتهم مشوهة ولم يقولوا لو كسب موسى سنتبعه وإنما قالوا (لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (40) الشعراء) إذن الغالب على ذهنهم أنهم يريدون أن يمشوا وراء الساحر فماذا لو سجد الساحر؟! لذلك ألقاهم الله تعالى والفاعل في الفعل الذي بُني لما لم يسمى فاعله هو الله تعالى، وهذه مسألة نائب الفاعل، نائب الفاعل هو المفعول به في الجملة السليمة التي فيها الفعل مبني للمعلوم (ألقى الله السحرة ساجدين) لما تحذف الله وتسندها لهم يصبح المفعول به نائب فاعل، ولهذا الفرق بينهما أن عباد الرحمن فطرتهم سليمة فمع قمة الوعي والإدرك حصل الخشوع فأعطى اللاإرادة إنما هنا ماذا سأكون إذا سجدت وماذا كنت؟ إذن لو ترك الأمر لهم ما سجدوا لذلك ألقاهم الله تبارك وتعالى. بعد هذا فرعون يهددهم بالويل والثبور وهذا ما نقوله لأولادنا أنهم سجدوا بتوفيق الله، إرادة الله تعالى شاءت أن يسجدوا وهناك من يدخل المسجد عفواً ولا يغادره حتى يموت، لا يغادره يعني يعتاد عليه حتى يموت (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ (18) التوبة)، كله يسير بفضل الله تعالى ولذلك (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (27) لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِ (28) وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29) التكوير) هذه يجب أن يضعها المؤمن نصب عينيه ولذلك دعاء أهل الجنة داخل الجنة (الحمد لله الذي هدانا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله). رغم أن هناك من رأى البرهان كأن لديهم أمل بأن يكسب السحرة ورغم ذلك قال لهم فرعون هذا كبيرهم الذي علمهم السحر واسخف فرعون قومه فأطاعوه وستجد إلى يوم القيامة جنوداً للباطل أمام الحق وهذا دأب الحياة.
في مسألة الله والرحمن: لما قرأنا في سورة مريم (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58)) لم لم يقل آياتنا أو آيات الله؟ لماذا صفة الرحمن؟ هل يمكن استعمال صفة أخرى تعطي خشوع أكثر وخوف أن هنالك تكليف وعقاب؟
هذا نفس الذي سنقوله في آية سورة الإسراء ويظل هذا الكلام صالحاً لكل الله أو الرحمن، هو الله هو الرحمن. لو رجعنا إلى سورة الإسراء نجد أنه وهو وصّف الله تعالى العباد والعبادية والعبودية بين سورة الإسراء ومريم والفرقان استخدم إما الله وإما الرحمن (قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ). نضع السؤال عند قوله تعالى (قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى (110) الإسراء) ويبقى اختار الله تبارك وتعالى لصفة الرحمن أنها هي المقابل إن صح التعبير لله يعني لو قلت يا الله هذه تجمع كل صفات الجلال والكمال فإذا لم تقل الله قُل يا رحمن.
بُثّت هذه الحلقة بتاريخ 5/2/2008م

ميارى 28 - 7 - 2010 06:08 PM

التوبة والإستغفار 68
تقديم علاء بسيوني
الله – الرحمن لفظ الجلالة هو الإسم الجامع لكن ما خصوصية إسم الرحمن في القرآن؟ وما هي خصوصية عباد الرحمن؟ ولماذا يصف الملائكة بأنهم عباد الرحمن؟ (قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى (110)) ما الفرق ولماذا أتى بالإسم الجامع الله ثم إسم الرحمن ثم أطلق الأسماء الحسنى جميعاً؟
خواتيم سورة الإسراء (قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (110) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)).
ما دلالة لفظ الجلالة الله والرحمن وما الرابط بينهما؟ وهل (أو) في الآية لأن اللفظين متساويين؟ أو هي للتخيير؟ ولماذا أطلق بعدهما الأسماء الحسنى؟
الوعي والتدبر أن نسأل أنفسنا هذه الأسئلة عندما نقرأ هذه الآيات فهذا من تدبر القرآن. (أو) هل هي للتخيير أو للتساوي وإذا كان اللفظان متساويان فما الفرق بينهما؟ الله هو الإسم الجامع لكل صفات الجلال والكمال فالذي لم يسعفه توصيف حالته يقول يا الله أو يقول يا رحمن لأنها أخص، لا نريد أن يفهم الناس قوله تعالى قل ادعو الله أن يدعو هكذا ارفعوا أيديكم وادعو هي ليست كذلك ولكنها هي نفس إطلاق اللفظ أو الإسم. ولله المثل الأعلى تقول فلان يُدعى كذا، يدعى هنا لا تعني الدعاء كما نفهم وإنما يدعى بمعنى يُطلق عليه إسم كذا. إذن كلمة ادعو لا تُفهم على أنها الدعاء فقط وإنما أطلقوا، سمّوا، خذوا الإسم ومعاني كثيرة جداً. لا يجب أن نفهم كلمة ادعو من ناحية واحدة بمعنى السؤال أو الطلب وللأسف قرأتها في كتب كثيرة مشروحة على أنها بمعنى اطلبوا. اطلبوا كلمة فيها مشكلة لغوية كبيرة الطلب يختلف باختلاف الطالِب والمطلوب منه، فالطلب في القرآن له فروع كثيرة جداً لو فلان يطلب من فلان ننظر للإثنين إذا كانا بقدر بعض هذا يسمى إلتماس لأنهما في درجة واحدة وإذا طان صغيراً يطلب من كبير يكون رجاء وإذا كان كبيراً يطلب من صغير فهو أمر. لو شخص يطلب من المولى عز وجل يسمى دعاء وهذا كله يسمى الطلب. الله هو الإسم الجامع لكل صفات الجلال والكمال، من الذي أطلق هذا الإسم؟ هو الله تبارك وتعالى، جعل الله علم على الذات الواجبة الوجود التي نخطيء فيها ونقول موجود (البعض يقول الله موجود) قصدهم صحيح لكنهم يوصفون خطأ، إذا قلنا موجود فهو إسم مفعول يعني هناك من أوجده أما عند المولى عز وجل الله واجب الوجود بدل أن نقول موجود. لما نقول واجب الوجود يوصلنا إلى أن الله تعالى هو العلم على الذات الواجبة الوجود ولم نسمع حتى من الذين ادعوا الألوهية أنه سمى نفسه الله، فرعون قال (أنا ربكم الأعلى) لم يقل أنا الله، يعني هذه مسألة تخرج –إن صح التعبير- بالله تبارك وتعالى إلى القاعدة الأصولية في كتابنا العزيز (ليس كمثله شيء) يعني كلما تكلمنا عن المولى عز وجل سنضعه على مدار ليس كمثله شيء. فرعون قال (ما علمت لكم من إله غيري) لم يقل الله وإنما قال إله وإله هو توصيف أما الله فهو الإسم ولم يُسمى بهذا اللفظ من قبل الله تبارك وتعالى مخلوق لله تبارك وتعالى. لو أن أحدهم لديه 11 ولداً وهو يحب الرسول r حباً كبيراً فقال أنا أريد أن أسمي جميع الأولاد محمد فلو نادى يا محمد سيرد عليه الجميع فهو نفسه صار يقول محمد الصغير، محمد الكبير، طالما تسمي إسماً واحداً يجب أن تُلحِق به ما يميزه وهذا جاء من مطلق قوله تعالى (فله الأسماء الحسنى) أي أن هناك الرحيم والعزيز والقدير فأنت لو سعفك صفة من هذه الصفات ادعو بها : يا عزيز، يا جبار، يا قدير فإن لم يسعفك فقل واحدة من اثنين: يا الله (وهو الإسم الجامع لكل الصفات) أو يا رحمن الذي يرحمك في دعائك وسؤالك. أنت تسأل لأنك مضطر فالله تعالى يرحمك ويعيطيك ما تريد. (قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى) الآية أثبتت أن له أسماء كثيرة والحديث صحيح "إن لله تسعاً وتسعين اسماً مائة إلا واحد من أحصاها دخل الجنة" هذا في البخاري ومسلم أما في رواية الترمذي وضع الوليد بن مسلم فيها أسماء لم يقلها الرسول r وهناك بعض الأسماء فيها خطأ في التوصيف اللغوي لن نتحدث عنه الآن. إذا لم يسعفك إسم من أسماء التوصيف سواء صفات الجلال أو الكمال فخذ الله أو الرحمن. لماذا الرحمن في الصفات؟ لو تدبرنا آيات الإسراء ستعرف سبباً من أسباب كثيرة، بعدما قال (قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى) أمرنا تعالى (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا).
ما دلالة ذكر الصلاة مباشرة (وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً) بعد قوله تعالى (قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى)؟
هذه وسيلة الطلب، السبيل هو وسيلة الطلب والدعاء وإطلاق الإسم على الله أن تكون في صلاتك غير مجاهر ولا مخافت فالصلاة صلتك بالله فذكرها لتوقيع الإطلاق.
هل المقصود بالصلاة في الآية الصلاة التعبدية المفروضة علينا أو لها معاني أخرى ومفهوم أوسع؟
البعض لما قرأ الآية قال نحن نصلي خطأ لأننا في صلوات نجهر بالصلاة وفي أخرى نخافت بها فأين الحقيقة؟ النص يحتمل كل الآراء لكن الذي يحزننا أن نقصر الكلمة على معنى والصلاة هنا ليس مقصوداً بها معنى الصلاة المشهورة وما سنه الرسول r في النوافل الأخرى وأطمئن أن صلاة الرجل خلف الإمام ما يحدث في المساجد صحيح مائة بالمائة لكن المعنى الذي نأخذه من الآية: إذا كان هناك رجل يصلي ويقرأ في سرّه فهو يؤدي كما أدّى المسيء صلاته بالضبط. المرحلة التي تتكلم فيها الآية بين الجهر والخفوت هي الحالة التي لا يمكن لك معها أن تسرح ولا يمكن أن تقرأ بسرعة وهي نص ما ذكره تعالى لرسوله r(ورتل القرآن ترتيلاً) الفاتحة وبعدها ما تيسر من القرآن (البعض يقول سورة قصيرة ولا أدري من أين أتوا بهذا المصطلح)، هي ما تيسر لك وهذا أمر نسبي بالنسبة للأشخاص، فإذا طبقت الآية في قراءتك للفاتحة وما تيسر تكون ممن (ورتل القرآن ترتيلاً) تقرأ الفاتحة وما تيسر تجهر وتخفت بحسب الزمان والمكان (صلاة جهرية أو سرية، تصلي وحدك أو جماعة) طبق الآية في صلاتك في البيت (وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً) قال ابتغ بين ذلك سبيلاً حتى تراعي كل شخص هل يصلي لوحده أو معه أحد هل يريد أن يستمتع بتلاوته؟ لكن المهم أن لا تجهر ولا تخافت لأنك في الجهر قد تضايق أحداً وفي الخفوت سيحصل سرحان، ابتغ بين ذلك سبيلا تجعلك ممن يرتل القرآن ترتيلا ويجعلك تقرأ كما قرأ رسول الله r وهو الذي قال "صلوا كما رأيتموني أصلي". الذي يقرأ مسرعاً يسيء في صلاته. المرأة إذا كانت لوحدها تعمل هكذا وتسمع نفسها ما تقول. الآية الشاملة (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) الأعراف) لم يحدد من القارئ؟ حتى لو كنت أنت الذي تقرأ ركّز واسمع حتى تكون الصلاة صلة واتصال، الإمام مالك قال: إذا أردت أن أناجب ربي دخلت في الصلاة وإذا أردت أن يناجيني ربي قرأت القرآن، دخولك في الصلاة أنت تكلم ربنا فكيف نقولها بسرعة ونحن نكلم المولى عز وجل. لو ركزنا في الحديث القدسي المبدع في هذا الباب " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي" وسمى الفاتحة الصلاة ولذلك بعض المفسرين الفحول قالوا ولا تجهر بصلاتك أي بالفاتحة وهناك كلام كثير جداً في هذا الموضوع. قسمت الصلاة بيني وبين عبدي كما قال الرسول rمثلاً الحج عرفة، أخص الصلاة الفاتحة والركوع من الصلاة لذا لا تُسبِّح بسرعة. إن شاء الله نخصص حلقة عن كيفية صلاة النبي r وقبلها عن الوضوء لأن هناك كثير من الأخطاء في صلاتنا ووضوئنا. آخر حلقة في عباد الرحمن الناس ستقتنع أن الحمد لله أننا ما زلنا نحيا حتى نكون من عباد الرحمن.
الآية (وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً) تطلق على كل صلاة، الصلاة المعروفة بالحركات التي نؤديها وكل صلة بالله تبارك وتعالى وهذه الآية كتوقيع لمسألة الدعاء لما يكون المعنى إذا دعيت. لكن نقف عند نقطتين في السؤال الأول (قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ) لماذا قال تعالى بعدها (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا)؟ لما نبحث في القرآن الله تبارك وتعالى الإسم المطلق علم على الذات واجبة الوجود لله تبارك وتعالى ثم قال إذا لم يسعفك إسم تخص به الدعاء أو السؤال الذي أنت تريده قل يا الله أو يا رحمن. فلماذا الرحمن؟ نحن خلقنا على الفطرة التي أخذنا فيها ميثاق توحيد ومن بديع توقيع القرآن الكريم أن هذا اللفظ الله والرحمن أطلقوه وهم ينسبون لله تعالى ولداً سواء الولد إناث (الملائكة) أو عيسى u أو العزير u لأن هذا الخطأ بدأ من عند اليهود (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ (30) التوبة) قبل النصارى (وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ) وغيرهم من الكافرين نسبوا الإناث الذين هم الملائكة لله تبارك وتعالى. فالناس يجب أن تفهم هذه الآية (وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا (116) البقرة) (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) مريم). لم يذكر إسم من الصفات يوضع فيه نسبة الولد لله تبارك وتعالى إلا الرحمن ففي ختام الإسراء (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا) بعد أن ذكر الله والرحمن (قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ) ذكر الإلتباس الذي حصل في الإسم العَلَم على الذات واجبة الوجود (الله) والالتباس الذي حصل في الرحمن (وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا (116) البقرة) (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) مريم). في سورة الزخرف المسألة واضحة (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ (16) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20)) نعرف منها إطلاق الرحمن على التسمية في إتخاذ الله ولد وأن الملائكة هم عباد الرحمن. حتى وهم يريدون تصحيح خطئهم ويجعلونه واقعاً قالوا (وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم). لذلك (قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (110) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا (111)) ختمها بكلمة ولد والولد هنا ليس العزير وعيسى ابن مريم u وإنما حتى الإناث لأنه كل مخلوق ولد. الولد جزء من أبيه، الكافر مرة قال (قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا) ومرة قال (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) مريم) وهي الصفة من الصفات التي تتساوى مع الله. ولو نظرنا في القرآن نجد أن الرحمن تتساوى مع الله في الاستواء على العرش لما استوى على العرض استخدم مرة الله ومرة الرحمن (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) طه) يجب أن نأخذ القرآن كله. لو بحثنا في القرآن نجد أن كلمة الله أُطلِقت مرة بالرفع ومرة بالنصب ومرة بالجرّ فإذا عددناهم في القرآن نجدهم 2600 وكلمة الرحمن 57 مرة ولما نأخذ الآيات التي ذكر فيها الله والرحمن نجد أن مسألة نسبة الولد حتى يضرب لنا التوحيد والاستواء على العرش يعني يقابل مسألة إتخاذ الولد استواء الله على العرش التي هي الوحدانية نسبت لله وللرحمن وقس على ذلك. هكذا يجب أن يكون التفسير وأن نبحث في الآيات أين تقع وفي أي سورة وانظر كيف انتقلنا من سورة الفرقان إلى الإسراء إلى مريم إلى الزخرف وهناك آيات كثيرة جداً توضح أن الرحمن هي فعلاً الصفة الجامعة لصفات الجلال والكمال بعد الله ولذلك قال (قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى) الذي وصف الإسمان والرحمن هنا في الآية إسم وليس صفة.
في آخر سورة الإسراء قال تعالى (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا) أمر من الله تعالى بالحمد الذي يحمل في طيّاته شكر لله فما دلالة أن أشكر الله على أنه لم يتخذ ولداً؟ البعض يقول أنه من المنطقي عنده أن كل من يستوي على العرش يحتاج لولي عهد أو شريك أو ما شابه فهل ربنا يحتاج لولي عهد حتى يدير شؤون الكون عنه؟
يجب أن نوضح أننا نحترم فكر الآخرين في عقيدتهم لكن لا نحترم تلك العقيدة لأننا لا نقرِّها (لكم دينكم ولي دين)، نحن نتكلم من باب التدقيق العلمي وليس من باب شتم صاحب هذه العقيدة. يجب أن لا يُفهم على أننا نزدري فكر الآخرين في عقيدتهم. الآية تتكلم عن هذا التوصيف الإلهي الحق أن الله تبارك وتعالى ليس كمثله شيء وهذه قاعدة ولما نتكلم عن ولي عهد فهذا للبشر، الله تعالى لا يحتاج لولي عهد وقد سبق ورددنا على المسلمين الذين قالوا أن آدم خليفة الله في الأرض وقلنا هذا لفظ يحتاج إلى تأدب مع الله وهذه الجملة خطأ وقالوا أن واحد من المفسرين، أحدهم أخطأ فيجب أن نصحح هذا الخطأ ونذكر أن الشيخ محمد عبده صححها وكذلك الشيخ محمد رشيد رضا والشيخ عبد الجليل عيسى وهو من علماء اللغة الفحول صححها والشيخ الشعراوي أستاذنا في التفسير لما ناقشته فيها أقسم بالله أنه كأنه يقرأها لأول مرة وقال أسأل الله تعالى إن كنت قلتها قبل ذلك أن يعفو عني، هذه هي العودة إلى الحق وهو أستاذنا لكن بعض المكابرين في هذا الزمان يقولون ليس فيها شيء، كيف يقولون أن آدم خليفة الله في الأرض والله تعالى ليس كمثله شيء؟ سألنا متى يعيّن الخليفة؟ عندما يتوفى الخليفة الأول وقلنا أن أبو بكر الصديق خليفة رسول الله r خلفه بعد أن توفي الرسول وأقول أنه علينا أن نتأدب مع الله تعالى لأنه ليس كمثله شيء وهذه تحل أي مشكلة في الإعتقاد. أن يحتاج الله إلى خليفة هذا مستحيل، أن يحتاج إلى ولد ذكر أو أنثى هذا مستحيل بدليل لما خصص (وقل الحمد لله) من أخص خصائصه تعالى أنه (لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ). من هو ولي الذل؟ ولي الذل الذي تحتاجه أنت لنصرتك والله سبحانه وتعالى عزيز ليس له أدنى قرب من الذل حاشاه. فإذا اختلط على البعض مسألة الولد فلا يجب أن يختلط عليه أمر ولي من الذل لأنه لو احتاج هذا الإله الذي يدّعونه لمن ينصرنه فمن ينصرنه أولى بالعبادة وهذه القضية التي وصل لها إبراهيم u والرسول r لما خرج إبراهيم u يبحث عن الإله الحق لما رأى الكوكب قال هذا ربي فلما أفل قالت الفطرة السليمة لا أحب الآفلين ولما رأى القمر قال (هذا ربي) الفطرة السليمة قالت (لا أحب الآفلين) فلما رأى الشمس قال هذا ربي والفطرة السليمة قالت (لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) لكن في النهاية قال (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) الأنعام) إذن هذه هي الفطرة السليمة. ومحمد r جاءه جبريل u في الغار وهو يتحنّث ويتفكر ويبحث (لا كما يقولون أنه كان يتعبد) إبراهيم u خرج يبحث والرسول r كان يترقب في مكانه فالإسلام دين العقل والمنطق والوعي والرسالة وكل شيء جاء وحياً. العلمانيين أرادوا مخالفة هؤلاء ولم ينضموا إلى هؤلاء فخرجنا بتسمية غريبة جداً وأنا أربأ بأي مسلم في أي جلسة أن يتباهى ويقول أنا علماني، الله تعالى خلقنا للعبادة (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات) والعبادة هي علاقة بين معبود سبحانه وتعالى وعابد تمشي على مراد المعبود سبحانه وتعالى لا على هوى العابد (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (29) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ (30) الروم) الدين القيم أن تتبع وطالما تتبع يعني الوحي وطالما الوحي يعني القرآن وطالما القرآن تدبّر لما قال (قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ) ذكر أخص نقطتين ضرب بهما التوحيد عند بعض الغافلين لما قالوا (اتخذ الله ولداً) هنا ولداً يعني سواء الإناث التي قالوها في سورة الزخرف أو العزير أو عيسى u ولذلك هذه نعرة يهويدة الأصل (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ (30) التوبة) القضية عندنا في العقيدة نحن نحترم فكر الآخر في عقيدته بنصّ قرآننا (لكم دينكم ولي دين) لكن النظرية في أساسها مرفوضة عندي منطقاً وتعبداً وقرآناً فضلاً عن السنة النبوية المطهرة ولهذا إجابة على سؤال لماذ نقول الحمد لله على أنه لم يتخذ ولداً؟ لأن الرحمن والله ضربت فيهما قضية التوحيد مرة قالوا (قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا) ومرة قالوا (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا) ولما رب العزة عدّل المفاهيم ذكر الله والصفة المختارة في الاستواء الرحمن ولما سماه على تسمية الملائكة عباد قال الرحمن أيضاً وأخص توصيف لعباد الله في الكتاب عباد الرحمن ونحن نقف الآن عند قوله تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) الفرقان) كأني بآيات ربهم هنا يعني آيات الرحمن.
بُثّت الحلقة بتاريخ 12/2/2008م

ميارى 28 - 7 - 2010 06:09 PM

التوبة والإستغفار 69
تقديم علاء بسيوني
لا زلنا ونحن نختتم آيات سورة الفرقان نقف عند ملمح مهم جداً التي تتكلم عن عهد الإنسان مع الذكرى والتفكير بآيات الله وبقواعد ومنهج الله تعالى في إفعل ولا تفعل وتكلمنا عن نوع من البشر الذي إذا سمعوا آيات الله يخر للأذقان سجداً أي يسجد بكامل جوارحه وجسده وروحه. وهناك طائفة أخرى عكس هذه يسمعون كلام الله تعالى ويخرون لكن للأسف لا يخرون سجداً وإنما يخرون صماً وعمياناً. حتى الإنسان الذي يأتيه الهدى وهي يعيش في ظلمة يستميت ليبقى في الظلمة وهذا أمر غريب جداً فما الذي يجعلنا من هؤلاء أو من هؤلاء؟
قبل أن نبدأ الكلام عن هذه الآيات نحن أن نعلق على الإساءة المتكررة للرسول r من قبل الغرب الذين يعتقدون أن هذا من باب حريتهم الإعلامية فماذا علينا أن نفعل؟ وهل نبقى في رد الفعل أو علينا أن ننتقل إلى الفعل؟
لو تذكرنا في الأحداث الأولى للتهجم على الرسول r قلنا آنذاك أنها سوف تتكرر ونحن ما ولنا في رد الفعل الذي لا صوت له كرد فعل الميت ومن ثم ستستمر هذه الأمور وأريد أن نقف عند حقيقة أن المسلمين أنفسهم يسيؤن إلى رسول الله r وسمعنا مؤخراً عن كتاب الحب والجنس في حياة الرسول r وهذا الكتاب كتبه مسلم وأنا أتعجب من هذا العنوان الذي لا يليق برسول الله r هذا قبل أن نقرأ ما بداخله فكيف يجرؤ مسلم على كتابة هذا العنوان؟! أريد أن أقول أن هذه الأمور ستستمر ما دمنا في رد فعل الميت الذي لا حراك له. هناك كتاب رد على الشبهات في الأسواق وهو موجود منذ سنوات لكن للأسف من يقرأه؟ نحن نتكلم عن رد فعل الإساءة، هل نشجب ونرفض؟ هناك من لم يتكلم أبداً وهناك من هو مستمر بفتح الأبواب لهؤلاء المسيئين فلا بد أن يفيق هؤلاء قبل أن يأتي رد الفعل من العوام الذي قد لا يمكن أن يوقفه شيء. ومن الغريب أن في الدانمارك قاموا باستفتاء يسألون الدانمركيين إذا كانوا يتفهمون غضب المسلمين حول هذه الإساءة لرسولهم فكان جواب الغالبية بالنفي أنهم لا يتفهمون لماذا يغضب المسلمون لهذا الأمر وهذا عكس الإستفتاء الذي حصل في المرة السابقة. في المرة السابقة قاطعنا منتجاتهم لكن هذه المرة لم نسمع شيئاً وسبق أن قلنا أن هذه المقاطعة ليست رداً على الإساءة لرسول الله r. نحن من قبل أن يسيئوا إلى الرسول r كان يجب أن نكتفي من منتجاتنا وصناعتنا ولا نعتمد على منتجات الغرب. لو كنا نحن المصدرين الذين نمنع منتجاتنا من الوصول إلى بلاد الغرب لكان هذا رد فعل إيجابي ولو أن الدول العربية الإسلامية استدعت سفراءها من تلك البلاد وقاطعتهم ربما هذا قد يكون رد فعل إيجابي، مصر تتحرك لكن هناك دول لم تتحرك فعلينا أن نحسن أخلاقنا وأفعالنا وعلينا توضيح إسلامنا من قبل الإساءة للرسول rوللأسف حتى شعاراتنا خطأ مثل شعار إلا رسول الله فهل نرضى مثلاً أن يسب الله أو القرآن؟! ونسمع شعرا فداك أبي وأمي، ما معناها؟ وصلنا إلى درجة من الخيبة أننا نقدم آباءنا وأمهاتنا ولا نقدم أنفسنا؟! مثل شعار اللهم اهلك الظالمين بالظالمين، أين نحن؟ هل نتفرج؟ هذه الشعارات خطأ وللأسف البيئة التي نعيش فيها ساهمت في هذه الخيبة وأثرت على العقيدة فنجد الدعاية إرسال رسالة نصية على الهواتف للتزويج أو ربح مليون جنيه أو غيره فانصرفت الهمم إلى هذه الأمور وانحصرت حياتنا في الجلوس في البيت وإرسال هذه الرسائل! المشكلة أن مثل هذه الشعارات تصلك وأنت ترددها من غير أن تفهم مثل فداك أبي وأمي فلم لا نقول فداك نفسي يا رسول الله، والمهم ليس في الكلام فقط لكن في الفعل. حتى رد فعلنا خطأ والشعارات الخطأ نكررها ولا نصححها، حبنا لرسول الله r يجب أن يكون في ذاتنا وفي أعمالنا. تكرار الإساءة عدم وجود رد الفعل الإيجابي لهذه الأمور والقرآن يشرح لنا هذه الأمور أن نخر صماً وعمياناً هذه هي القضية والآية واضحة وسنشرحها. نفى الله تعالى هذه الصفة عن عباد الرحمن وقلنا أن النفي ليس للخرور ولكن للتلقي وقلنا أن هذه الآية لا تُفهم بمعناها وإنما بلازم المعنى. نسأل الله تعالى أن تكون هذه الإساءات تمثل لنا حالة إفاقة والفرحة التي حصلت في العالم العربي والإسلامي بمناسبة فوز مصر في كأس الأمم الإفريقية صرح الشيخ محمد بن راشد أن هذه الأمة تستطيع أن تحقق المعجزات. علينا أن نقوم بعمل مشروع علمي للنهضة في بلاد المسلمين والعرب وندعو جميع الحكام والمؤسسات إلى دعم هذا المشروع حتى نصل صورتنا إلى الغرب بشكل صحيح حتى ننهض ونتقدم ونصبح في طليعة الصفوف.
كيف يستطيع الإنسان أن يتلقى الذكر؟ (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) الفرقان) التذكير يمكن أن يكون بكلمة أو نصيحة تذكر الإنسان بمنهج لكنه هو لا يريد أن يسمع فكأنه أصم أو أن الإنسان يقرأ بالصدفة في كتاب أو مقال عن منهج معين أو حكم شرعي فيحول نفسه إلى أعمى وكأنه لم يسمع ولم يرى ولم يدخل هذا الكلام في عقله ولا في منطقة التعقل والتدبر ليخرج منها على بصيرة وللأسف هناك أناس كثير هكذا وليس فقط من الكافرين وإنما من المسلمين أنفسهم.
وصلنا رسالة من سيدة تطلب منا أن نعلن أن التدخين حرام شرعاً. ليس فقط التدخين هذه الآية تنطبق على أمور كثيرة جداً وبصرف النظر عن الكافر والمشرك والمنافق، الآية بلازم المعنى قسمت الناس أكثر من صنف وصارت كلمة (ذُكِروا) تعمل مع كل صنف حسب حالاته بمعنى مسلمين كثر (وهذه الكلمة نطلقها على إطلاقها الشائع الآن وهو أنه بعيد عن الإسلام). ما الإسلام؟ ملخص التعريفات أنه حتى يقال أن فلان مسلم يجب أن يسلِّم حتى بما اتفق عليه علماء الأمة وليس فقط بما عُلِم من الدين بالضرورة. مسلم يقول أن مسلم وأصلي لكن لا تقل لي التدخين حرام أو لا تقل أن الحجاب فرض ويدخلون أنفسهم من متاهات ويضعون أنفسهم في مصاف من يستطيع أن يفسر كلام الله تعالى أو أحاديث الرسول r وهم متأكدون أنهه خطأ ولكن لا يمكنهم أن يتغلبوا على شياطين الإنس والجن الذين يزينون لهم أن ما يفعلونه صح (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) ليس فقط يحسنون صنعاً في التوقيع وإنما فيما يردون عليك به وهذه الآية تحتاج إلى شغل (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) الكهف) من ضمن أعمالهم أن يجادل فلان ثم يعودون إلى بيوتهم ويفخرون أنهم جادلوا فلاناً وأسكته.
في إحدى المحاضرات طُلب منا من زوجات دبلوماسيين أن نشرح لأزواجهن ضرورة الحجاب وقلنا لهم أن هذا منهج في القرآن وليس موروثاً بدوياً أو شعبياً والآيات في القرآن واضحة وحتى نساء النصارى واليهود يرتدون ما يشبه الحجاب وأنا أدعو الناس لمراجعة أنفسهم بأن يسلِّموا للحق وللأسف بعض الدبلوماسيين قالوا أن هذا بروتوكول وهذا لن ينفع في الآخرة. الآية واضحة وصاغها الله تعالى بطريقة سؤال وليس تقرير لأن المسلم يعلم وعادة إذا أردت أن يعترف أحد بخطئه تقول له هلى تريدني أن أقول ماذا فعلتَ؟ الصيغة في السؤال تبين أن الحلال بيّن وأن الحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات فالذي يريد أن يستبرئ لدينه وعرضه عليه أن يتقي الشبهات لكن للأسف نحن لا نتقي الشبهات ولكن نجادل فيها. (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ (29) الروم) لم يتبعوا دينهم أو عقيدتهم وإنما اتبعوا أهواءهم وللأسف اتبعوها بغير علم, والسؤال بطريقة تقريرية بديعة (فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (29) الروم) من يهديه إلا الله تعالى؟ يجب أن نعود إلى الحق في نقاط كثيرة مثل الربا وفوائد البنوك لأننا لا نضمن حياتنا فاليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل فعلينا أن نعود إلى الحق في نقطتين التدخين والحجاب. التدخين يفسد جسم الإنسان بالكامل وفي محاضرة لي في جامعة المنصورة وضعوا ملصقاً يبين آثار التدخين على كل أعضاء الجسم والذي عملها أناس غير مسلمين ويقرون أن التدخين مضر فقام الدكتور محمد شابوري بترجمتها وعرضها. في مصر يقومون حالياً بحملة لمكافحة التدخين وأسسنا جمعية خيرية غير ربحية "حياة بلا تدخين" لكن علينا أن نفعّل هذه الحملات ونوقف الشركات المحلية التي تصنع السجائر. القضية أن مثل هذه الجمعيات يجب أن تتفاعل مع الناس التي تريد أن تعمل وأنا أدعو الجميع للتعاون مع جامعة المنصورة وما يقدمونه من مشاريع لوجه الله تعالى منها مكافحة التدخين والمشروع الخيري بحيث أن الطالب المحدود الدخل يمكن أن يشتري ما يحتاجه بأسعار زهيدة جداً وهناك جديد يومياً لأن هناك خير كثير ونحن نريد مثل هذه المشاريع أن تستمر بدعم أهل الخير. مساعدة هذه المشاريع تدخل تحت قوله تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)).
هل الكبر أحد أهم الأسباب التي تجعل الإنسان أصم وأعمى لما يُذكّر بآيات الله؟
نعم الكبر فرع مهم وهذه العملية الواضحة وهناك المنافق الذي يهتم لما يسمعه فيعتقد المتكلم أنه اقتنع بما يقول لكنه كالمثل الشعبي الذي يسمع من أذن ويخرج من الأذن الأخرى. الآية تتكلم في حق عباد الرحمن لو قلبنا الآية أنهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً يعني خروا بآذان واعية يعني يسمع ويفهم وأعين راعية يرى ويقرأ ويتدبر لأن عندنا في الآية (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ) الآيات يمكن أن تكون آيات كونية أو آيات قرآنية أو آيات كثيرة في الكون (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) آل عمران) بذكرهم لله تبارك وتعالى جعلتهم إذا ذُكِّروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً. القضية أن نفهم الآية على جميع صنوف المجتمع. المنافق في عهد رسول الله rالهداية القائمة آناء الليل وأطراف النهار الرحمة المهداة كانوا يدّعون أنهم فهموا ما قاله الرسول r(وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ (14) البقرة) الذي يشفي الغليل قوله تعالى (اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) البقرة). لم يقل يعمون وإنما يعمهون من العمه الذي هو عمى البصيرة لا البصر فكأنه ينظر ولا يُبصر لأن النظر من العين والبصر من القلب تنظر بعينك وتستوعب بقلبلك بدليل الذي كفّ الله بصره لا ينظر وإنما يُبصر ببصيرة القلب وتجد حاسة السمع لديه أقوى وعادة ما ينتبه لما تقول وهذا من فضل الله تعالى وليثبت لنا أن العملية ليست بكثرة الحواس ولذلك (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) في عباد الرحمن لم يخروا عليها صماً وعمياناً يعني خروا عليها بآذان واعية وأعين واعية والبقاي كلٌ حسب فئته هناك من يسمع ويستوعب ويجادلك وهناك من يدعي أن سمع ولا يفعل وهناك من يقول نحن معك ولكن يعمل عكس ما يقول ولذلك توقيع الآية في سورة البقرة (وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ) أي شياطين؟ إذا نظرنا في الكتاب وليس في القرآن أن أول ذكر للشيطان هو للإنس وليس للجن (وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ) من الإنس زعماء الكفر زعماء النفاق الذين يدبرون لهم فأول استخدام لكلمة شياطين في الكتاب على شياطين الإنس ولذلك شيطان الإنس أخطر من شيطان الجن آلآف المرات.
مسألة أن ينظر الإنسان ولا يبصر مسألة خطيرة جداً فالله تعالى أعطانا نعمة حتى نستخدمها مثل السمع عندما يقول تعالى (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12) الحاقة) ليس مجرد السمع فقط وإنما استيعاب ما تسمع الأذن من معلومات وكذلك البصر. في صلاة الفجر صيفاً أو شتاء هناك رجل كبير في السن لحيته بيضاء كفيف البصر لم يتأخر يوماً عن صلاة الفجر ويذهب مشياً على قدميه بدون سيارة ولم يقل يوماً أني متعب أو مريض أو نائم أو كبير ومرة وجدته قادماً لوحده ويعتمد على سماعه للأذان، هذا نموذج جميل وهناك من يقول العمل عبادة ويمكن أن نصلي الفجر لاحقاً.
قوله تعالى (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) تدل على أن هناك أذن غير واعية فإضافة واعية للأذن تدل على أن هناك أذن غير واعية التي هي لازم معنى (صماً) وهناك أعين لازم معنى (عمياناً) مع أنها تنظر وترى لكنها لا تبصر. نحن اتفقنا أن البصر والسمع في القلب والعين والأذن أدوات لكن في الحقيقة القلب هو أداة أو الوعاء الذي به يعي المسلم ويميز عن غير المسلم الكافر والمشرك والمنافق وللأسف هناك قلوب تزين لأصحابها المعتقد الذي عندهم مثل حكاية التدخين والحجاب وغيرهاوهو نفسه يعلم أن هذا خطأ بدليل أنه يقول لك لا تكلمني في هذا الموضوع أو يقول أنا أعرف أن الموضوع حرام أو أنني مقصر، فالذي لا يعرف معذور لكن ماذا يقول الذي يعرف؟ قال تعالى (سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) الملك) توقيع الآية في توصيف الحق تبارك وتعالى (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء) يعني منهجنا هكذا وتوقيعها أنه في داخل النار يسأل سؤال: ألم يأتكم نذير؟ والإجابة بلى قد جاءنا نذير (بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15) القيامة) هذه المعاذير يلقيها في الدنيا والآخرة بل إني أرى أنها تُلقى في الدنيا لكن في الآخرة (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) الإسراء) كأني بالمعاذير أصلاً تلقى في الدنيا لكن يوم القيامة انتهى الأمر وبنى الإجابة على السؤال المنفي (ألم يأتكم نذير) فلو أجبت بـ نعم يعني لم يأتهم نذير ولو أجبت بـ لا يعني لم يأتهم نذير وإنما أجاب بـ (بلى) (قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا) إجابة السؤال المنفي بالإثبات يعني جاءهم نذير والمولى تعالى قال (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً). عندما نتكلم في مسألة التدخين والحجاب نقول أن الرسول r ما ترك صغيرة ولا كبيرة كما فعل الله تبارك وتعالى في منهجه واليهود حسدونا فقالوا: مال هذا الرجل يعلم أصحابه حتى دخول الخلاء. فليس من المنطق أن الذي يعلمنا دخول الخلاء أن يتركنا في مثل هذه الأمور. فلما القرآن يعطينا المنهج كاملاً من الألف إلى الياء (مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ (38) الأنعام) وضربنا سابقاً مثالاً نعيه بأذن واعية لما الصحابة في مرحلة من مراحل الدعوة كفّت عن سؤال رسول الله r وكان هناك أموراً يجب أن يتعلموها المولى عز وجل ضرب لنا مثالاً من أروع أمثلة التعلم أرسل جبريل u على هيئة رجل شديد بياض الثياب شديد بياض الوجه ليس عليه آثار السفر وغير معروف لهم والحديث له روايات جميلة جداً هناك روايات غير شائعة جميلة جداً سأل الرسول r أسئلة فبعد أن غادر قال الرسول r للصحابة تتبعوه فلم يجدوه فسلوا الرسول r فقال لهم هذا جبريل جاء يعلمكم دينكم. لماذا؟ لأنه كانت هناك فترة لم يسأل الصحابة فكأن الله تعالى يعلمنا أنه طالما الرسول r موجود إسألوا لكن بدون جدال السؤال للتعلم فلما توقفوا عن السؤال في أمور يجب أن يسألوا فيها أرسل الله تعالى جبريل u بشكل رجل يسأل وحتى عمر بن الخطاب قال عجبنا له يسأله ويصدقه والمفروض أن السائل لا يعرف الجواب لكن سؤال جبريل كان ليُسمع الصحابة. أسئلة جبريل u كان تتعلق بدرجات العبودية. وللأسف نجد فتوى أن التدخين حرام ثم يقوم البعض ويقول لا تكلمونا في التدخين أو التدخين ليس حراماً. هذه الفتوى كانت من الجاءة بمكان أن تصدر في الوقت الذي صدرت فيه والمفارقة في أنه عندما صدرت صدر قرار أن تعلق في الدوائر الحكومية فالذي علّقها كان يسمسك السيجارة في يده، ما هذا؟ هذه غيبوبة، خروا عليها صماً وعمياناً. البعض قال أتوقف عن التدخين لما يهديني ربي فهو أقر أن الله لم يهديه فماذا لو قُبض في لحظتها؟! ألقى باللوم على الله تعالى وهو سبحانه لم يخلقك إلا على الفطرة التي فيها شق الهداية فقال (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)) وأنت الذي تخر على آياته صماً وعمياناً. الذي يريد أن ينضم إلى عباد الرحمن يجب أن ترتدي الحجاب ويتوقف عن التدخين ويخرج عن الأنا أنا أرى ولا تكلمني في هذا الموضوع وكل هذا سينطبق عليه حديث رسول الله r إن الحلال بين وإن الحرام بيّن والرسول r قال دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. والبعض يقول إذا السيجارة حرام فنحن نحرقها.
بُثّت الحلقة بتاريخ 26/2/2008م

ميارى 28 - 7 - 2010 06:10 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 70
تقديم علاء بسيوني
لا يوجد أحد منا لم يته في حياته ولو مرة وهو ذاهب لزيارة أحد فوقف ليسأل عن الطريق لكن ما هو الشعور لو لم يجد من يدله على الطريق وهو تائه؟ فما بالنا بمن يطرق علينا الباب يهدينا إلى الطريق المستقيم لكن باختيارنا نرفض أن نسمع فكأننا باختيارنا قررنا أن نكون كما قال تعالى (صماً وعمياناً).
ما زلنا مع الآية الكريمة في سورة الفرقان (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) المشكلة في تطبيق الناس لهذه الآية وأنها تنطبق على كثير من البشر الذي يسمعون ولا يسمعون وينظرون ولا يبصرون.
ربنا تعالى يقول (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) فما دلالة هذه الصياغة اللغوية للآية وهل نلمح فيها معنى النعمة والهبة والعطية أن الله تعالى يرسل لنا من يدلنا على طريق الهداية وهل يمكن أن نعتبر أنه إذا دلّنا أحد على محاضرة أو برنامج أو غيره يكون هذا بحد ذاته فيه عطية وهبة من المولى عز وجل؟
آيات القرآن حمالة لأكثر من وجه في التفسير وذكرنا من حلقتين مسألة (ذكروا) أنها تحتمل معنى أنني قد أكون ناسياً وهناك من ذكّرني وهذا معنى لكن ذُكروا في الحقيقة قد تحمل معنى القدوم الأول للآية معتمدة على الفطرة أو على ما أخذه الله تبارك وتعالى من عهد ونحن في عالم الذر، هذا معنى يجب أن يستقر لا سيما مع عباد الرحمن لأنه لا يمكن أن تقول (وعباد الرحمن) وكل الصفات الطيبة المحمودة ثم يذكر أنهم نسوا لأن كيف ينسون وهم يبيتون لربهم سجداً وقياماً ويمشون على الأرض هوناً ونحن ذكرنا سابقاً أن صفات عباد الرحمن تبدأ معهم من أول النهار والظهر والعصر إلى الليل ووصل بهم الأمر إلى الناس تنام وهم يبيتون لربهم سجداً وقياماً وذكرنا أن عباد الرحمن يبيتون لربهم وهم نيام يعني لم ينسوا لذا (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ) لا تتلاءم مع عباد الرحمن وإنما تتلاءم مع الفئات الثانية: مسلم بالإسم، مع مدّعي إيمان، مع منافق لكنها لا تتلاءم مع عباد الرحمن بمعنى أنهم نسوا فذكروا لكنها تتلاءم معهم في معنى (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) الذاريات) بمعنى كرر أو قُل. في مسجد من المساجد قال لي أحدهم أنا لست كافراً وإنما أنا عاصي وفاسق، ظنّ هذا الرجل أنه يفعل شيئاً جيداً ونسي قوله (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ (7) الحجرات) كأنه يريد أن يخرج نفسه من مسألة الكفر لأنه للأسف ترسخ في العقيدة عند المسلمين أن الكافر فقط هو الذي يدخل النار. مشكلتنا أننا لا نفهم معنى العقيدة وقليل من يتكلم في موضوع العقيدة. العقيدة هي أنك تبني على أساس، في مسألة البدعة لا أحد ينظر لها على أنها إتهام للرسول r أنه مقصّر وسبق أن قمنا باستفتاء في ندوة ما معنى "من سنّ في الإسلام سنة حسنة" فكان الجواب أنه من يأتي بجديد لكن غاب عنهم أنه من أتى بجديد فقد أتى ببدعة. الحديث يقول " من سن في الاسلام سنة حسنة " الناس فهمت أنه من يعمل مسألة جديدة ولا يعرفون أن كلمة سنّ تحتلف باختلاف إضافتها فالرسول r قال "من سن في الإسلام سنة حسنة" و " من سن في الاسلام سنة سيئة" فمرة أضيفت السُنة إلى كلمة حسنة ومرة إلى كلمة سيئة. وكلمة سُنة تعني الرسول rلا ينفع أن نأتي بسنة لم يعملها الرسول r لكن نحيي سنة غابت عن الأمة ويكون الرسول r قد عملها فهكذا نكون نحيي السُنة هذا في السُنة الحسنة. مثلاً لو جاء أحدهم وقال مستشفى ما ليس لديهم أجهزة متطورة في سيارات الإسعاف فقام رجل من أهل الخير قرر أن يتبرع بهذه الأجهزة وأيام الرسول r لم يكن هناك سيارات إسعاف فهل هذه سنة أو بدعة؟ هذه لا تنطبق على توقيع الحديث. هذا المتبرع لا شك قام بعمل خير على أعلى مستوى وقام بصدقة جارية لكن نحن نشرح معنى الحديث : من سن في الإسلام سنة حسنة" المقصود في الحديث أن نفهم أن كلمة سُنة يعني يجب أن يكون الرسول rقد عملها أو لم ينه عنها أو سمح بها فهذه السُنة الحسنة. توقيعها أن هناك من يحج كل سنة فسمع أن عبد الله بن المبارك كان يحج عاماً ويجاهد عاماً وفي سنة أخرج نفقة الحج للأرامل هذه سنة حسنة فيحيي أحدهم هذه السُنة في عصرنا الآن يكون أحيا سُنة ولم ينشيء بدعة فلو قام بعمل جديد يكون بدعة. :من سنّ: كلمة سنُ تختلف بحسب إضافتها سنُة حسنة تكون تبعاً للرسول r ومن سنّ سنة سيئة تكون محدثة وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. العقيدة عندنا لا تقبل الترتيب بمعنى الشكل التراكمي لبناء العقيدة السليمة. القضية أنه يجب أن تبني بالتلقي التراكمي على أساس سليم وعلى عقيدة صحيحة. لما نتكلم في بدعة منتشرة نسمع نعرة يهودية محض " نحن تعودنا على هذا" وهذه نفس كلمة "هذا ما وجدنا عليه آباءنا" وهذه كلمة قالها اليهود وكفار قريش كأن آباؤم أهم من المولى عز وجل ومن الدين ومن محمد r. ليس في الإسلام أننا تعودنا على هذا وإنما هل فعل الرسل r هذا أم لا؟. الإسلام دين العقل والتعقل والوعي والتلقي ورغم هذا تجد بعض الناس الذين يقولون أنه في الستينات والسبعينات لم يكن هنالك حجاب والأخلاق كانت أفضل وكنا لا نرى الفتيات يعودون إلى البيت بعد منتصف الليل فهل هذه نتيجة عدم وجود خطاب ديني معتدل أو عدم وجود توعية كافية؟ وهل الإسلام كتوديهات إلهية هو حجة على المسلمين أو واقع المسلمين هو الحجة على الإسلام؟
طبعاً الإسلام حجة على الجميع والعيب ليس في الإسلام وإنما في المسلمين والقضية أنه في الخمسينات والستينات كان العيب في الخطاب الديني أما في السبعينات فبدأت تتحسن الأمور بفضل الله سبحانه وتعالى. والسبعينات والثمانينات والتسعينات هو صراع في الخطاب الديني بين القديم والحديث وهذه مشكلة حتى في يومنا هذا عندما نحاول أن نصحح أمراً ما. البعض الذين لم يكن لديهم معلومات كافية عن الدنيا بدأ يخلط ما بين التطرف والتزمت والرجعية وما بين فرائض التي فرضها الله تعالى التي ليس فيها إجتهاد ولا آراء وهذه هي القضية الحقيقية بالنسبة للخطاب الديني وهي عدم كفاية المعلومات عند بعضهم بدليل أن أساتذتنا الكبار وجدنا عندهم هذا الكلام وهم لا يقولونه يعني المتحمل عبء الخطاب الديني في السبعينات والثمانينات بالطريقة التقليدية ونحن عندما بدأنا نشتغل إتهمنا شيوخهم لكننا وجدنا أن شيوخهم لديهم العلم الصحيح إذن العيب في المعلومات القليلة التي كانت عندهم بدليل الشيخ الشعراوي تلميذ الشيخ عبد الجليل عيسى وهو الذي لفت نظرنا للشيخ عبد الجليل الذي مات وعمره مائة وخمس سنوات والشيخ عبد الجليل كان أستاذ الشيخ الشعراوي والشيخ عبد الحليم محمود ووجدت عنده كنوز لا يقولها إلا شيخين أو ثلاثة وهم الخاصة من تلامذة الشيخ بدليل الشيخ الشعراوي لما ظهر هوجِم كثيراً لأنه كان يقول الصحيح وهم يردون عليه بأنهم لو يتعلموا هذا وقالوا هذا ما وجدنا عليه آباءنا. الذي يناقش يجب أن يسلِّم ويدرس الرأيين ويخاف على نفسه لأنه يوم القيامة لن يدافه عنه أحد ولن يُسأل في القبر من شيخك؟ ولكن تُسأل من ربك؟ ما دينك؟ سمعت مرة خطبة في مسجد يستعرضون فيها الفتاوى المتناقضة وأحدهم أخذ الرأي الضعيف فقلنا له يا أخي إتقِ الله فالحلال بيّن والحرام بيّن فقال لي: "إلزقها بعالم واطلع سالم" يعني هو يعلم أن هذا العالم مخطيء لكن حجته أن ينسبها لهذا العالم وغاب أنه أن الذي سيحاسبه يووم القيامة هو الله سبحانه وتعالى الذي يقول لنا في القرآن (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) الإسراء) هل سمعنا عن ممتحِن يعطي الطالب أسئلة الامتحانات؟ ماذا يفعل الطالب لو حصل هذا؟! الله تعالى من اليوم يقول لنا (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) الإسراء) أنت الذي تقرأه وإما أن تذهب إلى الجنة وإما إلى النار. ماذا نحتاج أكثر من هذا حتى نعي ونفهم؟! عمر ابن الخطاب قال: اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل، يعني إذا كنت تعتقد أنك ستفعل شيئاً يوم الحساب فأنت مخطيء لذا علينا أن نحاسب أنفسنا يوماً بيوم حتى لا نأتي يوم القيامة ونحن غير قادرين على أن نعمل شيئاً. هذا الرجل في الخطبة لا يقول لنا أن كلامنا خطأ وكلامه صحيح لكنه يقول أنه يختار الذي يسأله لأنه يعطيه الإجابة التي يريدها وهو يتخيل أنه يوم القيامة لن يحاسب على هذا.
(وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ) إذا تحتمل أكثر من رأي لغوي: إذا الشرطية وإذا بمعنى حين يعني لما يُذكَّروا بحيث تختلف باختلاف تلقي المتذكِّر أو المذكّر. فلان يقول هناك درس في المسجد الفلاني والكل ذهب لكن درجة استيعاب الحاضرين يختلف باختلاف سبب حضور المحاضرة والحاجة وطريقة التلقي وطريقة المناقشة والبعض للأسف يذهب فقط للمجادلة والنقاش لا للعلم ويناقشون من منطلق خالِف تُعرف، فكيف نتصور أن يتلقى هذا الإنسان؟ هو لا يريد أن يسمع وإنما يريد المناقشة فقط يعني أقفل على وسائل الوعي. إذن (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ) هي مع عباد الرحمن يعني كلما ذُكِّروا ومع غير عباد الرحمن تكون بمقلوب المعنى وقلنا أن النفي ليس للخرور وإنما للوسيلة يعني خروا سجداً وبكياً في حق عباد الرحمن وصماً وعمياناً مع غير عباد الرحمن.
ما دلالة قوله تعالى (بآيات ربهم) ولم يقل مثلاً بآيات الله؟ الفرق بين الله والرب فالرب تأتي في كل مسائل الربوبية المتعلقة بالعطاء وبالتربية والذي يعطيك وسيلة لحياتك لمعيشتك لدنياك التي تأخذ منها لأخراك وعلي ابن أبي طالب قال خذوا من ممركم لمقركم فالدنيا ممر والآخرة مقر. ماذا نأخذ من مقرنا؟ كل إنسان يأخذ مهما كان حاله فقيراً أو غنياً سنجد في الجنة أناس كانوا فقراء جداً وأناس كانوا أغنياء جداً وآخرين كانوا متوسطين وستجد من كل فئة بدليل أنه تعالى عمل حسابنا حتى مع السابقين فقال تعالى (ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ (14) القارعة). نحن نطمع في الفردوس الأعلى لكن أقل الجنة جنة فعلينا أن نطمع بها ونحن كلنا مقصرون. القرآن لما وقّع قال (فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) الفجر) لم يعمل وإنما قال رب أكرمن (وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) الفجر) لازم معنى الآية الأولى أنه طالما أكرمنا الله فلن يحاسبنا والآية الثانية لازم معناها أنه مادام أهانني فعلى ماذا يحاسبني؟ لكن الله تعالى رد على الإثنين فقال: كلا، و(كلا) كلمة زجر وردع فلا الكلام الأول صحيح ولا الثاني صحيح لأنه لا الغنى دليل الإكرام ولا الفقر دليل الإهانة إنما حل القضية من القرآن في القرآن (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (13) الحجرات) (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى (197) البقرة) وهذا هو صندوق العمل الذي نملأه في ممرنا إلى مقرنا.
رب العالمين يصف حالة الصمم والعمى أن فيها كبر وتمسك وكما أن هناك عباد الرحمن من لا يتمالك نفسه فيخر سجداً وقياماً عندما يسمع كلام الله أو يرى آياته هناك من لا يريد أن يسمع أو يرى طريق النور ولا أن يفكر. هذه الآية يجب أن نأخذ لازم معناها (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) هذه في حق عباد الرحمن يعني غير عباد الرحمن إذا ذكروا بآيات ربهم خروا عليها صماً وعمياناً فلازم المعنى أنه أقفل وسائل الاستيعاب والتلقي والوعي لأنه لا يريد أن يغير الذي هو عليه وليس هذا فقط لكن حتى التجربة لن تنفعه فهو لا يسمع فقط ويأخذ وينتقي من الفتاوى ما يعجبه ولكن التجربة العملية لا تنفعه والرسول r يضرب لنا مثالاً بثلاثة أقرع وأبرص وأعمى، أقرع مرض يصيب الرأس ويقع الشعر (وهناك خلط بين الأصلع والأقرع) والأبرص هو تغيير لون الجلد،
نص الحديث: حدثنا شيبان بن فروخ. حدثنا همام. حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة. حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة؛ أن أبا هريرة حدثه؛ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول "إن ثلاثة في بني إسرائيل. أبرص وأقرع وأعمى. فأراد الله أن يبتليهم. فبعث إليهم ملكا. فأتى الأبرص فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن وجلد حسن ويذهب عني الذي قد قذرني الناس. قال فمسحه فذهب عنه قذره. وأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الإبل (أو قال البقر. شك إسحاق) - إلا أن الأبرص أو الأقرع قال أحدهما: الإبل. وقال الآخر البقر - قال فأعطى ناقة عشراء. فقال: بارك الله لك فيها. قال فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن ويذهب عني هذا الذي قذرني الناس. قال فمسحه فذهب عنه. وأعطي شعرا حسنا. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: البقر. فأعطي بقرة حاملا. فقال: بارك الله لك فيها. قال فأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إلي بصري فأبصر به الناس. قال فمسحه فرد الله إليه بصره. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم. فأعطي شاة والدا. فأنتج هذان وولد هذا. قال: فكان لهذا واد من الإبل. ولهذا واد من البقر. ولهذا واد من الغنم. قال ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته فقال: رجل مسكين. قد انقطعت بي الحبال في سفري. فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك. أسألك، بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال، بعيرا أتبلغ عليه في سفري. فقال: الحقوق كثيرة. فقال له: كأني أعرفك. ألم تكن أبرص يقذرك الناس؟ فقيرا فأعطاك الله؟ فقال: إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر. فقال: إن كنت كاذبا، فصيرك الله إلى ما كنت. قال وأتى الأقرع في صورته فقال له مثل ما قال لهذا. ورد عليه مثل ما رد على هذا. فقال: إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت. قال وأتى الأعمى في صورته وهيئته فقال: رجل مسكين وابن سبيل. انقطعت بي الحبال في سفري. فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك. أسألك، بالذي رد عليك بصرك، شاة أتبلغ بها في سفري. فقال: قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري. فخذ ما شئت. ودع ما شئت. فوالله! لا أجهدك اليوم شيئا أخذته لله. فقال: أمسك مالك. فإنما ابتليتم. فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك".
الشاهد في الحديث أن نسبة الصالح هي الثلث وصدق قوله تعالى (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) سبأ) هؤلاء الثلاثة في الحديث يمثلون أصناف البشر وثلثهم فقط الجيد ولهذا أهل الجنة قليل والرسول r ضرب لنا هذا الحديث كمثال والثلث فقط هو الذي اعترف بفضل الله تعالى عليك فليس شرطاً أن تكون أعمى ويمن الله تعالى عليك برد بصرك لكن قد تكون في نعمة ما ومع هذا تخر على آيات ربك صماً وعمياناً. يمكن أن نطبق هذه الآيات في مجال التجاة والسوق واحتكار السلع وإرتفاع الأسعار. هناك تاجر اتصل بي ليسألني كم ينبغي أن يكون ربحي؟ هذا دليل أن هنالك خير لكن للأسف ليس هناك من يذكِّر وابتعدنا عن ما طلبه الله تعالى منا في سورة العصر (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) حتى ترجع الحق أو تقف عليه تحتاج إلى صبر، قد تأخذ مبلغاً ليس من حقك فالحاجة تدفعك أن توافق مع أنه غير حق لكن لو صبرت لن تأخذه فالصبر يعينك على أن لا تأخذ الحرام. الصبر عند الحكيم أن الصبر يبدأ حيث ينتهي ليس له حدود قد يصبر الرجل شهوراً وفي اليوم الذي سيفرج فيه عليه يقول أنا صبرت كثيراً فكأنه ضيّع كل الصبر الذي صبره خلال شهور. الصبر يبدأ حيث ينتهي يعني المفروض كلما تجد أنك لم تعد تحتمل إجتهد لتصبر أكثر. ومن النادر من يقول أنا سأعمل الأمر الفلاني والكل يسمعه ولا يقول له أحد أن هذا حرام ولا نتواصى بالصبر ولا بالحق (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)) الناس للأسف تخاف من الناس وخاصة أصحاب المناصب ولا يعلمون أن الرزق عند الله تعالى لا يمكن لأحد أن يقطعه (وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) الذاريات) كل هذا الذي يحصل في عصرنا هو ابتلاءات. موظف عادي يخاف أن يتكلم عندما يرى أمراً خطأ من رشوة أو ظلم أو غيره. إذا كنت تريد أن تكون من عباد الرحمن إذا ذُكِّرت بآيات ربك تُقبل عليها بآذان واعية وأعين راعية بتلقي صحيح. الناس تشتكي من تضارب الفتاوى لكن نقول لهم أن هذا أمر طبيعي وإلا لا يكون هناك أكثر من مذهب فقهي لكن بشرط أن يكون من أهل اجتهاد مسموح لهم في الفتوى والإمام مالك تعارض كثيراً مع الشافعي وإبن حنبل وأبو حنيفة وهنا ينطبق الحديث إستفت قلبك لأنهم جميعاً أهل فتوى لكن لا أقول أنا سأعطل هذه الفتاوي وأعمل مفتي لنفسي وهذه نسمعها من كثيرين، والله تعالى قال لنا (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (43) النحل). كيف أستفتي قلبي؟ إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن وعندما تصدر فتوى ما تظهر حيثياتها فإذا كان الذي أطلقها من أهل الذكر نأخذ الرأي الذي نراه يصلح ديننا قبل دنيانا وليس المعنى أن آخذ الفتوى التي تريحني أنا والناس حمّلت حديث الرسول r أنه ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما" حمّلوه على معنى أنه يختار السهل لكن كلمة أيسر تختلف تماماً فالأيسر قد تكون فيه مشقة أكبر لكنه أيسر إلى الجنة وأيسر إلى إقامة الدين وأيسر إلى إقامة الحجة فالأحاديث حمالة أوجه ونحن للأسف نأخذ ما يناسب هوانا. إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن والرسول r قال دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.
ما دلالة تقديم السمع على البصر؟
بُثّت الحلقة بتاريخ 4/3/2008م

ميارى 28 - 7 - 2010 06:11 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 71
تقديم علاء بسيوني
مشكلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشكلة كبيرة وخصوصاً في العصر الذي نعيش فيه هناك من يمل بسرعة أو من يقول كيف أصلح الكون والمشاكل كثيرة واتسعت الرقعة فتملّ الناس من الإصلاح وخاصة أنها اعتادت أن ترى كثيراً من السبيات والمنكرات التي تغضب الله سبحانه وتعالى حتى أن كلمة (عيب) لم تعد متداولة وهناك بعض الناس من الذين ما زالوا متمسكين بالإصلاح يسمعون كلاماً مثل هل أنت الذي ستصلح الكون؟ وما لك أنت؟ وهناك من يغذي هذا الأمر ويعطون أمثالاً اجتماعية هي في حقيقتها تتعارض مع صحيح الدين والعقيدة. مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس نوعاً من الكماليات أو الترف وإنما هو من الأساسيات الموصى عليها في القرآن الكريم لعباد الرحمن حقاً وهي ليست مسألة يمكن لنا أن نأخذها أو نتركها.
نكمل أهمية هذا الأمر في المجتمع ونتكلم عن التدبر في آيات سورة الفرقان وصفات عباد الرحمن.
ونحن نتدبر آيات الله كنا قد توقفنا في الحلقة السابقة عند مسألة تقديم السمع على البصر في قوله تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)) فهل من ضمن أسباب هذا التقديم أن الإنسان عندما ينام تنام العين ولا تنام الأذن بدليل أننا نعد المنبه فنسمعه ونصحو لكن العين لا ترى شيئاً وهي نائمة؟ وهل هناك أسباب أخرى لتقديم السمع على البصر في هذه الآية؟
هذا أحد أسباب تقديم السمع على البصر في كل آيات القرآن ويأتي السمع مفرداً ويأتي البصر جمعاً (الأبصار) لأن هذه المسألة تتعلق بالمراد أو لازم معنى الآية. هذه الآية أخذناها من أكثر من زاوية لنصل مع المشاهدين إلى حقيقة الفهم الذي يجب أن يكون في كتاب الله سبحانه وتعالى. القرآن هو المعجزة التي أرسلها الله تبارك وتعالى على رسول الله، لكل نبي رسالة والرسالة تتضمن الكتاب ثم معجزة لهذا الرسول أمام من بُعث فيهم والرسول r معجزته هو الكتاب والمعجزة أكبر من تصور كل من يتعرض لهذا الكتاب باستثناء الرسول r. المعجزة أكبر من أن نحيط بها وهذه الآية التي بين أيدينا من فضل الله تعالى تحمل هذا المعنى (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا). عندنا أكثر من نقطة في هذه الآية ويمكن أن نعرضها اليوم سبق وأجبنا عن دلالة استخدام (إذا) في الآية من حيث كنه الشرط، إذا ذكروا إحتمال أن يذكروا وإحتمال لا وهذا المعنى مهم جداً على الاتجاهين الذين تحملهما الآية في توصيف عباد الرحمن وفي غير عباد الرحمن ونضع الآية مرة في حق عباد الرحمن ومرة في حق غيرهم، لما نسمع الآية نفهم أن عباد الرحمن إذا ذكروا بآيات ربهم استوعبوها وإذا لم يُذكّروا هم سائرون على نفس الطريق أما غير عباد الرحمن (الصفة هنا منفية عن عباد الرحمن إذن تتعلق بأناس غير عباد الرحمن) هؤلاء غير عباد الرحمن إذا ذُكروا ادّعوا وتظاهروا أنهم يوافقون وإذا لم يُذكروا يسرون على الطريق الذين اتخذوه. إذن (إذا) لها توصيف غير الشرط وهذه النقطة التي نريد أن ننبه إليها طلاب اللغة أنهم عندما يتناولون الآيات يحب أن لا يتوقفوا عند توصيف أحد العلماء للكلمة فمثلاً المعروف عندما نسأل أي طالب عن (إذا) بعضهم يقولون هي أداة شرط والبعض يقولون هي ظرف وتستخدم للزمن المستقبل والجوهري كان له رأي غريب جداً أنها إسم فقال أن المسألة ليس بتوصيف اللفظ وإنما باستخدامه وقال أن (إذا) إسم وينطبق عليها بعض توصيفات الإسم وتعريفاته إنما في الحقيقة عندما نتدبر الآية عدة مرات (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) نجد أن (إذا) لها معنى مبدع أنها في عباد الرحمن تحمل معنى (كلما) يعني أنه لم يحدث أبداً أنهم ذُكِروا بآيات ربهم فخروا عليها صماً وعمياناً هذا المعنى بعيداً عن الظرفية وتفيد بحقهم معنى الاستمرارية بمعنى عندما أو كلما، إذن (إذا) ظرف للزمن المستقبل والأهم أنها تحمل معنى (كلما) لتعطي وصف عباد الرحمن وتميزهم عن غير عباد الرحمن.
آيات ربهم: قلنا أن الكتاب معجزة الرسول r وموسى u كان لديه تسع معجزات وكذلك عيسى u كان له أكثر من معجزة وسبق أن ذكرنا أن معجزة كل تناسب العصر الذي هو فيه وطبيعة الناس وكذلك الكتاب لكن نسأل طبيعة الناس في عصر البعثة كطبيعة الناس في عصرنا الحالي من حيث المستوى اللغوي؟ بالطبع لا لأن مستوى فهمنا للغتنا العربية الآن ضعيف جداً إذا ما قورن بالناس في عصر البعثة حتى أننا ما عدنا نتكلم اللغة العربية الصحيحة وإنما نتكلم اللغة العامية، حتى التلقي اللغوي عندنا ضعيف بحيث صارت عبئاً وحتى طلابنا يقولون أن النحو والصرف صعب والمشاهدين يتذكرون أحياناً من عبء اللغة عندا ندخل في موضوع اللغة في القرآن.
ما معنى كلمة (آيات) في الآية؟ الآية إما أن تكون آيات كونية (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) البقرة) وإما آية قرآنية المفصولة بفواصل السور والآية المعجزة إذن سيبقى الإعجاز في القرآن سهلاً جداً بالنسبة لعباد الرحمن الذين يُحسنون التلقي والذين إذا ذكروا بآيات ربهم سواء كانت كونية أو لغوية أو إعجازية قرآنية لا يعترضون لأنهم فهموا كعباد الرحمن أنها تُفهم هكذا وهذه هي رصيده وفخره فلا يقول لآيات ربه دع هذه الآية أو تلك. نحن عندنا منهجين في الدعوة أحدهما ينزل إلى مستوى الناس المطلوب والثاني ينزل إلى مستوى الناس ويصعد بهم. هناك آيات في القرآن إذا لم نتحدث في لغتها ومعناها وتوصيفها ولازم معناها وتوقيعها لا نفهمها والفهم المتعرف عيله له لا يؤدي المعنى أبداً. نحن تكلمنا عن مسألة الخرور في حلقات وقلنا أن الخرور مرتبط السجود عند كل الناس كما في وردت في كل القرآن لكن لما ذكر كلمة الخرور مع صماً وعمياناً خرج من معنى السجود ولو أزلنا النفي من الآية يكون خروا صماً وعمياناً يعني ليس له علاقة بالسجود والمولى سبحانه تعالى وصّف لنا حالة غير حالة السجود.
وصف الله تعالى لنا حالة مقابلة لحالة عباد الرحمن الذي كلما ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليهم صماً وعمياناً وهي حالة من إذا ذكروا بآيات ربهم خروا عليها صماً وعمياناً. مسألة الخرور هي السجود عندما نسمع آيات الله تعالى أو نرى آية معجزة تأتينا حالة وجدانية ونهب ساجدين باندفاع وشوق. القضية في الخرور أنه في القرآن كله كان له معنى السجود مثل قوله (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ (26) النحل) بلا انتظام وبلا ترتيب إلا في هذه الآية (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) لما قال صماً وعمياناً أخرجنا من حالة السجود في حق غير عباد الرحمن أما عباد الرحمن فيخروا واعين مبصرين ساجدين إذا ذكروا بآيات ربهم لكن الذين خروا صماً وعمياناً لن يسجدوا لا بالمعنى ولا بلازم المعنى أي لن يخشعوا لأن السجود بالمعنى اللغوي هو إما طريقة السجود كما في الصلاة أو الخضوع لمنهج الله، إذن هذه الآية (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) نفهمها بلازم المعنى أو بالمراد يعني عباد الرحمن إذا ذكروا بآيات ربهم خروا عليها بآذان واعية وأعين واعية ساجدين خاشعين وبالمقابل غير عباد الرحمن لا ينفع أن نقول ساجدين صماً وعمياناً إذن الخرور في حقهم بمعنى الإقبال أي أقبلوا عليها بآذن صماء وأعين عمياء يعني لم يستفيدوا. إقبال عباد الرحمن وإقبال غير عباد الرحمن فعباد الرحمن منذ بداية التوصيف (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا (63)) حالتهم ثابتة إلى نهاية توصيفهم (أولئك) و(إذا) في حقهم تأتي بمعنى كلما أو عندما وهم على صراط مستقيم لا يقوى عليه غير عباد الرحمن. إذا أخذنا الخرور بالمعنى اللغوي الثابت أي السجود عباد الرحمن يسجدون لله تعالى وغير عباد الرحمن يسجدون للشيطان ومنهجه ولذها في القرآن يذكر لنا فريقين دائماً فريق في الجنة وفريق في السعير، يوم تبيض وجوه ويوم تسود وجوه إما أن تكون من عباد الرحمن أو من عباد الشيطان.
الناس دائماً تقول لو أراد الله تعالى لهداني والمسألة أن أمنية كل واحد منا الملتزم وغير الملتزم أن الخاتمة فيها خير. نضرب مثالاً أحدهم أراد أن يموت ميتة عمر ابن الخطاب الذي مات ساجداً والشيخ عبد الحميد كشك كان يعلمنا هذا (وليس بالتحديد أن يكون السجود هو سجود الصلاة لكن بلازم المعنى والمراد وهو أن يكون خاشعاً خاضعاً مجاهداً في سبيل الله) تموت في سبيل الله والذي يموت في سبيل الله يكون حياً يُرزق عند الله سبحانه وتعالى بلازم معنى الحياة، ألا يجب على الذي يتمنى هذه الميتة أن يعمل ما يؤدي لها؟ فالذي يتمنى أن يموت في المسجد كميتة عمر ابن الخطاب وهو لا يذهب إلى المسجد أصلاً فكيف يحصل على هذه الميتة؟! إياك أن تظن أنه يمكن أن تطلب شيئاً وتسلك طريقاً آخر لأن الجهة ستكون منفكة. من الأخطاء الشائعة أن الناس تخلط بين التسيير والتخيير والبعض يعتقد أنه يمكن أن يجلس في بيته لا يعمل شيئاً ويدعو الله بحسن الخاتمة هذا مستحيل والرسول rفي الحديث - إن صحّ لأن فيه مشكلة في السند - عندما سُئل عن قوم لا يعملوا ويحسنون الظن قال كذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل. إذن حتى تقول يا رب يجب أن تعمل. مثال آخر طالب ملتزم ويؤدي الفروض في المسجد والنوافل ويصوم ودخل الكلية فأخذ الكتب ووضعها في الخزانة وقال يا رب نجحني في كل صلاة فكيف ينجح هذا الطالب؟ هذه نقيسها على مقلوب المعنى الذي قلناه أنت لم تعمل إذن يكون متن الحديث سليماً لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل وعلي ابن أبي طالب قال: من عرف الله خافه، أنت تقول يا رب وأنت لا تخافه إذن كلمة يا رب عندك منفكة الجهة. الرب يستجيب (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ (186) البقرة) إذا دعاني على الوجه الذي يتسق بين الدعاء والعمل لأن الآية تقول دعوة الداعي يعني هو يدعو و(إذا) هنا ظرفية تحتمل معنى الشرط ولازم معنى آخر وهو أن يتسق الدعاء بين القول والمسلك يعني أدعو الله وأن آخذ بالأسباب وليس هذا فقط عمل وإنما أعمل بإيمان وعقيدة سليمة وحت لو لم أدعو في هذه الحالة يستجيب الله تعالى.
نحن نريد أن نُخرج الناس الذين إذا ذكروا بآيات ربهم يخرون صماً وعمياناً إلى دائرة عباد الرحمن، من ضمن مسالك الشيطان مسألة الوقوع تحت فكرة أن الله غفور رحيم فقط، هناك حالة إنفصام في شخصية بعض الناس الذين تجدهم يعملون للكمال في كل أمور حياتهم الدنيوية من عمله وأو شراء سيارة أو بيت ويحسن العمل ويتقنه في كل شيء إلا في مسألة الدين لا يُحسن العمل والتقوى لأنه في نظره الله تعالى غفور رحيم فما سبب حالة الإنفصام هذه؟
الفصام للأسف موجود حتى في الأمور الدنيوية والأمر يختلف من حيث الحقوق والواجبات فالشخص مثلاً يريد الإتقان من غيره في أمر يريده هو وهو يتخلى عن هذا الإتقان إذا كان الموضوع يتعلق بغيره. الفصام إذن موجود بين الدنيا والآخرة من ناحية وبين الحقوق والواجبات من ناحية أخرى ولولا هذا الفصام لما جاءت الواو في قوله الله تعالى (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) وهذا يبين أنهم حالة متفردة جداً وحتى تكون معهم أو مثلهم يجب أن تكون (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) (إذا) هذه تحمل الظرفية للزمن المستقبل لكنها تحمل معنى أنهم هم أساساً هكذا حتى يكونوا عباد الرحمن هم ليسوا الآن هكذا وصفات عباد الرحمن كلها جاءت متدرجة لكن مجتمعة.
ينبه المولى تعالى الناس الذين يريدون أن يكونوا من عباد الرحمن أن لا يخروا عند التذكير بآيات الله صماً وعمياناً. هناك آيات في القرآن الكريم والسنة الصحيحة تتحدث عن أهمية التدبر وأهمية القلب والفؤاد في جوهر الإنسان وجوهر العقيدة وفي هذه الآية (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) التركيز فقط على السمع والأبصار فهل لهذا التركيز دلالة معينة؟ وهل هذا يلقي مسؤولية ثقيلة على الإنسان يوم الحساب أنه سيحاسب على هذه الجوارح؟
مسألة اختيار السمع والبصر والتحذير الإلهي في الآية إياك أن تحول نعمة الله عليك في مسألة السمع والبصر أن تجعل نفسك بيدك أنت أصم وأعمى لا تريد سماع آيات الله ومنهجه ولا تريد أن تراها، هذه مشكلة. في سورة الإسراء قوله تعالى (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً (36)) يبين الله تعالى لنا أننا مسؤولون عن هذه النِعَم. (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) هذه متعلقة بالمسؤولية ما علمك بهذا الموضوع؟ والمسؤولية يوم القيامة ليست مسؤولية المتخصص وإنما مسؤولية المتخصص أصعب ونحن نتكلم عن البشر، في العامة لأن كلمة المتخصص أجدهما محتذلقة بعض الشيء فالناس تقول يجب على المتكلم أن يكون متخصصاً، ما كنه التخصص؟ّ مثلاً أصول الدين نفسها فيها مليون تخصص فالتخصص قضية والمسؤولية العامة أمام الله تعالى قضية أخرى لا تحتاج إلى تخصص، يوم القيامة لن يحشر المتخصصون وحدهم لكن مسؤولية المسؤول أصعب من مسؤولية السائل وسؤاله أصعب (يا أيها المفتى تثبت قبل أن تفتي لأنك توقع بالإنابة عن الله ورسوله) ولا يجوز أن يفتي لأنه رأى كذا أو اجتهدت كذا لأن الرسول r إن الحلال بين وإن الحرام بيّن. القضية في (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) هذه ليست للمتخصصين وإنما للعامة أنك عندك حدود وأنت تعملها في الدنيا، أحدهم يقول عيني متعبة وآخر يقول له ضع قطرة كذا فيقول دعنا نأتي بطبيب متخصص وفيقول له الطبيب لو وضعت القطرة لساءت حالتك هذه مسألة أنت تعملها في الحياة الفانية أما في الدين والمنهج نجد كل الناس تفتي على هواها. (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) نفهم أن السمع نعمة والبصر نعمة والفؤاد نعمة (الفؤاد لولاه ما كان القلب وهو الذي يحتوي القلب) كل هذه سنُسأل عنه. أسأل سؤالاً الذي وُلِد وهو لا يسمع أو لا يرى يدخل تحت هذه الآية أو لا يدخل؟ النسا الذين لا يسمعون ملتزم بالمنهج أو لا؟ الله تعالى لم يستثنه في الآية لأن الوعي شرط التكليف. في المحلّة الكبرى هناك رجل يحضر المحاضرات ويجلس في الصف الأول وهو لا يسمع لكنه يقرأ شفاه المتكلم ومن خلال حركة الشفاه صار يفهم فالوعي ليس له علاقة بمطلق السمع. فإذا هذا الرجل عمل هكذا هذا سيكون حجة على الذين يسمعون وليس عندهم وعي. والكفيف الذي يذهب فجراً إلى المسجد يومياً حتى لو لم يجد من يساعده حجة على المبصرين الذين لا يذهبون لصلاة الفجر في المسجد. لو أردت أن تفعل شيئاً يمكنك أن تعملها وإن لم يكن لديك وسائل فإن كان لك وسائل إياك أن تهدر نِعَم الله تعالى عليك في التلقي لذلك قال تعالى سورة الإسراء (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) وفي سورة الفرقان (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) لازم معنى السمع والبصر وهم ليسوا صماً ولا عمياناً لكنهم عطلوا النعم التي أعطاهم الله تعالى بأيديهم لم يعطلوها كأداة وإنما عطلوا فائدتها أنه استخدمها في غير مرضاة الله سمع بها حراماً وأبصر بها حراماً فكأنها غير منتجة بالنسبة للحلال مثل الرجل الذي يشرب الخمر ويتباهى ويقول ما عدت أسكر هذا تبلد أو مات هذه ليست ميزة كما يراها وإنما خيبة. البعض يشرب كأساً من الخمر وعندما تنصحه يقول لك هلى سيترك الله الخلق جميعاً ويحاسبني على هذا الكأس؟ الله تعالى سيحاسبنا على كل شيء، أحدهم قال لعلي ابن أبي طالب كيف يحاسب الله تعالى الخلائق في آن واحد؟ فأجاب علي ابن أبي طالب كما يرزقهم في آن واحد فهو تعالى يرزقهم في آن واحد بقدرته ويحاسبهم في آن واحد بقدرته. قدرة الله تبارك وتعالى بلا حدود الذي يسأل مثل هذا السؤال العقيدة عنده فاسدة فيقول هذا الكلام والذي عقيدته سليمة لا يمكن أن يسأل هذا السؤال. ويمكن أن نأخذ هذا الإنسان مثالاً على من عطّل نعمة السمع والبصر ممن إذا ذكروا بآيات ربهم خروا عليها صماً وعمياناً. لو قرأ هذا الإنسان القرآن وذُكر بها لم يخر عليها صماً وعمياناً ولوجد إجابة عن كل أسئلته من القرآن الكريم (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) الذاريات) اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل.
دلالة تقديم السمع على البصر: انت تراني فعندما أتكلم تسمعني لكن إذا كان هناك من لا يراني لن يلتفت لي إلا إذا أصدرت صوتاً فالسمع يلفتك لكي تنظر. السمع دائماً يوجه البصر، الحاضر للواقعة يراها لكن البعيد الصوت ينبهه لها وإذا لم يكن حاضراً يخبره أحدهم فيسمعها، النظر لا يأتي إلا بعد لفتة بالسمع. الأصم أصعب في التلقي من الكفيف لأن الكفيف يسمعك أما الأصم فيجب أن يحصل على المعلومات عن طريق لغة الإشارة أو مكتوب بلغة بريل يعني صماً أصعب من عمياناً وحتى لغة الإشارة لن تكون دقيقة جداً مثل الترجمة هذه نعمة كبيرة أننا نفهم اللغة العربية التي نزل بها القرآن لكن من يضمن الترجمة لأنه لا يوجد في اللغات الأجنبية ما يناسب معنى ولازم معنى القرآن والمراد واستيعاب الغربي لمعاني القرآن مختلف عن استيعاب العربي للغة العربية. فيجب على من لديه نعمة أن يستخدمها قبل أن تزول وهو على قيد الحياة لأن بعض النعم تزول عند الكِبر. من أهم أدعية الرسول r : اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبداً ما أحييتنا واجعله الوارث منا" وهذا الدعاء سنشرحه في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى. الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
بُثّت الحلقة بتاريخ 11/3/2008م

ميارى 28 - 7 - 2010 06:12 PM

التوبة والإستغفار 72
تقديم علاء بسيوني
النعم التي أنعمها الله تعالى علينا كثيرة جداً والناس تتصور أن كل علاقته بالنعمة أن يشكر وينسى الكثيرون أن هناك مسؤولية واقعة عليهم كبني آدم في تلقي هذه النعم ونعطي مثالاً أنه لما نبهنا الرسول r أن نعمة المال سنحاسب عليها مرتين: من أين جئت بالمال؟ وكيف أنفقته؟ هل حصلت عليه من حلال أو من حرام؟ وهل أنفقته في حلال أو في حرام؟ وهذا يؤصل لكل النعم التي أنعمها الله تعالى علينا فالموضوع ليس فقط مسألة شكر على النعمة وإنما مسؤولية النعمة وهذا ما سنقف عنده في هذه الحلقة لنتدبر مفهومه حتى نخرج بآلية جديدة تساعدنا على أن نكون جميعاً من عباد الرحمن بإذن الله تعالى.
المسوؤلية ثقيلة وهي لست مجرد كلمات تقال فقط ونتذكر الآيات التي تتحدث عن بعض البشر الذين سيتساءلون كأنهم لم يسمعوا هذا الكلام من قبل (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) الكهف) وهذه نفس الآية التي تعلموها في الدنيا أنهم سيقولونه وقرأوا هذه الآية مراراً لكنهم لم يعوا مسؤولية هذه الآية وأنهم سيُسألون عن كل كبيرة وصغيرة. نتكلم عن مفهوم المسؤولية المرتبطة بمفهوم النعمة ونتابع حديث رسول الله rودعائه المأثور:" اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبداً ما أحييتنا واجعله الوارث منا".
في حديث رسول الله r وقفات ونحن نتكلم عن المسوؤلية التي تشكل عبئاً على النفس وثقلاً والرسول r يقول" اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا" يعني كأني برسول الله r يعلمنا أن نفهم أن النعمة متعة وهذه لا نشعر بها إلا إذا فقدنا هذه النعمة مثل ضعف السمع أو البصر أو القلب وهناك نقطة مهمة أن القلب كعضو عامل في الجسم كمحرك يضخ الدم غير معنى القلب الذي يتكلم عنه القرآن وغير الفؤاد والمعنى اللغوي لكلمة قلب التي سميت باللب أو الحجر الذي هو العقل الذي محله القلب. حديث الرسول r: "اللهم متعنا بأسماعنا" فالسمع متعة أنني أسمع ثم أستوعب ثم أقارن ثم أناقش ثم يستقر في قلبي عقيدة أن الله واحد لا شريك له لا ولد له ولا صاحبة. الحديث " اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبداً ما أحييتنا" هذه الثلاثة هي الموجودة في الآية (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً (36) الإسراء) السمع والبصر والفؤاد، القوة جاءت من قوة البدن من هذا العضو العامل القلب الذي يضخ الدم (وسنشرح في حلقات قادمة الفرق بين القلب كعضو عامل والقلب في معناه اللغوي في القرآن). "متعنا بأسماعنا" لما نذكر آية سورة الإسراء وآية سورة الفرقان التي نتدبرها (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) صماً وهم عندهم آذان، عمياً وعندهم أعين، عندهم سمع لكن لم يتمتعوا به وعندهم بصر ولم تمتعوا به وعندهم قلب لم يتمتعوا به. هناك نموذج من الكفار والمشركين في زمن الرسول r الذين كانوا لا يريدون سماع آيات القرآن أبداً كأنهم ليس لديهم آذان بحيث وضعوا أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوا القرآن (يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم (19) البقرة) هذا تشبيه مجازي خطير في سورة البقرة ولذلك قلنا أن القرآن مبني على المجاز والبيان، عادة عندما تضع إصبعك في أذنك تضع أنملة واحدة لكن القرآن استخدم الإصبع كله (يجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) لا يضعون الأنملة وإنما يضعون أصابعهم وهذا كناية على أنهم يريدون أن يسدوا آذانهم بحيث لا يسمعون شيئاً ثم يقولوا (قلوبنا غلف) من الذي قفلها؟ قبلها في سورة البقرة البعض يقول ما ذنب الكافر والمنافق واليهودي والنصراني؟ والله تعالى يضرب لنا مثلاً في ألعن فئة وهم المنافقون (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً (10) البقرة) هم أمرضوا أنفسهم بأنفسهم ببعدهم عن المنهج ووضع أصابعهم في آذانهم وهذا يدل على أنه هم الذين في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً وهذا ما عبر عنه القرآن في قوله تعالى (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا (18) الإسراء) الذي تريده تأخذ منه.
في سورة نوح، نوح r يشتكي إلى الله تعالى قائلاً (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) نوح) لا يريدون أن يسمعوا ولا أن يروا وهذه من المفارقات والقرآن الكريم يحكي عن الأنبياء كل واحد منهم يقول (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109) الشعراء) ومع ذلك بعض الناس تريد أن تعطل آذانها وتغلق أعينها. في سورة البقرة ذكر تعالى (أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ (16)) دفعوا الهدى مقابل شراء الضلالة، أخرج كل رصيد الهدى الذي عنده ولم يبق عنده شيء مع أنه في أول سورة البقرة قال (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2)) كأن المولى تعالى يخبرنا عن الذي لا يريد القرآن ولا يريد الهدى ويخرج كل الهدى الذي عنده ودفع الهدى ثمن الضلالة فجعلوا أصابعهم في آذانهم. المناطقة قالوا أنه المفروض أن لا يكون هناك كفر أو شرك أو نفاق في عصر النبوة لأنه كان موجوداً والقرآن ينزل عليه والمعجزة قائمة ومع ذلك حدث وناقشوه r وجادلوه فالحديث في منتهى الإبداع "اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبداً ما أحييتنا" وباقي الحديث أهم " واجعله الوارث منا" كثير من الناس لم يفهم هذا الجزء من الحديث. لماذا قال واجعله ولن يقل واجعلها؟ نحن نُسأل عادة عن كل أمر على حدة، السمع، البصر، لهذا هم قالوا (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) الكهف) إعجاز القرآن أن هذه الآية قرأها هؤلاء المكذبين في الدنيا أو سمعوها، مثل قوله تعالى (سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا (142) البقرة) لما يتسلل الخبر في قريش أن الرسول r نزلت عليه آية تقول سيقول السفهاء وأنه ستتغير القبلة فلماذا تفعلوها؟ لو حصلت ولم يقولوها وأحصيت كل ما ادعاه كفار قريش على الرسول r فوجدت أن القرآن كذّبه قبل أن يقولوه. الشاهد في كلامنا أن الكفار كان يجتمعون ليكذبوا الرسول rفهذه فرصة سانحة، الرسول يقول كلاماً فلم يحصل أنهم لم يقولوا عكس ما نزلت به الآيات وهذا كله تحقيقاً لقوله تعالى (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (21) يوسف). إذن يا ويلتنا ستحصل ثم هم يقولون (مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا) و(وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) الانفطار) التعبير في قوله (كِرَامًا كَاتِبِينَ (11)) يبين أنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة. كراماً كاتبين مثل أن يكون ليك كاتب عدل وكاتب غير عدل، كاتب غير عدل قد يزيد شيئاً أو ينقص جزءاً وهذا يحدث كثيراً في التحقيقات عن قصد أو عن غير قصد لكن تعبير القرآن عن شيء سيحصل (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)) نتيجة الذين كتبوه (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16)) لا خروج منها ثم يقول (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18)) كأني بالله يقول لنا أن الناس لا تفكر في هذه المسألة وحتى لو فكرت لن تصل إلى تصور ما يحصل. عندما يقول ما أدراك إذن سيقول ولو قال وما يدريك فلن يقول (يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)) الكلام الذي يفعله الناس من أن يعتمر أحدهم عن أحد أو يحج عنه أو غيره وكأن لديهم رصيد حسنات يوزعونه على هذا وذاك ويدخل هذا الجنة وهذا النار! (وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) هل الأمر لله فقط يومئذ؟ الأمر في كل حين لله تبارك وتعالى إذن لماذا قال والأمر يومئذ لله؟ لأنه ساعتها فقط سيتبين لبعض البشر أن الأمر دائماً وأبداً لله وعندها فقط سيفيق من غفلته حيث لا ينفع الندم.
الرسول r يقول في الدعاء " أبداً ما أحييتنا" هل هذا الكلام له علاقة بالقاعدة التي وضعها الله تعالى في القرآن كما في آية سورة يس (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68) وفي سورة الحج (وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا (5))؟ ربنا خلق الإنسان لا يعلم شيئاً ثم جعل له السمع والأبصار والأفئدة ليتعلم. هذه إرادة الله تعالى ولا يُسأل عما يفعل فما الحكمة من أن الإنسان عندما يكبر في السن ويرد إلى أرذل العمر يعود ضعيفاً كما كان وهو صغير ونتعامل معه في الكبر كما كنا نتعامل معه عند الصغر من حيث الأكل والشرب والمساعدة في الوقوف والمشي وغيره؟ فما الحكمة من القاعدة أن تكون النهاية مثل البداية؟
الحكمة بالغة المفترض أننا لما نعمل شيئاً كآلة مثلاً عند تصميمها تعتبر أن لهذه الآلة عمر افتراضي، كلما تشتغل الآلة تُستهلك ففجأة تبدأ فيها المشاكل مثل السيارة هذا في صنعة البشر، المولى عز وجل يريد أن يلفت نظرنا إلى أن المسألة تمشي على مراده هو تعالى لا على مراد البشر فلو عُمِّرت كما تشاء لن تكون هناك فائدة في هذه الفترة الزائدة لأنك ما استفدت من فترة الوعي من سن 15 إلى 55 أو 60 وهناك حالات نادرة جداً لسن 85 وما زال لديهم الكفاءة الذهنية وخاصة أهل القرآن ونحن لا نتكلم عن الناحية الجسدية. عندنا في القرآن آيتين مبدعين فيما نقوله، هناك من اليهود من قال (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ (96) البقرة) رد القرآن كان مبدعاً صرف النظر عن الصحة والقوة ما هو بمزحرحه من العذاب، طالما لم يستغل المرحلة الأولى من حياته وهي فترة الوعي فحتى لو عاش ألف سنة بصحته لن تزيده إلا عذاباً لأنه سيستغل هذا العمر في الشر. القضية في أن الذي يرد إلى أرذل العمر يُنكّس في الخلق هذه حكمة بالغة وضربنا مثال الآلة التي نستعملها مهما تصلح فيها إذا تعطلت لن تنفع.
ربنا تعالى جعل في الخلايا التي تشكل جسم الإنسان القدرة الذاتية على التجديد فتموت خلايا وتتجدد خلايا ونحن نتكلم هذه عملية مستمرة بإذن الله تعالى في قوة ذاتية وضعها في الجسم البشري وهذه الخلايا نفسها عندما يريد الله تعالى تصاب بالشيخوخة ولا تعود تؤدي عملها وهذه الخلايات نفسها قد تتكاثر بصورة غير طبيعية فتصبح سرطاناً أو أمراضاً أخرى تصيب الجسم البشري فسبحان الله! نضرب مثالاً في شخصين وصلوا إلى سن السبعين، كلاهما أصيب بضعف البصر من سن الخمسين أحدهما من سن الخامسة عشر بدأ يعي القرآن ويسمع ويستوعب ويطبق وصل إلى الخمسين فبدأ يضعف بصره فعاش من الخمسين إلى السبعين على رصيده الذي جمعه في فترة الوعي وهو في صحته والآخر قرر أن يبدأ عن سن السبعين بأن يعي القرآن وفجأة مات فعلى ماذا يعيش هذا؟ ليس لديه رصيد مسبق. هذا الذي جعل الرسول r يقول " واجعله الوارث منا" أي الأعضاء التي تتلقى (الأسماع والأبصار والقوة المبنية على قوة قلب سليم ومخ سليم فتسير الأعضاء بشكل صحيح) من الوارث؟ الذي يعيش بعده، لا يرثني إلا الذي يعيش بعدي شخص موجود فقول الرسول r " واجعله الوارث منا" أي اجعل هذ الأعضاء على قوتها إلى أن أموت وكأنها هي التي ترث فكأنها مدركة إلى آخر لحظة وعندما أموت لن أحتاج لها وهذا تعبير مجازي آخر. ما دلالة قوله (واجعله) صيانة احتمال في الطلب أن يستجيب الله تعالى لأحد هذه الأعضاء دون غيرها، هذا صحيح ومعه رأى آخر (واجلعه) نضعها مع التمتع بمعنى واجعل التمتع بهذه الأشياء هو الوارث. إنسان يعيش حلاوة النعمة فيتمتع بالسمع وحده لما يسمع يستفيد من سمعه جداً ويستفيد من بصره جداً ويستفيد من قوته جداً ثم يجمعهم ثم لما يسأل يسأل بالتمتع اجعل التمتع بكل منها بقوته وطالما سيكون الوارث يعني سيعيش إلى أن أموت " واجعله الوارث منا" يعني اجعل التمتع بهذه النعم الوارث منا.
سؤال: الوارث في الحديث ليس بمعنى الميراث وإنما الإرث لأنه لا نورث ما تعلمناه. الوارث إسم فاعل وليس الموروث.
هل الوارث في الحديث مرتبط بإرث الآخرة بمعنى قوله تعالى (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) المؤمنون) فهل من ضمن معاني الوارث في الحديث أن يجعل التمتع الحقيقي في الآخرة حيث الفردوس والحياة وحيث يكون الإنسان متمتعاً بكل نعم الله تعالى لكن ليس على الأرض وإنما في الجنة؟
واجعله الوارث منا في الحقيقة اللغوية المجازية يعني اجعله الباقي معي مما أنعمت علي في الدنيا لأتمتع بنعمك في الآخرة بنفس معطيات التي أخذتها في الدنيا. من الذي سيدخل الجنة؟ الإنسان الذي طبق المنهج والمجتهد هو الذي يُكافأ. المجتهد أخذ الوسائل التي أعطيت له واستخدمها فنجح في الامتحان فتعطيه مكافأة هذه الجائزة يستمتع بها بنفس الوسائل. أعطيتني وسائل فلم أستخدمها وجعلت وعاء السمع أصماً فلو أردت أن تكافئني وليس عندي وسائل فميف أتمتع؟ أهدرت النعم وعطّلتها فكيف أسمع نعيم الآخرة وكيف أراه؟ وأول توصيف من الرسول r للجنة أن فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. ما لا عين رأت في لازم المعنى تعني إذا كان عندك إدراك بصر في الدنيا مائة بالمائة فأنت تحتاج 200 في المائة لتستوعب الجنة أنت إذا أهدرت المائة فكيف أعطيك فوقهم مائة أخرى؟ حتى لو أردت أن أكافئ الإنسان الفاشل لن يستمتع بها لأنه ضيّع هذه الوسائل منذ البداية ولم يستعملها. كأن الخطاب لبني آدم من المولى عز وجل أنه أعطانا النعم ونحن أضعناها ولم نستفد منها لأننا نحن أهدرناها لذلك علينا أن نطبق " واجعله الوارث منا" سيأخذوني من الدنيا من سمع وبصر ينتظرني في الآخرة فأتمتع بما هو أكبر وأجمل وبما هو باقي لذلك قال تعالى (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) المؤمنون). الناس سترث هذا النعيم لتتمتع بالفردوس ونعيمها ونقيض هذا الكلام من كان في الدنيا يرى لكن الله تعالى حشره أعمى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) طه).
سؤال: (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) الفرقان) وقفنا عند هذه الآية في أكثر من حلقة وانتقلنا منها لآيات كثيرة تشرحها. من الذي يمنُّ الله تعالى عليه ويجعله صاحب رسالة؟ هذه نعمة بحد ذاتها. مع أي فريق تحب أن تكون مع الفريق الموجود في الظلمات أو مع الفريق الذي يُذكِّر وينصح ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ومن عباد الرحمن وممن يمد يده ليأخذ الناس إلى النور ولا يكتفي بأن يكون هو وحده على الصراط المستقيم؟ البعض يقول علينا أن نبقى في حالنا ولا علاقة لنا بمن يمشي في الخطأ استناداً للآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105) المائدة) فهل نفعل هذا أم أنني كمسلم يجب أن أعرف أنه عليّ أن أتبع وصية الرسول r " بلِّغوا عني ولو آية"؟
نقف عند نقطة على سبيل (فذكِّر) "العلماء ورثة الأنبياء" حديث موضوع وهذا كلام فارغ العلماء ليسوا ورثة الأنبياء وإنما يعملوا بوصية الرسول r "بلغوا عني ولو آية" هذا أمر والأمر الآخر أنك بسؤالك انتقلت من آية للآية التي وراءها. ما قيمة أن نقول وعباد الرحمن ونعطي أوصافهم كما قلنا في بداية سورة البقرة قلنا ليس من الصدفة أن تبدأ سورة البقرة بقوله تعالى (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2)) ثم يعطينا أوصافهم. ما دلالة المتقين؟ لماذا لو يقل المؤمنين؟ أو المحسنين وهم أعلى درجة من المتقين؟ المتقين الذي يتقي ويسمع الأوصاف من بداية سورة البقرة ويسير عليهم سيرقيه الله تعالى حتى يكون من المحسنين وحتى يصل إلى درجة عباد الرحمن. أنت سألت هل تريد أن تكون من الذين يُذكِروا أو الذين يُذكَّروا؟ ما الفرق بينهما؟ نلفت النظر لنقطة مهمة أن الآية أطلقت التذكير ولم تحدد من الذي يُذكِّر (والذين آذا ذُكِّروا) مبني لما لم يسمى فاعله فمن الفاعل هنا؟ قد يكون واحد وقد يكون خاطر تتذكر آية ما، هذا تذكير هذا فضل الله تعالى. إما أن يذكرك أحدهم أو أنت تتذكر. آخر توصيف في عباد الرحمن أنهم يقولون (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) الفرقان) وهذا آخر توصيف (إمام للمتقين) عباد الرحمن لم يسألوا المولى عز وجل أن يكونوا أئمة للناس وإنما أئمة للمتقين الطائفة التي تتمتع بالتقوى، هذا ربط في القرآن بين هذه الآية وبين بداية سورة البقرة (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2)) المتقي لن يجادل ولن يناقش ولن يرد كلامك ولن يسفسط وإنما يذكرك أيضاً بأمور أخرى. واجعلنا للمتقين هؤلاء فريق يخاف الخوف المحمود وهذا الخائف حذر في كل شيء لا يفعل شيئاً قبل أن يتأكد من سلامته.
سؤال: كثر في الصحافة الاستهزاء بمهنة الافتاء ونحن لا ننكر أن كثيرين ممن يفتون لا تنطبق عليهم شروط الفتوى والاجتهاد لكن لما حصلت هذه البلبلة تناولت الصحافة هذا الموضوع بشكل ساخر وهذا لا نجده في مهن أخرى فإذا أخطأ طبيب مثلاً لا تجد الصحافة تستهزئ بكل الأطباء لكن في موضوع الافتاء سخرت الصحافة من الفتاوى عموماً ومن الآراء الفقهية وحتى من الدين وقالوا دعوا الدين في المسجد وهذا موضوع خطير جداً.
ننظر من الذي تكلم؟ الصحافة، وما قصدهم وما غرضهم (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْم (29) الروم) بدليل أن منهم أناس تكلموا بموضوعية جداً ولم تعيب على المهنة وإنما عابت على الذي أخطأ. ولنفترض أن عالماً أخطأ فما المشكلة في ذلك؟ نأتي به ونخبره بأدب لكن لا نحقره ولا نسيء الأدب معه فالنقد شيء وقلة الأدب شيء آخر. الفتاوى هذه جاءت من متخصصين وليس من دعاة جدد فما المانع؟ لكل عالم هفوة لكن هل معنى إذا أخطأ أحدهم أنه يحق له أن أسيء الأدب معه؟ هذه ليست من أخلاقيات المسلم أبداً. القضية فيمن يقول ومن يقول وما غرضه؟ علينا كلنا أن نأخذ قول عباد الرحمن (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) إماماً ليس داعية يعني بفعلي أنا أولاً أكون إماماً بفعلي، يمكن أن لا أقول شيئاً لكن بفعلي يأتمّ بي غيري فالمسألة فعل وليست قولاً، يقولون للدعاء ولماذا قال يقولون ولم يقل يدعون؟ ولماذا إماماً وليس أئمة؟ سنقولها في الحلقة القادمة إن شاء الله. القضية في أن (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) نضرب مثلاً الرجل الذي كان مبصراً لكنه نسي الآيات فلما ذهب إلى الآخرة ربنا تعالى حشره أعمى فالذي حصل له أنه كان يرى واليوم لا يرى وهذا يوقفنا مرتين مرة مع الواقعة ومرة مع المثال الذي ضربناه منذ قليل أنه كان لديه وسائل لم يستخدمها فحُشر أعمى فقال حتى نتعلم منها ولا نعملها (قَالَ رَبِّ) الآن تذكر أن له رب! لو قالها في الدنيا كما قال عباد الرحمن قول محقق بالفعل (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا)، هذا قال (قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) طه) هذه قلة أدب ثانية فهل هو الذي كان بصيراً أم أن هذا البصر نعمة من الله تعالى عليه لكنه ردها ولم يستخدمها فردّ عليه المولى (قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126) طه) ما حصل معك اليوم أن تأتي أعمى هو نتيجة ما فعلته في حياتك، (قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) ماذا فعلت بها؟ جاءتك آياتنا فأنت نسيتها (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) فلما خر عليها صم وعميان حشره الله تعالى أعمى، السؤال هل نُسي هذا؟ النسيان هنا نسيان من رحمة الله تعالى ومن المغفرة وهذا قمة التذكر أن تسأله وتضرب له مثالاً ما حصل له في الدنيا (قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) تنسى من رحمة الله.
بُثّت هذه الحلقة بتاريخ 18/3/2008م

ميارى 28 - 7 - 2010 06:14 PM

التوبة والاستغفار 73
تقديم علاء بسيوني
المقدم: ونحن نتأمل أوصاف عباد الرحمن في سورة الفرقآن نقف عند ملمح يبدو متفرداً ومختلفاً الكلام كله في الأوصاف يتكلم عن حالات تعبدية ويتكلم عن سلوكيات ومعاملات لعباد الرحمن كيف يمشون وكيف يصلون وكيف يبيتون وكيف يسجدون الكلام متعلق بالعبادة ثم لما نسمع فجأة الكلام عن موضوع يبدو دنيوياً بحتاً يتكلم عن الأزواج والذرية أمور دنيوية فما دلالة هذا الترتيب؟ وما أهمية الموضوع أن ألزم بهذا أو أن أدعو بهذا الدعاء حتى أكون من عباد الرحمن.
هناك نقلة في الكلام وهي تتكلم عن موضوع قد يبدو للناس لأول وهلة يتعلق بالدنيا وعن الأزواج والذرية فما دلالة هذه النقلة؟ وما أهمية هذا الدعاء؟
(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76) قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77) الفرقان)
د.هداية: هذه النقلة مهمة في حياة كل مسلم لله تبارك وتعالى وهذه النقلة أي الكلام عن الذرية والأزواج والكلام عنهم في حق عباد الرحمن جاء في سورة الأمر الذي يتضمن معنى الدعاء (هب) فعل أمر يتضمن معنى الدعاء و(اجعل) فعل أمر يتضمن معنى الدعاء لماذا؟ لأن العبد من عباد الرحمن لا يستطيع أن يكون من (أولئك) في الآية (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75)) لا يمكن أن تكون منهم إلا إذا استقر مسألة البيت عندك. النقلة هذه تؤكد أن عبد الرحمن بزوجة غير صالحة لا يستطيع أن يكون، بذرية غير صالحة لا يستطيع أن يكون، وإن كان سيكون على حساب نفسه يعني هذه النقلة لا بد من الوقفة عندها لأن هذه المسألة إذا استقرت بالوضع الذي عليه القرآن فبها ونعمة وإلا ستكون على حساب شيء ما إما على حساب أن تكون من عباد الرحمن وإما أن يكون نوعاً آخر من الجهاد أن تظل من عباد الرحمن لكن على حساب نفسك.
المقدم: المفترض عند الزواج أن أختار زوجتي وكذلك الفتاة تختار زوجها
د. هداية: وعلى الذي يختار يختار على مراد الله ورسوله في إقامة البيت المسلم لأن البيت المسلم إذا استعرضنا القرآن والحديث سنجد أن يقام على شرع الله من أول لحظة وظلمنا كثيراً الآية (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ (26) النور) على أنها تقرير وهي ليست كذلك وإنما مسألة أنك لما تختار يجب أن تبحث عن الزوجة التي فيها هذه المميزات، الطيبات كلمة واسعة جداً، من الطيبات؟ من الطيبين؟ وقدم الأزواج على الذرية لأنه قد يكون زواج من غير ذرية فقد الأزواج على الذرية ولا يمكن أن تكون ذرية من غير أزواج. وألفت النظر إلى مسألة وهي أن هذه الآية للرجال والنساء على حد سواء في الدعاء (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)) هذا الدعاء تستطيع المرأة أن تقولها كما يقولها الرجال، الذين آمنوا مثلاً كلمة تشمل النساء والرجال وكذلك كلمة المؤمنون (قد أفلح المؤمنون) تشمل الرجال والنساء (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)) المتكلم هنا الرجال والنساء يعني تستطيع المرأة أن تدعو هذا الدعاء كما يدعوه الرجل والعكس بالعكس.
المقدم: المفترض لو اخترت بشكل صحيح ستكون زوجتي صالحة ويأتي منها ذرية صالحة فالمفترض أنني هكذا أعرف الصحيح فأكون بهذا العنصر من عباد الرحمن لكن لو اخترت خطأ وقلت ستنصلح لاحقاً أكون لست من عباد الرحمن؟
د. هداية: المسألة نسبية والنسبية فيها إن صح التعبير مطلقة بمعنى أنه قد تبدأ بأن لا تكون من عباد الرحمن ولم تختار على صفات عباد الرحمن لكن تريد فيما بعد أن تكون من عباد الرحمن فتدعو بهذا الدعاء (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)) فهذا الدعاء حتى نحققه إما تدعو به قبل الزواج أو أثناء الزواج أو بعد الزواج. الذي لم يقع في هذه الخطأ يدعو بهذا الدعاء والذي وقع في هذا الخطأ يدعو بهذا الدعاء والذي يريد أن يصحح يدعو فالقرآن يصون كل الاحتمالات، القرآن يصون احتمال الأحداث وقد يسمعنا أحد من الذين أحسنوا الإختيار وحتى لو أحنوا الاختيار قد يكون لديه ذرية غير صالحة والشاهد ما فعله العبد الصالح مع موسى في الغلام الذي قتله كان أبواه صالحان. ليس شرطاً أن تختار بشكل صحيح وتكون الذرية صالحة لذا نحن بحاجة دائماً إلى الدعاء القرآن يقول لنا أن لا ننفصل عن أدعية القرآن التي أنزلها الله تبارك وتعالى كأنه منهج لا يمكن أن تنفصل عنه. أنت اخترت بشكل صحيح وأنت رجل صالح ولديك ذرية غير صالحة. الغلام الذي قتله العبد الصالح كان أبواه صالحان ولم يقصرا في تربيته، وابن نوح أيضاً نوح نبي والمعروف أن النبي لا يقصر لأن الأنبياء معصومون ولا يقصرون ونوح في توصيف العلماء آدم الثاني لكن ابنه (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ (46) هود). قال نوح (وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي (45) هود) فجاء الرد (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) هو ابنه لكن ليس من أهله. نحن نقول اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، من أهل محمد؟ هم كل من انتسب إلى محمد r ولو بالدين والرسالة لكن الاتكال على النسب للرسول r لن يغني عنهم من الله شيئاً. فاطمة رضي الله عنها ساعة أجلسها رسول الله r وقال لها: اعملوا فما أغني عنكم من الله شيئاً، لن تأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه" فمن باب أولى أن النسب وحده من غير العمل لن ينفع شيئاً والرسول r يقول: ما أغني عنكم من الله شيئاً. يعني محمد r لا يمكن أن يقول هذا ابني فما بالك أن يكون من أمته؟ الرسول r لما قال أمتي أمتي لجماعة انتسبوا إسماً للإسلام المولى تعالى قال له "إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك" هذا يشمل البدع. آل محمد كلمة واسعة من حيث التعريف اللغوي. أن تكون الذرية غير صالحة هذا ابتلاء. قد لا تختار الزوجة الصالحة أو قد لا تكون أنت صالحاً لكن تكون الذرية صالحة كل الاحتمالات موجودة ولكن الآيات تتكلم عن النموذج (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)) هم منصرفون بالدعاء إلى أكثر من قضية وكلها لها هدف واحد وهو التقوى.
المقدم: الموضوع مهم لأنه في النهاية هذه حياتي التي أجمع فيها حسنات وسيئات ولا يمكن أن أنجح وبيتي غير صالح أو زوجتي غير صالحة والآية الكريمة تتحدث عن قرة أعين وهذا تعبير جميل وربنا سبحانه وتعالى يستخدم فعل (هبّ) من الهبة فهل لهذا علاقة أنه لما قرر في موضوع الذرية تكلم عن موضوع الذكور والإناث في سورة الشورى استخدم كلمة الهبة (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)) كأن الله تعالى ينبهنا إلى أنه قد يهبك إناثاً أو ذكوراً أو توأم أو تكون عقيماً أو عاقراً فهل لهذا علاقة باستخدام فعل (هب)؟
د؟ هداية: هذه الكلمة (هب) فيها مشكلة في التلقي حتى في المفاهيم الأخروية. تعال أولاً نعرّف الهبة، ما هي الهبة؟ هي العطية الخالصة دون عِوَض أو غرض. لما ندرس هذه الكلمة بشكل صحيح بدراستها اللغوية ولازم معناها والمراد منها نجد أنها لا تكون إلا لله في المعنى المطلق ويمكن للإنسان أن يهب أحداً شيء ما في حياته. الهبة في القاموس اللغوي هي العطية الخالصة دون غرض أو عوض وهذه المسألة لا يمكن أن تكون للإنسان لأن الإنسان حتى لو وهب لجميعة خيرية فهو يريد ثواب في الآخرة ولو وهب لإبنه فهو يريد شيئاً منه. الموضوع أن الهبة حتى يهب أحدنا يجب أن تكون عن ملك بيقين، يجب أن تملك ما تهبه، في البدع المحدثة هناك من يعمل شيئاً غريباً فالبعض يقرأ القرآن ثم يقول اللهم إني أهب ثوابه لفلان، لكن هل يملك هذا الشخص ما قرأه؟ أو من قال له أنه أخذ الثواب على قراءته ليهبه لغيره؟ هل ونحن نقرأ القرآن يكون ملكنا بيقين؟ حتى ونحن نصلي لا نملك صلاتنا بيقين ولكن تتمنى أن تجد ثواب هذه الصلاة يوم القيامة. أولاً وهب ثواب القرآن للميت بدعة لم يفعلها الرسول r ولم يفعلها الصحابة ولا يوجد حديث للرسول r أو لأحد من الصحابة أنه قرأ القرآن ووهب ثوابه للأموات، هذا أمر وثانياً هذا فيه إتهام للرسول r بالتقصير وثالثاً أين يكتب هذا الثواب للميت؟ وأين قوله تعالى (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) النجم)؟ البعض فهم أنه لما يقرأ القرآن يأخذ ثوابه لكن ننسى السؤال الرابع في القبر ما عملك؟ تقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت، لازم معنى هذا الكلام يعني عملت، القرآن قال لا تسرق وأنت سرقت لن تأخذ ثواباً يتبخر ثواب القرآءة أمام سوء العمل. المنهج إفعل ولا تفعل هذا الذي ستأخذ عليه الأجر، ما أنزل الله القرآن ليُقرأ وإنما أنزله ليتدبر ويُعمل بما فيه فإذا لم تفعل لن تأخذ ثوابه وهذا الذي جعل الرسول r يقول لأهله: اعملوا فما أغني من الله شيئاً ولم يقل اقرأوا. لذلك الهبة في الآية جاءت بصيغة (ربنا هب لنا) أنت يا رب هب لنا وجاءت سبحان الله في الأزواج والذرية كأنني أنا مهما اخترت فلن أصل لما تريده يا رب.
المقدم: لماذا استخدم (من) في الآية (من أزواجنا)؟ هل هي للتبعيض؟ وهل (من) لأن الإسلام يبيح تعدد الزوجات أو أن المعنى يقصد أنه حتى لو تزوجت واحدة فلا يوجد إنسان كامل؟
د. هداية: البعض يقول (من) للتبعيض، المفترض أن آخذ زوجة واحدة أو اثنتان أو ثلاثة أو أربعة فإذا قلت من أزواجنا يعني أقررت بنفسي أنني أريد واحدة صالحة والثلاث الأخريات غير صالحات فلا يمكن أن تكون (من) للتبعيض وإنما هي بيانية وإعرابها حال فكأنك تفترض أن الدعاء قبل أن تخطب فيكون الدعاء صحيحاً، فإذا خطب وليس متأكداً أن الأمر سيتم فيقول الدعاء ويكون صحيحاً وإذا تزوج يقول الدعاء ويكون صحيحاً ولهذا تبين الحال (من) بيانية، الآية تقول هب لنا من أزواجنا قرة أعين وهب لنا من ذرياتنا قرة أعين يعني كل ما يأتي من الأزواج والذرية تكون قرة أعين وهذه من الآيات التي تثبت أن الرسول r لا يمكن أن يكون ألّف القرآن. كلمة قرة مع أزواجنا وذرياتنا، قرة كلمة، هناك في اللغة العربية أمر غير موجود في أي لغة ثانية وهو ما يسمى عامل الاشتقاق أن الكلمة تأتي في أكثر من معنى لكن تلتقي في النهاية على لازم واحد. فكلمة قرة تأتي بمعنى اللزوم والثبات وتأتي بمعنى السرور والفرحة وتأتي بمعنى البرودة ولما نأخذ هذه المعاني لازم معناهم الإنبساط، لكن ما الذي أعلم الرسول r أن القرة تأتي في العين؟ يقال لك: أقرّ الله عينك وأسخن عين عدوك، لأن أقرّ عينك يعني برّدها والعرب تقول دموع الفرح باردة ودموع الحزن ساخنة، جسم الإنسان يستقر عند 37 درجة فإذا زادت أو نقصت تكون مريضاً العين لو أخذت هذه الدرجة تنفجر، العين درجة حرارتها 9 درجات مئوية والكبد في الجسم حرارته 40 درجة مئوية لو زادت الحرارة أو نقصت يتعطل. هذا صنع الخالق الأعظم سبحانه وتعالى، حرارة الجسد 37 وحرارة العين 9 درجات فمن الذي أعلم محمداً r بهذا الكلام؟ قرّة يعني برودة وسمون وثبات ونهاية هذه المعاني كلها السرور والفرحة التي تسعدك إما في الدنيا وإما في الآخرة. وقال أعين وليس عيون جمع قلّة كأن عباد الرحمن سيكونون قلة في الآخرة (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) سبأ). هذا كلام لغوي عظيم لا يمكن أن يقوله أميّ. في البداية قالوا (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ) وفي النهاية قالوا (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) وتحقق في الموضعين في الأولى قال (إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) وهنا (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) هنا قالوا (إماماً) هذه التركيبات اللغوية لا يمكن لأميّ أن يجمعها ويقولها ثم اكتشف بعد ذلك أن درجة حرارة العين 9 والجسد 37 والكبد 40 لكن ساعة قيلت هذه الآية قيلت من لدن حكيم خبير.
المقدم: نتمنى أن يركز العلماء المتخصصين في العلوم الدنيوية المختلفة على ربط الأحداث الحديثة بما في القرآن وهنالك هيئة الإعجاز العلمي لكن الجهد ما زال قليلاً والإعلام بما في هذا البحر من كنوز لا يسلط عليه الضوء كثيراً حتى تتحق الآية الكريمة (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ (53) فصلت).
د. هداية: مرت مرحلة سابقة أخذ الإعجاز العلمي مكانه فترة ثم تراجع. القصة في أن القرآن مليء بالإعجاز العلمي واللغوي والغيبي والبياني وعلينا أن نربط كلام المولى بالأحداث الدنيوية والأخروية لأن الحياة دنيا وآخرة وليست دنيا فقط والإنسان الواعي هو الذي يبكي على الآخرة حتى لا يتعرض لما جاء في الآية (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) الفجر)، فلما نقول حياة نقصد المعنيين الحياة الدنيا والآخرة. هذه الآية من الآيات المهمة جداً في إثبات أن الرسول r لم يأت بالقرآن من عنده ولا يمكن أن يتصدى الإله سبحانه وتعالى لمثل هذا الكتاب ويترك من يأتي بالقرآن من عنده إن جاز التعبير. فهذه الآية من الآيات الفارقة والحاكمة في القرآن وكلها إعجاز (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)) ومن التفاسير العظيمة أنه قال من أزواجنا وذرياتنا ولم يقل ومن ذرياتنا فالبيان لم يأت في الذرية فكأن الإنسان لو لم ينجب لكنه يتمنى أن يكون لإخوانه ذرية صالحة لهم وله أيضاً الذرية تعني الأمة من وجهة نظر السائل من عباد الرحمن فجاءت (من) البيانية مع الأزواج لأنه لا يمكن أن تكون زوجة فلان صالحة بالنسبة لي لكن الذرية ممكن أن تتبادل بدليل أنه لما يموت أحد من المسلمين أهل عباد الرحمن يحتضون أولاد المتوفى ويهتمون بنجاح ذرية المتوفى وكأنه نجاح لهم هم فلا يمكن أن تأتي (من) البيانية مع الذرية فيجب على المسلم الواعي أن يعتبر كل الذرية أولاده ويهتم بهم على أنهم أمل الأمة هذه الذرية اليوم سيكونون رجال الأمة في المستقبل والذي يهتم بهذه الذرية يكون من عباد الرحمن.
المقدم: كثر في هذه الأيام الشر وكثرت الغيبوبة والدنيا تأخذ الناس والشباب غير مسلح بعقيدة صحيحة ويعتقد أنه حتى يكون سعيداً لا بد أن يذهب إلى الملاهي والمراقص والبنات والمخدرات للأسف الشديد والحياة تسير معهم من وجهة نظرهم.
د. هداية: هذا يحقق الدعاء لو الدعاء جاء مع العمل (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا). أريد أن أتوقف عند كلمة (يقولون) لما قالوا في البداية (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) هذا لا يمكن أن يكون قولاً إن لم يلازم هذا القول العمل فلن تتحقق النتيجة. لا يمكن أن اقول ربنا اصرف عذاب جهنم وأذهب لأجلس في الخمارة المسألة ليست مسألة قول وإنما في الحقية كل كلمة قول في القرآن يجب أن يتبعه عمل صالح.
المقدم: الآية تختتم أن هناك هدف الكلام عن الذرية وعن الأزواج وفي النهاية مطلوب حالة من التقوى وليس فقط أن أكون من ضمن المتقين وإنما إمام المتقين وقلنا أن الأمر مرتبط ببعضه لأنه لو كنت غير منضبط سيكون بيتي غير منضبط ولو لم أحسن الإختيار سيتكون الزوجة غير كفؤ لتربية الأولاد والذرية غير صالحة وتأتي أجيال تفرط في المسؤولية. نعطي بعض الملامح التي نبه إليها الرسول r في اختيار الأزواج، كيف يقام البيت المسلم؟
د. هداية: الرسول r وجّه الرجل والمرأة قبل العقد وبعد العقد. البداية مع أهل المرأة قال "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إن لم يفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" وهذا الحاصل الآن فالنسا بدأت تسأل عن راتب المتقدم وليس عن دينه ويسألون عن مال والده وليس عن أخلاقه لذا نقول إذا انفك العمل عن القول لا يمكن أن يتحقق القرآن والحديث.
المقدم: هل يمكن أن نعتبر هذا من حالات النفاق؟
د. هداية: طبعاً لأنني أنا يقيني بأن فلان لو كان صالحاً سيقيم بيتاً يسعد ابنتي أو يقيني أن المال والجاه والسلطان هو الذي يسعد ابنتي؟ أنا بهذا أكون منافقاً لأنني أقول أمراً وأفعل عكسه والبعض يقول ربنا يسهل وربنا يهديه بعد الزواج لكن المال يجعله ينحرف ولا يهتدي وتجد أن المال قلب المسألة عكس ما كنت أريد، عكس ما أمر به الرسول وعكس ما أمر به القرآن هنا تتناوع الأقوال: قولي أو قول الرسول r وقول القرآن؟ ما أسعد من يمضي على كلام رسول الله r لم يقل الرسول r إذا جاءكم من ترضون ماله وسلطانه.
المقدم: اجتمعت بأناس ممن يعملون في الأحوال الشخصية يشتكون من الحالات الكثيرة التي تتطلب الفصل في النزاعات الشخصية مثل الطلاق والخلع وأصبح الموضوع كما قال r فتنة وفساد كبير.
د. هداية: قلنا أنه إذا انفك القول عن العمل انتهى الأمر، لا يمكن أن تقام الدنيا بما يرضيك أنت. التوجيه الذي قاله الرسول r لو دققنا فيه لم يتكلم مع المرأة لأن البنت قد تكون في سن لا يمكنها أن تختار فالقيّم في الاختيار هو الولي الذي عليه أن يختار بشكل صحيح ولا يختار بهوى أو لجاه أو سلطان. الرسول r تكلم مع الرجل أيضاً فقال :" تنكح المرأة لأربع المال والجمال والنسب والدين" آخر أمر الدين، توجيه الرسول r "فاظفر بذات الدين تربت يداك" يعني إختيارك للزوجة إما يدخلك الجنة وإما يدخلك النار.
المقدم: هذا يجيب على السؤال الذي سألناه ما علاقة هذا الدعاء بعباد الرحمن؟
د. هداية: لو ربطت القولين النار والأزواج والذرية، هنا قالوا (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) يسألون البعد عن النار والذي يحقق هذا (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) يعني كأن الحالة وهذا البيت تخرجني خارج النار وتجعلني للمتقين إماماً.
توجيهات الرسول r التي ذكرناها هي قبل العقد وبعد العقد تكلم كلاماً يقيم البيت. الأولى قالها للرجال: " استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء" هذا الحديث ظلم من الخاصة قبل العامة وذهبوا لما جاء في الإسرائيليات وأن حواء خلقت من ضلع آدم والكلام الفارغ الذي نسمعه. الرسول r يقول استوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع هذا تعبير مجازي وليس تعبيراً حقيقياً. القصة الإسرائيلية تقول أن آدم وهو نائم أخذ من ضلعه وخلق منه حواء لكن تركيب الضلع غير تركيب الجسم لا يأتي من الضلع لحم ودم لأن تركيب الضلع تركيب ناقص ولو عددنا أضلاع حواء يفترض على روياتهم أن يكون لها ضلع زائد لكن هذا غير صحيح. القرآن خاطب آدم قائلاً (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ (35) البقرة) يعني دخلا معاً فهذا يرد القصة الإسرائيلية. القرآن وقع توقيعاً في الخلق عموماً (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ (49) الذاريات) الذكر والأنثى ليعمل ذرية. الرجل الذي يقول من جاء أولاً الفرخة أو البيضة قال له أحدهم يجب أن يكون هنالك ديك لأنه لو لم يكن هنالك ديك لن يكون هناك كتكوت لا يوجد بيضة من فرخة بدون ديك. العاقل يقول (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ) آدم شيء وطالما انصرفت إرادة الله تعالى إل خلق آدم يعني يجب أن يكون معه حواء من نفس الخلقة ويختلف ذكر وأنثى.
المقدم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا (1) النساء) هل (من) للتبعيض؟
د. هداية: منها أي من نفس ما خلقت منه. النفس الواحدة ليس آدم وإنما الطبيعة التي خلق منها آدم وحواء. هناك من فسرها على أنها آدم ومنها يعني حواء لكن نحن لن نفهم الآية. بدليل لما أراد تعالى أن تبدأ الحياة الثانية مع نوح قال (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (40) الروم) لتستقيم الحياة في كل شيء البشر والحيوان والنبات. الرسول r يقول في الحديث "فإنهن خلقن من ضلع" وكلمة ضلع عند العرب يعني انحناء ثم قال " وإن أعوج ما في الضلع أعلاه" هذه على وزن أفعل التفضيل الضلع يجب أن يكون منحنياً معوجاً وإلا يسقط القلب، هو أعوج ليؤدي وظيفته ويكون صالحاً. إذن كلمة أعوج في الحديث يعني أفضل ما في الضلع. إنحناء الضلع في الناحيتين يحتوي القلب والرئتين وتشبيه الرسول r أن المرأة الصالحة تحتوي الزوج والأولاد كما يحتوي الضلع القلب إذن سيقام بها البيت المسلم على مراد الله. حديث الرسول r "استوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع" يعني من طبيعة تختلف عن طبيعة الرجل وفي فرنسا فشلوا في تجربة أن الأولاد تتربى مع رجلين أو مع امرأتين إنما نجحت تربية الأولاد مع رجل وامرأة الرجل عند الشدة والمرأة عندها اللين والعطف ولذلك (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) الروم).
بُثّت الحلقة بتاريخ 22/4/2008م

ميارى 28 - 7 - 2010 06:15 PM

التوبة والاستغفار 74
تقديم علاء بسيوني
المقدم: في الحلقة السابقة تكلمنا عن ملمح من ملامح كثيرة موجودة في سورة الفرقان في صفات عباد الرحمن وذكرنا أن هناك نقلة المولى سبحانه وتعالى يتكلم عن قضايا تعبدية وسلوكيات وقيام ليل ثم انتقل إلى الكلام عن الأزواج والذرية التي هي متع دنيوية ولكن الغموض زال لما اختتمت الآية أنه في النهاية هناك هدف أسمى وهو ليس أن يكون الإنسان من المتقين فقط وإنما إمام المتقين. ذكرنا في أواخر الحلقة السابقة خلق آدم وحواء والضلع الأعوج وهذا يثير كثيراً من الناس وسنحاول حل هذا الإشكال في حلقة اليوم. هناك كثير من الناس معترضة على ما ذكرناه فهناك من يقول هل تريدون أن تقولوا أن النساء ليس فيهن إعوجاج وهل تريدون تغيير قول الرسول r أن النساء ناقصات عقل ودين؟ إذن النساء ينقصهن شيء ما لكن نسأل طالما يظن هؤلاء أن النساء هكذا فلم الجري وراءهن والارتباط بهن؟! وبعض النساء يعترضون هل هذا معناه أننا خلق ناقص أو أعوج؟ وهناك من وقف عند ملمح وهو أن اعوجاج الضلع الذي خلقه بهذا الشكل يعطي للمرأة تفرداً وتميزاً عن الرجل حتى في شكلها فهذا يعتبر من طبيعة المرأة وتعتبر عطية إلهية تميز المرأة لا تنقص من قدرها.
د. هداية: الإشكالية عند الذي لا يريد أن يفهم كلام الرسول rعلى مراد الله ورسوله فيها. الرسول r يقول " استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء" إذا أنت رجل مجنون وحاولت أن تغير طبيعة هذا الضلع وتقيمه تكسره قلنا أن الضلع أعوج لكن هذا الاعوجاج هو غاية استقامة لأداء وظيفته إذن الضلع الأعوج هو الجمال والاستقامة " فإن ذهبت تقيمه كسرته " كسرته يعني أفسدته ولا يؤدي وظيفته " وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء " كل الشُرّاح قالوا فاقبله على عوجه. عندما يكون عندك قطعة مستقيمة في سيارتك وقطعة معوجة هل تقيم القطعة المعوجة؟ هي يجب أن تكون هكذا. فالرسول r يقول "فإن ذهبت لتقيمه كسرته" وإذا كسرته لا ينفع ولن يؤدي وظيفته. جمال خلقة هذا الضلع أن يكون أعوجاً وقلنا أن البيت الذي نشأ فيه الأولاد بين رجلين فسدوا وكذلك الذين نشأوا بين امرأتين فسدوا. لو الكلام الذي فهمه الناس كان صحيحاً لعبّر القرآن عنه صراحة ولا يحتاج إلى مجاز لأن القرآن يعبر التعبيرات العربية التي تناسب الإعجاز اللغوي لأهل هذا الزمان لكن الإسرائيليات حاولت والقرآن ردها، هم يقولون أن آدم نام واستيقظ فوجد حواء بحانبه لكن القرآن يذكر لنا (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ (35) البقرة) خلقت حواء جنباً إلى جنب مع آدم بتوقيع الحق تعالى (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ (49) الذاريات). قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً (30) البقرة) يقصد آدم وحواء لأن آدم لوحده لن يكون خليفة لأن خليفة يعني يخلف بعضهم بعضاً وخليفة لا تتحقق إلا بالرجل والمرأة. إذن حديث الرسول r" استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء" في المقابل كلم الرسول r النساء ليوصي بالرجال فقال: "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عِظَم حقه عليها" والسجود هنا سجود طاعة وليس سجود عبادة لأن سجود العبادة لا يكون إلا لله تبارك وتعالى. القرآن تضمن سجود تحية (سجود أهل يوسف ليوسف) وسجود العبادة لله تبارك وتعالى والرسول r يؤدي بكلمة السجود المعنى اللغوي لها وهو الطاعة "لو كنت آمراً" (لو) حرف امتناع لامتناع يعني لن يحصل أن آمر أحداً بالسجود لغير الله لكن لو كان سيحصل لكنت أمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعِظَم حقه عليها إذن المرأة تطيع الرجل والبيت المسلم يقام على شرع الله وسنة رسوله rبإمامة الرجل والمرأة جنباً إلى جنب معه تناقشه وتشاوره وقديماً ذكرنا أنه لو تشاور آدم وحواء ما سمعوا كلام إبليس. في الإسرائيليات نسبوا الخطيئة لحواء وهذا كلام فارغ والقرآن لما نقرأه بالترتيب والتفصيل لا نجد أنه ذكر أن إبليس وسوس إليها وإنما يرد وسوس إليه أو وسوس لهما وقلت سابقاً أنهما لو تشاورا لما وقعا في الخطأ إذن البيت المسلم يقوم على شراكة بين الرجل والمرأة وسبق أن قلنا أن الزواج في الإسلام شركة مساهمة رأسمال هذه الشركة المودة والرحمة وتقام على قاعدتين اثنتين (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ (229) البقرة).
المقدم: مسألة الإحترام والقدسية التي في منزلة الزوج بالنسبة للمرأة ستفتح لنا أسئلة ستحل مشاكل كثيرة فالرسول r قال "لو كنت آمراً" وهاذ يعني أنه لن يفعل هذا ولن يأمر أحداً أن يسجد لغير الله لكن من الواقع نسمع تعبيرات لا أدري إذا كانت فيها مشكلة أو فيها مبالغة من البشر فالبعض يقول هذه المرأة تحب زوجها حب عبادة؟ وأحياناً يحصل العكس أن الرجل يجب أن يكون له هيبة وقيادة حكيمة في البيت وتهتز صورته ولا تنفع أن تمشي السفينة ويقولون هذا الرجل يعبد الأرض التي تسير عليها امرأته فهل التعبيرات هذه تهدم البيت إذا كانت تعبر عن شكل العلاقة بين الزوجين؟ الرسول r لما كان يرسل اثنين بمهمة كان يؤمّر أحدهم على الثاني وفكرت في سبب هذا الأمر فوجدت أنه إذا تعرض هاذان الاثنان أو الجماعة لمشكلة فكل واحد منهم سيعرض رأيه ويحاول أن يفرضه فلا تنجز المهمة لأنهم اختلفوا إذن طالما هناك مهمة في الحياة فلا بد أن يتسلم أحد دفة القيادة وإلا لكان كل واحد يتصرف على هواه.
د. هداية: كلمة عبادة يجب أن تصحح. في المثل الشعبي عندنا يقولون "أن المركب التي فيها قائدين تغرق" وهذا مثل صحيح والحقيقة هكذا لكن يجب أن يسير البيت بإمارة الرجل لكن هذا الإمام لا يجب أن يكون دكتاتوراً وإنما يجب أن يتشير امرأته لأنه يمكن أن تصحح له ومهما اختلفا في الآراء يبقى الرأي الأخير للرجل ولو كان القرار خاطئاً يتحمله الرجل.
المقدم: قول الرسول في الأمر للرجال "استوصوا بالنساء خيراً" حتى يعادل أنت مسؤول عن قرارك فلا تسيء إتخاذ القرار.
د. هداية: استوصوا بالنساء خيراً يقابلها "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله" إذن يوصي الرجل وهو أمير ألا يكون دكتاتوراً في القضية وإنما تشاور والمرأة تسمع الكلام وهناك بعض الرجال ليس له رأي أو رأيه خطأ باستمرار ولو حصل هذا عليه أن يسلم المشورة لها لأنها تكون أولى بالمشورة إذا أثبت أن قرارته غير صحيحة والعكس بالعكس والحياة الزوجية أثبتت هكذا. نحن ذكرنا أحاديث الرسول rقبل العقد وبعده لأن لو انتبهنا لألفاظها فبها يقام البيت فقال "استوصوا بالنساء خيراً" هذا الخطاب لكل الرجال فالرجل المتشدد في رأيه حتى لو أراد أن يطبقه يطبق على أمر الرسول "استوصوا بالنساء خيراً" ويقول أن طبيعة المرأة عندها جانب الرحمة والحنان والعطف فلا تكن قاسياً عليها أو تحاول أن تغير هذه الخلقة فيها لأن الله تعالى خلقها هكذا "فإن ذهبت لتقيمه كسرته" وقال r للنساء " لو كنت آمراً أحداً بالسجود لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها" الحق في الإسلام لا يأتي إلا بعد أن تكون قد فعلت واجباتك.
المقدم: بعض الرجال يفهم أن الحق هذا حق مطلق وأنه هو الرجل وكلامه يمشي.
د. هداية: نحن ضد الرجال أو النساء إذا كل واحد تشبث بأحقيته في الإدارة نحن نريد البيت المسلم مثل الشركة المساهمة فرئيس مجلس الإدارة عندما يريد أن يأخذ قراراً يعقد اجتماعاً ويتشاور مع الأعضاء ثم يغلب الآراء على بعضها وهكذا البيت لكن ليس فيه أعضاء إلا الرجل والمرأة فيجب أن يتشاورا وتكون الفائدة للبيت والأسرة لا لأهله وأهلها. آخر دعاء الأزواج والذرية (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) ليس فقط من المتقين وإنما إمام المتقين.
المقدم: دعونا نناقش مسألة السعادة الزوجية التي تجعل الأزواج يدعون (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) الفرقان) قلنا أن الحياة تستقيم بالحقوق والجابات أحياناً لا يكون هناك توازن وأحياناً البعض تقصر الواجبات على المسائل المادية والحسية. لو أن الرجل لا يصلي ولكن معه مال فهذا كافي والبعض يقصر الواجبات الزوجية على علاقة الفراش مع زوجته أو على واجبات الزوج المادية في البيت. هل هذه هي فقط الحقوق وهل توصيف العلاقة الحميمة بين المرأة والرجل أصبحت حقاً وواجباً أم أنها علاقة مودة وتفاهم ورحمة بين الطرفين؟
د. هداية: هي في النهاية هكذا والذي يفهم الحقوق والواجبات هكذا يكون قد فهمها خطأ. اتفقنا أن الحياة الزوجية شركة مساهمة تقوم عليها الحياة ولما قال عباد الرحمن (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) الفرقان) كأن هذه القضية هي التي تجعلهم من عباد الرحمن. وربطنا بين أول السورة وآخرها في البداية قالوا (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) وفي النهاية يقولون (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) كأن هذه تأتي بتلك هذا الذي جعل الرسول r يقول "فاظفر بذات الدين تربت يداك" وقال r" للنساء "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه" يعني الرسول r قال للرجال اختاروا المرأة التي عندها دين وقال للنساء اخترن الرجل الذي عنده دين وكأن الدين هنا وهنا يقيم علاقة صحيحة ويجعلك تتنازل عن أمور وتنكر ذاتك في أمور بحيث يسير البيت بشكل صحيح. نحن نحتاج حلقات في قضية الأزواج ألفت النظر لأمر أن القرآن لما عالج المشكلات لم يقل انتظر لما المرأة تنشز وإنما قال (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ (34) النساء) يعني المرأة لم تنشز فقال للرجل أن يتحرك مع بوادر النشوز لا لما يحصل النشوز وقال للأسرة (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا (35) النساء) هذا يدل على حرص الإسلام على البيت. مسألة الخوف هنا وهنا قال للرجال (تخافون) وقال للأسرة (خفتم) وأنا أتعجب من بعض الأزواج حين تسأل المرأة هل طلبت حكماً من أهله فتقول ليس له كبير وهي ليس لها كبير هذا لا ينفع، لا ينفع أن يكون اثنان حصل بينهما شقاق وتنحل المشكلة لا بد أن يكون هناك حكم وعبر القرآن عن هذا (فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا (35) النساء) حكم من الحكمة لا من الحُكم. طالما المشكلة داخل البيت يمكن أن تنحل المشكلة لكن إذا خرجت القضية للأسرتين لا بد أن يكون هناك حكم من أهله وحكم من أهلها وهذا قرآن ونحن لا يمكن أن نفهم أكثر من الله تعالى الذي خلقنا. ألفت النظر إلى مدى حرص القرآن على إقامة البيت المسلم بحيث يأمر الرجل والأسرة بالتحرك أول ما تظهر بوادر المشكلة لكن للأسف ما يحصل في مجتمعاتنا أنهم يتركون الأمور تتطور إلى أن تصل إلى المحاكم وهذا لا ينفع نحن لو طبقنا الشريعة - أنا أتعب ممن يقول تطبيق الشريعة الإسلامية وهم يريدون من تطبيق الشريعة الحدود والحدود ليس لها علاقة بالحدود هم يريدون قطع يد السارق ورجم الزاني وهذه حدود وليس لها علاقة بالشريعة لأنك لو طبقت الحدود وقطعت يد السارق تكون أنت لم تنجح في تطبيق الشريعة لأن الشريعة يعنيها أن لا يسرق الرجل لا أن أقطع يده، يعنيها أن الرجل لا يزني لا أن أرجمه لما يزني هذه هي المسألة. وكذلك البيت المسلم لو تجرك المرأة والرجل ولو تحركت الأرستين لا تجد هذا العدد الهائل من القضايا في المحاكم. هذا شرع الله أنه أول ما يجد الرجل نشوزاً يتحرك وأول ما تجد الأسرتين شقاقاً يتحركوا.
المقدم: موضوع التقوى الذي ننادي به بعضهم يرى أن المطلوب تطبيق هذا السلاح أي التقوى من قبل الرجل والمرأة وينسون أن أهل الزوجين عليهما دور كبير ففي بعض الأحيان يكون الخلاف صغيراً بين الزوجين لكن الأهل هم الذين يكبرون المشكلة.
د. هداية: ولهذا قال القرآن (حكم) أي رجل وليس امرأة. نضرب مثالاً: لو أبو الزوجة ليس حكيماً لا يذهب هو وإنما يذهب الرجل الذي تراه الأسرة حكيماً وعنده استعداد أن يقيم البيت لا أن يخربه فلو شتم الزوجة الزوجة يأخذه ويكلمه بهدوء ولذلك القرآن قال (فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا) يعني يجب أن يكون الحكم لديه أفق وفي نيته الإصلاح ويأخذ الجل على جنب ويتكلم معه ويأخذ المرأة على جنب ويتكلم معها وهنا تقام المسألة على شرع الله وعلى سنة رسول الله r وعمر ابن الخطاب في رواية إن صحت ضرب الحكمين عندما لم يصلحا بين الزوجين وقال ألم تسمعوا قوله تعالى (إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا) الضمير للحكمين مع أن بعض المفسرين وأنا منهم يرون أن الضمير يعود على الفريقين يعني الحكم ومن معه والحكم الآخر ومن معه ويجب أن يكون في نية الحكم الإصلاح لا التخريب. في إحدى المرات كنت ذاهباً لأحكم بين اثنين وكان الحكم الآخر يريد أن يطلق المرأة فلما سألنا عنه قيل لنا أن هذا هو ابن خالتها ويريد أن يتزوحها، هذا لا ينفع أن يكون حكماً! لا بد أن نطبق شرع الله تعالى فاستبعدناه من الجلسة وتكلمنا مع المرأة وأصلحنا بينهما لذا الحكم الذي يريد أن يفسد لا يجب أن يذهب. والقرآن الكريم يقول (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا) لم يقل أن الشقاق حصل وإنما خفت أن يحصل هذا مثل البيت الذي ترممه أولاً بأول وأنا أرى أن الحياة الزوجية تحتاج لترميم أولاً بأول. أول ما تجد في زوجتك بوادر نشوز خذها رحلة وأصلح الأمر ويجب أن تكون المرأة حريصة على إقامة بيتها. ملخص أحاديث الرسول r التي ذكرناها "فاظفر بذات الدين" واظفري بذي الدين وحتى لو كان هناك أخطاء بعد الزواج عالجوها والإسلام جعل الطلاق آخر مراحل الخلاف ففي بداية النشوز قال للرجل أن يتحرك وقال للأسرة أن تتحرك أول بوادر الشقاق فأعطى للجميع تعليمات فقال للرجل (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) النساء) لو افترى الرجل سيتصدى الله تعالى له وقال للأسرة (فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا) وآخر الحلول (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130) النساء) ليس كما يحصل الآن والطلاق لا يقدم عليه الرجل إلا إذا كان آخر حل لأنه سيسأل عن هذا يوم القيامة.
المقدم: هل من ضمن تطبيقات كلمة التقوى أن نحدد من كلمة الطلاق التي صارت سهلة على لسان الناس؟ هناك رجل لا يفعل أي شيء إذا لم يحلف بالطلاق فهل ينفع هذا؟ وهناك نساء كل لحظة تقول للزوج طلقني، والبعض يقول أنه من ضمن الرجولة أنني أنا رجل محترم وسأتزوج من امرأة محترمة وأول ما تطلب الطلاق مني أطلقها فطالما هي لا تريد أن تعيش معي فلا حاجة لي بها؟
د. هداية: لا تؤخذ الأمور بهذه الطريقة لأن النساء خلال مناقشاتنا يقلن أن المرأة أحياناً تطلب الطلاق من باب أنها تريد أن ترى مكانتها عند زوجها لكن هل لا يمكن أن نقيس مكانتها عند زوجها إلا بهذه الطريقة؟! هناك مفاهيم يجب أن تصلح فإذا كانت كلمة الطلاق عيب من الرجل فهي من المرأة أعيب والمرأة الواعية تقيس مكانتها عند زوجتها بأساليب ثانية لا بطلب الطلاق لأن هذه كلمة عظيمة لا تقال إلا عند الضرورة فأنا لا أحترم المرأة التي تكثر هذا القول ولا الرجل الذي يكثر من هذا القول بل إن بعض العلماء اعترضوا على صاحب الطلاق المعلق الذي يقول إن فعلت كذا تكوني طالق وإن ذهبت إلى هذا المكان تكوني طالق هذا رجل غبي لا يعرف أن يدير حياته وبيته فالرجل المحترم والمرأة المحترمة لا يقولون هذه الكلمة إلا عند التنفيذ ولا تقال عندهم إلا كما ذُكرت في القرآن بعد فشل كل الحلول والمحاولات وسلك كل الدروب إقامة البيت المسلم فإن كان ولا بد يكون الطلاق. حتى في الخلع القاضي يمهل ستة أشهر ويحضر خبير نفسي ويحضر حكمين. قانونية الخلع في الشرع الخلع يحصل إن أصرت المرأة على ذلك وهذا شرع الله سبحانه وتعالى وسنة الرسول r لكن القاضي يقول أمهلها بعض الشيء ربما عادوا عن أمر الخلع وهناك حالات لما القضاء أمهلهم عادوا.
المقدم: البعض قالوا أن الواقعة التي استدل بها القضاء لتشريع الخلع أنه لما وجه الرسول r لم يسحب القيادة من الرجل لكن قال له خذ الحديقة وطلقها فأخذ الحديقة وطلقها تطليقة وانتهى الأمر إذن الرجل هو الذي طلق في نهاية الأمر، الرسول لم يطلقها وإنما زوجها هو الذي طلقها.
د. هداية: هناك فرق بين الطلاق والتطليق، الطلاق أن الرجل يطلق والتطليق أن الرجل متعنت لا يريد الطلاق فيجوز لولي الأمر أن يطلب من الزوج الطلاق. القاضي يفعل مثل الرسول rكنائب عن ولي الأمر يوقع الطلاق على سبيل التطليق أن الرجل لا يريد الطلاق.
المقدم: كل الكلام الذي قلناه في النهاية يصب في خانة واحدة خانة التقوى إن كان في أمر العلاقات والسلوكيات أو العبادات أو المسألة الزوجية والأزواج والذرية نتكلم عن التقوى في كل شيء، كلها تصب في بوتقة التقوى وآخر ما وصف به عباد الرحمن أن يجعلهم للمتقين إماماً. فكل الناس الذين سيعملون هذه الأوصاف سيجزون الغرفة بما صبروا, ما دلالة إسم الإشارة (أولئك)؟
د. هداية: عباد الرحمن في منزلة بعيدة ليس بعداً مكانياً وإنما بعد منال. في نهاية توصيف عباد الرحمن أتمنى أن نكون خرجنا بأكبر نسبة من المشاهدين على توصيف عباد الرحمن وفي الحلقة الأخيرة الأسبوع المقبل سنعيد إن شاء الله الصفات بسرعة ونوقعها على كل واحد منا ونرى كل واحد كم يفعل من هذه التوصيفات ولذلك نقف الآن عند قول الحق تبارك وتعالى (بِمَا صَبَرُوا) الشاهد في الآية أن اي توصيف من توصيف عباد الرحمن لن يتم إلا بالصبر وأذكر نفسي والمشاهدين أنه حتى المصلي إذا لم يصبر على حركات الصلاة لن تكون تامة وقد يتسبب بالسهو. القرآن وصف هذه القضية في أوائل البقرة فقال (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ (45) البقرة) يعني لما يكون عندك مشكلة أياً كان نوعها لو استعنت بالصبر والصلاة تنجح وتنتهي المشكلة والصبر ليس له حدود ويبدأ حيث ينتهي. القرآن الكريم وقع توقيعاً جميلاً عندما قال (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18) يوسف) وكأن يعقوب u يعلمنا أن كلام هؤلاء الأبناء لا يقبل وكلام غير منطقي لكن بالصبر الجميل وبالاستعانة بالله تبارك وتعالى تسير الأمور ويصبر يعقوب ويعود يوسف u على وضع لو خير يعقوب من البداية أن يختفي يوسف ثم يخرج عزيز مصر في المنصب الذي رآه فيه ويسجد له يعقوب u لقال يا ليت. الأمور تمشي باختبارات وابتلاءات لمعرفة درجتك لذا لما وصف عباد الرحمن قال بعد ذكر كل الأوصاف قال (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا (75)) لو عدّلنا الصياغة وجعلنا الغرفة في البداية تهون عليك كل الأوصاف لكن الحقيقة أن عباد الرحمن عملوا كل هذه الأوصاف والنتيجة أنهم يأخذون الغرفة هم لا يفعلون هذا لأجل الغرفة وإنما طاعة لله تبارك وتعالى لأن الغرفة توصيفها أنها أعلى الجنان فيها الفردوس فيها عليين فالغرفة كلمة تعني المكان العالي وليس المقصود بها أنها حجرة (وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37) سبأ) الغرفات هنا جمع غرفة، أولئك يجزون الغرفة لا يعني أن كل عباد الرحمن في غرفة ولكن كل واحد في غرفة والغرفة هنا بمثابة المنزلة العالية والذي يبين قيمتها لما يقول (وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا) يلقون نأخذها مقابل (يَلْقَ أَثَامًا) قارن بين يلق هنا ويلقى هنا، الذي فعل الشرك والقتل والزنا قال (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)) وعباد الرحمن (وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا) انظر للمقابل هنا وهنا. وهنا نحتاج إلى وقفة ثانية (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ (68)) الشرك والقتل والزنا قال (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) وقلنا الأثام جزاء الإثم وضاعفها وعددها وجمعها (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)) وهنا قال (وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)) وقبلها قال (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66)). هناك مقابلات كثيرة في السورة. (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وفي سورة سبأ (فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا (37) سبأ) الجزاء هنا الضعف. ذكرنا سابقاً أن يجب أن نضع الآيات مقابل بعضها في سورة الرحمن قال تعالى (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)) ومن لم يخف مقام ربه يضاعف له العذاب. وقلنا بالمنطق أن ربنا تعالى من حكمته أنه جعل لنا مكانين واحد في الجنة وواحد في النار فالذي يدخل الجنة يخلو مكانة في النار والعكس. ولذلك النار مزحمة والجنة فارغة لأن عدد المتقين وعدد أهل الجنة قليل فالذي يخلو في النار قليل والذي يخلو في الجنة كثير فتكون الجنة واسعة جداً والنار حشر وزحمة لذلك آية سورة ق لما تفسر على التفسير العامي (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ (30) ق) يفسرها البعض على أنها تطلب المزيد لكن السؤال إنكاري هل من مزيد يعني لا مزيد لم يعد هناك مكان امتلأت. ولا ينفع أن تكون هل من مزيد رد على المولى تعالى الذي وعد أن جهنم ستمتليء لكن المنطق مع أنه وعد أنها تملأ لما يسأل تقول هل من مزيد يعني لا مزيد يعني تحققت كلماتك ووعدك يا رب أنها امتلأت ومع ذلك يدخلوا والذي سيدخل يدخل في ضيق والجنة عكس هذا لأن عدد المشركين والكفار والمنافقين كثير فلما تخلو أماكن قليلة وتدخل أناس كثر يدخلون في ضيق لكن لما تخلو أماكن كثيرة وتدخل أناس قلائل يكون هناك سعة لهذا الجنة حسنت مستقراً ومقاماً والنار ساءت مستقراً ومقاماً. لذلك قال الرجل (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) الفجر) كأنه شعر أن الحياة التي مضت لم كنت تستأهل وإنما الذي يستأهل التعب الحياة الآخرة ولذلك (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا) صبروا على مشاق العبادة والطاعة والحديث الصحيح يقول: حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات فالذي أدخل الناس النار هي الشهوات. لم ينتبه أحد لقوله تعالى (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70)) لأنه رغم أنه ذاق لذة المعصية امتنع عنها طاعة لله. وقلنا سابقاً أن المعصية لها لذة يزينها الشيطان والبعض الشهوة عنده أعظم من طاعة الله لكن لما يصبر على الشهوة ويمتنع عنها طاعة لله يقول تعالى (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70)) الله تعالى يكافئهم مكافأة غير عادية أن تبدل سيئاتهم حسنات وسبق أن شرحها من كل النواحي إما أن تتبدل السيئة التي عملها حسنة وإما تتبدل السيئة التي كان سيفعلها حسنة أو لأنهم أصبحوا من أهل التقوى فلن يكون لديهم سيئات وإنما حسنات كل هذه المعاني صحيحة ولذلك الباب الوحيد الذي لا يمكن أن يقفل هو باب التوبة "إن الله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار" لما عرضنا الحديث سألنا سؤالاً هل الذي أساء في النهار ينتظر إلى الليل ليتوب؟ كلا وإنما يبادر إلى التوبة مباشرة حتى تلحق نفسك ولذلك قال (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ (17) النساء) من قريب وبسرعة حتى لو كان في مجلس المعصية ولا يكررها ثانية وهذه القضية التي يبكي عليها العارفون إذن ساعة تعصي تُب إلى الله وإذا تبت آمن ثم إلجأ إلى العمل الصالح. الآية التي بعدها (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71)) إذا ذهبت إلى هذا المكان لا ترجع منه مكان آمن بعيد عن المعاصي والذي يصاحب صحبة خير يبقى في خير والذي يصاحب صحبة سوء يبقى في سوء وسنضيف إلى شروط التوبة عدم الذهاب إلى صحبة السوء ثانية بعد أن تتوب وهذا الشرط لم يضعه العلماء مع أن الصحبة هي التي تورط الإنسان من السيئات بدليل أن المتعاطي للمخدرات أول مراحل العلاج أن يعزلوه عن صحبة السوء فالصحبة شرط لم يوضع في شروط التوبة.
(أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا (75)) المكان العالي و(أولئك) تدل على مقام رفيع وعلى بعدهم في المنال لا في المكان.
المقدم: هذه الآية تهوّن المشوار الغرفة في أعلى مكان في الجنة جزاء الصبر وفيها تحية وسلام وفي سورة الرعد (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (23))
د. هداية: الآية التي قبلها (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ (74)) واختلفنا قرة عين هل هي في الدنيا أو الآخرة؟ قلنا اجعلها في الدنيا والآخرة لو قرة أعين في الدنيا ستكون في الآخرة فتلحق بك الذرية الصالحة وهذا لا يعني ذريتك أنت فقط وإنما خذها على السمتوى العام اتبعوك وصاروا من أهلك.
بُثّت الحلقة بتاريخ 29/4/2008م

ميارى 28 - 7 - 2010 06:16 PM

التوبة والاستغفار 75
تقديم علاء بسيوني
المقدم: نكمل المشوار في ختام سورة الفرقان ونحن نتكلم عن ختام أوصاف عباد الرحمن ووقفنا عند أهمية التقوى بعد أن ذكر أوصافهم ختمت السورة بدعاء جميل (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) الفرقان) لا يطلبون أن يكونوا من المتقين وإنما إمام للمتقين، ما الفرق؟ وما هي أهمية التقوى؟ ولماذا هي هدف للإنسان المسلم المؤمن الذي يريد أن يكون من عباد الرحمن؟. وقفنا مع مسألة التقوى في حلقات سابقة وهي موجودة في أول سورة البقرة وموجودة هنا في ختام أوصاف عباد الرحمن، فما أهميتها؟ ولماذا يؤكد المولى تعالى أهميتها في القرآن الكريم في أكثر من موضع؟ ولماذا هي غاية وهدف ووسيلة؟
د. هداية: في البداية يجب أن نقف عند قول الحق تبارك وتعالى (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) أولاً ما هي التقوى؟ وكيف أتقي؟ لما نستعرض القرآن نجد أحياناً تأتي اتقوا الله وأحياناً اتقوا النار. فالتقوى هي صناعة الوقاية بينك وبين محارم الله تبارك وتعالى أو بينك وبين النار والنتيجة واحدة فالذي يتقي محارم الله أو يتقي النار إن شاء الله يكون من أهل الجنة إياً كانت الدرجة سواء كان من السابقين أو من أصحاب اليمين أو من عباد الرحمن لكن كل مسلم يجب أن يعلم أن كل درجة فيها تفاوت كبير عن الدرجة التي تليها أو التي تسبقها ومن ثم أؤكد على القول أن أقل الجنة جنة وأقل النار نار. التقوى أن أصنع وقاية بيني وبين محارم الله تعالى أو بيني وبين النار أن اي عمل يقربني من النار يجب أن أبتعد عنه وأي عمل يقربني إلى الجنة يجب أن أسعى إليه (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران). وليس صدفة أن يكون في مطلع الكتاب (سورة البقرة) كأن الله تعالى يريد أن يضع لنا منهجاً وخطة لذلك السورة تبدأ بالمتقين ولم يقل بالمؤمنين (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2)) كأن مسألة التقوى هي التي ستعمل درجات الإسلام والإيمان والإحسان، فخي أصبحت وسيلة وغاية هي التي توصلك إلى الجنة إن شاء الله. لما يقول (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) كأنه في مطلع الكتاب أن المسألة تتلخص في أن تتبع المنهج أو هذا الكتاب بوسيلة هي التقوى. فلما تقرأ آيات عذاب تتقي ولما تقرأ آيات نعيم تسعى ولما تقرأ آيات عن اليهود لا تكون مثلهم وهكذا وتأخذ كل شيء على محمل التقوى بدليل أن وصّف المتقين وهذا التوصيف مهم جداً لما وصف عباد الرحمن قال الذين والذين ثم في آخر الوصف قال (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75)) وفي مطلع الكتاب في سورة البقرة قال (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) لم يقل للمؤمنين لأن الإيمان في حد ذاته هو درجة تطبيق فإذا كنت تريد أن تفلح فيها يجب وأنت ذاهب لها تتقي وأنت فيها تتقي فأصبحت التقوى وسيلة في كل الدرجات. عندنا خمس درجات للعبودية إسلام الرسالة وهو أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأتبرأ من كل ديانة أو شرع يخالف دين الإسلام من عهد الإسلام لا ديانة محمد r فقط وإنما الإسلام بعدها الإيمان ثم التقوى ثم الإحسان ثم إسلام الوجه لله تعالى. هذه ليست توصيفات من عندنا وإنما ينادي تعالى على الذين آمنوا ويطالبهم بالاسلام (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) آل عمران) الناس تتصور أن الإيمان أعلى درجة من الإسلام، وقلنا إذا سألك أحدهم أيها أعلى؟ إذا كنت واعياً عليك أن تسأل أي إسلام تريد؟ اليهودي والنصراني الذي يريد أن يسلم هذا يسلم إسلام الرسالة أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ثم يسألك كيف تفعل هذا وهذا؟ وليس من سبيل الصدفة أن الله تعالى ساعة قعّد الصحابة عن سؤال الرسول r في قضية مهمة وهي درجات العبودية أرسل الله تبارك وتعالى جبريل الأمين في هيئة شخص يسأل الرسول r ما الإسلام؟ ما الإيمان؟ ما الإحسان؟ هذه ليست صدفة. الإسلام وصلنا عبر الكتاب والسنة الصحيحة حيث يسأل أحدهم الرسول r سؤالاً أو الرسول r يوجه أحدهم إلى أمر ما فالإسلام وصلنا هكذا واستقر هكذا. فلما الصحابة قعدت عن الأسئلة أو لم ينتبهوا لها أرسل الله تعالى جبريل وجلس إلى رسول الله rوعمر بن الخطاب استغرب كيف أن السائل يعرف الإجابة "عجبنا له يسأله ويصدقه"، جبريل يسأل حتى يعلم الأمة فسأله عن الإسلام وعن الإيمان وعن الإحسان. وقد عرضنا الروايتين للحديث لما سأله عن الإحسان "قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لا تكن تراه فإنه يراك"، وهذه هي الرقيب التي تعمل التقوى. الذي يستتر من الناس ويعمل الجريمة هذا يستهون بالله تبارك وتعالى وقلنا أننا لا نريد أن يقال لنا يوم القيامة لم جعلتني أهون الناظرين إليك؟ استحييت من الناس كلهم ولم تستحي مني. فالذي أعمل صفة الرقيب الغائبة عن كثير من المسلمين وحتى المؤمنين لا المتقين لأن المتقي يعرف ما معنى الرقيب، نحن جبلنا على خلقة أننا لا ندرك الله تبارك وتعالى أو نراه في الدنيا. كيف تريد أن نرى الله تعالى بهذا النظر القاصر؟ نظرنا نحن سيشوه هذا الإله الحق إذا رأيته، فهذه حكمة، كل واحد درجة إبصاره مختلفة والشخص الواحد لديه درجة إبصار مختلفة في مارحل مختلفة من عمره وهذا يرى من قريب ولديه ضعف في المسافات، مستحيل حتى عند النظر الواحد فجعل الله تعالى رؤيته وإدراكه بالقلب هذا لا يتغير من واحد لواحد، هذه الرؤية القلبية والرسول r قال (كأنك تراه) تراه ليس بعينك وموسى u أكبر دليل قال (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ (143) الأعراف) ليست المسألة مسألة تعديل نظر فلو رأيته بقلبك يكون أفضل فأوقع له التجربة (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا) أنت أغمي عليك لما رأيت الذي رآني فدعها في قلبك فالرؤيا الإيمانية أفضل رؤيا والرسول r يوقع الرؤيا القلبية (فإن لا تكن تراه فإنه يراك) هذه صفة الرقيب، إعمل وتأكد أنه تعالى يراك فلما تتحرك تحرك بأدب مع الله وبخوف والرسول r يلخص المسألة فيقول (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات) الذي يريد أن يدخل الجنة يتقي المكاره والذي يريد أن يدخل النار يتبع الشهوات وأعلى درجات التوصيف في عباد الرحمن أنه وصفهم (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) الفرقان) صبروا على المكاره والشهوات وهو يسعى إلى الجنة ستقابله مشاكل وساعة يتقي النار ستقابله شهوات يجب أن يكبحها ويمنعها وهو يمنعها يضعها في الحافظة ويرى النتيجة يوم القيامة آه لو تذكر أنه امتنع عن كذا وهي حرام، أرجو أن تجربوها مرة واحدة توقف عند شهوة وانظر النتيجة يوم القيامة لأن موضوع تفعيل النية وكبح الشهوة مهم جداً.
المقدم: الذي يريد أن يتوقف عن التدخين لا يقول أن التدخين مضر بالصحة ولكن توقف عنها طاعة لله تعالى لذا عليك أن تحسن النية.
المقدم: التقوى وسيلة وغاية. نعطي مثالاً أنا عامل ماهر وعندي حرفة وصنعة وأنا داخل المصنع الذي فيه مواد كيمائية أحتاج لبذلة خاصة معالجة كيمائياً حتى أحمي نفسي خلال عملي، كيف نطبق هذا المثل في الحياة؟
د. هداية: هذا المثل طيب لأن واقع حياتنا الرجل الذي يعمل مصنع ويأخذ ترخيص هذا أمر وأن يمارس العمل أمر آخر فهو قد يكون ضحك على موظفي الأمن الصناعي وأراهم طفاية حريق غير ممتلئة أو أراهم زياً للعمال لكنه مغشوش فأخذ الترخيص لكن لما قال للعمال اشتغلوا فقالوا له انتظر أنت ضحكت على موظفي الأمن الصناعي لكن لن تضحك علينا. التوصيف والتوقيع هذا بين ورقة أريد أن آخذها من الحكومة فأضحك عليهم أو أدفع رشوة هذه قصة والقصة الثانية لما طلب من العمال أن يعملوا فرفضوا لأنه ليس هناك وقاية من النار وهذه نار الدنيا! القصة هذه لخصها تعالى قرآنه بحكمة منقطعة النظير، هذه البذلة التي يلبسها العامل هي بذلة واقية من نار دنيا فما البذلة الواقية من نار جهنم؟ إسمع قول الحق تبارك وتعالى (وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ (26) الأعراف) هنا لباس التقوى ليس بذلة ولا قميص وإنما لباس واقي في كل حركة حياتك وأنت إما تسعى للجنة وإما تتقي النار فهذا اللباس يعمل في الحالتين وتوقيع القرآن (وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ) ذلك خير معناه أنت تعمل عمل تتقي فيه النار فهو لباس التقوى وأنت تعمل عمل للجنة فهو لباس التقوى أيضاً، التقوى هنا كلباس تعبير مجاز أنك تحتاج وقاية في كل حياتك. التوقيع القرآني في قصة النار والجنة قال (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ (185) آل عمران) لم يبدأ بالجنة لم يقل من دخل الجنة وأنقذ من النار كأن طبيعة الأمر لو ترك الناس لأهوائهم يدخلون النار والعياذ بالله، (زحزح وأدخل) الفعلين مبنيان لما لم يسمى فاعله لا للمعلوم، من الذي زحزح وأدخل؟ إياك أن تعتقد أنه عملك وإنما هو الله تعالى واسمع دعاء أهل الجنة وهم في الجنة (وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ (43) الأعراف) البعض اختلف في المشيئة هل هي للعبد أو لله (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (27) لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29) التكوير) لا تعتقد أن مشيئة العبد منفصلة عن مشيئة الله إياك أن تفكر أنك ستفعل أمراً لم يكتبه الله عز وجل، الملخص أنه الذي يعمل عملاً فيه خير فليحمد الله ولا يقول أنا ولا يغتر بإيمانه. البعض من الذين يصلون الفجر في المسجد لا يكلمون أحداً لأنهم يظنون أنهم أفضل منهم، هذا غير صحيح، هذا العمل فرض عليك وإذا ذهبت للصلاة في المسجد الفجر فقل الحمد لله الذي هداني لهذا وما كنت لأهتدي لولا أن هداني الله، وهذا دعاء أهل الجنة داخل الجنة والرسول r يقول (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: إلا أن يتغمدني الله برحمته) فرحمة الله تبارك وتعالى هدتني للعمل الصالح الذي قمت به فدخلت الجنة إذن دخلت الجنة برحمة الله وهدايته ودرجتي داخل الجنة بعملي، أنت عملت بفضل الله تبارك وتعالى فعندما عملت أنت قمت بشيء في وقت كان غيرك في خمارة أو بار أو غيره.
المقدم: من قلة الأدب أن يقال عن المشروبات التي تفسد العقل والروح مشروبات روحية، سموا الخمرة المحرمة التي تفسد العقل مشروبات روحية.
د. هداية: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِي (29) الحجر) الروح التي هي نسبت للمولى عز وجل، وهذا يجعلنا نقول للذين يقولون بغير علم أن الحيوان فيه روح والقطة فيها روح نقول لهؤلاء أن الحيوان ليس فيه روح وإنما فيه قوام حياة، الروح تميز بها الإنسان وهي من روح الله تبارك وتعالى (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِي)، وهذه قصة السجود سجدت الملائكة لآدم أن فيه من روح الله تبارك وتعالى.
هذه هي الوديعة الإلهية عندما ينتهي أجل الإنسان لا تظل في الأرض وإنما ترفع إلى السماء. قلنا سابقاً أن سهم الحياة عكس سهم الموت وآخر شيء يدخل جسم الإنسان وهي الروح هو أول ما يخرج منه عندما يموت والروح سر من أسرار الله تبارك وتعالى وليس من أمره، الروح التي من أمر الله هي القرآن (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ (15) غافر) كل الوحي والقرآن من أمر الله أما قوام حياتي فهو سر من أسرار الله ليس من أمر الله. إذن تسمية الخمرة بالمشروبات الروحية مسألة يجب التوفق عندها لأنه في بعض الحالات نحن نسكت عن بعض الكلمات أو لا نرد عليها وهذه مسألة خطيرة ولذلك في بعض الأحيان نشعر أننا نعيش هكاذ وانتهى الأمر لكن الأمر ليس هكذا والجنة ليست رخيصة. قراءة القرآن لم تعد بالعناية اللازمة لذلك لم نعد ننهى عن المنكر ونأمر بالمعروف. لو أن أحدهم يقرأ القرآن بتدير ويقرأ (من روحي) عليه أن يعترض عندما تسمى هذه المحرمات مشروبات روحية والذي يقرأ القرآن يجب أن يعترض على بعض التسميات والكلمات مثل المشروبات الروحية.
المقدم: الآن أصبحت مسألة المشروبات الروحية على مرأى ومسمع من الناس ولم تعد كما كانت في السابق بأنها تخفي شراءها لهذه المشروبات أما الآن فيمكن شراءها من أي مكان وأصبحت مغرية بشكلها وألوانها دون رقابة ودون اعتراض أحد من الناس وهذا الأخطر لأنه إن لم تستحي فاصنع ما شئت. المعصية مشكلة والمجاهرة فيها مشكلة والذي لا يعترض عليها مشكلة.
المقدم: قلنا في تفسير الآية (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) الأنفال) قلنا الذي ظلم ربنا سيعاقبه وهذا أمر منطقي لكن ما ذنب الذي لم يظلم؟ ربنا يأخذ المجتمع كله بجريرة الذين عصوا لأنهم سكتوا والساكت عن الحق شيطان أخرس والقصة في هذا الرجل الذي جلس مع قوم يعصون الله تعالى ونزل جبريل ليقلب عاليها سافلها قال فيهم عبدك الصالح قال فبه فإبدأ لأنه لم يتغير وجهه من أجل الله تبارك وتعالى ولم يعترض. الساكت عن الحق شيطان أخرس، إعترض لله تبارك وتعالى على الأقل بقلبك إو بوجهك وهذا الموضوع استفحل كثيراً ولقد تابعنا منذ فرتة تعليق الصحافة على مدرسة ثانوية أقامت حفلة تخرج لطلابهم لكن الحفلة تأخذ شكل تأجير صالة في فندق ونحضر الراقصات والطالبات تذهبن بلباس سواريه وأجسامهن عاريات فأين الأهل وأين المربي الفاضل الذي أشرف على الحفلة وأين المجلات؟
د. هداية: هذه الآيات التي معنا قد تلفت النظر لما تذكره بطريقة مبدعة أن عباد الرحمن وهم صفوة الصفوة لم يقولوا واجعلنا من المتقين لأنهم هم أعلى من كل هذا التوصيف، هم يقولون (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) الإمام توصيفه بالنسبة للمأموم أنه رمز وقدوة فيجب أن يعمل أعلى فإذا كان المأموم من المتقين فكيف يكون الإمام؟! متقي أعلى، لأن الإحسان مرحلة لما جبريل سأل الرسول rالذي هو إمام المحسنين عنها قال ما الإحسان؟ قال r أن تعبد الله كأنك تراه يعني الإحسان ليس عبارة عن عمل عادي وإنما عمل فيه تزيّد في التفعيل نفسه وهذا ما لم نفعله نحن في المجتمع. أن تعبد يعني دخلت مسجداً الذي فيه فئات مختلفة فأحسن واحد منهم عباد الرحمن يريدون أن يكونوا إمامهم. إذا كنت أنا أطالب أن أكون إماماً للمتقين فيجب أن أعمل أعلى منهم لأنه إذا كان المأموم من المتقين فماذا يكون الإمام؟ درجات لا تخطر على بال مجتمعاتنا الحالية.
المقدم: نذكِّر أنفسنا أنه علينا أن نقول على الشيء الخطأ خطأ. المجتمع سمى الرقص فناً وقد اعترض بعض أعضاء مجلس لشعب على إحياء الراقصة لحفل تخرج طلاب الثانوية وقسم قال لِمَ لم تعترضوا على التعليم ومشاكله ومستواه وغيره. المجتمع سكت عن أمور صغيرة فاتسعت نسبة العيب. الدور الذي يجب أن يلعبه كل إنسان ولا يقول البعض هل أنا سأصلح الكون؟ يجب أن نعترض بأسلوب حضاري فكيف أكون إيجابياً حتى لا يحق علينا العقاب؟
د. هداية: لعل هذه الآية تبصر الناس بأن الجنة إذا كانت لفئات معينة جداً قليلة جداً في استعراض اللإيمان والتقوى والإحسان والآيتين اللتان نذكرهما في سورة يوسف يبين أن عدد أهل الجنة يكاد يكون قليلاً لما قال تعالى للرسول r(وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)) (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)) ما هو الشرك؟ ما هو الكفر؟ عندما نوقع الآيات في القرآن الكريم (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ (29) الروم) ولم يقل ظلموا من؟ ولما سأل القرآن الرسول r(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ (23) الجاثية) المال أصبح إلهاً والخمر إلهاً. عباد الرحمن وهم فئة خاصة وصفوة الصفوة من المؤمنين لم يحمدوا ربهم أنهم من عباد الرحمن وانتهى الأمر وإنما عليهم دور كما توضح الآية سألوا الله تعالى أن يوفقهم إليه (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) الإمام هو القدة والأسوة فمن إمام عباد الرحمن؟ من إمام الأئمة؟ الرسول rوالقرآن لخصها (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ (21) الأحزاب) الله هنا غاية، لم يقل جنة أو مغفرة، لهذا مرة وردت تتقي الله ومرة تتقي النار هو يهتم لأمرين نقولهما 17 مرة في الفرائض، مالك يوم الدين الله واليوم الآخر، اليوم الآخر هو يوم الحساب والجزاء والله مالك هذا اليوم. لكن هل كل من يقرأها كل يوم ساجد لله؟ هل كلنا نقولها مثل بعض؟ هناك عامة وخاصة وصفوة وصفوة الصفوة. فعندما يقول عباد الرحمن (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) اجعلنا يعني نحن جماعة وللمتقين جماعة أفرد إماماً ولم يقل أئمة لأن الأئمة على منهج واحد لإله واحد والمفروض أن لا يختلفوا. كلمة إماماً هنا لا تعني بالفهم البسيط أنه الذي يؤم الناس وإنما يعني دليلاً، إماماً يعني دليلاً في السراء والضراء في الرخاء وفي الشدة، في الأزمة ابتلاء وفي الرخاء ابتلاء، أنت في الرخاء عادة لا تذكر الله ولكن تذكره في الشدة ومع أن هذا أكبر اعتراف بقدرة الله في الشدة لكن عليك أن تعرف الله في الرخاء حتى يعرفك في الشدة. علينا أن ننتبه لمقلوب هذا الواقع الرجل الذي ذهب يوم القيامة كان قد أعرض عن ذكر الله قال تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126) طه) كذلك يعني نحن فعلنا معك كما فعلت أنت أتتك آياتنا فنسيتها ولم يقل فأعرضت عنها مع أنه سبق استعمال أ‘رض في الآية، نسيتها يعني لم تطبقها رغم معرفتك لها بالفطرة (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) الأعراف) يعني يريد أن يقول لك أن أبسط أمور المعرفة أن تعرف الله تبارك وتعالى وأول جنود الإيمان الكفر. الذي كفر بالله ستره وهو أول من أثبت وجود الله، لو أن الإله ليس واجب الوجود لم يكفر. قال (قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) تنسى لا تعني أن الله تعالى نسيه بدليل أنه يحاسبه، هذا نسيان من رحمة الله تبارك وتعالى، وكأن كما أن الأصل الرحمة لكنك أنت لا تستأهلها (وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) من رحمة الله تبارك وتعالى السبب أنه أعرض عن ذكر الله فكأن الذكر أصل، الذي يسمع الأذان ولا يصلي، الذي يأتي رمضان ولا يصم، والذي يصلي يسرح.
المقدم: الآية تتكلم عن الشرك بالله (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106) يوسف) كثير من الناس لا يفهمونها؟ هو قال يؤمن يعني شرك مع إيمان، لو طبقنا هذا في المجتمع البعض يظن أن رزقه بيد المدير فيضطر إلى النفاق والمدين يتخيل أن فلان سيفك دينه والمريض يظن أن هذا الطبيب سيشفي ابنه والذي يذهب إلى الأضرحة ويطلب شفاء فلان أو نجاح فلان ولم يسألوا المولى تعالى وإذا قلت له أن هذا شرك يعترض؟
د. هداية: من هو المؤمن؟ هو الذي يطبق الأحكام، الرجل الذي يقرأ القرآن كل يوم لما مر بضيق لم يقل اللهم أغنني وإنما قرأ سورة الواقعة وهو مقتنع أنه يتصرف بشكل صحيح. هذا يعملها يطبق الآية 106 في سورة يوسف هو مؤمن لكنه يشرك ساعة يقرأ سورة الواقعة وهو يظن أنها ستغنيه يعني الفاعل هو سورة لواقعة وليس الله تعالى وصدق الله تبارك وتعالى (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106) يوسف). لو أردنا أن نفهم أكثر (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) متى قالوها؟ بعد أن قالوا (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) الفرقان) كأنني أنا لا أسأل المولى عز وجل أن يجعلني إمام لللمتقين قبل أن أؤمن بيتي بزوجة صالحة وأولاد صالحين. لو أردت أن أسأل الله تعالى أن أكون للمتقين إماماً وأنا عندي زوجة غير صالحة أو ولد غير صالح لن تنفع لأن البيت والأسرة هي نواة المجتمع والمجتمع نواة الأمة فلما يحصل خلل في الأمة نعود للأسرة وأفرادها والأسرة جاءت من توجيه الرسول rالذي قال للرجل (فاظفر بذات الدين) وقال للأهل (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) هذا واقع نعيشه الآن للأسف الشديد.
بُثّت الحلقة بتاريخ 27/5/2008م

ميارى 28 - 7 - 2010 06:17 PM

عنوان الحلقة: التوبة والاستغفار 76
تقديم علاء بسيوني
المقدم: مشوار طويل قطعناه مع سورة الفرقان يعرض فيها المولى سبحانه وتعالى أوصاف عباد الرحمن، أناس يعملون أشياء كثيرة إيجابية ويبتعدون عن أشياء كثيرة سلبية وفي آخر المشوار يختموه بدعاء جميل جداً متعلق بأمرين: الزوج والذرية أن يكونوا قرة أعين للإنسان وهذا مهم للإستقرار حتى يستقر الإنسان في حياته وينطلق في عمله ويحسن العمل حتى يكون إمام للمتقين وليس من المتقين. والإمام هنا يعني الدليل والمرشد. جزاء الرحلة الطويلة التي بالتأكيد لها معنى وتكلمنا عنها في الحلقات السابقة، الجزاء الذي ذكره تعالى في الآية (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75)) الجنة أو الغرفة أول ما يكون جزاء بما صبروا هذا الجزاء الذي نحتاج أن نتنافس فيه وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. الذي يدخل الجنة يدخل برحمة الله تعالى والعمل سيكون مقياس ومعيار التفاضل والرقي في الجنة. الناس تنشغل بمتع الدنيا الزائلة وإن كانت حلال فهي زائلة وينسى الناس أن يعملوا للآخرة. فهل الصبر هو معيار التفاضل في الجنة؟ وما علاقة الجنة كجزاء بالصبر كتطبيق في مشوار الحياة؟
د. هداية: لعل الآية التي سنقف عندها توضح أن المشوار الطويل لم يكن هباء ولكن مشوار يستأهل بدليل النهاية والتوقيع القرآني في الآية مبدع (أولئك) يعني أولئك الذين والذين والذين والذين وحتى نفهم أكثر ذكرنا أن جملة (وعباد الرحمن) مبتدأ خبرها مؤجل والخبر هو الذي يوضح قيمة المبتدأ، عرفنا أوصاف عباد الرحمن لكن ما هي نتيجتهم وجائزتهم؟ (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا) نبدأ من النهاية، حتى نبين قيمة الخبر للمبتدأ الذي طال توصيفه على مدى 75 حلقة القيمة ظاهرة في إضافة السلام للتحية وليست توصيفاً لها وألفت النظر أن كل أهل الجنة تحيتهم سلام، أما عباد الرحمن يلقون فيها تحية وسلاماً وهذه فيها فرق. أنا أحيي فلاناً بالسلام يعني هو متقي لكن ليس من عباد الرحمن فإذا كان من عباد الرحمن يلقى فيها تحية وسلام وهناك فرق كبير أن تكونالتحية سلام أي أن الملائكة تدخل عليك وتسلم عليك (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ (10) يونس) لكن (وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا) مختلفة. نأخذ كلمة (يلقون) ونضعها مقابل (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)) بعد استعراض ثلاث كبائر على سبيل المثال لا الحصر بتوصيف عباد الرحمن وهم يمتنعون عن الشرك الذي قلنا أن خطورته أن الذي يأتيه قد يكون مؤمناً وإذا أشرك المؤمن فهو في النار وهو غافل ويظن أنه يحسن (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) الكهف) عباد الرحمن لا يمكن أن يأتوا الشرك لأنهم في درجة الإيمان والتقوى والإحسان وإسلام الوجه لله وهم طلبوا بعد استقرار بيتهم بالزوجة والذرية قرة أعين دليل على البرود (الدمع نوعان دمع حار وهو دمع الحزن ودمع بارد وهو دمع السرور) والمثل العربي يقول: "أقرّ الله عينك وأسخن عين عدوك"، هذه حقيقة بيولوجية ثابتة أن دمع الفرح بارد ودمع الحزن حار. فالآية بعد استقرار البيت والاطمئنان هم يريدون أن يكونوا إماماً للمتقين وذكرنا في الحلقة السابقة أن الإمام يجب أن يعمل عملاً أكبر من عمل المأموم فإذا كان المأموم من المتقين فالإمام يكون من المحسنين من عباد الرحمن فهم (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)) إذن من يفعل ذلك لا يمكن أن يكون من عباد الرحمن ولا من المتقين. (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) وقلنا الأثام جزاء الإثم قارن هذا بعباد الرحمن (وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا) والسلام غير التحية، السلام استقرار وهدوء وعندما وقعها القرآن قال (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (21) الحاقة) إذا كانت العيشة راضية فما بالك بالذي يعيشها؟ هذا توقيع قرآني هذا وصف المعيشة فكيف بالذي يعيش؟ (جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8) البينة). (وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا) ما هي التحية؟ المستقر عند الناس أنها إلقاء التحية على الناس ولكنها في الحقيقة ليست كذلك. التحية جاءت من الحياة لكنها جاءت في تفعل الحياة فتحيا غير تحية، تحيا يعني عايش لكت تحية فهذه الحياة الأبدية التي لا يخرج منها صاحبها لذلك توقيع القرآن من (تحية) قال القرآن (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ (64) العنكبوت) ولو وقعنا هذه وهذه في آخر سورة الفجر (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)) لم يتذكر إلا الآن وكيف تنفعه الذكرى ويقول يا ليتني قدمت لحياتي هنا فهم أن الحياة التي كان يعيشها لم تكن تستأهل عليه أن يكون واعياً والمفروض أن يرضى في الحياة الدنيا بالقليل للكثير الدائم (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) فالذي يقولها قال تعالى في توقيعها (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26)) مقابل هذا هناك من كان يعمل للآخرة فقال له تعالى (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28)) أرضت الله تعالى فسترضى (رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8) البينة) (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)) عبادي نضع مكان الياء عباد الرحمن الجنة هنا لو حذفنا الياء ووضعنا الرحمن لن تكون جنة وإنما ستكون غرفة (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا) والغرفة لا تعني أن جميع عباد الرحمن في غرفة واحدة بدليل قوله تعالى (وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37) سبأ) هذه الغرفة توضيف لتوقيع غرفات كأن الغرفة هذا المكان العالي هو غرفة من حيث التوقيع ولكل واحد غرفة وهذه الغرفة عرضها كعرض السماء والأرض.
المقدم: التحية مختلفة عن السلام، النبي r قال للمرأة العجوز " لا يدخل الجنة عجوز" وحزنت المرأة لأنها اعتقدت أنها لن تدخل الجنة لكن الذي قصده الرسول r أن الإنسان سيكون في ريعان الشباب لا يكبر ولا يشيخ ولا يمرض. هل هذا تفسير التحية التي وردت في الآية؟ أن الإنسان في الجنة يأخذ نوع الحياة النضرة التي تتمتع بكل شيء هل هذا أحد التفسيرات؟
د. هداية: هذا تفسير صحيح لأن كل شيء يبدأ وينتهي وإذا أردنا أن نرسم منحنى حياة الإنسان يصعد ثم ينزل الإنسان وهو صغير لا يتمتع وكذلك وهو كبير لا يتمتع، هذه الفكر رد بها القرآن على مفهوم اليهود للحياة (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ (96) البقرة) الإجابة من القرآن على الأمور إجابات منطقية وعملية المفروض أن القرآن يقول (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) المفروض أن يكون الرد من هذا الباب ولكن تكلم في النتيجة (وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ (96) البقرة) حتى لو عشت الألف سنة على الطريقة التي يعيشها اليهود سيخلدون في العذاب ولو كانوا واعين يجب أن يبتعدوا عن رغبتهم هم ويرضوا بما قسمه الله تعالى لهم ويسلموا لله ويأخذوا السنين الذي أعطاهم الله تعالى إياها ويعيشوها في طاعة وعمل وسعي. لو عشت أربعين خمسين ستين في طاعة ستكون في نعيم دائم. الرد في الآية يناقش أنه سلم بالألف سنة تسليماً جدلياً فيناقش القرآن ما تراه أنت بعينك، أنت في سن الذروة ينظر بعيني رأسه على طفل ومعمر، الطفل يحبو والمعمر الذي عنده مائة سنة يحبو أيضاً (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68) يس) هذه نراها بأعيننا، لو أخذنا عمر الإنسان عشر سنوات عشر سنوات تجد أن هناك نقطة في الوسط أو قبل الوسط كما تكلم علماء السيكولوجيا هذا سن دخول الجنة حتى تتمتع بشكل صحيح فلما قال الرسول r لن يدخل الجنة عجوز هذا ليس مطلقاً ولكن العجوز ستعود لمرحلة الصبا لأنه إذا أدخلنا النعيم ونحن ليس عندنا حواس لن نستمتع به لكن لو دخلنا النعيم ودرجات حواسنا في القمة يكون الاستمتاع بها صحيحاً ولهذا قال تعالى (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ) (وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ (70) النحل) كما كان الطفل الصغير غير واعي، الطفل الصغير لا يمكن أن تكلمه في مسألة منطقية وكذلك الذي عنده مائة سنة إذن توقيع القرآن أنه لا هذا يستمتع ولا هذا يستمتع. العيشة هي الراضية وفي الآية قال تعالى (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا) الصبر هنا مجاز عن العمل لأن المنطق يقول بما عملوا وهم صابرون لكن لما عبر المولى عن العمل الذي كان يتعبهم بالصبر إذا الصبر هو لازم كل عمل. في عُرف الصناعات يقولون الإتقان يحتاج إلى وقت. الإتقات والتجويد والتحسين يحتاج لوقت وصبر ولذلك لما أطلق القرآن وهو ينصح في قضية فارقة قال (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) البقرة) الصلاة تعبير عن العبادات والصبر أن كل العبادات وبالتالي كل المعاملات تحتاج لصبر، الصلاة يحتاج صبر والصيام يحتاج صبر والزكاة والحج إذن لما قال (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ) الضمير يعود على الصبر والصلاة معاً هذا ضمير الشأن مثل (قل هو الله أحد) يعني شلأنه دائماً أنه أحد. إذن لما أراد أن يجعل وحدانية الله شأن أي دائم شأنه أنه أحد قال (قل هو الله أحد) هذا ضمير الشأن ويقابله ضمير القصة وهو تأنيث ضمير الشأن كما في (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ) البعض قال أن (إنها) تعود على الصلاة لكن أين الصبر؟ ولكن نقول أن (إنها) تعود على أن الصبر والصلاة يعني استعينوا بالصبر والصلاة وإن الاستعانة بهما لكبيرة إلا على الخاشعين فإذا أردت أن تستعين بأي أمر عندك فاستعن بالصبر والصلاة، الصلاة هنا تعبير عن كل العبادات وقد تكون عن الصلة أي صلتك بالله تبارك وتعالى التي عنوانها الصلاة والإمام مالك قال: إذا أردت أن أناجي ربي دخلت في الصلاة وإذا أردت أن يناجيني ربي قرأت القرآن. إذن لما أدخل في الصلاة أكلم المولى تعالى إياك نعبد وإياك نستعين إهدنا الصراط المستقيم، إذن لما تحب أن تطلب من المولى تعالى تتصل به بأن تقول الله أكبر تكبيرة الإحرام تفصل نفسك عن الدنيا خرجت من الدنيا ودخلت منطقة محرمة ترمي الدنيا وراء ظهرك وتقرأ الفاتحة تتكلم عن الله إلى أن تصل إلى مالك يوم الدين حيث يتحول ضمير المتكلم عنه إلى كاف الخطاب لله تبارك وتعالى وهذه منطقة خطيرة وإذا كنا نصلي بوعي علينا أن ننتبه إلى قوله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي وأنت تقرأ يجب أن تقف وتسمع هذا الكلام وتعطي الحوار بينك وبين الله تعالى فرصة إلى أن تصل إلى مالك يوم الدين قبلها كنت تثني على الله تعالى وتتكلم عنه وتحمده، ثم تقول (إياك نعبد) سيتحول ضمير المتكلم عنه إلى ضمير المخاطب فهل تتخيل أنك تتكلم مع الله تعالى؟! لهذا أعطانا ما نتكلم به وقال r سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك جلّ وجهك وعز جاهك وتقدست أسماؤك ولا إله غيرك، أنت كإله يا رب لا يمكن أن أصفك لذا أعطانا تعالى ما نصفه به ولذلك لما وقعها قال (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ) ولم يحدد نستعين من ماذا إذا في أي مشكلة تواجهنا يجب أن نستعين بالصبر عليها والصلة بالله إن لم تكن في الصلاة بالعبادة فهي في الصلاة بالمعاملات وأن تسأل الله أن يقيك شر تعاملات الغير فهكذا تكون اتسعنت وأنت في معية الله تبارك وتعالى وهذا يجعلك تعيش باطمئنان في الدنيا والآخرة بدليل لما وصف عباد الرحمن كل وصفهم كان إما عبادات أو معاملات (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)) يعملون لأنهم يخافون من النتائج (حسنت مستقراً مقابل ساءت مستقراً) وهذا يبين لنا أن الذي يستحضر العقوبة لا يقع في المعصية إذا مشكلة الذي يقع في المعصية أنه لا يستحضر العقوبة ولا يعرف أن الله تعالى يراه ولما سأل جبريل الرسول r عن الإحسان قال r: أن تعبد الله كأنك تراه فإلا تكن تراه فإنه يراك. وبعض المعاصي يقع فيها الإنسان لأنه اغتر برحمة الله تعالى والشيطان يزين له ويقول ربك غفور رحيم، هذه نصف الحقيقة لكن الآية تقول (نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ (50) الحجر) هو غفور رحيم ليس لأنه ضعيف حاشاه، هو غفور مع أنه قوي وعزيز ومتين وذو انتقام. الناس في الدنيا تخشى القوي لا الضعيف ولله المثل الأعلى فهو تعالى رحيم عن قوة وغفور عن قوة وليس عن ضعف فلما يرحمك القوي يكون للرحمة معنى لأنه قادر عليها سبحانه. لما تتقي هذا القوي المتين العزيز الحكيم ذو انتقام ينتقم من المجرم ويعفي المظلوم.
المقدم: الذين في الغرفة سيلقون تحية وسلام ليس فقط من الملائكة ولكن التحية كأنها حياة جديدة ونضارة جديدة كل لحظة والذي يكون في نضارة دائمة يصل لدرجة الخلود، وصف المولى يؤكد أن هذه المتعة لن تزول وإنما (خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) ومسألة الخلود وقف عندها الكثيرون مرة خالدين فيها ومرة أبداً ومرة فيها استثناء.
د. هداية: فسّر الله تعالى الخلود. لما قال تعالى (وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا) التحية هي السلام كأنه يشرح لنا تحية قال (خالدين فيها) يعني التحية عبارة عن الحياة الدائمة، كلمة الدنيا لما أضيفت للحاية جعلتها مختلفة عن الآخرة التي هي الحيوان التي فيها خلود. لما قال (وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)) عدم ورود كلمة (ابداً) لا تعني أنهم سيخرجون منها. في سورة الإنفطار قسم القرآن الناس فريقين (إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)) وسأل الناس سؤالاً (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)) هذا السؤال للذي اغتر برحمة الله تعالى ووقع في المعاصي، خلقك عن قدرة وليس عن ضعف فإذا كان الخلق بقدرة إذن الخالق قدير يقدر عليك لكن لما تركك قال (فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17) الطارق) لم يمهلك عن ضعف. قال تعالى (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)) هنا يخاطب الإنسان الذي اغتر وهذا الغرور جاء من الشيطان الذي سُمي الغَرور، وصّف تعالى كل مناط قدرته (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)) أي إجابة سيجيبها المغرور الإجابة عليها (بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15) القيامة) الحقيقة (كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)) قسم الناس (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)) القرآن في هذه الآية قسم الناس فريقين بار وفاجر. الرجل الذي سرق كيف نصفه؟ فاجر. لنعرف قيمة التوب نسأل: سارق مات على جريمة السرقة وآخر سرق ثم تاب لا يجتمعان إذن الذي لم يتب هو من الفجار، قال تعالى عن الأبرار أنهم في نعيم ولم يصف لكنه قال عن الفجار (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16)) يعني الذي يدخل النار لا يخرج منها. الذين يتكلمون في التيسير لا يهونون على الناس وإنما يورطونهم هذا لا ينفع وفي الأمثال الشعبية " يا بخت من بكاني وبكّى الناس عليّ ولا ضحكني وضحّك الناس عليّ". إن الأبرار لفي نعيم الأبرار عنوان الإيمان والتقوى والإحسان والإسلام، وإن الفجار لفي جحيم والفجار أبسط تعريف لها أن الفاجر هو الذي عمل جريمة ولم يتب عنها. الجريمة ليس لها وقت وكذلك التوبة بابها لا يقفل 24 ساعة: إن الله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار" وسألنا سابقاً هل الذي ارتكب معصية في الليل ينتظر حتى الصباح ليتوب؟ يتوب بالليل لأنه تعالى قال (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ (17) النساء) لدرجة أن الحكماء قالوا يا ليت العاصي يتوب في موطن المعصية لأنه لا يضمن عمره ولذلك هلك المسوفون الذين يقولون سوف أتوب، سوف أطيع، سوف أصلي، سوف هذه طويلة. (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ) على هنا تفيد الإلزام وإن كان تعالى لا يلزمه شيء ولكنه ألزم نفسه سبحانه بقبول التوبة. (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16)) وحتى نرى عظمة الأداء قال تعالى (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)) سؤال هل الأمر يومئذ لله فقط؟ كلا هذا باعتبار فهم الكفار لأنه لو لم يكونوا فد فهموا هذه سابقاً يفهموها الآن أن الأمر دائماً لله. لما نسمع هذه الآية ثم يفتح باب الأمل (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)) الواعي الذي يسمع هذه الآية يذكر مقلوب هذه الآية عندما سأل عباد الرحمن المولى عز وجل (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65)) غراماً أكثر من العشق، هناك الحب والعشق أعلى من الحب والغرام يفيد أمرين في الحب يعني ملازمة والغريم لا يترك غريمه أبداً يبقى يطالبه فالغريم لا يترك غريمه والحبيبان لا يتركان بعضهما ففي حق الأبرار سيكون غراماً وفي حق الغريم غرام فقال تعالى (إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65)) أي ملازماً لا يفارقه أبداً إذا دخلها (وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ) في مقابلها الذي يدخل الجنة (خالدين فيها) لكن النار ساءت مستقراً ومقاماً والجنة حسنت مستقراً ومقاماً. ما زال عندنا توقيع بديع في النتائج لا بالأعمال كأن الناس الذين هم عكس عباد الرحمن لا يستأهلون أن يوصفهم، وصف الله تعالى عباد الرحمن بأوصاف عديدة في آيات عديدة لكن لما تكلم عن مقابلهم قال (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)) هذا الكلام لنقيض عباد الرحمن.
بُثّت الحلقة بتاريخ 3/6/2008م

ميارى 28 - 7 - 2010 06:18 PM

التوبة والاستغفار 77
تقديم علاء بسيوني
المقدم: نقف عند آخر آية في سورة الفرقان بعد مشوار طويل مع أوصاف عباد الرحمن ومشوار طويل جداً مع التوةب والاستغفار والتقوى وتعلمنا دروساً كثيرة أن كل ما ذكرناه من صفات عباد الرحمن ودرجات الإيمان كلها غايات ووسائل غايات مرحلية وهدف أن أكون من المتقين فإذا وصلت التقوى آخذ التوقى وسيلة لتحقيق ما بعده ألا وهي الجنة بل الفردوس الأعلى وصحبة النبي r. تختتم السورة بآية غريبة بعد كل أوصاف عباد الرحمن في سورة الفرقان يقول تعالى (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)). ما دلالة ختام السورة بهذه الآية؟ ولماذا تكلمت الآية عن الدعاء؟ وما دلالة ورود التكذيب في الآية؟ وما علاقة الدعاء بان يلقي الله تعالى بالاً لهذا الكون وما فيه رغم أنه هو الخالق والصانع سبحانه وتعالى؟ القرآن الكريم ممتع لأنه كلما قرأته تظهر لك أسئلة ودروب تفتح آلآف الأسئلة والتساؤلات.
سؤال: ما دلالة صياغة وترتيب الآية في ختام السورة؟ تتكلم الآية عن الدعاء وعن التكذيب فما هو اللزام؟
د. هداية: يجب أن نعلم أين نحن؟ نحن في موضوع من أهم موضوعات القرآن وهو توصيف الفئة الخاصة جداً من درجات العبودية لله تعالى وهي الإسلام، الإيمان، التقوى، الإحسان ثم إسلام الوجه لله تبارك وتعالى يتكلم الله تعالى في هذه الآيات عن صفوة الصفوة والفئة الخاصة (عباد الرحمن) فعندما نسمع أوصاف عباد الرحمن يجب أن نعلم أن هؤلاء لا يعيشون وحدهم وأنهم في هذا المدار من مدار العبودية لله تعالى نحن تكلمنا عن الإسلام ثم الإيمان ثم التقوى ثم الإحسان ثم إسلام الوجه لله تبارك وتعالى كل واحدة من هذه يمكن أن تكون مشكلة فالذي يأتي من أبوين غير مسلمين يمكن أن تكون مرحلة الإسلام مشكلة بالنسبة له والذي يولد من أبوين مسلمين ويريد أن يرتقي في هذه الدرجات في هذا العصر بالذات مشكلة وعندما نصل إلى درجة إسلام الوجه لله يقول تعالى (وعباد الرحمن) وذكر أوصافهم التي لا تخطر على بال أي من فئات العبودية الخمسة التي ذكرناها (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)) أول آية قال جملة يجب أن ننتبه لها لأنه لو كنا نعيش في مكان كله عباد رحمن لا يكون هناك مشكلة ولكن الآية (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) ذكرت أنهم يعيشون وسط فئات هناك من يستهزئ بهم وهناك من لا يستطيع أن يجاريهم في عبوديتهم فقد يكون هناك أحد مرتبط بأحد من عباد الرحمن ثم لا يمكنه أن يستمر معه في هذه الصفات.
المقدم: هل هذه المنزلة منزلة العبادة باتقان وإحسان منزلة سهلة؟
د. هداية: بالطبع لا، هذه هي الواو التي سنتركها للحلقة الأخيرة في (وعباد الرحمن) لكن ألفت النظر أننا نحن نستغرب أنه بعدما ذكر جزاء عباد الرحمن قال (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ) فلمن هذا الكلام؟ ألفت النظر أنه في بداية المشوار قال (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) وقلنا عندما فسرناها أن عباد الرحمن لا يُتركون لحالهم لأن شياطين الإنسان عندما يجدون عباد الرحمن لا يريدونهم أن يستمروا في هذه الدرجة وضربنا مثالاً في علم النفس أن السارق يريد أن يكون الكل مثله سارقين وغير الملتزم يريد أن يكون الجميع غير ملتزم مثله. ليس من قبيل الصدفة أن يقول تعالى (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) ثم يذكر الصفة الثانية (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) ثم يقول في نهاية النتيجة (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا) يعني أن هناك مشقة، فلما يقول (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا) تدل على أن هؤلاء تعبوا فحتى تكون من عباد الرحمن تحتاج إلى مجهود ضخم فبعد أن ذكر صفاتهم (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66)) ثم ذكر ثلاث كبائر على سبيل المثال (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)) هذه لا يعملها عباد الرحمن ثم عمل صيانة احتمال فقال (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا (70)) فكأنه يقول أن الذي يفعل هذه الكبائر عليه أن لا يستصعب المسألة فبإمكانه أن يكون من عباد الرحمن بالاستغفار والتوبة والعودة إلى الله تعالى، فالمسألة تحتاج إلى ذكاء لأنه بعد أن عرض الكبائر قال (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) ثم استكمل صفات عباد الرحمن ثم لما وصل إلى الجزاء قال (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا) ولم يقل هؤلاء لتدل على أن عباد الرحمن بعيدو المنال، وأول مرة تظهر كلمة (الغرفة) ولم يقل الجنة كأن هؤلاء صفوة الصفوة ستكون لهم صفوة الأماكن (وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37) سبأ) المفروض أن التوصيف القرآني يكون أن هذه صفات عباد الرحمن ثم ينتقل إلى صفات من هم عكسهم لكن القرآن لم يذكر هذا وإنما قال في آية واحد بتوجيه الكلام للذي لم يحاول أن يكون من عباد الرحمن ولا من المسلمين ولا من المتقين ولا من المحسنين كأني بالله يقول أني ذكرت لكم نتيجة الذين عملوا وتعبوا فخذ نتيجة الذين لم يتعبوا مباشرة ولن أتكلم في الذين لم يتعبوا لأنهم لا يستأهلون أن أتكلم عنهم وهي (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ) ذكر لنا النتيجة مباشرة وهي نتيجة مبدعة. قال تعالى (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا) ولم يقل مقابلها والذين لم يؤمنوا يجزون النار مثلاً وإنما جاء بنقطة تتكلم في أصل أصيل في العبودية أن المولى تعالى ساعة يخلق فلاناً لا يتركه هملاً بلا رسالة والقاعدة القرآنية في الاعتقاد (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء) لن يكون على باب الجنة من يسألك هل جاءك نذير وإنما على باب النار هناك من يسأل (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) الملك) فيقولوا بلى فتقول الملائكة ادخلوا النار لأنه عندنا توصيف ما توقيعه؟ هنا يقول (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) وهنا يقول (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) يعني هناك ملائكة على باب النار تؤكد للداخل أن الله تعالى لم يظلمه وأنه هو يشهد على نفسه ولذلك قال (قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا (9) الملك) وتأتي في ختام سورة الفرقان (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ). يجب أن ننتبه إلى ختام سورة الفرقان. أولاً إسم السورة الفرقان ومعنى الفرقان أنه الفارق بين الحق والباطل في كل الرسالات وأخصها إسلام محمد r ديناً وديانة فعند هذا الإسلام هذا أخص الفرقان وهو القرآن، كتاب موسى فرقان لكن القرآن أخص فرقان أنه ليس بعده تفريق ولذا سمي فرقان على وزن فعلان، ورحمن على وزن فعلان وهذا أخص صفة في الرحمة ولا تكون إلا لله تعالى والرسول r وُصِف بأنه (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (128) التوبة) أما الله تعالى فهو الرحمن. (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا) وقلنا أن عباد الرحمن فئة بعيدة المنال ثم قال (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) ما معنى كذبتم؟ وما معنى لولا دعاؤكم؟ هذه يجب أن نشرحها فالدعاء هنا ليس بمعنى الدعاء الذي نعرفه. وهذه الاية يجب أن نشرحها على غرار ما شرحنا في قصة يوسف u(وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ (24) يوسف) وهنا في الآية (لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ) (لولا) حرف امتناع لوجود. هل الله تعالى لا يعبأ؟ لو أجبنا أنه لا يعبأ فكيف نفسر إرسال الرسل والكتب؟ (لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ) دعاؤكم هنا تعني دعوتكم وليس دعاؤكم لله بدليل الذي بعدها يعني لولا دعوتكم فقد كذبت،م لولا أنني بعثت لكم رسلاً يدعونكم إلى الإسلام فكذبتم فسوف يكون لزاماً، ما هو اللزام؟
المقدم: ما معنى اللزام؟ في اللغة لزام يعني لازم فهل يلزم الله تعالى شيء؟ هل الإلزام هذا على الله أو على العباد بما استحقوا من الفعل؟
د. هداية: قال تعالى (كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ (12) الأنعام) فلله تعالى أن يلزم نفسه بما شاء سبحانه وهذا فضل من الله وأخصه قوله تعالى (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا (6) هود) الرزق لا يعني نقود فقط ولكن الرزق مال وصحة وطعام ورسول وكتاب ومنهج والزوجة والزوج رزق. (على) حرف يفيد الإلزام وإن كان الله تعالى لا يلزمه شيء فالرجل المسلم الحق يطمئن أن رزقه لن يأخذه أحد منه فلا يسرق شيئاً لأنه يعلم في عقيدته السليمة أنه لو ركب ابن آدم الريح فراراً من رزقه لركب الرزق البرق حتى يقع في فم ابن آدم فأنت لا يمكن لك أن تهرب من رزقك فالقضية تحتاج إلى وعي. الإلزام هذا منه (كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) والرزق وبعث الرسل (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) الفيصل بين المولى تعالى وخلقه في التعذيب أن الذي لم يأته رسول في الجنة وهؤلاء يسمون أهل الفترة والذي جاءه رسول إما آمن وإما كذّب ولذلك الآية تعمل في الحالتين (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) (قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا) لم يقولوا فكفرنا. القاعدة (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) أرسل الله تعالى رسولا فمجئ الرسول للعبد دليل على أن الله تعالى مهتم بهذا العبد وإلا لما أرسل له رسولاً، (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا) هذا أصعب تركيب لغوي في القرآن لأن الشراح كل واحد شرحها من وجهة نظره. القاعدة كما ذكرنا (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) تدل على أن الله تعالى يبالي بخلقه وإلا ما أرسل لهم رسولا ومنهجاً. (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي) لو انتهت الآية هنا لدلت على أن الله تعالى لا يعبأ لكن الآية (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ). أولاً العبء هو الحِمل، الشخص الواعي لا ينتبه للأمور التافهة ويقال عنه في التعبير الشعبي "دماغه متكلفة" والرسول r وقعها بطريقة مبدعة فقال" إن من إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" المسلم الحق لا يهتم إلا في الأمور الهامة كأن دماغ الإنسان الواعي فيه فلتر يُبعد ما ليس له فائدة وتهتم بالذي فيه فائدة وهذا يسمى حِمل على القلب فالواعي لا يحمّل نفسه أكثر من طاقته هذا لا يعبأ بما لا يهم وإنما يعبأ بما يهمه فقط فيخفف الحِمل عن نفسه، لا يعبأ يعني لا يبالي. لا يهتم الله بكم لولا دعاؤكم هذا دليل أنه اهتم لأنه أخذ على نفسه عهد أن يرسل لكم رسولا وأنتم مقابل هذا الاهتمام كذبتم؟ إذن لماذا صيغت الآية بهذا الشكل؟ لأنه هو لا يعبأ لذاته وإنما يعبأ لأجلنا نحن ولصالحنا نحن لأنه مهما أحسنا العبادة لن تزيد في ملكه سبحانه شيئاً، هذه نوقعها في صحيح مسلم "يا عبادي كلكم ضالٌ إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائعٌ إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً" إذن لو صار الناس كلهم أتقياء هذا لمصلحة الذين اتقوا وليس لمصلحة الله تعالى ثم جاء بالمقابل "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً،" هذه الصياغة الإلهية أرسل الله تعالى الرسل، في التقوى قال (منكم) لوم يقل منكم في الفجور فإذا اتقيتم لمصلحتكم وإذا فجرتم فعليكم ثم قال " يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخل البحر،" نتيجة هذه المسائل الثلاث قال تعالى " يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها " لذا لا يقولن أحد الله تعالى لم يهديني أو لم يحجّبني بعد " إنما هي أعمالكم" الله تعالى يحصي هذه الأعمال (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) الإنفطار).
المقدم: (أحصيها لكم) الفهم الأولي أن الله تعالى يسجلها علينا لكن الهدف أن الله يسجلها لنا لكي نعلم أننا نحن الذي قصّرنا لأن الله تعالى يعرف نتيجة عملنا.
د. هداية: الصح اللغوي الذي وصفته بعض الناس قالوا لماذا لكم وليس عليكم؟ لو قال عليكم لدلت على أن المولى يتحدانا ثم (لكم) لا تعني أنها حسنات لمصلحتك، لماذا تكتب الأعمال؟ (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) هذه تحتاج إلى شهادة وأحسن من يشهد علينا هي أنفسنا توصيفها (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) الإسراء) (عليك) تأتي من الأعمال التي أحصيت لك، أنت ستقرأ أعمالك (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) الإنفطار) كراماً يعني لا يزيدون ولا ينقصون شيئاً " إنما هي أعمالكم أحصيها لكم" أحصيها لكي تكون هي الحجة علينا وسنقرأها، " ثم أوفيكم إياها " يعني (لكم) تعمل في السيء وفي الجيد " يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها " يحمد الله لأن دعاء أهل الجنة داخل الجنة (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ (43) الأعراف) ويقابلها " ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه" حتى لا يقول أحد لم يهدني الله بعد (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً (10) البقرة) (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) الكهف) أنت الذي تتحرك أولاً. الحديث يقول أن الله تعالى لا يبالي بنا لذاته وإنما لمصلحتنا. عندنا قوله تعالى (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) البلد) هدانا للخير والشر هدانا للخير حتى نفعله وهدانا للشر حتى نجتنبه ولا نفعله لا كما يقول البعض أن الله هدانا للخطأ.
المقدم: بعض من يتصدى للخطاب الديني في بعض الأحيان لا ينزل لمستوى الناس أو يتكلم عن القواعد الدينية كأنها شيء من الجوامد لكن لا يشرح للإنسان البسيط أن الله تعالى لما يبين لنا طريق الخير والشر يعني أنه يبين لنا طريق الخير لنتبعه وطريق الشر حتى نجتنبه ويبين أن طريق الشيطان طريق مظلم وربنا أرسل الرسول لينيروا طريق الشيطان الذي كله شر لكن الإنسان هو الذي يطفئ هذا النور.
د. هداية: قال تعالى (فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) لقمان) لا عبث أن سمى الله تعالى الشيطان بالغرور لأنه يغر الناس يضحك عليهم. الله تعالى قال (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الإنفطار) لن يفاجئنا الله تعالى بها يوم القيامة فلا تغرك الدنيا ولا النفس ولا الغرور.
المقدم: مسألة إحصاء المولى تعالى الذنوب والمعاصي ليست على الناس وإنما لهم، المفروض أن الملائكة تحسب لك لو حسنة وعليك لو سيئة لكن في الحديث القدسي قال تعالى (أحصيها لكم) لأن الإنسان سيكون حسيباً على نفسه يوم القيامة وقال تعالى في القرآن أكثر من مرة أن الناس ستجادل وتدافع لكن رغم هذا الجدل وهذه الطبيعة البشرية لن يجرؤ مخلوق وهو يحاسب أن يقول لم أعملها وإنما سيقرأها بنفسه ولن يزيد الله تعالى له ولن ينقص.
د. هداية: حتى أهل الكفر يوم القيامة قالوا (وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا (49) الكهف) هم استغربوا. الغريب أن الإنسان في الدنيا ينسى ولهذا عندنا آيات التواصي (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) العصر) لكن للأسف المسلمين تركوا التواصي. وفي صفات عباد الرحمن قال تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)) عباد الرحمن يسعدون أن يذكرهم إخوانهم بآيات ربهم ، هم في أصلهم يعرفونها لكن قد يكونوا غفلوا عنها وهذه سمة في البشر لذا أرسل الله تعالى الرسل والمنهج.
القضية في الآية أن التركيب اللغوي فيها صعب (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ) الخطاب للرسول r (قل) ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم يعني هو سبحانه يعبأ وعندنا آية في سورة النساء (يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26)) إذن هو يعبأ فهو يريد أن يهيد الناس ويبين لهم سنن البشر ويتوب عليهم. عندما يقول (وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) تعني توبتان توبة الهداية أو الدلالة وتوبة المعونة ويقبلها وأنت مطئمن أنه تعالى هو الذي شرع التوبة لآدم (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) البقرة). هذا دأب القرآن في شرح الآيات قال تعالى (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) الإسراء) البعض يقول كيف يأمر الله بالفسق والمعصية وهم للأسف لم يفهوا التفريع في الاية، القضية (أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) ففسق لو نعرف اللغة لفهمنا مباشرة أن الله تعالى لم يأمرهم بالفسق ولو قرأنا القرآن لقرأنا قوله تعالى (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ (90) النحل) قاعدة قرآنية تبين ماذا يأمر به الله تعالى وعن ماذا ينهى؟ إذن لم فهمنا هذا لفهمنا معنى الآية (أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) يعني أمرناهم بالهداية وإلإيمان والإحسان والعدل والتقوى ففسقوا كما قال (فقد كذبتم) هل الله تعالى أمرهم بأن يكذبوا؟!. (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ) فلولا دعوتكم من قِبَل الرسل ما كان الله ليعبأ بكم لأنه لو كان الناس جميهم أتقياء لن يزيدوا من ملك الله تعالى شيئاً ولو كانوا كلهم فجار ما نقص ذلك من ملك الله تعالى شيئاً. إسمع قوله تعالى (إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) العاديات) كنود بطبيعته ينكر النعمة ويجحد، كنود يعني فاجر جاحد غير محق ولو تكلمت مع إنسان فاجر فاسق يُظهر نفسه أنه هو الضحية وليس المخطئ أبداً ويعيد فجوره إلى ظروفه، وشهيد من الذي كُتب (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)) ثم التوقيع (أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10)) الواعي عندما يقف عند هذه الآية يسأل هل هي في الصدور أو في الكتاب؟ الملائكة تكتب أن فلاناً صلّى مثلاً لكن لا يعلم كيف كان الأداء فهذا في الصدور، الذي في الصدور تقابل ما هو مكتوب قسمت على مرحلتين (يعلمون ما تفعلون) هذه التي في الكتاب والتي في الصدور (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) غافر). (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11) العاديات) هو ليس فقط يومئذ وإنما هم يعرفون ذلك فقط يومئذ بعد فوات الأوان. إن اعترافهم بذلك سيكون في ذلك اليوم لكنه تعالى خبير دائماً لأنه يعلم خائنة الصدور، الذي في الكتاب سيخبر عن العمل وما في الصدور يخبر إن كان قد قبل أو لم يقبل لأنه مهما حاول الناس أن يناقشوا يوم القيامة لن يفلحوا لأنه كله مكتوب (أحصيها لكم) الذي في النار سيكون مقتنعاً أن النار أحق به من الجنة والذي في الجنة سيكون مقتنعاً أن الجنة أحق به من النار. قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعوتكم من الرسل ما كان الله ليعبأ بكم لأنكم أنتم مخلوقين والله تعالى هو الخالق القتدر القدير المقتدر وأنتم لا تساوون شيئاً ومع ذلك (لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ) لولا عملت عملاً خطيراً في الآية فهي حرف امتناع لوجود. يوم القيامة يأتي الرجل أعمى توصيفه في القرآن (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) طه) باع الذكر يعني هو يعبأ وإنما يعبأ لمصلحته وليس لذات الله تعالى فالنفي في الآية (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ) له وقع يعني الله تعالى يعبأ لمصلحتنا وليس لذاته سبحانه، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) ليس مرتاحاً وإن كان عنده كل شيء، (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126)) (كذلك) يعني الذي عملته سنعمل لك مثله (أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا) إذن (مَا يَعْبَأُ بِكُمْ) تعمل في الحالتين مع أنه تعالى أرسل الرسل واهتم لمصلحتك أنت هنا قال (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) وهناك قال (فَنَسِيتَهَا) الفاء هنا لها دلالة في اللغة، أنت الذي عملت فتأتي التفريع بعدها مباشرة (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) (فَنَسِيتَهَا). (فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا) ما الذي سيكون لزاماً؟ 90% متوقع أنها النار ولكن قبلها ما أنتم عليه من كفر وما أنت عليه من جحود، أنتم الذين اخترتم فسابقيكم عليها توقيعها (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5)) مرة للماضي ومرة للمستقبل قضى الله تعالى عليهم بالكفر ليس لأنه أجبرهم وإنما لأنهم اختاروا بأنفسهم (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ (18) الإسراء) أنت الذي تريد فعجلها الله تعالى له وفي المقابل (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا (19) الإسراء). الله تعالى يأمر بالخير ولا يأمر بالشر (وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (28) الأعراف). الموضوع صعب لكنه ليس مستحيلاً وجزاؤه الجنة (بما صبروا) لهذا الرسول r وهو يتكلم مع الصحابة قال أجر أحدهم كأجر خمسين منكم قال الصحابة منهم يا رسول الله؟ قال لا بل منكم فأنتم تجدون على الحق أعواناً.
بُثّت الحلقة بتاريخ 10/6/2008م

ميارى 28 - 7 - 2010 06:19 PM

التوبة والاستغفار 78
تقديم علاء بسيوني
المقدم: في اللقاء السابق وقفنا عند نقطة هامة تطبيقها في الحياة الدنيا يسبب مشاكل عند بعض الناس ومنشأ هذه المشاكل غالباً يكون بسبب العقيدة إما أن تكون غير مفهومة بشكل صحيح أو أنها غير سليمة. وذكرنا أن الخطاب الديني في الآونة الأخيرة في مجتمعاتنا الإسلامية لا يركز على موضوع العقيدة وكثيرون لا يتكلمون بموضوع العقيدة وإذا تكلموا يتكلموا عنه بشكل خاطئ ويركزون على بعض العبادات وبعض السلوكيات. لكن العقيدة التي هي الركن الركين لأي إنسان والذي يؤسس له مشروع حياته وإما يصير إلى جنة أو إلى نار لا أحد يتكلم فيها. مسألة الدنيا وزينتها ونعيمها يقول البعض هل إذا أردت الآخرة عليّ أن أعتزل الدنيا ولا أعيشها ولا أتمتع بالنعم التي أعطانا إلياها الله تعالى؟ ذكرنا قوله تعالى (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ (18) الإسراء) هل نقع في هذا إذا اشتهينا أي نعمة حلال من نعم الدنيا؟ وهل معناه أنني أريد العاجلة ولا أعمل حساب الآخرة؟ آخر الحلقة الماضية وقفنا عند قوله تعالى (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ) هل من ضمن العاجلة أو ينقص إيماني أو أكون من الآثمين أن أشتهي نعمة حلال أعطاني إياها الله تعالى؟
د. هداية: لا عندما تشتهي الحلال والتزهد كما يقول بعض الصوفية يكون في الحلال، الإنسان يتزهد في الحلال ابتغاء مرضاة الله.
المقدم: إذا أخذنا الموضوع من وجهة نظر الصوفية أنني أتزهد في الحلال قربى إلى الله ألا يجعلني هذا أسلك مسلك الرهبانية التي لم يكتبها ربنا تعالى (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ (27) الحديد)؟
د. هداية: هذه قضية نسبية قد نشرحها في عدة حلقات لكن نأخذ منها ملمحاً التزهد الذي دخل في الرهبنة ليس جديداً وحصل في عهد الرسول r عمدما قال له أحدهم أنا أصوم ولا أفطر وآخر قال أنا أقوم الليل ولا أفتر وآخر قال أنا لا أتزوج النساء فقال r لهم أنا أتزوج الناس وأقوم وأنام وأصوم وأفطر فمن رغب عن سنتي فليس مني. المشكلة في موضوع التزهد أن بعض الناس يبدأه ولا يستكمله وهذه طريقة غبية في التزهد أن أحمل نفسي البشرية فوق طاقتها. البعض يتطرف داخل التدين لأنه لم يسمع نصيحة الرسول r عن الدين "إن هذا الدين لشديد فأوغلوا فيه برفق" ولا ترغب عن سنة الرسول صُم وأفطر وقم ونم وتزوج الناس وتعامل مع الناس وتخرج وتعمل وهذه قضية يجب أن تفهم بشكل صحيح وبما يرضي الله تعالى بأن أتحرى الحلال وأجتنب الحرام ويمكن أن لا أبالغ في الحلال فأزيد من زكاتي مثلاً وهذه قضية نسبية.
المقدم: هناك من الناس من أفاض الله تعالى عليه بالمال الوفير عليه أن يكون لديه ضوابط حتى وهو مقتدر ويتبع قوله تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) الفرقان).
د. هداية: هو لم يسرف ولم يقتر وقال القرآن (قواما) هذا على مدار التقويم أنه يبحث المسائل والحالات على أساس أنه من عباد الرحمن. القرآن كان واضحاً في مسألة " الذي تريده أعمله لك" وهذه مسألة تحتاج إلى وعي أن هذا اإله الحق الإله الواحد الذي لم يلد ولم يولد التوصيف القرآني المبدع لا يُعبد إلا بإذنه (الحمد لله الذي هدانا لهذا) ولا يُعصى إلا بعلمه فلا يمكن لأحد يهودي أو نصراني أو غيره أن يقوم بعمل لم يكتبه الله تعالى. من كفر بالله أو أشرك أو ألحد لا تعتقد أنت كمسلم أن هذا خارج عن علم الله تبارك وتعالى أو متمرد بكفره لا يمكن له أن يفعل شيئاً لا يريده الله تعالى وهذا مسلم كرهاً بينما الذين أسلمول لرسالة محمد r هؤلاء أسلموا كواعية وهذه قالها القرآن الكريم (وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا (83) آل عمران). هذا الإله الحق لا يُعبد إلا بإذنه ولا يُعصى إلا بعلمه فالكافر كافر والله يعلم قبل خلقه أن سيكفر ولهذا يحسب الكتاب له حتى يكون حجة عليه يوم القيامة. الآية التي معنا (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ) فيها ألفاظ مبدعة فلم يقل تعالى فيها آتيناه أو أعطيناه وإنما قال (عجلنا له) وكذلك عند أهل التقوى (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) الكهف) إذن المسألة تحتاج لوعي فالذي يريد العاجلة عجلنا له فيها يعني أخذ ما يريد، الدنيا إسمها العاجلة لأنها مؤقتة وزائفة وهي التي معك لكنه قال تعالى (عجلنا له فيها ما نشاء) لمن نريد فقد يطلب الكافر ولا يأخذ إلا ما يريد الله تعالى (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا (19) الإسراء) إذن الآخرة لها سعي مخصوص من عهد آدم رسول تلو رسول إلى أن نصل إلى رسول الله r(مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ (40) الأحزاب) فبه r اكتملت اللبنات كما قال r في الحديث وهو آخر نبي وليس آخر رسول لأن كل رسول نبي وليس كل نبي رسول فلن يأتي بعده r لا نبي ولا رسول. (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) ختمت الآية بقوله تعالى (فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا) يجب أن نوقعها من القرآن حيث لخص المسألة وذكرنا منذ حلقات (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)) وقال النتائج (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) الانفطار) وهناك قال (إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) الفرقان) والذي يشرح مستقراً على أنها إقامة مؤقتة فهو مخطئ لأنها قيلت في الجنة أيضاً (خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76) الفرقان) فهل الذين في الجنة مؤقتون أيضاً وسيخرجون؟ المستقر قيلت في الجنة وقيلت في النار فكما أنه لا يخرج أهل الجنة من الجنة كذلك لن يخرج أهل النار من النار والقرآن شرحها (وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) الإنفطار). في سورة النازعات (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26)) في ذلك أي الذي حصل لفرعون والله تعالى قال (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33)) نحن لسنا أقوى من السماء والجبال والأرض ثم قال تعالى (فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34)) الصاخة هي النفخة الثانية والنفخة الأولى سماها تعالى الطامة. (فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36)) هذا شرح آية (وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا (71) مريم) الورود لا يعني الدخول وإنما هي من المشترك اللفظي في القرآن كما قال تعالى (وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ (23) القصص) لا يعني أنه دخل في الماء وإنما وصل عندها. وضع النار في الآخرة يجب حتى تدخل الجنة أن ترى النار لأن الصراط المؤدي إلى الجنة مضروب على متن جهنم (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36)) الكل يراها لكن ليس الكل يدخلها (فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39)) لن يخرجوا منها (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)) لن يخرجوا منها. أنبه الذين يقولون أن كتاب البحاري أصح كتاب بعد كتاب الله وأقول لهم اتقوا الله فأين كتاب الله تعالى وأين كتاب البخاري، يمكن أن نقول أن كتاب البخاري أصح كتب الحديث (أصح على وزن أفعل التفضيل) وفي البخاري أحاديث ضعيفة لأن البخاري بشر وإذا قلت أن البخاري لا يُخطئ فقد ألّهت البخاري ونحن وسط بين فريقين فريق يرفض الحديث تماماً وهم القرآنيون وفريق يؤلّه البخاري ويقولون أنه لا يخطئ وأذكر الناس بكتاب الدكتور عبد الجليل عيسى رحمه الله وكان معي فضيلة الشيخ سامي الشعراوي إبن الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله وكنا نتكلم على صفوة صحيح البخاري فقال لي نحن تعلمنا عليه في الأزهر وكان هذا الكتاب قد رُفض سابقاً ثم قُرر على طلبة الأزهر وإسمه صفوة صحيح البخاري والبخاري بشر يصيب ويخطئ ولو قلت أنه لا يخطئ فقد ألّهته من حيث لا تشعر. الذي لا يُخطئ واحد هو الله سبحانه وتعالى ومحمد r بعصمة الله تعالى له والعصمة عند الأنبياء نسبية. لكن لا نقول كتاب البخاري أصح كتاب بعد كتاب الله!! هل نضع كتاب البخاري مع كتاب ربنا؟ القرآن كتاب إلهي وهذا لا يعني أننا نؤيد القرآنيين الذين لا يعترفون بالأحاديث ونسألهم من أين جئتم بالظهر أربع ركعات؟ علينا أن نأخذ الصحيح من سنة الرسول r ولا بد أن يكون هناك خطأ في جمع الأحاديث.
المقدم: نتكلم عن موضوع الجنة والنار، في حديث صحيح رواه البخاري ومسلم رواه: "كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد قلت: الله ورسوله أعلم قال: يعبدوه ولا يشركوا به شيئا أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك قال: قلت: الله ورسوله أعلم قال: يدخلهم الجنة." ففرح معاذ فقال أأبشر الناس يا رسول الله؟ قال لا إذن يتكلوا.
د. هداية: المفروض أن معاذ لا يخبر الحديث لكنه قال وهو يحتضر لأنه خاف أن يأثم بكتم علم عن رسول الله r. وعندنا آية تؤيد هذا الحديث (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء (48) النساء) الناس لم تفهم الأولى، هو لا يغفر أن يشرك به أبداً يعني هذا مات على الشرك هذا في النار لكن الذي كان مشركاً وأسلم هذا لا تنطبق عليه الآية ولا الحديث، هو كان في زمرة المشركين إلى أن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله وأن الله واحد هذا لم يعد مشركاً.
المقدم: الرسول r يبين أن اليهود افترقت على واحد وسبعين فرقة والنصارى افترقت على اثنين وسبعين فرقة وستتفرق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة، قيل أيها يا رسول الله؟ قال على ما أنا عليها أنا وصحابتي.
د. هداية: هذا كلام منطقي. الحق لا يتعدى وإنما هو واحد ولذلك من أسماء الواحد سبحانه وتعالى الحق لأن الحق واحد لا يتعدى (قل هو الله أحد) فمن أسمائه الحق إذن الفرقة الناجية هي التي على أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
المقدم: الفرقة الناجية يعني في الجنة والفرق غير الناجية في النار أليس من المفروض أن هذه الفرق غير الناجية قالوا أشهد أن لا إله إلا الله؟
د. هداية: لا ليس كذلك، المفروض أنهم لم يقولوها لأنه من قال لا إله إلا الله دخل الجنة هذا حديث صحيح، عندما ترى أحدهم يصلي ويأتي الفحشاء والمنكر وعندنا آية تقول (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ (45) العنكبوت) إذن يكون لم يصلي، هذا صلى لكنه لم يصلي الصلاة التي تنهاه عن الفحشاء والمنكر بدليل حديث الرسول r: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له" هذا صلى ولم يصلي وصام ولم يصم لذا يجب إخلاص العمل لله تبارك وتعالى (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41) النجم) كل واحد سيأهذ حقه إن عمل لله يؤجر وإن عمل لغير الله فهو منافق وصفته في القرآن (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ (14) البقرة) وشياطينهم في الآية يعني شياطين الإنس وهم أخطر من شياطين الجن. مستهزئون يعني المنافق يظهر شيئاً ويُبطن شيئاً هي عقيدته لذلك هم في الدرك الأسفل من النار فإذا كان هؤلاء في الدرك الأسفل من النار فأين سيكون شياطين الإنس؟ ولذلك شيطان الإنس أخطر من شيطان الجن فهو بشر مثلنا لعنة الله عليهم هؤلاء صحبة السوء الذين يخرجون الناس عن دينهم أسأل الله تعالى التقوى لنا جميعاً. الصحبة تؤثر إما سلباً أو إيجاباً وشيطان الإنس دائماً الذي لا يحترس منه يكون الله تعالى قد طمس على عقله لأن شياطين الإنس ظاهرين. في توضيف المنافقين ليس من باب الصدفة أن تكون في بدايات سورة البقرة فقد وصف الله تعالى في أوائل سورة البقرة المتقين ثم الكافرين ثم المنافقين فإذا أردتم أن تتنبهوا لشياطين الإنس انظر كم عدد الآيات التي وصف بها القرآن كل هذه الفئات، المتقون وصفهم في خمس آيات (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)) والكافرون في آيتين (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ (7) البقرة) والمنافقون في ثلاث عشرة آية تشرح النفاق (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)) من شياطين الإنس من هم مسلم (وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) هم يقولون أنهم يؤمنون (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)) يخادعون وليس يخدعون إذن الواعي سيعرفهم وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون لأن الله تعالى يدافع عن الذين آمنوا فيبصرهم بشياطين الإنس والمنافقين، هؤلاء (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا) توصيف المنافقين في هذه الآيات في مطلع البقرة حتى ننتبه لهم (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) فالذي لن يأخذ الكتاب ويهتدي به ويرتقي بالعبودية لن يكون من المتقين فالتقوى هي التي تصنع السياج حول المؤمن من أهل الفساد ولذلك عند الحكماء التقوى هي السلاح الأقوى.
المقدم: الوقاية تطبق في الحالتين بمعنى أن الإنسان المؤمن الذي يريد أن يصل للتقوى ويسعى بشكل صحيح يخلق حالة التقوى التي تكون وقاية له في الدنيا من الشرور والمفسدين.زمن شياطين الإنس والجن ويعمل حماية لنفسه والذي في ضلال يعمل لنفسه حماية ضد النور.
د. هداية: هي كذلك ولذلك قال تعالى (قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا (126) طه) هذه تمشي على كل الحالات التي ذكرتها، تمشي على فنسيتها أي لم تأخذ بها أو نسيتها يعني لم تمشي على الذي كانت عليه الفطرة وتمشي أنك طبقت ونسيت ونرى كثيرين ممن كانوا في حالة تقوى ثم خرجوا إلى الضلال. لكن ننتبه (وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) لأن الدنيا لذة مؤقتة أنت بعدت عن ربك لذلك ستشقى (وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) تنسى من الرحمة وقمة التذكر أنه تعالى يحاسبه.
(فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77) الفرقان) في النازعات قال (فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39)) هذا أخطأ وطغى في خطئه وهو من المسلمين اختار الدنيا على الآخرة غرته الدنيا مع أنه محضر (فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) لقمان) طغى يدخل فيها الكبر والنفاق وعدم الرجوع إلى الفضيلة والخطأ هذا طغيان فيه إصرار عليه. إذا مات الرجل على شرك لا يمكن أن يخرج من النار لكن الذي أشرك ثم عاد وتاب يغفر الله تعالى له.
المقدم: يوم القيامة والناس تحاسب إذا كان رصيد الحسنات أكثر من رصيد السيئات فهؤلاء بفضل الله تعالى في الجنة وإذا كان رصيد السيئات أكثر من رصيد الحسنات فهل يعفي الله تعالى عن بعضهم ويدخلهم الجنة؟ هل قرار العفو يؤخذ قبل دخول الجنة أو النار؟ لكن هل الذي دخل النار يخرج أو لا يخرج؟
د. هداية: قد يكون ذلك. لكن (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) النازعات) و(فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) النازعات) (وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) الانفطار). من القرآن (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ (68) الفرقان) هؤلاء عباد الرحمن والذين يدعون مع الله إلهاً آخر (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) الفرقان) حتى لو كان إبليس وتاب فهو في الجنة لأن الله تعالى حاشاه لن يكذب على عباده.
المقدم: في بعض الروايات يقولون أن الوحي وقف عند (يَلْقَ أَثَامًا) ثم نزل الاستثناء بقوله تعالى (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) ففرح الرسول r بفتح باب التوبة.
د. هداية: لو كان من أهل الشرك كان سيكون عنده تلال سيئات لكنه لما تاب وآمن تاب في اللغة يعني رجع فلماذا تدخله النار؟ القرآن ذكر (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) الفرقان) هكذا يكونوا مع عباد الرحمن الذين قال عنهم القرآن في ختام السورة (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا (75) الفرقان) الغرفة وليس أي جنة.
المقدم: حديث الرسول r لمعاذ أن حق الله على العباد أنه من لا يشرك بالله فلن يعذبه الله تعالى أبداً وتصديقه في سورة الفرقان (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) وهنالك حديث آخر في موقف الشفاعة يوم القيامة أن الرسول r" فيخر لله ساجدا ويحمده بمحامد لم يحمده أحد ممن كان قبله ولن يحمده أحد بها ممن كان بعده فيقال له محمد ارفع رأسك تكلم تسمع واشفع تشفع وسل تعطه فيقول يا رب أمتي أمتي فيقال أخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة ثم يرجع الثانية فيخر لله ساجدا ويحمده بمحامد لم يحمده أحد كان قبله ولن يحمده بها أحد ممن كان بعده فيقال له محمد ارفع رأسك تكلم تسمع واشفع تشفع وسل تعطه فيقال له اخرج من كان في قلبه مثقال برة ثم يرجع الثالثة فيخر لله ساجدا ويحمده بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبله ولن يحمده أحد ممن كان بعده فيقال له أخرج من النار من كان في قلبه مثقال خردلة" وهنالك روايتان للحديث وفي رواية تختم أخرج من النار كل من قال لا إله إلا الله، فيُخرج كل أمة محمد من النار.
د. هداية: أنا لن أناقش الحديث متناً ولا سنداً ول أنه عكس آيات القرآن تماماً لكن نسأل سؤالاً أيهما أفضل أن تكون على التقوى فتكون في الجنة منذ البداية أو على المعاصي فتدخل النار قليلاً؟ بالتأكيد لا يوجد شرع هكذا!! القرآن تكلم عن فريقين (فأما من ثقلت موازينه) و (أما من خفت موازينه) أين يكون هذا الذي خفت موازينه؟ سيكون في النار فهل عجز القرآن أن يقول أنه سيخرج بعد فترة من النار؟! كان بالإمكان أن يقول أنه سيخرج من النار بعد فترة ولكنه ذكر فريقين فريق ابيضت وجوههم وفريق اسودت وجوههم، فريق يمين وفريق شمال، جنة وجحيم، مستقر ومستقر، مأولى ومأوى، الآية واضحة حتى بالنسبة للذي لا يفهم (فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) النازعات) أطلق الطغيان ولم يوضح نوع الطغيان لكنه قُبض على معصية أما الذي قبض على توبة ففي الجنة لذا علينا أن نجتنب الكبائر ونتوب من الصغائر والقرآن ساعدنا في هذا فقال (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ (32) النجم) فطالما اجتنبت الكبائر والفواحش من شرك وسرقة وزنا وحدود وتبت فتكون في الجنة.
سئلت عن قوله تعالى (عمل عملاً صالحاً) يقولون هل تعني عمل صالح واحد؟ الآية فيها هذا المعنى لو تاب وعمل عملاً صالحاً فقد مات على توبة، لو تاب ومات قبل أن يعمل عملاً صالحاً يكون تائباً. البعض يقول لا توبة للعاجز فهو قادر على السرقة ولم يسرق أو هو قادر على الزنا ولم يزني لكن لسنا نحن الذي نحاكمه وإنما الذي يحاكمه من كان في علمه إطلاق لقدرة العلم فالله تعالى يعامله على أساس لز كان سليماً هل يزني أو لا يزني؟ تخيل القدرة الإلهية! لما وصفنا القدرة الإلهية قلنا أنه علم ما كان (ماضي) وما يكون (الحاضر) وما سوف يكون (المستقبل) وعلم ما لا يكون لو كان كيف كان يكون (هذه للعاجز) تقبل أو لا تقبل فهي على مدار العلاّم بالعاجز سبحانه، المولى تعالى يعلم هذا العاجز لو لم يطن عجز يسرق أو لا يسرق يزني أو لا يزني ويحاسبه عليه لأنه العلاّم سبحانه وتعالى. وفي المقابل (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ (48) النساء) لو أحد من المسلمين أشرك فهل سيكون في الجنة ثم يخرج؟ لا توجد آية تثبت ذلك والله تعالى يقول (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ) لكن الذين أخطأوا يغفر الله تعالى لهم (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء) هؤلاء لم يشركوا ولكن عندهم غلطات هؤلاء يعفو الله تعالى عنهم. بعض المفسرين يقول يغفر لهم إذا استغفروا لكن حتى لو ماتوا فجأة ولم يستغفروا ماتوا ليس على شرك وقد يكون من الأسباب أعمال اصلحة هو عملها كصدقة جارية ترفع له رصيد حسناته بشرط أن لا يكون قد مات على شرك.
ختام عباد الرحمن (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي (77) الفرقان) هو سبحانه غني (لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ) والله تعالى أرسل لنا رسلاً (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) هو سبحانه الذي قضى بذلك (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا) الضمير يعود على الكذب الذي كذبوه. ما هو مناط الكذب وما هي نتيجته؟ هذا الذي سيكون لزاماً ولأن كفركم قضي به عليكم لزاماً فيكون النار أو العذاب الذي قضي عليكم به لزاماً. وليس من قبيل الصدفة أن يختم الآية هكذا وهو قال سابقاً (إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) ولما تكلم عباد الرحمن قالوا (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65)) هذا الكلام على لسان عباد الرحمن فهؤلاء فهموا أن جهنم لن تتركه وهذا ما ذكرناه في العضق والغرام والغريم لا يترك غريمه، فعباد الرحمن من وعيهم فهموا الحقيقة (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66)) غرام في اللغة لا يمكن أن يفارقه إن كان حبيباً أو غريماً والغريم لا يترك غريمه حتى يأخذ حقه منه ويقضي عليه.
المقدم: هناك أكثر من موقف في القرآن حوار بين الملائكة وبين أهل النار أنهم يريدون أن يدعوا ربهم فتقول الملائكة ادعوا (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50) غافر)، (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ (77) الزخرف).
د. هداية: عباد الرحمن لأنهم عباد رحمن واعيين فهموا صح قالوا (رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ) أنت يا رب اصرف عنا عذاب جهنم (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ (185) آل عمران) إذن الذي لم يزحزح فقد خسر ولم يفز هذا هو الخسران. لكن نكرر أن عباد الرحمن فهموا فقالوا (رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66)) وفي المقابل (خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) وقال (أولئك) أي الذين فهموا هذه (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا).
بُثّت الحلقة بتاريخ 17/6/2008م

ميارى 28 - 7 - 2010 06:20 PM

التوبة والاستغفار 79
تقديم علاء بسيوني
المقدم: في ختام الاستعراض المتأني لختام سورة الفرقان وصفات عباد الرحمن وكيف نكون مثلهم تختتم السورة بآية تتكلم عن التكذيب (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77) الفرقان) ومن هذه الآية في ختام الفرقان ننتقل إلى أول سورة ق التي تكلم القرآن فيها عن موضوع التكذيب فقال (ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5)). بعد مشوار صفات عباد الرحمن تختتم السورة بالكلام على التكذيب ليلفت نظرنا إلى أهمية هذا الموضوع يُعرض على الإنسان قضية فيكذب رغم علمه ومعرفته أنه أمر إلهي ورسالة سماوية ويخضعها لمنطقه البشري المحدود والضعيف فما أهمية ختام السورة بهذه الآية؟
د. هداية: بعض المؤمنين يطمئن بإيمانه وعندما تتكلم معه في موضوع أن بعض الناس رفض مسألة البعث واستعراض الخلق فينكر ولم يعط نفسه فرصة أن يعرض عليها وقائع القرآن والنفس ليست كبيرة على أن لا تخطيء في لحظة خطأ كفر أو خطأ شرك والبعض يتصور أن الشرك أمر تافه ويقولون أن المشرك سيخرج من النار ويدخل الجنة وأصبحت القاعدة عند الناس أن المشرك أمر بسيط. البعض يظن أن اللمم التي وردت في القرآن (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ (32) النجم) أنها هذه مباحات ومسموح بعمل هذه السيئات وليس عليها عقوبة لكن هذه عليها عقوبة ولكن الأمر لله تعالى يعفو أو لا يعفو. علينا أن نكمل الآية (إِِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) لو كانت اللمم ليس عليها عقوبة لم تكن لتحالج إلى واسع المغفرة. مجموعة من اللمم تصبح كارثة على الإنسان. هذا الفهم الخاطئ عانينا منه بدليل الذي يخرج علينا ويقول القبلة لمم والسيجارة لمم والسيجارة في رمضان لمم! ننصح هؤلاء أن يراجعوا القرآن. سنثبت اليوم أن المشرك حرّم الله تعالى عليه الجنة. نحن اشتغلنا في آيات في صفات عباد الرحمن توصلنا السمءا السابعة لكن عندما أنهى ذكر صفاتهم ختم الآية (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي) الذي يهمنا في الآخر النتيجة. (لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ) توقيع (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء). على الجميع أن لا يستكبر نفسه على أنه كذّب لكن أنت غير ضامن كيف ستكون سكرة الموت. الرسول r قال: إن للموت سكرات. ما من نبي يموت إلا ويرى مقعده من الجنة ويخيّر أن يُقبض أو لا، وهذا حديث صحيح هذا لأي نبي فكيف بالرسول r والرسول r عانى سكرات الموت وقوله r إن للموت سكرات على حسب رأيي أن إشفاقه r لم يكن على نفسه وإنما علينا نحن، وهذه طريقة ذكية في الاستعراض. علينا أن نفكر أنه إذا كان الرسول r عانى سكرات الموت فكيف بنا نحن؟ الرسول r قال: إني لأوعك كما يوعد الرجلان منكم، فكيف بنا نحن؟! الرسول r لما رأى بعض أمته ذاهب إلى النار وقال يا رب أمتي قيل له إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك. هل هناك دين من إله حقّ يرسل رسول ثم يقول لك إعمل ما تشاء فأنت في النار؟! هذا منطق المسلمين اليوم للأسف، هل هذا منطقي؟! القرآن يقول تب إلى الله تدخل الجنة. ليس من قبيل الصدفة أنه لما يستعرض المولى عباد الرحمن يستعرض كبائر لأنه يتكلم في صفوة الصفوة لكنه قال (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ (68) الفرقان) وهذه الثلاثة أمثلة وقال (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ (70)) المفروض أن تسعى للتوبة سعياً.
المقدم: ما ذكرناه سابقاً مسألة من ينقل الرسالة بعد الرسول وهو r قال: بلغوا عني ولو آية والقرآن يذكر التفقه في الدين فقال (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) التوبة) هؤلاء عليهم مهمة كبيرة بعد الرسل والأنبياء لإفهام الناس لكن البعض من أساتذة الأزهر ومن على الفضائيات للأسف ينقلون كلاماً غير صحيح في قضايا مهمة وليس في صغائر الخلافات لأنه لم يفهم بشكل صح.
د. هداية: لما فسر المفسرون (وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا (71) مريم) فسروها أننا كلنا داخلون في النار لكن الورود هنا من المشترك اللفظي مثل (وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ (23) القصص) ورد هنا بمعنى وصل. الورود هو المرور والصراط المؤدي إلى الجنة هو شريط مضروب على جهنم يمر عليه الصالح والطالح ولكن حتى الصراط يختلف فهو يتسع جداً بالنسبة للصالحين ويضيق بالنسبة للكافرين، فالذي يتسع له الصراط يدخل الجنة بعدما مر على النار وحمد الله تعالى على أن رسالة محمد r أو موسى u أو عيسى u أو أي نبي لغاية آدم ونحن نعلم أن هناك من آمن بالرسل على الوجه الحقيقي في كل عصر. حلاوة الإيمان تنقذك من النار إلى أن يأتي القرآن تطمئنك فأنت سمعت قوله تعالى (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ (8) الملك) يمكن أن تلفحني النار لفحة واحدة لكن المولى تعالى يقول (لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا (102) الأنبياء) كأن يصف حال المتقي المؤمن وهو يمر على الصراط. فرق القرآن بين فريقين (فَأَمَّا مَن طَغَى (37) النازعات) (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) النازعات) هل الذي طغى كمن خاف مقام ربه؟ طغة يعني تطاول، توقيع هذه الآية (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ (20) الحشر) ما معنى لا يستوي؟ يقول أهل المنطق يقولون النقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان لا ينفع أصحاب النار أن يكونوا أصحاب الجنة. لما نسمع قوله تعالى (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) نسمع قوله في سورة النازعات (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9)) الأبصار تعود على القلوب (يقولون إئنا لمرددون في الحافرة) هذا لما عُرض عليه القول لم يفهمه، هذا مات على جهل فلما بُعث المفروض أن يقول البعث حق لكنه سأل (يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10)) لما تمشي في الطريق مرتين تحفره فالدنيا سميت حافرة كأنه يقول سترجعني إلى الدنيا ثانية؟. قالوا (قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12)) لو دُعي ثانية يعمل نفس الذي عمله. قال (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)) لم يبعثنا الله تعالى حتى ندخل الحافرة. علينا أن ندرب أنفسنا على الموت وعلى وقفاته، القرآن يستعرض هذه الأحداث لا للتسلية وإنما بمثابة تمرين لهم.
المقدم: عندما نسمع من يتكلم عن الموت والقبر يستبعدها الإنسان لكن علينا أن ندرب أنفسنا على الموت حتى ننجو. عندما نتكلم عن الموت أو القبر وظلمة القبر نستبعد هذه المسألة فلو دخل أحدنا لينام في غرفته ثم أغلق الأنوار وضع اللحاف على وجهه وسأل نفسه ماذا فعلت اليوم؟
د. هداية: أسئلة القبر خطورتها أنها كلها أسئلة عقيدة. السؤال في القبر ليس من الله؟ لكن من ربك أنت؟ والإجابة تختلف بحسب الإنسان. يعني ماذا كانت عقيدتك؟ السؤال الثاني: ما دينك؟ السؤال الثالث: ما قولك في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ لو أجبنا على هذه الأسئلة يسأل ما عملك؟ الإجابة على هذا السؤال التي لا تحصل هذه الآيام: قرأت كتاب الله (إن كان توراة أو انجيل أو قرآن) فآمنت به وصدّقته يعني عملت به وطبّقته. لما الصديق يصادق على القراءة وعلى الإيمان بعد القرآءة فالإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل فلا نقرأ لنتسابق في القراءة لكن نقرأ لنطبّق، إذا لم نطبق على أنفسنا قبل الناس سنكون في النار والنار ليس فيها خروج بدليل حديث العالِم الذي لا ينفعه علمه. إذا لم يكن العمل خالصاً لوجه الله تعالى يكون رياء ونفاقاً وشرك.
المقدم: من أهل العلم من لا يعطي محاضرة إلا إذا أخذ مالاً أو يستغل علمه ليكسب منه المال، هذا ليس من باب التهجم وإنما من باب التوعية.
د. هداية: نحن لا نزكي أنفسنا فالكل معرّض للخطأ وإنما من باب التوعية فالخطأ يجر الخطأ فعلينا التوبة إلى الله تعالى والعودة إليه، الآيات كلها تنبئ بخطورة نقطة وهي التلقي أو التصور بعد التلقي. نستعرض الآيات يقولون شيئاً عكس الحقيقة، يقولون شيء عجيب أن يرسل الإله الحق الذي خلقك رسولاً (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2))، العجيب أن لا تكون المسألة كذلك. وبعدها ينبه أن قبلهم من كذب بالرسل (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12)).
المقدم: الآيات في سورة ق بدأت بقسم والقسم حرف فأين المقسَم عليه؟ هل هو مستتر أو سيأتي ذكره لاحقاً؟
د. هداية: لأن القسم سيكون على عكس ما قالوه هم. هو سبحانه كإله حق يقسم بأنه رسوله بالهدى ودين الحق والمفروض أن يحمدوا الله أن جاءهم نبي، هم عجبوا وهذا مقلوب ما كان يجب أن يحصل. القاعدة القرآنية من الإله الحق (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء) هذا منتهى العدالة، يوم القيامة عند الحساب لا يمكن أن يتكلموا لأن الله تعالى أرسل لهم رسلاً، قال (بل عجبوا) المفروض أن يؤمنوا عندما يأتيهم الرسول تلو الرسول، الآيات تستعرض حالة تحصل مع كل نبي أن هناك من يكذبه. هم الذين يقولون أن هذا شيء عجيب! العجيب أن يبعث الله لهم رسولاً؟! (بَلْ عَجِبُوا) المؤمن لما يقرأها يجب أن يقول كيف عجبوا؟ يجب أن نتدبر القرآن ونقف عند أسئلة القرآن، عندما نقرأ قوله تعالى (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) الملك) علينا أن نقول اللهم لك الحمد أننا صدّقنا. (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) قال (منهم) ولم يأتهم رسول لا يعرفونه غريب عنهم فالمفروض أن لا يعجبوا ولو أرسل الله تعالى رسولاً غريباً عنهم لقالوا لم يرسل الله لنا رسولاً منا! للأسف هذا الذي حصل في زماننا لا أحد يعجبه حاله. لكن علينا أن نقول في كل حال: الحمد لله، نحن للأسف لا نحمد الله سبحانه وتعالى. والذي يفعل هذا في المعاملات يمكن أن يقع فيها في الشريعة لأنها عملية تدريب وتهيئة نفس لحالة معينة لذا قلنا يجب علينا أن لا نستكبر على أنفسنا الوقوع في المعاصي ونقول نحن مؤمنين لكن علينا أن لا نغتر بإيماننا والحديث الشريف يقول فيه r: " ثم إن أحدكم يعمل بعمل أهل الجنة حتى يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ثم إن أحدكم يعمل بعمل أهل النار حتى يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها". وفي سورة ق يقول تعالى (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ (19)) يعني ساعة ما يدخل ملك الموت ستعرف أين أنت؟ في الجنة أو في النار، إما ملائكة بيض الوجوه أو ملائكة سود الوجوه. سكرة لأن السكرة كأنها غيبوبة وأنت في سكرات الموت لن تكون مسيطراً على نفسك فدرِّب نفسك على هذه الحالة وأكثر من شهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله في حياتك وفي كل تغيير في حياتك حتى لو فاجأتك حالة السكرة فأنت متعود أن تقول هذه الشهادة في كل حالة وفي كل تغيير حالة، لما تصحو من النوم تقول أشهد أن لا إله الله وأشهد أن محمداً رسول الله، تقولها وأنت تجلس وأنت تقوم حتى تتعود أن تقولها عندما تتغير حالتك من حالة إلى حالة ولا تتفاجئ بسكرة الموت وتقولها في القبر، هذا يسمى التدريب الإنفعالي. عندما يقول تعالى (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) الله تعالى أرسل لهم من ينذرهم من عذاب الله، اختيار المولى عز وجل لا يُناقش (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (9) الزمر) ليس المطلوب أن نكون علماء جميعاً لكن المطلوب أن نفهم ونعرف. قال الحكيم : إذا زلّ عالِم زلّ بزلته عالَم.
المقدم: (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) ق)
د. هداية: المعنى لو متنا وكنا تراباً سنرجع ثانية، ذلك رجع بعيد! لو قالوا أن هذه المسألة عجيبة أو غريبة كان يمكن أن تكون مقبولة أن الإنسان الذي كان حياً ثم يموت ويصبح تراباً يعود للحياة ثانية؟ هم قالوا (ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) يعني سيحصل لكن بعيداً يعني هم أقروا به. الرد من المولى عز وجل (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4)) هذا إبداع لا يمكن أن نتخيله، هم يقولون نحن نموت ونكون تراباً ثم نعود بشراً؟ ذلك رجع بعيد يعني كلامهم احتمل أنهم يقصدون أن البشر لا يعود كاملاً ربما ينقص منه شيء لكن الرد من المولى تعالى (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ) يعني قرر المولى بعلمه الذي يقابل القدرة التي لا تُنقَص منهم أحد. قدرة الله تبارك وتعالى وقوته وعلمه لا تفترق، (قَدْ عَلِمْنَا) تحتاج لشرح طويل. هم احتملوا عند قولهم (ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) أن جارحة من الجوارح لن تعود عند البعث لكن الله تعالى قال (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ (104) الأنبياء) يعني يبعث الإنسان بكامل أعضائه وجوارحه. (قَدْ عَلِمْنَا) يعني علمنا وقدّرنا وقررنا عن قدرة وعن علم وعن قوة لن تنقص الأرض منهم شيئاً.
هناك حديث صحيح عن الرسول عن الذي طلب من أبنائه أن يحرقوا جثته وينثروها في كل مكان فبعثه الله تعالى وسأله لم فعلت كذا فأجاب أنه كان خائفاً من لقاء الله تعالى فغفر الله تعالى له وأدخله الجنة وهذه تبين قوله تعالى (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) النازعات) التوبة رجوع وعودة إلى الله وعندا تتوب عليك أن تبقى في المكان الآمن بعد التوبة (متابا) هذا لا يعني أننا لن نخطئ سنخطئ لكن موضوع التوبة جاء بعد الكبائر ولم تأت مثلاً بعد إنفاق فقد يكون أحدهم بخيلاً. البعض يذكرون الحديث: أيزني المؤمن؟ قال نعم، لكن الحديث ليس هكذا وإنما سئل رسول الله r: أيكون المؤمن جباناً؟ قال نعم، بخيلاً؟ قال نعم، كذّاباً؟ قال لا. لكنهم يقولون الحديث: أيسرق المؤمن؟ أيزني المؤمن؟ هل يعقل أن يجيب الرسول نعم على هذا السؤال ثم يقيم الحد على الزاني؟! أي فكر هذا؟! عندما شرع الله التوبة عملها بصيانة احتمال (فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) الفرقان).
نحن نحذر أنفسنا والمشاهدين من مسألة التكذيب، هذه ليست مسألة كذب وإنما أن يعرض عليك الهدى فتقول هذا شيء غريب. نسأل سؤالاً ونبدأ به الحلقة المقبلة: ما الفرق بين من كذّب صراحة ومن يقول أنا أصدق لكن لا يعمل بالذي يقوله.
بُثّت الحلقة بتاريخ 24/6/2008م

ميارى 28 - 7 - 2010 06:21 PM

التوبة والاستغفار 80
تقديم علاء بسيوني
المقدم: التكذيب هي قضية الحياة الدنيا، الدنيا من أول آدم إلى قيام الساعة هناك منهج وطريقة حياة وإفعل ولا تفعل، أناس عملوا نوعاً من التكذيب المبدأي من إنكار الرسل والأنبياء وأناس قالوا عرفنا المنهج لكن لن نعمل به فهل هذا من التكذيب وهل يمكن وصف هذه الفئة بأنها مشركة أو منافقة؟ وأين هم في الجنة أو النار؟ وفئة ثالثة سمعوا المنهج وطبقوه. فما أهمية أن يكون الإنسان واعياً عندما يُعرض عليه أمر ما. الناس للأسف تستهين بموضوع الشرك والنفاق وأنه أمر سيمر ولكننا سنثبت اليوم من القرآن الكريم أن هذا الموضوع ليس سهلاً، مسألة التكذيب تفرق الناس إلى ثلاثة أقسام: أناس ستؤمن ولن تكذب وتسأل عن المنهج وقد نجد بعض الناس الذين نحتاج لتذكيرهم بالمنهج كل مرة والبعض هم الذين يسألون ويتأكدون والبعض يقول هل الدين يدخل في كل أمر؟! ويستغرب من الناس البسطاء الذين يحرصون على معرفة الحكم الشرعي في كل الأمور. هل هناك بشر يملك أن يقول لربنا أن هذا الموضوع لن يتبع منهجك هؤلاء ممن يقولون لا يجب أن يكون الدين داخلاً في كل أمر في حياتنا والبعض يشط في أساليبهم وكتاباتهم الأدبية أو الشعرية ويتحججون أن هذا إبداع لأن الفن مطلق الحرية لكن نسأل من أعلى؟ الله تعالى أم الإبداع؟
د. هداية: الدين يحكم كل شيء في المجتمع ووقوع بعض الناس في الخطأ دون أن يشعروا هؤلاء منافقين رغماً عنهم، الذي يطهر شيئاً ويبطن شيئاً هذا منافق. القرآن لما وصف الفئات وصف المتقين في أربع آيات والكفار في آيتين والمنافقين في 13 آية (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) البقرة). حكاية الإبداع وأن الدين لا يدخل في كل شيء رددنا عليها في سورة الروم لما شرحنا آيات العقيدة مسألة توصيف التلقي لما تسمع القرآن (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (29) الروم) لم يقل ظلموا من؟ هؤلاء ظلموا الناس وظلموا أنفسهم. لو هناك علم يرد الأهواء من أين سيأتي هذا العلم؟ سيأتي من الدين وقال (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا)، (فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (29))؟ الله سبحانه وتعالى (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء (56) القصص) إذا أراد الله تعالى أن يهدي أحداً انتهى الأمر. (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا) الدين هو البوصلة التي ستنقذك، حنيفاً يعني مائلاً لكن مائل عن الهوى إذن ستكون مستقيماً، لأن نفي النفي إثبات والميل عن الميل قمة الإستقامة. حنيفاً بدأت في اللغة مائلاً لمن لما قالها إبراهيم عليه السلام صارت قمة الاستقامة لأنه بعد أن استعرض الأصنام والنجوم قال له قومه من ستعبد؟ قال (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) الأنعام) يعني سأبتعد عنكم وسأكون مائلاً عنكم يعني صارت قمة الإستقامة. (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) الروم) كل إنسان يمكن أن يُبدع لكن عندما يضع الله تعالى منهجاً لا يمكن أن نتكلم (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) ق) هناك رقيب، ما قال ما يلفظ من لفظ وإنما قال (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ) ولما سأل معاذ الرسول r فقال له" ثكلتك أمك" كأن المعنى يا ليتك ما ولدت، وسأله وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم؟" إذن ما يكب الناس في النار هو حصائد ألسنتهم التي هي (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) ق) والذي عندما يرى الكتاب سيقول (مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا (49) الكهف) إذن كل كلمة في النثر أو الشعر أو الابداع يجب أن تكون محكومة بالضوابط.
المقدم: البعض يسألون هل إذا أردنا أن نكتب ونبدع نكتب قصة كل أبطالها صالحين؟
د. هداية: نحن لم نقل هذا يمكن أن تكتب لكن لا ترينا هذا الإبداع! لذلك ما على الرسول إلا البلاغ (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) الغاشية) نحن نقول اللهم اشهد أننا قد بلّغنا. أنا أخاف على الذين هم مؤمنون ويستهين بالشرك ألم نسمع قول المسيح في سورة المائدة (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72))؟ هذه قاعدة (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ) مأواه النار هذا يعني أنه ليس خارجاً من النار.
المقدم: القرآن يشرح بعضه بعضاً وهو كلٌ لا يتجزأ ولهذا انتقلنا من سورة الفرقان إلى سورة ق إلى سورة المائدة ونحن نتكلم الآن عما قاله المسيح u الذي يثبت أن كلام الله تعالى واحد من إله واحد. المسيح عليه السلام يقول قاعدة ليست من عنده وإنما من عند المولى تعالى بوحي تلقاه من الله تعالى.
د. هداية: كل كلام القرآن أياً كان وعلى أي لسان هو كلام الله تبارك وتعالى، قد نسمع قال المسيح أو قالت امرأة فرعون لكن الكلام بصياغة إلهية بقول الله تبارك وتعالى. فكرة الدين واحد لأن الله واحد فلما تكلم مع أمة محمد r التي لا يجب أن يكون عندها لبس ولا شرك ولا اختلاف فكلم الله تعالى أمة محمد r قائلاً (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (13) الشورى) المشركين في كل زمان. هؤلاء الخمسة كتمثيل لكل الأنبياء والمرسلين دعوا إلى دين واحد وإله واحد، أهل التوحيد من العيب أن يشركوا لكن المشرك دماغه ملخبط فيقول لنا أن نصبر على المشركين (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ)، المنافق كاذب وهو ملخبط لأنه إذا لقي الذين آمنوا يقول لهم شيئاً وإذا لقي الذين أشركوا يقول شيئاً آخر (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ (14) البقرة) وأحياناً يقول للمؤمنين ما يقوله للمشركين أو العكس من كثرة كذبه واضطرابه لذلك المشرك والمنافق وشياطين الإنس تجدهم كاذبين ومن كذبهم يفتضح أمرهم فيكشفهم الإنسان المؤمن الواعي. شرع الله تعالى لكل الأنبياء والمرسلين واحد والمنهج واحد لكن الرسالة هي التي تختلف.
المقدم: في سورة النساء قال تعالى (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (142) مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (143))
د. هداية: الله تعالى يقول (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ) هذه الآية فيها شرح طويل جداً، تكرار لفظ الجلالة مرة بالباء (مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ) ومرة الله سبحانه تعالى هو الفاعل (حَرَّمَ اللّهُ)، الله تعالى هو الذي حرّم عليه الجنة فليدع المشرك من أشرك مع الله لينقذه أو ينفعه! (وَمَأْوَاهُ النَّارُ) النار وصفت أنها مأوى فلما يقول تعالى (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) النازعات) لا يقولن أحدهم أنه من يدخل النار سيخرج منها، المأوى يعني مستديم والمأوى شرح بقول الله تبارك وتعالى (فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ) يعني لا يشم رائحتها، لا أنه يدخل ثم يخرج منها! الله تعالى قال (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) النازعات) (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) النازعات) كلمة مأوى وصفت الجحيم والجنة فلما يقول أحدهم أن أهل النار سيخرجون منها فهل هذا ينطبق على أهل الجنة أنهم يخرجون منها؟ اللفظ يمكن لكلمة واحدة أن يكون لها أكثر من معنى لكن لما اللفظ يصف مرة كذا ومرة كذا يعني الصفة واحدة. في سورة الفرقان قال تعالى عن النار (إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66)) وفي آخر السورة وصف الجنة فقال (خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)).
المقدم: في سورة الأعراف آية تعاضد ما ذكرته (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50)).
د. هداية: أنت تريد شيئاً تريد أن تخرج لكن ماذا سيحصل؟ كل آية في القرآن إما تشرح آية أو توصّفها أو توقّعها ولذلك الشنقيطي عمل أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن والشيخ عبد الجليل عيسى لما قدّم له الشيخ الشعراوي كتاب تيسير التفسير فقال أن الشيخ عبد الجليل عيسى جمع في كتابه شتات الآيات للمتلقي يعني يجمع الآيات التي تتعلق بموضوع واحد في القرآن ووضع الدكتور عبد الجليل عيسى كل مرادفات الكلمات في الآيات التي يتحدث عنها وهو في الفرقان مثلاً يقول انظر في آية كذا في سورة المائدة. كتاب الدكتور عبد الجليل كتبه عام 1957 واستمر في تعديله إلى عام 1975 قبل أن يقع في الغيبوبة. هو عمل كتابين المصحف المفسر وتيسير التفسير.
المقدم: العقل الباطني للدكتور عبد الجليل كان مشغولاً بالقرآن بدليل أنه كان يستفيق من غيبوبته ويوصي بتيسر القرآن
د. هداية: رحم الله الشيخ وقد رأيته ساعة الموت آية من آيات الله في الرجل الصادق وجهه مستنير وعمره 105 سنة وكتب وصية أن دخول الجديد في القديم في تيسير التفسير يجب أن يكون دارساً جيداً للغة بإشراف أحد المشرفين محمد عبد الجليل عيسى وهو ابن الشيخ عبد الجليل والدكتور عبد المنعم النمر باعتماد الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى.
المقدم: عمل الربط والاحصاء خلال هذه السنوات بيده ونحن الآن نعملها في دقيقة واحدة عن طريق الكمبيوتر.
د. هداية: جزاهم الله تعالى خير الجزاء وبارك لنا في الشيخ سامي الشعراوي.
المقدم: نعود إلى سورة ق ربنا تعالى يتكلم عن الكافرين الذين كذبوا (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15))
د. هداية: هؤلاء يتبادر إلى الذهن أنهم مكذبين، (هم) ضمير لم يقل تعالى بل المكذبون في لبس لأن بعض غير المكذبين قد يقع في اللبس. اللبس إلتباس الأمر يأتي بتكذيب أو بعد اقتناع أو بعد إدخال نفسك في دائرة العقيدة، يجب أن أدرب نفسي على مسألة الموت.
المقدم: هل نحن في مسألة العقيدة والإيمان محتاجين لتكوين نوع من اللياقة الإيمانية مثل العضلات البشرية كنوع من العضلات الفكرية التي ندربها تدريباً فكرياً وإيمانياً.
د. هداية: العضلة لما تتوقف عن التدريب تضعف لأنها كانت معتادة على التدريب ثم توقفت. الإنسان عندما يدرب نفسه على شيء غير ما يكون من غير إعداد وتدريب.
المقدم: مندوبي المبيعات خاصة عبر الهاتف يدخلون في دورات تدريبية لمعرفة كيفية التعامل مع الناس وماذا سيجيبون على استفسارات الناس وأسئلتهم فالتسويق علم بحد ذاته.
د.هداية: الآية تقول (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15) ق) أفعيينا يعني هل تعبنا؟ ها المولى حاشاه تعب وهو يخلق الخلق الأول من تراب؟ معظم الناس لم ينتبهوا إلى أن هذه الآية فيها سؤال، (أفعيينا) الهمزة فيها همزة استفهام، القارئ الواعي للقرآن وهو يقرأ هذه الآية يقول لا يا رب حاشاك لأن هذا سؤال في العقيدة. (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) هذه نقلة من إجابتك على السؤال وليس من السؤال. كأن الإجابة المنطقية على السؤال "لا يا رب حاشاك" يقول أنت كذا بل هم يعني أنت لست من (هم)، (هم) تشمل كل المكذبين. ما الفرق بين من يكذبك في أمر وبين من يصدقك ولا يعمل شيئاً؟ لا فرق بينهما بل أن علماء النفس يقولون أن الأول واضح أكثر من الثاني لأن الثاني التحق بالمنافقين من غير أن يشعر وهذا فيه شرك وفيه هوى (كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) الصف) أنت تقول ولم تعمل فلِمَ قلتها؟ الله تعالى جمع الكافرين والمنافقين في جهنم جميعاً وإذا دخلوا لن يخرجوا (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ) عندما تسمع هذه الآية وتضعها مقابل (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ (185) آل عمران) الذي زحزح عن النار وأدخل الجنة عمل عملاً غير الذي حرّم عليه الجنة ولن يدخلها لأن الله تعالى قال (وَمَأْوَاهُ النَّارُ) إذن هناك فرق بين من كذّب وبين من سمع ولم يعمل. فرق بين يقرأ قوله تعالى (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15) ق) ولا يتأثر وبين من يقرأها ويقول في نفسه " لا يا رب حاشاك" فيعظَّم الذات الإلهية في داخله.
المقدم: علينا أن نعمل حلقة في اختلاف الإفراد (إني أنا الله) وضمير الجمع في القرآن الكريم عندما يتكلم الله تعالى عن نفسه (أفعيينا)؟ لم يقل أفعييت؟
د. هداية : هذه تدل على القدرة والتعظيم فالخلق الأول كان من تراب فهو سبحانه جاء بضمير الجمع ليعظّم الذات.
(بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيد) الخلق الجديد هو الإعادة (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ (27) الروم) إياكم أن تظنوا أن هذه الضمائر في حق الله وإنما هي أمثلة لكم فكلمة (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) هذا في نظركم الصانع من البشر إذا صنع شيئاً لأول مرة يكون صعباً عليه ثم بعد ذلك يكون الأمر سهلاً أما بالنسبة لله سبحانه وتعالى فالأمر هين عليه في كل حال، الله تعالى يضرب لنا الأمثلة ليستوعبها عقلنا البشري لكن الذات الإلهية فعلاً المفروض أن تكون في عقيدة المسلم عن طريق رسول الله محمد r أو عيسى أو موسى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (11) الشورى) ولما قال اليهود أن الله تعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام واستراح اليوم السابع رد عليهم المولى سبحانه وتعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ (38) ق) لغوب هو مطلق التعب، فإذا كان هؤلاء يطلقون هذا الكلام على الله تعالى فما بالك بالبشر؟! لو فهمنا (بل) هذه جاءت رداً على القارئ المؤمن الحق الذي يقول لا يا رب حاشاك. (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيد) يعني إذا أجبتم على هذا السؤال لن تكونوا من (هم) الذين في لبس من خلق جديد، هنا قال (لبس) وفي الفرقان قال تكذيب (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)) هذا التكذيب عبارة عن لبس والتباس مذبذبين، كأن المولى تعالى يقول هؤلاء ليسوا منطقيين ولو كانوا اعترضوا على السؤال في الآية لكانوا منطقيين ولذلك في خلق عيسى من مريم من أنثى بدون ردل ضرب مثالاً وهو يضرب المثال تكلم عن الأصعب من عيسى (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (59) آل عمران) يتكلم عن عيسى ويضرب المثال في آدم قال تعالى خلقه من تراب (هذا الكلام عن آدم)، (خلقه) الضمير عائد على آدم، هذه النقلة اللغوية أنه تعالى خلق آدم من تراب ثم قال له كن فيكون كأن المولى تعالى يقول أنتم عملتم مشكلة في أمر لا يستحق المشكلة لأننا نتكلم عن خالق ولو أرادوا السؤال كان يجب أن يسألوا عن خلق آدم من تراب، فعيسى عليه السلام كانت له أم تحمله أما آدم فلم يكن له لا أم ولا أب ولهذا قال تعالى (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) فالذي قدر على خلق آدم من تراب قادر على خلق عيسى من أم فقط وهذا ليبين لنا قدرته سبحانه وتعالى في الخلق وليس من باب الصدفة وعلينا أن نسلّم بهذه الأمور. وليس خلق عيسى من أم هو المعجزة الوحيدة لعيسى u فالله تعالى أنطقه في المهد طفلاً وجعله يبرئ الأبرص والأكمه ويحيي الموتى وهذه معجزات لم تحصل لنبي قبله ومع هذا لم يعترضوا عليها ولم يناقشوها. هذا ابتلاء (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) العنكبوت) لا ندخل الجنة فقط إذا آمنا بالقول الإيمان بالقول يحتاج إلى تقديم البرهان على قولك، فقوله تعالى (بل هم في لبس جديد) هذه النقلة رد من المولى عز وجل على رد المؤمن الواعي على سؤال (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) بقوله لا يا رب حاشاك، وهل يتعب الله؟!
المقدم: ربنا في كل الصياغات القرآنية يخاطب الناس الذين عندهم منطق سليم يحكم على الأمور ولو انتقلنا إلى خواتيم سورة يس (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82))
د. هداية: في ختام سورة يس يدربنا على قول (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83) يس) يدربنا على الإجابة كاملة. بعض المفسرين قالوا أن الخلق الأول هو خلق السموات والأرض التي أعدت لحمل الإنسان وليس خلق الناس كأنهم فسروا الآية أن الله تعالى يسأل الناس أتعبت في خلق السموات والأرض بل أنتم في لبس من خلق جديد يعني خلقهم لكنهم لم يلتبسوا في خلقهم من تراب وإنما التبسوا في الإعادة (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) ق) وبعض المفسرين قالوا رجع بعيد يعني مستحيل.
بُثّت الحلقة بتاريخ 1/7/2008م


الساعة الآن 04:20 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى