منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   كتاب تاريخ ابن خلدون (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=8921)

تهاني 7 - 8 - 2010 01:04 AM



مجهود رائع وموضوع قيّم
بانتظار المزيد من هذا العطاء

لك مني ارقّ تحية وأعذبها



أبو جمال 7 - 8 - 2010 01:07 AM

اخت ميارى
لا ادري ماذا اقول وكيف اشكرك على هذا الانجاز المذهل
قد تكون عبارة بارك الله فيك ووقاك ومنحك الستر والعافية ونفع بك هي افضل ما استطيع قوله هنا
يعطيك العافيه

ميارى 7 - 8 - 2010 04:48 AM

مسير ابن مقلة إلى الموصل واستقرارها لابن حمدان
كان ناصر الدولة أبو محمد الحسن بن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان عاملاً على الموصل فجـاء عمه أبو العلاء سعيد فضمن الموصل وديار ربيعة سراً وسار إليها فظهر أنه في طلب المال من ابن أخيه‏.‏ وشعر ناصر الدولة بذلك فخرج لتلقيه فخالفه إلى بيته فبعث من قبله واهتم الراضي بذلك وأمر الوزير أبا علي بن مقلة بالمسير إلى الموصل فسار في العساكر من شعبان سنة ثلاث وعشرين فرحل عنها ناصر الدولة ودخل الزوران واتبعه الوزير إلى حمل السـن‏.‏ ثـم عاد عنها إلى الموصل وأقام في جبايتها وبعث ناصر الدولة إلى بغداد بعشرة آلاف دينـار لابـن الوزيـر ليستحـث أبـاه فـي القـدوم فكتـب إليه بما أزعجه فسار من الموصل واستخلـف عليهـا علـي بـن خلـف بـن طيـاب وماتـرد الديلمي من الساجية‏.‏ ودخل بغداد منتصف شوال وجمع ناصر الدولة ولقي ماترد الديلمي على نصيبين إلى الرقة وانحدر منها إلى بغداد ولحقه ابن طياب واستولى ناصر الدولة حمدان على الموصل وكتب في الرضا وضمان البلاد فأجيب وتعذرت عليه‏.‏

نكبة ابن مقلة وخبر الوزارة
كان الوزير ابن مقلة قد بعث سنة ثلاث وعشرين إلى محمد بن رائق بواسط يطالبه بارتفاع أعمـال واسـط والبصـرة وكان قد قطع الجبل‏.‏ فلما جاءه كتاب ابن مقلة كتب إليه جوابه يغالطه وكتب إلى الراضي بالسعي في الوزارة وأنه يقوم بنفقات الدار وأرزاق الجند فجهز الوزير ابنه سنة أربع وعشرين لقصده ووري بالأهواز وأنفذ رسوله إلى ابن رائق بهذه التورية يؤنسه بها وباكر القصر لانقاذ الرسول فقبض عليه المظفر بن ياقوت والحجرية‏.‏ وكان المظفر قد أطلق من محبسه وأعيد إلى الحجبة فاستحسن الراضي فعلهم‏.‏ واختفى أبو الحسين ابن الوزير وسائر أولاده وحرمه وأصحابه وأشار إلى الحجرية والساجية بوزارة علي بن عيسى فامتنع وسار بأخيه عبد الرحمن فاستوزره الراضي وصادر ابن مقلة‏.‏ ثم عجز عن تمشية الأمور وضاقت عليه الجباية فاستعفى من الورزارة فقبض عليه الراضي وعلى أخيه على ثلاثة أشهـر مـن وزارته واستوزر أبا جعفر محمد بن القاسم الكرخي فصادر علي بن عيسى على مائة ألف دينـار‏.‏ ثـم عجـز عـن الـوزارة وضاقت الأموال وانقطعت‏.‏ وطمع أهل الأعمال فيما بأيديهم فقطع ابن رائق جمل واسط والبصرة وقطع ابن البريدي حمل الأهواز وأعمالها وانقطع حمل فارس لغلـب ابـن بويـه عليهـا ولـم يبق غير هذه الأعمال ونطاق الدولة قد تضايق إلى الغاية وأهل الدولة مستبـذون علـى الخلافـة والأحـوال متلاشية‏.‏ فتحمص أبو جعفر وكثرت عليه المطالبات وذهبت هيبته‏.‏ فاختفى لثلاثة أشهر ونصف من وزارته واستوزر الراضي مكانه أبا القاسم سليمان بن الحسن فكان حاله مثل حال من قبله في قلة المال ووقوف الحال‏.‏ ولما رأى الراضي وقوف الحال من الوزراء استدعى أبا بكر محمد بن رائق من واسط وكاتبه بأنـه قـد أجابـه إلـى مـا عـرض من السعي في الوزارة على القيام بالنفقات وأرزاق الجند فسر ابن رائـق بذلـك وشـرع يتجهـز للمسيـر‏.‏ ثـم أنفـذ إليـه الراضي الساجية وقلده إمارة الجيش وجعله أمير الأمراء وفوض إليه الخراج والدواوين والمعادن في جميع البلاد وأمـر بالخطبـة لـه علـى المنابـر وانحـدر إليـه أربـاب الدواويـن والكتـاب والحجـاب‏.‏ ولمـا جـاءه الساجيـة قبـض عليهـم بواسط في ذي الحجة من سنة أربع وعشرين ونهب رجالهم ودوابهم ومتاعهم ليوفر أرزاقهم على الحجرية فاستوحشوا لذلك وخدموا بدار الخلافة وأصعد ابن رائق إلـى بغـداد وفـوض الخليفـة إليـه أمرهم‏.‏ وأمر الحجرية بتقويض خيامهم والرجوع إلى منازلهم وأبطل الدواوين وصير النظر إليه فلم يكن الوزير ينظر في شيء من الأمور‏.‏ وبقي ابن رائق وكتابه ينظرون في جميع الأمور فبطلت الدواوين وبيـوت الأمـوال مـن يومئـذ وصارت لأمير الأمراء والأموال تحمل إلى خزانته ويتصرف فيها كما يريد ويطلب من الخليفة ما يريد‏.‏ وتغلب أصحاب الأطراف وزال عنهم الطاعة‏.‏ ولم يبق للخليفة إلا بغداد وأعمالها وابن رائق مستبد عليه‏.‏ وأما باقي الأعمال فكانت البصرة في يـد ابـن رائـق وخوزستـان والأهـواز فـي يـد ابـن البريـدي وفـارس فـي يـد عمـاد الدولـة ابن بويه وكرمان في يد علي بن الياس والري وأصبهان والجبل في يد ركن الدولة ابن بويه وشمكير أخو مرداويح ينازعه في هذه الأعمال والموصل وديار بكر ومضر وربيعة في يد حمدان ومصر والشام في يد ابن طغج والمغـرب وإفريقيـة فـي يـد العبيدييـن والأندلـس فـي يـد عبـد الرحمن بن الناصر من ولد عبد الرحمن الداخل وما وراء النهر في يد بني سامان وطبرستان في يد الديلم والبحرين واليمامة في يد أبي طاهر القرمطي‏.‏ ولـم يبـق لنـا مـن الأخبـار إلا ما يتعلق بالشلافة فقط في نطاقها المتضايق أخيرا وإن كانت مغلبة‏.‏ وهي أخبار ابن رائق والبريدي وأما غير ذلك من الأعمال التي اقتطعت كما ذكرناه فنذكر أخبارها منفردة ونسوق المستبدين دولاً كمـا شرطنـاه أول الكتـاب‏.‏ ثـم كتـب ابـن رائـق عـن الراضـي إلـى أبـي الفضـل بن جعفر بن الفرات‏.‏ وكان على الخراج بمصر والشام وظن أنه بوزارته تكون له تلك الجباية فوصل إلى بغداد وولي وزارة الراضي وابن رائق جميعاً‏.‏ وصول يحكم مع ابن رائق كان يحكم هذا من جملة مرداويح قائد الديلم ببلاد الجبل وكان قبله في جملة ماكان بن كالي ومن مواليه وهبه له وزيره أبو علي الفارض ثم فارق ماكان مع من فارقه إلى مرداويح‏.‏ وكان مرداويح قد ملك الري وأصبهان والأهـواز وضخـم ملكـه وصنـع كراسـي مـن ذهـب وفضـة للجلـوس عليهـا هـو وقـواده ووضع على رأسه تاجاً تظنه تاج كسرى وأمر أن يخاطب بشاهنشاه واعتزم على قصد العراق والاستيلاء عليه وتجديد قصور كسرى بالمدائن‏.‏ وكان فـي خدمتـه جماعـة مـن التـرك ومنهـم يحكم‏.‏ فأساء ملكهم وعسكرهم فقتلوه سنة ثلاث وعشرين بظاهـر أصبهـان كمـا نذكـره فـي أخبارهـم‏.‏ واجتمـع الديلـم والجبـل بعـده علـى أخيـه وشمكيـر بـن زيار وهـو والـد قابـوس ولمـا قتـل مرداويح افترق الأتراك فرقتين ففرقة سارت إلى عماد الدولة بن بويه بفارس والأخرى وهي الأكثر سارت نحو الجبل عند يحكم فجبوا خراج الدينور وغيرها‏.‏ ثم سـاروا إلـى النهـروان وكاتبـوا الراضـي فـي المسيـر إليـه فـأذن لهـم وارتـاب الحجرية بهم فأمرهم الوزير بالرجـوع إلـى بلـد الجبـل فغضبـوا واستدعاهـم ابـن رائـق صاحـب واسط والبصرة فمضوا إليه وقدم عليهم يحكم وكان الأتراك والديلم من أصحاب مرداويج فجاءته جماعة منهم فأحسـن إليهـم وإلى يحكم وسماه الرائقي نسبة إليه وأذن له أن يكتبه في مخاطباته‏.‏

مسير الراضي وابن رائق لحرب ابن البريدي
ثـم اعتـزم ابـن رائـق سنـة خمـس وعشريـن على الراضي في المسير إلى واسط لطلب البريدي في المال ليكون أقرب لمناجزته فانحدر في شهر محرم وارتاب الحجرية بفعله مع الساجية فتخلفوا ثم تبعوه فاعترضهم وأسقط أكثرهم من الديوان فاضطربوا وثاروا فقاتلهم وهزمهم وقتل منهم جماعة ولجأ فلهم إلى بغداد فأوقع بهم لؤلؤ صاحب الشرطة ونهبت دورهم وقطعت أرزاقهم وقبضت أملاكهم وقتل ابن رائق من كان في حبسه من الساجية وسار هو والراضي نحو الأهـواز لإجـلاء ابـن البريـدي منهـا‏.‏ وقـدم إليـه في طلب الاستقامة وتوعده فجدد ضمان الأهواز بألـف دينـار فـي كـل شهـر ويحمـل فـي كـل يـوم قسطـه‏.‏ وأجابـه إلـى تسليـم الجيـش لمـن يسيـر إلى قتال ابـن بويـه لنفرتهـم عـن بغـداد‏.‏ وعـرض ذلـك علـى الراضـي فأشـار الحسيـن بـن علـي القونجـي وزير ابن رائـق بأن لا تقبل لأنه خداع ومكر‏.‏ وأشار أبو بكر بن مقاتل بإجابته وعقد الضمان على ابن البريدي وعاد ابن رائق والراضي إلى بغداد فدخلاها أول صفر ولم يف ابن البريدي بحمل المال وأنفذ ابن رائق جعفر بن ورقاء ليسير بالجيش إلى فارس‏.‏ ودس إليهم ابن البريدي أن يطلبوا منه المال ليتجهزوا به فاعتذر فشتموه وتهددوه بالقتل‏.‏ وأتى ابن البريدي فأشار عليه بالنجاء‏.‏ ثـم سعـى ابـن مقاتـل لابـن البريـدي فـي وزارة ابـن رائـق عوضـاً عـن الحسيـن القونجـي وبـذل عنـه ثلاثين ألف دينار فاعتذر له بسوابق القونجي عنده وسعيه له وكان مريضاً‏.‏ فقال له ابن مقاتل أنه هالك فقال ابن رائق قد أعلمني الطبيب أنه ناقه فقال الطبيب يراجيك فيه لقربه منك ولكن سـل ابـن أخيـه علـي بـن حمـدان‏.‏ وكـان القونجـي قـد استنـاب ابـن أخيـه فـي مرضه فأشار عليه ابن مقاتل أن يعرف الأمير إذا بمهلكة وأشار عليه أن يستوزره‏.‏ فلما سأله ابن رائق أيأسه منه‏.‏ فقـال ابـن رائـق عنـد ذلـك لابـن مقاتـل‏:‏ اكتـب لابن البريدي يرسل من ينوب عنه في الوزارة فبعث أحمـد بـن الكونـي واستولـى مع مقاتل على ابن رائق وسعوا لابن البريدي أبي يوسف في ضمان البصرة‏.‏ وكان عامل البصرة من قبل ابن رائق محمد بن يزداد وكان شديد الظلم والعسف بهم فخادعه ابـن البريـدي وأنفـذ أبـو عبـد اللـه مولـاه إقبالاً في ألفي رجل وأقاموا في حصن مهدي قريباً‏.‏ فعلم ابـن يـزداد أنه يروم التغلب على البصرة وأقاما على ذلك وأقام ابن رائق شأن هذا العسكر في حصـن مهدي‏.‏ وبلغه أيضاً أنه استخدم الحجريين الذين أذن لهم في الانسياح في الأرض وأنهم اتفقـوا مـع عسكـره علـى قطـع الحمل وكاتبه بطردهم عنه فلم يفعل‏.‏ فأمر ابن السكوني أن يكتب إلـى ابـن البريدي بالكتاب على ذلك‏.‏ ويأمر بإعادة العسكر من حصن مهدي فأجاب بإعدادهم للقرامطة وابن يزداد عاجز عن الحماية‏.‏ وكـان القرامطـة قـد وصلـوا إلـى الكوفـة فـي ربيـع الآخـر وخـرج ابـن رائـق فـي العساكر إلى حصن ابن هبيرة ولم يستقر بينهم أمر‏.‏ وعاد القرمطي إلى بلده وسار ابن رائق إلى واسط فكتب ابن البريـدي إلى عسكره بحصن مهدي أن يدخلوا البصرة ويملكوها من ابن يزداد وأمدهم جماعة من الحجرية فقصدوا البصرة وقاتلوا ابن يزداد فهزموه ولحق بالكوفة وملك إقبال مولى ابن البريدي وأصحابه البصرة وكتب ابن رائق إلى البريدي يتهدده ويأمره بإخراج أصحابه من البصرة فلم يفعل‏.‏

استيلاء يحكم على الأهواز
ولما امتنع ابن البريدي من الإفراج عن البصرة بعث ابن رائق العساكر مع بدر الحريشي ويحكم مولاه وأمرهم بالمقام بالجامدة فتقدم يحكم عن بدر وسار إلى السوس وجاءته عساكر البريدي مـع غلامـه محمـد الجمـال فـي ثلاثـة آلـاف ومـع يحكم مائتان وسبعون من الترك فهزمهم يحكم ورجع حمد بن الجمال إلى ابن البريدي فعاقبه على انهزامه وحشد له العسكر فسار في ستة آلاف ولقيهـم يحكـم عنـد نهـر تستـر فانهزمـوا مـن غير قتال‏.‏ وركب ابن البريدي السفن ومعه ثلثمائة ألف دينار ففرق أصحابه رماله ونجا إلى البصرة وأقام بالأبلة وبعث غلامه إقبالاً فلقي جماعة من أصحاب ابن رائق فهزمهم وبعث ابن رائق مع جماعة من أهل البصرة يستعطفه فأبى فطلبوا وأقام ابن البريدي بالبصرة واستولى يحكم على الأهواز‏.‏ ثم بعث ابن رائق جيشه في البحر والبـر فانهـزم عسكـر البـر واستولـى عسكـر المـاء علـى الكـلأ فهـرب ابـن البريـدي فـي السفن إلى جزيرة أوال وتـرك أخـاه أبـا الحسيـن فـي عسكـر بالبصـرة فدفـع عسكـر ابـن رائق عن الكلأ فسار ابن رائق مـن واسـط‏.‏ واستولـى يحكـم علـى الأهـواز وقاتلـوا البصـرة فامتنعـت عليهـم‏.‏ وسـار أبـو عبـد اللـه بـن البريـدي مـن أوال إلـى عمـاد الدولـة بـن بويـه بفارس فأطعمه في العراق وبعث معه أخاه معز الدولة إلـى الأهـواز فسيـر إليهـا ابـن رائـق ومولـاه جكم على أن يكون له الحرب والخراج وأقام ابن البريدي على البصرة وزحفت إليه عساكرهم فأعجلوه عن تقويض خيامه فأحرقها وسار إلى الأهواز مجرداً وسبقته عساكره إلى واسط وأقام عند يحكم أياماً وأشير عليه بحبسه فلم يفعل ورجع ابن رائق الى واسط‏.‏

استيلاء معز الدولة على الأهواز
لما سار أبو عبد الله بن البريدي من جزيرة أوال إلى عماد الدولة ابن بويه بفارس مستجيراً به مـن ابـن رائـق ويحكـم ومستنجداً عليهم طمع عماد الدولة في الاستيلاء على العراق فسير معه أخـاه معـز الدولـة أحمـد بـن بويـه فـي العسكـر ورهـن ابـن البريدي عنده ولديه أبا الحسين محمدا وأبا جعفر الفياض‏.‏ وسار يحكم للقائهم فلقيهم بأرجان‏.‏ فانهزم أمامهم وعاد إلى الأهواز وخلف جيشاً بعسكر مكرم‏.‏ فقاتلهم معز الدولة ثلاثة عشر يوماً ثم انفضوا ولحقوا بتستر وملك معز الدولـة عسكـر مكـرم وذلـك سنـة سـت وعشريـن وسـار يحكـم مـن الأهـواز إلـى تستـر وبلغ الخبر إلى ابـن رائـق بواسـط فسـار إلى بغداد وجاء يحكم من تستر إلى واسط‏.‏ ولما استولى معز الدولة وابـن البريـدي علـى عسكر مكرم ولقيهم أهل الأهواز وسار معهم إليها فأقاموا شهراً‏.‏ ثم طلب معـز الدولـة من ابن البريدي عسكره الذي في البصرة ليسير بهم إلى أخيه ركن الدولة بأصبهان لحـرب وشمكيـر فأحضـر منهـم أربعـة آلاف‏.‏ ثم طلب من عسكره الذين بحصن مهدي ليسير بهم فـي المـاء إلـى واسـط فارتـاب ابـن البريـدي وهـرب إلـى البصرة‏.‏ وبعث إلى عسكرها الذين ساروا إلى أصبهان وكانوا متوقفين بالسوس فرجعوا إليه‏.‏ ثم كتب إلى معز الدولة أن يفرج له عن الأهواز ليتمكن من الجباية والوفاء بها لأخيه عماد الدولة وكان قد ضمن له الأهواز والبصرة بثمانيـة عشـر ألـف ألـف درهـم‏.‏ فرحـل معـز الدولـة إلـى عسكـر مكرم وأنفذ ابن البريدي عامله إلى الأهواز‏.‏ ثـم بعـث إلى معز الدولة بأن يتأخر إلى السوس فأبى وعلم يحكم بحالهم فبعث جيشاً استولوا على السوس وجندي سابور وبقيت الأهواز بيد ابن البريدي ومعز الدولة بعسكر مكرم وقد ضاقـت أحـوال جنـده‏.‏ ثـم بعـث إليـه أخـوه عمـاد الدولة بالمدد فسار إلى الأهواز وملكها‏.‏ ورجع ابـن البريـدي إلـى البصـرة ويحكـم فـي ذلـك مقيـم بواسـط وقـد صـرف همـه إلى الاستيلاء على رتبة ابـن رائـق ببغـداد‏.‏ وقـد أنفـذ لـه ابـن رائـق علـي بـن خلـف بن طباب ليسيروا إلى الأهواز ويخرجوا ابـن بويه‏.‏ ويكون يحكم على الحرب وابن خلف على الخراج فلم يلتفت يحكم لذلك واستوزر علـي بـن خلـف وبحكـم فـي أحـوال واسط‏.‏ ولما رأى أبو الفتح الوزير ببغداد أدبار الأحوال أطمع ابن رائق في مصر والشام وقال أنا أجيبهما لك وعقد بينه وبين ابن طغج صهراً‏.‏ وسار أبو الفتح إلى الشام في ربيع الآخر وشعر ابن رائق بمحاولة يحكم عليه فبعث إلى ابن البريدي بالاتفاق على يحكم على أن يضمن ابن البريدي واسط بستمائة ألف فنهض يحكم إلى ابـن البريـدي قبـل ابـن رائـق وسـار إلـى البصـرة فبعـث إليـه ابـن البريدي أبا جعفر الجمال في عشرة آلاف فهزمهم يحكم وارتاع ابن البريدي لذلك ولم يكن قصد يحكم إلا الألفـة فقـط والتضـرع لابـن رائق فبعث إليه بالمسالمة وان يقلده واسط إذا تم أمره فاتفقا على ذلك وصرف نظره إلى أمر بغداد‏.‏

وزارة أبي مقلة ونكبته
ولمـا انصـرف أبـو الفتـح بـن الفـرات إلـى الشـام استـوزر الراضـي أبـا علـي بن مقلة على سنن من قبله والأمـر لابـن رائـق وابـن مقلـة كالعاريـة‏.‏ وكتـب لـه في أمواله وأملاكه فلم يردها‏.‏ فشرع في التدبير عليه فكتب إلى ابن رائق بواسط ووشمكير بالري يطمع كلاً منهما في مكانه وكتب الراضي يشير بالقبض على ابن رائق وأصحابه واستدعى يحكم لمكانه وأنه يستخرج منهم ثلاثة آلاف ألـف دينار فأطمعه الراضي على كره‏.‏ فكتب هو إلى يحكم يستحثه‏.‏ وطلب من الراضي أن ينتقـل إلى دار الخلافة حتى يتم الأمر فأذن له وحضر متنكراً آخر ليلة من رمضان سنة ست وعشرين فأمر الراضي باعتقاله واطلع ابن رائق من الغد على كتبه فشكر ذلك له ابن رائق وأمر بابـن مقلـة فـي منتصـف شـوال فقطـع ثـم عولـج وبـريء وعـاد إلـى السعـي فـي الـوزارة والتظلـم مـن ابن رائق والدعاء عليه فأمر بقطع لسانه وحبسه إلى أن مات‏.‏

استيلاء يحكم على بغداد
لم يزل يحكم يظهر التبعية لابن رائق ويكتب على أعلامه وتراسه يحكم الرائقي إلى أن وصلته كتـب ابـن مقلـة بـأن الراضـي قلـده إمـرة الأمراء فطمع وكاشف ابن رائق ومحا نسبه إليه من أعلامه وسلاحـه‏.‏ وسـار مـن واسـط إلـى بغـداد فـي ذي القعـدة سنـة سـت وعشرين‏.‏ وكتب إليه الراضي بالرجـوع فأبـى ووصـل إلى نهر ديالي وأصاب ابن رائق في غربيه فانهزموا وعبروا النهر سبحاً‏.‏ وسار ابن رائق إلى عكبرا ودخل يحكم بغداد منتصف في القعدة ولقي الراضي من الغد وولاه أمير الأمراء وكتب عن الراضي إلى القواد الذين مع ابن رائق بالرجوع عنه فرجعوا وعاد ابن رائق إلى بغداد فاختفى بها لسنة واحد عشر شهراً من إمارته ونزل يحكم بدار مؤنس واستقر ببغداد متحكماً في الدولة مستبداً على الخليفة‏.‏

دخول أذربيجان في طاعة وشمكير
كان من عمال وشمكير على أعمال الجبل السيكري بن مرس‏.‏ وحشة البساسيري كان أبو الغنائم وأبو سعد ابنا المجلبان صاحبي قريش بن بدران وبعثهما إلى القائم سراً من البساسيـري بمـا فعـل بالأنبـار فانتقـض البساسيـري لذلـك واستوحـش مـن القائـم ومـن رئيـس الرؤسـاء وأسقـط مشاهرتهـم ومشاهـرة حواشيهـم وهـم بهدم منازل بني المجلبان‏.‏ ثم أقصر وسار إلى الأنبار وبها أبو القاسم بن المجلبان وجاءه دبيس بن مزيد ممداً له فحاصر الأنبار وفتحها عنـوة ونهبهـا وأسـر مـن أهلهـا خمسمائـة ومائـة مـن بني خفاجة وأسر أبا الغنائم وجاء به إلى بغداد فأدخله في جمل وشفع دبيس بن مزيد في قتله وجاء إلى مقابل التاج من دار الخليفة فقبل الأرض وعاد إلى منزله‏.‏

وصول الغزالي الدسكرة ونواحي بغداد
وفـي شـوال مـن سنـة سـت وأربعيـن وصـل صاحب حلوان من الغز وهو إبراهيم بن إسحاق إلى الدسكـرة فافتتحهـا ونهبها وصادر النساء‏.‏ ثم سار إلى بغداد وقلعة البردان وهي لسعدي بن أبي الشوك وبها أمواله فامتنعت عليه فخرب ما حولها من القرى ونهبها وقوي طمع الغز في البلـاد وضعـف أمـر الديلـم والأتـراك‏.‏ ثـم بعـث طغرلبـك أبـا علـي بـن أبـي كاليجار الذي كان بالبصرة في جيش من الغز إلى خوزستان فاستولى على الأهواز وملكها ونهب الغز الذين معه أموال الناس ولقوا منهم عناء‏.‏

ظهور ابن رائق ومسيره إلي الشام
وفي سنة سبـع وعشريـن وثلثمائـة سـار يحكـم إلـى الموصـل وديـار ربيعـة بسبب أن ناصر الدولة بن حمدان أخر المال الذي عليه من ضمان البلاد فأقام الراضي بتكريت وسار يحكم ولقيه ناصر الدولة على ستة فراسخ من الموصل فانهزم واتبعه يحكم إلى نصيبين ثم إلى آمد وكتب إلى الراضي بالفتح‏.‏ فسار من تكريت في الماء إلى الموصل وفارقه جماعة من القرامطة كانوا في عسكره وكان ابن رائق يكاتبهم من مكان اكتفائه فلما وصلوا بغـداد خـرج ابـن رائـق إليهـم واستولـى وطـار الخبـر إلـى الراضـي فأصعـد مـن المـاء وسار إلى الموصل وكتب إلى يحكم بذلك‏.‏ فرجع عن نصيبين بعد أن استولى عليها‏.‏ وشرع أهل العسكر يتسللون إلى بغداد فأهم ذلك يحكم‏.‏ ثم جاءت رسالة ابن حمدان في الصلـح وتعجيل خمسمائة ألف درهم فأجابوه وقرره ورجعوا إلى بغداد ولقيهم أبو جعفر محمد بـن يحيـى بـن شيـرزاد رسـولاً عـن ابـن رائق في الصلح على أن يقلده الراضي طريق الفرات وديار مضـر وحران والرها وما جاورها جندي قنسرين والعواصم‏.‏ فأجابه الراضي وقلده وسار إلى ولايته في ربيع الآخر‏.‏ وكان يحكم قد استناب بعض قواد الأتراك على الأنبار واسمه بالبان وطلب تقليد طريق الفرات فقلد وسار إلى الرحبة‏.‏ ثم انتقض وعاد لابن رائق وعصى على يحكـم فسـار إليـه غازياً وكبسه بالرحبة على حين غفلة لخمسة أيام من مسيره فظفر به وأدخله بغداد على جمل وحبسه وكان آخر العهد به‏.‏ وزارة ابن البريدي قد تقدم لنا مسير الوزير أبي الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات إلى الشام ولما سار استناب بالحضرة عبد الله بن علـي البصـري وكـان يحكـم قـد قبـض علـى وزيـره خلـف بـن طبـاب واستـوزر أبـا جعفر محمد بن يحيى بن شيرزاد فسعى في وزارة ابن البريدي ليحكم حتى تم ذلـك‏.‏ ثـم ضمـن ابـن البريـدي أعمـال واسـط بستمائـة ألـف دينـار كـل سنـة‏.‏ ثـم جـاء الخبر بموت أبي الفتـح بـن الفـرات بالرملـة‏.‏ فسعـى أبـو جعفر بن شيرزاد في وزارة أبي عبد الله للخليفة فعقد له الراضي بذلك واستخلف بالحضرة عبد الله بن علي البصري كما كان مع أبي الفتح‏.‏

مسير ركن الدولة إلي واسط ورجوعه عنها
لمـا استقـر ابـن البريـدي بواسط بعث جيشاً إلى السوس وبها أبو جعفر الظهيري وزير معز الدولة أحمد بن بويه ومعز الدولة بالأهواز‏.‏ فتحصن أبو جعفر بقلعـة السـوس وعـاث الجيـش فـي نواحها‏.‏ وكتب معز الدولة إلى أخيه ركن الدولة وهو على اصطخر قد جاء من أصبهان لما غلبـه وشمكيـر عليهـا‏.‏ فلمـا جـاء كتاب أخيه معز الدولة سار محمد إلى السوس وقد رجع عنه جيـش ابـن البريـدي‏.‏ ثـم سـار إلـى واسـط يحـاول ملكهـا فنزل في جانبها الشرقي وابن البريدي في الجانب الغربي واضطرب عسكر ابن بويه واستأمن جماعة منهم إلى ابن البريدي‏.‏ ثم سار الراضـي ويحكـم من بغداد إلى واسط للأمداد فرجع ركن الدولة إلى الأهواز ثم إلى رامهرمز‏.‏ وبلغه أن وشمكير قد أنفذ عسكره مدداً لماكان بن كالي وأن أصبهان خالية فسار إليها من رامهرمز وأخرج من بقي منها من أصحاب وشمكير وملكها فاستقر بها‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 04:50 AM

مسير يحكم إلي بلد الجبل وعوده إلي واسط واستيلاؤه عليها
كـان يحكـم قـد أرسـل ابـن البريدي وصاهره واتفقا على أن يسير يحكم إلى بلاد الجبل لفتحها من يد وشمكير وأبو عبد الله بن البريدي إلى الأهواز لأخذها من يد معز الدولة ابن بويه فسار يحكـم إلـى حلـوان وبعـث إليـه ابـن البريـدي بخمسمائـة رجـل مدداً‏.‏ وبعث يحكم بعض أصحابه إلى ابـن البريـدي يستحثـه إلـى السـوس والأهـواز فأقـام يماطلـه ويدافعـه ويبيـن لـه أنه يريد مخالفة يحكم إلى بغداد‏.‏ فكتب إليه بذلك فرجع عن قصده إلى بغداد‏.‏ وعزل ابن البريدي من الوزارة وولى مكانـه أبـا القاسـم بـن سليمـان بـن الحسين بن مخلد وقبض على ابن شيرزاد الذي كان ساعياً له وتجهـز إلـى واسـط وانحـدر فـي المـاء آخـر ذي الحجة سنة ثمان وعشرين‏.‏ وبعث عسكراً في البر وبلغ الخبر ابن البريدي فسار عن واسط إلى البصرة واستولى عليها يحكم وملكها‏.‏

استيلاء ابن رائق على الشام
قد تقدم لنا مسير ابن رائق إلى ديار مضر وثغور قنسرين والعواصم فلما استقر بها حدثته نفسه بملك الشام فسار إلى حمص فملكها‏.‏ ثم سار إلى دمشق وبهـا بـدر بـن عبـد اللـه الإخشيدي ويلقب بدير فملكها من يده‏.‏ ثم سار إلى الرملة ومنها إلى عريش مصر يريد ملك الديار المصرية ولقيه الإخشيذ محمد بن طغج وانهزم أولاً وملك أصحاب ابن رائق خيامه‏.‏ ثم خرج كمين الاخشيذ فانهزم ابن رائق إلى دمشق وبعث الاخشيذ في أثره أخاه أخا نصر بن طغج وسار إليهم ابن رائق من دمشق فهزمهم وقتل أبو نصر فكفنه ابن رائق وحمله مع ابنه مزاحم إلى أخيه الاخشيذ بمصر‏.‏ وكتب يعزيه ويعتذر‏.‏ فأكرم الأخشيذ مزاحماً واصطلح مع أبيه على أن تكون مصر للاخشيذ من حد الرملة وما وراءها من الشام لابن رائق ويعطي الأخشيذ عن الرملة في كل سنة مائة وأربعين ألف دينار‏.‏ الصوائف أيام الراضي

وفي سنة اثنتيـن وعشرين
سار الدمستق إلى سميساط في خمسين ألفا من الروم ونازل ملطية وحاصرها مدة طويلة حتى فتحها بالأمان وبعثهم إلى مأمنهم مع بطريق من بطارقته‏.‏ وتنصر الكثير منهم محبة في أهليهـم وأموالهـم‏.‏ ثـم افتتحـوا سميسـاط وخربـوا أعمالهـا وأفحشـوا فـي أسطولـه فـي البحـر‏.‏ ففتحـوا بلـد جنـوة ومـروا بسردانيـة فأوقعوا بأهلها ثم مروا بقرقيسيا من ساحل الشام فأحرقوا مراكبهـا وعـادوا سالميـن‏.‏

وفي سنة سـت وعشريـن
كـان الفـداء بيـن المسلميـن والـروم فـي ذي القعدة على يد ابن ورقاء الشيباني البريدي في ستة آلاف وثلثمائة أسير‏.‏ الولايات أيام الراضي والقاهر قبله قد تقدم لنا أنه لم يبق من الأعمال في تصريف الخلافة لهذا العهد إلا أعمال الأهواز والبصرة وواسط والجزيرة وذكرنا استيلاء بني بويه على فارس وأصبهان ووشمكير على بلاد الجبل وابن البريدي على البصرة وابن رائق على واسط‏.‏ وأن عماد الدولة ابـن بويـه علـى فـارس وركن الدولة أخوه يتنازع مع وشمكير علـى أصبهـان وهمـذان وقـم وقاشـان والكـرج والـري وقزوين‏.‏ واستولى معز الدولة أخوهما على الأهواز وعلى كرمان واستولى ابن البريدي على واسـط‏.‏ وسـار ابـن رائـق إلـى الشـام فاستولـى عليهـا‏.‏

وفي سنة ثلـاث وعشرين
قلد الراضي أبنيه أبـا جعفـر وأبـا الفضل ناحية المشرق والمغرب‏.‏

وفي سنة إحدى وعشرين
ورد الخبر بوفاة تكين الخاصكي بمصر وكان أميراً عليها وولى القاهر مكانه ابنه محمداً وثار به الجند فظفر بهم‏.‏ وفيهـا وقعـت الفتنـة بيـن بنـي ثعلـب وبنـي أسد ومعهم طيئ وركب ناصر الدولة الحسن بن عبد اللـه بن حمدان ومعه أبو الأعز بن سعيد بن حمدان ليصلح بينهم فوقعت ملاحاة قتل فيها أبو الأعـز علـى يـد رجـل مـن ثعلـب فحمل عليهم ناصر الدولة واستباحهم إلى الحديثة‏.‏ فلقيهم يانس غلـام مؤنس والياً على الموصل فانضم إليه بنو ثعلب وبنو أسد وعادوا إلى ديار ربيعة‏.‏

وفي سنة أربـع وعشريـن
قلـد الراضـي محمـد بـن طغـج أعمـال مصر مضافاً إلى ما بيده من الشام وعزل عنها أحمد بن كيغلغ‏.‏ وفاة الراضي وبيعة المتقي

وفي سنة تسـع وعشريـن وثلثمائـة
توفـي الراضـي أبـو العباس أحمد بن المقتدر في ربيع الأول منها لسبـع سنيـن غيـر شهـر مـن خلافتـه‏.‏ ولمـا مـات أحضـر يحكم ندماءه وجلساه لينتفع بما عندهم من الحكمـة فلم يفهم عنهم لعجمته‏.‏ وكان آخر خليفة خطب على المنبر وأن خطب غيره فنادر‏.‏ وآخـر خليفـة جالس السمر ووصل الندماء‏.‏ ودولته آخر دول الخلفاء في ترتيب النفقات والجوائز والجرايـات والمطابـخ والخـدم والحجـاب‏.‏ وكـان يحكـم يـوم وفاتـه غائبـاً بواسـط حين ملكها من يد ابن البريدي فانتظر في الأمور وصول مراسمه فورد كتابه مع كاتبه أبي عبد الله الكوفي يأمر فيه باجتماع الوزراء وأصحاب الدواوين والقضاة والعلويين والعباسيين ووجوه البلد عند الوزير أبي القاسـم سليمان بن الحسن ويشاورهم الكوفي فيمن ينصب للخلافة ممن يرتضي مذهبه وطريقه فاجتمعـوا وذكروا إبراهيم بن المقتدر واتفقوا عليه وأحضروه من الغد وبايعوا له آخر ربيع الأول من سنة تسع وعشرين‏.‏ وعرضت عليه الألقاب فاختار المتقي لله وأقر سليمان على وزارته كما كان والتدبير كله للكوفي كاتب يحكم وولى سلامة الطولوني على الحجبة‏.‏

مقتل يحكم
كان أبو عبد الله البريدي بعد هربه إلى البصرة من واسط أنفذ جيشاً إلى المدار فبعث إلى لقائهم جيشاً من واسط عليهم تورون انتخب له الكرة فظفر بجيش ابن البريدي ولقي يحكم خبـره فـي الطريـق فسـر بذلـك وذهـب يتصيـد فبلغ نهر جور وعثر في طريقه ببعض الأكراد فشره لغزوهم وقصدهم في خف من أصحابه وهربوا بين يديه وهو يرشقهم بسهامه‏.‏ وجاءه غلام منهم من خلفه فطعنه فقتله‏.‏ واختلف عسكره فمضى الديلم فكانوا ألفاً وخمسمائة إلى ابن البريدي‏.‏ وقد كان عزم على الهرب من البصرة فبعث لقدومهم وضاعف أرزاقهم وأدرهـا عليهـم‏.‏ وذهـب الأتـراك إلـى واسـط وأطلقـوا بكتيـك مـن حبسـه وولـوه عليهـم‏.‏ فسـار بهـم إلـى بغداد في خدمة المتقي وحصر ما كان في دار يحكم من الأموال والدواوين فكانت ألف ألف ومائة إمارة البريدي ببغداد وعوده إلى واسط لما قتل يحكم قدم الديلم عليهم بشكوار بن ملك بن مسافر ومسافر هو ابن سلار صاحب الطـرم الـذي ملـك ولـده بعـده أذربيجـان وقاتلهم الأتراك فقتلوه فقدم الديلم عليهم مكانه كورتكيـن منهـم‏.‏ وقدم الأتراك عليهم بكتيك مولى يحكم‏.‏ وانحدر الديلم إلى أبي عبد الله بن البريـدي فقـوي بهـم واصعـدوا إلـى واسط‏.‏ وأرسل المتقي إليهم مائة وخمسين ألف دينار على أن يرجعـوا عنهـا‏.‏ ثـم قسـم في الأتراك في أجناد بغداد أربعمائة ألف دينار من مال يحكم‏.‏ وقدم عليهـم سلامـة الطولونـي وبـرز بهـم المتقـي إلى نهر ديالي آخر شعبان سنة ست وعشرين‏.‏ وسار ابـن البريـدي مـن واسـط فأشفـق أتـراك يحكـم ولحق بعضهم بابن البريدي وسار آخرون إلى الموصل منهم تورون وجحجح‏.‏ واختفى سلامة الطولوني وأبو عبد الله الطولوني ودخل أبو عبد الله البريدي بغداد أول رمضان ونزل بالشفيعي ولقيه الوزير أبو الحسين بن ميمون والكتاب والقضاة وأعيان الناس‏.‏ وبعث إليه المتقي بالتهنئة والطعام وكان يخاطب بالوزير‏.‏ ثم قبض على الوزير أبي الحسين لشهرين من وزارته وحبسه بالبصرة وطلب من المتقي خمسمائة ألف دينار للجند وهـدده بمـا وقـع للمعتـز والمستعيـن والمهتـدي فبعـث بهـا إليه ولم يلقه مدة مقامه ببغداد‏.‏ ولما وصله المال من المتقي شغـب الجنـد عليـه فـي طلبـه وجـاء الديلـم إلـى دار لأخيـه أبـي الحسيـن ثـم انضـم إليهـم الترك وقصدوا دار أبي عبد الله فقطع الجسر ووثب العامة على أصحابه وهرب هو وأخوه وابنـه أبـو القاسـم وأصحابهم وانحدروا إلى واسط وذلك سلخ رمضان لأربعة وعشرين يوماً من قدومه‏.‏

إمارة كورتكين الديلمي
ولمـا هـرب ابـن البريـدي استولـى كورتكيـن علـى الأمـور ببغداد ودخل إلى المتقي قلده إمارة الأمراء وأحضر علي بن عيسى وأخاه عبد الرحمن فدبر الأمور ولم يسمهما بوزارة‏.‏ واستوزر أبا إسحاق محمد بن أحمد الإسكافي القراريطي وولي على الحجبة بدر الجواشيني‏.‏ ثم قبض كورتكين على بكتيك مقدم الأتراك خامس شوال وغرقه واقتتل الأتراك والديلم وقتل بينهما خلق وانفرد كورتكين بالأمر وقبض على الوزيـر أبـي إسحـاق القراريطـي لشهـر ونصـف مـن وزارته وولى مكانه أبا جعفر محمد بن القاسم الكرخي‏.‏

عود ابن رائق إلى بغداد
قد تقدم لنا أن جماعة من أتراك يحكم لما انفضوا عن المتقي ساروا إلى الموصل ثم ساروا منهـا إلى ابن رائق بالشام وكان من قوادهم تورون وجحجح وكورتكين وصيقوان فأطمعوه في بغـداد‏.‏ ثـم جاءتـه كتـب المتقـي يستدعيـه فسـار آخر رمضان واستخلف بالشام أبا الحسن أحمد بن علي بن مقاتل وتنحى ناصر الدولة بن حمدان على طريقه‏.‏ ثم حمل إليه مائة ألف دينار وصالحه وبلغ الخبر إلى أبي عبد الله بن البريدي فبعث أخوته إلى واسط وأخرج الديلم عنها وخطبـوا له بها‏.‏ وخرج كورتكين عن بغداد إلى عكبرا فقاتله ابن رائق أياماً ثم أسرى له ليلة عرفـة فأصبح ببغداد من الجانب الغربي ولقي الخليفة وركب معه في دجلة‏.‏ ووصل كورتكين آخر النهار فركب ابن رائق لقتاله وهو مرجل واعتزم على العود إلـى الشـام ثـم طائفـة مـن عسكره ليعبروا دجلة ويأتوا من ورائهم‏.‏ وصاحت العامة مع ابن رائق بكورتكين وأصحابه ورجموهم فانهزموا واستأمن منهم نحو أربعمائة فقتلوا وقتل قواده وخلع المتقي علي ابن رائق وولاه أمير الأمراء وعزل الوزير أبا جعفر الكرخي لشهر من ولايته وولى مكانه أحمد الكوفي وظفر بكورتكين فحبسه بدار الخلافة‏.‏

وزارة ابن البريدي واستيلاؤه علي بغداد
وفرار المتقي إلي الموصل لما استقر ابن رائق في إمارة الأمراء ببغداد أخر ابن البريدي حمل المال من اسط فانحدر إليه في العساكـر فـي عاشـوراء مـن سنـة ثلاثيـن وهـرب بنـو البريـدي إلـى البصـرة‏.‏ ثـم سعـى أبـو عبـد اللـه الكوفـي بينهـم وبيـن ابـن رائـق وضمـن واسـط بستمائـة ألـف دينار وبقاياها بمائتي ألف‏.‏ ورجع ابن رائـق إلـى بغـداد فشغبـت عليـه الجنـد وفيهـم تـورون وأصحابـه‏.‏ ثـم انفضـوا آخـر ربيـع إلـى أبـي عبد اللـه بواسـط فقـوي بهم وذهب ابن رائق إلى مداراته فكاتبه بالوزارة واستخلف عليها أبا عبد الله بن شيرزاد‏.‏ ثم انتقض واعتـزم علـى مسيـر إلـى بغـداد فـي جميـع الأتـراك والديلـم‏.‏ وعـزم ابـن رائـق على التحصن بدار الخلافة ونصب عليها المجانيق والعرادات وجند العامة فوقع الهرج وخرج بالمتقـي إلـى نهـر ديالـي منتصـف جمادى الآخرة‏.‏ وأتاهم أبو الحسين في الماء والبر فهزمهم ودخل دار الخلافة وهرب المتقي وابنه أبو منصور وابن رائق إلى الموصل لستة أشهر من إمارته‏.‏ واختفى الوزير القراريطي ونهبـت دار الخليفـة ودور الحـرم وعظـم الهـرج وأخـذ كورتكيـن مـن محبسـه فأنفـذ إلـى واسـط ولـم يتعرضـوا للقاهـر‏.‏ وكان نزل أبو الحسين بدار الخلافة وجعل تورون على الشرطة بالجانب الغربي وأخذ رهائن القواد تورون وغيره وبعث بنسائهم وأولادهم إلى أخيه عبد الله بواسط‏.‏ وعظم النهب ببغداد وتـرك النـاس دورهـم وفرضـت المكـوس فـي الأسـواق خمسـة دنانيـر على الكر فغلت الأسعار وانتهى إلى ثلثمائة دينار الكر وجاءت ميرة من الكوفة وأخذت فقيل إنها لعامل الكوفة وأخذها عامل بغداد وكان معه جماعة من القرامطة فقاتلهم الأتراك وهزموهم ووقعت الحرب بين العامـة والديلـم فقتـل خلـق مـن العامـة واختفـى العمال لمطاولة الجند إلى الضواحي ينتهبون الزرع بسنبلة عند حصاده وساءت أحوال بغداد وكثرت نقمات الله فيهم‏.‏

مقتل ابن رائق وولاية ابن حمدان مكانه
كـان المتقـي قد بعث إلى ناصر الدولة بن حمدان يستمده على ابن البريدي عندما قصد بغداد فأمده بعسكر مع أخيه سيف الدولة فلقيه بتكريت منهزماً ورجع معه إلى الموصل‏.‏ وخرج ناصر الدولة عن الموصل حتى حلف له ابن رائق واتفقا فجاء وتركه شرقي دجلة وعبر إليه أبـو منصـور بـن المتقـي وابـن رائـق فبالغ في تكرمتهما‏.‏ فلما ركب ابن المتقي قال لابن رائق‏:‏ أقم نتحدث في رأينا مذهباً إلى الاعتذار وألح عليه ناصر الدولة فاستراب وجذب يده وقصد الركـوب فسقـط فأمـر ناصر الدولة بقتله وإلقائه في دجلة وبعث إلى المتقي بالعذر وأحسن القول وركب إليه فولاه أمير الأمراء ولقبه ناصر الدولة وذلك مستهل شعبان من سنة ثلاثين وخلع على أخيه أبي الحسن ولقبه بسيف الدولة‏.‏ فلما قتل ابن رائق سار الأخشيذ من مصر إلى دمشق وبها محمد بن يزداد من قبل ابن رائق فاستأمن إليه وملك الأخشيذ دمشق وأقر ابن عود المتقي إلي بغداد وفرار البريدي لما استولى أبو الحسين البريدي على بغداد وأساء السيرة كما مر امتلأت القلوب منه نفرة فلما قتـل ابـن رائـق أخـذ الجنـد فـي الفـرار عنـه والانتقاض عليه ففر جحجح إلى المتقي واعتزم تورون وأنـوش تكيـن والأتـراك علـى كبس أبي الحسين البريدي‏.‏ وزحف تورون لذلك في الديلم فخالفه أنـوش تكيـن في الأتراك فذهب تورون إلى الموصل فقوي بهم ابن حمدان والمتقي وانحدروا إلى بغداد وولى ابن حمدان على أعمال الخراج والضياع بديار مضر وهي الرها وحران ولقيا أبا الحسـن أحمـد بـن علي بن مقاتل فاقتتلوا وقتل ابن مقاتل واستولى ابن طباب عليها‏.‏ ولما وصل المتقـي وابـن حمـدان إلـى بغـداد هـرب أبـو الحسيـن ابـن البريـدي منهـا إلـى واسـط لثلاثـة أشهـر وعشرين يومـاً مـن دخولـه واضطربت العامة وكثر النهب ودخل المتقي وابن حمدان في العساكر في شوال مـن السنـة‏.‏ وأعـاد أبـا إسحـاق القراريطـي إلـى الـوزارة وولى تورون على الشرطة‏.‏ ثم سار إليهم أبو الحسين البريدي فخرج بنو حمدان للقائهم وانتهوا إلى المدائن فأقام بها ناصر الدولة وبعث أخـاه سيـف الدولـة وأبلـغ عمـه أبـا عبـد اللـه الحسيـن بـن سعيـد بـن حمـدان فاقتتلوا عنده أياماً وانهزم سيف الدولة أولاً‏.‏ ثم أمده ناصر الدولة بالقواد الذين كانوا معه وجحجح بالأتراك وعاودوا القتال فانهزم أبو الحسين إلى واسط وأقصر سيف الدولة عن اتباعه لما أصاب أصحابه من الوهـن والجـراح‏.‏ وعـاد ناصر الدولة إلى بغداد منتصف ذي الحجة‏.‏ ثم سار سيف الدولة إلى واسط وهرب بنو البريدي عنها إلى البصرة فملكها وأقام بها‏.‏ استيلاء الديلم على أذربيجان كانت أذربيجان بيد ديسم بن إبراهيم الكردي من أصحاب يوسف بن أبي الساج وكان أبوه مـن أصحـاب هارون الشاري من الخوارج‏.‏ ولما قتل هارون لحق بأذربيجان وشرد في الأكراد فولد له ديسم هذا فكبر وخدم ابن أبي الساج وتقدم عنده إلى أن ملك بعدهم أذربيجان‏.‏ وجـاء السيكـري خليفـة وشمكيـر فـي الجبـل سنـة ست وعشرين وغلبه على أذربيجان‏.‏ ثم سار هو إلى وشمكير وضمن له طاعة ومالاً واستمده فأمده بعسكر من الديلم وساروا معه فغلب السيكري وطرده وملك البلاد وكان معظم جيشه الأكراد فتغلبوا على بعض قلاعه فاستكثر من الديلم وفيهم صعلوك بن محمد بن مسافر بن الفضل وغيرهما فاستظهر بهم وانتـزع مـن الأكـراد مـا تغلبـوا عليـه وقبـض على جماعة من رؤسائهم‏.‏ وكان وزيره أبو القاسم علي بن جعفر قد ارتاب منه فهرب إلى الطرم وبها محمد بن مسافر من أمراء الديلم وقد انقض عليه ابناه وهشودان والمرزبان واستوليا على بعض قلاعه ثم قبضا على أبيهمـا محمـد وانتزعـا أموالـه وذخائـره وتركـاه فـي حصنـه سليباً فريداً‏.‏ فقصد علي بن جعفر المرزبان وأطمعه في أذربيجان فقلده وزارته وكانت نحلتهما في التشيع واحدة لأن علي بن جعفر كان من الباطنية والمرزبان من الديلم وهم شيعة‏.‏ وكاتب علي بن جعفر أصحاب ديسم واستمالهم واستفسدهم عليه وخصوصاً الديلم‏.‏ ثم التفتـوا للحـرب وجـاء الديلـم إلـى المرزبـان واستأمـن معهـم كثيـر من الأكراد وهرب ديسم في فل من أصحابـه إلـى أرمينيـة واستجار بجادق بن الديواني فأجاره وكرمه وندم على ما فرط في إبعاد الأكراد وهـم علـى مذهبـه فـي الخارجيـة‏.‏ وملـك المرزبـان أذربيجـان واستولـى عليهـا‏.‏ ثـم استوحـش منه علي بن جعفر وزير ديسم وتنكر له أصحاب المرزبان فأطمعه المرزبان بأخذ أموالهـم وحملهم على طاعة ديسم وقتل الديلم عندهم من جند المرزبان ففعلوا‏.‏ وجاء ديسم فملكها وفـر إليه من كان عند المرزبان حتى اشتد عليه الحصار واستصلح أثناء ذلك الوزير علي بن جعفر‏.‏ ثم خرجوا من توزير ولحق ديسم بأردبيل وجاء علي بن جعفر إلى المرزبان‏.‏ ثـم حاصر المرزبان أردبيل حتى نزل له ديسم على الأمان وملكها صلحاً‏.‏ وملك توزير كذلك ووفى له ثم طلب ديسم أن يبعثه إلى قلعته بالطرم فبعثه بأهله وولده وأقام هنالك‏.‏ لما فر بنو البريدي عن واسط إلى البصرة ونزل بها سيف الدولة أراد الانحدار خلفهم لانتزاع البصرة منهم واستمد أخاه ناصر الدولة فأمده بمال مع أبي عبد الله الكوفي‏.‏ وكان تورون وجحجح يستطيلان عليه فأراد الاستئثار بالمال فرده سيف الدولة مع الكوفي إلى أخيه وأذن لتورون في مال الجامدة ولجحجح في مال المدار‏.‏ وكان من قبل يراسل لأتراك وملك الشام ومصـر معـه فـلا يجيبونـه‏.‏ ثـم ثـاروا عليـه في شعبان من سنة إحدى وثلاثين فهرب من معسكره ونهـب سـواده وقتـل جماعـة من أصحابه‏.‏ وكان ناصر الدولة لما أخبره أبو عبد الله الكوفي بخبر أخيـه فـي واسـط بززيسيـر إلـى الموصـل وركـب إليـه المتقي يستمهله فوقف حتى عاد وأغذ السير لثلاثـة عشـر شهـراً مـن إمارتـه فثـار الديلـم والأتـراك ونهبوا داره ودبر الأمور أبو إسحاق القراريطي من غير لقب الوزارة‏.‏ وعزل أبو العباس الأصبهاني لأحد وخمسين يوماً من وزارته‏.‏ ثم تنازع الإمارة بواسط بعد سيـف الدولـة تـورون وجحجح واستقر الحال أن يكون تورون أميراً وجحجح صاحب الجيش‏.‏ ثم طمع ابن البريدي في واسط وأصعد إليها وطلب من تورون أن يضمنـه إياهـا فـرده رداً جميـلاً‏.‏ وكـان قـد سار جحجح لمدافعته فمر به الرسول في طريقه وحادثه طويلاً وسعى إلى تورون بأنه لحق بابن البريدي فأسرى إليه وكبسه منتصف رمضان فقبض عليه وجاء به إلى واسـط فسملـه وبلـغ الخبر إلى سيف الدولة وكان لحق بأخيه فعاد إلى بغداد منتصف رمضان وطلـب المـال مـن المتقـي لمدافعـة تـورون‏.‏ فبعـث أربعمائـة ألـف درهـم وفرقها في أصحابه وظهر له من كان مستخفياً ببغداد‏.‏ وجاء تورون من واسط بعد أن خلف بها كيغلغ‏.‏ فلما أحس به سيف الدولة رحل فيمن انضم إليه من أجناد واسط وفيهم الحسن بن هارون وسار إلى الموصل ولم يعاود بنو حمدان بعدها بغداد‏.‏ إمارة تورون ثم وحشته مع المتقي لما سار سيف الدولة عن بغداد دخلها تورون آخر رمضان سنة إحدى وثلاثين فولاه المتقي أمير الأمراء وجعل النظر في الوزارة لأبي جعفر الكرخي كما كان الكوفي‏.‏ ولما سار تورون عن واسط خالفه إليها البريدي فملكها‏.‏ ثم انحدر تورون أول ذي القعدة لقتل البريـدي وقـد كان يوسف بن وجيه صاحب عمان سار في المراكب إلى البصرة وحارب ابن البريدي حتى أشرفوا على الهلاك‏.‏ ثم احترقت مراكب عمان بحيلة دبرها بعض الملاحين ونهب منها مال عظيم‏.‏ ورجع يوسـف بـن وجيـه مهزومـاً فـي المحـرم سنـة اثنتيـن وثلاثيـن‏.‏ وهـرب فـي هـذه الفتنـة أبـو جعفر بن شيرزاد من تورون فاشتمل عليه وكان تورون عند اصعاده من بغداد استخلف مكانه محمد بن ينال الترجمان‏.‏ ثم تنكر له فارتاب محمد وارتاب الوزير أبو الحسن بن مقلة بمكان ابن شيرزاد من تورون وخافا غائلته وخوفا المتقي كذلك وأوهماه أن البريدي ضمنه مـن تورون بخمسمائة ألف دينار التي أخذها من تركة يحكم وأن ابن شيرزاد جاء عن البريدي ليخلعه ويسلمه فانزعج لذلك وعزم على المسير إلى ابن حمدان وكتبوا إليه أن ينفذ عسكراً يسير صحبته‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 04:52 AM

مسير المتقي إلى الموصل
ولما تمت سعاية ابن مقلة وابن ينال بتورون مع المتقي اتفق وصول ابن شيرزاد إلى بغداد أول اثنتين وثلاثيـن فـي ثلاثمائـة فـارس وأقـام بدسـت الأمـر والنهـي لا يعـرج علـى المتقـي فـي شـيء‏.‏ وكـان المتقـي قـد طلـب مـن ناصـر الدولـة بـن حمـدان عسكـراً يصحبـه إلـى الموصـل فبعثهم ابن عمه أبو الله الحسيـن بـن سعيـد بـن حمـدان فلمـا وصلـوا بغـداد اختفـى ابـن شيـرزاد وخـرج المتقـي إليهـم فـي حرمه وولده ومعه وزيره وأعيان دولته مثل سلامة الطولوني وأبي زكريا يحيى بن سعيد السوسي وأبي محمد المارداني وأبي إسحاق القراريطي وأبي عبد الله الموسوي وشابت بن سنان بن ثابت بن قرة الطبيب وأبي نمر بن محمد بن ينال الترجمان وساروا إلى تكريت وظهـر ابـن شيرزاد فـي بغـداد وظلـم النـاس وصادرهـم وبعـث إلـى تـورون فـي واسـط بخبـر المتقـي فعقـد ضمـان واسط على ابن البريدي وزوجه ابنته وسار إلى بغداد‏.‏ وسيـف الدولـة إلـى المتقي بتكريت‏.‏ ثم بعث المتقي إلى ناصر الدولة يستحثه فوصل في ربيع الآخر وركب المتقي من تكريت إلى الموصل وأقام هو بتكريت‏.‏ وسار تورون لحربه فتقدم إليـه أخـوه سيف الدولة فاقتتلوا أياماً‏.‏ ثم انهزم سيف الدولة وغنم تورون سواده وسواد أخيه ولحقوا بالموصل وتورون في اتباعهم‏.‏ ثم ساروا عنها مع المتقي إلى نصيبين ودخل تورون الموصـل ولحـق المتقـي بالرقة وراسل تورون بأن وحشته لأجل ابن البريدي وأن رضاه في إصلاح بني حمدان فصالحهما تورون وعقد الأمان لناصر الدولة على ما بيده من البلاد لثلاث سنين بثلاثة آلاف وستمائة ألف درهم محل سنة وعاد تورون إلى بغداد وأقام المتقي وبنو حمدان بالرقة‏.‏

مسير ابن بويه إلى واسط وعوده عنها ثم استيلاؤه عليها
كان معز الدولة بن بويه بالأهواز وكان ابن البريدي يطمعه في كل وقت في ملك العراق وكان قد وعده أن يمده إلى واسط‏.‏ فلما أصعد تورون إلى الموصل خالفه معز الدولة إلى واسط وأخلـف ابـن البريـدي وعلـى فـي المـدد‏.‏ وعـاد تـورون مـن الموصـل إلـى بغداد وانحدر منها للقاء معز الدولة منتصف ذي القعدة من سنة اثنتين وثلاثين واقتتلوا بقباب حميد بضعة عشر يوماً‏.‏ ثم تأخـر تـورون إلـى نهـر ديالـي فعبـره ومنـع الديلـم مـن عبوره بمن كان معه من المقاتلة في الماء وذهب ابـن بويـه ليصعـد ويتمكن من الماء فبعث تورون بعض أصحابه فعبروا ديالي وكمنوا له حتى إذا صـار مصعـداً خرجوا عليه غير أهبة فانهزم هو ووزيره الصهيري وأسر منهم أربعة عشر قائداً واستأمـن كثيـر مـن الديلـم إلـى تـورون ولحـق ابـن بويـه والصهيـري بالسوس‏.‏ ثم عاد إلى واسط ثانية فملكها ولحق أصحاب بني البريدي بالبصرة‏.‏

قتل ابن البريدي أخاه ثم وفاته
كـان أبـو عبـد اللـه بـن البريـدي قـد استهلـك أموالـه في هذه النوائب التي تنوبه واستقرض من أخيه أبـي يوسـف مـرة بعـد مـرة وكان أثرى منه ومال الجند إليه لثروته‏.‏ وكان يعيب على أخيه تبذيره وسـوء تدبيره‏.‏ ثم نمي الخبر إليه أنه يريد المكر به والاستبداد بالأمر‏.‏ وتنكر كل واحد منهما للآخر ثم أكمن أبو عبد الله غلمانه في طريق أبي يوسف فقتلوه وشغب الجند لذلك فأراهم شلوه فافترقوا ودخل دار أخيه وأخذ ما فيها من الأموال وجواهر نفيسة كان باعها له بخمسين ألف درهم وكان أصلها ليحكم وهبها لبنته حين زوجها له وأخذها يحكم من دار الخلافة فاحتـاج إليهـا أبـو عبـد اللـه بعـد فباعها له وبخسه أبو يوسف في قيمتها‏.‏ وكان ذلك من دواعي العداوة بينهما‏.‏ ثم هلك أبو عبد الله بعد مهلك أخيه بثمانية أشهر وقام بالأمر بعده بالبصرة أخوهمـا أبـو الحسـن فأسـاء السيرة في الجند فثاروا به ليقتلوه‏.‏ فهرب منهم إلى هجر مستجيراً بالقرامطة وولوا عليهم بالبصرة أبا القاسم ابن أخيه أبي عبد الله وأمد أبو طاهر القرمطي أبا الحسن وبعث معه أخويه لحصار البصرة فامتنعت عليهم وأصلحـوا بيـن أبـي القاسـم وعمـه ودخل البصرة وسار منها إلى تورون ببغداد‏.‏ ثم طمع يأنس مولى أبي عبد الله في الرياسة وداخـل بعـض قـواد الديلـم فـي الثـورة بأبـي القاسـم‏:‏ واجتمـع الديلـم إلـى المائـد وبعـث أبـو القاسم وإليه يأنس فهم به ليفرد بالأمر فهرب يأنس واختفى وتفرق الديلم واختفى القائد‏.‏ ثم قبض عليه ونفاه وقبض على يأنس بعد أيام وصادره على مائة ألف دينار وقتله‏.‏ ولما قدم أبو الحسين البريدي إلـى بغـداد مستأمنـاً إلـى تـورون فأمنـه وطلـب الإمـداد علـى ابـن أخيـه وبـذل فـي ذلـك أمـوالاً‏.‏ ثـم بعـث ابـن أخيـه مـن البصـرة بالأمـوال فأقـره على عمله وشعر أبو الحسن بذلك فسعى عند ابن تورون فـي ابـن شيـرزاد إلـى أن قبـض عليـه وضـرب واستظهـر أبـو عبـد اللـه بـن أبـي موسـى الهاشمـي بفتاوى الفقهاء والقضاة بإباحة دم أبي الحسيـن كانـت عنـده مـن أيـام ناصـر الدولـة وأحضـروا بدار المتقي وسئلوا عن فتاويهم فاعترفوا بأنهم أفتوا بها فقتل وصلب ثم أحرق ونهب داره‏.‏ وكان ذلك منتصف ذي الحجة من السنة وكان ذلك آخر أمر البريديين‏.‏ الصوائف أيام المتقي خرج الروم سنة ثلاثين أيام المتقي وانتهوا إلى قرب حلب فعاثوا في البلاد وبلغ سبيهم خمسة آلاف‏.‏ وفيها دخل ثمل من ناحية طرسوس فعاث في بلاد الروم وامتلأت أيدي عسكره من الغنائـم وأسـر عـدة مـن بطارقتهـم‏.‏

وفي سنة إحـدى وثلاثيـن
بعـث ملـك الـروم إلـى المتقـي يطلـب منـه منديلاً في بيعة الرها زعموا أن المسيح مسح به وجهه فارتسمت فيه صورته وأنه يطلق فيه عدداً كثيراً من أسرى المسلمين واختلف الفقهاء والقضاة في إسعافه بذلك وفيه غضاضة أو منعـة ويبقـى المسلمـون بحـال الأسـر‏.‏ فأشـار عليـه وعلـى ابـن عيسى بإسعافه لخلاص المسلمين فأمر المتقـي بتسليمـه إليهـم‏.‏ وبعـث إلـى ملـك الـروم مـن يقوم بتسليم الأسرى‏.‏

وفي سنة اثنتين وثلاثين
خرجـت طـوارق مـن الـروس فـي البحـر إلـى نواحـي أذربيجـان ودخلـوا فـي نهـر اللكـز إلى بردعة وبها نائب المرزبان ابن محمد بن مسافر ملك الديلم بأذربيجان فخرج في جموع الديلم والمطوعة فقتلوهـم وقاتلوهـم فهزمهـم الـروس وملكـوا البلـد وجـاءت العساكـر الإسلاميـة مـن كل ناحية لقتالهم فامتنعوا بهـا ورماهـم بعـض العامـة بالحجـارة فأخرجوهـم مـن البلـد وقاتلـوا مـن بقـي وغنموا أموالهم واستبدوا بأولادهم ونسائهم‏.‏ واستنفر المرزبان الناس وزحف إليهم في ثلاثين ألفاً فقاتلوهم فامتنعوا عليه فأكمن لهم بعض الأيام فهزمهم وقتل أميرهم ونجا الباقون إلى حصن البلد وحاصرهم المرزبان وصابرهم‏.‏ ثم جـاءه الخبـر بـأن أبـا عبـد اللـه الحسيـن بـن سعيـد بـن حمـدان بلـغ سلمـاس متوجهـاً إلـى أذربيجان بعثه إليهـا ابـن عمـه ناصـر الدولـة ليتملكهـا فجهـز عسكـراً لحصـار الروس في بردعة وسار إلى قتال ابن حمـدان‏.‏ فارتحـل ابـن حمـدان راجعـاً إلـى ابـن عمـه باستدعائـه بالانحـدار إلى بغداد لما مات تورون وأقام العسكر على حصار الروس ببردعة حتى هربوا من البلد وحملوا ما قدروا عليه وطهر الله البلد منهم وفيها ملك الروم رأس عين واستباحوها ثلاثاً وقاتلهم الأعراب ففارقوها‏.‏ الولايات أيام المتقي قد تقدم لنا أنه لم يكن بقي في تصريف الخليفة إلا أعمال الأهواز والبصرة وواسط والجزيرة والموصـل لبنـي حمـدان‏.‏ واستولـى معـز الدولـة علـى الأهـواز ثـم علـى واسـط وبقيـت البصـرة بيـد أبـي عبـد اللـه بـن البريدي واستولى على بغداد مع المتقي يحكم ثم ابن البريدي ثم تورتكين الديلمي ثـم ابن رائق ثانية ثم ابن البريدي ثانية ثم حمدان ثم تورون‏.‏ يختلفون على المتقي واحداً بعد واحد وهو مغلب لهم والحل والعقد والإبرام والنقض بأيديهم ووزير الخليفة عامل من عمالهم متصرف تحت أحكامهم‏.‏ وآخر من دبر الأمور أبو عبد الله الكوفي كاتب تورون وكان قبله كاتب ابن رائق وكان على الحجبة بدر بن الجرسي فعزله عنها سنة ثلاثين وجعل مكانه سلامة الطولوني وولي بدر طريق الفرات ففزع إلى الأخشيذ واستأمن إليه فولاه دمشق‏.‏ وكار من المستبدين في النواحي يوسف بن وجيه وكان صاحب الشرطة ببغداد أبا العباس الديلمي‏.‏

خلع المتقي وولاية المستكفي
لـم يـزل المتقـي عنـد بنـي حمـدان مـن شهـر ربيـع الآخـر سنـة اثنتين وثلاثين إلى آخر السنة ثم آنس منهم الضجر واضطر لمراجعة تورون فأرسل إليه الحسن بن هارون وأبا عبد الله بن أبي موسـى الهاشمـي فـي الصلـح وكتب إلى الأخشيذ محمد بن طغج صاحب مصر يستقدمه فجاءه وانتهـى إلـى حلـب وبهـا أبـو عبـد الله بن سعيد بن حمدان من قبل ابن عمه ناصر الدولة فارتحل عنهـا وتخلـف عنه ابن مقاتل‏.‏ وقد كان صادره ناصر الدولة على خمسين ألف دينار فاستقدم الأخشيذ وولاه خراج مصر‏.‏ وسار الأخشيذ من حلب ولقي المتقي بالرقة وأهدى إليه وإلى الوزير بن الحسين بن مقلة وسائر الحاشية واجتهد به أن يسير معه إلى مصر ليقيم خلافته هنالك فأبى فخوفه من تورون فلم يقبل‏.‏ وأشار على ابن مقلة أن يسير معه إلى مصر فيحكمه في البلاد فأبى وكانوا ينتظرون عود رسلهم من تورون فبعثوا إليهم بيمين تورون والوزيـر ابـن شيـرزاد بمحضـر القضـاة والعـدول والعباسيين والعلويين وغيرهم من طبقات الناس‏.‏ وجاء الكتاب بخطوطهم بذلك وتأكيد اليمين ففـارق المتقـي الأخشيـذ وانحـدر مـن الوقـت فـي الفـرات آخر المحرم سنة ثلاث وثلاثين ولقيه تورون بالسنديـة فقبـل الـأرض وقـال‏:‏ قـد وفيـت بيمينـي ووكـل بـه وبأصحابـه وأنزله في خيمته‏.‏ ثم سلمه لثلاث سنين ونصف من خلافته وأحضر أبا القاسم عبد الله بن المكتفي فبايعه الناس على طبقاتهم ولقب المستكفي وجيء بالمتقي فبايعه وأخذت منه البردة والقضيـب واستـوزر أبـا الفرج محمد بن علي السامري فكان له اسم الوزارة على سنن من قبله والأمور راجعة لابن شيـرزاد كاتـب تـورون‏.‏ ثـم خلـع المستكفـي على تورون وتوجه وحبس المتقي وطلب أبا القاسم الفضل ابن المقتدر الذي لقب فيما بعد بالمطيع فاختفى سائر أيامه وهدمت داره‏.‏

وفاة تورون وإمارة ابن شيرزاد
وفي المحرم من سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة مات تورون ببغداد لست سنين وخمسة أشهر من إمارته وكان ابن شيرزاد كاتبه أيامه كلها وبعثه قبل موته لاستخلاص الأموال من هيت‏.‏ فلما بلغـه خبـر الوفـاة عـزم على عقد الإمارة لناصر الدولة بن حمدان فأبى الجند من ذلك واضطربوا وعقدوا له الرياسة عليهم واجتمعوا عليه وحلفوا وبعـث إلـى المستكفـي ليحلـف لـه فأجابـه وحلـف له بحضرة القضاة والعدول‏.‏ ودخل إليه ابن شيرزاد فولاه أمير الأمراء وزاد في الأرزاق زيـادة متسعـة فضاقـت عليـه الأموال فبعث أبا عبد الله بن أبي موسى الهاشمي إلى ابن حمدان يطالبه بالمحال ويعده بإمارة الأمراء فأنفذ إليه خمسمائة ألف درهم وطعاماً‏.‏ وفرقها في الجند فلم تكف ففرض الأموال على العمال والكتاب والتجار لأرزاق الجند ومدت الأيدي إلى أموال الناس وفشا الظلم وظهرت اللصوص وكبسوا المنازل وأخذ الناس في الخلاص من بغداد‏.‏ ثم استعمـل على واسط نيال كوشه وعلى تكريت الفتح السيكري فسار إلى ابن حمدان ودعا له شكراً فولاه عليها من قبله‏.‏

استيلاء معز الدولة بن بويه على بغداد
واندراج أحكام الخلافة في سلطانهم قـد تقـدم لنـا استبـداد أهـل النواحي على الخلافة منذ أيام المتوكل ولم يزل نطاق الدولة العباسية يتضايـق شيئـاً فشيئـاً‏.‏ وأهـل الدولـة يستبدون واحداً بعد واحد إلى أن أحاطوا ببغداد وصاروا ولـاة متعـددة يفـرد كـل واحـد منهـم بالذكـر وسياقـة الخبـر إلـى آخرهـا‏.‏ وكـان من أقرب المستبدين إلى مقـر الخلافـة بنو بويه بأصبهان وفارس ومعز الدولة منهم بالأهواز‏.‏ وقد تغلب على واسط ثم انتزعت منه وبنو حمدان بالموصل والجزيرة وقد تغلب على هيت وصارت تحت ملكهم ولم يبق للخلفاء إلا بغداد ونواحيها مـا بيـن دجلـة والفـرات وأمراؤهـم مـع ذلـك مستبـدون عليهـم ويسمون القائم بدولتهم أمير الأمراء كما مر في أخبارهم إلى أن انتهى ذلك إلى دولة المتقي والقائم بها ابن شيرزاد‏.‏ وولى على واسط نيال كوشة كما قلنا فانحرف عن ابن شيرزاد وكاتـب معـز الدولة وقام بدعوته في واسط واستدعاه لملك بغداد‏.‏ فزحف في عساكر الديلم إليها ولقيه ابن شيرزاد والأتراك وهربوا إلى ابن حمدان بالموصل واختفى المستكفي وقدم معز الدولـة كاتبـه الحسـن بـن محمـد المهلبي إلى بغداد فدخلها وظهر الخليفة فظهر عنده المهلبي وجدد له البيعة عن معز الدولة أحمد بن بوبه وعن أخويه عماد الدولة علي وركن الدولة الحسن‏.‏ وولاهـم المستكفـي علـى أعمالهـم ولقبهـم بهذه الألقاب ورسمها على سكته‏.‏ ثم جاءه معز الدولة إلى بغداد وملكها وصرف الخليفة في حكمه واختص باسم السلطان‏.‏ فبقيت أخبار الدولة تؤثر عنهم وإن كان منها ما يختص بالخليفة فقليل‏.‏ فلذلك صارت أخبار هؤلاء الخلفاء منذ المستكفـي إلـى المتقـي مندرجـة فـي أخبـار نجي بويه والسلجوقية من بعدهم لعطلهم من التصرف إلا قليـلاً يختـص بالخلفـاء نحـن ذاكروه ونرجئ بقية أخبارهم إلى أخبار الديلم والسلجوقية الغالبين على الدولة عندما نفرد دولتهم كما شرطناه‏.‏

الخلفاء العباسيين المغلبين لدولة بني بويه
الخبر عن الخلفاء من بني العباس المغلبين لدولة بني بويه من السلجوقية من بعدهم من لدن المستكفي إلى المتقي وما لهم من الأحوال الخاصة بهم ببغداد ونواحيها‏:‏ لمـا دخـل معـز الدولـة بـن بويـه إلـى بغـداد غلـب علـى المستكفـي وبقـي فـي كفالتـه وكـان المستكفي في سنـة ثلـاث وثلاثيـن قبلهـا قبـض علـى كاتبـه أبي عبد الله بن أبي سليمان وعلى أخيه واستكتب أبا أحمد الفضل بن عبد الرحمن الشيرازي في خاص أمره وكان قبله كاتباً لابن حمدان وكان يكتب للمستكفي قبل الخلافة‏.‏ فلما نصب للخلافة قدم من الموصل فاستكتبه المستكفي في هذه السنة على وزيره أبي الفرج لاثنتين وأربعين يوماً من وزارته‏.‏ وصادره على ثلثمائة ألف درهم‏.‏ ولما استولى معز الدولة ببغداد على الأمر بعث أبو القاسم البريدي صاحب البصرة خلع المستكفي وبيعة المطيع وأقـام المستكفـي بعـد استيـلاء معـز الدولـة علـى الأمـر أشهـر قلائـل ثـم بلـغ معـز الدولة أن المستكفـي يسعـى فـي إقامـة غيـره فتنكـر لـه ثـم أجلسـه فـي يـوم مشهود لحضور رسول من صاحب خراسـان وحضـر هـو فـي قومـه وعشيرتـه وأمر رجلين من نقباء الديلم جاء ليقبلا يد المستكفي‏.‏ ثم جذباه عن سريـره وساقـاه ماشيـاً‏.‏ وركـب معـز الدولـة وجـاء بـه إلـى داره فاعتقلـه بهـا واضطرب الناس وعظم النهب ونهب دار الخلافة وقبـض علـى أبـي أحمـد الشيـرازي كاتـب المستكفي وكان ذلك في جمادى الآخرة لسنة وأربعة أشهر من خلافته‏.‏ ثـم بويـع أبـو القاسـم الفضـل بـن المقتـدر وقـد كـان المستكفـي طلبـه حيـن ولـي لاطلاعـه علـى شأنـه في طلب الخلافة فلم يظفر به واختفى‏.‏ فلما جاء معز الدولة تحول إلى داره واختفى عنده فلما قبض عليه المستكفي بويع له ولقب المطيع لله‏.‏ ثم أحضر المستكفي عنده فأشهد على نفسه بالخلـع وسلـم عليـه بالخلافـة ولـم يبـق للخليفـة مـن الأمـر شـيء البتـة منـذ أيـام معز الدولة‏.‏ ونظر وزير الخليفة مقصور على إقطاعه ونفقات داره والوزارة منسوبة إلى معز الدولة وقومه من الديلـم شيعة للعلوية منذ إسلامهم على يد الأطروش فلم يكونوا من شيعة العباسية في شيء ولقد يقـال بـأن معـز الدولـة اعتزم على بر الخلافة منهم إلى العلوية فقال له بعض أصحابه لا تول أحداً يشركك قومك جملهم في محبته والاشتمال عليه وربما يصير لهم دونـك فأعـرض عـن ذلـك وسلبهم الأمر وتسلبهم عماله وجنده من الديلم وغيرهم أعمال العراق وسائر أراضيه‏.‏ وصار إنما يتناول هذه ما يقطعه معز الدولة ومن بعده فيما يسد بعض حاجاته‏.‏ نعم أنهم يفردونهم بالسرير والمنبر والسكة والختم على الرسائل والصكوك والجلوس للوفد وإجلالهم في التحيـة والخطـاب وكـل ذلـك طوع القائم على الدولة وكان يفرد في كل دولة بني بويه والسلجوقية بلقب السلطان مما لا يشاركه فيه أحد ومعنى الملك من تصريف القدرة وإظهـار الأبهـة والعـز حاصـل لـه دون الخليفـة وغيـره وكانـت الخلافـة حاصلـة للعباسي المنصوب لفظاً المسلوب معنى والله المدبر للأمور لا إله غيره‏.‏

انقلاب حال الدولة بما تجدد في الجباية والإقطاع
لما استولى معز الدولة طلب الجند أرزاقهم على عادتهم وأكثر لسبب ما تجدد من الاستيلاء الذي لم يكن له فاضطر إلى ضرب المكوس وأخذ أموال الناس من غير وجهها وأقطع قواط وأصحابه من أهل عصبيته وغير المساهمين له في الأمر جميع القوى التي بجانب السلطان فارتفعـت عنهـا أيـدي العمـال وبطلـت الدواويـن واختلـف حـال القرى في العمارة عما كان في أيدي القواد والرؤساء حصل بهم لأهلها الرفق فزادت عمارتها وتوفر دخلها‏.‏ ولم تكن مناظرتهم في ذلك ولا تقديره عليهم وما كان بأيدي العامة والأتباع عظم خرابه لمـا كـان يعـدم مـن الغـلاء والنهـب واختلـاف الأيـدي وما يزيد الآن من الظلم ومصادرات الرعايا والحيف في الجباية وإهمال النظر في تعديل القناطر والمشارب وقسم المياه على الأرضين‏.‏ فإن خربت قراهم ردوها وطلبـوا العـوض عنها فيصير الآخر منها لما صار إليه الأول‏.‏ ثم أمر معز الدولة قواده وأصحابه بحماية الإقطاع والضياع وولاتها وصارت الجبايات لنظرهم والتعويل في المرتفع على أخبارهم‏.‏ فلا يقدر أهل الدواوين والحسابات على تحقيق ذلك عليهم ولم يقف عند ذلك على غاية‏.‏ فبطلت الأموال وصار جمعها من المكوس والظلامات وعجـز معـز الدولـة عـن ذخيـرة يعدهـا لنوائـب سلطانه‏.‏ ثم استكثر من الموالي الأتراك ليجدع بهم من أنوف قومه وفرض لهم الأرزاق وزاد لهم الإقطاع فعظمت غيرة قومه من ذلك وآل الأمر إلى المنافرة كما هو الشأن في طبيعة الدول‏.‏

دولة بني حمدان
ولمـا استولـى معـز الدولـة علـى بغـداد وخلـع المستكفي بلغ الخبر إلى ناصر الدولة بن حمدان فشق ذلك عليه وسار من الموصل إلى بغداد وانتهى إلى سامرا في شعبان سنة أربع‏.‏ وكان معز الدولة حين سمع قدوم عساكره مع ينال كوشة وقائد آخر فقتل القائد ولحق بناصر الدولة‏.‏ وجـاء ناصر الدولة إلى بغداد فأقام بها وخالفه معز الدولة إلى تكريت فنهبها لأنها من أعماله‏.‏ ثم عاد معز الدولة والمطيع فنزلوا بالجانب الغربـي مـن بغـداد وقاتلـوا ناصـر الدولـة بالجانـب الشرقي وتقدم ناصر الدولة إلى الأعراب بالجانب الغربي بقطع الميرة عن معز الدولة فغلت الأسعار وعزت الأقوات ومنع ناصر الدولة من الخطبة للمطيع والمعاملة بسكته ودعا للمتقي وبيت معز الدولة مراراً‏.‏ وضاق الأمر به واعتزم على ترك بغداد والعود إلى الأهواز‏.‏ ثم أظهر الرحيل ذات ليلة وأمـر وزيـره أبـا جعفـر الصهيـري بالعبـور فـي أكثـر العساكـر وأقـام بالكينة مكانه وجاء ينال شوكه لقتاله فانهزم واضطرب عسكر ناصر الدولـة وأجفلـوا وغنـم الديلم أموالهم وأظهرهم‏.‏ ثم أمن معز الدولة الناس وعاد المطيع إلى داره في محرم سنة خمس وثلاثيـن وقـام التوزونيـة عليـه فلمـا شعروا به نكروه وهموا بقتله فأسرى هارباً ومعه ابن شيرزاد وفـر إلـى الجانـب الغربـي‏.‏ ثم لحق بالقرامطة فأجاروه وبعثوه إلى الموصل‏.‏ ثم استقر الصلح بينه وبيـن الدولـة كمـا طلـب ولمـا فـر عن الأتراك اتفقوا على تكين الشيرازي فولوه عليهم وقبضوا على مـن تخلـف مـن كتابـه وأصحابـه وسـاروا فـي اتباعـه إلـى نصيبيـن ثـم إلـى سنجـار ثم إلى الحديثة ثم إلى السن‏.‏ ولحق هنالك عسكر معز الدولة مع وزيره أبي جعفر الصهيري وقد كان استمده ناصر الدولة‏.‏ وسار ناصر الدولة وابن الصهيري إلى الموصل فنزلوا عليها وأخذ الصهيري من ناصر الدولة ابن شيرزاد وحمله إلى معز الدولة وذلك سنة خمس وثلاثين‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 04:53 AM

استيلاء معز الدولة علي البصرة
وفي هذه السنة انتقض أبو القاسم البريدي بالبصرة فجهز معز الدولة الجيش وجماعة أعيانهم إلـى واسـط ولقيهـم جيـش بـن البريـدي فـي المـاء علـى الظهـر فانهزموا إلى البصرة وأسروا من أعيانهم جماعـة‏.‏ ثـم سـار معـز الدولـة سنـة سـت وثلاثيـن إلـى البصرة ومعه المطيع لاستنقاذها من يد أبي القاسم بن البريدي وسلكوا إليها البرية فبعث القرامطة يعذلون في ذلك معـز الدولـة فكتـب يهددهم‏.‏ ولما قارب البصـرة استأمنـت إليـه عساكـر أبـي القاسـم وهـرب هـو إلـى القرامطـة فأجاروه وملك معز الدولة البصرة‏.‏ ثم سار منها إلى الأهواز لتلقي أخيه عماد الدولة وترك المطيع وأبا جعفر الصهيري بالبصرة ولقي أخاه بأزجان‏.‏ ثم عاد إلى بغداد والمطيع معه وأراد السيـر إلـى الموصـل فأرسـل إليه ناصر الدولة في الصلح وحمل المال فتركه‏.‏ ثم انتقض سنة سبع وثلاثيـن فسـار إليه معز الدولة وملك الموصل ولحق ناصر الدولة بنصيبين وأخذ معز الدولة في ظلم الرعايا وعسفهم‏.‏ ثم بعث إليه أخوه ركن الدولة بأصبهان بأن عسكر خراسان قصد جرجان والري واستمده فاضطر معز الدولة إلى صلح ناصر الدولة عن الموصل والجزيرة وما ملكه سيف الدولة من الشام دمشق وحلب على ثمانية آلاف ألف ألف درهم ويخطب لعماد الدولة وركن الدولة ومعز الدولة بني بويه فاستقر الصلح على ذلك وعاد إلى بغداد‏.‏

ابتداء أمر بني شاهين بالبطيحة
كان عمران بن شاهين من أهل الجامدة وحصلت عنده جبايات فهرب إلى البطيحة خوفاً من الحكـام وأقـام بيـن القصـب والآجـام يقتات بصيد السمك والطير وكشف سابلة البطيحة‏.‏ واجتمع عليه جماعة من الصيادين واللصوص‏.‏ ثم اشتد خوفه فاستأمن إلى أبي القاسم بن البريدي صاحب البصرة نقله جماعة الجامدة ونواحي البطائح‏.‏ وجمع السلاح واتخذ مقاتـل علـى تلـال البطيحة وغلب على نواحيها وسرح معز الدولة وزيره أبا جعفر الصهيري سنة ثمان وثلاثين فقاتله وهرب واستأمن أهله وعياله‏.‏ ثم جاء الخبر إلى معز الدولة بموت أخيه عماد الدولة بفارس واضطراب أحواله بها‏.‏ فكتب إلى الصهيري بالفرار إلى شيرزاد لإصلاح الأمور فسار إليهـا وعـاد عمـران بـن شاهين إلى البطيحة واجتمع إليه أصحابه وقوي أمره‏.‏ وبعث معز الدولة إلى قتاله روزبهان من أعيان عسكره فأطال حصاره في مضايق البطيحة‏.‏ ثم ناجزه الحرب فهزمه عمران وهرب عسكره وصار أصحابه يطلبون البذرقة والخفارة من جند السلطان في السابلة وانقطع طريق البصرة إلا على الظهر‏.‏ وكـان الصهيـري قـد هلـك وولـى مكانه المهلبي فكتب معز الدولة إلى المهلبي وهو بالبصرة فصعد إلى واسط وأمنه بالقواد والسلاح وأطلق يده في الإنفاق‏.‏ فزحف إلى البطيحة وضيق على عمران فانتهى إلى مضايق خفية وأشار عليه روزبهان بمعاجلة القوم وكتب إلى معز الدولة يشكـو المطاولـة مـن المهلبـي فكتـب إليـه معـز الدولة بالاستبطاء فبادر إلى المناجزة وتوغل في تلك المضايق فانهزم وقتل من أصحابه وأسر ونجا هو سباحة في الماء وأسر عمران أكابر القواد حتى صالحه معز الدولة وقلمه البطائح وأطلق له أهله على أن يطلق القواد الذين في أسره فأطلقهم‏.‏ موت الصهيري وزارة المهلبي كـان أبـو جعفـر محمـد بـن أحمـد الصهيـري وزيـراً لمعـز الدولـة وكـان قـد سـار لقتـال عمران واستخلـف مكانه أبا محمد الحسن بن محمد المهلبي فعرفت كفايته وإصلاحه وأمانته وتوفي أبو جعفر الصهيري محاصراً لعمران فولى معز الدولة مكانه أبا محمد المهلبي فأحسن السيرة وأزال المظالـم وخصوصـاً عـن البصـرة فكـان فيهـا شعب كثيرة من المظالم من أيام أبي البريدي وتنقل في البلاد لكشف المظالم وتخليص الحقوق فحسن أثره ونقم عليه معز الدولة بعض الأمور فنكبه سنة إحدى وأربعين وحبسه في داره ولم يعزله‏.‏ حصار البصرة قـد تقدم لنا أن القرامطة أنكروا على معز الدولة مسيره إلى البصرة على بلادهم وذكرنا ما دار بينهم في ذلك‏.‏ ولما علم يوسف بن وجيـه استيحاشهـم بعـث إليهـم يطمعهـم فـي النصـرة واستمدهم فأمـدوه‏.‏ وسـار فـي البحـر سنـة إحـدى وأربعيـن وبلـغ الخبـر إلـى الوزيـر المهلبـي وقـد قـدم من شأن الأهواز‏.‏ فسار إلى البصرة وسبق إليها ابن وجيه وقاتله فهزمه وظفر بمراكبه‏.‏

استيلاء معز الدولة على الموصل وعوده
قد تقدم لنا صلح معز الدولة مع ناصر الدولة على ألفي ألف درهم كل سنة‏.‏ فلما كانت سنة سبع وأربعين خرج وحمل المال فسار معز الدولة إلى الموصل في جمادى ومعه وزيره المهلبـي فاستولـى علـى الموصـل ولحـق ناصر الدولة بنصيبين ومعه كتابه وجميع أصحابه وحاشيته ومن يعرف وجوه المنافع وأنزلهم في قلعة كواشي وغيرها‏.‏ وأمر الأعـراب بقطـع الميـرة عـن الموصل فضاقت الأبواب على عسكر معز الدولة‏.‏ فسار عن الموصل إلى نصيبين واستخلف عليها سبكتكين الحاجب الكبير وبلغه في طريقه أن أولاد ناصر الدولة بسنجار في عسكر فبعـث عسكـراً فكبسوهـم واشتغلـوا بالنهـب فعـاد إليهـم أولاد ناصر الدولة وهم غازون فاستلحموهم وسار ناصر الدولة عن نصيبين إلى ميافارقين ورجع أصحابه إلى معز الدولة مستأمنيـن فسـار هـو إلـى أخيـه سيف الدولة بحلب فتلقاه وأكرمه وتراسلوا في الصلح على ألفي ألـف درهـم وتستعمائـة ألـف درهم وإطلاق من أسر بسنجار وأن يكون ذلك في ضمان سيف الدولة فتم بينهما وعاد معز الدولة إلى العراق في محرم سنة ثمان وأربعين‏.‏

بناء معز الدولة ببغداد
أصاب معز الدولة سنة خمسين مرض أشفى منه حتى وصى واستوخم بغداد فارتحل إلى كلواذا ليسير إلى الأهواز وأسف أصحابه لمفارقة بغداد فأشاروا عليه أن يبني لسكناه في أعاليها‏.‏ فبنى داراً أنفق عليها ألف ألف دينار‏.‏ وصادر فيها جماعة من الناس‏.‏ كـان الديلـم كمـا تقـم لنـا شيعـة لإسلامهـم علـى يد الأطروش وقد ذكرنا ما منع بني بويه من تحويل الخلافة عن العباسية إليهم‏.‏ فلما كان سنة إحدى وخمسين وثلثمائة أصبح مكتوباً على باب الجامع ببغداد لعن صريح في معاوية ومن غصب فاطمة فدك ومن منع من دفن الحسن عند جده ومن نفى أبا ذر ومن أخرج العباس من الشورى‏.‏ ونسب ذلك إلى معز الدولة‏.‏ ثم محي من الليلة القابلة فأراد معز الدولة إعادته‏.‏ فأشار المهلبي بأن يكتب مكان المحو لعن معاوية فقـط والظالميـن لـآل رسـول اللـه صلـى اللـه عليـه وسلـم‏.‏ وفي ثامن عشر ذي الحجة من هذه السنة أمـر النـاس بإظهـار الزينـة والفـرح لعبـد العزيـز مـن أعيـان لشيعـة‏.‏ وفـي السنـة بعدهـا أمـر النـاس فـي يـوم عاشوراء أن يغلقوا دكاكينهم ويقعدوا عن لبيع والشراء ويلبسوا المسوح ويعلنوا بالنياحة وتخرج النساء مسبلات الشعور مسودات الوجوه قد شققن ثيابهن ولطمن خدودهن حزناً على الحسين ففعـل النـاس ذلـك‏.‏ ولـم يقـدر أهـل السنـة علـى منعـه لـأن السلطان للشيعة‏.‏ وأعيد ذلك سنة ثلاث وخمسين فوقعت فتنة بين أهل السنة والشيعة وجرى نهب الأموال‏.‏

استيلاء معز الدولة على عمان وحصاره البطائح
انحدر معز الدولة سنة خمس وخمسين إلى واسط لقتال عمران بن شاهين بالبطائح فأنفذ الجيش من هنالك مع أبي الفضل العباس بن الحسن وسار إلى الأبلة فأنفذ الجيش إلى عمان وكـان القرامطـة قـد استولـوا عليهـا وهـرب عنهـا صاحبهـا نافـع وبقـي أمرها فوضى فاتفق قاضيها وأهل البلد أن ينضبوا عليهم رجلاً منهم فنصبوه ثم قتله بعضهم فولوا آخر من قرابة القاضي يعرف بعبد الرحمن بن أحمد بن مروان واستكتب علي بن أحمد الذي كان وصل مع القرامطة كاتباً‏.‏ وحضر وقت العطـاء فاختلـف الزنـج والبيـض فـي الرضـا بالمسـاواة وبعدمهـا واقتتلوا فغلب الزنج وأخرجوا عبد الوهاب واستقر علي بن أحمد أميراً فلما جاء معز الدولة إلـى واسـط هـذه السنـة قـدم عليـه نافع الأسود صاحب عمان مستنجداً به فانحدر به من الأبلة وجهز له المراكب لحمل العساكر وعليهم أبو الفرج محمد بن العباس بن فساغس وهي مائـة قطعة فساروا إلى عمان وملكوها تاسع ذي الحجة من سنة خمس وخمسين وقتلوا من أهلها وأحرقوا مراكبها وكانت لسعـه وثمانيـن وعـاد معـز الدولـة إلـى واسـط وحاصـر عمـران وأقـام هنالك فاعتل وصالح عمران وانصرف عنه‏.‏

وفاة الوزير المهلبي
سار الوزير المهلبي فـي جمـادى سنـة اثنتيـن وخمسيـن إلـى عمـان ليفتحهـا فاعتـل فـي طريقـه ورجـع إلـى بغداد فمات في شعبان قبل وصوله وحمل فدفن بها لثلاث عشرة سنـة وثلاثـة أشهـر مـن وزارته‏.‏ وقبض معز الدولة أمواله وذخائره وصارت إليه وحواشيه ونظر في الأمور بعده أبو الفضل العباس بن الحسين الشيرازي وأبو الفرج محمد بن العباس ابن فساغس ولم يلقب أحد منهما بوزارة‏.‏

وفاة معز الدولة بولاية ابنه بختيار
ولما رجع معز الدولة إلى بغداد اشتد مرضه فعهد بالسلطنة إلى ابنه عز الدولة وتصدق وأعتق‏.‏ وتوفي فـي ربيـع مـن سنـة سـت وخمسيـن لاثنتيـن وعشريـن سنـة مـن سلطنتـه وولـى ابنـه عـز الدولة بختيار وقد كان أوصاه بطاعة عمه ركن الدولة وبطاعة ابنه عضد الدولة لأنه كان أكبر سناً وأخبر بالسياسة ووصاه بحاجبه سبكتكين وبكاتبيه أبي الفضل المجاس وأبي الفرج فخالف وصاياه وعكف على اللهو وأوحش هؤلاء ونفى كبار الديلم شرها في إقطاعاتهم‏.‏ وشغـب عليـه الأصاعـد فذادهـم واقتدى بهم الأتراك وجاء أبو الفرج محمد بن العباس من عمان بعد أن سلمها إلى نواب عضد الدولة الذين كانوا في أمداده وخشي أن يؤمر بالمقام بها وينفرد أبو الفضل صاحبه بالوزارة ببغداد فكان كما ظن‏.‏ ثم انتقض بالبصرة حبشي بن معز الدولة على أخيه بختيار سنة ست وخمسين فبعث الوزير أبو الفضل العباس فسار مورياً بالأهواز ونـزل واسـط وكتـب إلـى حبشي بأنه جاء ليسلمه البصرة وطلب منه المعونة على أمره فأنفذ إليه مائتي ألف درهم وأرسل الوزير خلال ذلك إلى عسكر الأهواز أن يوافوه بالأبلة لموعد ضربه لهم فوافوه وكبسوا حبشياً بالبصرة وحبسوه برامهرمز ونهبوا أمواله‏.‏ وكان من جملة ما أخذ له عشـرة آلـاف مجلد من الكتب وبعث ركن الدولة بتخليص حبشي ابن أخيه وجعله عند عضد الدولة فأقطعه إلى أن مات سنة سبع وستين‏.‏ عزل أبي الفضل ووزارة ابن بقية لما ولي أبو الفضل وزارة بختيار كثر ظلمه وعسفه وكان محمد بن بقية من حاشية بختيار وكـان يتولى له المطبخ‏.‏ فلما كثر شغب الناس من أبي الفضل عزله بختيار سنة اثنتين وستين وولى مكانه محمد بن بقية فانتشر الظلم أكثر وخربت النواحي وظهر العيارون ووقعت الفتن بيـن الأتـراك وبختيـار فأصلـح ابـن بقيـة بينهـم وركـب سبكتكيـن بالأتـراك إلى بختيار ثم أفسد بينهم وتحرك الديلم على سبكتكين وأصحابه فأرضاهم بختيار بالمال ورجعوا عن ذلك‏.‏كان ناصر الدولة بن حمدان قد قبض عليه ابنه أبو تغلب وحبسه سنة ست وخمسين وطمع في المسيـر إلـى بغـداد وجـاء أخـوه حمـدان وإبراهيم فازعين إلى بختيار ومستنجدين به فشغل عنهما بما كان فيه من شأن البطيحة وعمان حتى إذا قضى وطره من ذلك وعزل أبا الفضل الوزير واستـوزر ابـن بقيـة حملـه علـى ذلـك وأغـراه بـه فسـار إلـى الموصـل ونزلهـا في ربيع الآخر سنة ثلاث وستين ولحق أبو تغلب بسنجار بأصحابه وكتابه ودواوينه‏.‏ ثـم سـار إلـى بغـداد وبعـث بختيـار فـي أثـره الوزيـر ابـن بقيـة وسبكتكيـن فدخـل ابـن بقيـة بغـداد وأقـام سبكتكين يحاربه في ظاهرها ووقعت الفتنة داخل بغداد في الجانب الغربي بين أهل السنة والشيعة‏.‏ واتفق سبكتكين وأبو تغلب على أن يقبضا على الخليفة والوزير وأهل بختيار ويعود سبكتكين إلى بغداد مستولياً وأبو تغلب إلى الموصل‏.‏ ثم اقصر سبكتكين عن ذلك وتوقف وجاءه الوزير ابن بقية‏.‏ وأرسلوا إلى أبي تغلب في الصلح وأن يضمن البلاد ويرد على أخيه حمدان أقطاعه وأملاكه إلا ماردين وعاد أبو تغلب إلى الموصل ورحل بختيار وسار سبكتكين للقائه‏.‏ واجتمـع بختيـار وأبـو تغلـب على الموصل وطلب أبو تغلب زوجته ابنة بختيار وأن يحط عنه من الضمان ويلقب لقبا سلطانياً فأجيب إلى ذلك خشية منه ورحل بختيار إلى بغداد وسر أهل الموصـل برحيلـه لمـا نالهـم منـه وبلغـه فـي طريقه أن أبا ثعلب قتل قوماً من أصحابه وكانوا استأمنوا لبختيار وزحفوا لنقل أهلهم وأموالهم فاشتد ذلك عليه وكتب إلى الوزير أبي طاهر بن بقية والحاجب ابن سبكتكين يستقدمهما في العساكر فجاؤوا وعادوا إلى الموصل وعزم على طلبه حيث سار‏.‏ فأرسل أبو تغلب في الصلح وجاء الشريف أبو أحمد الموسوي والد الشريف الرضي وحلف على العلم في قتل أولئك المستأمنة وعاد الصلح والاتفاق كمـا كـان ورجـع بختيار إلى بغداد وبعث ابنته إلى زوجها أبي تغلب‏.‏

الفتنة بين بختيار وسبكتكين والأتراك
كان بختيار قد قلت عنده الأموال وكثرت مطالب الجند وشغبهم فكان يحاول جمع الأموال فتوجـه إلـى الموصـل لذلك ثم رجع فتوجه إلى الأهواز ليجدد ريعه إلى مصادرة عاملها وتخلف عنـه سبكتكيـن والأتـراك الذيـن معـه ووقعـت فتنـة بين الأتراك والديلم بالأهواز واقتتلوا ولج الأتراك فـي طلـب ثأرهـم‏.‏ وأشار عليه أصحاب الديلم بقبض رؤساء الأتراك وقوادهم ففعل وكان من جملتهـم عامـل الأهـواز وكاتبـه ونهبـت أموالهـم وبيوتهـم ونـودي فـي البلد وباستباحتهم وبلغ الخبر إلى سبكتكين وهو ببغداد فنقض طاعة بختيار وركب في الأتراك وحاصر داره يومين وأحرقها وأخذ أخويه وأمهما فبعثهم إلى واسط في ذي القعدة سنة ثلاث وستين وانحدر المطيع معهم فرده وترك الأتراك في دور الديلم ونهبوها وثارت العامة مع سبكتكين لأن الديلم كانوا شيعة وسفكت الدماء وأحرق الكرخ وظهر أهل السنة‏.‏

خلع المطيع وولاية الطائع
كان المطيع قد أصابه الفالج وعجز عن الحركة وكان يتستر به وانكشف حاله بسبكتكين في هـذه الواقعـة فدعـاه إلى أن يخلع نفسه ويسلم الخلافة عبد الكريم ففعل ذلك منتصف ذي القعدة سنة ثلاث وستين لست وعشرين سنة ونصف من خلافته وبويع ابنه الكريم ولقب الطائع‏.‏

الصوائف وعادت الصوائف
منذ استبد ناصر الدولة بن حمدان بالموصل وأعمالها وملك سيف الدولة أخوه مدينتي حلب وحمص سنة ثلاث وثلاثين فصار أمر الصوائف إليه فنذكرها في أخبار دولتهم فقد كان لسيف الدولة فيها آثار وكان للروم في أيامه جولات حسنت فيها مدافعته‏.‏ وأما الولايات فانقطعت منذ استيلاء معز الدولة على العراق وانقسمت الدولة الإسلامية دولاً نذكر ولايات كل منها في أخبارها عند انفرادها على ما شرطناه‏.‏ فتنة سبكتكين وموته وإمالة افتكين لما أوقع بختيار في الأتراك بالأهواز ما أوقع وانتقض سبكتكين ببغداد عمد بختيار إلى من حبسه من الأتراك فأطلقهم وولى منهم على الأتراك زادويه الذي كان عامل الأهواز وسار إلى واسـط للقائـه وأخويـه وكتـب إلـى عمه ركن الدولة وابن عمه عضد الدولة يستنجدهما وإلى أبي تغلب بن حمدان في المدد بنفسه ويسقط عنه مال الاقطاع وإلى عمران بن شاهين بالبطيحة كذلك فجهز إليه عمه ركن الدولة العسكر مع وزيره أبي الفتح بن العميد وكتب إلى ابن عمه عضـد الدولـة بالمسيـر معـه فتثاقـل وتربـص بختيـار طمعـاً في ملك العراق‏.‏ وأما عمران بن شاهين فدافع واعتذر بأن عسكره لا يفتكون في الديلم لما كان بينهم وأما أبو تغلب فبعث أخاه أبا عبـد اللـه الحسيـن فـي عسكر إلى تكريت فلما سار الأتراك عن بغداد إلى واسط لقتال بختيار وجاء هو إليها ليقيم الحجة في سقوط الاقطاع عنه ووجد الفتنة حامية بين العيارين فكف القسامـة وانتظـر مـا يقـع ببختيـار فيدخـل بغـداد ويملكهـا‏.‏ ولما سار الأتراك إلى واسط حملوا معهم خليفتهم الطائع لله وأباه المطيع المخلوع وانتهوا إلى دير العاقول فهلك المطيع وسبكتكين معاً وولى الأتراك عليهم افتكين من أكابر قوادهم ومولى معز الدولة فانتظم أمرهم وسارو إلى واسط‏.‏ وحاصروا بها بختيار خمسين يوماً حتى اشتد عليه الحصار وهو يستحث عضد الدولة‏.‏ لمـا تتابعـت كتـب بختيـار إلـى عضـد الدولـة باستحثاثـه سار في عساكر فارس وجاءه أبو القاسم بن العميد وزير أبيه إلـى الأهـواز فـي عساكـر الـري وسـاروا إلـى واسـط وأجفـل عنهـا افتكيـن والأتـراك إلـى بغـداد ورجـع أبـو تغلـب إلـى الموصـل‏.‏ ولمـا جـاء عضـد الدولـة إلـى واسـط سار إلى بغداد في الجانب الشرقي وسار بختيار في الجانب الغربي وحاصروا الأتراك ببغداد من جميع الجهات‏.‏ وأرسـل بختيـار إلـى ضبـة بـن محمد الأسدي من أهل عين التمر وإلى أبي سنان وأبي تغلب بن حمـدان بقطـع الميـرة والإغـارة علـى النواحـي فغلا السعر ببغداد وثار العيارون ووقع النهب وكبس افتكيـن المنـازل فـي طلـب الطعـام فعظـم الهـرج وخـرج افتكيـن والأتراك للحرب فلقيهم عضد الدولة فهزمهم وقتل أكثرهم واستباحهم ولحقوا بتكريت وحملوا الخليفة معهم ودخل عضد الدولة إلى بغـداد فـي جمـادى سنـة أربـع وستيـن‏.‏ وحـاول فـي رد الخليفـة الطائـع فـرده وأنزلـه بـداره وركـب للقائه الماء في يوم مشهود‏.‏ ثم وضع الجند على بختيار فشغبوا عليه في طلب أرزاقهم وأشـار عليـه بالغلظـة عليهـم والاستعفاء من الإمارة وإنه عند ذلك يتوسط في الإصلاح فأظهر بختيـار التخلـي وصـرف الكتاب والحجاب ثقة بعضد الدولة وتردد السفراء بينهم ثلاثاً‏.‏ ثم قبض عضد الدولة على بختيـار وإخوتـه ووكـل بهـم وجمـع النـاس أعلمهم بعجز بختيار ووعدهم بحسن النظر وقام بواجبات الخلافـة‏.‏ وكـان المرزبـان بـن بختيار أميراً بالبصرة فامتنع فيها على عضد الدولة وكتب إلى ركن الدولـة يشكـو مـا جـرى علـى أبيـه بختيـار مـن ابنـه عضـد الدولـة ووزيره ابن العميد فأصابه من ذلك المقيم المقعد حتى لقد طرقه المرض الذي لم يستقل منه‏.‏ وكان ابن بقية وزير بختيار قد سار إلى عضد الدولة وضمنه واسط وأعمالها فانتفض عليه بهـا وداخـل عمـران بـن شاهيـن فـي الخلافـة فأجابـه وكتـب إلـى سهـل بـن بشر وزير افتكين بالأهواز وقد كان عضد الدولة ضمنه إياها وبعثه إليها مع جيش بختيار فاستماله ابن بقية وخرجت إليه جيوش عضد الدولة فهزمهم وكاتب أباه ركن الدولة بالأحوال وأوعز ركن الدولة إليه وإلى المرزبان بالبصرة على المسير بالعراق لإعادة بختيار‏.‏ واضطربـت النواحـي علـى عضـد الدولـة لإنكـار أبيـه وانقطـع عـن مـدد فارس وطمع فيه الأعداء فبعث أبا الفتح بن العميد إلى أبيه يعتذر عما وقع وأن بختيار عجز ولا يقدر على المملكـة وأنـه يضمـن أعمال العراق بثلاثين ألف ألف درهم ويبعث بختيار وإخوته إليه لينزله بأي الأعمال أحب ويخير أباه في نزوله العراق لتدبير الخلافة ويعود هو إلى فارس وتهدد أباه بقتل بختيـار وإخوتـه وجميـع شيعهـم إن لم يوافق على واحدة من هذه‏.‏ فخاف ابن العميد غائلة هذه الرسالة وأشار بإرسال غيره وأن يمضي هو بعدها كالمصلح فبعث عضد الدولة غيره‏.‏ فلما ألقى الرسالة غضب ركن الدولة ووثب إلى الرسول ليقتله ثم رده بعد أن سكن غضبه وحمله إلى عضد الدولة من الشتم والتقريع على ما فعله وعلى ما يطلب منه من كل صعب من القول‏.‏ وجاء ابن العميد على أثر ذلك فحجبه وتهدده ثم لم يزل يسترضيه بجهده واعتذر بأن قبوله لهذه الرسالة حيلة على الوصول إليه والخلاص من عضد الدولة وضمن له إعادة عضد الدولة إلى فارس وتقرير بختيار بالعراق فأجاب عضد الدولة إلى ذلك وأفرج عن بختيار ورده إلى السلطنة على أن يكون نائباً عنه ويخطب عنه ويجعل أخاه أبا إسحـاق أميـر الجيـش لعجـز بختيار ورد عليهم ما أخذ لهم وسار إلى فارس وأمر ابن العميد أن يلحـق بـه بعـد ثلـاث فتشاغـل مع بختيار باللذات ووعده أن يصير إلى وزارته بعد ركن الدولة‏.‏ وأرسل بختيار عن ابن بقية فقام بأمر الدولة واحتجن الأموال فإذا طولب بها دس للجند فشغبوا حتى تنكر له بختيار واستوحش هو‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 04:55 AM

خبر افتكين
ولما انهزم افتكين من عضد الدولة بالمدائن لحق الشام ونزل قريباً من حمص وقصد ظالم ابن موهوب أمير بني عقيل العلوية بالشام فلم يتمكن منه وسار افتكين إلى دمشق وأميرها ريان خادم المعز لدين الله العلوي وقد غلب عليه الأحداث فخرج إليه مشيخـة البلـد وسألـوه أن يملكهم ويكف عنهم شر الأحداث وظلم العمال واعتقاد الرافضة فاستحلفهم على ذلك ودخل دمشق وخطب فيها للطائع في شعبان سنة أربع وستين‏.‏ ورجع أيدي العرب من ضواحيها وفتك فيهم وكثرت جموعه وأمواله وكاتب المعز بمصر يداريه بالانقياد فكتب يشكره ويستدعيـه ليوليـه مـن جهتـه فلـم يثـق إليه فتجهز لقصده ومات في طريقه سنة خمس وستين كما نذكر بقية خبره في دولتهم‏.‏ ملك عضد الدولة بغداد وقتل بختيار ولما انصرف عضد الدولة إلى فارس كما ذكرناه أقام بها قليلاً ثم مات أبوه ركن الدولة سنة سـت وستيـن بعـد أن رضـي عنه وعهد له بالملك كما نذكره في خبره‏.‏ فلما مات شرع بختيار ووزيره ابن بقية في استمالة أهل أعماله مثل أخيه فخر الدولة وحسنويه الكردي وطلب ابن حمـدان وعمـران بـن شاهيـن فـي عدوانـه فسـار عضد الدولة لطلب العراق واستمد حسنويه وابن حمدان فواعداه ولم يبعداه فسار إلى الأهواز ثم سار إلى بغداد ولقيه بختيار فهزمه عضد الدولة واستولى على أمواله وأثقاله ولحق بواسط وحمل إليه ابن شاهين أموالاً وهدايا ودخل إليه مؤكداً للاستجارة به‏.‏ ثم صعد إلى واسط وبعث عضد الدولة عسكراً إلى البصـرة فملكوها وكانت مصر شيعة له دون ربيعة‏.‏ وجمع بختيار ما كان لـه ببغـداد والبصـرة فـي واسط وقبض على ابن بقية وأرسل عضد الدولة في الصلح واختلفت الرسائل وجاءه عبد الـرزاق وبـدر ابنـا حسنويـه فـي ألـف فـارس مـدداً فانتقـض‏.‏ وسـار إلى بغداد وسار عضد الدولة إلى واسط ثم إلى البصرة فأصلح بين ربيعة ومضر بعد اختلافهم مائة وعشرين سنة‏.‏ ثـم دخلـت سنـة سبـع وستيـن فقبـض عضـد الدولـة على أبي الفتح ابن العميدي وزير أبيه وجدع أنفـه وسمـل إحـدى عينيـه لمـا بلغـه عنـه فـي مقامـه بالفـرات عنـد بختيـار‏.‏ ولمـا أطلع عليه من مكاتبته إيـاه فبعـث إلـى أخيـه فخـر الدولـة بالـري بالقبـض عليـه وعلـى أهلـه فقبـض عليـه وأخذ داره بما فيها‏.‏ ثـم سـار عضـد الدولـة إلـى بغـداد سنـة سبـع وستيـن وبعـث إلـى بختيار يخيره في الأعمال فأجاب إلى طاعته وأمره بإنفاذ ابن بقية إليه ففقأ عينيه وأنفذه وخرج عن بغداد يقصد الشام ودخل عضـد الدولـة بغداد وخطب له بها وضرب على بابه ثلاث توتات ولم يكن شيء من ذلك لمن قبله وأمر بابن بقية فرمي بين الفيلة فقتلته‏.‏ ولما سار بختيار إلى الشام ومعه حمدان أخو أبي ثعلب وانتهوا إلى عكبرا أحسن له حمدان وقصـد الموصـل‏.‏ وكـان عضـد الدولـة قـد استحلفـه أن لا يدخل ولاية أبي ثعلب فنكث وقصدها وجاءته رسل أبي ثعلب بتكريت في إسلام أخيه حمدان إليه فيمده بنفسه ويعيده إلـى ملكـه فقبـض علـى حمـدان وبعثـه مـع نوابـه فحبسـه وسـار أبـو ثعلـب إليـه فـي عشرين ألف مقاتل وزحفـوا إلـى بغـداد ولقيهما عضد الدولة فهزمهما وأمر بختيار فقتل صبراً في عدة من أصحابه لإحدى عشرة سنة من ملكه‏.‏

استيلاء عضد الدولة على ملك بني حمدان
ثم سار عضد الدولة بعد الهزيمة ومقتل بختيار إلى الموصل فملكها منتصف ذي القعدة من سنة سبع وستين وكان حمل معه الميرة والعلوفات فأقام في رغد وبث السراة في طلب أبي ثعلـب وراسلـه فـي ضمـان البلـاد علـى عادتـه فلـم يجبـه فسـار إلـى نصيبيـن ومعه المرزبان بن بختيار وأبو إسحاق وطاهر أخو بختيار وأمهم فبعث عضد الدولة عسكراً إلى جزيرة ابن عمر مع حاجبـه أبـي عمـر لحـرب طغان وعسكراً إلى نصيبين مع أبي الوفاء طاهر بن محمد ففارقها أبو ثعلب إلى ميافارقين وأتبعه أبو الوفاء إليها فامتنعت عليه‏.‏ ولحق أبو ثعلب بأردن الروم ثم بالحسنية من أعمال الجزيرة وتتبع أبو ثعلب قلاعه وأخذ أمواله في كواشي وغيرها وعاد إلى ميافارقيـن‏.‏ ثـم سـار عضـد الدولـة إليـه بنفسـه واستأمـن إليـه كثير من أصحابه ورجع إلى الموصل وبعث العسكر في اتباعه فدخل بلاده فصاهره ورد الرومي المملك عليهم في غير بيت الملك ليستعيـن بـه علـى أمـره واتبعـه عسكـر عضـد الدولـة فهزمهـم ونجا إلى بلاد الروم لمساعدة ورد على شأنه لما يؤمل من نصرته إياه‏.‏ واتفق أن ورداً انهزم فيئس منه أبو ثعلب وعاد إلى بلاد الإسلام ونزل بآمد شهرين حتى فتح عضد الدولة جميع بلاده كما يذكر في أخبار دولتهم واستخلف أبا الوفاء على الموصل وعاد إلى بغداد وانقطع ملك بني حمدان عن الموصل حيناً من الدهر‏.‏

وفاة عضد الدولة وولاية ابنه صمصام الدولة
ثـم توفي عضد الدولة في شوال سنة اثنتين وسبعين لخمس سنين ونصف من ملكه واجتمع القواد والأمراء على ولاية ابنه كاليجار المرزبان وبايعوه ولقبوه صمصام الدولة‏.‏ وجاءه الطائع معزيـاً فـي أبيـه وبعـث أخويـه أبـا الحسيـن أحمـد وأبـا ظاهر فيروزشاه فانتقض أخوهم شرف الدولة بكرمان في فارس وسبق إليها أخويه وملكها وأقاما بالأهواز وقطع خطبة صمصـام الدولـة أخيه وخطب لنفسه وتلقب تاج الدولة‏.‏ وبعث إليه صمصام الدولة عسكراً صحبة علي بن دنقـش حاجـب أبيـه وبعـث شـرف الدولـة عسكـره مـع الأميـر أبـي الأغر دفليس بن عفيف الأسدي والتقيا عند قرقـوب فانهـزم ابـن دنقـش فـي ربيـع سنـة ثلـاث وسبعيـن وأسـر واستولـى أبـو الحسـن علـى ثم إن أسفار بن كردويه من أكابر الديلم قام بدعوة شرف الدولة ببغداد سنة خمس وسبعين واستمال كثيراً من العسكر واتفقوا على ولاية أبي نصر بن عضد الدولة نائباً عن أخيه شرف الدولة وراسلهم صمصام الدولة في الرجوع عن ذلك فلم يزدهم إلا تمادياً‏.‏ وأجابه فولاد بن مابدرار أنفةً من متابعة أسفـار وقاتلـه فهزمـه وأخـذ أبـا مضـل أسيـراً وأحضـره عنـد أخيـه صمصام الدولة واتهم وزيره ابن سعدان بمداخلتهم فقتله ومضى اسفار إلى أبي الحسين بن عضـد الدولـة وباقي الديلم إلى شرف الدولة‏.‏ وسار شرف الدولة إلى الأهواز فملكها من يد أخيـه الحسيـن‏.‏ ثـم ملـك البصـرة مـن يـد أخيـه أبـي طاهـر وراسلـه صمصـام الدولـة فـي الصلح فاتفقوا على الخطبة لشرف الدولة بالعراق وبعث إليه بالخلع والألقاب من الطائع‏.‏

نكبة صمصام الدولة وولاية أخيه شرف الدولة
لما ملك شرف الدولة من يد أخيه أبي طاهر سار إلى واسط فملكها وعمد صمصام الدولة إلـى أخيـه أبـي نصـر وكـان محبوسـاً عنـده فأطلقـه وبعثـه إلـى أخيـه شـرف الدولـة بواسـط يستعطفـه به فلـم يلتفـت إليـه‏.‏ وجـزع صمصـام الدولـة واستشـار أصحابـه فـي طاعـة أخيـه شرف الدولة فخوفوه عاقبتـه وأشـار بعضهـم بالصعـود إلـى عكبـرا ثـم منهـا إلى الموصل وبلاد الجبل حتى يحدث من أمر الله في فتنة بين الأتراك والديلم أو غير ذلك ما يسهل العود وأشار بعضهم بمكاتبة عمه فخر الدولـة والمسيـر علـى طريـق أصبهـان فيخالـف شـرف الدولـة إلـى فـارس فربمـا يقـع الصلـح على ذلك‏.‏ فأعرض صمصام الدولة عن ذلك كله وركب البحر إلى أخيه شرف الدولة فتلقاه وأكرمه‏.‏ ثم قبـض عليـه لأربـع سنيـن من إمارته وسار إلى بغداد في شهر رمضان من سنة ست وسبعين فوصلها وأخوه صمصام الدولة في اعتقاله‏.‏ واستفحـل ملكـه واستطـال الديلـم علـى الأتـراك بكثرتهم فإنهم بلغوا خمسة عشر ألفاً والأتراك ثلاثة آلاف‏.‏ ثم كثرت المنازعات بينهم وغص الديلم بالأتراك وأرادوا إعادة صمصام الدولة إلى الملك‏.‏ ثم اقتتلوا فغلبهم الديلم وقتلوا منهم وغنموا أموالهم وسار بعضهم فذهب في الأرض ودخل الآخرون مع شرف الدولة إلى بغداد وخرج الطائع لتلقيه وهنأه وأصلح شرف الدولة بين الفريقين وبعث صمصام الدولة إلى فارس فاعتقل بها واستوزر شرف الدولة أبا منصور بن صالحان‏.‏

ابتداء دولة باد وبني مروان بالموصل
قد تقدم لنا أن عضد الدولة استولى على ملك بني حمدان بالموصل سنة سبع وستين ثم استولـى على ميافارقين وآمد وسائر ديار بكر من أعمالهم وعلى ديار مضر أيضاً من أعمالهم سنـة ثمان وستين وولى عليها أبا الوفاء من قواده وذهب ملك بني حمدان من هذه النواحي‏.‏ وكـان فـي ثغـور ديار بكر جماعة من الأكراد الحميدية مقدمهم أبو عبد الله الحسين بن دوشتك ولقبـه بـاد وكـان كثيـر الغزو بتلك البلاد وأخافة سبلها‏.‏ وقال ابن الأثير‏:‏ حدثني بعض أصدقائنا من الأكراد الحميدية أن اسمه باد وكنيته أبو شجاع وأن الحسين هو أخوه وأن أول أمره أنه ملك أرجيش من بلاد أرمينية فقوي‏.‏ ولما ملك عضد الدولة الموصل حضر عنده وهم بقبضه ثم سأل عنه فافتقـده وكـف عـن طلبه‏.‏ فلما مات عضد الدولة استفحل أمره واستولى على ميافارقين وكثير من ديار بكر ثم على نصيبين‏.‏ وقال ابن الأثير‏:‏ سار من أرمينية إلى ديار بكر فملك ثم ميافارقين وبعث صمصـام الدولـة إليه العساكر مع أبي سعيد بهرام بن أردشير فهزمهم وأسر جماعة منهم فبعث عساكر أخرى مع أبي القاسم سعيد بن الحاجب فلقيهم في بلد كواشي وهزمهم وقتل منهم وأسـر ثـم قتل الأسرى صبراً‏.‏ ونجا سعيد إلى الموصل وباد أتباعه فثار به أهل الموصل نفوراً مـن سـوء سيـرة الديلـم فهرب منها ودخل باد وملك الموصل‏.‏ وحدث نفسه بالمسير إلى صمصام الدولـة ببغـداد وانتـزاع بغـداد مـن يـد الديلـم واحتفـل فيـه ولقيهـم بـاد فـي صفـر مـن سنـة أربع وسبعين فهزموه وملكوا الموصل ولحق بديار بكر وجمع عليه عساكر‏.‏ وكان بنو سيف الدولة بن حمدان بحلب قد ملكها معهم سعد الدولة ابنه بعد مهلكه فبعث إليـه صمصـام الدولـة أن يكفيـه أمـر بـاد علـى أن يسلـم إليـه ديـار بكر فبعث سعد الدولة جيشاً فلم يكن لهم طاقة وزحفوا إلى حلب فبعث سعد الدولة من اغتاله في مرقده بخيمته من البادية وضربه فاعتل واشفى على الموت وبعث إلى سعد وزياد الأميرين بالموصل فصالحهما على أن تكون ديار بكر والنصف من طور عبدين لباد ورجع زياد بغداد وهو الذي جاء بعساكر الديلـم وانهـزم بـاد أمامـه‏.‏ ثـم توفـي سعـد الحاجـب بالموصـل سنة سبع وسبعين فتجدد لباد الطمع فـي ملكهـا وبعـث شـرف الدولة على الموصل أبا نصر خواشاذه فدخل الموصل واستمد العساكر والأموال فأبطأت عنه فدعا العرب من بني عقيل وبني نمير وأقطعهم البلاد ليدافعوا عنها‏.‏ واستولـى بـاد علـى طـور عبدين وأقام بالجبل وبعث أخاه في عسكر لقتال العرب فانهزم وقتل‏.‏ وبينمـا خواشـاذه يتجهـز لقتـال بـاد جـاءه الجنـد بمـوت شـرف الدولـة‏.‏ ثـم جـاء أبـو طاهـر إبراهيم وأبو عبـد اللـه الحسيـن ابنـا ناصـر الدولـة بـن حمـدان أميريـن علـى الموصل من قبل بهاء الدولة وبقيت في ملكهمـا إلـى سنـة إحـدى وثمانيـن فبعـث بهـاء الدولـة عسكـراً مـع أبـي جعفـر الحجـاج بـن هرمز فملكها وزحـف إليـه أبـو الـرواد محمـد بن المسيب أمير بني عقيل فقاتله وبالغ في مدافعته واستمد بهاء الدولـة فبعـث إليـه الوزيـر أبـا القاسـم علـي بن أحمد وسار أول سنة اثنتين وثمانين وكتب إلى أبي جعفر بالقبض عليه بسعاية ابن المعلم وشعر الوزير بذلك فصالح أبا الرواد ورجع ووجد بهاء الدولة قد قبض على ابن المعلم وقتله‏.‏

وفاة شرف الدولة وملك بهاء الدولة
ثم توفي شرف الدولة أبو الفوارس شرزيك بن عضد الدولة في جمادى سنة تسع وسبعين لسنتيـن وثمانيـة أشهر من إمارته ودفن بمشهد علي بعد أن طالت علته بالاستسقاء وبعث وهو عليـل إلـى أخيـه صمصـام الدولـة بفارس فشمله وبعث ابنه أبا علي إلى بلاد فارس ومعه الخزائن والعدد وجملة من الأتراك وسئل شرف الدولة في العهد فملكه وأبى أن يعهد واستخلف أخاه بهـاء الدولـة لحفـظ الأمـور في حياته‏.‏ فلما مات قعد في المملكة وجاء الطائع للعزاء وخلع عليه للسلطنـة فأقـر أبـا منصـور بـن صالحـان علـى وزارتـه وبعـث أبـا طاهـر إبراهيـم وأبـا عبـد الله الحسين ابني ناصر الدولة بن حمدان إلى الموصل وكان في خدمته شرف الدولة فاستأذنا بهاء الدولة بعد موته في الاصعاد إلى الموصل فأذن لهما‏.‏ ثم ندم على ما فرط في أمرهما وكتب إلى خواشاذه بمدافعتهما فامتنعا وجاءا ونزلا بظاهر الموصل‏.‏ وثـار أهل الموصل بالديلم والأتراك وخرجوا إلى بني حمدان وقاتلوا الديلم فهزموهم وقتل الديلم كثيراً منهم واعتصم الباقون بدار الإمارة فأخرجوهم على الأمان ولحقوا ببغداد وملـك بنـو حمـدان الموصـل‏.‏ وكـان أبـو علي بن شرف الدولة لما انصرف إلى فارس بلغه موت ابنه بالبصرة فبعـث العيـال والأمـوال فـي البحـر إلـى أرجـان وسـار هـو إليهمـا ثـم سـار إلى شيراز فوافاه بها عمه صمصام الدولة وأخوه أبو طاهر قد أطلقهما الموكلون بهما ومعهما قولاد وجاؤوا إلى شيراز واجتمع عليهم الديلم وخرج أبو علي إلى الأتراك فاجتمعوا عليه وقاتل صمصام الدولة والديلم أيامـاً‏.‏ تـم سـار إلـى نسـا فملكهـا وقتـل الديلـم بهـا‏.‏ ثـم سار إلى أرجان وبعث الأتراك إلى شيراز لقتـال صمصـام الدولـة فنهبـوا البلـد وعـادوا إليه بأرجان‏.‏ ثم بعث بهاء الدولة إلى علي ابن أخيه يستقدمـه واستمال الأتراك سراً فحملوا أبا علي على المسير إليه فسار في جمادى سنة ثمانين فأكرمـه ثـم قبـض عليـه وقتلـه‏.‏ ثـم وقعـت الفتنـة ببغـداد بيـن الأتـراك والديلـم واقتتلوا خمسة أيام‏.‏ ثم راسلهـم بهـاء الدولـة فـي الصلـح فلم يجيبوا وقتلوا رسله فظاهر الأتراك عليهم فغلبوهم واشتدت شوكـة الأتـراك من يومئذ وضعف أمر الديلم وصالح بينهم على ذلك‏.‏ وقبض على بعض الديلم وافترقوا‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 04:58 AM

خروج القادر إلى البطيحة
كـان إسحـاق بـن المقتـدر لمـا توفـي تـرك ابنـه أبا العباس أحمد الذي لقب بالقادر فجرت بينه وبين أخـت لـه منازعـة فـي ضيعة ومرض الطائع مرضاً مخوفاً ثم أبل فسعت تلك الأخت بأخيها وأنه طلـب الخلافـة فـي مـرض الطائـع فأنفـذ أبـا الحسيـن بـن حاجـب النعمـان فـي جماعـة للقبـض عليه وكان بالحريم الظاهري فغلبهم النساء عليه وخرج من داره متستراً‏.‏ ثم لحق بالبطيحة ونزل على مهذب الدولة فبالغ في خدمته إلى أن أتاه بشير الخلافة‏.‏

فتنة صمصام الدولة
لما تغلب صمصام الدولة على بلاد فارس وجاء أبو علي شرف الدولة إلى عمه بهاء الدولة فقتله كما ذكرنا سار بهاء الدولة من بغداد إلى خوزستان سنة ثمانين وثلثمائة قاصداً بلاد فـارس‏.‏ واستخلـف أبـا نصـر خواشـاذه علـى بغـداد‏.‏ ولمـا بلـغ خوزستـان أتـاه نعي أخيه أبي طاهر فجلـس للعـزاء بـه‏.‏ ثـم سـار إلى أرجان فملكها وأخذ ما فيها من الأموال وكان ألف ألف دينار وثمانيـة آلـاف درهـم وكثيـراً مـن الثيـاب والجواهر وشغب الجند لذلك فأطلق تلك الأموال كلها لهم ثم سارت مقدمته وعليها أبو العلاء بن الفضل إلى النوبندجان وبها عسكر صمصام الدولة فانهزموا وثبت أبو العلاء بن الفضل في نواحي فارس‏.‏ ثم بعث صمصام الدولة عسكره وعليهم قولاد بن مابدان فهزموا أبا العلاء وعاد إلى أرجان وجاءه صمصام الدولة من شيراز إلى قولاد ثم وقع الصلح على أن يكون لصمصام الدولة بلاد فارس وأرجان ولبهاء الدولة خوزستان وما وراءها من ملك العراق وأن يكون لكـل واحـد منهمـا إقطـاع فـي بلـد صاحبـه وتعاقدا على ذلك ورجع بهاء الدولة إلى بغداد فوجد الفتنة بين أهل السنة والشيعة بجانب بغداد وقد كثر القتل والنهب والتخريب فأصلح ذلك‏.‏ وكان قبل سيره إلى خوزستان قبض على وزيره أبي منصور بن صالحان واستوزر أبا نصر سابور بن أردشير وكان الحكم والتدبير في دولته لأبي الحسين بن المعلم‏.‏

خلع الطائع وبيعة القادر
ثم إن بهاء الدولة قلت عنده الأموال وكثر شغب الجند ومطالباتهم وقبض على وزيره سابور فلـم يغـن عنه وامتدت عيناه إلى أموال الطائع وهم بالقبض عليه وحسن له ذلك أبو الحسين بن المعلـم الغالـب علـى هـواه فتقـدم إلـى الطائـع بالجيـوش لحضـوره فـي خدمتـه فجلـس وجلـس بهـاء الدولة على كرسي ثم جاء بعض الديلم يقبل يد الطائع فجذبه عن سريره وأخرجه ونهب قصور الخلافـة وفشـا النهـب فـي النـاس وحمـل الطائـع إلـى دار بهاء الدولة فأشهد عليه بالخلع سنة إحدى وثمانين لسبع عشرة سنة وثمانية أشهر من خلافته‏.‏ وأرسل بهاء الدولة خواص أصحابه إلى البطيحـة ليحضروا القادر بالله أبا العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر ليبايعوه فجاؤوا به بعد أن بايع مهذب الدولة صاحب البطيحة في خدمته وسار بهاء الدولة وأعيان النـاس لتلقيـه فتلقوه وساروا في خدمته ودخل دار الخلافة لاثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان وخطب له صبيحتها وكانت مدة إقامته بالبطيحة ثلاث سنين غير شهر ولم يخطب له بخراسان وأقاموا على بيعة الطائع فأنزله بحجرة من قصره ووكل عليه من يقوم بخدمته على أتم الوجوه وأجرى أحواله على ما كان عليه في الخلافة إلى أن توفي سنة ثلاث وتسعين فصلى عليه ودفنه‏.‏

ملك صمصام الدولة الأهواز وعودها لبهاء الدولة ثم استيلاؤه ثانياً عليها
قـد تقـدم لنـا ما وقع بين بهاء الدولة وصمصام الدولة من الصلح على أن يكون له فارس ولبهاء الدولة خوزستان وما وراءها وذلك سنة ثمان‏.‏ ولما كانت سنة ثلاث وثمانين تحيل بهاء الدولة فبعث أبا العلاء عبد الله بن الفضل إلى الأهواز على أن يبعـث إليـه الجيـوش مفترقـة فـإذا اجتمعـت كبـس بلـاد فارس على حين غفلة‏.‏ وشعر صمصام الدولة بذلك قبل اجتماع العساكر فبعث عساكره إلى خوزستان ثم جاءت عساكر العراق والتقوا فانهزم أبو العلاء وحمل إلى صمصـام الدولـة أسيـراً فاعتقلـه وبعـث بهاء الدولة وزيره أبا نصر بن سابور إلى واسط يحاول له جمع المال فهرب إلى مهذب الدولة صاحب البطيحة‏.‏ ثم كثر شغب الديلم على بهاء الدولة ونهبوا دار الوزير نصر بن سابور واستعفى واستوزر أبـا القاسـم علـي بـن أحمـد‏.‏ ثـم هـرب وعـاد سابـور إلـى الوزارة وأصلح الديلم ثم أنفذ بهاء الدولة عسكره إلى الأهواز سنة أربع وثمانين وعليهم طغان التركي وانتهوا إلى السوس فارتحل عنها أصحاب صمصام الدولة وملكها طغان وكان أكثر أصحابـه التـرك وأكثـر أصحـاب صمصـام الدولة الديلم ومعه تميم وأسد فزحف إلى طغان بالأهواز وأسرى من تستر ليكبس الأتراك الذين مع طغان فقتل في طريقه وأصبح دونهم بمرأى منهم فركبوا لقتالهم وأكمنوا له ثم قاتلوه فهزموه وفتكوا في الديلم بالقتل حرباً وصبراً‏.‏ وجاء الخبر إلى بهاء الدولة بواسط فسار إلى الأهواز فترك بها طغان ورجع ولحق صمصام الدولـة بفـارس فاستلحم من وجد بها من الأتراك وهرب فلهم إلى كرمان واستأذنوا ملك السند في اللحاق بأرضه فأذن لهم ثم ركب لتلقيهم فقتلهم عن آخرهم‏.‏ ثم جهز صمصام الدولة عساكـره إلـى الأهـواز مـع العـلاء بن الحسين وكان افتكين برامهرمز من قبل بهاء الدولة مكان أبي كاليجار المرزبان بن سفهيعون وجاء بهاء الدولة إلى خوزستان للعلاء قائد صمصام الدولة وكاتبه وكاتب افتكين وابن مكرم إلى أن قرب منهم وملك البلد من أيديهم وأقاموا بظاهرها واستمدوا بهاء الدولة فأمدهم بثمانين من الأتراك فقتلوهم عن آخرهم وسار بهاء الدولة نحو الأهـواز ثـم عـاد إلـى البصـرة وعـاد ابـن مكرم إلى عسكر مكرم والعلاء والديلم في اتباعه إلى أن جاوزوا تستر إليه فاقتتلوا طويلاً وأصحاب بهاء الدولة من تستر إلى رامهرمز وهم الأتراك وأصحاب صمصام الدولة من تستر إلى أرجان فاقتتلوا ستة أشهر ورجعوا إلى الأهواز ثم رحل الأتراك إلى واسط واتبعهم العلاء قليلاً ثم رجع وأقام بعسكر مكرم‏.‏

ملك صمصام الدولة البصرة
لما رحل بهاء الدولة إلى البصرة استأمن كثير من الديلم الذين معه إلى العلاء نحو من أربعمائة فبعثهم مع قائده السكرستان إلى البصرة وقاتلوا أصحاب بهاء الدولة ومال إليهم أهل البلد ومقدمهم أبو الحسن بن أبي جعفر العلوي وارتاب بهم بهاء الدولة فهرب الكثير منهـم إلـى السكرستـان وحملـوه فـي السفـن فأدخلـوه البصرة‏.‏ وخرج بهاء الدولة وأصحابه فكتب إلى مهذب الدولة صاحب البطيحة يغريه بالبصرة فبعث إليها جيشاً مع قائده عبد الله بن مرزوق فغلب عليها السكرستان وملكها لمهذب الدولة ثم عاد السكرستـان وقاتلهـا وكاتـب مهـذب الدولـة بالصلح والطاعة والخطبة له بالبصرة وأعطـى ابنـه رهينـة علـى ذلـك فأجابـه وملـك البصـرة وعسف بهم وكان يظهر طاعة صمصام الدولة وبهاء الدولة ومهذب الدولة‏.‏ ثم إن العلاء بن الحسن نائب صمصام الدولة بخوزستان توفي بعسكر مكرم فبعث مكانه أبا علي إسماعيل بن أستاذ هرمز وسار إلى جنديسابور فدفع عنها أصحاب بهاء الدولة وأزاح الأتراك عن ثغر خراسان جملة وعادوا إلى واسط وكاتب جماعة منهم ففزعوا إليه ثم زحف إليهـم أبو محمد مكرم والأتراك وجرت بينهم وقائع ثم انتقض أبو علي إسماعيل بن أستاذ هرمز ورجـع إلـى طاعـة بهـاء الدولـة وهـو بواسـط سنة ثمان وثمانين فاستوزره ودبر أمره واستدعاه إلى مظاهرة قائده ابن مكرم بعسكر مكرم فسار إليه وكانت من إسماعيل خديعة تورط فيها بهاء الدولة واستمد بدر بن حسنويه فأمده بعض الشيء وكاد يهلك ثم جاءه الفرج بقتل صمصام الدولة‏.‏

مقتل صمصام الدولة
كان صمصام الدولة بن عضد الدولة مستولياً على فارس كما ذكرناه وكان أبو القاسم وأبو نصـر ابنـا بختيـار محبوسيـن ببعـض قلـاع فـارس فجـرد الموكليـن بهمـا فـي القلعـة وأخرجـوا عنها واجتمع إليهما من الأكراد‏.‏ وكان جماعة من الديلم استوحشوا من صمصـام الدولـة لمـا أسقطهـم مـن الديوان فلحقوا بابني بختيار وقصدوا أرجان وتجهز صمصام الدولة إليهم‏.‏ وكان أبو علي بن أستاذ هرمز مقيماً بنسا فثار به الجند وحبسه ابنا بختيار ثم نجا وقصد صمصام الدولة القلعـة التـي علـى شيـراز ليمتنع فيها إلى أن يأتيه المدد فلم يمكنه أن يأتيها من ذلك وأشار عليه باللحاق بأبي علي بن أستاذ هرمز أو بالأكراد وجاءته منهم طائفة فخرج معهم بأمواله فنهبوه وسار إلى الرودمان على مرحلتين من شيراز‏.‏ وجاء أبو النصر بن بختيار إلى شيراز فقبض صاحب الرودمان على صمصام الدولة وأخذه منه أبو نصر وقتله في ذي الحجة سنة ثمان وثمانين لتسع سنين من إمارته على فارس‏.‏

استيلاء بهاء الدولة على فارس
ولما قتل صمصام الدولة وملك ابنا بختيار بلاد فارس كتبا إلى أبي علي بن أستاذ هرمز في الأهواز بأخذ الطاعة لهما من الديلم ومحاربة بهاء الدولة فخافهما أبو علي بما كان من قتله أخويهما وأغرى الديلم بطاعة بهاء الدولة وراسله واستحلفه لهم فحلف وضمـن لهـم غائلـة الأتراك الذين معه وأغراهم بثأر أخيه من ابني بختيار فدخلوا في طاعته وجاءه وفد من أعيانهم فاستوثقوا منه وكتبوا إلى من كان بالسوس منهم بذلك‏.‏ وركب بهاء الدولة إلى نائب السـوس فقاتلـوه أولاً ثـم اجتمعـوا عليـه وساروا إلى الأهواز ثم إلى رامهرمز وأرجان وملكوا سائر بلـاد خوزستان‏.‏ وسار أبو علي بن إسماعيل إلى شيراز وقاتلهما وتسرب إليه أصحاب ابني بختيـار فاستولـى علـى شيـراز سنـة تسـع وثمانيـن ولحـق أبـو نصـر بـن بختيـار ببلاد الديلم وأبو القاسم ببدر بن حسنويه ثم بالبطيحة وكتب أبو علي إلى بهاء الدولة بالفتح فجاءه وترك شيراز وأحرق قرية الرودمان حيث قتل أخوه صمصام الدولة واستأصل أهلها وبعث عسكراً مع أبي الفتح إلى جعفر بن أستاذ هرمز إلى كرمان فملكها‏.‏ ولما لحق أبو القاسم بن بختيار ببلاد الديلم كاتب من هنالك الديلـم الذيـن بكرمـان وفـارس تسلمهم فأجابوه وسار إلى بلاد فارس واجتمع عليه كثير من الزط والديلم والأتراك‏.‏ ثم سار إلـى كرمـان وبهـا أبـو جعفـر بـن أستـاذ هرمز فهزمه إلى السرجان‏.‏ ومضى ابن بختيار إلى جيرفت فملكها وأكثر كرمان وبعث بهاء الدولة الموفق بن علي بن إسماعيل في العساكر إلى جيرفت فاستأمن إليه ما كان بها من أصحاب بختيار وملكها وتجرد في جماعة من شجعان أصحابه لاتباع ابن بختيار فلحقه بدارين وقاتله فغدر به بعض أصحابه فقتله وحمل رأسه إلى الموفق واستولـى علـى بلـاد كرمـان وإسماعيـل عليها وعاد إلى بهاء الدولة فتلقاه وعظمه واستعفى الموفق من الخدمة فلم يعفه ولج الموفق في ذلك فقبض عليه بهاء الدولة وكتب إلى وزيره سابور بالقبض على ذويه ثم قتله سنة أربع وتسعين واستعمل بهاء الدولة أبا محمد مكرماً علـى عمان‏.‏

الخبر عن وزراء بهاء الدولة
قد ذكرنا أن بهاء الدولة كان استوزر أبا نصر بن سابور بن أردشير ببغداد وقبض على وزيره أبي منصور بن صالحان قبل مسيره إلى خوزستان وإن أبا الحسن بن المعلم كان يدبر دولتـه وذلـك منـذ سنـة ثمانيـن فاستولـى ابـن المعلـم علـى الأمور وانصرفت إليه الوجوه فأساء السيرة وسعى في أبي نصر خواشاده وأبي عبد الله بن طاهر فقبضهما بهاء الدولـة مرجعـه مـن خوزستان وشغب الجند وطلبوا تسليمه إليهم ولاطفهم فلم يرجعوا فقبض عليه وسلمه إليهم فقتلوه وذلك سنة اثنتين وثمانين‏.‏ ثم قبض على وزيره أبي نصر بالأهواز سنة إحدى وثمانين واستـوزر أبـا القاسـم عبد العزيز بن يوسف ثم استوزر بعده أبا القاسم علي بن أحمد وقبض عليـه سنـة اثنتيـن وثمانين لاتهامه بمداخلة الجند في أمر ابن المعلم واستوزر أبا نصر بن سابور وأبا منصور بن صالحان جميعاً‏.‏ وشغب الجند على أبي نصر ونهبوا داره سنة ثلاث وثمانين فاستعفـى رفيقـه ابن صالحان فاستوزر أبا القاسم علي بن أحمد ثم هرب وعاد أبو نصر إلى الوزارة بعد أن أصلح أمور الديلم فاستوزر مكانه الفاضل وقبض عليه سنـة سـت وثمانيـن واستـوزر أبـا نصـر سابـور بـن أردشير فبقي شهرين وفرق أموال بهاء الدولة في القواد ثم هرب إلى البطيحة فاستوزر بهاء الدولة مكانه عيسى بن ماسرجس‏.‏

ولاية العراق
كان بهاء الدولة منذ استولى على فارس سنة تسع وثمانين أقام بها وولى على خوزستان والعراق أبا جعفر الحجاج بن هرمز فنزل بغداد ولقيه عميد الدولة فساءت سيرته وفسدت أموال البلاد وعظمت الفتنة ببغداد بين الشيعة وأهل السنة وتطاول الدعار والعيارون فعزله بهاء الدولة سنة تسعين وولى مكانه أبا علي الحسن بن أستاذ هرمز ولقيه عميد الجيوش فأحسن السيرة وحسم الفتنة وحمل إلى بهاء الدولة أموالاً جليلة‏.‏ ثم ولى مكانه سنة إحدى وتسعين أبا نصر سابور وثار به الأتراك ببغداد فهرب منهم ووقعت الفتنة بين أهل الكرخ والأتراك وكان أهل السنة مع الأتراك‏.‏ ثم مشى الأعلام بينهم في الصلح فتهادنوا‏.‏

وفي سنة ثمانيـن
ابتـدأت دولة بني مروان بديار بكر بعد مقتل خالهم باد وقد مر ذكره‏.‏

وفي سنة اثنتيـن وثمانيـن
انقرضـت دولـة بنـي حمـدان بالموصـل وابتدئـت دولـة بنـي المسيـب مـن عقيب كما نذكرها‏.‏

وفي سنة أربع وثمانين
انقرضت دولة بني سامان من خراسان وابتدئت دولة بني سبكتكيـن فيهـا‏.‏

وفي سنة تسـع وثمانين
انقرضت دولة بني سامان مما وراء النهر وانقسمت بنو سبكتكيـن وملـك الخاقان ملك الترك‏.‏

وفي سنة ثمان وثمانين
ابتدأت دولة بني حسنويه الأكراد بخراسان‏.‏

وفي سنة تسـع وتسعيـن
كـان ابتـداء دولـة بنـي صالـح بـن مـرداس مـن بنـي كلـاب بحلـب كمـا نستوفي سياقة أخبارهم في دولهم منفردة كما شرطناه‏.‏

ظهور بني مزيد
وفي سنة سبـع وثمانيـن خـرج أبـو الحسـن علـي بـن مزيـد فـي قومـه بنـي أسـد ونقـض طاعـة بهـاء الدولـة فبعث إليه العساكر فهرب أمامهم وأبعد حتى امتنع عليهم‏.‏ ثم بعث في الصلح والاستقامة وراجـع الطاعـة‏.‏ ثـم رجـع إلـى انتقاضـه سنـة اثنتيـن وتسعيـن واجتمـع مع قرواش بن المقلد صاحب الموصـل وقومـه بني عقيل فحاصروا المدائن‏.‏ ثم بعث إليهم أبو جعفر الحجاج وهو نائب بغداد العساكر فدفعوهم عنها وخرج الحجاج واستنجد خفاجة فجاء من الشام وقاتل بني عقيل وبني أسد فهزموه‏.‏ ثم خرج إليهم ولقيهم بنواحي الكوفة فهزمهم وأثخن فيهم بالقتل والأسر واستبـاح ملـك بنـي مزيـد وظهـر فـي بغـداد فـي مغيـب أبـي جعفر من الفتنة والفساد والقتل والنهب مـا لا يحصـى فكـان ذلـك السبـب فـي أن بعـث بهـاء الدولة أبا علي بن جعفر أستاذ هرمز كما مر ولقيه عميد الجيوش فسكن الفتنة وأمن الناس‏.‏ ولما عزل أبو جعفر أقام بنواحي الكوفة وارتاب به أبو علي فجمع الديلم والأتراك وخفاجة وصار إليه واقتتلوا بالنعمانية وذلك سنة ثلاث وتسعين فانهزم أبو جعفر وسار أبو علي إلى خوزستـان ثـم إلـى السـوس فعـاد أبـو جعفر إلى الكوفة ورجع أبو علي في اتباعه فلم تزل الفتنة بينهمـا وكـل واحـد منهما يستنجد ببني عقيل وبني أسد وخفاجة حتى أرسل بهاء الدولة عن أبي علي وبعثه إلى البطيحة لفتنة بني واصل كما نذكره في دولتهم‏.‏ ولما كانت سنة سبع وتسعين جمع أبو جعفر وسار لحصار بغداد وأمده ابن حسنويه أمير الأكـراد وذلـك أن عميـد الجيوش ولى على طريق خراسان أبا الفضل بن عنان وكان عدو البدر بن حسنويه فارتاب لذلك واستدعى أبا جعفر وجمع له جموعاً من أمراء الأكراد منهم هندي بـن سعـد وأبـو عيسـى شـادي بـن محمـد ورزام بـن محمـد‏.‏ وكـان أبو الحسن علي بن مزيد الأسدي انصرف عن بهاء الدولة مغاضباً له فسار معهم وكانوا عشرة آلاف وحاصروا بغداد وبها أبو الفتـح بـن عنـان شهـراً‏.‏ ثـم جاءهـم الخبـر بانهـزام ابـن واصـل بالبطيحـة الـذي سـار عميـد الجيـوش إليه فافترقوا وعاد ابن مزيد إلى بلده وسار أبو جعفر إلى حلوان وأرسل بهاء الدولة في الطاعة وحضر عنده بتستر فأعرض عنه رغباً لعميد الجيوش‏.‏

فتنة بني مزيد وبني دبيس
كـان أبـو الغنائـم محمد بن مزيد مقيماً عند أصهاره بني دبيس في جزيرتهم بخوزستان فقتل أبو الغنائم بعض رجالاتهم ولحق بأخيه أبي الحسن فانحدر أبـو الحسـن إليهـم فـي ألفـي فـارس واستمد عميد الجيوش فأمده بعسكر مـن الديلـم ولقيهـم فانهـزم أبـو الحسـن وقتـل أخـوه أبـو الغنائم‏.‏

ظهور دعوة العلوية بالكوفة والموصل
وفـي أول المائـة الخامسـة خطـب قـرواش بـن المقلـد أميـر بنـي عقيل لصاحب مصر الحاكم العلوي في جميـع أعمالـه‏:‏ وهـي الموصـل والأنبـار والمدائـن والكوفـة فبعث القادر القاضي أبا بكر الباقلاني إلى بهاء الدولة يعرفه فأكرمه وكتب إلى عميد الجيوش بمحاورة قرواش وأطلق له مائة ألف دينار يستعيـن بهـا‏.‏ وسـار عميـد الجيوش لذلك فراجع قرواش الطاعة وقطع خطبة العلويين وكان ذلك داعياً في كتابة المحضر بالطعن في نسب العلويـة بمصـر شهـد فيـه الرضـي والمرتضـى وابـن البطحاوي وابن الأزرق والزكي وأبو يعلى عمر بن محمد ومن العلماء والقضاة ابن الأكفاني وابن الجـزري وأبـو العبـاس الأبيـوردي وأبـو حامد الإسفرايني والكستلي والقدوري والصهيري وأبو عبد الله البيضاوي وأبو الفضل النسوي وأبو عبد الله النعمان فقيه الشيعة‏.‏ ثم كتب ببغداد محضر آخـر بمثـل ذلـك سنـة أربـع وأربعين وزيد فيه انتسابهم إلى الديصانية من المجوس وبني القداح من اليهود وكتب فيه العلوية والعباسية والفقهاء والقضاة وعملت به نسخ وبعث بها إلى البلاد‏.‏

وفاة عميد الجيوش وولاية فخر الملك
كـان عميـد الجيـوش أبـو علـي بـن أبـي جعفر أستاذ هرمز وكان أبو جعفر هذا من حجاب عضد الدولـة وجعـل ابنـه أبـا علـي فـي خدمـة ابـن صمصـام الدولـة‏.‏ فلمـا قتـل رجـع إلى خدمة بهاء الدولة ولمـا استولـى الخـراب علـى بغـداد وظهـر العيارون بعثه بهاء الدولة عليها فأصلحها وقمع المفسدين ومات لثمان سنين ونصف من ولايته إلى أول المائة الخامسة‏.‏ وولى بهاء الدولة مكانه بالعراق فخر الملك أبا غالب فوصل بغداد وأحسن السياسة واستقامت الأمور به واتفق لأول قدومه وفاة أبي الفتح محمد بن عنان صاحب طريق خراسان بحلوان لعشرين سنة من إمارته وكان كثيـر الأجلـاب علـى بغـداد‏.‏ فلمـا توفـي ولـي ابنـه أبـو الشـوك وقام مقامه فبعث فخر الملك العساكر لقتاله فهزموه إلى حلوان‏.‏ ثم راجع الطاعة وأصلح حاله‏.‏

مقتل فخر الملك وولاية ابن سهلان
كان فخر الملك أبو غالب من أعظم وزراء بني بويه وولي نيابة بغداد لسلطان الدولة خمس سنيـن وأربعـة أشهـر‏.‏ ثـم قبـض عليـه وقتلـه في ربيع سنة ست وأربعمائة وولى مكانه أبا محمد الحسـن بـن سهلـان ولقبـه عميـد أصحـاب الجيوش‏.‏ وسار سنة تسع إلى بغداد وجرد من الطريق مع طراد بن دبيـس الأسـدي فـي طلـب مهـارش ومضـر ابنـي دبيـس وكـان مضـر قـد قبـض عليـه قديمـاً بأمر فخر الملك فأراد أن يأخذ جزيرة بني أسد منه ويوليها طراداً فساروا عن المدار واتبعهم ولحق الحسن بن دبيس آخرهم فأوقع به واستباحه‏.‏ ثم استأمن له مضر ومهارش فأمنهما وأشرك معهما طراداً في الجزيرة ورجع وأنكر عليه سلطان الدولة فعله ووصل إلى واسط والفتنة قائمة فأصلحها‏.‏ ثم بلغه اشتداد الفتن ببغداد فسار وأصلحها وكان أمر الديلم قد ضعف ببغداد وخرجوا إلى واسط‏.‏

الفتنة بين سلطان الدولة وأخيه أبي الفوارس
قـد ذكرنـا أن سلطـان الدولـة لمـا ملـك بعـد أبيه بهاء الدولة ولى أخاه أبا الفوارس على كرمان فلما سـار إليهـا اجتمـع إليـه الديلـم وحملـوه علـى الانتقـاض وانتـزاع الملـك مـن يـد أخيه فسار سنة ثمان إلى شيراز‏.‏ ثم سار منها ولقيه سلطان الدولة فهزمه وعاد إلى كرمـان واتبعـه سلطـان الدولـة فخـرج هاربـاً مـن كرمـان ولحق محمود بن سبكتكين مستنجداً به فأكرمه وأمده بالعساكر وعليهم أبـو سعيـد الطائـي مـن أعيـان قواده فسار إلى كرمان وملكها ثم إلى شيراز كذلك وعاد سلطان الدولة لحربه فهزمه وأخرجه من بلاد فارس إلى كرمان وبعث الجيوش في أثره فانتزعوا كرمان منه‏.‏ ولحق بشمس الدولة بن فخر الدولة بن بويه صاحب همذان وترك ابن سبكتكين لأنه أساء معاملة قائده أبي سعيد الطائي‏.‏ ثم فارق شمس الدولة إلى مهذب الدولة صاحب البطيحة فأكرمه وبعث إليه أخوه جلال الدولة من البصرة مالاً وثياباً وعرض عليه المسير إليه فأبى وأرسل أخاه سلطان الدولة في المراجعة وأعاده إلى ولاية كرمان وقبض سلطان الدولة سنة تسع على وزير بن فانجس وإخوته وولى مكانه أبا غالب الحسن بن منصور‏.‏

خروج الترك من الصين
وفي سنة ثمـان وأربعيـن خرجـت مـن المفـازة التـي بين الصين وما وراء النهر أمم عظيمة من الترك تزيـد على ثلاثمائة ألف خيمة ويسمون الخيمة جذكان ويتخذونها من الجلود‏.‏ وكان معظمهم من الخطـا قـد ظهـروا فـي ملـك تركستـان فمـرض ملكهـا طغـان فسـاروا إليهـا وعاثـوا فيهـا‏.‏ ثم أبل طغان واستنفر المسلمين من جميع النواحي وسار إليهم في مائة وعشرين ألفاً فهزموا أمامه واتبعهم مسيـرة ثلاثـة أشهـر ثـم كبسهم فقتل منهم نحواً من مائتي ألف وأسر مائة ألف وغنم من الدواب والبيوت وأواني الذهب والفضة من معمول الصين ما لا يعبر عنه‏.‏ ملك مشرف الدولة وغلبه على سلطان الدولة لـم يـزل سلطـان الدولـة ثابـت القـدم فـي ملكـه بالعـراق إلـى سنـة إحـدى عشـرة وأربعمائـة فشغـب عليـه الجنـد ونـادوا بشعـار أخيـه مشـرف الدولـة فأشير عليه بحبسه فعف عن ذلك وأراد الانحدار إلى واسط فطلبه الجند في الاستخلاف فاستخلف أخاه مشرف الدولة على العراق وسار إلى الأهواز فلما بلغ تستر استوزر سهلان وقد كان اتفق مع أخيه مشرف أول الدولة الوزير ابن سهلـان أن لا يستـوزره فاستوحـش لذلـك مشـرف الدولـة وبعث سلطان الدولة الوزير ابن سهلان ليخرجه من العراق فجمع أتراك واسط وأبا الأغردبيس بن علي بن مزيد ولقي ابن سهلان عند واسط فهزمه وحاصره بها حتى اشتد حصاره وجهده الحصار فصالحه ونـزل وسار الديلم الذين بواسط في خدمته وسار أخوه جلال الدولة أبو طاهر صاحب بصرة إلى وفاقه وخطب له ببغداد وقبض على ابن سهلان وكحله‏.‏ وسار سلطان الدولة إلى أزجان‏.‏ ثـم رجـع إلـى الأهـواز وثار عليه الأتراك الذين هنالك ودعوا بشعار مشرف الدولة وخرجوا إلى السابلـة فأفسدوهـا‏.‏ وعـاد مشـرف الدولـة إلـى بغـداد فخطـب لـه بهـا سنـة اثنتـي عشـرة وطلب منه الديلـم أن ينحدروا إلى بيوتهم بخوزستان فبعث معهم وزيره أبا غالب فلما وصلوا إلى الأهواز انتقضوا ونادوا بشعار سلطان الدولة وقتلوا أبا غالب لسنة ونصف من وزارته‏.‏ ولحق الأتراك الذين كانوا معه اطراد بن دبيس بالجزيرة‏.‏ وبلغ سلطان الدولة قتل أبي غالب وافتراق الديلم فأنفذ ابنه أبا كاليجار إلى الأهواز وملكها‏.‏ ثم وقع الصلح بينهما على يد أبي محمد بن أبي مكرم ومؤيد الملك الرخجي علـى أن تكـون العـراق لمشـرف الدولـة وفـارس وكرمـان لسلطـان الدولة‏.‏ واستوزر مشرف الدولة أبا الحسين بن الحسن الرخجي ولقبه مؤيد الملك بعد قتل أبي غالب ومصـادرة ابنـه أبـي العبـاس‏.‏ ثـم قبـض عليـه سنة أربع عشرة بعد حول من وزارته بسعاية الأثير الخـادم فيـه واستـوزر مكانـه أبـا القاسـم الحسيـن بن علي بن الحسن المغربي كان أبوه من أصحاب سيـف الدولـة بـن حمدان وهرب إلى مصر وخدم الحاكم فقتله وهرب ابنه أبو القاسم هذا إلى الشام وحمل حسان بن الفرج بن الجراح الطائي على نقض طاعة الحاكم والبيعة لأبي الفتوح الحسـن بـن جعفـر العلـوي أميـر مكـة فاستقدمـه إلـى الرملة وبايعه‏.‏ ثم خالفه وعاد إلى مكة وقصد أبو القاسم العراق واتصل بالوزير فخر الملك وأمره القادر بإبعاده فلحق قرواش أمير الموصل وكتـب لـه ثـم عـاد إلـى العـراق وتنقلـت بـه الحال إلى أن وزر بعد مؤيد الملك الرخجي وكان خبيثاً محتـالاً حسوداً‏.‏ ثم قدم مشرف الدولة إلى بغداد سنة أربع عشرة ولقيه القادر ولم يلق أحداً قبله‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:00 AM

الخبر عن وحشة الأكراد وفتنة الكوفة
كان الأثيـر عنبـر الخـادم مستوليـاً فـي دولـة مشـرف الدولـة الوزيـر أبـي القاسـم المغربـي عديلـه فـي حملهـا فنقم الأتراك عليهما وطلب من مشرف الدولة الخراج من بغداد خوفاً على أنفسهما فخـرج معهمـا غضبـاً علـى الأتـراك ونزلـوا علـى قـرواش بالسندية‏.‏ واستعظم الأتراك ذلك وبعثوا بالاعتـذار والرغبـة‏.‏ وقـال أبـو القاسـم المغربـي دخل بغداد إنما هو أربعمائة ألف وخرجها ستمائة فاتركوا مائة واحتمل مائة فأجابوه إلى ذلك خداعاً‏.‏ وشعر بوصولهم فهرب لعشرة أشهر من وزارته‏.‏ ثـم كانـت فتنـة بالكوفـة بيـن العلويـة والعباسيـة وكـان لأبـي القاسم المغربي صهر وصداقة في العلوية فاستدعى العباسيون المغربي عليهم فلم يعدهم لمكان المغربي‏.‏ وأمرهم بالصلح فرجعوا إلى الكوفة واستمد كل واحد منهم خفاجة فأمدوهـم وافترقـوا عليهـم واقتتـل العلويـة والعباسيـة فغلبهم العلوية ولحقوا ببغداد ومنعوا الخطبة يوم الجمعة وقتلوا بعض قرابة العلوية الذين بالكوفة فعهد القادر للمرتضي أن يصرف أبا الحسن علي بن أبي طالب ابن عمر عن نقابة الكوفة ويردهـا إلـى المختـار صاحـب العباسية‏.‏ وبلغ ذلك المغربي عند قرواش بسر من رأى فشرع في إرغام القادر‏.‏ وبعث القادر إلى قرواش يطرده فلحق بابن مروان في ديار بكر‏.‏

وفاة شرف الدولة وولاية أخيه جلال الدولة
ثم توفي مشـرف الدولـة أبـو علـي بـن بهـاء الدولـة سنـة سـت عشـرة فـي ربيـع لخمـس سنيـن مـن ملكـه وولي مكانه بالعراق أخوه أبو طاهر جلال الدولة صاحب البصرة وخطب له ببغداد واستقدم فبلغ واسط‏.‏ ثم عاد إلى البصرة فقطعت خطبته وخطب ببغداد في شوال لابن أخيه أبي كاليجار بن سلطان الدولة وهو بخوزستان يحارب عمه أبا الفوارس صاحب كرمان‏.‏ وسمع جلال الدولة بذلك فبادر إلى بغداد ومعه وزيره أبو سعد بن ماكولا‏.‏ ولقيه عسكرها فردوه أقبـح رد ونهبـوا خزائنـه فعـاد إلى البصرة واستحثوا أبا كاليجار فتباطأ لشغله بحرب عمه وسار إلـى كرمـان لقتـال عمـه فملكهـا واعتصم عمه بالجبال‏.‏ ثم تراسلا واصطلحا على أن تبقى كرمان لأبي الفوارس وتكون بلاد فارس لأبي كاليجار‏.‏

قدوم جلال الدولة إلى بغداد
ولما رأى الأتراك اختلال الأحوال وضعف الدولة بفتنة العامة وتسلط العرب والأكراد بحصـار بغداد وطمعهم فيها وأنهم بقوا فوضى وندموا على ما كان منهم في رد جلال الدولة اجتمعوا إلـى الخليفـة يرغبـون إليـه أن يحضـر جلـال الدولـة من البصرة ليقيم أمر الدولة فبعث إليه القاضي أبا جعفـر السمنانـي بالعهـد عليـه وعلـى القـواد فسـار جلـال الدولـة إلـى بغداد في جمادى من سنة ثمان عشرة‏.‏ وركب الخليفة في الطيار لتلقيه فدخل ونزل التجيبي وأمر بضرب الطبل في أوقات الصلوات‏.‏ ومنعه الخليفة من ذلك فقطعه مغاضباً‏.‏ ثم أذن له الخليفة فيه فأعاده وأرسل مؤيد الملك أبا علي الرخجي إلى الأثير عنبر الخادم عند قرواش يستدعيه يعتذر عن الأتراك‏.‏ ثم شغب الأتراك عليه سنة تسع عشرة وحاصروه بداره وطلبوا من الوزير أبي علي بن ماكولا أرزاقهم ونهبوا دوره ودور الكتاب والحواشي‏.‏ وبعث القادر من أصلح بينهـم وبينـه فسكـن شغبهـم‏.‏ ثم خالفوا أبا كاليجار بن سلطان الدولة إلى البصرة فملكها ثم ملك كرمان بعد وفاة صاحبهـا قـوام الدولـة أبـي الفـوارس ابـن بهـاء الدولـة كمـا نذكـر فـي أخبارهـم فـي دولتهـم عنـد إفرادها بالذكر فنستوفي أخبارهم ودول سائـر بنـي بويـه وبنـي وشمكيـر وبنـي المرزبـان وغيرهـم مـن الديلـم فـي النواحي‏.‏

مسير جلال الدولة إلى الأهواز
كـان نور الدولة دبيس بن علي بن مزيد صاحب الحلة ولم تكن الحلة يومئذ بمدينة قد خطب لأبي كاليجار لمضايقة المقلد بن أبي الأغر الحسن بن مزيد وجمع عليه منيعاً أمير بني خفاجة وعساكر بغداد فخطب هو لأبي كاليجار واستدعاه لملك واسط وبها الملك العزيز ابن جلال الدولة فلحق بالنعمانية وتركها وضيق عليه نور الدولة من كل جهة فتفرق ناس من أصحابه وهلـك الكثيـر مـن أثقالـه‏.‏ واستولى أبو كاليجار على واسط ثم خطب له في البطيحة وأرسل إلـى قـرواش صاحـب الموصـل وعنـده الأثيـر عنبـر يستدعيهمـا إلـى بغداد فانحدر عنبر إلى الكحيل ومـات بـه‏.‏ وقعـد قـرواش وجمـع جلـال الدولـة عساكـره ببغـداد واستمد أبا الشوك وغيره وانحدر إلى واسط وأقام هنالك من غير قتال وضاقت عليه الأحوال‏.‏ واعتزم أبو كاليجار علـى مخالفتـه إلـى بغـداد وجـاءه كتـاب أبـي الشـوك بزحف عساكر محمود بن سبكتكين إلى العراق ويشير بالصلح والاجتماع لمدافعتهم فأنفذ أبو كاليجار الكتاب‏.‏ لجلـال الدولـة فلـم ينتـه عـن قصـده ودخـل الأهـواز فنهبهـا وأخـذ مـن دار الإمـارة مائتي ألف دينار‏.‏ واستباح العرب والأكراد سائر البلد وحمل حريم كاليجار إلى بغداد سبياً فماتت أمه في الطريق‏.‏ وسار أبو كاليجار لاعتراض جلـال الدولـة وتخلـف عنـه دبيـس لدفـع خفاجـة عـن أصحابـه واقتتلوا في ربيع سنة إحدى وعشرين ثلاثة أيام فانهزم أبو كاليجار وقتل من أصحابه ألفان‏.‏ ودبيس لما فارق أبا كاليجار وصل إلى بلده وجمع إليه جماعة من قومه وكانوا منتقضين عليه بالجامعيـن فأوقـع بهـم وحبـس منهـم وردهـم إلـى وفاقـه‏.‏ ثـم لقـي المقلـد بـن أبي الأغر وعساكر جلال الدولة فانهزم أمامهم وأسر جماعة من أصحابه وسار منهزماً إلى أبي سنان غريب ابن مكين فأصلح حاله مع جلال الدولة وأعاده إلى ولايته على ضمان عشرة آلاف دينار وسمع بذلك المقلـد فجمـع خفاجـة ونهبـوا النيـل وسـورا وأحرقـوا منازلهـا‏.‏ ثم عبر المقلد إلى أبي الشوك فأصلح أمـره مـع جلـال الدولـة‏.‏ ثـم بعـث جلـال الدولة سنة إحدى وعشرين عسكره إلى المدار فملكها من يد أصحاب أبي كاليجار واستباحوها وبعث أبو كاليجار عسكره لمدافعتهم فهزموهم وثار أهل البلد بهم فقتلوهم ولحق من نجا منهم بواسط وعادت المدار إلى أبي كاليجار‏.‏ لما استولى جلال الدولة على واسط نزل بها ولده وبعث وزيره أبا علي بن ماكولا إلى البطائح فملكهـا‏.‏ ثـم بعثـه إلى البصرة وبها أبو منصور بختيار بن علي من قبل أبي كاليجار فسار في السفـن وعليهـم أبـو عبـد اللـه الشرابي صاحب البطيحة فلقي بختيار وهزمه‏.‏ ثم سار الوزير أبو علـي فـي أثـره فـي السفـن فهزمه بختيار‏.‏ وسيق إليه أسيراً فأكرمه وبعثه إلى أبي كاليجار فأقام عنـده وقتله غلمانه خوفاً منه لقبيح منه اطلع عليه‏.‏ وكان قد أحدث في ولايته رسوماً جائرةً ومكوساً فاضحةً‏.‏ ولما أصيب الوزير أبو علي بعث جلال الدولة من كان عنده من جنـد البصـرة فقاتلوا عسكر أبي كاليجار وهزموهم وملكوا البصرة ونجا من كان بها إلى أبي منصور بختيار بالابلة‏.‏ وبعث السفن لقتاله من بالبصرة فظفر بهم أصحاب جلال الدولة فسار بختيار بنفسه وقاتلهم وانهزم وقتل وأخذ كثير من السفهاء‏.‏ وعزم الأتراك بالبصرة على المسير إلى الابلة وطلبوا المال من العامل فاختلفوا وتنازعوا وافترقوا ورجع صاحب البطيحة واستأمن آخرون إلى أبي الفرج بن مسافجس وزير أبي كاليجار‏.‏ وجـاء إلـى البصـرة فملكهـا‏.‏ ثـم توفـي بختيـار نائـب الملـك أبـي كاليجار في البصرة وقام بعده صهره أبـو القاسـم بطاعـة أبي كاليجار في البصرة‏.‏ ثم استوحش وانتقض وبعث بالطاعة لجلال الدولة وخطب له وبعث إلى ابنه العزيز بواسط يستدعيه فسار إليه وأخرج عساكر أبي كاليجار وأقام معه إلى سنة خمس وعشرين حكم لأبي القاسم‏.‏ ثم أغراه الديلم به وأنه يتغلب عليه فأخرجه العزيز وامتنع بالابلة وحاربهم أياماً وأخرج العزيز عن البصرة ولحق بواسط وعاد أبو القاسم إلى طاعة أبي كاليجار‏.‏

وفاة القادر ونصب القائم
ثم توفي القادر بالله سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة لإحدى وعشرين سنة وأربعة أشهر من خلافته وكانت الخلافة قبلها قد ذهب رونقها بجسارة الديلم والأتراك عليها فأعاد إليها أبهتها وجـدد ناموسهـا وكـان لـه فـي قلـوب النـاس هيبـة‏.‏ ولمـا توفـي نصـب للخلافـة ابنـه أبـو جعفـر عبد الله وقد كان أبوه بايع له بالعهد في السنة قبلها لمرض طرقه وأرجف الناس بموتـه فبويـع الـآن واستقرت له الخلافة ولقب القائم بأمر الله‏.‏ وأول من بايعه الشريف المرتضى‏.‏ وبعث القاضي أبا الحسن الماوردي إلى أبي كاليجار ليأخذ يه البيعة ويخطب له في بلاده فأجاب وبعث بالهدايا ووقعت لأول بيعته فتنة بين أهل السنة والشيعة وعظم الهرج والنهب والقتل وخربت فيها أسواق وقتل كثير من جباة المكوس‏.‏ وأصيب أهل الكرخ وتطـرق الدعـار إلـى كبـس المنازل ليلاً وتنادى الجند بكراهية جلال الدولة وقطع خطبته‏.‏ ولم يجبهم القائـم إلـى ذلـك وفـرق جلـال الدولـة فيهـم الأمـوال فسكنـوا وقعـد في بيته وأخرج دوابه من الاصطبل وأطلقها بغير سائس ولا حافظ لقلة العلف‏.‏ وطلب الأتراك منه أن يحملهم في كل وقت فأطلقهـا وكانـت خمسة عشر وفقد الجاري فطرد الطواشي والحواشي والأتباع وأغلق باب داره والفتنة تتزايد إلى آخر السنة‏.‏ وثوب الجند بجلال الدولة وخروجه من بغداد ثم جاء الأتراك سنة ست وعشرين إلى جلال الدولة فنهبوا داره وكتبه ودواوينه وطلبوا الوزير أبا إسحاق السهيلي فهرب إلى حلة غريب بن مكين وخرج جلال الدولة إلى عكبرا وخطبوا ببغداد لأبي كاليجار وهو بالأهواز واستقدموه فأشار عليه بعض أصحابه بالامتناع فاعتذر إليهـم فأعادوا جلال الدولة‏.‏ وساروا إليه معتذرين وأعادوه بعد ثلاثة وأربعين يوماً‏.‏ واستوزر أبـا القاسـم بـن ماكولا ثم عزله واستوزر عميد الملك أبا سعيد عبد الرحيم‏.‏ ثم أمره بمصادرة أبـي المعمـر بـن الحسيـن البساسيـري فاعتقلـه فـي داره وجـاء الأتـراك لمنعـه فضربـوا الوزيـر ومزقوا ثيابه وأدموه‏.‏ وركب جلال الدولة فأطفأ الفتنة وأخذ من البساسيري ألف دينار وأطلقه واختفى الوزير‏.‏ ثم شغب الجند ثانياً في رمضان أنكروا تقديم الوزير أبي القاسم من غير علمهم وأنه يريد التعرض لأموالهم فوثبوا به ونهبوا داره وأخرجوه إلى مسجد هالك فوكلوا به فوثب العامة مع بعض القواد من أصحابه فأطلقوه وأعادوه إلى داره وذهب هو في الليـل إلـى الكـرخ بحرمـه ووزيـره أبـو القاسـم معه‏.‏ واختلف الجند في أمره وأرسلوا إليه بأن يملكوا بعض أولاده الأصاغر وينحدر هو إلى واسط وهو في خلال ذلك يستميلهم حتى فرق جماعتهم وجاء الكثير إليه فأعادوه إلى داره واستخلف البساسيـري فـي جماعـة للجانـب الغربـي سنـة خمـس وعشريـن لاشتداد أمر العيارين ببغداد وكثرة الهرج وكفايته هو ونهضته‏.‏ ثـم عـاد أمـر الخلافـة والسلطنـة إلـى أن اضمحـل وتلاشـى وخـرج بعض الجند إلى قرية فلقيهم أكراد وأخذوا دوابهم وجاؤوا إلى بستان القائم فتعللوا على عماله بأنهم لا يدافعوا عنهم ونهبوا ثمرة البستان وعجز جلال الدولة من عتاب الأكراد وعقاب الجند وسخط القائم أمره وتقدم إلى القضاة والشهود والفقهاء بتعطيل المراتب الدينية فرغب جلال الدولة من الجند أن يحملهم إلى ديوان الخلافة فحملوا وأطلقوا وعظم أمر العيارين وصاروا في حماية الجند وانتشر العرب في النواحي فنهبوها وافسدوا السابلة وبلغوا جامع المنصور من البلد وسلبوا النساء في المقبرة‏.‏ ولحق الوزير أبو سعيد وزير جلال الدولة بأبي الشوك مفارقاً للوزارة ووزر بعده أبا القاسم فكثـرت مطالبـات الجنـد عليـه فهرب وأخذه الجند وجاؤوا به إلى دار الملك حاسراً عارياً إلا من قميـص خلـق وذلـك لشهريـن مـن وزارتـه‏.‏ وعـاد سعيـد بـن عبـد الرحيـم إلى الوزارة‏.‏ ثم ثار الجند سنة سبع وعشرين بجلـال الدولـة وأخرجـوه مـن بغـداد بعـد أن استمهلهـم ثلاثـاً فأبـوا ورمـوه بالحجـارة فأصابـوه ومضى إلى دار المرتضى بالكرخ‏.‏ وسار منها إلى رافع بن الحسين بن مكن بتكريت ونهب الأتراك داره وقلعوا أبوابها ثم أصلح القائم شأنه مع الجند وأعاده وقبض على وزيره أبي سعيد بن عبد الرحيم وهي وزارته السادسة‏.‏ وفي هذه السنة نهى القائم عن التعامل بالدنانير المعزية وتقدم إلى الشهود أن لا يذكروها في كتب التعامل‏.‏

الصلح بين جلال الدولة وأبي كاليجار
ترددت الرسل سنة ثمان وعشرين بين جلال الدولة وابن أخيه أبي كاليجار حتى انعقد بينهما الصلح على يد القاضي أبي الحسن الماوردي وأبي عبد الله المردوسني واستحلف كل واحد منهمـا للآخـر وأظهـر جلـال الدولـة سنة تسع وعشرين من القائم الخطاب بملك الملوك فرد ذلك إلى الفتيـا وأجـازه القاضـي أبـو الطيـب الطبـري والقاضـي أبـو عبـد اللـه الصهيـري والقاضـي ابـن البيضاوي وأبو القاسـم الكرخـي ومنـع منـه القاضـي أبـو الحسـن المـاوردي ورد عليهـم فأخـذ بفتواهم وخطب له بملك الملوك‏.‏ وكان الماوردي أخص الناس بجلال الدولة وكان يتردد إليه‏.‏ ثم انقطع عنه بهذه الفتيا ولزم بيته من رمضان إلى النحر فاستدعاه جلـال الدولـة وحضـر خائفاً وشكره على القول بالحق وعدم المحاباة وقد عدت إلى ما تحب فشكره ودعا له وأذن للحاضرين بالانصراف معه وكان الإذن لهم تبعاً له‏.‏

استيلاء أبي كاليجار على البصرة
وفي سنة إحدى وثلاثين بعث أبو كاليجار عساكره إلى البصرة مع العادل أبي منصور ابن مسافنة وكانت في ولاية الظهير أبي القاسم وليها بعد بختيار انتقض عليه مرة ثم عاد وكان يحمـل إلـى أبـي كاليجـار كـل سنـة سبعين ألف دينار وكثرت أمواله ودامت دولته‏.‏ ثم تعرض ملا الحسيـن بـن أبـي القاسـم بـن مكـرم صاحـب عمـان فكاتب أبا كاليجار وضمن البصرة بزيادة ثلاثين ألف دينار وبعث أبو كاليجار العساكر مع ابن مسافية كما ذكرنا‏.‏ وجاء المدد من عمان إلى البصرة وملكوها وقبض على الظهير أبي القاسم وأخـذت أموالـه وصـودر علـى مائتـي ألـف دينـار فأعطاهـا‏.‏ وجـاء الملك أبو كاليجار البصرة فأقام بها أياماً وولى فيها ابنه عز الملوك ومعه الوزير أبو الفرج بن فسانجس ثم عاد إلى الأهواز وحمل معه الظهر‏.‏ ثم شغب الأتراك على جلال الدولة سنة اثنتيـن وثلاثيـن وخيمـوا بظاهـر البلـد ونهبـوا منهـا مواضع‏.‏ وخيم جلال الدولة بالجانب الغربي وأراد الرحيل عن بغداد فمنعه أصحابه فاستمد دبيس بن مزيد وقرواشاً صاحب الموصل فأمدوه بالعساكر‏.‏ ثم صلحت الأحوال بينهم وعاد إلى داره وطمع الأتراك وكثر نهبهم وتعديهم وفسدت الأمور بالكلية‏.‏

دولة السلجوقية
ابتداء دولة السلجوقية قـد تقـدم لنـا أن أمـم التـرك فـي الربـع الشرقـي الشمالـي مـن المعمـور‏:‏ مـا بين الصين إلى تركستان إلى خوارزم والشاش وفرغانة وما وراء النهر بخارى وسمرقند وترمذ وإن المسلمين أزاحوهـم أول الملة عن بلاد ما وراء النهر وغلبوهم عليها وبقيت تركستان وكاشغر والشاش وفرغانة بأيديهم يؤدون عليها الجزاء‏.‏ ثم أسلموا عليها فكان لهم بتركستان ملك ودولة نذكرها فيما بعد فإن استفحالهـا كـان فـي دولـة بنـي سامـان جيرانهـم فيمـا وراء النهـر وكـان فـي المفازة بين تركستان وبلاد الصين أمم من الترك لا يحصيهم إلا خالقهم لاتساع هذه المفازة وبعد أقطارها فإنها فيما يقال مسيرة شهر من كل جهة فكان هنالك أحياء بادون منتجعون رجالة غذاؤهم اللحوم والألبان والـذرة فـي بعـض الأحيـان ومراكبهـم الخيـل ومنهـا كسبهـم وعليهـا قيامهم وعلى الشاء والبقر من بين وكان من أممهم الغز والخطا والتتر وقد تقدم ذكر هؤلاء الشعوب‏.‏ فلما انتهت دولة ملوك تركستان وكان شغر إلى غايتها وأخذت في الاضمحلال والتلاشي كما هو شأن الدول وطبيعتهـا تقـدم هـؤلاء إلـى بلـاد تركستـان فأجلبـوا عليها بما كان غالب معاشهم في تخطف الناس من السبل وتناول الرزق بالرماح شأن أهل القفر البادين وأقاموا بمفازة بخارى‏.‏ ثم انقرضت دولة بني سامان ودولة أهل تركستان‏.‏ واستولى محمود بن سبكتكين من قواد بني سامان وصنائعهم على ذلك كله‏.‏ وعبر بعض الأيام إلى بخارى فحضر عنده أرسلـان بـن سلجـوق فقبـض عليـه وبعـث بـه إلـى بلـاد الهنـد فحبسه وسار إلى أحيائه فاستباحها ولحق بخراسان وسارت العساكر في اتباعهم فلحقوا بأصبهان وهم صاحبها علاء الدولة ابن كالويه بالغدر بهم وشعروا بذلك فقاتلوه بأصبهان فغلبهم فانصرفوا إلى أذربيجان فقاتلهم صاحبها وهشودان من بني المرزبان‏.‏ وكانوا لما قصدوا أصبهان بقي فلهم بنواحـي خـوارزم فعاثـوا فـي البلـاد وخـرج إليهـم صاحـب طـوس وقاتلهـم‏.‏ وجـاء محمود بن سبكتكين فسار فـي اتباعهـم مـن رستـاق إلـى جرجـان ورجع عنهم ثم استأمنوا فاستخدمهم وتقدمهم يغمر وأنزل ابنه بالري‏.‏ ثم مات محمود وولي أخوه مسعـود وشغـل بحـروب الهنـد فانتقضـوا وبعـث إليهـم قائـداً فـي العساكر وكانوا يسمون العراقية وأمراؤهم يومئذ كوكاش ومرقاوكول ويغمر وباصعكي ووصلـوا إلى الدامغان فاستباحوها ثم سمنان ثم عاثوا في أعمال الري واجتمع صاحـب طبرستـان وصاحب الري مع قائد مسعود وقاتلوهم فهزمهم الغـز وفتكـوا فيهـم وقصـدوا الـري فملكـوه وهرب صاحبه إلى بعض قلاعه فتحصن بها وذلك سنة ست وعشرين وأربعمائة‏.‏ واستألفهـم عـلاء الدولـة بن كالويه ليدافع بهم ابن سبكتكين فأجابوه أولاً ثم انتقضوا‏.‏ وأما الذين قصدوا أذربيجان منهم ومقدموهم بوقا وكوكباش ومنصور ودانا فاستألفهم وهشودان ليستظهر بهـم فلـم يحصـل علـى بغيتـه مـن ذلك‏.‏ وساروا إلى مراغة سنة تسع وعشرين فاستباحوها ونالوا من الأكراد الهديانية فحاربوهم وغلبوهم وافترقوا فرقتين فرجع بوقا إلى أصحابهم الذين بالري وسـار منصـور وكوكبـاش إلـى همـدان وبها أبو كاليجار بن علاء الدولة بن كالويه فظاهرهم على حصاره متى خسرو بن مجد الدولة‏.‏ فلما جهد الحصار لحق بأصبهان وترك البلد فدخلوها واستباحوها وفعلوا في الكرخ مثل ذلك وحاصروا قزوين حتى أطاعوهم وبذلوا لهم سبعة آلاف دينار‏.‏ وسار طائفة منهم إلى بلد الأرمن فاستباحوها وأثخنوا فيها ورجعوا إلى أرمينية‏.‏ ثم رجعوا من الري إلى حصار همذان فتركها أبو كاليجار وملكوها سنة ثلاثين ومعهم متى خسـرو المذكـور فاستباحـوا تلك النواحي إلى استراباذ وقاتلهم أبو الفتح بن أبي الشوك صاحب الدينور فهزمهم وأسر منهم وصالحوه على إطلاق أسراهم‏.‏ ثم مكروا بأبي كاليجار أن يكون معهم ويدبر أمرهم وغدروا به ونهبوه‏.‏ وخر علاء الدولة من أصبهان فلقي طائفة منهم فأوقع بهـم وأثخن فيهم وأوقع وهشودان بمن كان منهم في أذربيجان وظفر بهم الأكراد وأثخنوا فيهم وفرقوا جماعتهم‏.‏ ثم توفي كول أمير الفرق التي بالري وكانوا لما أجازوا من وراء النهر إلى خراسان بقي بمواطنهم الأولى هنالك طغرلبك بن ميكاييل بن سلجـوق وإخوتـه داود وسعـدان ونيـال وهمفـري فخرجـوا إلـى خراسـان من بعدهم وكانوا أشد منهم شوكة وأقوى عليهم سلطاناً فسار نيـال أخـو طغرلبـك إلـى الـري فهربـوا إلـى أذربيجـان ثم إلى جزيرة ابن عمر وفي ديار بكر‏.‏ ومكر سليمان بن نصير الدولة بن مروان صاحب الجزيرة بمنصور بن عز ير علي فحبسه وافترق أصحابه وبعث قرواش صاحب الموصل إليهم جيشه فطردهم وافترقت جموعهم ولحق الغز بديـار بكـر وأثخنـوا فيهـا وأطلـق نصيـر الدولة أميرهم منصوراً من يد ابنه فلم ينتفع منهم بذلك‏.‏ وقاتلهم صاحب الموصل فحاصروه ثم ركب في السفين ونجا إلى السند وملكوا البلد وعاثوا فيها‏.‏ وبعث قرواش إلى الملك جلال الدولة يستنجده وإلى دبيس بن مزيد وأمراء العرب‏.‏ وفرض الغز على أهل الموصل عشرين ألف دينار فثار الناس بهم وكان كوكباش قد فارق الموصل فرجع ودخلها عنوة في رجب سنة خمس وثلاثين وأفحش في القتل والنهب‏.‏ وكانوا يخطبون للخليفة ولطغرلبك بعده فكتب الملك جلال الدولة إلى طغرلبك يشكو لـه بأحوالهـم فكتـب إليـه أن هـؤلاء الغـز كانـوا فـي خدمتنـا وطاعتنـا حتـى حـدث بيننـا وبيـن محمـود بـن سبكتكين مـا علمتـم ونهضنـا إليـه وسـاروا فـي خدمتنـا فـي نواحي خراسان فتجاوزوا حدود الطاعة وملكة الهيبة ولا بد من إنزال العقوبة بهم وبعث إلى نصير الدولة بعده يكفهم عنه‏.‏ وسار دبيس بن مزيد وبنو عقيل إلى قرواش صاحب الموصل وقعد جلال الدولة عن إنجاده لما نزل به من الأتراك وسمع الغر بجموع قرواش فبعثوا إلى من كان بديار بكر منهم واجتمعوا إليهـم واقتتـل الفريقـان فانهـزم العـرب أول النهـار ثـم أتيحت لهم الكرة على الغز فهزموهم واستباحوهم وأثخنوا فيهم قتلاً وأسراً واتبعهم قرواش إلى نصيبين ورجع عنهم فساروا إلى ديـار بكـر وبلـاد الأرمن والروم وكثر عيثهم فيها‏.‏ وكان طغرلبك وإخوته لما جاؤوا إلى خراسان طالت الحروب بينهم وبين عساكر بني سبكتكين حتى غلبوهم وحصل لهم الظفر وهزموا سياوشي حاجب مسعود آخر هزائمهم وملكوا هراة فهرب عنها سياوشي الحاجـب ولحـق بغزنة وزحف إليهم مسعود ودخلوا البرية ولم يزل في اتباعهم ثلاث سنين‏.‏ ثـم انتهـزوا فيـه الفرصـة باختلـاف عسكـره يومـاً علـى المـاء فانهزمـوا وغنمـوا عسكـره وسـار طغرلبـك إلـى نيسابـور سنـة إحـدى وثلاثيـن فملكهـا وسكـن السادياج وخطب له بالسلطان الأعظم العمال في النواحي‏.‏ وكان الدعار قد اشتد ضررهم بنيسابور فسد أمرهم وحسم عللهم واستولى السلجوقية على جميع البلاد‏.‏ وسار بيقو إلى هراة فملكها وسار داود إلى بلخ وبها القوتيـاق حاجـب مسعـود فحاصـره وعجـز مسعـود عـن إمـداده فسلـم البلـد لداود واستقل السلجوقيـة بملـك البلـاد أجمـع‏.‏ ثـم ملـك طغرلبـك طبرستـان وجرجـان من يد أنو شروان بن متوجهر قابـوس وضمنهـا أنـو شـروان بثلاثيـن ألـف دينـار وولـى على جرجان مرداويج في أصحابه بخمسين ألـف دينـار وبعث القائم القاضي أبو الحسن الماوردي إلى طغرلبك فقرر الصلح بينه وبين جلال الدولة القائم بدولته ورجع بطاعته‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:02 AM

فتنة قرواش مع جلال الدولة
كان قرواش قد أنفذ عسكره سنة إحدى وثلاثين لحصار خميس بن ثعلب بتكريت واستغاث بجلال الدولة وأمر قرواشاً بالكف عنه فلم يفعل وسار لحصاره بنفسه‏.‏ وبعث إلى الأتراك ببغـداد يستفسدهـم علـى جلـال الدولـة فاطلـع علـى ذلـك فبعـث أبـا الحـارث أرسلـان البساسيـري في صفر سنة اثنتين وثلاثين للقبض على نائب قرواش بالسندسية واعترضه العرب فمنعوه ورجع وأقامـوا بين صرصر وبغداد يفسدون السابلة وجمع جلال الدولة العساكر وخرج إلى الأنبار وبها قرواش فحاصرها‏.‏ ثم اختلفت عقيل على قرواش فرجع إلى مصالحة جلال الدولة‏.‏

وفاة جلال الدولة وملك أبي كاليجار
لما قلت الجبايات ببغداد مد جلال الدولة يده إلى الجوالي فأخذها وكانت خاصة بالخليفة ثم توفـي جلـال الدولـة أبـو طاهـر بـن بهـاء الدولـة فـي شعبـان سنـة خمـس وثلاثيـن وأربعمائـة لسبـع عشرة مـن ملكـه‏.‏ ولمـا مـات خـاف حاشيته من الأتراك والعامة فانتقل الوزير كمال الملك بن عبد الرحيم وأصحابه الأكابر إلى حرم دار الخلافة واجتمع القواد للمدافعة عنهم وكاتبوا الملك العزيز أبا منصور بن جلال الدولة في واسط بالطاعة واستقدموه وطلبـوا حـق البيعـة فراوضهـم فيهـا فكاتبهم أبو كاليجار عنها فعدلوا إليه‏.‏ وجاء العزيز من واسط وانتهى إلى النعمانية فغدر به عسكـره ورجعوا إلى واسط وخطبوا لأبي كاليجار‏.‏ وسار العزيز إلى دبيس بن مزيد ثم إلى قـرواش بـن المقلـد ثم فارقه إلى أبي الشوك فغدر به فسار إلى نيال أخي طغرلبك فأقام عنده مدة ثم قصد بغداد مختفياً فظهر على بعض أصحابه فقتله ولحق هو بنصير الدولة بن مروان فتوفي عنده بميافارقين سنة إحدى وأربعين‏.‏ وأما أبـو كاليجـار فخطـب لـه ببغـداد فـي صفـر سنـة سـت وثلاثيـن‏.‏ وبعـث إلـى الخليفـة بعشـرة آلـاف دينـار وبأمـوال أخـرى فرقـت إلـى الجنـد ولقبـه القائـم بمحيـي الدين وخطب له أبو الشوك ودبيس بن مزيـد ونصيـر الدولـة بـن مـروان بأعمالهم‏.‏ وسار إلى بغداد ومعه وزيره أبو الفرج محمد بن جعفر بن محمد بن فسانجس‏.‏ وهم القائم لاستقباله فاستعفى من ذلك وخلع على أرباب الجيوش وهم البساسيري والنساوري والهمام أبو اللقاء‏.‏ وأخرج عميد الدولة أبا سعيـد مـن بغـداد فمضى إلى تكريت وعاد أبو منصور بن علاء الدولة بن كالويه صاحب أصبهان إلى طاعته وخطب له على منبره انحرافاً عن طغرلبك‏.‏ ثـم راجعـه بعـد الحصـار واصطلحـا علـى مـال يحملـه وبعـث أبو كاليجار إلى السلطان طغرلبك في الصلح وزوجه ابنته فأجاب وتم بينهما سنة تسع وثلاثين‏.‏

وفاة أبي كاليجار وملك ابنه الملك الرحيم
كان أبو كاليجار والمرزبان بن سلطان الدولة قد سارا سنة أربعين إلى نواحي كرمان وكان صاحبها بهرام بن لشكرستان من وجوه الديلم قد منع الحمل فتنكر له أبو كاليجار وبعث إلى أبي كاليجار يحتمي به وهو بقلعة بردشير فملكها من يده وقتل بهرام بعض الجند الذين ظهر منهـم علـى الميـل لأبـي كاليجـار فسـار إليـه ومرض في طريقه ومات بمدينة جنايا في سنة أربعين لأربع سنين وثلاثة أشهر من ملكه‏.‏ ولما توفي نهب الأتراك معسكره وانتقل ولده أبو منصور فلاستون إلى مخيم الوزير أبي منصور وأرادوا نهبه فمنعهم الديلم وساروا إلى شيراز فملكها أبو منصور واستوحش الوزير منه فلحق ببعـض قلاعـه وامتنـع بهـا ووصـل خبـر وفـاة أبـي كاليجار إلى بغداد وبها ولده الملك الرحيم أبو نصر خسرو فيروز فبايع له الجند وبعث إلى الخليفـة فـي الخطبـة والتلقـب بالملـك الرحيـم فأجابـه إلـى مـا سـأل إلا اللقـب بالرحيـم للمانـع الشرعـي من ذلك‏.‏ واستقر ملكه بالعراق وخوزستان والبصرة وكان بها أخوه أبو علي واستولى أخوه أبو منصور كما ذكرنا على شيراز فبعث الملك الرحيم أخاه أبا سعد في العساكر فملكها وقبض علـى أخيـه أبي منصور وسار العزيز جلال الدولة من عند قرواش إلى البصرة فدافعه أبو علي بن كاليجار عنها‏.‏ ثم سار الملك الرحيم إلى خوزستان وأطاعه من بها من الجند وكثرت الفتنة ببغداد بين أهل السنة والشيعة‏.‏

مسير الملك الرحيم إلى فارس
ثم سار الملك الرحيم من الأهواز إلى فارس سنـة إحـدى وأربعيـن وخيـم بظاهـر شيـراز ووقعت فتنة بين أتراك شيراز وبغداد فرحل أتراك بغداد إلى العراق وتبعهم الملك الرحيم لانحرافه عن أتراك شيراز‏.‏ وكان أيضا منحرفاً عن الديلم بفارس لميلهم إلى أخيه فلاستون باصطخـر وانتهـى إلـى الأهواز فأقام بها واستخلف بارجان أخويه أبا سعد وأبا طالب فزحف إليهما أخوهما فلاستون وخرج الملك الرحيم من الأهواز إلى رامهز للقائهم فلقيهم وانهزم إلى البصرة ثم إلى واسط وسارت عساكر فارس إلى الأهواز فملكوها وخيموا بظاهرها‏.‏ ثم شغبـوا علـى أبـي منصـور وجاء بعضهم إلى الملك الرحيم فبعث إلى بغداد واستقر الجند الذين بها وسار إلى الأهواز فملكها وأقام ينتظر عسكر بغداد‏.‏ ثم سار إلى عسكر مكرم فملكها سنة اثنتين وأربعين‏.‏ ثـم تقـدم سنـة ثلـاث وأربعين ومعه دبيس بن مزيد والبساسيري وغيرهما‏.‏ وسار هزارشب بن تنكيـر ومنصـور بـن الحسيـن الأسـدي فيمـن معهمـا مـن الديلـم والأكـراد من أرجان إلى تستر فسبقهم الملـك الرحيـم إليهـا وغلبهـم عليهـا‏.‏ ثـم زحـف فـي عسكـر هزارسـب فوافـاه أميـره أبـو منصور بمدينة شيراز فاضطربوا ورجعوا ولحق منهم جماعة بالملك الرحيم فبعث عساكر إلى رامهرمز وبها أصحاب أبي منصور فحاصرها وملكها في ربيـع سنـة ثلـاث وأربعيـن‏.‏ ثـم بعـث أخـاه أبـا سعـد فـي العساكـر إلـى بلـاد فـارس لـأن أخـاه أبـا نصـر خسـرو كان باصطخر وضجر من تغلب هزارشب بن تنكير صاحب أخيه أبي منصور فكتب إلى أخيه الملك الرحيم بالطاعة فبعث إليه أخاه أبا سعد فأدخله اصطخر وملكه‏.‏ ثم اجتمع أبو منصور فلاستون وهزارسب ومنصور بن الحسين الأسدي وساروا للقاء الملك الرحيم بالأهواز واستمدوا السلطان طغرلبك وأبو إطاعته فبعث إليهم عسكراً وكان قد ملك أصبهـان واستطـال وافتـرق كثيـر مـن أصحـاب الملـك الرحيم عنه مثل البساسيري ودبيس بن مزيد والعـرب والأكـراد وبقي في الديلم الأهوازية وبعض الأتراك من بغداد‏.‏ ورأى أن يعود من عسكر مكـرم إلـى الأهـواز ليتحصن بها وينتظر عسكر بغداد‏.‏ ثم بعث أخاه أبا سعد إلى فارس كما ذكرنـا ليشعل أبا منصور وهزراسب ومن معهما عن قصده فلم يعرجوا على ذلك وساروا إليه بالأهـواز وقاتلهـم فانهـزم إلـى واسـط ونهب الأهواز وفقد في الواقعة الوزير كمال الملك أبو المعالي عبد الرحيم فلم يوقف له على خبر‏.‏ وسار أبو منصور وأصحابه إلى شيراز لأجل أبي سعد وأصحابه فلقيهم قريباً منها وهزمهم مرات واستأمن إليه الكثير منهم واعتصم أبو منصور ببعض القلاع وأعيدت الخطبة بالأهواز للملـك الرحيـم واستدعـاه الجنـد بهـا وعظمـت الفتنـة ببغـداد بيـن أهـل السنـة والشيعـة فـي غيبة الملك الرحيـم واقتتلـوا وبعـث القائـم نقيـب العلوييـن ونقيـب العباسييـن لكشـف الأمر بينهما فلم يوقف على يقين في ذلك‏.‏ وزاد الأمر وأحرقت مشاهد العظماء من أهل البيت وبلغ الخبر إلى دبيس بن مزيد فاتهم القائم بالمداهنة في ذلك فقطع الخطبة له ثم عوتب فاستعتب وعاد إلى حاله‏.‏

مهادنة طغرلبك للقائم
قـد تقم لنا شأن الغز واستيلائهم على خراسان من يد بني سبكتكين عام اثنتين وثلاثين ثم استيلاء طغرلبـك علـى أصبهـان مـن يـد ابـن كالويـه سنـة اثنتيـن وأربعيـن‏.‏ ثـم بعـث السلطـان طغرلبـك أرسلـان ابـن أخيـه داود إلـى بلاد فارس فافتتحها سنة اثنتين وأربعين واستلحم من كان بها من الديلم ونزل مدينة نسا وبعث إليه القائم بأمر الله بالخلع والألقاب وولاه على ما غلب عليه فبعث إليه طغرلبك بعشرة آلـاف دينـار وأعلـاق نفيسـة مـن الجواهـر والثيـاب والطيـب وإلـى الحاشية بخمسة آلاف دينار وللوزير رئيس الرؤسـاء بألفيـن وحضـروا العيـد فـي سنـة ثلـاث وأربعين ببغداد فأمر الخليفة بالاحتفال في الزينة والمراكب والسلاح‏.‏ ثم سار الغز سنة أربع وأربعين إلى شيراز وبها الأمير أبو سعد أخو الملك الرحيم فقاتلهم وهزمهم كما نذكر في أخبارهم‏.‏

استيلاء الملك الرحيم على البصرة من يد أخيه
ثـم بعث الملك الرحيم سنة أربع وأربعين جيوشه إلى البصرة مع بصيرة البساسيري فحاصروا بهـا أخـاه أبا علي وقاتلوا عسكره في السفن فهزموهم وملكوا عليهم دجلة والأنهر‏.‏ وجاء الملك الرحيم بالعسكر في البر واستأمن إليه قبائل ربيعة ومضر فأمنهم وملك البصرة وجاءته رسل الديلـم بخوزستـان بطاعتهـم‏.‏ ومضـى أخوه أبو علي إلى شط عمان وتحصن به فسار إليه الملك الرحيم وملك عليه شط عمان ولحق بعبادان وسار منها إلى أرجان‏.‏ ثـم لحـق بالسلطـان طغرلبك بأصبهان فأكرمه وأصهر إليه وأقطع له وأنزله بقلعة من أعمال جرباذقان‏.‏ وولى الملك الرحيـم وزيـره البساسيـري علـى البصـرة وسار إلى الأهواز وأرسل منصور بن الحسين وهزارشب في تسليم أرجان وتستر فتسلمها واصطلحا‏.‏ وكان المقدم على أرجان فولاد بن خسرو من الديلم فرجع إلى طاعة الملك الرحيم سنة خمس وأربعين‏.‏

فتنة ابن أبي الشوك ثم طاعته
كـان سعـدي بـن أبـي شـوك قـد أعطـى طاعته للسلطان طغرلبك بنواحي الري وسار في خدمته وبعثـه سنـة أربـع وأربعيـن فـي العساكـر إلـى نواحـي العـراق فبلـغ النعمانيـة وكثـر عيثـه وراسلـه ملـد من بنـي عقيـل قرابـة قريـش بـن بـدران فـي الاستظهـار له على قريش ومهلهل أخي أبي الشوك فوعهم فسار إليهم مهلهل وأوقع بهم على عكبرا فساروا إلى سعدي وشكوا إليه وهو على سامرا فسـار وأوقـع بعمـه مهلهل وأسره وعاد إلى حلوان وهم الملك الرحيم بتجهيز العساكر إليه بحلوان واستقدم دبيس بن مزيد لذلك‏.‏ ثم عظمت الفتنة سنة خمس وأربعين ببغداد من أهل الكرخ وأهل السنة ودخلها طوائف من الأتراك وعم الشر وأطرحت مراقبة السلطان وركب القواد لحسم العلة فقتلوا علوياً من أهل الكـرخ فنـادت نساؤه بالويل فقاتلهم العامة وأضرم النار في الكرخ بعض الأتراك فاحترق جميعه‏.‏ ثـم بعـث القائـم وسكـن الأمر وكان مهلهل لما أسر سار ابنه بدر إلى طغرلبك وابن سعدي كان عنـده رهينـة وبعث إلى سعدي بإطلاق مهلهل عند ذلك فامتنع سعدي من ذلك وانتقض على طغرلبك وسار من همذان إلى حلوان وقاتلها فامتنعت عليه فكاتب الملك الرحيم بالطاعة ولحقـه عساكـر طغرلبـك فهزموه ولحق ببعض القلاع هنالك‏.‏ وسار بدر في اتباعه إلى شهرزور ثم جاءه الخبر بأن جمعاً من الأكراد والأتراك قد أفسدوا السابلة وأكثروا العيث فخرج إليهم البساسيـري واتبعهـم إلـى البواريـخ وأوقـع بالطوائـف منهـم واستباحهـم وعبـروا الزاب فلم يمكنه العود إليهم ونجوا‏.‏

وفي سنة سـت وأربعيـن
شغب الأتراك على وزير الملك الرحيم في مطالبة أرزاقهم واستعدوه عليه فلم يعدهم فشكوا من الديوان وانصرفوا مغضبين وباركوا من الغد لحصار دار الخليفة‏.‏ وحضـر البساسيـري واستكشف حال الوزير فلم يقف له على خبر‏.‏ وكبست الدور في طلبه فكان ذلك وسيلة للأتراك في نهب دور الناس‏.‏ واجتمع أهل المحال لمنعهم ونهاهم الخليفة فلم ينتهـوا فهـم بالرحلـة عـن بغـداد‏.‏ ثـم ظهـر الوزيـر وأنصفهـم فـي أرزاقهـم فتمادوا على بغيهم وعسفهم واشتد عيث الأتراك والأعراب في النواحي فخربت البلاد وتفرق أهلها وأغار أصحاب ابن بدران بالبرد وكبسوا حلل كامل بن محمد بن المسيب ونهبوها ونهبوا في جملتها ظهراً وأنعاماً للبساسيري وانحل أمر الملك والسلطنة بالكلية‏.‏

استيلاء طغرلبك على أذربيجان وعلى أرمينية والموصل
سار طغرلبك سنة أربعين إلى أذربيجان فأطاعه صاحب قبرير أبو منصور وشهودان ابـن محمد وخطب له ورهن ولده عنده‏.‏ ثم أطاعه صاحب جنده أبو الأسوار ثم تبايع سائر النواحـي علـى الطاعـة وأخـذ رهنهم وسار إلى أرمينية فحاصر ملاذكرد وامتنعت عليه فخرب مـا جاورهـا مـن البلـاد‏.‏ وبعـث إليـه نصيـر الدولـة بن مروان بالهدايا وقد كان دخل في طاعته من قبل‏.‏ وسار السلطان طغرلبك لغزو بلاد الروم واكتسحها إلى أن بلغ أردن الروم ورجع إلى أذربيجان ثـم إلـى الـري وخطـب لـه قريـش بـن بـدران صاحـب الموصـل فـي جميـع أعمالـه وزحـف إلـى الأنبـار ففتحهـا ونهـب مـا فيهـا البساسيـري فانتقض لذلك وسار في العساكر إلى الأنبار فاستعاده من يده‏.‏

وحشة البساسيري
كان أبو الغنائم وأبو سعد ابنا المجلبان صاحبي قريش بن بدران وبعثهما إلى القائم سراً من البساسيـري بمـا فعـل بالأنبـار فانتقـض البساسيـري لذلـك واستوحـش مـن القائـم ومـن رئيـس الرؤسـاء وأسقـط مشاهرتهـم ومشاهـرة حواشيهـم وهـم بهدم منازل بني المجلبان‏.‏ ثم أقصر وسار إلى الأنبار وبها أبو القاسم بن المجلبان وجاءه دبيس بن مزيد ممداً له فحاصر الأنبار وفتحها عنـوة ونهبهـا وأسـر مـن أهلها خمسمائة ومائة من بني خفاجة وأسر أبا الغنائم وجاء به إلى بغدا فأدخله على جمل وشفع دبيس بن مزيد في قتله وجاء إلى مقابل التاج من دار الخليفة فقبل الأرض وعاد إلى منزله‏.‏

وصول الغز إلى الدسكرة ونواحي بغداد
وفـي شـوال مـن سنـة سـت وأربعيـن وصـل صاحب حلوان من الغز وهو إبراهيم بن إسحاق إلى الدسكـرة فافتتحهـا ونهبهـا وصـادر النسـاء‏.‏ ثـم سـار إلـى رسغبـاد وقلعـة البردان وهي لسعدي بن أبي الشوك وبها أمواله فامتنعت عليه فخرب ما حولها من القرى ونهبها وقوي طمع الغز في البلاد وضعف أمر الديلم والأتراك‏.‏ ثم بعث طغرلبك أبا علي ابن أبي كاليجار الذي كان بالبصـرة فـي جيـش من الغز إلى خوزستان فاستولى على الأهواز وملكها ونهب الغز الذين معه أموال الناس ولقوا منهم عناء‏.‏

استيلاء الملك الرحيم علي شيراز
وفي سنة سبـع وأربعيـن سـار فولاذ الذي كان بقلعة اصطخر من الديلم وقد ذكرناه إلى شيراز فملكها من يد أبي منصور فولاستون بن أبي كاليجار وكان خطب بها للسلطـان طغرلبـك فخطب فولاذ بها للملك الرحيم ولأخيه أبي سعد يخادعهما بذلك‏.‏ وكان أبو سعد بأرجان فاجتمـع هـو وأخـوه أبـو منصـور علـى حصـار شيـراز فـي طاعـة أخيهمـا الملك واشتد الحصار على فولاذ وعدمت الأقوات فهرب عنها إلى قلعة اصطخر وملك الأخوان شيراز وخطبا لأخيهما الملك الرحيم‏.‏ قد ذكرنا تأكد الوحشة بين البساسيري ورئيس الرؤساء‏.‏ ثـم تأكـدت سنـة سبـع وأربعيـن وعظمت الفتنة بالجانب الشرقي بين العامة وبين أهل السنة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحضروا الديوان حتى أذن لهـم فـي ذلـك وتعرضـوا لبعـض سفـن البساسيـري منحـدرة إليـه بواسط وكشفوا فيها عن جرار خمر فجاؤوا إلى أصحاب الديـوان الذيـن أمـروا بمساعدتهـم واستدعوهم لكسرها فكسروها واستوحش لذلك البساسيري ونسبه إلى رئيس الرؤساء‏.‏ واستفتى الفقهاء في أن ذلك تعد على سفينته فأفتاه الحنفية بذلك‏.‏ ووضع رئيس الرؤساء العيون على البساسيري بإذن من دار الخلافة وأظهر معايبه‏.‏ وبالغوا في ذلك ثم قصدوا في رمضان دور البساسيري بإذن من دار الخلافة فنهبوهـا وأحرقوهـا ووكلـوا بحرمـه وحاشيتـه‏.‏ وأعلن رئيس الرؤساء بذم البساسيري وأنه يكاتب المستنصر صاحب مصر فبعث القائم إلى الملك الرحيم فأمره بإبعاده فأبعده‏.‏

استيلاء السلطان طغرلبك على بغداد والخلعة والخطبة له
قد ذكرنا من قبل رجوع السلطان طغرلبك من غزو الروم إلى الري ثم رجع إلى همذان ثم سار إلى حلوان عازماً على الحج والاجتياز بالشام لازالته من يد العلوية‏.‏ وأجفل الناس إلى غربـي بغـداد وعظـم الإرجاف ببغداد ونواحيها وخيم الأتراك بظاهر البلد‏.‏ وجاء الملك الرحيم من واسط بعد أن طرد البساسيري عنه كما أمره القائم فسار إلى بلد دبيس بن مزيد لصهر بينهما‏.‏ وبعث طغرلبك إلى لقائهما بالطاعة وإلى الأتراك بالمقاربة والوعد فلم يقبلوا وطلبوا من القائم إعادة البساسيري لأنه كبيرهم‏.‏ ولما وصل الملك الرحيم سأل من الخليفة إصلاح أمره مع السلطـان طغرلبـك فأشـار القائـم بـأن يقـوض الأجنـاد خيامهـم ويخيمـوا بالحريم الخلافي ويبعثوا جميعاً إلى طغرلبك بالطاعة فقبلوا إشارته وبعثوا إلى طغرلبك بذلك فأجاب بالقبول والإحسان‏.‏ وأمر القائم بالخطبة لطغرلبك على منابر بغداد فخطب آخر رمضان من سنة سبع وأربعين واستأذن في لقاء الخليفة وخرج إليه رؤساء الناس في موكب من القضاة والفقهاء والأشراف وأعيـان الديلـم‏.‏ وبعـث طغرلبـك للقائم وزيره أبا نصر الكندري وأبلغه رسالة القائم واستحلفه له وللملك الرحيم وأمراء الأجناد‏.‏ ودخل طغرلبك بغداد ونزل بباب الشماسية لخمس بقين من رمضان وجاء هنالك قريش بن بدران صاحب الموصل وكان من قبل في طاعته‏.‏

القبض على الملك الرحيم وانقراض دولة بني بويه
ولمـا نـزل طغرلبـك بغـداد وافتـرق أهـل عسكـره فـي البلـد يقضـون بعـض حاجاتهـم فوقعت بينهم وبين بعض العامة منازعة فصاحوا بهم ورجموهم وظن الناس أن الملك الرحيم قد اعتزم على قتال طغرلبك فتواثبوا بالغز من كل جهة إلا أهل الكرخ فإنهم سألوا من وقع إليهم من الغز وأرسل عميد الملك وزير طغرلبك عن عدنان بن الرضي نقيب العلويين وكان مسكنه بالكرخ فشكره عـن السلطـان طغرلبك‏.‏ ودخل أعيان الديلم وأصحاب الملك الرحيم إلى دار الخلافة نفياً للتهمة عنهـم‏.‏ وركـب أصحـاب طغرلبـك فقاتلـوا العامـة وهزموهم وقتلوا منهم خلقاً ونهبوا سائر الدروب ودور رئيـس الرؤسـاء وأصحابـه والرصافـة ودور الخلفـاء وكـان بهـا أموال الناس نقلت إليها للحرمة فنهب الجميع واشتد البلاء وعظم الخوف‏.‏ وأرسل طغرلبك إلى القائم بالعتاب ونسبة ما وقع إلى الملك الرحيم والديلم وأنهم انحرفوا وكانوا برآء من ذلك‏.‏ وتقدم إليهم الخليفة بالحضور عند طغرلبك مع رسوله فلما وصلوا إلى الخيام نهبها الغز ونهبوا رسـل القائـم معهـم‏.‏ ثـم قبـض طغرلبـك علـى الملـك الرحيـم ومـن معه وبعث بالملك الرحيم إلى قلعة السيـروان فحبـس بهـا وكـان ذلـك لسـت سنيـن من ملكه‏.‏ ونهب في تلك الهيعة قريش بن بدران صاحب الموصل ومن معه من العرب ونجا سليباً إلى خيمة بدر بن المهلهل واتصل بطغرلبك خبره فأرسل إليه وخلع عليه وأعاده إلى مخيمه وبعث القائم إلى طغرلبك بإنكار ما وقع في أخفـار ذمتـه في الملك الرحيم وأصحابه وأنه يتحول عن بغداد فأطلق له بعضهم بلكسكسالربه وأنزع الإقطاعات من يد أصحابه الملك الرحيم فلحقوا بالبساسيري وكثر جمعه وبعث طغرلبك إلـى دبيـس بالطاعـة وإنفاذ البساسيري فخطب له في بلاده وطرد البساسيري فسار إلى رحبة ملك وكاتب المستنصر العلوي صاحب مصر‏.‏ وأمـر طغرلبـك بأخـذ أمـوال الأتـراك الجند وأهملهم وانتشر الغز السلجوقية في سواد بغداد فنهبوا الجانب الغربي من تكريت إلى النيل والجانب الشرقي إلى النهروانات وخرب السواد وانجلـى أهله وضمن السلطان طغرلبك البصرة والأهواز من هزارشب بن شكر بن عياض بثلثمائـة وستين ألف دينار وأقطعه أرجان وأمره أن يخطب لنفسه بالأهواز دون ما سواها‏.‏ وأقطع أبا علي بن أبي كاليجار ويسين وأعمالها وأمر أهل الكرخ بزيادة‏:‏ الصلاة خير من النوم في نداء الصبح وأمر بعمارة دار المملكة وانتقل إليها في شوال‏.‏ وتوفي ذخيرة الدين أبو العباس محمد بن القائم بالله في ذي القعدة من هذه السنة‏.‏ ثم أنكح السلطان طغرلبك من القائم بالله خديجة بنت أخيه داود واسمها أرسلان خاتون وحضر للعقد عميد الملك الكندي وزير طغرلبك وأبو علي بن أبي كاليجار وهزارسب بن شكر بن عياض الكردي وابن أبي الشـوك وغيرهـم مـن أمـراء الأتـراك مـن عسكـر طغرلبـك‏.‏ وخطـب رئيس الرؤساء وولي العقد وقبل الخليفة بنفسه‏.‏ وحضر نقيب النقباء أبو علي بن أبي تمام ونقيب العلويين عدنان بن الرضي والقاضي أبو الحسن الماوردي وغيرهم‏.‏


الساعة الآن 10:40 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى