![]() |
الإبحار والمركب تتلفّت العينان حولي لا أرى إلاّ صحابا ها هنا متفرقّين تتجسّد المأساة في نظراتهم صورا من الأحزان والألم الدفين ويروح يمخر في عباب البحر مركبنا الحزين ونظّل نغرق في دياجير السنين والليل يا أيار في بلدي , جدار يصفع اللحظات من أعمارنا سوداء إذ تأتي ولا جدوى , وهذي الريح تلعن خطونا |
الحصاد ها نحن نحصد ما زرعنا , والحصاد العام أحزن ما يكون فمواسم الأيام ما أعطت وجفّت كلّ أزهار الفصول وسماؤنا يا ليل موصدة , ملبدّة سحائب من تراب والريح تركض خلفنا , وتصبّ لعنتها ويمضي الركب , يوغل في مفاوز غربة الحزن العميق يا حادي الأحزان نحن بلا دليل ضاع الطريق ضاع الطريق وحداؤك النوّاح أعماق معذّبة جريحة ينثال في غور الجوانح أنّة حيرى , تردّدها الصحارى , تسكب الأحزان في الكلمات , تغرق في بحار التيه والصمت المخاطيّ الجدار |
الغنوة الأولى غنّيت يا وطني , وكانت غنوتي الأولى مبلّلة بأحزان الرحيل وعشقت يا وطني , وكانت من عشقت صبيّة حسناء من يافا , فلسطينية القسمات تبسم للشعاع , يطلّ , يحمل رعشة الأنسام , تجزع إذ تلوح خطى الغروب كانت تغنّي للصباح ينداح موج الذكريات على الجفون ويروح يصفعني العذاب , ولسعة الأشواق والليل الغريب الصمت إذ يمتدّ , يحبل بيننا في الليل أحزانا رمادية تسّاقط الزهرات يا وطني ونسمع كلّ يوم ألف أغنية . فلترسل الأنّات , غنّ عذابنا , يا حادي الآلام يا مبكي الجراح فلعل يغفو الجرح أو يتفجّر البركان قد طال هذا الليل في بلدي , وقافلة الضياع تلجّ عبر غياهب المجهول تحملنا , وفي الأحداق زاد من رؤى الأحباب خلف السور , |
نهر بلا روافد رفيقة هدبي المكسور أعود إليك حين تزورني الأحزان أعود إليك كلّ مساء شريدا دونما بيت أعود إليك مثل يتيم يودّع بالدموع لحود أحبابه تغلّفني كآبة عمري المنشور فوق جدائل الحرمان ويصلبني حنين الآن إليك إليك يا شمسا ربيعيّة تذيب صقيع أحزاني وتحضن قلبي المقرور تهدهده بعذب الوهم , تلثم جرحه لمسات تحنانك وأعرف أنّني نهر بلا روافد يعود إليك يغرق أرضك السمحاء بالأشجان وأنّك وهمة الوافد ظلمتك حين شدّتني الخيوط إليك , وحين تجمّعت كلماتنا نجما على بابك وحين وضعت زادي فوق مائدتك غريبا كنت أمضغ غربتي السوداء في الطرقات تطاردني وحوش الأرض كنت مقيّد الخطوات وكنت مطيّة للصمت والأنواء تقاذفني إليك وكنت أنت منارة , في الشاطىء الآخر عبرت إليك جسر الحزن بعد عناء وكان الوعد منذ وجودنا أن نلتقي غرباء وتصافحنا بلا أيد ولا نظرات تكلّمنا بلا حرف بلا بسمات جمعنا الحزن والصمت العميق فعزّت الكلمات وأذكر أنّني مذ كنت لم أحلم كما الأطفال بثوب العيد والحلوى ولا منّيت أيّامي بعودة غائب , يجتاز عتبة حزني الفيّاض , ينشر بهجة الدنيا فماذا , لم يكن في الدار نجم الحبّ يحضنني يبرعم في غدي الآمال ويمسح عن جبيني حرقة الشجن فأبصرت العذب يحوط سور حديقتي ويشوّه الأزهار لمحتك حينما عيناي يا عمري تفتحتا , وكانت حفتني أسرار دنوت إليهما , صلّيت للآلام لحظة أن دنوت , وما ابتسمت , قرأت تاريخ الضياع على جبينك , كنت مثلي , مقودي في قبضة الغيب على كتفيّ أحمل بؤس أقداري وألوانا من الغربة فعانقني حنينك يا معذّبتي , ونوّح في فؤادي بوحك الصامت تلاقينا على الحرمان في ظلمات هذا العصر ولم نعرف كلانا كيف نشدو غنوة الحبّ لأنّا ما ابتسمنا قبل , لم نحلم بفرحته , وما هي خفقة القلب كنّا نخنق الآهات , نطفىء في مواقد حزننا أوهامنا , ونذيب شوق العمر مشينا دربنا يمتدّ , ترصدنا عيون الموت وغنيّنا فضاع نشيدنا في وشوشات الصمت |
اللغو بالكلمات صمتنا كلّ هذا العمر لم نرفض ولم نحتج ولا يوما تمردنا وعفنا ليلنا المقرور نسامر نجمة الأحزان لا زاد أسوى الحسرة نلوك سنين ماضينا البعيد ونخنق الغصّة بقلب واهن مقهور وسائدنا من الأحلام , نزرعها بأرض الغد ونغفو في انتظار الغد وينفض غيرنا عنهم غبار الذلّ , نرسف نحن في قيد رضيناه نظلّ نعيش هذا الرعب تنفثه أفاعي الليل تنزّ دماؤنا والصمت يخرسنا وهذا الرعب إلام نظلّ نحرث في حقول الجدب ؟ تروّعنا رؤى الأشباح , يرعبنا قدوم الموت إلام يطول هذا الصمت ؟ إلام نظلّ ننسج في الخفاء قصائد الأحزان , نذرف دمعنا تحت اللحاف إلام هذا الخوف ؟ *** - جبان أنت جبان أنت حين تصلّبت شفتاك , حين صمت وحين رميت رأسك بين كفّيك الملوّثتين , تلتمس الرجاء المرّ نسيانا وتلغو الآن بالكلمات ترى ماضيك , تخجل , تغمض العينين , تقصي ذكريات الأمس وتنكرك الدروع وعنتر العبسيّ مات ووحلا قد غدت في ناظريك الشمس فلا دفء يسلّ الرعب من عينيك , يدحو عن دروب التيه ليل اليأس تظلّ تعيد في حزن , حكايتك القديمة عن سنابل حقلك المهجور بيادرك الدفينة في عيون الحزن , كيف حرمت من خيرات ذاك الصيف وكيف غزتك أسراب من الغربان أبادت كلّ ما جمّعت من غلّة فأقفرت السهول أسى , نعيق البوم عمّ مقابر القرية وكان زقاق قريتك الحزين مقّطع الأنفاس سنابك خيلهم داست بطون الناس *** وراء الباب كنت مطّية الخوف فلم ترفع بوجه الغول مقبض سيف وتلغو الآن بالكلمات ؟ |
المصلوب لأني حينما أبحرت في عينيك كان الحزن موّالي وكان الجرح في أعماق أعماقي , ينزّ دما ويروي ذلّ مأساتي لأن الخيبة السوداء كانت كلّ ما جمعّت , قبض الريح كان الحصاد ماضينا تكوّمنا على قش الحصير نلوب بالحسرة وفوق الموقد الناريّ قدر للحصى والماء وقاسية نيوب الجوع خالية روابينا لأنّ سواعد الإخوان ما اتّحدت ولا وقفت تصدّ عن الحقول جراد ذاك العام فبات الحزن فوق شفاهنا نغما نغنّيه نجوس العمر يا ويلاه من تيه إلى تيه لأني حينما أبحرت في عينيك كان الحزن موّالي تريّن الحبّ في عينيّ غير الحب رهيبا يرفض البسمات , قلبي غارقا في الجبّ *** وكنت على جدار الليل مصلوبا وكان الصمت جلاّدي لأن الحرف مثلي كان مغلولا بلا شفتين وكان السوط مرفوعا ولم أهتف خرست وكان في الأعماق توق الروح للكلمة يعذّبني ولكن لم أقل حرفين لأني كنت في الزحمة غريبا ضائع الخطوات منسيّا وكنت أعيش في منفاي كلّ جروح إخواني وظلّ العار يتبعني ولم أعرف سوى حزني رفيقا يحمل المأساة يرويها لخلاّني ترى هل تدركين الآن ما حزني ؟ كبير قدر قريتنا الكئيبة وهي تغفو ضمن أطلال الأماني غريب يا معذّبتي لأن جذوره تمتدّ في عينيّ مذ قالت , لي الريح السموم بأنّنا أغراب وأنّ حصادنا ما كان غير سراب فلا نجم المجوس يطلّ , يفضح عتمة الدرب ولا إشراقة في ليلنا المملوء بالرعب تلّم شعاثنا وتفجّر البركان في شعبي فكيف تنوّر الأحلام وهي قتيلة , مذ عانقتني نظرة العينين ؟! ألا تدرين أني مثقل ومقرّح الجفنين وما في جعبتي غير الأسى وحكاية للجرح ؟ فخلّيني تعشّش في شراييني عناكب حزننا المشبوب , خلّيني أغني للرياح الحاملات أنين إخواني لغربتنا ونحن نكابد الآلام , نطعم ذاتنا للحرف والفكرة أموت , وهل تموت الشمس لو طالت خيوط الليل ؟ سيزهر حزننا , إمّا يعانق شعبنا فجر الخلاص , |
السنابل القتيلة لو أنّها الرياح في مدينتي تكنّس الغبار عن رفوفها وتغسل اليباب بالمطر وتبعث الحياة من خريفها لو أنّها الرياح أو سواعد الرجال تمرّ بالحقول في المساء لتسمع النساء ينعين موسم الحصاد , والجفاف أذبل في العيون زهرة الفرح فهنّ في ابتهال لئن تعود نخوة الرجال فالشوق والحنين والعذاب سحابة من الأسى تنوح على السنابل القتيلة على مدينتي اليباب على رجالها الذين يبحرون في زورق المنون عن قلبها , عن جرحها الحزين ويصمتون , ويصمتون ويصمتون |
يوسف في الجبّ كلماتك يا حادي الركب حزينة كلماتك ريح والليل ذئاب مجنونة والقادم غبّر بالوحل جبيني وأنا مطعون عذّبني الأعداء لآني لم تعشق عيناي سوى وطني صلبوني في الغربة يا حادي الركب قيدّني إخواني ورموني في الجبّ قتلوني بجواب الصمت |
مأساة الصبي الأعرج سيّدتي حين أطلت عليك المشوار في إحضار الخضرة والفاكهة من السوق لم تسألني عيناك الأسباب بل صفعتني نظرتك الشزراء لم يخطر في بالك أنّ الأولاد الأشرار لاقوني في الدرب هزؤا من قدمي العرجاء فتعثّرت واعتصر الحزن القلب سيّدتي ما كنت لأملك دفعا سيّدتي يكفيني صفعا . *** سيّدتي هذا الصبح المغبّر الطالع قمّطني في ثوب الأحزان صادفت أبي يتسوّل في الشارع أخبرني أنّ شقيقتي الكبرى تضع الآن و شقيقتي الكبرى أرملة من أيام فتذّكرت البيت الخاوي من أيّ طعام ما عادت تغسل أمي للجيران ما عادت تحضر معها بعض الفضلات حين صرخت أبي فرّت من عينيه الدمعات وأسودّ العالم في نظري ماتت كلّ الكلمات وبكينا فوق رصيف الشارع سيّدتي لست بكذّاب لكّني منحوس الطالع توصد في وجهي الأبواب حتى بابك يا سيّدتي *** سيّدتي عفوك إني جائع ما كنت لأقصد بابك هذي الأمسية كنت وحيدا في الشارع قالت أمي ما أفطرنا بعد , والوقت مساء عزّ على نفسي أن تسأل عطف الناس عطاء فوجدت يدي تطرق بابك سيّدتي أنا فقراء سيّدتي باع أبي فرشته الصوف وربابته المحفوظة من عهد صباه ثمنا لحليب حفيده فلقد ماتت يا سيّدتي الأم إثر نزيف دام طويلا , عذّبها , عذّبها ما استطعنا أن نحضر أيّ طبيب يبعد عنها الداء سيّدتي نحن أناس فقراء ماتت يا سيّدتي وأبي صامت كان يفكّر في حزن , يتساءل , ولماذا ماتت ؟ قالت أمي : تلك مشيئته العليا ردّ أبي في ثورة صكتا , صمتا أيّة عليا يا مخلوقة بنتك ماتت جوعا ماذا قدّمت لها حين ولادتها غير الخبز الناشف ؟ والمرق الساخن والعدس المجروش ؟ ماذا قدّمت لها غير الأحزان ؟! وبكت أمي في صمت مجنون أخرس سيّدتي جئت إليك الآن أسألك الرحمة سيّدتي باسم الإنسان *** سيّدتي هذا اليوم السابع ووعودك لم تزهر يا سيّدتي ما زالت تسّاقط أمطارا , وتمّنيني بالصبر وأنا ما زلت ألفّ دروب التيه , أنا ما زلت الضائع لم ترو الأمطار غليل الظامىء فيلوذ بظلّ الخيبة سيّدتي , لا يدرك ما هو صانع . سيّدتي درت كثيرا في الطرقات وبحثت عن اللقمة سيّدتي فعملت بإحدى الحانات أجلي الكاسات وأنظّف أرض الصالة بعد خروج السادات سيّدتي لكنّ الأيام السوداء تأبى إلاّ أن تستكمل أبعاد المأساة ذات مساء وأنا أعمل والصالة رقص وغناء إنشقّ الماء عن شبح لصبيّ يتسوّل بين الناس أحسست بأني وحدي المقرور في قبضة هذا الليل المسعور فارتجفت أوصالي وتذكّرت أبي , أمي , أختي , فاضت عيناي بأحزاني غامت كلّ الأشياء وتهاوت من بين يديّ الكأس كسرت , وصفعت , طردت , وعادت تحضنني الطرقات لم أحزن يا سيّدتي لكن , ما زال يرنّ بأسماعي صوت حاقد أخرج , أخرج سيّدتي ما ذنبي في أنّي أعرج ؟ |
أمام المدينة المقصورة سيّدتي منذ أعوام مرّت لم يعرف قلبي طعم البسمة لم تسكب كلماتي فوق الورق الأصفر غير عذاب الجرح والدلو , يظلّ الدلو ثقيلا لا يطفح ماء , لا يعطي غير الملح والبئر عميق , أعمق من أحزان الغربة ما زالت تصفع وجهي من أعوام جدران الخيبة توصد نافذة الأمل المشرق تقتل أشواق الكلمة حين يعانقها النور من الداخل سيّدتي لا تسعفني الكلمات ويجردني بعدك عني من ثوب الحكمة أهذي في عرض الشارع بالأشياء وأذيب حرارة حبّي بالبوح أفقد وجهي بين نعال الغرباء *** بيدي سوّرت سياجي أطفأت سراجي أجهشت بكاء ومضيت ألفّ , أدور الأرض أبحث عمّا ضاع هباء في سنوات الأخطاء حين تعرّت ضحكتنا من نفحات الحب حين تعاشينا عند الإشراق معذرة يا سيّدتي إن جئت أغسل قلبي الأسيان على أعتابك سيّدتي ما زلت على فيض شبابك وأنا ما زلت هنا أسترحم نظرة أهدابك هل يمضي سيّدتي عمري , ويداي تدقّان على بابك ؟ |
الساعة الآن 08:31 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |